
مصعب أبو توهة... شاهد أحبّته أميركا
لا يكتب مصعب أبو توهة خيالاً علمياً، ولم يقضِ وقتاً طويلاً في أرض الشعر، ولا يمكن وصفُه رجل علاقات عامّة، بالنظر إلى مكان إقامته. بدلَ ذلك، شقّ طريقه إلى الفوز بجائزة بوليتزر، حاملاً شيئَين فقط، اللغة الإنكليزية التي اختار دراستها، ومأساة لم يخترها. كذلك، لم يعمل صحافياً، بل مدرّساً. مع ذلك، استطاع ببضعة مقالات الفوز بأرفع جوائز الصحافة في العالم، جائزة تُمنح غالباً لتحقيقات صحافية غيّرت وجه أميركا.
وقد تحقّق إنجاز مصعب، رغم أنه لم يبحث في قضايا وملفّات سرّية، كما فعل كثيرون من الفائزين السابقين، ولم تكن له مصادر سرّية من عمق المؤسّسات الكُبرى، ولم يكن لديه مدير يُعينه ويحميه، ولا محام يُدافع عنه، بل كلّ ما كان لديه هو اللغة والحافز إلى الكتابة عن الفضيحة الأكبر في العصر الحديث، الفضيحة التي تحدُث أمام الجميع. ولم يفعل ذلك شاهداً، بل ضحيةً، لأن الشّهود هم نحن (الثمانية مليار إنسان في الأرض). ولم يذهب مصعب إلى هذه الفضيحة مسكوناً بالفضول الصحافي، بل جاءه بها عدوّ غاشم وفاسد.
الإنجاز ليس الجائزة فقط، فنشر شهادات عن جريمة الإبادة الإسرائيلية برعاية دولية، كشف للقارئ الأميركي، بلغة التفاصيل الإنسانية، تحالف السياسة والمال في العالم، على منطقة صغيرة محاصرة، لتقتيل أهلها ومحوهم من الأرض. وفي ذلك التفاف على كاتم الصوت المفروض على الصوت الفلسطيني. لكن، لماذا قبل الغرب شهادة مصعب، وتجاهل شهادة آخرين كتبوا عن الدم الفلسطيني بحرارة؟
كتابة أبو توهة ذكية في تناول ألم الضحية من دون تفاصيل تفوق التحمّل، كما أنه تفادى التعبير عن رفض تامّ لإسرائيل، فيقول "آمل أن يأتي يوم يتمكّن فيه كلّ الإسرائيليين من رؤيتنا أنداداً لهم. بصفته شعباً يحتاج أن يعيش في أرضه في أمان ورفاهية لبناء مستقبل... وفي نهاية المطاف نتشاطر نحن الفلسطينيين شيئاً واحداً على الأقلّ مع الإسرائيليين. يجب أن نمتلك بلداً يخصنا – أو أن نعيش معاً في بلد واحد يتمتّع فيه الفلسطينيون بحقوق كاملة ومتساوية".
للتعرّف على الوصفة التي تكفّلت بإسماع صوت مصعب أبو توهة منذ فترة، نعود إلى بيان لجائزة سابقة نالها، وهي جائزة الكتاب الأميركي التي تمنحها مؤسّسة The Before Columbus في كاليفورنيا. وذلك عن مجموعته "أشياء قد تجدها مخبّأة في أُذني... قصائد من غزّة"، الصادرة باللغة الإنكليزية. يقول البيان: "يكتب أبو توهة عن حياته تحت الحصار في غزّة، أوّلاً طفلاً، ثمّ أباً شابّاً. لقد نجا من أربع هجمات عسكرية، وهو يشهد على دورة طاحنة من الدمار والاعتداء. ورغم ذلك، فإنّ شعره مستوحى من إنسانية عميقة".
ويضيف البيان واصفاً قصيدة أبو توهة بأنها "مفعمة برائحة الشاي، والورود المتفتّحة، ومشاهد البحر عند غروب الشمس، إذ يولد الأطفال... وتنهض المكتبات من تحت الأنقاض، بينما يواصل الفلسطينيون حياتهم... ويجدون طرقاً جديدة للبقاء في قيد الحياة". هذا الأسلوب يتّفق مع فنّانين وأدباء فلسطينيين اعتنقوا في السنوات الماضية شكلاً آخر من الإبداع، تطغى فيه القصص الإنسانية البسيطة، بحيث تصبح مشاهد الحرب والاحتلال مجرّد خلفية لهذه القصص. والحقيقة أنها مقاربة ناجحة، لأنها اقتحمت الحصار الذي فرضه الغرب على السردية الفلسطينية، من الباب الخلفي. وحينها لم تكن الأمور دمويةً بهذا القدر، فالإبادة الحالية أكبر من أن تكون خلفيةَ مشهد أو قصّة. لذا نجد في المقالات الفائزة، جزءاً كبيراً من التفاصيل "غير الإنسانية". مع ذلك، يصرّ الغرب على غضّ الطرف عن الغابة، بدعوى أنّه رأى الشجرة.
مصعب أبو توهة شجرة وارفة، وشخص مبدع استطاع خرق الحواجز، ويستحق التقدير لذلك، لكن لا جائزة تكفي لغسل عار الإعلام الغربي المنحاز إلى القاتل الذي صار جزءاً من عملية الإبادة. فهو يبرّر ويبرّئ وينقل الحقائق مقلوبةً على أعقابها. وحتى لو منح جائزته الأعلى لشابّ فلسطيني، لا يعني هذا أنّه صار منصفاً أو أنه بدأ يرى الإبادة كما هي، لا كما يصوّرها هو حرباً بين طرفَين متكافئَين. لكنّها مع ذلك، تبقى لمعةَ ضوء في هذه "العتمة الباهرة".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 20 دقائق
- الجزيرة
ترامب يهدد آبل برسم جمركي 25% ما لم تصنع هواتفها بأميركا
هدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الجمعة شركة آبل بفرض رسم جمركي قدره 25% ما لم تقم بتصنيع هواتف آيفون في الولايات المتحدة. وقال ترامب في منشور على منصته تروث سوشيال "لقد أبلغت تيم كوك منذ فترة طويلة أنني أتوقع أن يتم تصنيع هواتف آيفون.. في الولايات المتحدة ، وليس في الهند أو في أي مكان آخر. وإذا لم يحصل ذلك، سيتوجب على آبل دفع رسم جمركي قدره 25% على الأقل للولايات المتحدة". وانخفضت أسهم آبل 2.5% في تعاملات ما قبل فتح السوق على خلفية تحذير ترامب، مما أدى إلى انخفاض العقود الآجلة لمؤشر الأسهم الأميركية. وأثارت الرسوم الجمركية واسعة النطاق، التي فرضها ترامب على كبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة فوضى في التجارة والأسواق العالمية. وتتوافق تصريحاته الجمعة مع تلك التي أدلى بها الأسبوع الماضي أثناء زيارته للخليج عندما حض آبل على نقل تصنيع هواتف آيفون إلى الولايات المتحدة. وقال ترامب في 15 مايو/أيار "كانت لدي مشكلة صغيرة مع تيم كوك"، وأكد أنه قال للرئيس التنفيذي لآبل "لسنا مهتمين بأن تقوموا بالتصنيع في الهند.. نريدكم أن تصنّعوا هنا وسوف يقومون بزيادة إنتاجهم في الولايات المتحدة". ولدى عرض أرباح الشركة للربع الأول من العام في مطلع مايو/أيار الحالي، قال كوك إنه يتوقع أن تكون "الهند بلد المنشأ لغالبية أجهزة آيفون التي يتم بيعها في الولايات المتحدة". وحذّر من الآثار غير الواضحة للرسوم الجمركية الأميركية البالغة 145% على السلع المستوردة من الصين رغم الإعفاء المؤقت لسلع عالية التقنية مثل الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب. ورغم أن الهواتف الذكية المكتملة البناء معفاة من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، فإن المكونات التي تدخل في تركيب أجهزة آبل ليست كلها مستثناة من الرسوم. وتتوقع شركة آبل أن تبلغ تكلفة الرسوم الجمركية الأميركية 900 مليون دولار في الربع الحالي من العام، رغم أن تأثيرها كان "محدودا" في مطلع هذا العام، وفقا لكوك. ويحاول ترامب عبر فرض رسوم جمركية على الواردات دعم الإنتاج المحلي ودفع الشركات الأميركية إلى العودة إلى البلاد لتوفير الوظائف. لكن تقريرا وول ستريت جورنال قال إن التحدي اليوم لا يكمن في إنشاء مصانع، بل في العثور على من يرغب بالعمل فيها، فإعادة الوظائف لا تعني بالضرورة إعادة العمال. ويضيف التقرير أنه في وقت تُدفع فيه السياسة الاقتصادية الأميركية مجددا نحو إعادة "عصر الصناعة"، وتُفرض الرسوم الجمركية على الواردات من أجل تشجيع الإنتاج المحلي، تبرز معضلة جوهرية: هل هناك ما يكفي من الأميركيين الراغبين في العمل داخل المصانع؟


الجزيرة
منذ 20 دقائق
- الجزيرة
خريطة تفاعلية تستعرض هجمات المستوطنين في قرى الضفة الغربية
تستعرض الخريطة التفاعلية أبرز البلدات والقرى التي تتعرض بشكل شبه يومي لهجمات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة. اقرأ المزيد المصدر : الجزيرة


القدس العربي
منذ 22 دقائق
- القدس العربي
هارفارد تقاضي إدارة ترامب بعد منعها من قبول الطلاب الأجانب
رفعت جامعة هارفارد دعوى قضائية ضد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم الجمعة بعد قرار الرئيس منعها من قبول الطلاب الأجانب. ووصفت هارفارد في شكوى قدمتها إلى المحكمة الاتحادية في بوسطن هذا الإجراء بأنه 'انتهاك صارخ' للتعديل الأول لدستور الولايات المتحدة والقوانين الاتحادية الأخرى. وأشارت إلى أن قرار ترامب كان له 'تأثير فوري ووخيم' على الجامعة وأكثر من 7 آلاف من حاملي التأشيرات. (رويترز)