
البندقية تغرق: مهندس يكشف خطة جذرية قد تنقذ المدينة لبضعة عقود
تعرف البندقية بـ'المدينة العائمة'، لكنها قد تصبح قريبًا المدينة الغارقة. فخلال القرن الماضي، انخفضت المدينة الإيطالية حوالي 25 سنتيمترًا. وفي الوقت ذاته، ارتفع متوسط مستوى سطح البحر في البندقية نحو 30 سنتيمترا منذ العام 1900.
هذا لا يعني مجرد فيضانات معتادة، بل غرقًا حتميًا لهذه المدينة المحبوبة، في أعماق بحيرتها الشهيرة.
وبالنسبة للزوار، فإن وضعها المتأرجح يعد جزءًا من جاذبية البندقية، أي الحاجة الملحة إلى زيارتها الآن قبل فوات الأوان، ورمزًا لعجز البشرية أمام قوة الطبيعة.
أما بالنسبة لسكان البندقية، وفّرت لهم المدينة عبر القرون ملجأ من الغزوات، لكنها جلبت معها أيضًا التحديات. فالمد والجزر أصبحا أعلى وأكثر تكرارًا مع تفاقم أزمة المناخ. وتغوص المدينة حوالي مليمترين سنويًا نتيجة الانخساف المنتظم.
لكن، ماذا لو كان بالإمكان رفع المدينة؟ قد تبدو فكرة لفيلم خيال علمي، لكنها في الواقع فكرة لمهندس مرموق يعتقد أنها قد تكون الحل لإنقاذ البندقية.
وفيما تنفق الحكومة الإيطالية حالياً ملايين اليوروهات سنوياً على رفع الحواجز المائية لمنع المد العالي الاستثنائي من دخول البحيرة، يرى بيترو تياتيني، أستاذ مساعد بعلم المياه والهندسة الهيدروليكية في جامعة بادوفا، أن ضخ المياه إلى أعماق الأرض تحت المدينة يمكن أن يرفع قاع البحر الذي تقوم عليه، ما يدفع بمدينة البندقية إلى الأعلى.
فهل يمكن أن يرفع ذلك المدينة فوق مستوى المياه؟ أم أن الأمور قد تسوء بشدة، وتؤدي إلى انهيار المباني في مشاهد أشبه بأفلام هوليوود؟
يوضح تياتيني أن خطته يمكن أن تمنح البندقية فترة سماح تقارب 50 عاماً، بالتوازي مع عمل الحواجز الحالية، ما يتيح للسلطات التوصّل إلى حل دائم و'جذري'. ويعتقد أن نظامه يمكن أن يرفع المدينة 30 سنتيمتراً.
فخلال تاريخها الممتد لألف عام كجمهورية، كان مسؤولو 'لا سيرينيسيما'، الدولة 'الأكثر هدوءاً' كما كانت تُعرف، يقومون باستمرار بإعادة توجيه الأنهار، وحفر قنوات جديدة، وإعادة توجيه مياه البحيرة لتخدم المدينة بأفضل شكل ممكن.
لكن خلال القرن العشرين، بدأت الأمور تتدهور. ففي الستينيات والسبعينيات، تم ضخ المياه الجوفية من منطقة 'مارغيرا' الصناعية الواقعة على اليابسة المقابلة للبحيرة. وكان ذلك بمثابة خطأ كبير، إذ تسبب في هبوط المنطقة بأكملها. وبين العامين 1950 و1970، هبط مركز المدينة الثمين في البندقية بنحو خمس بوصات تقريباً.
أما اليوم، فتعتمد المدينة في حمايتها الرئيسية من المد العالي على نظام 'MOSE' من الحواجز المائية، الذي يرتفع من قاع البحر ليقطع البحيرة عن البحر الأدرياتيكي خلال حالات المد الاستثنائي العالي.
وقد خضع النظام للاختبار لأول مرة في العام 2020، لكنه كان قد خُطط له في الثمانينيات، حين كان من المتوقع أن تُرفع الحواجز حوالي خمس مرات في السنة.
لكن مع مساهمة تغير المناخ في ارتفاع المد والجزر، أصبحت الصورة الآن مختلفة تماما. ففي السنوات العشرين الماضية، تجاوز منسوب المد في البحيرة 110 سنتيمترات، وهو المستوى الذي يمكن أن يُسبب فيضانات كارثية للمدينة، وليس مجرد فيضانات 'اعتيادية'.
وعوض رفع الحواجز خمس مرات في السنة، تم تشغيل نظام 'MOSE' بالفعل حوالي 100 مرة منذ تدشينه في أكتوبر/ تشرين الأول العام 2020. ومع ذلك، لا تزال الحواجز في مرحلة الاختبار ولم تُعلن بعد كمنشآت تشغيلية رسمية. ويقدّر أن المشروع قد كلف حتى الآن حوالي 6 مليارات يورو.
فعبر رفع مستوى المدينة بمقدار 30 سنتيمترًا، يعتقد أنه يمنح البندقية بين عقدين وثلاثة عقود، ويمكن للمدينة خلالها إيجاد حل دائم لمواجهة ارتفاع منسوب المياه.
ويقول تياتيني : 'يمكننا القول إن أمامنا 50 عامًا (ضمنًا العمر الافتراضي لمشروع MOSE) لتطوير استراتيجية جديدة. علينا تطوير مشروع أكثر جذرية بكثير'.
ويقترح المشروع حفر حوالي 12 بئراً في دائرة قطرها 10 كيلومترات حول مدينة البندقية، مع التأكد من إبقائها جميعاً داخل البحيرة، من دون التمدد إلى البحر الأدرياتيكي أو التوغل تحت اليابسة.
وتوجد طبقة سميكة من الطين تحت سطح البحيرة، ما يعني أنه لا توجد فرصة لتسرب المياه إلى الأعلى.
يؤكد أن المشروع لن يلوث مصادر المياه العذبة، ولن يتطلب جلب المياه من مناطق بعيدة.
بيد أنّ تنفيذ المشروع يتطلب إجراء تجربة مشروع تمهيدي، يتمثل في حفر بئر بقطر 20 سنتيمترًا وعمق ألف متر، وتركيب أنبوب مزوّد بمرشح في القاع.
إلا أنّ رفع مدينة البندقية على وسادة تشبه سرير الماء بينما تبقى الأراضي المحيطة بها على المستوى ذاته قد يبدو وصفة لكارثة.
لكن تياتيني يُصرّ على أن هذه هي الطريقة الآمنة للقيام بذلك. وهو حريص على توضيح أن هذه العملية لا تُشبه التكسير الهيدروليكي الذي يقوم على حقن سوائل في باطن الأرض تحت ضغط عالٍ لتكسير الطبقات الصخرية تحت السطح من أجل الوصول إلى احتياطيات النفط والغاز. فحقن السوائل بضغط مرتفع يمكن أن يسبب هزات أرضية.
ويقول: 'لدينا ارتفاع أقصى بمقدار 20 إلى 30 سنتيمترًا لأننا لا نريد أن نُحدث تشققات. إذا بدأنا بإحداث تشققات، فستكون كارثة. نحن نريد الحفاظ على ضغط منخفض عند مستوى منخفض، لذا سنُضيف مادة تساعد على الحفاظ على التمدد في التكوين الجيولوجي، لكن من دون حدوث تشققات'.
ويضيف أنه رغم إمكانية حدوث مشاكل إذا تم ضخ المياه في طبقات المياه الجوفية الضحلة، فإن ضخ المياه على أعماق تتراوح بين 600 و1000 متر يسمح لها بالدخول في نظام ثلاثي البعد في أعماق الأرض. ويقول: 'حتى وإن لم يكن التمدد في العمق منتظمًا، إلا أنه عندما يصل إلى سطح الأرض يصبح أكثر سلاسة'.
وبغض النظر عن المسار الذي سيتم اتباعه، فستكلّف العملية ملايين، إن لم تكن مليارات من اليوروهات. ومع ذلك، يؤكد تياتيني أن هذا لا يزال يعد استثمارًا صغيرًا نسبيًا على مستوى الحكومة.
ويرى تياتيني إن ترك المدينة لمصيرها هو 'الخيار الأكثر تطرفًا الذي يمكن أن نتخيله'.
ويضيف: 'ستبقى على حالها لبضع عقود، ثم شيئًا فشيئًا ستبدأ في الغرق'.
وعلى النقيض من ذلك، أعرب بعض الخبراء عن مخاوفهم بشأن فكرته.
وقال ديفيد دوبسون، وهو أستاذ المواد الأرضية في كلية لندن الجامعية، إنه شعر بـ'تفاؤل مشوب بالشك' عندما سمع بالفكرة.
وأضاف: 'أعتقد أنه إذا تمكن من إجراء تجربة على مدى سنوات عدة تُظهر أنهم يتحكمون بمعدل ضخ المياه بشكل صحيح، وأظهر التمدد القابل للقياس لسطح الأرض، فقد يكون من المنطقي حينها تجربة تنفيذها'.
وحذّر دوبسون من أن هذا النوع من النشاط ليس بسيطًا على الإطلاق. فإذا كانت طبقة المياه الجوفية قد فقدت بالفعل جزءًا من سائلها، فإن الصخور تنهار على بعضها البعض، ما يخلق ما يعرف باسم 'أحزمة الانضغاط' وهي غير قابلة للعكس.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- رؤيا نيوز
البندقية تغرق: مهندس يكشف خطة جذرية قد تنقذ المدينة لبضعة عقود
تعرف البندقية بـ'المدينة العائمة'، لكنها قد تصبح قريبًا المدينة الغارقة. فخلال القرن الماضي، انخفضت المدينة الإيطالية حوالي 25 سنتيمترًا. وفي الوقت ذاته، ارتفع متوسط مستوى سطح البحر في البندقية نحو 30 سنتيمترا منذ العام 1900. هذا لا يعني مجرد فيضانات معتادة، بل غرقًا حتميًا لهذه المدينة المحبوبة، في أعماق بحيرتها الشهيرة. وبالنسبة للزوار، فإن وضعها المتأرجح يعد جزءًا من جاذبية البندقية، أي الحاجة الملحة إلى زيارتها الآن قبل فوات الأوان، ورمزًا لعجز البشرية أمام قوة الطبيعة. أما بالنسبة لسكان البندقية، وفّرت لهم المدينة عبر القرون ملجأ من الغزوات، لكنها جلبت معها أيضًا التحديات. فالمد والجزر أصبحا أعلى وأكثر تكرارًا مع تفاقم أزمة المناخ. وتغوص المدينة حوالي مليمترين سنويًا نتيجة الانخساف المنتظم. لكن، ماذا لو كان بالإمكان رفع المدينة؟ قد تبدو فكرة لفيلم خيال علمي، لكنها في الواقع فكرة لمهندس مرموق يعتقد أنها قد تكون الحل لإنقاذ البندقية. وفيما تنفق الحكومة الإيطالية حالياً ملايين اليوروهات سنوياً على رفع الحواجز المائية لمنع المد العالي الاستثنائي من دخول البحيرة، يرى بيترو تياتيني، أستاذ مساعد بعلم المياه والهندسة الهيدروليكية في جامعة بادوفا، أن ضخ المياه إلى أعماق الأرض تحت المدينة يمكن أن يرفع قاع البحر الذي تقوم عليه، ما يدفع بمدينة البندقية إلى الأعلى. فهل يمكن أن يرفع ذلك المدينة فوق مستوى المياه؟ أم أن الأمور قد تسوء بشدة، وتؤدي إلى انهيار المباني في مشاهد أشبه بأفلام هوليوود؟ يوضح تياتيني أن خطته يمكن أن تمنح البندقية فترة سماح تقارب 50 عاماً، بالتوازي مع عمل الحواجز الحالية، ما يتيح للسلطات التوصّل إلى حل دائم و'جذري'. ويعتقد أن نظامه يمكن أن يرفع المدينة 30 سنتيمتراً. فخلال تاريخها الممتد لألف عام كجمهورية، كان مسؤولو 'لا سيرينيسيما'، الدولة 'الأكثر هدوءاً' كما كانت تُعرف، يقومون باستمرار بإعادة توجيه الأنهار، وحفر قنوات جديدة، وإعادة توجيه مياه البحيرة لتخدم المدينة بأفضل شكل ممكن. لكن خلال القرن العشرين، بدأت الأمور تتدهور. ففي الستينيات والسبعينيات، تم ضخ المياه الجوفية من منطقة 'مارغيرا' الصناعية الواقعة على اليابسة المقابلة للبحيرة. وكان ذلك بمثابة خطأ كبير، إذ تسبب في هبوط المنطقة بأكملها. وبين العامين 1950 و1970، هبط مركز المدينة الثمين في البندقية بنحو خمس بوصات تقريباً. أما اليوم، فتعتمد المدينة في حمايتها الرئيسية من المد العالي على نظام 'MOSE' من الحواجز المائية، الذي يرتفع من قاع البحر ليقطع البحيرة عن البحر الأدرياتيكي خلال حالات المد الاستثنائي العالي. وقد خضع النظام للاختبار لأول مرة في العام 2020، لكنه كان قد خُطط له في الثمانينيات، حين كان من المتوقع أن تُرفع الحواجز حوالي خمس مرات في السنة. لكن مع مساهمة تغير المناخ في ارتفاع المد والجزر، أصبحت الصورة الآن مختلفة تماما. ففي السنوات العشرين الماضية، تجاوز منسوب المد في البحيرة 110 سنتيمترات، وهو المستوى الذي يمكن أن يُسبب فيضانات كارثية للمدينة، وليس مجرد فيضانات 'اعتيادية'. وعوض رفع الحواجز خمس مرات في السنة، تم تشغيل نظام 'MOSE' بالفعل حوالي 100 مرة منذ تدشينه في أكتوبر/ تشرين الأول العام 2020. ومع ذلك، لا تزال الحواجز في مرحلة الاختبار ولم تُعلن بعد كمنشآت تشغيلية رسمية. ويقدّر أن المشروع قد كلف حتى الآن حوالي 6 مليارات يورو. فعبر رفع مستوى المدينة بمقدار 30 سنتيمترًا، يعتقد أنه يمنح البندقية بين عقدين وثلاثة عقود، ويمكن للمدينة خلالها إيجاد حل دائم لمواجهة ارتفاع منسوب المياه. ويقول تياتيني : 'يمكننا القول إن أمامنا 50 عامًا (ضمنًا العمر الافتراضي لمشروع MOSE) لتطوير استراتيجية جديدة. علينا تطوير مشروع أكثر جذرية بكثير'. ويقترح المشروع حفر حوالي 12 بئراً في دائرة قطرها 10 كيلومترات حول مدينة البندقية، مع التأكد من إبقائها جميعاً داخل البحيرة، من دون التمدد إلى البحر الأدرياتيكي أو التوغل تحت اليابسة. وتوجد طبقة سميكة من الطين تحت سطح البحيرة، ما يعني أنه لا توجد فرصة لتسرب المياه إلى الأعلى. يؤكد أن المشروع لن يلوث مصادر المياه العذبة، ولن يتطلب جلب المياه من مناطق بعيدة. بيد أنّ تنفيذ المشروع يتطلب إجراء تجربة مشروع تمهيدي، يتمثل في حفر بئر بقطر 20 سنتيمترًا وعمق ألف متر، وتركيب أنبوب مزوّد بمرشح في القاع. إلا أنّ رفع مدينة البندقية على وسادة تشبه سرير الماء بينما تبقى الأراضي المحيطة بها على المستوى ذاته قد يبدو وصفة لكارثة. لكن تياتيني يُصرّ على أن هذه هي الطريقة الآمنة للقيام بذلك. وهو حريص على توضيح أن هذه العملية لا تُشبه التكسير الهيدروليكي الذي يقوم على حقن سوائل في باطن الأرض تحت ضغط عالٍ لتكسير الطبقات الصخرية تحت السطح من أجل الوصول إلى احتياطيات النفط والغاز. فحقن السوائل بضغط مرتفع يمكن أن يسبب هزات أرضية. ويقول: 'لدينا ارتفاع أقصى بمقدار 20 إلى 30 سنتيمترًا لأننا لا نريد أن نُحدث تشققات. إذا بدأنا بإحداث تشققات، فستكون كارثة. نحن نريد الحفاظ على ضغط منخفض عند مستوى منخفض، لذا سنُضيف مادة تساعد على الحفاظ على التمدد في التكوين الجيولوجي، لكن من دون حدوث تشققات'. ويضيف أنه رغم إمكانية حدوث مشاكل إذا تم ضخ المياه في طبقات المياه الجوفية الضحلة، فإن ضخ المياه على أعماق تتراوح بين 600 و1000 متر يسمح لها بالدخول في نظام ثلاثي البعد في أعماق الأرض. ويقول: 'حتى وإن لم يكن التمدد في العمق منتظمًا، إلا أنه عندما يصل إلى سطح الأرض يصبح أكثر سلاسة'. وبغض النظر عن المسار الذي سيتم اتباعه، فستكلّف العملية ملايين، إن لم تكن مليارات من اليوروهات. ومع ذلك، يؤكد تياتيني أن هذا لا يزال يعد استثمارًا صغيرًا نسبيًا على مستوى الحكومة. ويرى تياتيني إن ترك المدينة لمصيرها هو 'الخيار الأكثر تطرفًا الذي يمكن أن نتخيله'. ويضيف: 'ستبقى على حالها لبضع عقود، ثم شيئًا فشيئًا ستبدأ في الغرق'. وعلى النقيض من ذلك، أعرب بعض الخبراء عن مخاوفهم بشأن فكرته. وقال ديفيد دوبسون، وهو أستاذ المواد الأرضية في كلية لندن الجامعية، إنه شعر بـ'تفاؤل مشوب بالشك' عندما سمع بالفكرة. وأضاف: 'أعتقد أنه إذا تمكن من إجراء تجربة على مدى سنوات عدة تُظهر أنهم يتحكمون بمعدل ضخ المياه بشكل صحيح، وأظهر التمدد القابل للقياس لسطح الأرض، فقد يكون من المنطقي حينها تجربة تنفيذها'. وحذّر دوبسون من أن هذا النوع من النشاط ليس بسيطًا على الإطلاق. فإذا كانت طبقة المياه الجوفية قد فقدت بالفعل جزءًا من سائلها، فإن الصخور تنهار على بعضها البعض، ما يخلق ما يعرف باسم 'أحزمة الانضغاط' وهي غير قابلة للعكس.

عمون
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- عمون
نجاح مؤسسي يسجل لمفوضية البترا
مع تزايد ظواهر الطقس المتطرفة بفعل التغير المناخي، تشكل السيول المفاجئة تحدياً متفاقماً أمام المواقع الأثرية الحساسة حول العالم. لكن مدينة البتراء الأردنية، ورغم خصوصيتها الجغرافية والمعمارية، أصبحت نموذجاً يحتذى في الإدارة المؤسسية الناجحة للمخاطر، بفضل جهود سلطة إقليم البترا التنموي السياحي وخبرائها. تمكين علمي عبر النمذجة المتخصصة: ومن واقع خبرتي كمتخصصة في مجال النمذجة الهيدرولوجية والتغير المناخي وأدوات وسبل التكيف مع آثاره، فقد قمت ببناء مجموعة من النماذج عبر البرمجيات العالمية الحديثة والمتقدمة في دراساتي ومشاريعي الميدانية على وادي موسى والبترا، بما في ذلك برمجيات ArcGIS Pro، QGIS، HEC-HMS، HEC-RAS، وSWAT، حيث ساعدتني هذه الأدوات على بناء أنظمة تنبؤية دقيقة لتقييم الجريان السطحي، وحساب معدلات التدفق والانحدار، وتحليل شبكات التصريف المائي الطبيعية والحضرية. كما وظّفت تقنيات تحليل الخرائط الطبوغرافية عالية الدقة، مثل نماذج الارتفاع الرقمية (DEM) المشتقة من بيانات الأقمار الصناعية (مثل SRTM وLiDAR)، بهدف إنتاج خرائط حساسية فيضانية ذات دقة مكانية وزمانية عالية. فيضانات مفاجئة... واستجابة سريعة: تصرف (بضم التاء وتسكين الصاد وكسر وتشديد الراء) وادي موسى حوض سطحي مائي كبير ذات شبكة تصريف متفرعة ومنحدرة تمر عبر صخور هشة وإنزلاقية، وقد شهدت المنطقة خلال الأعوام الأخيرة عدة حالات من الهطول المطري الشديد، من بينها سيول أمس الأول والتي تدفقت بقوة عبر الأودية المحيطة بمدينة وادي موسى، دون تسجيل إصابات أو أضرار تُذكر. ويكمن خطر الفيضان غالباً في الأشهر الأولى من فصل الشتاء، وكذلك في مثل هذه الأيام الانتقالية من فصلي الربيع والصيف، حيث تتكرر الفعالية المطرية مرة إلى مرتين كل خمس سنوات تقريباً، وفق لنماذج التكرار الهيدرولوجية الإحصائية. وغالباً ما تبقى هذه الفعاليات تحت السيطرة ما دامت كميات التساقط ضمن حدود القدرة الاستيعابية للبنية التحتية، التي صممت على أسس علمية تراعي هذه التكرارية وذرواتها بقترات عودة طويلة نسبيا. خرائط حساسية مكانية للفيضانات... أداة علمية للتخطيط: عملت كمتخصصة بالمياه السطحية والتغير المناخي في رسالتي بمرحلة الدكتوراة، وفي أبحاثي التي تمت بالتعاون مع أ.د. محمد الفرجات، على تطوير معادلة شاملة لنمذجة وبناء خرائط حساسية مكانية مبنية على نمذجة الهيدرولوجيا المناخية للمنطقة، والتي تمثل أداة علمية متقدمة لتحديد المواقع الأكثر عرضة لخطر الفيضان وأثار التغير المناخي الأخرى. تستخدم هذه الخرائط بيانات رقمية من الأقمار الصناعية، والتحليل الطبوغرافي، ومحاكاة سلوك المياه في السيناريوهات المناخية المستقبلية، وتساعد في توجيه قرارات البنية التحتية والتوسع العمراني في المنطقة، بما يقلل من المخاطر ويحفظ الأرواح والمواقع الأثرية. مشروع وادي المدرس: هندسة استباقية تحاكي الطبيعة ضمن مساعي المفوضية لحماية البتراء، أشرفت مع فريق بحثي بمفوضية البترا على دراسة لمقترح مشروع تأهيل وادي المدرس، أحد أهم الأودية المغذية لسيول وادي موسى. تضمن المشروع بناء قنوات تصريف مدروسة، جدران استنادية، وسدود تنموية تحجز المياه وتعيد استخدامها، ضمن رؤية تحاكي الطبيعة ولا تتصادم معها. تقنيات الرادار في خدمة المدينة السياحية: في خطوة رائدة، تم إدخال تتبع خلايا المطر عبر الرادارات الجوية بالتعاون مع دائرة الأرصاد الجوية، لتوجيه غرف الطوارئ والتحكم في المفوضية. هذا النظام يمكّن من تفويج السياح في الوقت المناسب، وتفعيل سيناريوهات الإخلاء المبكر، ما يعزز من سلامة الزوار والمجتمع المحلي. بنية تحتية مرنة واستجابة مؤسسية عالية تتمتع مفوضية البترا ببنية تحتية مرنة تتكيف مع تغير المناخ، تشمل: - سدود تخفيف حدة الفيضان على الأودية الكبرى. - قنوات تصريف مياه الأمطار في الأحياء والشوارع وحول المنشآت السياحية. - أنظمة إنذار صوتية ومرئية، مربوطة بمراكز التحكم. - غرفة طوارئ مركزية تعمل على مدار الساعة. - تدريبات منتظمة للكادر في سيناريوهات الطوارئ. كل هذه الجهود لا تأتي بمعزل عن إطار مؤسسي رصين، بل هي ناتجة عن تراكم المعرفة، ونجاح استراتيجية مفوضية البترا في بناء نموذج تنموي سياحي ذكي ومقاوم للمخاطر. البتراء: موقع تراث عالمي ونموذج عالمي في إدارة الأخطار يسرني أن هذا التمكّن من البرمجيات والربط بين الأدوات العلمية والميدان يجعلني أشارك مع الزملاء بالمفوضية، ومع الأكاديميين والباحثين بالجامعات والمراكز البحثية الوطنية والعالمية في إعداد وتوجيه مشاريع لحماية المواقع الأثرية والمدن في ظل التغير المناخي، كباحثة أكاديمية ومهندسة تطبيقية تعمل على الأرض، وتساهم في صناعة القرار التقني والاستراتيجي في واحدة من أهم مناطق التراث العالمي. وبينما تشير دراساتي إلى أن المخاطر المناخية على المواقع الأثرية ستتضاعف بحلول عام 2050، تثبت البتراء أن بالإمكان تحويل هذه التحديات إلى فرص، من خلال الاستثمار في البحث العلمي، والهندسة المستدامة، وبناء القدرات المؤسسية. في هذا السياق، تبرز مفوضية البترا كمؤسسة وطنية ذات كفاءة عالية، قادرة على دمج المعرفة العلمية بالتخطيط الميداني، ما يضع الأردن على خارطة الدول التي تبني حلولاً ذكية لتأمين تراثها وشعوبها في مواجهة عصر المناخ المتقلب.


رؤيا نيوز
٠٥-٠٥-٢٠٢٥
- رؤيا نيوز
الرواشدة يوجه لتعزيز التعاون مع مربي الثروة الحيوانية
قام مدير عام المركز الوطني للبحوث الزراعية الأستاذ الدكتور إبراهيم محمد الرواشدة بجولة تفقدية لمديرية المختبرات ، مديرية الصيانة ، مديرية بحوث التغير المناخي ، مديرية الثروة الحيوانية ، ومديرية النحل في المركز حيث اطلع على واقع أعمال المديريات ودورها في تطوير البحث العلمي وخدمة المشاريع البحثية ، وخلال الجولة وجه المدير العام المديريات البحثية إلى تعزيز وتسهيل الخدمات المقدمة للمزارعيين ، القطاع الخاص ،الباحثين والمؤسسات الوطنية الزراعية والشركاء خدمة للقطاع الزراعي والمزارعين. كما ووجه المدير العام إلى تطوير الاجهزة المخبرية في المختبرات لتحسين الخدمات وتحويلها إلى خدمات الكترونية وإيجاد طريقة لربط خدمات المختبرات بشكل تكاملي،اضافة إلى تعزيز التعاون مع مربي الثروة الحيوانية في مجال التحسين الوراثي وتربية النحل وتحسين البنية التحتية للمراكز والمحطات البحثية بما ينسجم مع تطوير البحث العلمي الزراعي وانعكاسة على التنمية الزراعية المستدامة.