
السؤال مرة أخرى
أعرف أني في مقالتي السابقة المنشورة بهذه الصحيفة الغراء، يوم الأحد الأسبق، بعنوان «الثقافة الغربية... هل تتراجع؟»، أعرف أني تعرضت لقضية تتعدد فيها الآراء والمواقف، ويحتمل التعبير عن هذه الآراء معاني مختلفة تفرض على الكاتب ما تفرضه على القارئ، وهو التعامل مع الكلمات بسَعة صدر تسمح للكلمة بأن تفصح عن المعنى وتشير إلى غيره، وتجمع بين القريب والبعيد، وبين المباشر وغير المباشر.
هذا ما حاولت أن أعبر عنه في عنوان المقالة الذي جعلته سؤالاً مطروحاً يفتح المجال لتعدد الإجابات، ولم أجعله حكماً أو تقريراً؛ لأن الثقافة موضوع المقالة، والثقافة صور مختلفة يراها كل منا متأثراً بما لديه من معلومات، وبما ينتمي له في الفكر والسياسة، وبالظروف المختلفة التي تحيط به وتُريه صوراً في الثقافة تختلف وتتعدد؛ لأن ما يراه المنتمون لهذا الجانب يختلف عما يراه المنتمون لغيره، والذي يظهر للناس في مرحلة من المراحل يتراجع في مرحلة أخرى.
وكلمة الثقافة في ذاتها تشير إلى أكثر من معنى. نقول الثقافة ونعني بها ثقافتنا القومية، ونقول الثقافة ونعني بها الثقافة عامةً؛ القومية والإنسانية.
والثقافة في حديثنا المتداول هي، في الغالب، الإنتاج الأدبي والفني، لكنها في التقارير والدراسات العلمية تجمع بين هذا الإنتاج من ناحية، وبين العادات والتقاليد والنظم السائدة من ناحية أخرى.
وكما أن في استطاعتنا أن نشير إلى كل ثقافات العالم بكلمة واحدة حين نتحدث عن الثقافة الإنسانية، فباستطاعتنا كذلك أن نتحدث عن الأطوار المختلفة التي تمر بها الثقافة الواحدة صعوداً وهبوطاً، كما فعل المفكر الألماني أوزوالد شبنجلر في كتابه «سقوط الغرب»، الذي أصدره قبل مائة عام وميّز فيه بين التراث الأوروبي القديم والثقافة الأوروبية الحديثة.
التراث الأوروبي القديم في نظر شبنجلر هو الثقافة المعبرة عن الروح الأوروبية من حيث هي تاريخ وقيم ونظرة متميزة للعالم. وقد بدأت هذه الثقافة تتدهور في القرن الثامن عشر وتصبح حضارة تقوم على العلم والصناعة والتقنيات الحديثة. وبداية الحضارة بالنسبة له هي بداية تراجع الثقافة.
***
وشبيه بهذه الأفكار التي عبر عنها شبنجلر في كتابه «سقوط الغرب»، الأفكار التي قدمها الكاتب الأميركي آلان بلوم في كتابه الذي أصدره في ثمانينات القرن الماضي بعنوانه المعبر عن ازدرائه الثقافة السائدة في أميركا وهو «انغلاق العقل الأميركي». وفيه يميز بين ثقافة الجماهير التي نشطت في أعقاب الحرب العالمية الثانية ورفعت شعار التعددية والديمقراطية واعتمدت في انتشارها على أجهزة الاتصال الحديثة، وبين الدراسات الكلاسيكية التي تراجع الاهتمام بها في الجامعات ليحلَّ محلها التعليم التقني المهني الذي يُقبل عليه الطلاب ليحصلوا على الوظائف دون أن يتزودوا بالثقافة الإنسانية التي يحتاج لها الجميع.
هذه النظرة للثقافة التي عَدَّها آلان بلوم انغلاقاً تقابلها نظرة أخرى تتناقض معها ويعبر عنها كاتب أميركي آخر هو لورنس ليفين في كتابٍ ردّ به على كتاب بلوم وسمّاه «انفتاح العقل الأميركي»، وفيه يتحدث عن التعددية الثقافية التي تسمح للأميركيين، على اختلاف أصولهم، البيض، والسود، والهنود الحمر، والأميركيين الجنوبيين، بأن يعيشوا جنباً إلى جنب. وهذا ما ساعد هذه التعددية الثقافية على الانتشار؛ لأنها تعبر عن واقع ملموس. فإذا كان الحديث عن الثقافة يسمح بالاختلاف إلى هذا الحد، فباستطاعتي أن أعود لأطرح السؤال الذي طرحته في مقالتي السابقة عن الثقافة الغربية... هل تتراجع؟
***
وكنتُ في المقالة السابقة قد أشرت إلى افتقار الثقافة الفرنسية إلى الأسماء الكبرى في السنوات الخمسين الأخيرة التي لم يظهر فيها مَن يحل محل جان بول سارتر، أو لويس أراجون، أو آلان روب جرييه، وأمثالهم من الشعراء والروائيين والفلاسفة. وهذا ليس مجرد قضاء وقدر أو قصور فردي، ولكنه واقع ومناخ تسبَّب في الوصول إليهما انخفاض مستوى التعليم، وتراجع الدوافع، وانحسار الشعور بالغايات النبيلة التي تُحرك الطاقات، وتساعد على الاكتشافات، وتؤدي للتواصل.
مِن هنا ضعف الإنتاج الثقافي وتراجع في المرحلة الراهنة التي لم تعد تنتج أعمالاً متميزة تذيع أسماء أصحابها في فرنسا وخارج فرنسا، كما كان يحدث من قبل. وكما تراجعت الأعمال المتميزة والأسماء المنتجة، تراجع الجمهور المتلقي، فلم يعد يشعر بالحاجة للثقافة، ولم يعد يطالب، ولم يعد يختار. وهكذا انقطعت الصلة بين الحاضر والماضي أو كادت، فالحاضر لم يعد استمراراً للماضي، والماضي لم يعد له تأثير.
وكنتُ في المقالة السابقة أيضاً قد أشرت إلى ما ذكرتْه إحدى المنظمات الدولية في تقرير لها عن تراجع الثقافة الكلاسيكية في برامج التعليم الفرنسية. وفي مقالة اليوم أضيف صورة أخرى من صور التراجع نجدها في تقريرٍ أعدَّه المركز القومي للكتاب في فرنسا، الذي بدأ عمله منذ عشر سنوات، وأعلن، في تقريره، أن الفرنسيين أصبحوا يقرأون أقل، عاماً بعد عام.
والتقرير يفصل ما يقول ويستند فيه لإحصاءات محددة، فيقول إن الذين كانوا يقرأون كل يوم تراجعت نسبتهم، وإن قراءة الكتب المطبوعة تتراجع لتحلَّ محلها القراءة عن طريق الكمبيوتر أو التليفون. وإن نصف القراء الفرنسيين، الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة عشر عاماً وأربعة وثلاثين عاماً، يقرأون بهذه الطريقة، وإن جمهور الكتاب المسموع زاد بالقياس إلى الكتاب المطبوع. والذين يجلسون أمام الشاشات ممن بلغوا السابعة من أعمارهم حتى الذين قاربوا العشرين تضاعف عددهم عدة مرات، وإن الوقت الذي يقضيه الفرنسيون في قراءة الكتب يُحسَب الآن بالدقائق، على حين يجلسون أمام الشاشات بالساعات، وإن سبعين في المائة من الكتب المقروءة روايات.
***
وباستطاعتنا أن نضيف لما قلناه ما شهدته الساحة السياسية الفرنسية، في السنوات الأخيرة، من تراجع في صفوف اليسار مقابل النفوذ المتزايد الذي حققه اليمين المتطرف المتمثل فيما يسمى «التجمع الوطني»، وهو حزب تتزعمه ماري لوبن استطاع أن يحتل في آخِر انتخابات برلمانية مائة وثلاثة وأربعين مقعداً، وهو عدد يزداد على الدوام ويهدد باستيلاء هؤلاء العنصريين المتطرفين على السلطة. فقد بدأ هذا الحزب طريقه إلى البرلمان باثنين وثلاثين نائباً ظلوا يزدادون حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه الآن.
واليمين المتطرف الذي يزداد نفوذه في فرنسا يزداد نفوذه في دول أوروبية أخرى، ومنها إيطاليا التي ترأس حكومتها الآن جورجيا ميلوني الشبيهة بماري لوبن، ومنها المجر.
والثقافة الأوروبية الراهنة مسؤولة، من جانبها، عن اتساع نفوذ الأحزاب اليمينية المتطرفة في هذه المرحلة التي تُذكّرنا بثلاثينات القرن الماضي حين استولى الفاشيون والنازيون على السلطة في إيطاليا، وألمانيا، وإسبانيا، وأعلنوا الحرب على العقلانية والاستنارة وحقوق الإنسان.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مجلة هي
منذ 4 ساعات
- مجلة هي
العلا تتلألأ على جدران نيويورك.. جان بيير هايم يوثق التراث السعودي بريشة معمارية فنية
في قلب مانهاتن النابض بالحياة، تتحوّل جدران Didier Aaron Gallery إلى نوافذ تطل على تراث العلا الساحر، ضمن معرض فني بعنوان "السفر فن: رسومات جان بيير هايم"، يقدمه المعماري والفنان الفرنسي الشهير جان بيير هايم، الذي اختار أن يحوّل تجاربه وأسفاره إلى قصائد بصرية تجمع بين الخط واللون والعمق الثقافي. جولة استثنائية يمتد المعرض حتى 20 يونيو الجاري، ويأخذ الزوار في جولة استثنائية عبر رسوم هايم التخطيطية، التي تستعرض مشاهد من رحلاته إلى مناطق ذات إرث حضاري بالغ الغنى، مثل مصر، السودان، الأردن، السعودية، اليونان، الصين، التبت، وآسيا الوسطى والجنوبية. بأسلوب متنوع يجمع بين الحبر والماء والكولاج، ينسج هايم لوحات تنبض بالحياة، تستدعي الجغرافيا وتُعيد تشكيلها برؤية فنية عابرة للزمن. تتجلى العلا في المعرض كأيقونة فنية ملهمة أيقونة معمارية ملهمة وتتجلى العلا في المعرض كأيقونة ملهمة، حيث صوّرها هايم بتفاصيل دقيقة ونظرة معمارية حساسة، تُبرز ملامحها التاريخية وأبعادها الجمالية، في تمازج بين الأصالة والبُعد الفني المعاصر. ويعكس هذا الحضور القوي للعلا التزام المملكة العربية السعودية بنقل تراثها الثقافي إلى المنصات العالمية، وتسليط الضوء على كنوزها الأثرية من خلال عدسة الفن والإبداع. ويُقام المعرض بالشراكة مع القنصلية العامة للمملكة في نيويورك، في إطار دعم التبادل الثقافي بين السعودية والعالم، وترسيخ موقع العمارة كوسيلة سرد نابضة، لا تكتفي بالبناء، بل تحكي التاريخ وتستشرف المستقبل. جان بيير هايم يوثق التراث السعودي بريشة معمارية فنية ساحرة رحلة بصرية مبهرة "السفر فن: رسومات جان بيير هايم" ليس مجرد معرض، بل هو رحلة بصرية مبهرة تستحضر حضارات متعددة وتضع العلا في قلب المشهد الفني العالمي. يمكن للزوار استكشاف المعرض من الاثنين إلى الجمعة، من الساعة 10 صباحًا حتى 5 مساءً، حتى موعد ختامه في 20 يونيو. الصور من وكالة الأنباء السعودية.


عكاظ
منذ 6 ساعات
- عكاظ
موضة الجد الأنيق.. عندما تتحوّل الراحة والحنين إلى صيحة الموسم
موضة «Grandpa Core» أو ما يُعرف بأسلوب الجد الأنيق تُعد من أبرز توجهات الموضة في عام 2025، وهي مستوحاة من خزانة الجد الكلاسيكية بتفاصيلها الهادئة والمريحة. هذا النمط يعكس رغبة جيل اليوم في العودة للجذور والتشبث بالراحة والهوية الشخصية من خلال القطع الكلاسيكية. يتميز هذا الأسلوب بالكارديغانات الصوفية، البنطلونات الواسعة ذات الخصر العالي، الأحذية الجلدية المريحة، وربطات العنق الرفيعة أو القبعات المسطحة، ويُدمج أحيانًا بلمسات عصرية تحافظ على روحه الأصلية دون أن تخرجه من السياق الحديث. ظهر هذا التوجه ردّ فعل واضحاً على سيطرة الموضة السريعة والستايلات الرقمية المتكررة، وهو يتماشى مع موجة الحنين التي اجتاحت عالم الأزياء أخيراً، إذ بات المستهلك يفضّل القطع ذات الطابع القصصي والعمر الطويل. العلامات الفاخرة مثل Prada وBode وAimé Leon Dore ساهمت في ترسيخ هذا الاتجاه من خلال تقديم تشكيلات تمزج بين الماضي والتقنيات الحديثة، كما شهدت المنصات الاجتماعية خاصة تيك توك وبنترست تزايدًا في المحتوى المرتبط بهذا الأسلوب مما أسهم في انتشاره بشكل واسع. أسلوب Grandpa Core لا يُعد مجرد صيحة عابرة بل يُنظر إليه خطوةً نحو إعادة تعريف مفهوم الأناقة من منظور إنساني حميمي. هو أسلوب يمنح مرتديه شعورًا بالطمأنينة والثقة دون الحاجة إلى المبالغة، ويتيح مجالًا لتجديد العلاقة مع الموضة بطريقة أكثر وعياً ودفئاً، تجعل من المظهر الشخصي امتداداً لذاكرة مليئة بالبساطة والكرامة. أخبار ذات صلة

مجلة سيدتي
منذ 7 ساعات
- مجلة سيدتي
والدة بسمة بوسيل: ادعوا لـ آدم تامر حسني يخرج ويقف على رجله من تاني
حرَصت خديخة رحموني ، والدة الفنانة بسمة بوسيل ، على طمأنة الجمهور بشأن تطوّرات الحالة الصحية لحفيدها آدم تامر حسني ، والذي تدهورت حالته مؤخراً؛ مما أدى لدخوله العناية المركزة أكثر من مرة، بعد حدوث انفجار مفاجئ في الزائدة الدودية، وخضوعه لعمليتين. مؤكدة أن الحالة الصحية تشهد تحسُّناً كبيراً؛ لذا وجّهت الشكر لكلّ مَن دعمه وسانده طوال الأيام الماضية. والدة بسمة بوسيل: دعواتكم بخروج حفيدي من المستشفى وكتبت والدة بسمة بوسيل ، عبْر خاصية الـ"ستوري" على "إنستجرام": "شكراً لكلّ الناس من جميع بقاع العالم التي دعت بقلوب صادقة، ودعوات صادقة لآدم. الحمد لله يتماثل للشفاء". متابعة: "نطلب المزيد من الدعاء حتى يخرج من المستشفى، ويقف على رجليه. حفظكم الله جميعاً أحبتي". تامر حسني يتحدث عن حالة ابنه آدم الصحية وكان تامر حسني قد كشف قبل يومين تقريباً، عن خروج ابنه "آدم" من العناية المركزة؛ حيث وجّه رسالة شكر إلى جمهوره الذي دعمه في تلك المحنة الصحية الصعبة؛ قائلاً عبْر صفحته على "فيسبوك": "لكلّ الغاليين اللي اهتموا بتعب ابني. الحمد لله الوضع مستقر بعد العملية التانية، وخرج من العناية المركزة بفضل الله ثم دعواتكم اللي لو عشت أشكركم عمري كله مش هوفي حقكم وربنا يتمم الشفاء على خير. ودايماً بقول على دعواتكم الكريمة: لكم مثلها وأضعاف أضعافها. شكراً يا أغلى الناس ربنا يحفظكم. ويحفظ ولادكم قادر يا كريم". ما سبب دخول آدم تامر حسني غرفة العمليات؟! كان تامر حسني قد أوضح من خلال منشور مطوّل على حسابه بموقعي "إنستغرام" و"فيسبوك"، السبب الذي أدّى إلى دخول ابنه آدم في هذه الحالة؛ حيث قال: "أنا مش عارف أشكركم إزاي على كمّ الدعوات اللي دعيتوها لربنا لشفاء آدم ابني، اللي جاتلي منكم هنا وعلى تليفوني وتليفونات كلّ المحيطين بيا. هو عمل عمليتين كبار بسبب انفجار الزايدة المفاجئ، اللي كانت أعراضه سخونية عادية بس، وبقولكم كده عشان تبقوا حريصين مع نفسكم أكتر ولولادكم". وأضاف تامر حسني: "مش كلّ سخونية تقولوا ده شوية برد وخلاص. لا روحوا اكشفوا كويس واعملوا سونار على البطن والزايدة مرة و2 عشان برضو ساعات مش بيبان، ولازم الدكتور يضغط بطريقة معيّنة، تقريباً أقوى شوية عشان يعرف، لإني سمعت كتير اليومين دول إن الزايدة خادعة، اطمنوا كذا مرة قبل لحظة انفجارها، عشان بجد مشاكل بتحصل بعدها كبيرة ومُحزنة أوي". وأشار تامر حسني: "حبيبي آدم عمل عمليتين صعبين أوي عليه، وبدعواتكم مستنيين النتايج تكون خير يارب ويعدي مرحلة الخطر. يارب، بحق كن فيكون، اشفِه وعافِه، هو وكل ولادنا، بس هو راجل وهيتحمل، وإن شاء الله ربنا يكرمه ويعافيه ويحفظه هو و إخواته ويحفظ كلّ ولادكم يارب". لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا " إنستغرام سيدتي". وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا " تيك توك سيدتي". ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر "تويتر" " سيدتي فن".