logo
"ارحموا عجزَ أهلِ غزَّة".. مفتي الجمهورية يوجِّه نداءً إنسانيًّا إلى أصحاب الضمائر الحيَّة في الشرق والغرب

"ارحموا عجزَ أهلِ غزَّة".. مفتي الجمهورية يوجِّه نداءً إنسانيًّا إلى أصحاب الضمائر الحيَّة في الشرق والغرب

- لا بدَّ من بناء نماذج شرعية للذكاء الاصطناعي بإشرافٍ علميٍّ ومقاصديٍّ صارم ولا مكان للآلة في مقام الفتوى الشرعية ما لم تضبطها مقاصد الشريعة
- إذا انفصل الذكاء الاصطناعي عن القيم تحوَّل إلى أداة قمعٍ وعدوان.. وعلى المؤسسات الدينية أن تتصدر المشهد
- على العلماء أن يقودوا العَلاقة بين النصِّ والآلة.. والمؤسسات الدينية مطالبة ببناء ميثاق أخلاقي للتعامل مع الذكاء الاصطناعي
- غزَّة ليست مجرد مأساة إنسانية بل اختبار فقهي وأخلاقيٌّ يفضح صمتَ الضمير العالمي وانفصال التِّقْنية عن القِيَم
- ما يحدث في غزة يكشف خطورة تسليح الذكاء الاصطناعي دون ضوابط .. والفتوى التي تصمت عن غزة تفقد روحها
- على علماء الأمة أن يدركوا أن نصرة غزة ليست خيارًا سياسيًّا، بل فريضةٌ وواجب أخلاقيٌّ
- مصر تؤدي واجبها تجاه فلسطين بوعي وشرف رغم حملات التشويه.. والقيادة المصرية تتمسك بالحق الفلسطيني بصلابة تاريخية
افتتح فضيلةُ أ.د نظير محمد عيَّاد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- فعاليات المؤتمر العالمي العاشر للأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء، الذي يُعقد هذا العام تحت عنوان: «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي». ورحَّب مفتي الجمهورية بالضيوف من مختلف دول العالم، مُعبِّرًا عن اعتزازه الكبير بالرعاية الكريمة التي يُوليها فخامةُ الرئيس عبد الفتاح السيسي لهذا الحدث العِلمي المتميز، مؤكدًا أنَّ الرعاية تمثل دعمًا مستمرًّا من القيادة السياسية لمسيرة الإفتاء الرشيد، وتهيئة بيئة علمية متقدمة تُعِدُّ جِيلًا جديدًا من المُفْتينَ القادرين على مواكبةِ التحولات الرَّقْمية وتِقنيات الذكاء الاصطناعي.
كما أوضح مفتي الجمهورية أنَّ العالم اليوم يشهد تحوُّلات غير مسبوقة بفِعل ثورة الذكاء الاصطناعي، التي أثَّرت بشكل جذري على مختلف المجالات، مثل الطب والتعليم والإدارة، وفتحت آفاقًا جديدة للبحث العلمي وتطوير العمل المؤسسي، ولكنه شدَّد على أنَّ هذه التطورات التقنية تستوجب توظيفًا مسؤولًا يخدم الإنسانية، خصوصًا في مجال الفتوى التي تتطلَّب توازنًا دقيقًا بين المرجعية الشرعية وأدوات العصر الرقمي. وأشار إلى أن الخطر يكمن في برمجة الفتوى دون ضوابط دقيقة؛ ما قد يحوِّل الدينَ من خطابِ هدايةٍ إلى خطابٍ ماديٍّ جامد، ينفصل عن روحه وأهدافه.
وقد طرح فضيلة المفتي مجموعةً من الأسئلة الفقهية الجوهرية المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الفتوى، مثل قدرة الآلة على فَهْم تعارض النصوص، ومراعاة النيَّات الإنسانية، والسياقات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وأَثَر اختلاف الزمان والمكان في صياغة الفتاوى، مؤكدًا أن الذكاء الاصطناعيَّ يجب أن يكون أداة مساعدة للمفتي، لا بديلًا عنه، بحيث يظل المفتي هو صاحب الرؤية المسؤولة، المبنية على خشية الله وبصيرة القلب وحكمة المقصد.
وشدَّد فضيلة المفتي على أهمية تطوير الفتوى لتواكب تحوُّلات العصر الرقْمي، حيث لا يكفي أن تكون دقيقة فحسْب، بل يجب أن تحمل ضميرًا حيًّا ووعيًا أخلاقيًّا، مؤكدًا دَوْرَ المؤسسات الدينية في وضع أُطُرٍ رقابية وأخلاقية صارمة لإدارة نُظم الذكاء الاصطناعي في مجال الفتوى، عبر إشراف هيئات علمية متخصصة تضم علماء شرعيين وخبراء تقنيين وفلاسفة الشريعة، لضمان شرعية المُخرجات وموثوقيتها.
في السياق ذاته أوضح فضيلة مفتي الجمهورية أن إدماج تِقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الفتوى لا يمكن أن يكون بديلًا عن المفتي الرشيد، وإنما وسيلةٌ لتوسيع أدواته وتعزيز وعيه بمتغيرات العصر، محذرًا في الوقت ذاته من مخاطر استحواذ الخوارزميات الجامدة على مرجعية الفتوى الدينية، وما قد يترتب على ذلك من ترويج لأقوال شاذة، وتشويه للوعي الديني، وفصلٍ للنصوص عن مقاصدها الشرعية والأخلاقية. كما أكَّد أن التعامل مع الذكاء الاصطناعي في مجال الفتوى ينبغي أن يكون بحذر عميق، وأن يظلَّ مرتبطًا بمركزية الإنسان بوصفه فاعلًا أخلاقيًّا ومجتهدًا مسؤولًا أمام الله والتاريخ، مشددًا على أنَّ الأنظمة الذكية لا تملك خشية الله، ولا بصيرة القلب، ولا حكمة المقصد، وهي الأركان الأساسية التي تقوم عليها صناعة الفتوى الرشيدة.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أنَّ الذكاء الاصطناعي قد يكون مفيدًا في المراحل التحضيرية للعملية الإفتائية، لا سيما في تصوير المسائل، وتحليل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، وجمع النصوص وتنظيمها، لكنه لا يملك صلاحية إصدار الحكم الشرعي الذي يظل منوطًا بالمجتهد الرشيد، القادر على الترجيح بين الأدلة، ومراعاة سياقات النوازل، لافتًا النظرَ إلى أنَّ من أبرز التحديات التي تواجه الفتوى في هذا العصر الرقمي هو ما يُعرف بـ"هلوسة الذكاء الاصطناعي"، حيث قد تنتج هذه النماذج فتاوى مختلقة بصياغة مقنعة، ما يُظهر ضرورة أن تظل المؤسسات الدينية حارسةً لشرعية الوعي، وقائدة لعَلاقة واعية بين النص والآلة.
ودعا فضيلته إلى ضرورة بناء نماذج ذكاء اصطناعي شرعية، مدرَّبة على قواعد الاستنباط، والضوابط اللُّغوية، وفهم المقاصد الشرعية، مع ضرورة إخضاعها لإشراف علمي مشترك بين علماء الشريعة وخبراء الذكاء الاصطناعي وفلاسفة المقاصد، مشيرًا إلى أهمية إنشاء مِنصَّات رقْمية موثوقة للفتوى تخضع لمراجعة مستمرة من لجان شرعية مؤهَّلة، ويُحدَّد لعملها ميثاق أخلاقي خاص، على غرار ما هو معمول به في المجالات الطبية والقضائية.
وفي جزء مؤثر من كلمته، ركَّز فضيلةُ مفتي الجمهورية على ما تتعرض له غزَّة من عدوان ممنهج، قائلًا: "إنَّ غزة اليوم ليست مجرد بلد منكوب يُعاني الجوع والتشريد وبطش الاحتلال، بل هي اختبار حقيقي لنبض الفقه، ومرآة لصدق كلمة الفتوى، وصيحة مظلومين لا يجوز أن تغيب عن ضمير الأمة".
وأشار إلى أن الفتوى في جوهرها ليست محصورة في مسائل العبادات، بل هي أداة لبناء الوعي، وغرس قيم العزة والكرامة والدفاع عن الأرض، داعيًا المُفتينَ والعلماء إلى عدم الصمت إزاء المظالم التي يتعرض لها أهل غزَّة. وفي هذا السياق، كشف فضيلة المفتي عن توظيف الذكاء الاصطناعي بشكل مروِّع في استهداف سكان غزَّة، موضحًا أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدمه لتحليل الصور والتنبؤ بالتحركات واستهداف الأحياء بدقَّة قاتلة؛ ما أسفر عن سقوط آلاف الضحايا وتدمير البنية التحتية، وقال: "إن هذا المشهد يبرز خطورة التقنية إذا انفصلت عن القِيَم، ويؤكد الحاجة إلى وضع ميثاق عالمي يضبط استخدامات الذكاء الاصطناعي على أساس العدل والرحمة، وصيانة الكرامة الإنسانية"، مؤكدًا أن التقدم التقني إذا لم يصحبه ضمير أخلاقي، تحوَّل إلى أداةِ قمعٍ وعدوان.
كما وجَّه فضيلة المفتي نداءً إنسانيًّا إلى أصحاب الضمائر الحيَّة في الشرق والغرب، قائلًا: "ارحموا عجزَ أهلِ غزَّة، فإنَّ لهم عند الله موقفًا يُقتصُّ فيه من الطغاة الذين سفكوا دماءهم ودمَّروا بيوتَهم، وشرَّدوا مَن بَقِيَ من أطفالِهم ونسائِهم وشيوخِهم". كما وجَّه تحيةَ إجلالٍ لأهل غزة الصامدين، القابضين على جمر الكرامة، وبشَّرهم بأنَّ النصر آتٍ لا محالة، وإن تأخرت بوادرُه أو بعدت أسبابُه.
وفي خلال حديثه عن الموقف المصري، أكَّد مفتي الجمهورية أنَّ مصر ما زالت تؤدي واجبها التاريخيَّ تجاه القضية الفلسطينية بوَعْيٍ وشرف، على الرغم من الهجمة الشرسة التي تستهدف دَورها، مشيرًا إلى أن القيادة المصرية رفضت بكلِّ وضوح محاولات تهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم، وتمسَّكت بحقوقهم الثابتة في وجه الابتزاز السياسي، في موقف سيخلِّده التاريخ بمِداد الشرف والكرامة.
وفي ختام كلمته، توجَّه فضيلةُ المفتي بالشكر إلى السادة العلماء والوزراء والمُفتين المشاركين في المؤتمر، كما عبَّر عن تقديره العميق للجهات الرسمية والتنفيذية والإعلامية التي ساهمت في نجاح فعاليات المؤتمر.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

يصفه بـ'صانع للهولوكست' .. المعارض الإيراني أكبر كنجي يرفض استغلال نتانياهو لكتابه
يصفه بـ'صانع للهولوكست' .. المعارض الإيراني أكبر كنجي يرفض استغلال نتانياهو لكتابه

موقع كتابات

timeمنذ ساعة واحدة

  • موقع كتابات

يصفه بـ'صانع للهولوكست' .. المعارض الإيراني أكبر كنجي يرفض استغلال نتانياهو لكتابه

وكالات- كتابات: انتقد الكاتب الإيراني المعارض؛ 'أكبر كنجي'، استغلال رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ 'بنيامين نتانياهو'، لكتابه (الطريق إلى الديمقراطية في إيران)، في رسالته المصورة إلى الإيرانيين مؤخرًا. 'كنجي' يستنكر استغلال نتانياهو لكتابه.. وقال 'كنجي'؛ في قناته في (تلغرام): 'لو لم يكن (الموساد) مخترقًا، لما رأينا كتابي في يد نتانياهو، قاتل الأطفال، في رسالته الدعائية إلى الإيرانيين'. وأضاف: 'الخونة أنصار الشاه يركعون لأربابهم القتلة المجرمين ليقصفوا بلادنا، فليكونوا هم كفن نتانياهو، قاتل الأطفال، إلى جهنم'. 'ألف لعنة على رضا الخائن'.. وفي منشورٍ آخر حمل عنوان: 'ألف لعنة على رضا الخائن (بهلوي) وألف لعنة علي أنا محب الوطن'، شدّد 'كنجي' على أنه لطالما انتقد 'إسرائيل' و'نتانياهو' مرارًا باللغتين الفارسية والإنكليزية طيلة (25) عامًا، ونشر مقالات نقدية عن 'إسرائيل' باللغة الإنكليزية في (بستن ریو) وفي مجلات أخرى. وذكّر بأنه كتب مقالًا في عهد 'أوباما'، ونشره في (هافينغتون بوست)؛ تحت عنوان: 'دولة إسرائيل اليهودية، دولة الفصل العنصري'. 'نتانياهو أكبر صانع للهولوكست'.. واستنكر 'كنجي' أن يترك 'نتانياهو' موضوع: 'رضى بائع الوطن الخائن'، ويعرّف بكتابه (الطريق إلى الديمقراطية في إيران)، مضيفًا: 'أنا الذي كنت دائمًا ناقدًا لإسرائيل ومجرم الحرب؛ مرتكب الإبادة الجماعية. قبَّح الله عائلة بهلوي وأنصار الملكية'. وعبّر عن رفضه الشديد لهذه الخطوة، وقال: 'ولكن لماذا أقول مئة ألف لعنة عليّ؟ لأن هذا العار الأبدي سيبقى معي، الآن وبعد أن بلغت الخامسة والستين من العمر جاء أكبر صانع للهولوكوست في القرن الحادي والعشرين؛ أكبر قاتل إرهابي الذي قتل (20) ألف طفل أكبر إرهابي في العالم، وأكبر قوّاد حي في العالم، وغير ذلك… قام بالتعريف بكتابي'. وتابع: 'لو متّ من هذا العار أو انتحرت لكان أشرف لي… ولكن الله لا يقبل الانتحار'. 'أكبر كنجي'؛ هو صحافي وكاتب إيراني من مواليد 1960. كان ناشطًا في صفوف 'الثورة الإسلامية'، وعمل في الداخل لفترة طويلة قبل أن يُصبّح من المعارضين المشهورين لنظام 'الجمهورية الإسلامية' عام 1994. حُكم عليه بالسجن داخل 'إيران' لفترة، ثم غادر 'إيران' وأصبّح ناشطًا سياسيًا معارضًا خارج البلاد. يقدم 'كنجي' في كتابه (الطريق إلى الديمقراطية في إيران-the road to democracy in iran)؛ الذي نشره عام 2008، (صادر عن دار Boston Review الأميركية) رؤيته الفلسفية: 'للإصلاح السياسي في إيران بالاستناد إلى حقوق الإنسان ومباديء الديمقراطية والعدالة والمساواة الجنسية'. ويُطالب في كتابه؛ 'الولايات المتحدة'، باتباع سياسات جديدة مع 'إيران' قائمة على السلام، لا على التهديد والعدوان.

الحوثيون يستهدفون مطار اللد في يافا المحتلة بصاروخ باليستي
الحوثيون يستهدفون مطار اللد في يافا المحتلة بصاروخ باليستي

الرأي العام

timeمنذ 6 ساعات

  • الرأي العام

الحوثيون يستهدفون مطار اللد في يافا المحتلة بصاروخ باليستي

أعلنت حركة 'أنصار الله' اليمنية (الحوثيون)، اليوم الخميس، أنها نفذت عملية عسكرية نوعية استهدفت مطار اللد الإسرائيلي بصاروخ باليستي فرط صوتي. وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع في بيان، إن 'القوة الصاروخية في القوات المسلحة اليمنية نفذت عملية عسكرية نوعية استهدفت مطار اللد في منطقة يافا المحتلة وذلك بصاروخ باليستي فرط صوتي، وذلك انتصارا لمظلومية الشعب الفلسطيني وردا على جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة'. وأشار سريع إلى أن 'العملية قد حققت هدفها بنجاح بفضل الله، وتسببت في هروع أكثر من أربعة ملايين من قطعان الصهاينة الغاصبين إلى الملاجئ، وتوقف حركة المطار'. وتابع البيان، أن 'عملياتنا مستمرة لن تتوقف إلا بوقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها'.

لاريجاني يهز العصا.. لبنان ليس وحيداً ولن يُسمح بالعبث به!محمد شمص
لاريجاني يهز العصا.. لبنان ليس وحيداً ولن يُسمح بالعبث به!محمد شمص

ساحة التحرير

timeمنذ 8 ساعات

  • ساحة التحرير

لاريجاني يهز العصا.. لبنان ليس وحيداً ولن يُسمح بالعبث به!محمد شمص

لاريجاني يهز العصا.. لبنان ليس وحيداً ولن يُسمح بالعبث به! د. محمد شمص* منذ سنوات، تحاول #السعودية أن تلعب دور 'شرطي المنطقة' لصالح واشنطن وتل أبيب، لكنها لم تجيد سوى إشعال الحروب وتدمير الدول. من اليمن إلى سوريا، ومن البحرين إلى #لبنان، تتحرك الرياض بأوامر أميركية لتمزيق محور المقا و مة وتصفية حركات التحرر، مستخدمة المال السياسي، والحصار الاقتصادي، والتحريض الطائفي. اليوم، تعيد المملكة نفس السيناريو في لبنان، متوهمة أنها قادرة على اقتلاع الحزب من جذوره كما حاولت في اليمن ضد أنصار الله عام 2015 وفشلت، بل تحول اليمن الى قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة، وأصبح معضلة بالنسبة للأمريكيين والإسرائيليين. النتيجة لن تختلف هذه المرة: هزيمة استراتيجية مدوية، وانكسار لمشروعها أمام صلابة محور المقا و مة. الأمير محمد بن سلمان قد يشتري السلاح الأميركي ويفتح خزائن النفط لدفع ثمن المؤامرات، لكنه لن يستطيع شراء النصر في مواجهة محور يعرف كيف يرد، وكيف ينقل المعركة إلى ساحات المواجهة مع السعودية من بوابتي اليمن والعراق، وغيرهما إن لزم الأمر. لاريجاني في بيروت: لا مساس بالمقاومة ولا بسلاحها زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الدكتور علي لاريجاني، إلى بيروت لم تكن بروتوكولية، بل خطوة استراتيجية محورية تحمل رسائل حادة إلى الأميركيين والسعوديين مفادها: الساحة اللبنانية ليست ملعباً مفتوحاً، ولن يُسمح بالعبث بها. تأتي هذه الزيارة في وقت تحاول فيه واشنطن، عبر أدواتها في الحكومة اللبنانية وبدعم مباشر من الرياض، تنفيذ مخطط قديم–جديد لنزع سلاح المقاومة، وصولاً إلى القضاء عليها نهائياً. المشروع السعودي بقيادة محمد بن سلمان لا يكتفي بذلك، بل يهدف إلى إنهاء الحزب كلياً، وقد نوقش هذا المشروع حتى في القاهرة بين المندوب السعودي ومسؤولين عرب، وعندما حُذّر الجانب السعودي من أن ذلك سيؤدي إلى تفكيك الجيش اللبناني والحرب الأهلية، كان الرد صادماً: 'فليكن'، ما يكشف حجم الاستخفاف السعودي بمصير لبنان. الموعد الحاسم هو 31 آب، عندما يضع الجيش اللبناني خطة لنزع سلاح المقاومة. لكن المؤشرات والمعلومات المسرّبة تؤكد أن هذه الخطوة من الحكومة بنزع السلاح لن تبقى حبراً على ورق، والقرار اتُخذ للتنفيذ لا للضغط والتهديد فحسب، إذ قد تبدأ المداهمات لمخازن الأسلحة من فرع المعلومات، بالتعاون مع قائد الجيش رودولف هيكل، الذي أعلن التزامه بقرار الحكومة، رغم يقينه بأن المهمة الموكلة للجيش مستحيلة، وقد تؤدي الى تفكيك الجيش والإطاحة بالسلم الأهلي والاستقرار، كما فعل رئيس الجمهورية جوزاف عون و تحت ضغط أميركي–سعودي كثيف حين قال: 'أنه غير قادر على تحمل هذه الضغوط الكبيرة' ضارباً عرض الحائط عقيدته الوطنية ووعوده للبنانيين بحفظ السلم الأهلي، و ناكساً لعهده والتزامه مع الثنائي الوطني الذي أوصله الى سدة الرئاسة. الحزب حريص على السلم الأهلي وهو من الخطوط الحمر في عقيدته السياسية، لهذا لن يبدء مواجهة عسكرية مع أحد في لبنان لا سيما مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية، لكنه سيرد بحزم وقوة على أي اعتداء، لن يستعجل الأمور ولن يسبق الأحداث، وفق المعلومات، وأن أي تطور دراماتيكي لا قدّر الله في هذا الإطار سيكون المسؤول عنه مباشرة الحكومة اللبنانية ورئيسها الذي اتخذ قرار تفجير لبنان. هذه المعركة ليست مجرد ضغوط سياسية للتفاوض، بل حرب وجودية تهدف إلى إدخال لبنان في الاتفاقيات الإبراهيمية. وزيارة لاريجاني جاءت لتهز العصا للسعوديين والأمريكيين: إيران لن تسمح بتحويل لبنان إلى ساحة مستباحة، وستستخدم أوراق القوة الإقليمية للضغط على الرياض، وواشنطن. اتفاق أمني سيادي بين بغداد وطهران يزعج واشنطن قبل بيروت، حط لاريجاني في بغداد، حاملاً رسالة دعم واضحة للمقا و مة العراقية في وقت تحاول فيه واشنطن إعادة إخضاع العراق بالكامل. الزيارة تزامنت مع توقيع مذكرة تفاهم أمنية بين العراق وإيران، هدفها حفظ الأمن وضبط الحدود. الخطوة العراقية لم ترق لواشنطن، التي خرجت بخطاب استعلائي بمنطق الوصي: 'ندعم السيادة العراقية الحقيقية، لا التشريعات التي تجعل العراق تابعاً لإيران'. هذا الموقف يكشف طبيعة الهيمنة الأميركية، التي تريد عراقاً منزوع الإرادة، مندمجاً في منظومة الأمن الأميركي، ومقطوع الصلة بمحور المقا و مة. الرد العراقي جاء حاسماً عبر سفارته في واشنطن: العراق دولة ذات سيادة كاملة، وله الحق في إبرام الاتفاقيات وفق دستوره وقوانينه، وهو ليس تابعاً لسياسة أي دولة، بل يقيم علاقات تعاون مع العديد من الدول، ومنها إيران. زيارة لاريجاني إلى بغداد كانت صفعة دبلوماسية واستراتيجية لواشنطن، ورسالة تحدٍ بأن زمن التحكم الأحادي في العراق قد انتهى، وأن المحور يمتلك القدرة على حماية مصالحه ومكاسب شعوب المنطقة. إيران.. الصواريخ جاهزة وأوراق الضغط مفتوحة إيران ليست مراقباً من بعيد، بل طرف أساسي في المعركة الممتدة من لبنان إلى العراق واليمن. موقفها حاسم: لا مساس بالسلاح، الذي يشكل خط الدفاع الأول عن المكونات المستهدفة في المنطقة، وخاصة المكون الشيعي المقا و م، الهدف الأول لأمريكا والسعودية والكيان الصهيوني. زيارة لاريجاني إلى بغداد وبيروت تأتي تحت إشراف مباشر، بل إيعاز من قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي، الذي يتابع ملفات دعم المقا و مة شخصياً، ويعرف تماماً كيفية مواجهة الضغوط الأميركية بصلابة استراتيجية. لكن الضغوط تتصاعد: بيان الترويكا الأوروبية منح إيران مهلة حتى نهاية آب للعودة إلى المفاوضات النووية، وتوقيع اتفاق جديد يشمل الكشف عن مصير 408 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، ومناقشة برنامج الصواريخ الباليستية، ودور إيران الإقليمي. المطلوب غربياً هو تجريد إيران من أوراق قوتها الإقليمية، عبر الضغط على حلفائها ونزع سلاحهم. لكن طهران تملك معادلة ردع قوية: أي محاولة للمساس بالسلاح في لبنان أو العراق أو اليمن ستقابل برد مباشر من ساحات متعددة، ما يجعل السعودية تحديداً في مرمى الضغط من أكثر من جبهة. صحيفة فورين بوليسي تحدثت عن احتمال اندلاع جولة مواجهات جديدة بين إيران والكيان الإسرائيلي مع نهاية آب وبداية أيلول، ما يعني أن أول أيلول قد يكون بداية مرحلة ساخنة على مستوى المنطقة بأكملها، تتداخل فيها الساحات من لبنان إلى غزة، ومن صنعاء إلى بغداد وطهران. معركة كسر العظم لن تمر إيران تدرك أن المعركة اليوم ليست فقط مع واشنطن وتل أبيب، بل مع شبكة من الحلفاء العرب للولايات المتحدة، وعلى رأسهم السعودية، التي تسعى لإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة عبر الحروب بالوكالة. لكن الفارق أن المحور يمتلك أوراق قوة قادرة على قلب المعادلة، وتحويل أي مشروع استهداف إلى كلفة استراتيجية على المعتدي. الرسالة واضحة: المحور لن يسمح بإعادة صياغة المنطقة على مقاس الأميركيين والسعوديين، ومحاولة نزع السلاح أو ضرب الحلفاء ستفتح أبواب المواجهة على أكثر من ساحة، في توقيت قد يكون الأكثر إيلاماً للخصوم. ‎2025-‎08-‎14

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store