
حديث الصيف: مالك بن نبي و«البديل الحضاري»
العودة للماضي القريب لا تعني بحالٍ من الأحوال التخلي عن الواقع أو المستقبل، بل على العكس فهي خير معينٍ على الفهم الذي قد يختصر الكثير من الجهد والمال والسياسات؛ ذلك أنَّ الوعي هو أعظم كنوز صانع القرار، وهو الذي يقود المعلومات والأرقام والإحصائيات؛ لأنَّ فقدان الوعي يعني فقدان بوصلة التاريخ.
لا يجادل عاقلٌ في أهمية فكرة وحركات «الإسلام السياسي» في القرن الأخير من الزمن، ولا يجادل باحثٌ في امتداداتها الزمانية والمكانية، إن على مدى التراث الإسلامي القديم زمانياً وإن على مدى جغرافيا دول العالم الإسلامي مكانياً والعالم بأسره، وإن على مستوى من المستفيد من الفكرة، ومن داعمها الأول، ومن رموزها المؤسسون، ثم ما مفاهيمها المؤسسة، وكيف تطور كل ذلك.
يعلم المتخصصون نتفاً من الإجابة عن هذه الأسئلة، وهي ما زالت بحاجة لمزيدٍ من البحث والتوثيق والبرهنة، وهذا شأنٌ طبيعيٌّ في العلم، بحيث تحتاج الظواهر الكبيرة والاستثنائية والمؤثرة لكثيرٍ من الدرس والبحث والتعمق، وفي تراثنا الإسلامي دلائل كثيرةٌ عند النظر في مسميات الفرق والطوائف والمذاهب، دينياً وعقائدياً وفقهياً وسلوكياً، وظاهرة «الإسلام السياسي» المعاصرة فرعٌ عن ذلك من هذا الجانب.
يرغب الكثيرون في اختصار هذه الظاهرة في مسمياتٍ مشهورةٍ ورموزٍ معروفةٍ مثل حسن البنا مؤسس جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر أو أبو الأعلى المودودي صانع المفاهيم المتطرفة تأثراً بالمدارس الفكرية الغربية أو سيد قطب الأكثر تأثيراً في «صناعة الإرهاب» المعاصر فكراً ومفاهيم وتنظيماتٍ، ويغفل الكثيرون عن رموزٍ وشخصياتٍ لا تقل أثراً عن هؤلاء وإن كانت أقل حدةً وأكثر نعومةً.
سنياً وشيعياً، كانت هناك على الدوام جهاتٌ وأسماء ورموزٌ وخطاباتٌ داعمةٌ للإسلام السياسي، إما لكونها برسم الاستغلال كالمؤسسات الدينية التقليدية، في كثيرٍ من البلدان العربية والإسلامية، مثل الأزهر وغيره، وإما لكونها برسم الاختراق بحيث تحيط بها عناصر «الجماعة» المدربة وتخدمها وتعمل في مكاتبها، سواء أكانت سياسيةً أم دينيةً، وتؤثر على مواقفها وقراراتها وفتاواها.
خطاب «الإسلام السياسي» آيديولوجيا وجماعاتٍ ورموزاً يقوم على استخدام «التناقض» بمعنى أنه يضع دائماً مخارج فكرية أو حركية أو سياسية للتقلب بين الخيارات المطروحة، وقد نظّر العديد من رموزهم لهذه التناقضات ما دامت تخدم الهدف السياسي الأعلى وغاية الاستيلاء على «السلطة».
فكرة «البديل الحضاري» هي فكرة معناها أنه يجب أن يكون لديك دائماً بديلٌ آخر، وفكرةٌ أخرى، ورمزٌ آخر، بحيث إذا فشل أي مشروعٍ أو رمزٍ تكون مستعداً لتقديم بديلٍ له وإن بدا مناقضاً أو مضاداً له، وكذلك في الأفكار والمفاهيم والرموز؛ ذلك أن هذه الجماعات هي جماعاتٌ سياسيةٌ في الأصل، تستخدم الدين لتحقيق أهدافها، ولا مانع لديها من تبني المتناقضات.
كتب صلاح الصاوي مرةً في كتابه «الثوابت والمتغيرات» ينظّر لتبني المتناقضات من قبل هذه الجماعات فيقول: «ولا يبعد القول بأن مصلحة العمل الإسلامي قد تقتضي أن يقوم فريق من رجاله ببعض هذه الأعمال الجهادية ويظهر النكير عليها آخرون، ولا يبعد تحقيق ذلك عملياً إذا بلغ العمل الإسلامي مرحلة من الرشد».
وقد حرصت الجماعة قديماً على وضع مسافةٍ بينها وبين سيد قطب، فكتب المرشد الثاني حسن الهضيبي في كتابه «دعاةٌ لا قضاة» ليتبرأ من أفكار سيد قطب الحادة والمتطرفة، ولكنه ناقض ذلك كليةً عندما قال لزينب الغزالي حين سألته: «على بركة الله إن هذا الكتاب حصر أملي كله في سيد... إن سيد قطب هو الأمل المرتجى للدعوة».
والباحث المجدّ يعلم جيداً حجم التأثير المتبادل بين نسختي الإسلام السياسي سنياً وشيعياً، وجماعات الإسلام السياسي السني تتبع هنا «مبدأ التقية» الشيعي كما استفاد الإسلام السياسي الشيعي من الإسلام السياسي السنيّ مبدأ «تسنين التشيع» الذي أوضحه بجلاء المفكر المغربي المعروف عبد الله العروي في كتابه الجميل «السنة والإصلاح».
أخيراً، فعلى المستوى العام تبنت هذه الجماعات طرحاً حضارياً مختلفاً سنياً وشيعياً، سنياً لدى الكاتب الجزائري مالك بن نبي، وشيعياً لدى الكاتب الإيراني «علي شريعتي» وكلاهما خسرا تأثيرهما لصالح المتطرفين من الجانبين.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
جمعيات تقاضي وزيرة فرنسية سابقة بسبب «إساءتها» للجزائريين
لا يكاد يمر يوم دون أن تطرأ تطورات جديدة تفاقم حدة الخلافات بين الجزائر وباريس. فبالتزامن مع ما سُمّي بـ«أزمة الحقائب الدبلوماسية»، رفعت جمعيات مهاجرين جزائريين في فرنسا دعوى قضائية ضد وزيرة سابقة، تترأس حملة الدفاع عن الكاتب المسجون بوعلام صنصال، وذلك على خلفية تصريحات صحافية وصفت فيها الجزائريين المقيمين في فرنسا بـ«الإرهابيين». الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال (أ.ف.ب) وأعلن «الاتحاد الفرنسي لمزدوجي الجنسية والمهجر الجزائري» على حساباته بالإعلام الاجتماعي عن رفع شكوى ضد وزيرة الشؤون الأوروبية الفرنسية السابقة، نويل لونوار (2002 - 2004)، على أثر تصريحاتها لقناة «سي نيوز» الإخبارية، الجمعة الماضي، اتهمت فيها جزائريين في المهجر بـ«الإرهاب»، في سياق تصاعد التوترات بين البلدين. وطالب التنظيم من القضاء «بشكل عاجل» إلزام القناة ببث شريط تصحيحي، واعتذارات علنية للجاليتين الجزائرية، والجالية الفرنسية - الجزائرية في وقت الذروة من المتابعة على القناة، وإلزامها بدفع تعويض قدره 50 ألف يورو لها بوصفها جمعية تدافع عن المهاجرين ضد العنصرية. والمعروف أن هذه القناة تميل سياسياً لليمين المتطرف في فرنسا، الذي يُعرف بحدته تجاه المهاجرين، وخاصةً المهاجرين الجزائريين. كما أن للقناة مواقف تصعيدية ضد الجزائر في الخلافات التي نشأت منذ أكثر من عام، وأحياناً ضد الرئيس إيمانويل ماكرون، بحجة أنه «متساهل» في التعامل مع الجانب الجزائري. كما أعلنت منظمة «النجدة من العنصرية» في فرنسا عن إيداع شكوى ضد الوزيرة السابقة، مؤكدة أنها «أطلقت على الهواء مباشرة تصريحات بالغة الخطورة تستهدف الجزائريين». وقال رئيسها دومينيك سوبو إنه رفع طلباً إلى «هيئة تنظيم السمعي البصري والاتصال الرقمي» في فرنسا لفرض عقوبات على القناة، التي اتهمها بـ«تطبيع العنصرية في النقاش العام»، وفق ما نشرته وسائل إعلام فرنسية، الثلاثاء. البرلمانية الفرنسية ذات الأصول الجزائرية صابرينا صبايحي (حسابها بالإعلام الاجتماعي) كما ندّد سوبو بـ«النزعة المعادية للأجانب لدى لونوار»، داعياً إلى «اتخاذ إجراءات صارمة ضد خطابات الكراهية، التي تبثها (سي نيوز). وأحيلت «قضية لونوار وسي نيوز»، على القضاء رسمياً، الاثنين الماضي، بحسب ما أكده أعضاء «اتحاد مزدوجي الجنسية»، الذين رأوا في كلامها بحق المغتربين «عنصرية وتجاوزاً لحدود اللياقة». وخاضت لونوار في المسائل الخلافية بين البلدين، بصفتها رئيسة «لجنة الدفاع عن الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال»، المسجون في الجزائر منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بتهمة «المس بالوحدة الوطنية»، حيث أكدت أن «ملايين الجزائريين (...) يمكن أن يخرجوا سكيناً في المترو، أو في محطة، أو في الشارع في أي مكان، أو يقودوا سيارة ويقتحموا بها حشداً من الناس». وكانت لونوار ترد على قرار المجلس الدستوري إبطال عدة أحكام أساسية من مشروع قانون، يهدف إلى تشديد إبقاء الأجانب في وضع غير قانوني داخل مراكز الاحتجاز الإداري. وبعد تقديم الشكوى بيوم واحد، تراجعت نويل لونوار جزئياً عن تصريحاتها، لكنها قامت في الوقت نفسه بتبريرها؛ ففي بيان صدر عنها، الأربعاء، قالت لونوار: «كان يجب أن تُفهم بالآلاف وليس بالملايين [من الجزائريين]. وبعد تصحيح هذا، أظل متمسكة بتصريحاتي»، مضيفة: «من الواضح أنني لم أستهدف الجالية الجزائرية التي تعيش بسلام في فرنسا، بل أقلية صدرت في حقها أوامر بمغادرة الأراضي الفرنسية، لكنها بقيت رغم ذلك»، في إشارة إلى أزمة حادة بين البلدين، تتعلق برفض الجزائر استقبال العشرات من رعاياها المقيمين في فرنسا بطريقة غير قانونية، صدرت بحقهم قرارات إدارية بالترحيل، خلال الأسابيع الأولى من الأزمة، التي لم يعرفها البلدان منذ 1962، تاريخ خروج فرنسا من مستعمرتها السابقة. رئيس منظمة النجدة من العنصرية في فرنسا (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي) وأثارت تصريحات لونوار استياء واسعاً في قطاع من الأوساط السياسية في فرنسا، وقالت برلمانية الخضر ذات الأصول الجزائرية، صبرينة صبايحي، إن «مساواة ملايين الجزائريين بالمجرمين ليس مجرد رأي، بل جريمة لا يمكن التسامح معها في فرنسا». وأعلنت صبايحي، الاثنين، أنها خاطبت المدعي العام في باريس، استناداً إلى المادة الـ40 من قانون الإجراءات الجنائية، حسبها، لإبلاغه «بوجود وقائع قد تشكل جريمة». وأوضحت في رسالتها للمحكمة أن تصريحات لونوار «تعمم خطراً إجرامياً على ملايين الجزائريين، بناءً على جنسيتهم فقط، وهو ما يخالف المادة الـ24 من قانون الإجراءات الجنائية، التي تعاقب على التحريض العلني على التمييز والكراهية، أو العنف ضد مجموعة بسبب أصلها أو جنسيتها». وتأتي هذه التطورات في سياق ما يُعرف بـ«أزمة الحقيبة الدبلوماسية»، حيث أصدرت وزارة الداخلية الفرنسية قراراً يمنع موظفي السفارة الجزائرية من الدخول إلى المناطق المحظورة بالمطارات الفرنسية، والتي كانت مخصصة لتسلم الحقائب الدبلوماسية. وبعد تنديد الجزائر بالقرار، اقترح الجانب الفرنسي إجراءً مؤقتاً يقضي بمرافقة عناصر من الشرطة للدبلوماسيين الجزائريين عند تسلم الحقائب، وهو ما رفضته الجزائر.


الرياض
منذ ساعة واحدة
- الرياض
عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في وكالة وزارة الداخلية للأحوال المدنية
تابع صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، اليوم، سير العمل في وكالة وزارة الداخلية للأحوال المدنية، وذلك خلال زيارة قام بها سموه لمقرها بالرياض. واستمع سموه خلال الزيارة لشرح من المشرف على وكالة وزارة الداخلية للأحوال المدنية اللواء الدكتور صالح بن سعد المربع، عن مركز العناية بالعملاء، والخدمات التي تقدمها الأحوال المدنية للمستفيدين كافة. واطّلع سموه على آلية ترميم ومعالجة الوثائق القديمة التي تعرضت للتلف نتيجة تقادمها أو تعرضها لعوامل مناخية أو طبيعية مختلفة، وذلك باستخدام أحدث الوسائل التقنية والمعدات الخاصة. كما اطّلع الأمير عبدالعزيز بن سعود على معرض الوكالة الذي يتضمن معدات وأجهزة تاريخية، منها جهاز حاسب آلي استخدم مع بداية إصدار السجل المدني المركزي، وكاميرا التصوير الفوتوغرافي لحاملي بطاقة الأحوال المدنية سابقًا. رافق سموه خلال الزيارة، صاحب السمو الأمير الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عياف نائب وزير الداخلية المكلف، ومعالي وكيل وزارة الداخلية الدكتور خالد بن محمد البتال، ومدير عام مكتب الوزير للدراسات والبحوث اللواء خالد بن إبراهيم العروان، ونائب مساعد وزير الداخلية لشؤون التقنية المهندس ثامر بن محمد الحربي.


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
اتفاقية التعاون العسكري بين دمشق وأنقرة... لتطوير الجيش السوري ودعم إصلاح الأمن
ذكرت «وكالة الأنباء السورية» أن اتفاقية التعاون العسكري التي وقّعتها وزارتا الدفاع في سوريا وتركيا، الأربعاء، تهدف إلى تعزيز قدرات الجيش، وتطوير مؤسساته وهيكليته، ودعم عملية إصلاح قطاع الأمن بشكل شامل. وزارتا الدفاع في سوريا وتركيا توقعان اتفاقية تعاون عسكري مشترك بين البلدين، تهدف إلى تعزيز قدرات الجيش العربي السوري، وتطوير مؤسساته، وهيكليته، ودعم عملية إصلاح قطاع الأمن بشكل شامل #سوريا #تركيا#سانا — الوكالة العربية السورية للأنباء - سانا (@Sana__gov) August 13, 2025 وقالت «الوكالة» إن الاتفاقية تشمل التبادل المنتظم للأفراد العسكريين للمشاركة في دورات تدريبية؛ تهدف إلى رفع الجاهزية العملياتية، وتعزيز القدرة على العمل المشترك، والتدرب على المهارات الاختصاصية، بما يشمل مكافحة الإرهاب، وإزالة الألغام، والدفاع السيبراني، والهندسة العسكرية، واللوجيستيات، وعمليات حفظ السلام. كما تتضمن الاتفاقية المساعدة الفنية، بما في ذلك إرسال خبراء لدعم عملية تحديث الأنظمة العسكرية، والهياكل التنظيمية، وقدرات القيادة. وأضافت الوكالة الرسمية أن الاتفاقية «تأتي في إطار تطوير الجيش السوري، من خلال تدريب عناصره بطريقة احترافية ووفق المعايير الدولية، بما يحد من مخاطر الانتهاكات التي قد ترتكبها الفصائل غير المدربة». ووصل وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس جهاز الاستخبارات حسين سلامة، في وقت سابق من الأربعاء إلى أنقرة؛ لإجراء مباحثات مع المسؤولين الأتراك.