
4 أسئلة توضح أبرز معوقات تشكيل الحكومة في السودان
الخرطوم- عزا سياسيون ومحللون -تحدثوا للجزيرة نت- المخاض العسير لتشكيل الحكومة في السودان، إلى خلافات مكتومة وضغوط متزايدة من حركات مسلحة حليفة ل لجيش السوداني وقيادات عسكرية رفيعة، لفرض شخصيات بعينها ليكونوا وزراءَ في الحكومة المرتقبة.
ويكتنف الغموض مصير تشكيل الحكومة الجديدة في السودان بعد ما يزيد عن شهر من تعيين كامل إدريس رئيسا للوزراء في 19 مايو/أيار الماضي، دون تحديد سقف زمني لإعلانها، لكن مصادر مقربة من رئيس الوزراء أكدت للجزيرة نت أن تشكيل الحكومة قطع أشواطا متقدمة، وتوقعت أن يبدأ رئيس الوزراء في إعلانها قريبا.
وقال الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة -الشريكة في الحكم بموجب اتفاق جوبا- معتصم صالح للجزيرة نت إن من أبرز معوقات تشكيل الحكومة غياب آلية واضحة وشفافة لاختيار الوزراء، لا سيما في ظل إعلان رئيس الوزراء رغبته في تشكيل حكومة من الكفاءات (تكنوقراط) دون إشراك أو التشاور الفعّال مع القوى السياسية والمجتمعية الداعمة لمؤسسات الدولة.
وتستعرض الجزيرة نت فيما يلي أسئلة وأجوبة شارحة لمعوقات تشكيل الحكومة في السودان:
ما معوقات تشكيل الحكومة في السودان؟
أشار الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة أن النهج الذي يتبعه رئيس الوزراء يُضعف قاعدة التوافق الوطني، ويغذّي حالة من الشك والتوجس لدى الفاعلين السياسيين، مما يعيق بناء حاضنة سياسية مستقرة تُعين الحكومة على أداء مهامها.
وقال الأمين العام الأسبق لمجلس الوزراء السودان الدكتور عمر محمد صالح للجزيرة نت إن اختيار الوزراء الذين سينفذون برنامج الحكومة يمثل حجر الزاوية في نجاح التنفيذ، ولذلك فإن تمسك أطراف اتفاقية جوبا ببعض الوزارات المفتاحية في التغيير -كالمالية والمعادن والضمان الاجتماعي- دون مبررات واضحة يضع أولى العثرات أمام تنفيذ البرنامج.
وأضاف أن الأمل ما زال معقودا على حكمة أصحاب القرار، في المجلس السيادي والحركات المسلحة ورئيس مجلس الوزراء، بالاجتماع عاجلا لتجاوز هذه الأزمة ومآلاتها، لا سيما وأن الحرب ما زالت مستعرة، مما يستوجب توحد الجهود للقضاء على التمرد أولا.
ما أثر الخلافات مع الحركات الموقعة على اتفاق جوبا على تشكيل الحكومة؟
أفاد المحلل السياسي عثمان ميرغني للجزيرة نت بأن تأخر إعلان التشكيل الوزاري مرده عدة عوامل:
أولا: مشاورات أولية بشأن توصيف الوزارات نفسها، والاجتهاد في تقليصها، مع عدم إلغاء اختصاصاتها، وهذه المرحلة انتهت بخطاب رئيس الوزراء الذي أعلن فيه تحديد 22 وزارة.
ثانيا: إعلان الوزراء يتطلب التشاور مع دوائر عدة من المكون العسكري، لتسمية وزيري الداخلية والدفاع، ومجموعة السلام (اتفاق جوبا) لتسمية وتخصيص 5 وزارات، ثم مشاورات ثنائية مع المرشحين.
ويرى مراقبون أن الخلافات مع الحركات المسلحة يمكن أن تكون من أهم الأسباب التي تحول دون تشكيل الحكومة الجديدة في السودان، حيث تتمسك ليس بحصتها في الثروة المنصوص عليها في اتفاقية جوبا فحسب، بل بنفس الوزارات وربما الوزراء السابقين من خلال الضغط السياسي والإعلامي.
وفي السياق قال الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة معتصم صالح إن بعض القوى السياسية والاجتماعية تبذل جهدا خارقا عبر الإعلام، وما وصفه بـ"الأقلام الصفراء"، لتجاوز اتفاق جوبا أو تحجيم دوره، مما يثير توترا غير مبرر في المشهد.
وأفاد بأنه لا يرى أن أطراف العملية السلمية (الموقِّعة على اتفاق جوبا) تشكّل عائقًا أمام تشكيل الحكومة، فالاتفاق حُسم بشكل واضح وغير قابل للتأويل حول نسب مشاركتها في السلطة، كما أن مكونات الفترة الانتقالية توافقت قبل توقيع الاتفاق على عدد الوزارات المخصصة لها وطبيعتها وأهميتها.
وقال ميرغني إن "مجموعة السلام" -في إشارة للحركات الموقعة على اتفاق جوبا- تتميز بقدرات سياسية تسمح لها بمرونة التفاوض، وقد ترى أن أنصبتها الوزارية السابقة كانت مميزة ولا ترغب في التخلي عنها، لكن ذلك أمر متروك للتفاهم مع رئيس الوزراء، وقابل للأخذ والرد.
ما دور الإسلاميين في تأخير تشكيل الحكومة؟
يشير بعض المحللين إلى وجود تدخلات من إسلاميين وتأثيرهم في الغرف المغلقة على تشكيل الحكومة، بعد أن عادوا إلى واجهة الأحداث بقوة بعد دورهم الكبير في إسناد الجيش في حربه ضد الدعم السريع، لكن الإسلاميين بمسمياتهم المختلفة ظلوا يؤكدون أنهم لن يشاركوا في السلطة، ولم يطلبوا منصبا أو ثمنا لدفاعهم عن بلادهم.
ويقول عثمان ميرغني إن الإسلاميين حتى الآن خارج دائرة هذه الأزمة، ويمكن وصف وضعهم بـ "المراقب بحذر"، فهم لم يتحمسوا لاختيار رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لكامل إدريس رئيسا للوزراء، لكنهم لم يعترضوا، ثم طوروا موقفهم للموافقة عليه، وأتوقع أنهم سيمضون أكثر إلى مربع دعمه سياسيا، وذلك لأن كامل شخصية مستقلة ولا يرغب بالدخول في مواجهة مع أي طرف.
في حين يرى معتصم صالح أن هناك جهات إقليمية ودولية تتحفّظ على مشاركتهم، خشية عودتهم إلى واجهة السلطة، كما أن بعض القوى الداخلية تعارض وجودهم في الحكومة، "ورغم ذلك، لا أرى أن لهذا الرفض أو التوجس تأثيرا في تأخير تشكيل حكومة أعلن رئيسها سلفا أنه سيشكلها من الكفاءات" حسب قوله.
ما الذي يمنع تشكيل الحكومة الجديدة؟
قال المحلل السياسي، وأمين الإعلام السابق ب حزب المؤتمر الوطني إبراهيم الصديق إن "الأصل في تشكيل الحكومة أنها حكومة تكنوقراط لا علاقة لها بالأحزاب السياسية، وبالتالي فإن الحديث عن طرف سياسي غير دقيق".
وقال الصديق إن "السبب الأكثر دقة الذي يمنع تشكيل الحكومة هو غياب الخبرة السياسية لدى رئيس الوزراء كامل إدريس والمحيطين به بالقدرة على إقناع شركاء السلام بالمناصب المخصصة لهم"، وأشار إلى أن هذا الأمر كان يمكن تجاوزه بتأجيل غير المتفق عليه إلى وقت لاحق.
لكن عثمان ميرغني أكد أن الأزمة لم تكن قط في التفاهم مع مجموعة الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام، بل في حرص البعض على استغلال التفاهمات للتأثير على قدرة رئيس الوزراء في تشكيل حكومته بعيدا عن الأزمات.
ويشير ميرغني -الذي تصفه بعض الدوائر الإعلامية بالمقرب من رئيس الوزراء- إلى أنه ليس هناك مانع الآن من تشكيل الحكومة، وقال للجزيرة نت إن "تشكيل الحكومة شبه مكتمل، وأتوقع أن يبدأ رئيس الوزراء في إعلانها قريبا، وسيكون المحك بعد ذلك في ما تطرحه من خطط وسياسات".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
4 أسئلة توضح أبرز معوقات تشكيل الحكومة في السودان
الخرطوم- عزا سياسيون ومحللون -تحدثوا للجزيرة نت- المخاض العسير لتشكيل الحكومة في السودان، إلى خلافات مكتومة وضغوط متزايدة من حركات مسلحة حليفة ل لجيش السوداني وقيادات عسكرية رفيعة، لفرض شخصيات بعينها ليكونوا وزراءَ في الحكومة المرتقبة. ويكتنف الغموض مصير تشكيل الحكومة الجديدة في السودان بعد ما يزيد عن شهر من تعيين كامل إدريس رئيسا للوزراء في 19 مايو/أيار الماضي، دون تحديد سقف زمني لإعلانها، لكن مصادر مقربة من رئيس الوزراء أكدت للجزيرة نت أن تشكيل الحكومة قطع أشواطا متقدمة، وتوقعت أن يبدأ رئيس الوزراء في إعلانها قريبا. وقال الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة -الشريكة في الحكم بموجب اتفاق جوبا- معتصم صالح للجزيرة نت إن من أبرز معوقات تشكيل الحكومة غياب آلية واضحة وشفافة لاختيار الوزراء، لا سيما في ظل إعلان رئيس الوزراء رغبته في تشكيل حكومة من الكفاءات (تكنوقراط) دون إشراك أو التشاور الفعّال مع القوى السياسية والمجتمعية الداعمة لمؤسسات الدولة. وتستعرض الجزيرة نت فيما يلي أسئلة وأجوبة شارحة لمعوقات تشكيل الحكومة في السودان: ما معوقات تشكيل الحكومة في السودان؟ أشار الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة أن النهج الذي يتبعه رئيس الوزراء يُضعف قاعدة التوافق الوطني، ويغذّي حالة من الشك والتوجس لدى الفاعلين السياسيين، مما يعيق بناء حاضنة سياسية مستقرة تُعين الحكومة على أداء مهامها. وقال الأمين العام الأسبق لمجلس الوزراء السودان الدكتور عمر محمد صالح للجزيرة نت إن اختيار الوزراء الذين سينفذون برنامج الحكومة يمثل حجر الزاوية في نجاح التنفيذ، ولذلك فإن تمسك أطراف اتفاقية جوبا ببعض الوزارات المفتاحية في التغيير -كالمالية والمعادن والضمان الاجتماعي- دون مبررات واضحة يضع أولى العثرات أمام تنفيذ البرنامج. وأضاف أن الأمل ما زال معقودا على حكمة أصحاب القرار، في المجلس السيادي والحركات المسلحة ورئيس مجلس الوزراء، بالاجتماع عاجلا لتجاوز هذه الأزمة ومآلاتها، لا سيما وأن الحرب ما زالت مستعرة، مما يستوجب توحد الجهود للقضاء على التمرد أولا. ما أثر الخلافات مع الحركات الموقعة على اتفاق جوبا على تشكيل الحكومة؟ أفاد المحلل السياسي عثمان ميرغني للجزيرة نت بأن تأخر إعلان التشكيل الوزاري مرده عدة عوامل: أولا: مشاورات أولية بشأن توصيف الوزارات نفسها، والاجتهاد في تقليصها، مع عدم إلغاء اختصاصاتها، وهذه المرحلة انتهت بخطاب رئيس الوزراء الذي أعلن فيه تحديد 22 وزارة. ثانيا: إعلان الوزراء يتطلب التشاور مع دوائر عدة من المكون العسكري، لتسمية وزيري الداخلية والدفاع، ومجموعة السلام (اتفاق جوبا) لتسمية وتخصيص 5 وزارات، ثم مشاورات ثنائية مع المرشحين. ويرى مراقبون أن الخلافات مع الحركات المسلحة يمكن أن تكون من أهم الأسباب التي تحول دون تشكيل الحكومة الجديدة في السودان، حيث تتمسك ليس بحصتها في الثروة المنصوص عليها في اتفاقية جوبا فحسب، بل بنفس الوزارات وربما الوزراء السابقين من خلال الضغط السياسي والإعلامي. وفي السياق قال الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة معتصم صالح إن بعض القوى السياسية والاجتماعية تبذل جهدا خارقا عبر الإعلام، وما وصفه بـ"الأقلام الصفراء"، لتجاوز اتفاق جوبا أو تحجيم دوره، مما يثير توترا غير مبرر في المشهد. وأفاد بأنه لا يرى أن أطراف العملية السلمية (الموقِّعة على اتفاق جوبا) تشكّل عائقًا أمام تشكيل الحكومة، فالاتفاق حُسم بشكل واضح وغير قابل للتأويل حول نسب مشاركتها في السلطة، كما أن مكونات الفترة الانتقالية توافقت قبل توقيع الاتفاق على عدد الوزارات المخصصة لها وطبيعتها وأهميتها. وقال ميرغني إن "مجموعة السلام" -في إشارة للحركات الموقعة على اتفاق جوبا- تتميز بقدرات سياسية تسمح لها بمرونة التفاوض، وقد ترى أن أنصبتها الوزارية السابقة كانت مميزة ولا ترغب في التخلي عنها، لكن ذلك أمر متروك للتفاهم مع رئيس الوزراء، وقابل للأخذ والرد. ما دور الإسلاميين في تأخير تشكيل الحكومة؟ يشير بعض المحللين إلى وجود تدخلات من إسلاميين وتأثيرهم في الغرف المغلقة على تشكيل الحكومة، بعد أن عادوا إلى واجهة الأحداث بقوة بعد دورهم الكبير في إسناد الجيش في حربه ضد الدعم السريع، لكن الإسلاميين بمسمياتهم المختلفة ظلوا يؤكدون أنهم لن يشاركوا في السلطة، ولم يطلبوا منصبا أو ثمنا لدفاعهم عن بلادهم. ويقول عثمان ميرغني إن الإسلاميين حتى الآن خارج دائرة هذه الأزمة، ويمكن وصف وضعهم بـ "المراقب بحذر"، فهم لم يتحمسوا لاختيار رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لكامل إدريس رئيسا للوزراء، لكنهم لم يعترضوا، ثم طوروا موقفهم للموافقة عليه، وأتوقع أنهم سيمضون أكثر إلى مربع دعمه سياسيا، وذلك لأن كامل شخصية مستقلة ولا يرغب بالدخول في مواجهة مع أي طرف. في حين يرى معتصم صالح أن هناك جهات إقليمية ودولية تتحفّظ على مشاركتهم، خشية عودتهم إلى واجهة السلطة، كما أن بعض القوى الداخلية تعارض وجودهم في الحكومة، "ورغم ذلك، لا أرى أن لهذا الرفض أو التوجس تأثيرا في تأخير تشكيل حكومة أعلن رئيسها سلفا أنه سيشكلها من الكفاءات" حسب قوله. ما الذي يمنع تشكيل الحكومة الجديدة؟ قال المحلل السياسي، وأمين الإعلام السابق ب حزب المؤتمر الوطني إبراهيم الصديق إن "الأصل في تشكيل الحكومة أنها حكومة تكنوقراط لا علاقة لها بالأحزاب السياسية، وبالتالي فإن الحديث عن طرف سياسي غير دقيق". وقال الصديق إن "السبب الأكثر دقة الذي يمنع تشكيل الحكومة هو غياب الخبرة السياسية لدى رئيس الوزراء كامل إدريس والمحيطين به بالقدرة على إقناع شركاء السلام بالمناصب المخصصة لهم"، وأشار إلى أن هذا الأمر كان يمكن تجاوزه بتأجيل غير المتفق عليه إلى وقت لاحق. لكن عثمان ميرغني أكد أن الأزمة لم تكن قط في التفاهم مع مجموعة الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام، بل في حرص البعض على استغلال التفاهمات للتأثير على قدرة رئيس الوزراء في تشكيل حكومته بعيدا عن الأزمات. ويشير ميرغني -الذي تصفه بعض الدوائر الإعلامية بالمقرب من رئيس الوزراء- إلى أنه ليس هناك مانع الآن من تشكيل الحكومة، وقال للجزيرة نت إن "تشكيل الحكومة شبه مكتمل، وأتوقع أن يبدأ رئيس الوزراء في إعلانها قريبا، وسيكون المحك بعد ذلك في ما تطرحه من خطط وسياسات".


الجزيرة
منذ 14 ساعات
- الجزيرة
من يحاول خطف نصر الجيش في السودان؟
في لحظة فارقة من عمر الحرب السودانية، وبينما يقترب الجيش من حسم المعركة ميدانيًا، تلوح في الأفق تسوية دولية تُهدّد بأن تُفرغ هذا النصر من محتواه السياسي. فبين سطور اللقاء الأخير لوزير الخارجية الأميركي مع أطراف الرباعية، ظهرت إشارات مقلقة توحي بأن الغرب لا يسعى إلى سلام يُنهي الحرب فحسب، بل إلى اتفاق يُبقي على توازن هشّ بين الدولة والتمرد؛ خوفًا من أن يتحوّل نصر الجيش إلى عقبة كأداء أمام بسط النفوذ الدولي مقابل الإرادة الوطنية، وتبرير ذلك من خلال مزاعم منع تحول النصر إلى حكم عسكري عضوض. فهذا "السلام" المشروط لا يبدو بريئًا. فهو لا يستند إلى الوقائع الميدانية بقدر ما يستجيب لحسابات النفوذ، ويعيد إنتاج التوازنات التي سبقت الانفجار. وهنا يُطرح السؤال بصراحة مؤلمة: هل يُمكن بناء سلام عادل دون الاعتراف بمن انتصر ومن انهزم؟ وهل يُطلب من الجيش أن ينتصر في الميدان، ثم يُساوي نفسه سياسيًا مع من تمرّد ضد الدولة وارتكب الجرائم الفظيعة ضد المواطنين العزل؟ في هذا التحليل نحاول الغوص في خلفيات التحرك الدولي، ونفكك منطق "السلام الناقص"، ونبحث في مآلاته على مستقبل السيادة، والانتقال السياسي المدني في السودان. في هذا الإطار، تتقدّم مجموعة الرباعية الدولية بمبادرات متسارعة؛ لإنهاء الحرب في السودان، غير أن هذه المبادرات، رغم شعاراتها الإنسانية، لا تبدو بعيدة عن حسابات المصالح السياسية والأمنية. والرباعية هي دول تتولى التنسيق حول المسار السياسي والدبلوماسي منذ ما قبل اندلاع الحرب، وتلعب الآن دورًا تريده مركزيًا في صياغة ملامح تسوية ليس بالضرورة تستجيب للمصلحة الوطنية، أو الإرادة الشعبية السودانية. لكن اللافت أن هذه الأطراف، وخصوصًا الغربية منها، باتت تتحدث بلهجة زاعمة بأن يؤدي الحسم العسكري الكامل لصالح الجيش إلى "إعادة إنتاج الحكم العسكري"، كما وصفته بعض مراكز التفكير الأميركية، بينما تتجاهل خطوة تعيين رئيس وزراء مدني بصلاحيات واسعة، وهو الأمر الذي رحب به الاتحاد الأفريقي، فضلًا عن القوى السياسية السودانية الفاعلة، عدا تلك القليلة المرتبطة بالأجندة الخارجية. كل ذلك يجري وكأنما يُراد للجيش أن يُقاتل وحده، ويُحاسَب وحده، ثم يُمنع من ترجمة نصره إلى شرعية سياسية. هذا الموقف يُعيد إلى الأذهان النموذج الذي فُرض على أكثر من دولة في الإقليم: انتصارات ميدانية تُعطلها صفقات ناعمة تحفظ للمتمردين موقعًا شكليًا في "السلام"، وتفتح أبواب السلطة باسم "الشمولية السياسية". لكن السؤال الذي يتجنبه صناع هذه الصفقة هو: هل يُمكن بناء سلام حقيقي بالتماهي مع الانتهاك؟ وهل المطلوب إطفاء الحرب أم ترسيخ ازدواجية الدولة؟ توازن وهمي وحسابات أجنبية حين تتكثف الدعوات الدولية للسلام في لحظة يتقدم فيها الجيش ميدانيًا، لا يبدو الأمر بريئًا من الناحية السياسية. فالرباعية- وعلى رأسها واشنطن- ظلت لعدة أشهر تتعامل مع مليشيا الدعم السريع كطرف سياسي لا كمجموعة متمردة، رغم ما ارتكبته من فظائع موثّقة، وحين بدأت موازين القوة تميل بوضوح لصالح الجيش السوداني، بدا أن السقف الدولي قد انخفض فجأة من دعم "الانتقال المدني" إلى فرض "وقف إطلاق نار عاجل". كما فرضت واشنطن عقوبات على السودان بزعم استخدام الجيش أسلحة كيميائية استنادًا إلى تقرير صحفي. هذا التغير في اللغة والتكتيك يكشف ضمنيًا عن اعترافٍ دولي غير معلن بأن التمرد قد خسر المعركة ميدانيًا. فمليشيا الدعم السريع- التي كانت تسيطر على مناطق واسعة في بدايات الحرب- صارت اليوم تترنّح في جيوب معزولة، وتعتمد في بقائها على حرب مدن وقصف عشوائي لا يغيّر الواقع العسكري. ومع ذلك، لا تُترجم هذه الهزيمة في الخطاب السياسي الغربي، بل يُعاد تأهيل المليشيا سياسيًا عبر المطالبة بإشراكها في التسوية، بحجة أنها "طرف فاعل" لا يمكن تجاوزه. لكن ما يُقلق أكثر من إعادة تأهيل التمرد، هو أن هذا الإقرار المبطّن بالهزيمة لا يُبنى عليه موقف واضح لصالح الدولة، بل يُستغل للضغط على الجيش لتقديم تنازلات سياسية تُفرغ انتصاراته من مضمونها السيادي. فهل يُراد للجيش أن ينتصر فقط ليُمنع من حماية الدولة؟ أم أن الغرب يخشى من نهاية الحرب أكثر مما يخشى استمرارها، لأن النهاية تعني أن أحد الطرفين سيفرض واقعًا جديدًا لا يخضع للإملاء الخارجي؟ في كثير من النزاعات، يكون السلام تتويجًا للنصر. لكن في الحالة السودانية، يبدو أن هناك من يسعى إلى فصل المسارين قسرًا: أن يتوقّف القتال دون أن يُعترف بانتصار طرف على آخر، وأن يُفرض على الدولة أن تُصافح من حمل السلاح ضدها دون شروط. هذا هو جوهر "السلام الناقص" الذي تدفع به بعض العواصم الغربية عبر الرباعية. سلام يُطلَب فيه من الجيش أن يوقف المعركة وهو في موقع القوة، ويقبل بتسوية تُعيد دمج عناصر التمرد في المشهدين: السياسي والعسكري، بحجة "الاستقرار". إن أخطر ما في هذه المعادلة هو محاولة فرض توازن سياسي وهمي على حساب الحقائق الميدانية. فالدعوات لإشراك الدعم السريع في مستقبل الحكم لا تأتي احترامًا لمطالب شعبية، بل تلبيةً لاعتبارات خارجية تخشى أن تتحوّل سيطرة الجيش إلى مشروع حكم وطني يصعب التحكم فيه من الخارج. هكذا يتحوّل النصر إلى عبء، والانتصار إلى خطر ينبغي احتواؤه، لا ترجمته. لكن هذا المنطق يُهدد بتكرار الكارثة: كيف يمكن بناء سلام حقيقي مع مليشيا ارتكبت تطهيرًا عرقيًا؟ كيف يُطلب من الضحايا أن يتعايشوا مع الجناة باسم "الحل السياسي الشامل"؟ وهل تُبنى دولة القانون على قاعدة اللاعقاب والمساواة الزائفة بين الدولة والتمرد؟ هذا النوع من السلام لا ينهي الحرب، بل يُجمّدها في صيغة "لا غالب ولا مغلوب"، تمهيدًا لجولة قادمة من الصراع. إن النصر العسكري، حين لا يجد ترجمته السياسية، يصبح فخًا. فالجيش السوداني، الذي قاتل وحده في مواجهة تمرد مسلح متوحش ومدعوم خارجيًا، لم يكن يدافع عن نفسه فقط، بل عن كيان الدولة ومؤسساتها وسيادتها. وبالتالي، فإن حرمان الجيش من ثمرة هذا النصر- بحجة التوازن أو "اللامركزية السياسية"- لا يعني سوى تقويض سلطة الدولة الوطنية لحساب مراكز نفوذ مليشياوية أو محمية خارجيًا. إن فرض "نصر غير مكتمل" على الجيش يحمل ثلاث نتائج كارثية: إضعاف المؤسسة العسكرية معنويًا وسياسيًا: كيف يُطلب من جيش قدّم آلاف الشهداء أن يقبل تسوية تساوي بينه وبين من حاربه؟ كيف يُطالَب بالصبر على حماية شعبه، ثم يُمنع من حصد شرعية حماية الشعب؟ تفريغ التحول المدني من مضمونه: إذ لا يُمكن الحديث عن تحول ديمقراطي حقيقي في ظل وجود مليشيات خارج المؤسسة العسكرية الرسمية، ولا بوجود "شركاء سلام" لا يؤمنون بالدولة إلا إذا كانت ضعيفة. إضعاف ثقة الشارع في العملية السياسية: فالجمهور السوداني الذي دعم الجيش واستنفر أبناءه لجانبه؛ رفضًا للفوضى والقتل والاغتصاب، سيشعر بأن تضحياته ذهبت سدى إذا أُعيد دمج الجناة في السلطة. إن أخطر ما في هذا النصر غير المكتمل، أنه لا يؤسس لسلام، بل لتعايش هش بين قوة تقاتل من أجل الدولة، وأخرى تستفيد من بقاء الدولة على شفا الهاوية. في الوقت الذي تتسارع فيه المبادرات الغربية لفرض تسوية تُبقي على جزء من التمرد ضمن بنية الحكم، تتصاعد في الداخل السوداني أصوات تحذّر من مصادرة القرار الوطني باسم "الحل الدولي". فالتوازن الحقيقي ليس بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، بل بين رغبة الداخل في سلام يعيد للدولة هيبتها، وبين رغبة الخارج في تسوية تحفظ النفوذ وتُبقي البلاد تحت الوصاية الناعمة أو الفجّة. هذه الفجوة بين الداخل والخارج تتجلى بوضوح في الخطاب السياسي: القوى الوطنية المستقلة ترفض أي مشروع يعيد دمج مليشيا الدعم السريع، وتطالب بسلام قائم على المحاسبة ونزع السلاح وتفكيك المليشيات. الشارع السوداني الذي دفع ثمن الحرب من روحه وجسده، يُدرك أن أي تسوية لا تعترف بمن انتصر ومن خان، ستكون مجرّد هدنة قبل انفجار جديد. بينما تواصل الرباعية الدولية الترويج لفكرة السلام "الشامل" الذي لا يُقصي أحدًا، حتى وإن كان هذا "الأحد" هو الجلاد. وهنا يطرح الواقع سؤالًا لا يمكن تجاهله: هل أصبح القرار السياسي السوداني رهينة لموازين القوى الدولية؟ أم أن اللحظة الراهنة تستدعي جبهة وطنية عريضة تُعيد التفاوض من موقع القوة، لا من تحت سقف الابتزاز الدبلوماسي؟ إن من يُريدُ السلام حقًا، يجب أن يسأل أولًا: سلام مع من؟ وعلى أي أساس؟ لأن السلام ليس نزع سلاح فقط، بل استعادة معنى الدولة. احذروا عودة الرباعية للواجهة إن الرباعية، التي نشأت عمليًا عقب سقوط نظام البشير في 2019، دون تفويض شعبي أو دولي واضح، رفعت شعار: "دعم الانتقال الديمقراطي"، لكن تجربتها عكست مقاربة فوقية، سعت إلى فرض ترتيبات سياسية لا تنبع من الداخل السوداني، بل من حسابات إقليمية ودولية. تاريخ الرباعية يشي بميلها إلى استثمار الهشاشة السياسية في السودان، خاصة خلال فترة حكومة عبدالله حمدوك، التي لم تحظَ بتفويض انتخابي، مما فتح الباب أمام تدخلات مباشرة في الشأن السوداني، أبرزها دعم مشروع "دستور المحامين" الذي وُجهت له انتقادات؛ لكونه يكرّس هيمنة نخبوية مدنية غير توافقية، ويمهد الطريق لتدخلات أجنبية تحت غطاء قانوني سياسي. كما كان للدعم الذي حظي به الاتفاق الإطاري من قبلها – والذي ساوى بين المؤسسة العسكرية ومليشيا الدعم السريع – دورٌ كبير في خلق حالة من الانقسام الحاد داخل الساحة السياسية السودانية. وهو ما رأته تقارير حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" تهديدًا لاستقرار الدولة ووحدتها. السلام الحقيقي من الداخل لا من العواصم إن الحل الحقيقي لا يمكن أن يُفرض من الخارج، ولا يولد من رحم تسويات جزئية مفروضة، بل من حوار وطني شامل، ينطلق من الداخل، ويشارك فيه كل مكونات المجتمع. سلامٌ يُعيد هيكلة العلاقة بين المدنيين والعسكريين على أسس وطنية، لا على إملاءات دولية. ويجب أن يكون هذا السلام قائمًا على: نزع السلاح من المليشيات. دمج من تنطبق عليه الشروط في القوات المسلحة وفق قانونها. محاسبة من تورط في جرائم أو انقلابات. استعادة ثقة الشارع في مسار وطني حقيقي، لا شراكة وهمية مع من قادوا البلاد إلى الهاوية. الخلاصة أن السيادة لا تُهدى، بل تُنتزع. فلم يعد السودان تلك الحديقة الخلفية التي تعبث بها الأيدي الأجنبية. لقد تغيّر الزمن، وتغيّر الوعي. وإذا كانت الرباعية تريد أن تكون فاعلًا إيجابيًا، فعليها أن تدعم خيارات الشعب لا أن تصادرها، وأن تُعلي من شأن الدولة لا أن تُساويها بالتمرد. السلام لا يُبنى على التغاضي، ولا على التجميل السياسي للجراح. السلام الحق، هو الذي يستند إلى العدالة، ويُعيد الاعتبار للدولة، ويمنح الأمل للمواطن بأن دماء أبنائه لم تذهب سدى. فإما سلام يُعيد للسودان سيادته، أو تسوية تُعيد إنتاج أزمته.


الجزيرة
منذ 15 ساعات
- الجزيرة
رئيس الوزراء السوداني يصدر قرارا بتعيين وزيرين للدفاع والداخلية
أصدر رئيس مجلس الوزراء الانتقالي السوداني كامل إدريس ، اليوم الثلاثاء، قرارا بتعيين وزيرين للدفاع والداخلية في حكومته التي أجرى مشاورات سابقة لتشكيلها من 22 وزارة. ونقلت وكالة الأنباء السودانية "سونا" أن القرار نص على تعيين الفريق حسن داؤود كيان وزيرا للدفاع، إلى جانب تعيين الفريق بابكر سمرة مصطفى وزيرا للداخلية. وأوضحت الوكالة توجيه القرار وزارتي الدفاع والداخلية والجهات المعنية الأخرى باتخاذ إجراءات تنفيذه. وحلّ إدريس في مطلع يونيو/حزيران الجاري الحكومة المكلفة منذ يناير/كانون الثاني 2022، وذلك بعد يوم من أدائه اليمين الدستورية رئيسا للوزارة. وكلف الأمناء العامين ووكلاء الوزارات بتسيير المهام مؤقتا إلى حين تشكيل حكومة جديدة. وأوضح إدريس حينها أن شعار حكومته هو "الأمل"، وستكون من كفاءات وطنية مستقلة، مشيرا إلى أن هناك قائمة طويلة من المجالس والهيئات والأجهزة، تمثل "حكومات موازية تستنزف المال العام"، مؤكدا أن حكومته ستعمل على مراجعتها بإلغائها أو دمجها. وكان منصب رئيس الوزراء في السودان ظل شاغرا أكثر من 3 أعوام، حيث كلف رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في يناير/كانون الثاني 2022 الأمين العام لمجلس الوزراء عثمان حسين وزيرا لشؤون مجلس الوزراء، وتسيير مهام رئيس الوزراء بعد استقالة رئيس الوزراء الانتقالي عبد الله حمدوك. من جانب آخر، أعلن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) منتصف أبريل/نيسان الماضي تشكيل حكومة موازية في الذكرى الثانية لاندلاع الحرب التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتسببت في مجاعة بأجزاء من البلاد. ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع -منذ منتصف أبريل/نيسان 2023- مواجهات أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح ولجوء نحو 15 مليونا، بحسب الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدّرت دراسة أعدتها جامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.