
عدالة معلقة وقضاة بلا حماية: السلطة القضائية في اليمن بين الإهانة والتجويع
في اليمن ، وبين جدران المحاكم التي يُفترض أن تكون ملاذ المظلومين، يعيش القاضي اليمني أكثر أوقاته إذلالًا وتهميشًا منذ قيام الجمهورية. فرغم القسم الذي أدّاه بـ'أن يحكم بين الناس بالعدل'، فإن واقعه المعيشي والوظيفي يكشف عن سلطة قضائية تُحاصر من كل الجهات: ماليًا، وأمنيًا، وإعلاميًا، ومؤسسيًا، حتى باتت قرارات القضاة بلا قوة، وكرامتهم بلا ساتر.
راتب لا يفي بالإيجار.. فكيف بالعيش؟
لا يتجاوز راتب القاضي في صنعاء 250,000 ريال يمني شهريًا، أي ما يعادل نحو 470 دولارًا بسعر الصرف الرسمي (533 ريالًا للدولار)، أو قرابة 200 دولار بسعر السوق. في المقابل، يصل إيجار أبسط شقة سكنية إلى 200 ألف ريال للقاضي رب الأسرة الكبيرة و100 ألف ريال للقاضي رب الأسرة الصغيرة . وباحتساب تكاليف الماء والكهرباء والمواصلات والغذاء والتعليم، نجد أن القاضي يعيش تحت خط الفقر، وبلا أي مخصصات إضافية أو سكن وظيفي أو بدل انتقال.
البطاقة القضائية لا يُعتَرَفُ بها كوثيقة رسمية !
في مفارقة تُثير الاستغراب والأسى، لا تعترف أغلب الجهات العامة والخاصة بالبطاقة القضائية ولا تعطي لحاملها وزنا حتى شركات الصرّافة أو البنوك لا تقبل البطاقة القضائية كوثيقة تعريفية لصرف راتب القاضي ، في حين يُقبل التعامل بالبطاقة العسكرية بسهولة. وهكذا، يفقد القاضي احترام السوق، كما فقد من قبل حماية السلطة، ومعها احترام فئات المجتمع.
أوامر لا تُنفذ.. ما لم يوافق قسم الشرطة
رغم صدور الأحكام القضائية 'باسم الشعب'، إلا أن تنفيذها مرهون برضا مأموري الضبط ومدراء أقسام الشرطة، ما يجعل هيبة القاضي رهينة مزاج السلطة التنفيذية. وقد يحدث أن يُعلّق أمر قضائي مشروع، أو يُماطل فيه، أو يُرفض تنفيذه بالكامل، دون أن يُسأل أحد.
خروج القاضي إلى الميدان.. مخاطرة قد تودي بحياته
لا تملك المحاكم الاستئنافية ولا الابتدائية أي أطقم عسكرية مخصصة أو وحدات أمنية لحماية القضاة أثناء النزول الميداني أو تنفيذ الأحكام. وقد سُجلت حالات لقضاة تعرضوا للتهديد أو القتل أثناء تأدية مهامهم، في ظل غياب أي مظلة أمنية أو خطة حماية مؤسسية لهم.
كل موظف في المحكمة يُحسب على القضاة!
لا يميز كثير من الناس بين القاضي الحقيقي والموظف الإداري. فـ'أمين السر'، و'المُحضر'، و'الجندي الإداري'، جميعهم يُلقبون مجتمعيًا بـ'قضاة'، وما يرتكبه أحدهم يُحسب مباشرة على القاضي في نظر الجمهور. وهذا ما يتسبب في انهيار الصورة المجتمعية للقضاء، حيث تتراكم الشكاوى والاتهامات على القاضي، وهو منها براء.
في سابقة فريدة بين موظفي الدولة، يخضع القاضي اليمني لحصار غير قانوني صارم يمنعه من تحصيل أي دخل مشروع خارج راتبه الهزيل:
ممنوع عليه التحكيم، حتى إن طلبه الناس.
ممنوع عليه تقديم الاستشارات القانونية، رغم خبرته.
ممنوع عليه كتابة العقود، وعقوده لا تُعتمد في السجل العقاري، بينما تُعتمد عقود الأمناء الشرعيين.
ممنوع عليه إجراء القسمة أو التصرف كوسيط، ولو تطوع بذلك.
ممنوع عليه العمل بالتجارة أو أي نشاط خاص.
ممنوع عليه حتى التعبير عن رأيه في قضايا عامة.
وبالمقابل، تنشط السلطة التنفيذية – أفرادًا وجهات – في المجال نفسه بمخالفة صريحة للقانون.
رجال إدارات أمنية ، ومحافظون ، ووكلاء محافظات ، ومشايخ، وموظفون ادارييون ، يتصدرون التحكيم، ويُجرون القسمة، ويبتّون في النزاعات ، بلا تحصيل علمي ولا معرفة قانونية ، بل ويحبسون المواطن لإجباره على التحكيم، ويفرضون أجورًا باهظة بلا سند قانوني أو رقابة قضائية أو مساءلة إدارية.
وما يزيد الطين بلة أن السلطة تغض الطرف، والإعلام صامت، والمواطن لا يجد غير هؤلاء الجهلة للإنصاف، بعدما عجز القاضي الحقيقي عن تأدية وظيفته وهو مكبل اليدين مغلول الدخل.
نادي محاصر
نادي قضاة اليمن، وهو الهيئة النقابية الوحيدة التي تمثل القضاة، لم يسلم من الحصار والتهميش. فقد أُجبر على إخلاء مقره لعجزه عن دفع الإيجار، وأصبح بلا مبنى ولا ميزانية تشغيل ولا منصة إعلامية.
ورغم كفاءة القائم بأعمال رئيس النادي ونزاهته المشهودة، تعرّض لحملات تشويه وتشويش ممنهجة، وأُقصي النادي عن دوره، حتى بلغ الأمر تجاهله من قبل السلطة التي لا تعترف إلا بقناة وحيدة للتفاهم بشأن القضاة، وهي القناة التي عينتها بقرار سياسي منها ، لا بانتخاب أو تمثيل حقيقي.
استقلال القضاء.. مصطلح فارغ بلا حماية وكرامة
إن الحديث عن استقلال القضاء في اليمن لا معنى له في ظل هذا الواقع. فالقاضي الجائع لا يستطيع أن يحكم بحرية، والمكشوف أمنيًا لا يجرؤ على إنفاذ العدالة بحق المتنفذين، والمهان أمام الجمهور لا يملك الجرأة على قول الحق في وجه من لا يخاف.
السلطة القضائية تنهار ببطء من الداخل، وتُسلَب قوتها وأدواتها بندًا بندًا، وقاضي اليوم يُطلب منه أن يُشبه الله في عدله، وهو لا يملك رغيفًا يُطعم به أطفاله.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ 17 دقائق
- اليمن الآن
اليمن: وصول دفعة من الأجانب غير الشرعيين إلى سواحل شبوة
اخبار وتقارير اليمن: وصول دفعة من الأجانب غير الشرعيين إلى سواحل شبوة الثلاثاء - 15 يوليو 2025 - 08:53 م بتوقيت عدن - عدن، نافذة اليمن: أعلنت مصادر أمنية وصول عشرات المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين إلى سواحل محافظة شبوة، جنوب شرق اليمن، في دفعة جديدة هي الخامسة خلال النصف الأول من الشهر الجاري. وقال مركز الإعلام الأمني التابع لوزارة الداخلية في الحكومة المعترف بها دولياً، الثلاثاء، إن شرطة شبوة، تلقت بلاغاً بوصول 200 مهاجراً أفريقياً غير شرعياً إلى ساحل كيدة بمديرية رضوم. ونقل المركز عن شرطة شبوة قولها، إن المهاجرين القادمين من دول القرن الأفريقي وصلوا بطريقة غير قانونية، على متن قارب تهريب يُسمى "الأسطورة" يقوده طاقم من ثلاثة أشخاص يحملون الجنسية الصومالية. وأضافت الشرطة أن جميع أفراد الدفعة الجديدة من المهاجرين الواصلين إلى سواحل المحافظة من حملة الجنسية الإثيوبية، بينهم 165 من الذكور، إضافة إلى 35 من الإناث. هذا وارتفع عدد المهاجرين الأفارقة الوافدين عبر سواحل شبوة، منذ مطلع يوليو/تموز الجاري، إلى 1,100 مهاجر، جميعهم إثيوبيين، وبواقع (905 ذكور و195 إنثى). الاكثر زيارة اخبار وتقارير ناشطة تهاجم شوقي القاضي: تتبرأون من نسب مدينة تعز وتحمّلون طارق كل شيء. اخبار وتقارير العاصمة تزلزل الحوثيين: سقوط ثالث قيادي في قبضة الحزام الأمني خلال أيام. اخبار وتقارير جرعة وقود كبرى: دبة البترول إلى 50 ألف ريال وخبير نفطي يكشف سيناريو الانهيا. اخبار وتقارير واشنطن تكشف شبكات الحوثي المالية السرية: 9 شركات يمنية في قبضة العقوبات.


اليمن الآن
منذ 19 دقائق
- اليمن الآن
بن بريك يستقبل في عدن بعثة وسفراء عدد من دول الاتحاد الأوروبي
اخبار وتقارير بن بريك يستقبل في عدن بعثة وسفراء عدد من دول الاتحاد الأوروبي الثلاثاء - 15 يوليو 2025 - 08:55 م بتوقيت عدن - عدن، نافذة اليمن: استقبل رئيس مجلس الوزراء سالم صالح بن بريك، في العاصمة المؤقتة عدن، اليوم الثلاثاء، رئيس بعثة الاتحاد الاوروبي غابرييل فينيالس، وسفراء عدد من دول الاتحاد الأوروبي المعتمدين لدى اليمن، حيث جرى التشاور حول مستجدات الأوضاع على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وسبل تعزيز الشراكة الثنائية ودعم أولويات الحكومة. وتناول اللقاء بحضور سفيرتي هولندا جانيت سيبين، وفرنسا كاترين قرم كمون، والقائم بأعمال السفارة الألمانية جانينا كوبفيمولر، ومسؤولة الشؤون السياسية لبعثة الاتحاد الأوروبي كلير نانتير، تدخلات الاتحاد الأوروبي في اليمن لدعم خطة التعافي الاقتصادي والإصلاحات الحكومية، والتداعيات الخطيرة لاستمرار الحرب الاقتصادية لمليشيا الحوثي الإرهابية على الشعب اليمني، إضافة الى استمرار توقف الصادرات النفطية، وانعكاساتها الكارثية على الاوضاع المعيشية والإنسانية، والتدابير المتخذة للتعاطي مع ذلك. ورحب دولة رئيس الوزراء بزيارة الوفد الأوروبي في اطار الدعم المستمر للحكومة والشعب اليمني في هذه المرحلة الاستثنائية.. منوها بالشراكة الاستراتيجية القائمة مع الإتحاد الأوروبي، والحرص على تعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات. وتطرق رئيس الوزراء، الى التحديات المركبة التي تواجهها الحكومة، في الجوانب الاقتصادية والخدمية والإنسانية والتي تضاعفت جراء تراجع الإيرادات العامة بسبب الهجمات الإرهابية لمليشيا الحوثي على موانئ تصدير النفط واستهدافها للسفن التجارية والملاحة الدولية.. موضحا ان هذه التحديات تتطلب دعماً دولياً جاداً للحكومة الشرعية وجهودها لاستكمال استعادة الدولة وانهاء الانقلاب، وتحريك الملفات الاقتصادية والتنموية وعدم الاكتفاء بالمقاربات الإنسانية. وأكد، ان الحكومة وضمن خطة التعافي الاقتصادي التي اقرها مجلس القيادة الرئاسي تعمل على تنفيذ إصلاحات هيكلية في المالية العامة، وتحسين إدارة الموارد، وتوسيع الشراكة مع القطاع الخاص، إلى جانب إجراءات لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد. وثمن رئيس الوزراء، دعم الاشقاء في المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والتي مثلت تدخلاتهم الاقتصادية والتنموية والإنسانية عاملا رئيسيا في استمرار وفاء الدولة بالتزاماتها الحتمية خلال السنوات الماضية.. داعيا الاتحاد الأوروبي الى لعب دور اكبر في دعم جهود الحكومة لتنفيذ أولوياتها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتخفيف المعاناة المعيشية للمواطنين. بدورهم، جدد رئيس بعثة الاتحاد والسفراء الأوروبيين، دعمهم لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة وللشعب اليمني في هذه الظروف الاستثنائية.. مؤكدين ان هذه الزيارة هي رسالة دعم جماعي للحكومة وجهودها والتنسيق لتحديد مجالات الدعم وفق الأولويات العاجلة، وبما يؤدي الى تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتخفيف المعاناة الإنسانية. الاكثر زيارة اخبار وتقارير ناشطة تهاجم شوقي القاضي: تتبرأون من نسب مدينة تعز وتحمّلون طارق كل شيء. اخبار وتقارير العاصمة تزلزل الحوثيين: سقوط ثالث قيادي في قبضة الحزام الأمني خلال أيام. اخبار وتقارير جرعة وقود كبرى: دبة البترول إلى 50 ألف ريال وخبير نفطي يكشف سيناريو الانهيا. اخبار وتقارير واشنطن تكشف شبكات الحوثي المالية السرية: 9 شركات يمنية في قبضة العقوبات.


اليمن الآن
منذ 28 دقائق
- اليمن الآن
دولة بلا حاكم.. والمضاربون أسياد الصرافة.. بن لزرق يفتح أخطر ملف للعبث المالي في مناطق الشرعية
اخبار وتقارير دولة بلا حاكم.. والمضاربون أسياد الصرافة.. بن لزرق يفتح أخطر ملف للعبث المالي في مناطق الشرعية الثلاثاء - 15 يوليو 2025 - 09:01 م بتوقيت عدن - نافذة اليمن - خاص كشف رئيس صحيفة "عدن الغد" فتحي بن لزرق فضيحة مدوّية، حول واحدة من أغرب أسباب انهيار الريال اليمني في مناطق الحكومة الشرعية، واصفًا اليمن بـ"دولة المُنَوِّم"، حيث يسيطر عدد من المضاربين في سوق الصرافة على مصير العملة وهم في حالة نوم شبه جماعي حتى ما بعد الظهر. بن لزرق نقل في منشور رصده نافذة اليمن على حسابه الرسمي بموقع فيس بوك، شهادة من أحد العاملين في قطاع البنوك والصرافة، الذي كشف أن الانهيارات المتسارعة في أسعار الصرف لا تحدث إلا بعد العصر، لأن "الصرّافين الكبار" ينامون حتى الرابعة عصرًا، ثم يستيقظون ويتفرغون للمضاربة بالعملة، فيتحقّق لهم ملايين الريالات السعودية خلال ساعات قليلة من اللعب بأسعار السوق دون رقيب أو محاسبة. المصدر أكد أن هؤلاء يحققون أرباحًا خيالية – تصل إلى 4 و5 ملايين ريال سعودي – يوميًا من فارق المضاربة فقط، وأن العبث الجاري يقف خلفه عصابات صرافة استغلت غياب الدولة والرقابة في عدن والمناطق المحررة، مقابل انضباط صارم في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث يُسجن أي صرّاف مضارب خلال 24 ساعة. المثير في شهادة المصدر أن عددًا من هؤلاء المضاربين تخلّوا عن محلاتهم في صنعاء وفتحوا بدائل في عدن، فقط من أجل الغوص في "المضاربة المفتوحة"، مستغلين تراخي الأجهزة الحكومية والرقابية إلى حدٍ جعل السوق بلا حسيب ولا قانون. وختم بن لزرق مقاله باقتراح ساخر من قلب المأساة: "إما دولة تسحبهم إلى سجن المنصورة، أو شعب يشتري لهم منوِّم يخليهم يواصلوا نومهم حتى الفجر.. غير كذا، مافيش حلول". رسالة المقال كانت صادمة، لكنها تضع الإصبع على جرح اقتصادي غائر، يكشف بوضوح أن العملة تنهار في مناطق الشرعية ليس بسبب الحرب فقط، بل بسبب غياب الدولة وسيطرة "هوامير النوم" على الاقتصاد. الاكثر زيارة اخبار وتقارير ناشطة تهاجم شوقي القاضي: تتبرأون من نسب مدينة تعز وتحمّلون طارق كل شيء. اخبار وتقارير العاصمة تزلزل الحوثيين: سقوط ثالث قيادي في قبضة الحزام الأمني خلال أيام. اخبار وتقارير جرعة وقود كبرى: دبة البترول إلى 50 ألف ريال وخبير نفطي يكشف سيناريو الانهيا. اخبار وتقارير واشنطن تكشف شبكات الحوثي المالية السرية: 9 شركات يمنية في قبضة العقوبات.