logo
النزعة الفردانية وهدم الكيان الأسري.. قراءة في إفلاس الحداثة

النزعة الفردانية وهدم الكيان الأسري.. قراءة في إفلاس الحداثة

الجزيرةمنذ 7 ساعات

شهد العالم في العصر الحديث تحولات عميقة أثرت في أنماط التفكير والسلوك الاجتماعي؛ وكان من أبرزها بروز المشروع العلماني كأحد الأيديولوجيات التي حملت وعودًا بالتحرر والتقدم، والانعتاق من القيود الدينية والتقليدية.
ورغم الإنجازات التي حققها المشروع العلماني في مجالات متعددة، فإنه لم يكن بمنأى عن خلق تداعيات معقدة تركت أثارًا واضحة، كان أبرزها تلك التي طالت بنية الأسرة ووحدة المجتمع؛ فقد تصادمت قيم الفردانية والليبرالية مع ركائز الروابط الجماعية، ما أثر على التركيبة الاجتماعية المستقرة.
في هذا السياق، يأتي هذا المقال لطرح قراءة نقدية للمشروع العلماني من خلال استعراض تأثيره على الفرد والأسرة، وتسليط الضوء على التناقض الجوهري بين شعارات التحرير التي رفعها، وبين النتائج الاجتماعية التي أفرزها. وينقسم هذا النقد إلى ثلاثة عناوين رئيسية:
الفردانية الحداثية.. بين تحرير الفرد وتفكك الجماعة: يتناول هذا العنوان الجذور الفكرية للفردانية الحديثة وكيف ساهمت في تآكل الروابط الجماعية، مع التركيز على أثرها المباشر على الأسرة بصفتها ركيزة أساسية للمجتمع.
الأسرة في مواجهة العلمنة.. إعادة صياغة العلاقات تحت مظلة الحقوق: يناقش هذا العنوان تدخلات المشروع العلماني في إعادة تشكيل الأدوار والوظائف داخل الأسرة، وتبني منظومة قيم جديدة بذريعة الحيادية والعدالة، ما أدى إلى زعزعة استقرار الهيكل التقليدي لها.
إفلاس الحداثة من الحفاظ على وحدة الأسرة: نختم النقاش بتحليل تداعيات فشل الطرح الحداثي في حماية الأسرة كوحدة أخلاقية وإنسانية متماسكة، مبرزين الأزمات الواقعية التي عانى منها المجتمع كنتيجة لهذا الفشل.
من خلال هذه العناوين، تهدف الدراسة إلى فتح مساحة للتأمل والنقاش حول أثر العلمنة على أساسيات البنية الأسرية.
هذا الطرح لا يأتي من منطلق أيديولوجي متحيز أو مواقف جامدة، بل ينطلق من نظرة نقدية تسعى لإعادة التوازن، وإيجاد صيغة تحفظ القيم التاريخية، التي كانت بمثابة صمام أمان لتماسك الإنسان والمجتمع عبر الأزمنة.
ظهرت الفردانية كإحدى الركائز الأساسية للفلسفة الحداثية، حيث أعادت تعريف الإنسان وموقعه في الوجود، بعد أن كان تحديد هويته في القرون السابقة يعتمد على انتماءاته الدينية أو الاجتماعية أو العائلية.
هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل جاء كرد فعل طبيعي على الهيمنة الدينية والقيود الاجتماعية الصارمة، التي ميزت أوروبا خلال العصور الوسطى.
قاد هذا التغييرَ مجموعةٌ من كبار مفكري العقد الاجتماعي والتنوير.. ديكارت -على سبيل المثال- جعل الأنا الأعلى أساسًا لكل يقين فلسفي، بينما صاغ جون لوك رؤية للإنسان باعتباره مالكًا لحريته وجسده بشكل طبيعي، أما جان جاك روسو فقد رسخ مفهومًا جديدًا يعتبر الفرد مصدر السيادة، وليس الجماعة أو الدين.
ومع تطور الأفكار الليبرالية، ارتفعت مكانة الحرية الفردية إلى مصاف الحقوق المقدسة، وأصبحت القوانين مستندة بشكل أساسي إلى حماية حقوق الأفراد على حساب أولوية الجماعة.
أسهم تركز الحداثة حول الفرد في تقليص دور الأسرة كمركز اجتماعي، حيث أُفسح المجال أمام القيم الفردية -مثل الاستقلالية والاختيار- لتكون بديلًا عن قيم الالتزام والتضامن.. أصبح الزواج علاقة تعتمد على الشروط، فيما باتت الأبوة خيارًا اجتماعيًا بدلًا من كونها مسؤولية وجودية.
ومع صعود الأسرة القائمة على الفرد، تراجعت الروابط الجماعية والانتماءات، ما نتج عنه شخص منعزل يعاني من الوحدة والاضطرابات، في مشهد يعكس فشل الحداثة في الحفاظ على التماسك الاجتماعي.
أعيد تفسير مفهوم الأسرة في سياق العلمنة، لتعرَّف بوصفها عقدًا مدنيًا بين أفراد مستقلين، بدلًا من كونها رابطة قائمة على قيم مشتركة وأدوار متكاملة، وبرزت مفاهيم جديدة مثل "الحقوق الفردية داخل الأسرة"، التي أعادت صياغة ديناميكيات العلاقات الأسرية، ما أضعف مركزية الأبوة والأمومة، وأرسى سلطة القانون فوق التقاليد العائلية.
بهذا التحول، أصبح تدخل الدولة في شؤون الأسرة مشروعًا، مدعومًا بمبررات حماية الحريات الفردية، خصوصًا فيما يتعلق بعلاقات الزوجين وتربية الأبناء. هذا التطور أدى إلى تآكل الروابط الداخلية للأسرة، واستُبدلت بها أنظمة قانونية جامدة ومجردة.
وسط هذا التغيير، تحولت العلاقة بين الرجل والمرأة من شراكة تكاملية إلى ميدان صراع يدور حول الحقوق، ما أفضى إلى توترات مستمرة داخل الأسرة. في الوقت ذاته، تم تقليص دور المرجعيات الدينية والأعراف الأخلاقية في تربية الأطفال، لصالح تعزيز خطاب الحياد القيمي وحرية الاختيار.
ونتيجة لذلك، فقدت الأسرة دورها العميق ككيان تربوي ومعنوي، لتتحول إلى مجرد وحدة معيشية تجمعها الضرورة أكثر من الروابط المعنوية.. ورغم تقديم هذا التحول على أنه شكل من أشكال التحرر، فإنه ساهم فعليًا في إضعاف الأسرة كركيزة للهوية والاستقرار.
على الرغم من وعود الحداثة بتأسيس مجتمع إنساني أكثر إنصافًا، فإنها فشلت في الحفاظ على تماسك الأسرة، حيث سيطرت القوانين الشكلية على الروابط العاطفية والمعنوية.. أُهملت القيم الروحية والالتزام الأخلاقي، ما أدى إلى تراجع مشاعر المسؤولية والتضحية داخل الأسرة، ولم يعد الاستقرار والمودة مقياسين للنجاح الأسري، بل حل محلهما التركيز على "الحقوق المكتسبة" و"الفائدة الفردية".
هذه النظرة المادية أوجدت علاقات ضعيفة لا تقوى على مواجهة الضغوط، وساهمت في تفكك الأسر بشكل لم يُشهد له مثيل من قبل.
من منظور إنساني، تفقد الأسرة الحديثة دورها كملاذ نفسي وقيمي، وتتحول إلى إطار إداري يفتقر للمعنى والدفء. يتزايد الشعور بالعزلة والانفصال، حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، ما يعكس خللًا عميقًا في هندسة العلاقات. وفشل الحداثة لا يكمن فقط في النتائج، بل في إقصائها لمصادر المعنى والارتباط الإنساني العميق.
وهكذا، يظهر أن المشروع الحداثي بحاجة لمراجعة قيمية شاملة، تعيد للأسرة دورها التربوي والوجداني.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

يضحون بالبشر.. من هم أنصار "تحسين النسل" في أميركا؟
يضحون بالبشر.. من هم أنصار "تحسين النسل" في أميركا؟

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

يضحون بالبشر.. من هم أنصار "تحسين النسل" في أميركا؟

"إن صورة أغنى رجل في العالم وهو يقتل أفقر أطفال العالم ليست جميلة"، قالها مؤسس مايكروسوفت، الملياردير الخيري بيل غيتس عن إيلون ماسك خلال مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز، في وقت سابق من هذا الشهر. وقد أشار غيتس بشكل غير مباشر إلى دور ماسك في تقويض الوكالة الفدرالية للمساعدات الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، وهي الوكالة التي تم توجيه مليارات الدولارات عبرها لعقود نحو الحد من الفقر العالمي، والقضاء على الأمراض. لكن ذلك تغيّر، عندما قاد ماسك الحملة لإنشاء وزارة الكفاءة الحكومية غير الرسمية التابعة للرئيس دونالد ترامب (DOGE) لتفكيك الوكالة في فبراير/ شباط. وقال غيتس في مقابلة لاحقة في برنامج (The Late Show with Stephen Colbert)، موسعًا تعليقاته السابقة: إنّه "ما لم نعكس المسار بسرعة، فإننا سنشهد وفاة أكثر من مليون طفل إضافي حول العالم". لكن بغضّ النظر عمّا يراه بيل غيتس أو غيره، فإن استخفاف إيلون ماسك بحياة البشر لا يقتصر فقط على دوره في قيادة وزارة الكفاءة الحكومية (DOGE). بل إن هذا النهج الفكري لا يخصّ ماسك وحده، بل يُعبّر عن توجّه أوسع داخل إدارة ترامب وعلاقاته مع عدد من المليارديرات. فقد أفسح ترامب المجال لنفوذ مجموعة من أنصار فكر "تحسين النسل"، سواء من التيارات القديمة أو بصيغها المعاصرة. ويؤمن بعض هؤلاء بفلسفة تُعرف بـ"المدى الطويل" (longtermism)، والتي تقوم على فكرة أن بقاء البشرية وامتدادها عبر المجرة بمليارات من البشر مستقبلًا يتطلب قيادة نُخبوية تتخذ قرارات صعبة، من بينها التضحية بأعداد كبيرة من البشر المعاصرين لحماية هذا المستقبل البعيد. وضمن هذا السياق، يشارك ماسك وآخرون في توجيه السياسات الأميركية، داخليًا وخارجيًا، على أسس تجمع بين أفكار "تحسين النسل" و"المدى الطويل"، ما يجعل ملايين البشر عرضة لأخطار فعلية أو محتملة. أبرز رموز تحسين النسل التقليدي في محيط ترامب ربما أبرز مثال على فكر تحسين النسل التقليدي في دائرة ترامب، هو روبرت ف. كينيدي الابن، الذي يشغل حاليًا منصب وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية (HHS). وهناك موقفان له يُظهران بوضوح تبنّيه فكرَ تحسين النسل في القرن العشرين. أولهما موقفه المعادي للقاحات على مرّ السنين، خصوصًا لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (MMR). ففي التسعينيات، ادعى عدد محدود من العلماء أن هذا اللقاح مسؤول عن ازدياد تشخيص التوحد لدى الأطفال. ورغم أن العديد من الدراسات فنّدت تلك المزاعم، فقد استمر مناهضو اللقاحات أمثال كينيدي في تقويض الثقة العامة في برامج اللقاحات. وقال كينيدي في عام 2015 عن لقاح MMR: "يتلقون اللقاح، وفي تلك الليلة يصابون بحمى تصل إلى 103 درجات، ينامون، وبعد ثلاثة أشهر يتلف دماغهم. هذه محرقة، ما يفعله هذا الأمر ببلدنا". وقد اعتذر لاحقًا عن مقارنته المهينة بين التوحد والمحرقة. الموقف الثاني هو نزعة التمييز ضد ذوي الإعاقة لديه، المتداخلة مع نزعة عنصرية. ففي أبريل/ نيسان، انتقد كينيدي ازدياد حالات التوحد في أميركا باعتبارها أمرًا "يدمر العائلات"، مضيفًا أن الأطفال الذين "تراجعوا.. إلى التوحد.. لن يدفعوا ضرائب أبدًا، ولن يعملوا أبدًا، ولن يلعبوا البيسبول، ولن يكتبوا شعرًا، ولن يواعدوا، والكثير منهم لن يستخدموا المرحاض دون مساعدة". أصرّ كينيدي على تجاهل البيانات العلمية التي تؤكد أن التوحد ليس مرضًا في طور الانتشار، بل إن المجتمع بات يمتلك أدوات أدق وأكثر تطورًا تساعد على تشخيص من هم ضمن طيف التوحد، وهم أشخاص يشارك كثير منهم في الحياة الاجتماعية والعقلية بشكل نشط. وفي السياق نفسه، روّج كينيدي عام 2023 لشائعة مناهضة للقاحات تنطوي على مضمون عنصري وتمييزي ونزعة تآمرية. ففي يوليو/ تموز من ذلك العام، وخلال فعالية لجمع التبرعات لحملته الرئاسية التي أُلغيت لاحقًا، ظهر في مقطع مصوّر زاعمًا أن "كوفيد-19 يستهدف البيض والسود، بينما يتمتع اليهود الأشكناز والصينيون بأعلى درجات المناعة". غير أن هذا الادعاء يفتقر تمامًا إلى أي دليل علمي؛ فلا توجد مؤامرة تستهدف أعراقًا بعينها، كما لا توجد فئة سكانية محصّنة من الفيروس بطبيعتها. ومن الواضح أن تصريحات كينيدي العنصرية تنطوي أيضًا على معاداة للسامية. استخدام بيانات خاصة لأهداف تحسين النسل في وقت سابق من هذا الشهر، أعلن كينيدي أنه خوّل برنامجَي "ميديكيد" و"ميديكير" بمشاركة البيانات الخاصة مع معاهد الصحة الوطنية (NIH) لإنشاء قاعدة بيانات وطنية للمصابين بالتوحد "لكشف الأسباب الجذرية للتوحد" – والذي يعتبره "مرضًا يمكن الوقاية منه"- بحلول سبتمبر/ أيلول. ويتجاوز هذا التصريح مجرّد الرأي ليذكّر بممارسات دعاة تحسين النسل في القرن الماضي. فقد استخدمت حكومات الولايات الأميركية، والحكومات الفاشية مثل النازية، مثل هذه القوائم لعزل المصابين بالتوحد وغيرهم من ذوي الإعاقات عن المجتمع. في الولايات المتحدة، كانت التعقيم القسري الوسيلة لحماية "نقاء الجينات"، بينما استخدم النازيون القتل الرحيم. من الواضح أن كينيدي يمثل نموذجًا تقليديًا لداعية تحسين نسل معادٍ للقاحات ولذوي الإعاقة وعنصري في آنٍ واحد. تحسين النسل الجديد: فلسفة المدى الطويل غير أن فكر "تحسين النسل" في القرن الحادي والعشرين لم يختفِ، بل أعاد إنتاج نفسه في صورة جديدة تُعرف بفلسفة "المدى الطويل" (Longtermism). هذه الفلسفة تُعد امتدادًا حديثًا لمبادئ "الداروينية الاجتماعية" و"البقاء للأصلح" والحركات الإقصائية التي نشأت عنها. وعلى الرغم من أنها لا تروّج صراحة لفكرة الحفاظ على "عرق أبيض متفوق"، فإنها تتقاطع بوضوح مع منطق تحسين النسل. يؤمن أنصار "المدى الطويل" بأن إنقاذ البشرية من الانقراض يكمن في تطوير الإنسان ذاته وخلق "بشرٍ أفضل" قادرين على حمل مشعل الحضارة نحو المستقبل البعيد. لكن هذا "التحسين" يرتكز على فرضيتين أساسيتين: الأولى أن الرجال البيض من أصحاب الثروة والنفوذ -مثل إيلون ماسك، وبيل غيتس، وجيف بيزوس- هم الأجدر باتخاذ القرارات المصيرية نيابة عن البشرية جمعاء. والثانية أن عليهم أن يُحدّدوا مَن مِن البشر يُمكنه الاستمرار في استخدام موارد الكوكب، ومن يُفترض التضحية به، إذ يُنظر إلى مليارات من البشر الحاليين على أنهم عقبة محتملة في وجه "مستقبل أفضل" يستحق -في نظرهم- إنقاذه حتى لو تطلب الأمر إقصاءهم. ماسك ونظرية "الانتحار الحضاري عبر التعاطف" كشف ماسك عن قناعته العميقة بشأن من يستحق الحياة ومن لا يستحقها خلال مقابلة مطوّلة استمرت ثلاث ساعات في بودكاست جو روغن في فبراير/ شباط. قال ماسك حينها: "نحن نعيش حالة من التعاطف الانتحاري على مستوى الحضارة.. الضعف الجوهري في الحضارة الغربية يكمن في التعاطف. إنه استغلال للتعاطف. إنهم يستغلون ثغرة في الحضارة الغربية، وهي الاستجابة العاطفية". وبحسب رؤيته، فإن أولئك الذين لا يظهرون تعاطفًا مع "الحضارة ككل" -أي من منظور شامل وبارد- يساهمون، في رأيه، في انتحارها الجماعي. أما "هم" الذين يشير إليهم ماسك وروغن طوال المقابلة، فهم فئات متعددة تشمل: المهاجرين غير النظاميين، الليبراليين البيض، التقدميين، أعضاء الحزب الديمقراطي، وغيرهم من أفراد مجتمع الميم. الضمان الاجتماعي وسياسات شيخوخية قاسية في دائرة أنصار فلسفة "المدى الطويل" ضمن عالم ترامب، يبرز اسم الملياردير التقني بيتر ثييل، الذي يصف نظام الضمان الاجتماعي الأميركي بأنه "احتيال بين الأجيال". هذا التصريح يعكس دعمه الصريح لسياسات ماسك في إطار وزارة الكفاءة الحكومية (DOGE)، التي تستهدف تقليص برامج الرعاية الاجتماعية، لا سيما تلك المخصصة لكبار السن. كما يُظهر ذلك توجه إدارة ترامب نحو تبنّي سياسات تتسم بالتمييز العمري والوظيفي، تحت غطاء "تقليص الإنفاق الحكومي"، بينما تُعد هذه السياسات في جوهرها امتدادًا لفكر تحسين النسل، حيث يجري التلميح -أو التمهيد- لإقصاء الفئات التي تُعتبر عبئًا اقتصاديًا أو غير منتجة، مثل المسنين وذوي الإعاقات. وهي مقاربة قد تفضي فعليًا إلى تعريض هذه الفئات للهلاك. إعادة تشكيل الحكومة الفدرالية على صورة دعاة تحسين النسل جنبًا إلى جنب مع ترامب، عمل كينيدي وماسك على إعادة تشكيل الحكومة الفدرالية على صورتهم الخاصة كدعاة تحسين نسل. وقد تعاون كينيدي مع DOGE التابعة لماسك لقطع التمويل عن وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، ومعاهد الصحة الوطنية، وبرامج اللقاحات، والوقاية من الأوبئة، وأبحاث السرطان، منذ توليه منصبه في منتصف فبراير/ شباط. وهناك حاليًا أمر حظر فعلي يمنع مسؤولي مراكز مكافحة الأمراض من التحدث عن انتشار سلالات إنفلونزا الطيور بين الحيوانات والبشر العاملين في صناعة الدواجن. وعندما تم استجوابه في جلسة استماع بالكونغرس في 14 مايو/ أيار حول عمله كوزير للصحة في تفكيك الوزارة، اعترف كينيدي بأنه "ربما" سيلقّح أطفاله ضد الحصبة في عام 2025. لكنه، في الجلسة ذاتها، عاد وشكّك في لقاح MMR، مما يشير إلى موقفه المتحيز ضد الأشخاص المصابين بالتوحد، بينما تمر الولايات المتحدة، وتحديدًا ولاية تكساس، بأحد أسوأ تفشيات الحصبة خلال الخمسين عامًا الماضية، حيث سُجل أكثر من ألف حالة حتى الآن، معظمها بين الأطفال غير الملقحين، توفي منهم اثنان.

تعديلات قانون الانتخابات.. قائمة مغلقة تثير أزمة سياسية في مصر
تعديلات قانون الانتخابات.. قائمة مغلقة تثير أزمة سياسية في مصر

الجزيرة

timeمنذ 6 ساعات

  • الجزيرة

تعديلات قانون الانتخابات.. قائمة مغلقة تثير أزمة سياسية في مصر

القاهرة ـ في خطوة أعادت الجدل حول مستقبل التعددية السياسية في مصر ، وافقت الهيئة الوطنية للانتخابات، أول أمس الخميس، على تعديلات قانوني انتخابات مجلسي النواب والشيوخ، وذلك بعد أيام من تصديق لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب على مشروع قانون يُعدل بعض أحكام قانون مجلس النواب وقانون تقسيم الدوائر الانتخابية. المشروع تقدّم به رئيس الأغلبية البرلمانية النائب عبد الهادي القصبي، مدعومًا بأكثر من 10% من أعضاء المجلس، وجميعهم من أحزاب محسوبة على السلطة. وبحسب مراقبين، فإن التعديلات المقترحة تم إعدادها بمعزل عن مخرجات "الحوار الوطني" الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي واستمر لأشهر، مما أثار انتقادات حادة من أطياف المعارضة، التي رأت في المشروع محاولة لإعادة إنتاج مشهد برلماني يفتقر للتعددية، ويكرّس هيمنة حزب "مستقبل وطن" وتحالفاته. شملت التعديلات تغييرات جغرافية محدودة، من أبرزها إضافة مقعد ثالث لدائرة الواسطى وناصر في محافظة بني سويف (جنوب القاهرة)، ودمج دائرة السيدة زينب مع دائرتي الدرب الأحمر وعابدين في قلب العاصمة، إلى جانب فصل قسم الأهرام عن دائرة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، واستحداث دائرة مستقلة لمدينة العاشر من رمضان في محافظة الشرقية. أما على صعيد النظام الانتخابي، فيُبقي المشروع على تركيبة مجلس النواب الحالية بـ568 عضوًا، يُنتخب نصفهم (284 نائبًا) وفق نظام "القائمة المطلقة المغلقة" موزعين على 4 قوائم، بينما يُنتخب النصف الآخر عبر النظام الفردي في 284 دائرة. وترى قوى المعارضة أن الإبقاء على النظام الحالي يتجاهل المقترحات التي طُرحت خلال جلسات الحوار الوطني، خصوصًا الدعوات لاعتماد "القائمة النسبية المفتوحة" وزيادة عدد المقاعد بما يحقق تمثيلًا أوسع، فضلًا عن آليات لضبط الإنفاق الانتخابي الذي بات، وفق تقديراتهم، عاملًا حاسمًا في تشكيل الخريطة البرلمانية. تهميش الحوار انتقد رئيس حزب العدل وعضو مجلس النواب عبد المنعم إمام، التعديلات بشدة، وقال إنها "لا تمسّ من قريب أو بعيد مطالب معظم الأحزاب السياسية، خاصة رفض نظام القائمة المغلقة". وأضاف إمام في حديثه للجزيرة نت أن المزج المتوازن بين نظامي القائمة النسبية والفردي كان سيمنح الأحزاب فرصة حقيقية للمنافسة، غير أن القانون بصيغته الحالية يخدم مصالح "المال والنفوذ"، ويحول دون تطور الحياة السياسية، على حد تعبيره. ووصف إمام التعديلات الجغرافية بأنها "تجميلية لا تمس جوهر النظام الانتخابي"، معتبرا أن القانون المقترح يعزز الهيمنة السياسية والمالية على الحياة النيابية، وبالتالي يُغلق الباب أمام برلمان يعكس تطلعات المواطنين. وسط أروقة المعارضة، يسود غضب متصاعد، وأكدت مصادر سياسية للجزيرة نت أن أحزاب "التيار المدني الديمقراطي" تدرس عقد مؤتمر صحفي خلال أيام، للإعلان عن موقف نهائي بشأن المشاركة أو مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقررة نهاية العام الجاري. ولا تقتصر خيارات المعارضة على المقاطعة، إذ تشير المصادر نفسها إلى وجود اتجاه لتشكيل فريق قانوني للطعن في دستورية القانون أمام المحكمة الدستورية العليا، على خلفية ما تصفه بـ"الخلل الجوهري في تمثيل فئات الشعب، ومخالفة نصوص دستورية تؤكد على التعددية والعدالة في التمثيل". إعلان من جانبه، وصف عضو الهيئة العليا لحزب المحافظين مجدي حمدان، التعديلات بأنها "عدوان تشريعي على مخرجات الحوار الوطني"، معتبرا أن المشروع يمثل "دفنًا لمحاولات إصلاح سياسي حقيقي"، حسب تعبيره. وقال حمدان في حديث للجزيرة نت إن القانون الانتخابي "فُصل على مقاس أحزاب الموالاة" بهدف إحكام السيطرة على مخرجات الانتخابات، مشيرا إلى أن رفع تأمين الترشح من 3 آلاف إلى 30 ألف جنيه يعزز نفوذ المال السياسي ويُقصي غير القادرين على المنافسة. وأضاف أن غياب التوازن واضح، مستشهدا بدائرة "إمبابة" التي تضم أكثر من 5 ملايين ناخب وتُمثَّل بمقعدين فقط، مقارنة بـ4 مقاعد لدائرة البدرشين ذات الكثافة السكانية الأقل، وفق وصفه. أزمة تمثيل وفي السياق ذاته، اعتبر الرئيس السابق لحزب الدستور وعضو التيار المدني الديمقراطي علاء الخيام، أن التعديلات المطروحة "تجسد إرادة السلطة في مصادرة السياسة وقتل التعددية"، مشيرا إلى أن البرلمان المقبل سيكون -برأيه- نسخة مكررة من برلمانات سابقة "فشلت في تمثيل الشارع أو مساءلة السلطة التنفيذية". وأضاف الخيام للجزيرة نت أن "ما يجري من تعديلات شكلية في تقسيم الدوائر ليس سوى إعادة تدوير للعبة القديمة بأدوات جديدة"، منتقدا تجاهل مقترحات القوى السياسية في الحوار الوطني، لاسيما الدعوات لتبني نظام أكثر تمثيلا وتنوعًا. وأكد أن رفض القائمة النسبية يعكس "خشية من فقدان السيطرة"، إذ إن النسبية تتيح دخول أصوات معارضة وتحد من تأثير المال السياسي، مشددا على أن البرلمان القادم مهدد بأن يتحول إلى "قاعة تصفيق لا أكثر"، على حد وصفه. السلطة تدافع في المقابل، دافع رئيس الهيئة البرلمانية لحزب "مستقبل وطن" عبد الهادي القصبي عن مشروع القانون، معتبرًا أن التعديلات "محدودة للغاية"، وتمت مراعاة التغيرات الديموغرافية والجغرافية بناء على بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. إعلان وأضاف القصبي في تصريحات صحفية أن تقسيم القائمة إلى 4 دوائر يحقق تغطية جغرافية شاملة، نافيًا وجود نية لتقليص المنافسة أو تجاهل نتائج الحوار الوطني. من جهته، قال عضو مجلس الشيوخ عن حزب الشعب الجمهوري محمد الرشيدي إن موافقة لجنة الشؤون التشريعية بمجلس النواب على مشروعي تعديل قانوني النواب والشيوخ تعكس "حرص الدولة على تطوير البنية التشريعية بما يواكب المتغيرات الحالية". وأوضح الرشيدي -في منشور على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك – أن التعديلات المقترحة تحقق توازنا بين النظامين الفردي والقائمة، وتضمن مشاركة أوسع للمرأة والشباب وذوي الهمم والمصريين بالخارج، مما يُعد أحد ركائز العدالة السياسية، وفق تعبيره. واختتم الرشيدي تصريحه بالتأكيد على أن مشروع القانون يُمثل خطوة جديدة في مسار الإصلاح السياسي، مشددا على أهمية متابعة تنفيذ هذه التعديلات لضمان تحقيق الأهداف المرجوة منها.

النزعة الفردانية وهدم الكيان الأسري.. قراءة في إفلاس الحداثة
النزعة الفردانية وهدم الكيان الأسري.. قراءة في إفلاس الحداثة

الجزيرة

timeمنذ 7 ساعات

  • الجزيرة

النزعة الفردانية وهدم الكيان الأسري.. قراءة في إفلاس الحداثة

شهد العالم في العصر الحديث تحولات عميقة أثرت في أنماط التفكير والسلوك الاجتماعي؛ وكان من أبرزها بروز المشروع العلماني كأحد الأيديولوجيات التي حملت وعودًا بالتحرر والتقدم، والانعتاق من القيود الدينية والتقليدية. ورغم الإنجازات التي حققها المشروع العلماني في مجالات متعددة، فإنه لم يكن بمنأى عن خلق تداعيات معقدة تركت أثارًا واضحة، كان أبرزها تلك التي طالت بنية الأسرة ووحدة المجتمع؛ فقد تصادمت قيم الفردانية والليبرالية مع ركائز الروابط الجماعية، ما أثر على التركيبة الاجتماعية المستقرة. في هذا السياق، يأتي هذا المقال لطرح قراءة نقدية للمشروع العلماني من خلال استعراض تأثيره على الفرد والأسرة، وتسليط الضوء على التناقض الجوهري بين شعارات التحرير التي رفعها، وبين النتائج الاجتماعية التي أفرزها. وينقسم هذا النقد إلى ثلاثة عناوين رئيسية: الفردانية الحداثية.. بين تحرير الفرد وتفكك الجماعة: يتناول هذا العنوان الجذور الفكرية للفردانية الحديثة وكيف ساهمت في تآكل الروابط الجماعية، مع التركيز على أثرها المباشر على الأسرة بصفتها ركيزة أساسية للمجتمع. الأسرة في مواجهة العلمنة.. إعادة صياغة العلاقات تحت مظلة الحقوق: يناقش هذا العنوان تدخلات المشروع العلماني في إعادة تشكيل الأدوار والوظائف داخل الأسرة، وتبني منظومة قيم جديدة بذريعة الحيادية والعدالة، ما أدى إلى زعزعة استقرار الهيكل التقليدي لها. إفلاس الحداثة من الحفاظ على وحدة الأسرة: نختم النقاش بتحليل تداعيات فشل الطرح الحداثي في حماية الأسرة كوحدة أخلاقية وإنسانية متماسكة، مبرزين الأزمات الواقعية التي عانى منها المجتمع كنتيجة لهذا الفشل. من خلال هذه العناوين، تهدف الدراسة إلى فتح مساحة للتأمل والنقاش حول أثر العلمنة على أساسيات البنية الأسرية. هذا الطرح لا يأتي من منطلق أيديولوجي متحيز أو مواقف جامدة، بل ينطلق من نظرة نقدية تسعى لإعادة التوازن، وإيجاد صيغة تحفظ القيم التاريخية، التي كانت بمثابة صمام أمان لتماسك الإنسان والمجتمع عبر الأزمنة. ظهرت الفردانية كإحدى الركائز الأساسية للفلسفة الحداثية، حيث أعادت تعريف الإنسان وموقعه في الوجود، بعد أن كان تحديد هويته في القرون السابقة يعتمد على انتماءاته الدينية أو الاجتماعية أو العائلية. هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل جاء كرد فعل طبيعي على الهيمنة الدينية والقيود الاجتماعية الصارمة، التي ميزت أوروبا خلال العصور الوسطى. قاد هذا التغييرَ مجموعةٌ من كبار مفكري العقد الاجتماعي والتنوير.. ديكارت -على سبيل المثال- جعل الأنا الأعلى أساسًا لكل يقين فلسفي، بينما صاغ جون لوك رؤية للإنسان باعتباره مالكًا لحريته وجسده بشكل طبيعي، أما جان جاك روسو فقد رسخ مفهومًا جديدًا يعتبر الفرد مصدر السيادة، وليس الجماعة أو الدين. ومع تطور الأفكار الليبرالية، ارتفعت مكانة الحرية الفردية إلى مصاف الحقوق المقدسة، وأصبحت القوانين مستندة بشكل أساسي إلى حماية حقوق الأفراد على حساب أولوية الجماعة. أسهم تركز الحداثة حول الفرد في تقليص دور الأسرة كمركز اجتماعي، حيث أُفسح المجال أمام القيم الفردية -مثل الاستقلالية والاختيار- لتكون بديلًا عن قيم الالتزام والتضامن.. أصبح الزواج علاقة تعتمد على الشروط، فيما باتت الأبوة خيارًا اجتماعيًا بدلًا من كونها مسؤولية وجودية. ومع صعود الأسرة القائمة على الفرد، تراجعت الروابط الجماعية والانتماءات، ما نتج عنه شخص منعزل يعاني من الوحدة والاضطرابات، في مشهد يعكس فشل الحداثة في الحفاظ على التماسك الاجتماعي. أعيد تفسير مفهوم الأسرة في سياق العلمنة، لتعرَّف بوصفها عقدًا مدنيًا بين أفراد مستقلين، بدلًا من كونها رابطة قائمة على قيم مشتركة وأدوار متكاملة، وبرزت مفاهيم جديدة مثل "الحقوق الفردية داخل الأسرة"، التي أعادت صياغة ديناميكيات العلاقات الأسرية، ما أضعف مركزية الأبوة والأمومة، وأرسى سلطة القانون فوق التقاليد العائلية. بهذا التحول، أصبح تدخل الدولة في شؤون الأسرة مشروعًا، مدعومًا بمبررات حماية الحريات الفردية، خصوصًا فيما يتعلق بعلاقات الزوجين وتربية الأبناء. هذا التطور أدى إلى تآكل الروابط الداخلية للأسرة، واستُبدلت بها أنظمة قانونية جامدة ومجردة. وسط هذا التغيير، تحولت العلاقة بين الرجل والمرأة من شراكة تكاملية إلى ميدان صراع يدور حول الحقوق، ما أفضى إلى توترات مستمرة داخل الأسرة. في الوقت ذاته، تم تقليص دور المرجعيات الدينية والأعراف الأخلاقية في تربية الأطفال، لصالح تعزيز خطاب الحياد القيمي وحرية الاختيار. ونتيجة لذلك، فقدت الأسرة دورها العميق ككيان تربوي ومعنوي، لتتحول إلى مجرد وحدة معيشية تجمعها الضرورة أكثر من الروابط المعنوية.. ورغم تقديم هذا التحول على أنه شكل من أشكال التحرر، فإنه ساهم فعليًا في إضعاف الأسرة كركيزة للهوية والاستقرار. على الرغم من وعود الحداثة بتأسيس مجتمع إنساني أكثر إنصافًا، فإنها فشلت في الحفاظ على تماسك الأسرة، حيث سيطرت القوانين الشكلية على الروابط العاطفية والمعنوية.. أُهملت القيم الروحية والالتزام الأخلاقي، ما أدى إلى تراجع مشاعر المسؤولية والتضحية داخل الأسرة، ولم يعد الاستقرار والمودة مقياسين للنجاح الأسري، بل حل محلهما التركيز على "الحقوق المكتسبة" و"الفائدة الفردية". هذه النظرة المادية أوجدت علاقات ضعيفة لا تقوى على مواجهة الضغوط، وساهمت في تفكك الأسر بشكل لم يُشهد له مثيل من قبل. من منظور إنساني، تفقد الأسرة الحديثة دورها كملاذ نفسي وقيمي، وتتحول إلى إطار إداري يفتقر للمعنى والدفء. يتزايد الشعور بالعزلة والانفصال، حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، ما يعكس خللًا عميقًا في هندسة العلاقات. وفشل الحداثة لا يكمن فقط في النتائج، بل في إقصائها لمصادر المعنى والارتباط الإنساني العميق. وهكذا، يظهر أن المشروع الحداثي بحاجة لمراجعة قيمية شاملة، تعيد للأسرة دورها التربوي والوجداني.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store