
السوريون ينقسمون حول زياد الرحباني
يا لخيبة الأمل...البعض رأى فيه فنان الشعب الذي انحاز إلى قاتليه، لا يضيره أن تلقى عليه آلاف البراميل المتفجرة ما دام قادرا على تدليس الموقف بمزاعم ارتهان الثوار للخارج أو تجلببهم بعباءة أصولية لم يكن قد اكتمل تفصيلها بعد حين أطلق زياد موقفه النهائي من الثورة السورية وانحاز سياسيا على الأقل إلى النظام الحاكم في دمشق دون أن يلغي المسافة التقدية تجاه سلوكه وسلوك حلفائه في سوريا ولبنان.
هنا إذا مصدر الخيبة عند جمهور عريض من السوريين كانوا قد وجدوا في كاسيتات زياد التي كانت تباع في سوريا في ثمانينيات القرن الماضي بموافقة ممرورة من المخابرات السورية ولضرورات تتعلق بالعلاقة الحذرة والاحتواء المتبادل بين سلطة الأسد الأب والعائلة الرحبانية، متنفسا لهم من قبضة أمنية تعد عليهم أنفاسهم.
يومها كان زياد سيد المسرح السياسي الذي يحاكي هموم السوريين بأدوات إبداعية ساخرة في بلد لا يتجاسر أبناؤه على تناول مفردات الحرية والديمقراطية إلا في السياق الضيق الذي كانت تبيحه المداولات الداخلية الضيقة لحزب البعث القائد - بأمر نفسه- للدولة والمجتمع.
لكن زياد استقبل في دمشق غير مرة حين استضافه جوكر الدراما السورية بسام كوسا فيما بدا أنه "حوار العباقرة " وآخرى حين غصت قلعة دمشق بمحبيه أثناء إحيائه حفلاته الخمس على نحو جعله يبدو ممتنا لكل هذا الحب من جمهور سبقه إلى كلمات أغانيه وترنيم جمله الموسيقية ووقف يهتف له طويلا.
حفلات سيصار لاحقا إلى توظيفها سياسيا وبمفعول رجعي من قبل ثوار المعارضة ومفكريها عن علاقة السلطة السورية بزياد، إذ كيف يمكن لفنان يزعم أنه يقاوم الاستبداد أن يأتي إلى دمشق بمباركة الاستبداد نفسه لو لم يؤجر فنه للطغاة ومشاريعهم ؟!.
هكذا سوق الكارهون لمواقف زياد بعدما وجدوا في ثقله الفني نقطة عليهم لا لهم كما كان يرتجى في سجال السياسة.
الزمن سينصف العبقري الراحل..
ما سلف رأي بعض السوريين في زياد الرحباني وقد تجنوا على ما يقول سوريون آخرون مناجزين لهم في السياسة بعدما رأوا في زياد الرحباني امتدادا لتلك الشخصية التي تنطلق في مواقفها من وعي وتبصر بخبايا السياسة قد لا يحظى بها الكثيرون من الفنانين والمثقفين.
فالرجل انسلخ بفكره الحر عن الاصطفافات الطائفية التي وسمت الحرب الأهلية اللبنانية حين اختار فضاء اليسار الواسع بعيدا عن التحزب في يمين مسيحي انعزالي ومتعال كان من المفترض أن يداعب خيال زياد باعتباره سليل العائلة الرحبانية.
الفذ الذي سيقتعد ولا شك موقع الصدارة الفكرية والجهوية فيه لو أراد وهو ما سبق إليه استثنائي آخر هو سعيد عقل الذي نجح في ميدان العبقرية الشعرية وسقط في امتحان الفضيلة على ما يقول مناوؤوه حين قام يتغنى بغزو جيوش إسرائيل لوطنه داعيا إلى قطع رقبة كل من يستنكر هذا الغزو ولو بكلمة.
لكن زياد هو زياد استقى من شجاعة عائلته التي رفضت أن تغني لحافظ الأسد حين كانت تعنو له رؤوس الساسة قبل الفنانيين وحين كانت السياسة اللبنانية مستلحقة بدمشق كما يقتفي راكب صحراء أثر مرشديه.
دمشق التي غنتها فيروز بحب لا حدود له كما لم تفعل مع مدينة آخرى، ونالها من سياط المنتقدين الكثير من الافتراء حين زارت دمشق بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل سعد الحريري غريم سوريا المتهمة بتصفيته.
يومها أنكر الكثير من الساسة اللبنانيين على فيروز زيارة عشاقها في دمشق التي كانوا هم أكثر من "كسروا عتبات" القصر الجمهوري فيها حين كانت مياه السياسة متدفقة بينهم وبين حكم الأسدين.
وكأنما التاريخ أعاد نفسه في سيرة ولدها زياد..
هكذا يبسط المدافعون عن زياد حجتهم و قد زادوا عليها بأن الرجل كان يفحص ثورات الربيع العربي من زاوية المتشكك بكل من يحاول أن يمتطي آلام الناس التي ضاقت ذرعا بالطاغية فاستعدت عليه من لا يقيمون وزنا لكل مطالبها النبيلة في الحرية والعدالة والمساواة والكرامة.
موقف كان من الممكن أن يفقد زياد الرحباني شعبيته العارمة في سوريا وقد فعل لولا أن تراثه الفني الذي حفظه السوريون عن ظهر قلب قد نهض دون القطيعة الشعبية النهائية مع الرافضين لموقفه السياسي من الثورة السورية فصارت خلاصة القول عند هؤلاء: " خاب أملنا فيك... لكننا نحب فنك وتراث عائلتك" .
وعليه فقد بدا السوريون على صفحات التواصل الاجتماعي منقسمين على أنفسهم وعلى زياد الرحباني الفنان الذي عجز الكارهون له في السياسة عن كرهه في الفن وفي الشخصي.
هو إذا عجز عن الكره بمقدار العجز عن المحبة فيما التمس المحبون له كل ما ينقي صفحته من شوائب الارتهان لغير ضميره وفنه يبسطون في ذلك حجة تثبت في ميدان الجدال وحسبهم في ذلك أنه لو أراد بيع نفسه لوجد في الدول المناوئة لنظام الأسد من يدفع أكثر بكثير.
خلاصة الأمر أنه ومهما اختلفت آراء السوريين في زياد الرحباني وتباينت نظرات من يفحصون فعاله تحت أضواء شتى يشعها تغاير النزعات ومهما أنكر المنكرون عليه ازراءه بالثورة السورية ووصفه إياها باقسى الألفاظ فإن الزمن كفيل بإعادة تقييم سلوك الرجل على ضوء تجاوز قطوع المرحلة الصعبة الحالية التي لم يشف السوريون فيها بعد من جراحهم.
عند ذلك قد يصار إلى إطلاق الحكم النهائي على الرجل إن كان ثائرا بثوب فنان أو فنانا بثوب ثائر.المصدر: RT
خرج نعش الفنان اللبناني زياد الرحباني من مستشفى BMG (مستشفى فؤاد خوري) في منطقة الحمرا ترافقه حشود غفيرة، قبيل انطلاق موكب التشييع إلى مثواه الأخير.
لا تستطيع العبارات التقليدية رسم صورة أقرب إلى الأصل لزياد رحباني، الذي يعد "ظاهرة" في كل شيء. حتى وفاته لا يكفها العزاء. لم تنقلب الدنيا، "هدير البوسطة" فقط ربما لبعض الوقت.
توفي صباح اليوم السبت الفنان اللبناني زياد الرحباني عن عمر 69 عاما.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


روسيا اليوم
منذ 3 ساعات
- روسيا اليوم
حزب الله يرفض قرار الحكومة اللبنانية
واتهم الحزب حكومة نواف سلام بارتكاب خطيئة كبرى تصب في مصلحة إسرائيل، من خلال تجريد لبنان من قوته.


روسيا اليوم
منذ 4 ساعات
- روسيا اليوم
مراسلتنا: سلسلة غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف محيط بلدتي زوطر ودير سريان جنوبي لبنان (فيديوهات)
وأكدت "الوكالة الوطنية للإعلام" سقوط إصابات جراء غارات إسرائيلية استهدفت مرآباً للآليات والجرافات يقع في جوار منازل مأهولة في دير سريان. كما أعلن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة اللبنانية في بيان، أن "غارة العدو الإسرائيلي على بلدة تولين - قضاء مرجعيون جنوبي البلاد، أدت إلى سقوط شهيد وإصابة شخص آخر بجروح".يتبع.. تطرق مقال صحافي إسرائيلي إلى قرار حكومة لبنان بتكليف الجيش وضع خطة لحصر السلاح بيد الدولة بحدود نهاية العام الحالي، معتبرا أن جذور "حزب الله" عميقة جدا ولا يمكن إزالتها بلمسة يد.


روسيا اليوم
منذ 5 ساعات
- روسيا اليوم
حزب الله يحذر حكومة لبنان.. نزع سلاحنا يخدم إسرائيل
أبرز تصريحات النائب عن حزب الله في البرلمان اللبناني الدكتور حسين الحاج حسن لـ RT: - الحكومة اللبنانية أثبتت أنها ليست حكومة لكل اللبنانيين باتخاذها قرار تكليف الجيش بوضع خطة لحصر السلاح بيد الدولة. - منذ أن تشكلت الحكومة لم تجتمع مرة واحدة لمناقشة الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان. - في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي كان على الحكومة بحث مواجهة الاعتداءات بدل تكليف الجيش بخطة لحصر السلاح. - هل يسأل المسؤولون أنفسهم إن كانوا في موقع الدفاع عن لبنان أم الاستجابة لطلبات أمريكا وإسرائيل؟ - ليس على الحكومة الاستجابة للضغوط الخارجية، والوحدة الوطنية هي الكفيلة بمواجهتها. - الحكومة بقرارها تنقل المشكلة ما بين إسرائيل ولبنان إلى ما بين لبناني ولبناني. - المبعوث الأمريكي توم باراك قال بوضوح "لا ضمانات". - الحرب الأخيرة أدت إلى نتائج وأضرار كبيرة لكن المقاومة لم ولن تنتهي. - ما قام به الإسرائيلي بعد وقف إطلاق النار مع الصمت الدولي أكثر بكثير مما حققه خلال الحرب. - ننتظر حاليا رأي قائد الجيش في قضية إعداد خطة تطبيقية لحصر السلاح. - هناك مشاورات لتحديد الموقف من مشاركتنا في الجلسة المقبلة للحكومة. - الحكومة اتخذت قرارا أدخل البلد في نفق غير معلوم النتائج. - القرار غير مسبوق من جهة عدم الإحساس بالمسؤولية وأدخل البلد بأزمة داخلية دون أي مبرر. - ليس لدى حزب الله رغبة في توتير الأوضاع بلبنان. - كيف يمكن الحديث عن السيادة مع وجود ورقة مبعوث خارجي على طاولة مجلس الوزراء للنقاش. - لا نطالب بضمانات لحزب الله بل ضمانات للبنان والشعب اللبناني. - طلبنا من رئيس الحكومة تأمين 40 مليون دولار لترميم بعض مباني الضاحية الجنوبية وحتى الآن ليس هناك أي تجاوب.