
الحكم للتاريخ وللأهل في السودان
د. محمد سيف الجابري*
حينما يتحدث التاريخ بوقائعه وقواعده الراسخة، يجب ألّا يستمع عاقل للصغائر من محدثات الأمور التي تتقلب بحسب الأهواء والتوجهات والمآرب. فالأنظمة الوطنية المخلصة لشعوبها لا تقيم علاقات شعوبها وفق توجهاتها بل وفق منافعها، وبحسب الروابط التاريخية وأواصر الود الشعبوي التي تدعمها روابط اللغة والعقيدة والجذور الإنسانية. هذا إذا كانت تلك الأنظمة مخلصة لشعوبها بالفعل، أما إذا كانت غير ذلك، فلا عجب أن حرّكتها أهواء السلطة فاعتلّت وارتعبت وهاجت كلما اهتزت مقاعدها وعقرت كل من استنكر عبوديتها للسلطة.
الحقيقة، لم أفاجأ بسردية التباكي التي تلقيها قيادة السودان الشقيق على العتبات الإقليمية والدولية، محاولة بذلك الرد على إصرار الإمارات، على توجيه مساعداتها ودعمها الإنساني لكل الشعب السوداني من دون تمييز، وفي أي مكان فيه أهلنا السودانيون المهجرون سواء في معسكرات الإيواء الداخلية أو في دول الجوار، ومن دون النظر إلى عرق أو ديانة، وكذلك وصول المساعدات إلى الشعب مباشرة وليس عن طريق أجهزة رسمية، حتى تضمن سلمية دعمها وإنسانيته، حيث إيمانها راسخ بأن الإنسانية لا تقف عند عرق، أو توجهها عقيدة أو أيديولوجية، وهذا هو طريقها الإنساني، ومهما حاولت قيادة الخرطوم، تلويث ذلك المسلك الإنساني بإصباغه بالسياسة أو التشكيك فيه، فلن يثني ذلك الدولة، عن المضي قدماً في دعم الأهل في السودان الشقيق، تفعيلاً لمبادئ الأخوّة والقومية التي أرساها زايد الخير وسار على دربه خلفه الصالح، ونالت إجماع العالم وثقة القاصي والداني على نزاهة وشفافية مسلك الإمارات الإنساني.
إن المهجّرين من الأهل في السودان لدى دول الجوار من عوام الشعب الأعزل وليسوا من مؤيدي أحد طرفي الصراع، وكذلك من مختلف عرقيات الشعب ودياناته، فحينما شيّدت أبوظبي، المستشفي الميداني في أمدجرس بتشاد، على سبيل المثال، لم تعلق لافتة على ذلك المستشفى بأن العلاج به قاصر على فئة من دون أخرى، بل شيدت وجهزت وأمدت بالطواقم الطبية وتركته لأهل المدينة لعلاج المهجرين، وكذلك فعلت في مناطق أخرى كثيرة.
يصيب الموقف الإماراتي الراسخ والصلب - من حركة الإخوان المسلمين بوصفهم جماعة أينما وجدت – قيادة السودان بالدوار، حيث إنه بات رافضاً لأي دور لتلك الجماعة في الملف السياسي العربي، لاسيما بعدما ذاقت بعض شعوبنا العربية مرارة التجربة مع ذلك النبت الشيطاني، وبحكم النظرة الإماراتية الوحدوية للأمن والاستقرار العربي.
كذلك لدينا يقين بأن تلك المحاولات من جانب القيادة العسكرية السودانية لن تصمد أمام الثقة الدولية والعربية في النظافة وطهارة اليد والمقصد الإماراتي. كما لدينا يقين بأن يد العطاء الإماراتي لن تكلّ عن الأهل بالسودان من دون النظر إلى ما يفعله محدثو السلطة وقيادتها الذين صارت أفعالهم ضجيجاً بلا طحين.
لكنه كان من الواجب على قيادة السودان مراجعة التاريخ للوقوف بصدق على حقيقة الموقف الإماراتي من الأهل بالسودان أو حتى منذ اندلاع الأزمة في إبريل/ نيسان 2023، حيث بلغت قيمة المساعدات منذ ذلك التاريخ نحو 600 مليون دولار، ليصل ما قدمته إلى الأهل في السودان خلال السنوات العشر الماضية فقط، نحو 3.5 مليار دولار مساعدات إنسانية فقط، وعشرات آلاف أطنان المواد الغذائية للمهجرين في تشاد وجنوب السودان وأوغندا.
والغريب أن هذه القيادة تتعمد التغافل عن دور الإمارات الدبلوماسي الذي لم يترك منبراً إلا وجعل الملف السوداني رئيساً على طاولته، وعلى سبيل المثال كان حرص الإمارات في جميع خطاباتها بمجلس الأمن على تأكيد دعمها للحل السياسي والحوار بدلاً من الحل العسكري لإعادة الهدوء للسودان. وفي 28 يونيو/ حزيران 2024 وجهت رسالة لمجلس الأمن لحماية المدنيين والبنية التحتية بالسودان وفقاً للقانون الإنساني والدولي، والالتزام بالتعهدات التي وردت في مباحثات جدة، مع دعوة طرفي الصراع للامتثال لجميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وركزت على العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتخفيف خطر المجاعة، ودعم المبادرات الرامية لإنهاء هذا النزاع. وكذلك كان تأييدها القوي لدعوة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي لعقد اجتماع في 10 يوليو/ تموز 2024، للتوصل إلى حل للأزمة السودانية.
لكننا لسنا بحاجة إلى تبرير موقفنا الحيادي عسكرياً والمتضامن إنسانياً مع الأهل بالسودان، فالشراكة بين الإمارات والمنظمات الإغاثية الدولية تؤكد ثقة المجتمع الدولي في دور أبوظبي المتوازن تجاه أزمات وصراعات الشرق الأوسط وغيره من المناطق الساخنة بالعالم، لذا نجد كثيراً ما تعوّل الأطراف الدولية والأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها على دور الإمارات الفعال المتزن، في تقديم الحلول الدبلوماسية وتقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع في السودان أوغيرها، فرؤية الإمارات تجاه أزمة السودان إنسانية في المقام الأول ثم رؤية استراتيجية حريصة على وحدة هذا البلد العربي الشقيق المهم وسلامته، ويعدّ رصيداً عظيماً للوطن العربي الكبير خاصة في بعده الإفريقي المهم إلى اهتمامها البالغ بضرورة إنهاء المعاناة الإنسانية للمدنيين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ 40 دقائق
- العين الإخبارية
من المائدة إلى خارج المنصب.. «أرز مجاني» أطاح بوزير ياباني
أفادت وسائل إعلام يابانية أن وزير الزراعة الياباني تاكو إيتو استقال يوم الأربعاء، عقب غضب شعبي من تصريحاته بشأن حصوله على الأرز مجانًا. وبحسب شبكة سي إن بي سي، صرح إيتو يوم الأحد بأنه لم يضطر قط لشراء الأرز، إذ كان يتلقى كميات وفيرة منه كهدايا من مؤيديه، وهو تعليق أثار حفيظة السكان المحليين الذين يعانون من الارتفاع الحاد في أسعار هذا الغذاء الأساسي المحبوب. وتعاني اليابان منذ أشهر من ارتفاع حاد في أسعار الأرز، حيث يُعيق سوء الأحوال الجوية وسياسة البلاد لحماية مصالح المزارعين المحليين، الإمدادات. وتأتي استقالة تاكو في وقت تُعاني فيه حكومة رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا من انخفاض معدلات التأييد قبل انتخابات مجلس الشيوخ المحورية هذا الصيف، ومفاوضات التعريفات الجمركية الجارية مع الولايات المتحدة. وذكرت قناة NHK World أن وزير البيئة السابق كويزومي شينجيرو سيخلف إيتو. وانخفض معدل تأييد حكومة إيشيبا إلى أدنى مستوى له على الإطلاق عند 27.4%، مع تزايد استياء الناخبين من فشل الإدارة في معالجة ارتفاع أسعار الأرز ورفض تخفيضات ضريبة الاستهلاك استجابةً لارتفاع التضخم، وفقًا لاستطلاع رأي أجرته وكالة كيودو الإخبارية ونُشر يوم الأحد. وفي حين تسعى وزارة الزراعة اليابانية إلى الحد من ارتفاع الأسعار من خلال الإفراج عن مخزونات الحكومة، إلا أن هذه الخطوة لم تُسفر عن تأثير يُذكر في كبح جماح الأسعار. وأفادت التقارير أن أسعار الأرز في حوالي 1000 سوبر ماركت في جميع أنحاء البلاد ارتفعت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في الأسبوع المنتهي في 11 مايو/أيار. وارتفعت أسعار كيس الأرز الذي يزن 5 كيلوغرامات بمقدار 54 ينًا على أساس أسبوعي لتصل إلى 4268 ينًا (29.63 دولار أمريكي). وقالت وزارة الزراعة الأمريكية في تقرير صدر في مارس/آذار، "في أعقاب نقص الأرز في اليابان وما تلاه من ارتفاع في الأسعار في صيف 2024، استمرت الأسعار في الارتفاع، على الرغم من وصول المحصول المحلي الجديد والواردات القياسية". وقال فريدريك نيومان، كبير الاقتصاديين الآسيويين في بنك HSBC، إن ارتفاع أسعار الأرز يعكس الآثار المستمرة لضعف الحصاد العام الماضي، حيث يعتمد الاستهلاك المحلي للأرز بشكل كبير على الإنتاج المحلي بدلاً من الواردات. وأضافت سايوري شيراي، أستاذة الاقتصاد في كلية إدارة السياسات بجامعة كيو، أن ما يُثقل كاهل العرض هو أن الأرز في اليابان يُنتج في الغالب من قِبل كبار السن الذين يديرون مزارع صغيرة، مما يجعلهم غير أكفاء لهذه المهنة الشاقة، مضيفةً أن عدد المزارعين يتناقص أيضًا مع شيخوخة السكان. وقالت، "اليابانيون يُحبون الأرز الياباني، إنهم لا يُحبون الأرز الأجنبي". ولا يزال اقتصاد الأرز الياباني معزولًا إلى حد ما عن السوق العالمية، حيث تُفرض رسوم جمركية صارمة على الأرز المستورد بهدف حماية مزارعي الأرز. ومما زاد الطين بلة، أن الطلب على الأرز الياباني قد ارتفع بشكل كبير على خلفية ارتفاع عدد السياح، كما أشارت شيراي. وقال تاكوجي أوكوبو، كبير الاقتصاديين في شركة Japan Macro Adviser، إن الارتفاع الحاد في أسعار الأرز يُعزى جزئيًا إلى حالة الهلع التي أصابت الأسر والشركات على حد سواء. وفي حين أعلن بعض تجار التجزئة عن خطط لاستيراد الأرز، إلا أن عدم إلمام المستهلكين والشركات بالأرز المستورد يجعل من غير المرجح أن تُخفف هذه الواردات اختلال التوازن بين العرض والطلب بشكل ملموس، وفقًا لشبكة CNBC. aXA6IDgyLjI2LjIzMC4zOCA= جزيرة ام اند امز LV


البوابة
منذ ساعة واحدة
- البوابة
وزير الخارجية يلتقي نظيره الغاني في بروكسل
التقى الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة مع "صامويل أوكودزيتو أبالكاوا" وزير خارجية غانا، اليوم الخميس، وذلك خلال الزيارة التي يقوم بها إلى بروكسل. وأشاد الوزير عبد العاطي بالعلاقات المتميزة التي تجمع البلدين وأهمية الحفاظ على وتيرة التشاور بين وزارتي الخارجية تفعيلاً لمذكرة التفاهم الخاصة بإنشاء آلية التشاور السياسي بين الوزارتين. ورحب الوزير عبد العاطى بالزيادة فى معدل التبادل التجاري خلال الفترة الماضية من 177 مليون دولار في عام 2021 إلى 240 مليون دولار في 2023، معربا عن التطلع لمواصلة تعزيز التبادل التجاري، مشيداً كذلك بإسهامات الشركات المصرية في السوق الغاني في العديد من المجالات مثل البناء، ومحطات توليد الكهرباء. كما أعرب على التطلع لتعزيز التعاون في مختلف المجالات، لا سيما مكافحة الإرهاب والأمن البحري وحماية الحدود، والصحة. وثمن وزير الخارجية الدور الإيجابي الذي تضطلع به غانا في تسوية الأزمات في إقليم الغرب الأفريقي، متناولا التحديات الامنية التي تواجهها القارة الأفريقية والتي تستوجب التكاتف بين الأشقاء الأفارقة، في ظل انتشار الجماعات المسلحة والإرهابية، بما في ذلك في منطقة حوض بحيرة تشاد والساحل. واستعرض فى هذا السياق التجربة الوطنية التي أثبتت أن المواجهة الفعالة لخطر الإرهاب تتطلب مقاربة شاملة ومستدامة، تتضمن تعزيز المواجهة الفكرية للإرهاب والرؤى المتطرفة والاهتمام بالبعد التنموي. كما أشار إلى إمكانية الاستفادة من البرامج ذات الصلة بمواجهة الأفكار المتطرفة وبناء السلام التي يقدمها مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام، منوهاً الى استعداد مصر الدائم لمساندة الأشقاء الأفارقة في جهود التصدي للإرهاب. received_667496846085474


سبوتنيك بالعربية
منذ 2 ساعات
- سبوتنيك بالعربية
باحث سياسي: الإعلان عن "القبة الذهبية" تهويل إعلامي تسعى أميركا من خلاله لاستعادة هيبتها العسكرية
باحث سياسي: الإعلان عن "القبة الذهبية" تهويل إعلامي تسعى أميركا من خلاله لاستعادة هيبتها العسكرية باحث سياسي: الإعلان عن "القبة الذهبية" تهويل إعلامي تسعى أميركا من خلاله لاستعادة هيبتها العسكرية سبوتنيك عربي وصف الباحث السياسي في الشأن الدولي، رضوان رزق، إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن بناء "القبة الذهبية" بتكلفة تصل إلى 175 مليار دولار لحماية أميركا من... 22.05.2025, سبوتنيك عربي 2025-05-22T10:50+0000 2025-05-22T10:50+0000 2025-05-22T10:50+0000 حصري تقارير سبوتنيك العالم الصين واشنطن روسيا ترامب أوضح رزق في تصريح لـ "سبوتنيك"، أنّ الإعلان عن "القبة الذهبية" الذي يلوّح من خلاله ترامب بالقدرات العسكرية الأميركية في حال أي مواجهة محتملة، خصوصًا مع الصين، هو مجرد تهويل من قبل الولايات المتحدة ومحاولة لاستعادة هيبتها العسكرية.وأشار في هذا السياق إلى فشل القبة الحديدية الإسرائيلية ومنظومة الدفاع الجوي الأميركي في التّصدي للصواريخ اليمنية الفرط صوتية التي أصابت مطار بن غوريون، مؤكدًا "امتلاك الصين وإيران لصواريخ فرط صوتية أكثر تقدمًا".ولفت رزق إلى ما كشفه أحد الجنرالات الأميركيين عن "تطوير إيران لسلاح البلازما الذي يعدّ أخطر من السلاح النووي، ما يخلق توازنًا عسكريًا في حال امتلكته".ورأى رزق أن "أميركا تتفكّك وتنهار وفقدت زمام المبادرة ولم تعد الوحيدة التي تتربع على عرش العالم، ولم تعد تمتلك التفوّق العسكري ولا التكنولوجي، وأصبحت في المرتبة الثانية عالميًا من حيث الدخل القومي، وهي دولة غارقة في الديون وتمارس "البلطجة" على دول العالم.واعتبر رزق أنّ "محاولات ترامب لنسج العلاقات مع الدول باءت بالفشل لأن العالم لم يعد ينصاع للأوامر الأميركية، بعد أن فقدت واشنطن "العصا الغليظة"، وإذا قرّرت الصين المواجهة، فهي تملك كل الإمكانات والقدرات على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية لوضع حدّ للتغطرس الأميركي".وتطرّق الباحث إلى برنامج عسكرة الفضاء الذي بدأ في عهد الرئيس رونالد ريغان، مرجّحًا أنّ "الصين قد يكون لديها برنامجًا مماثلًا". الصين واشنطن سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 2025 سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 الأخبار ar_EG سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 1920 1080 true 1920 1440 true 1920 1920 true سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 سبوتنيك عربي حصري, تقارير سبوتنيك, العالم, الصين, واشنطن, روسيا, ترامب