
باحثان أميركيان: هل تتجه إسرائيل وتركيا نحو التصادم في سوريا؟
نشرت مجلة فورين أفيرز الأميركية مقالا لاثنين من الباحثين عن طبيعة التنافس بين إسرائيل وتركيا ومحاولاتهما التأثير على النظام الجديد في سوريا بقيادة الرئيس أحمد الشرع، وعمّا إذا كانتا تتجهان نحو التصادم لانتزاع النفوذ هناك.
واستهل مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط بمعهد واشنطن، ديفيد ماكوفسكي، والباحثة المساعدة في المعهد نفسه سيمون سعيد مهر، مقالهما المشترك بالتذكير، أن النظام الجديد في دمشق ورث بلدا دمرته الحرب الأهلية التي استمرت 13 عاما، وتولى الزعيم أحمد الشرع قيادة بلاده، في حين تأمل القوى الأجنبية في توجيه سياساته.
ومن تلك القوى -كما يقول الكاتبان- دولتان مجاورتان لسوريا، هما إسرائيل و تركيا ، اللتان تستغلان الفراغ في السلطة لترسيخ أقدامهما هناك، وقد بدأتا فعلا في "التناطح".
وتريد تركيا مزيدا من النفوذ في سوريا حتى تتمكن من القضاء على أي أمل للأكراد في الحكم الذاتي، بينما ترغب إسرائيل في أن يكون لها، هي الأخرى، نفوذ مماثل، طبقا للمقال.
وعلى الرغم من أن تل أبيب وقعت اتفاقية فك الاشتباك مع سوريا بوساطة أميركية في عام 1974 عقب حرب أكتوبر /تشرين الأول 1973، إلا أن نظام الأسد المخلوع تحالف تحالفا وثيقا في العقود الأخيرة مع إيران، خصم إسرائيل اللدود.
تهافت إسرائيلي
ونظرا إلى هذا العداء المستمر منذ عقود، رأى القادة الإسرائيليون في الإطاحة بنظام الأسد مكسبا إستراتيجيا غير متوقع، وهم اليوم يتهافتون على الاستفادة من ذلك بإقامة منطقة عازلة ومناطق نفوذ غير رسمية في جنوب سوريا، وذلك لشعورهم بالقلق من الوجود التركي وخشيتهم من أن تشجع أنقرة النظام السوري الجديد على إيواء المسلحين المناهضين لإسرائيل، وفق تقدير ماكوفسكي وسيمون.
ولتركيا تاريخ من العداء لإسرائيل، وعلى الرغم مما ينتاب إسرائيل من مخاوف على أمنها، إلا أن الكاتبين ينصحانها، أن تبذل ما في وسعها لتجنب المواجهة العسكرية مع تركيا، وأن تحرص على ألا تضحي بعلاقتها مع أنقرة بتبني موقف عسكري متشدد في سوريا، خاصة وأن سمعتها الدولية "في الحضيض" بسبب حروبها في المنطقة، وأن آخر ما تحتاجه هو عدو جديد.
ولا تقف مخاوف إسرائيل عند هذا الحد. فالمقال يشير إلى أن أكثر ما تخاف منه تل أبيب هو أن تبرم أنقرة اتفاقا دفاعيا مع سوريا من شأنه أن يزيد نفوذها -الذي يتركز حاليا في الشمال- ليشمل بقية أنحاء البلاد.
ووفق المقال، فقد ظهرت مدرستان فكريتان متنافستان في إسرائيل عن كيفية إدارة العلاقات مع النظام السوري الجديد، حيث تضم المجموعة الأولى مسؤولين إسرائيليين ممن كانوا يعتقدون أنه على إسرائيل أن تحاول العمل مع الشرع قبل أن تعتبره عدوا.
وعلى الجانب الآخر، هناك مجموعة من المسؤولين ترى أنه من غير المرجح أن تنشأ حكومة سورية معتدلة ومركزية بقيادة إسلامية سنية، ومن ثم فإن على إسرائيل أن تهيئ نفسها للعداء بإقامة مناطق نفوذ غير رسمية.
الخوف من تكرار طوفان الأقصى
ومن وجهة نظر كاتبي المقال، فإن أحد دوافع إسرائيل من التوغل داخل سوريا وإقامة مناطق عازلة هناك، هو رغبتها في تفادي تكرار الأخطاء التي بلغت ذروتها في الهجمات المدمرة التي وقعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
إعلان
ومما يخشاه الإسرائيليون أيضا، أن يغيّر الشرع لهجته المهادنة بعد أن تتحسن أوضاع بلاده الاقتصادية المتردية. ومع ذلك، فإن ماكوفسكي وزميلته ينصحان المسؤولين في دولة الاحتلال بضرورة أن يوازنوا بين الاعتبارات الأمنية والإستراتيجية طويلة الأمد.
ويعتبر المقال أن علاقة إسرائيل با لحكومة السورية الجديدة أمر بالغ الأهمية، ولكن الأكثر إلحاحا -في رأي ماكوفسكي وسيمون- هو علاقتها بتركيا، وذلك لأن كلا البلدين حليف للولايات المتحدة ولديهما قدرات عسكرية قوية.
صياغة نظام إقليمي جديد
وشدد الباحثان على ضرورة أن يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إثناء أردوغان عن نشر منظومات الدفاع الجوية في سوريا، وأن يساعد إسرائيل وتركيا على إيجاد السبل الكفيلة بتجنب الدخول في نزاع بينهما، وأن يتعاونا معا لمواجهة النفوذ الإيراني وتهريب الأسلحة.
ودعا الاثنان إسرائيل إلى استخدام قنواتها العسكرية والاستخبارية للتواصل مع تركيا وقنواتها الخلفية للتحدث إلى السوريين.
ويخلص ماكوفسكي وزميلته في مقالهما إلى أن النظام الجديد في سوريا لم يرسخ أقدامه بعد، وأن مواقفه السياسية تبدو مرنة حتى الآن.
ويختتمان: "على إسرائيل وتركيا أن تسعيا، بعد إضعاف عدوّهما المشترك، إيران إلى صياغة نظام إقليمي جديد يفيد الطرفين ويجنبهما التصادم".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
النزعة الفردانية وهدم الكيان الأسري.. قراءة في إفلاس الحداثة
شهد العالم في العصر الحديث تحولات عميقة أثرت في أنماط التفكير والسلوك الاجتماعي؛ وكان من أبرزها بروز المشروع العلماني كأحد الأيديولوجيات التي حملت وعودًا بالتحرر والتقدم، والانعتاق من القيود الدينية والتقليدية. ورغم الإنجازات التي حققها المشروع العلماني في مجالات متعددة، فإنه لم يكن بمنأى عن خلق تداعيات معقدة تركت أثارًا واضحة، كان أبرزها تلك التي طالت بنية الأسرة ووحدة المجتمع؛ فقد تصادمت قيم الفردانية والليبرالية مع ركائز الروابط الجماعية، ما أثر على التركيبة الاجتماعية المستقرة. في هذا السياق، يأتي هذا المقال لطرح قراءة نقدية للمشروع العلماني من خلال استعراض تأثيره على الفرد والأسرة، وتسليط الضوء على التناقض الجوهري بين شعارات التحرير التي رفعها، وبين النتائج الاجتماعية التي أفرزها. وينقسم هذا النقد إلى ثلاثة عناوين رئيسية: الفردانية الحداثية.. بين تحرير الفرد وتفكك الجماعة: يتناول هذا العنوان الجذور الفكرية للفردانية الحديثة وكيف ساهمت في تآكل الروابط الجماعية، مع التركيز على أثرها المباشر على الأسرة بصفتها ركيزة أساسية للمجتمع. الأسرة في مواجهة العلمنة.. إعادة صياغة العلاقات تحت مظلة الحقوق: يناقش هذا العنوان تدخلات المشروع العلماني في إعادة تشكيل الأدوار والوظائف داخل الأسرة، وتبني منظومة قيم جديدة بذريعة الحيادية والعدالة، ما أدى إلى زعزعة استقرار الهيكل التقليدي لها. إفلاس الحداثة من الحفاظ على وحدة الأسرة: نختم النقاش بتحليل تداعيات فشل الطرح الحداثي في حماية الأسرة كوحدة أخلاقية وإنسانية متماسكة، مبرزين الأزمات الواقعية التي عانى منها المجتمع كنتيجة لهذا الفشل. من خلال هذه العناوين، تهدف الدراسة إلى فتح مساحة للتأمل والنقاش حول أثر العلمنة على أساسيات البنية الأسرية. هذا الطرح لا يأتي من منطلق أيديولوجي متحيز أو مواقف جامدة، بل ينطلق من نظرة نقدية تسعى لإعادة التوازن، وإيجاد صيغة تحفظ القيم التاريخية، التي كانت بمثابة صمام أمان لتماسك الإنسان والمجتمع عبر الأزمنة. ظهرت الفردانية كإحدى الركائز الأساسية للفلسفة الحداثية، حيث أعادت تعريف الإنسان وموقعه في الوجود، بعد أن كان تحديد هويته في القرون السابقة يعتمد على انتماءاته الدينية أو الاجتماعية أو العائلية. هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل جاء كرد فعل طبيعي على الهيمنة الدينية والقيود الاجتماعية الصارمة، التي ميزت أوروبا خلال العصور الوسطى. قاد هذا التغييرَ مجموعةٌ من كبار مفكري العقد الاجتماعي والتنوير.. ديكارت -على سبيل المثال- جعل الأنا الأعلى أساسًا لكل يقين فلسفي، بينما صاغ جون لوك رؤية للإنسان باعتباره مالكًا لحريته وجسده بشكل طبيعي، أما جان جاك روسو فقد رسخ مفهومًا جديدًا يعتبر الفرد مصدر السيادة، وليس الجماعة أو الدين. ومع تطور الأفكار الليبرالية، ارتفعت مكانة الحرية الفردية إلى مصاف الحقوق المقدسة، وأصبحت القوانين مستندة بشكل أساسي إلى حماية حقوق الأفراد على حساب أولوية الجماعة. أسهم تركز الحداثة حول الفرد في تقليص دور الأسرة كمركز اجتماعي، حيث أُفسح المجال أمام القيم الفردية -مثل الاستقلالية والاختيار- لتكون بديلًا عن قيم الالتزام والتضامن.. أصبح الزواج علاقة تعتمد على الشروط، فيما باتت الأبوة خيارًا اجتماعيًا بدلًا من كونها مسؤولية وجودية. ومع صعود الأسرة القائمة على الفرد، تراجعت الروابط الجماعية والانتماءات، ما نتج عنه شخص منعزل يعاني من الوحدة والاضطرابات، في مشهد يعكس فشل الحداثة في الحفاظ على التماسك الاجتماعي. أعيد تفسير مفهوم الأسرة في سياق العلمنة، لتعرَّف بوصفها عقدًا مدنيًا بين أفراد مستقلين، بدلًا من كونها رابطة قائمة على قيم مشتركة وأدوار متكاملة، وبرزت مفاهيم جديدة مثل "الحقوق الفردية داخل الأسرة"، التي أعادت صياغة ديناميكيات العلاقات الأسرية، ما أضعف مركزية الأبوة والأمومة، وأرسى سلطة القانون فوق التقاليد العائلية. بهذا التحول، أصبح تدخل الدولة في شؤون الأسرة مشروعًا، مدعومًا بمبررات حماية الحريات الفردية، خصوصًا فيما يتعلق بعلاقات الزوجين وتربية الأبناء. هذا التطور أدى إلى تآكل الروابط الداخلية للأسرة، واستُبدلت بها أنظمة قانونية جامدة ومجردة. وسط هذا التغيير، تحولت العلاقة بين الرجل والمرأة من شراكة تكاملية إلى ميدان صراع يدور حول الحقوق، ما أفضى إلى توترات مستمرة داخل الأسرة. في الوقت ذاته، تم تقليص دور المرجعيات الدينية والأعراف الأخلاقية في تربية الأطفال، لصالح تعزيز خطاب الحياد القيمي وحرية الاختيار. ونتيجة لذلك، فقدت الأسرة دورها العميق ككيان تربوي ومعنوي، لتتحول إلى مجرد وحدة معيشية تجمعها الضرورة أكثر من الروابط المعنوية.. ورغم تقديم هذا التحول على أنه شكل من أشكال التحرر، فإنه ساهم فعليًا في إضعاف الأسرة كركيزة للهوية والاستقرار. على الرغم من وعود الحداثة بتأسيس مجتمع إنساني أكثر إنصافًا، فإنها فشلت في الحفاظ على تماسك الأسرة، حيث سيطرت القوانين الشكلية على الروابط العاطفية والمعنوية.. أُهملت القيم الروحية والالتزام الأخلاقي، ما أدى إلى تراجع مشاعر المسؤولية والتضحية داخل الأسرة، ولم يعد الاستقرار والمودة مقياسين للنجاح الأسري، بل حل محلهما التركيز على "الحقوق المكتسبة" و"الفائدة الفردية". هذه النظرة المادية أوجدت علاقات ضعيفة لا تقوى على مواجهة الضغوط، وساهمت في تفكك الأسر بشكل لم يُشهد له مثيل من قبل. من منظور إنساني، تفقد الأسرة الحديثة دورها كملاذ نفسي وقيمي، وتتحول إلى إطار إداري يفتقر للمعنى والدفء. يتزايد الشعور بالعزلة والانفصال، حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، ما يعكس خللًا عميقًا في هندسة العلاقات. وفشل الحداثة لا يكمن فقط في النتائج، بل في إقصائها لمصادر المعنى والارتباط الإنساني العميق. وهكذا، يظهر أن المشروع الحداثي بحاجة لمراجعة قيمية شاملة، تعيد للأسرة دورها التربوي والوجداني.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
فدرالية قسد بين سندان التاريخ ومطرقة الدستور
في خضم المشهد السوريّ المضطرب، تطرح قوات سوريا الديمقراطية (قسَد) رؤى متباينة حول مستقبل الحكم في الجزيرة السورية ذات الغالبية العربية، متأرجحة بين الفدرالية واللامركزية، دون إطار دستوري واضح يرسّخ هذه الأطروحات. هذه التوجهات ليست وليدة مطالب شعبية خالصة، بل تتأثر بشكل مباشر بالتحولات السياسية الدولية والإقليمية، وهو ما يجعل التساؤل مشروعًا حول مدى توافق هذه الأطروحات مع السياقات الدستورية والتاريخية لتكوين الفدراليات. في الأنظمة السياسية، تتخذ الدول أحد الشكلين التاليين: الدولة البسيطة، حيث توجد سلطة مركزية واحدة، قد تكون ذات إدارة مركزية كاملة أو لا مركزية إدارية، ما يسمح للمحافظات بإدارة بعض شؤونها دون استقلال سياسي. الدولة المركبة، التي تنقسم إلى فدرالية وكونفدرالية، حيث الفدرالية تحتفظ بسيادة موحدة رغم توزيع السلطات، بينما الكونفدرالية تقوم على اتحاد كيانات شبه مستقلة تربطها اتفاقيات فضفاضة. التاريخ السياسي يُظهر أن التحول نحو الفدرالية لا يمكن أن يتم بمجرد إعلان سياسي أو استجابة لتحولات خارجية، بل يجب أن يكون نابعًا من إرادة شعبية عبر دستور يوافق عليه المواطنون في انتخابات حرة. كل الدول الفدرالية في العالم نشأت عبر عمليات دستورية معقدة، ولم نشهد – إلا في حالة العراق- تحولًا مباشرًا إلى دولة فدرالية من إقليمين، وهو ما يثير التساؤلات حول مدى شرعية الأطروحات التي تقدمها بعض القوى الطارئة في سوريا. ويُنظر إلى الفدرالية العراقية كنموذج مشوّه، نظرًا لعدة عوامل تتناقض مع المعايير الفدرالية المتعارف عليها، منها: غياب التوزيع المتوازن للسلطة: على الرغم من أن الدستور العراقي لعام 2005 نصّ على الفدرالية، فإن تطبيقها الفعلي كان غير متوازن، حيث يتمتع إقليم كردستان بسلطات واسعة، بينما لم تحظَ المحافظات الأخرى بنفس الصلاحيات، ما أدى إلى اختلال واضح في توزيع السلطة. التداخل بين السلطات الإقليمية والمركزية: فالفدرالية الصحيحة تتطلب وضوحًا في الفصل بين السلطات، بينما في العراق هناك تنازع مستمر بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان حول قضايا مثل تصدير النفط، وصلاحيات الجيش، والسياسة الخارجية، ما يخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي. عدم وجود رقابة دستورية فاعلة: فعلى الرغم وجود نصوص في الدستور العراقي تحدد آليات الفدرالية، فإن التطبيق العملي غالبًا ما يخضع للمصالح السياسية، حيث تتجاوز بعض الكيانات الإقليمية صلاحياتها دون محاسبة حقيقية، ما يحوّل الفدرالية إلى أداة سياسية بدلًا من كونها نظامًا حكوميًّا راسخًا. التقسيم الطائفي والمناطقي: الفدرالية العراقية لم تنشأ على أساس هيكلي إداري واضح، بل جاءت ضمن بيئة سياسية مشحونة بانقسامات طائفية وعرقية، حيث أصبحت الفدرالية أداة تُستخدم لتعزيز نفوذ بعض القوى، بدلًا من كونها نظامًا يسعى إلى تحقيق الاستقرار والتنمية، وهذا ما تمضي إليه قسد. إن غياب الآليات الديمقراطية، التي تتيح للمواطن السوري التعبير عن رؤيته المستقبلية، يجعل الأطروحات السياسية مجرد تصورات نخبوية، أو قوى أمر واقع لا تستند إلى واقع اجتماعي أو دستوري راسخ ومن الأمثلة البارزة على هذه التشوهات استمرار الصراع بين بغداد وأربيل حول إدارة الموارد الطبيعية، وعدم قدرة السلطة المركزية على فرض سيادة واضحة على كامل الأراضي العراقية، ما يجعل الفدرالية العراقية أقرب إلى كونها حالة استثنائية غير مكتملة، لا نموذجًا يمكن الاستناد إليه في تجارب أخرى. واليوم، بينما تطالب قسد بالفدرالية تارةً وباللامركزية تارةً أخرى، فإن الواقع السياسي يُظهر أن هذه الأطروحات لا تستند إلى إرادة شعبية واضحة، بل تخضع لتبدلات في السياسات الدولية وتجاذبات، خاصة مع تغير مواقف الولايات المتحدة. إعلان أما من الناحية الدستورية، فلا يمكن لأي كيان سياسي -فضلًا عن العسكري- أن يحدد مستقبل سوريا دون وجود دولة جامعة، تحترم الحقوق السياسية والمدنية لمواطنيها، الذين سيصوتون على دستور يحدد شكل بلدهم ونظامه السياسي. إن للسياسة الخارجية دورًا كبيرًا في تحديد معالم المشهد السوري، حيث تفرض القوى الإقليمية والدولية استقطابات حادة، تؤثر على مصير السوريين أكثر من أي عملية داخلية فعلية. وفي هذا السياق، فإن غياب الآليات الديمقراطية، التي تتيح للمواطن السوري التعبير عن رؤيته المستقبلية، يجعل الأطروحات السياسية مجرد تصورات نخبوية، أو قوى أمر واقع لا تستند إلى واقع اجتماعي أو دستوري راسخ. ومن الجدير بالذكر أن سوريا اليوم ليست أمام صراع سياسي على الصعيد الداخلي، بل أمام مرحلة حاسمة لبناء وطن يحفظ كرامة المواطن قبل أي اعتبارات أخرى؛ حيث لا يمكن تقرير مستقبل البلاد وفق مصالح مرحلية أو استجابة لضغوط خارجية، بل يجب أن يكون بناء الدولة هو الهدف الأول، بحيث يتاح للسوريين الاختيار الحر بين الفدرالية، أو الدولة البسيطة، أو أي نموذج آخر. وينبغي التذكير أن الشرعية السياسية لا تُكتسب عبر السيطرة العسكرية أو التحالفات الخارجية، بل عبر عملية ديمقراطية متكاملة. لذلك، لا يحق لأي طرف سياسي -مهما كان نفوذه- أن يفرض شكل الحكم على سوريا، دون وجود دستور واضح يعبّر عن إرادة جميع المواطنين. بينما تطرح قسد نماذج سياسية متنوعة، فإن غياب الأساس الدستوري والاستقطابات الخارجية يجعل هذه الأطروحات تفتقر إلى المشروعية الكاملة. سوريا اليوم بحاجة إلى مشروع وطني يضمن حقوق الجميع، ويمنح المواطنين القدرة على اختيار نظام الحكم الذي يعبر عن إرادتهم، ولا يكون مجرد استجابة لتوازنات سياسية مؤقتة أو ضغوط دولية. فهل يحق للمواطن السوري أن يقرر مصير بلده بين الفدرالية وغيرها؟ أم إن "ديمقراطية" قسد لا تتماشى مع هذ الحق؟


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
وفد حكومي سوريا يستعد لتسلم إدارة السجون من "قسد"
أفادت مصادر سورية للجزيرة بأن وفدا حكوميا سوريا وصل اليوم السبت إلى مناطق شمال شرقي سوريا لزيارة معسكرات الاحتجاز والسجون التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وقالت المصادر إن الوفد الحكومي، ترافقه قوات التحالف الدولي، يستعد لتسلم السجون في مناطق شمال شرقي البلاد الخاضعة لما يعرف بالإدارة الذاتية التابعة لقسد. وتضم السجون والمعسكرات التي تستعد الحكومة لتسلمها مقاتلين من تنظيم الدولة الإسلامية وعائلاتهم، وسيتم تشكيل لجنة مشتركة بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية لمراجعة ملفات المعتقلين. وتأتي هذه الخطوة في إطار تنفيذ الاتفاق الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع والقائد العام لقسد مظلوم عبدي في العاشر من مارس/آذار الماضي. وقضى الاتفاق باندماج قوات قسد في الجيش السوري ومؤسسات الدولة الأخرى، ونص على ضمّ كافة المنطقة الواقعة تحت سيطرة تلك القوات ضمن أجنحة الإدارة السورية الجديدة، بما في ذلك المعابر والمطارات وحقول النفط،، على أن يكتمل تنفيذ الاتفاق قبل نهاية العام الجاري. اعتقال مطلوبين في التطورات الأمنية، قالت وزارة الداخلية السورية إن قواتها ألقت القبض على 3 قياديين في ما كان يعرف بـ"لواء درع الوطن" التابع للنظام المخلوع. إعلان ويأتي ها الإعلان بعد يوم من اعتقال آصف رفعت سالم وهو أحد قياديي لواء درع الوطن التابع ل رامي مخلوف ابن خال الرئيس المخلوع بشار الأسد. وقالت مديرية أمن اللاذقية (غربي سوريا) إن سالم متورط في جرائم حرب بمنطقتي الزبداني ومضايا في ريف دمشق خلل عهد الننظام السابق، كما أنه شارك في تصنيع البراميل المتفجّرة التي كانت تُلقيها الطائراتُ المروحية، والتي دمّرت العديد من المدن والبلدات السورية. وفي الأسابيع القليلة الماضية، اعتقلت قوات الأمن السورية العديد من عناصر النظام السابق المتهمين بالضلوع في جرائم حرب، كما صادرت كميات من الاسلحةف ي منطقة الساحل التي شهدت اضطرابات في مارس/آذار الماضي. وفي ريف دمشق، عاد الهدوء إلى مدينة جرمانا إثر حملة أمنية استهدفت عاصبة مخدرات، وقتل خلال العمليات عنصر أمني وأصيب آخرين، في حين قالت السلطات إنه تم "تحييد" أفراد العصابة. على صعيد آخر، أعلنت وزارة الداخلية السورية اليوم عن تغييرات في هيكلتها الإدارية. وخلال مؤتمر صحفي في دمشق، كشف المتحدث باسم الوزارة نور الدين البابا عن التغييرات التي شملت استحداث إدارات جديدة في عدة اختصاصات. وقال البابا إنه تم استحداث إدارة حرس الحدود لتأمين وحماية الحدود من أنشطة التهريب، وإدارة مكافحة الإرهاب المعنية بتفكيك التهديدات الأمنية داخل سوريا بالتنسيق العالي مع جهاز الاستخبارات العامة، وإدارة مكافحة الاتجار بالبشر. كما تم استحداث إدارات منفصلة لكل من الاتصالات والشبكات والمعلوماتية والأمن السيبراني وأمن الاتصالات. وأضاف البابا أن حزمة من القوانين سيتم إصدارها بالتنسيق بين وزارتي الدفاع والداخلية للحد من ظاهرة السلاح المنفلت ووقف انتشاره. كما قال المتحدث السوري إنه تم تغيير اسم الأمن الجنائي لما له من ذكرى سلبية في ذاكرة السوريين إلى اسم إدارة المباحث الجنائية، وتأسيس إدارة خاصة للسجون والإصلاحيات الهدف منها منها تكريس مبادئ حقوق الإنسان وإعادة تأهيل السجناء. إعلان وذكر المتحدث باسم الداخلية السورية أنه كان لدى أجهزة المخابرات وفروع النظام السابق 8 ملايين مطلوب أمني، ويجري العمل على تسوية أوضاعهم وإعادة الحقوق إليهم.