
تعديلات قانون الانتخابات.. قائمة مغلقة تثير أزمة سياسية في مصر
القاهرة ـ في خطوة أعادت الجدل حول مستقبل التعددية السياسية في مصر ، وافقت الهيئة الوطنية للانتخابات، أول أمس الخميس، على تعديلات قانوني انتخابات مجلسي النواب والشيوخ، وذلك بعد أيام من تصديق لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب على مشروع قانون يُعدل بعض أحكام قانون مجلس النواب وقانون تقسيم الدوائر الانتخابية.
المشروع تقدّم به رئيس الأغلبية البرلمانية النائب عبد الهادي القصبي، مدعومًا بأكثر من 10% من أعضاء المجلس، وجميعهم من أحزاب محسوبة على السلطة.
وبحسب مراقبين، فإن التعديلات المقترحة تم إعدادها بمعزل عن مخرجات "الحوار الوطني" الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي واستمر لأشهر، مما أثار انتقادات حادة من أطياف المعارضة، التي رأت في المشروع محاولة لإعادة إنتاج مشهد برلماني يفتقر للتعددية، ويكرّس هيمنة حزب "مستقبل وطن" وتحالفاته.
شملت التعديلات تغييرات جغرافية محدودة، من أبرزها إضافة مقعد ثالث لدائرة الواسطى وناصر في محافظة بني سويف (جنوب القاهرة)، ودمج دائرة السيدة زينب مع دائرتي الدرب الأحمر وعابدين في قلب العاصمة، إلى جانب فصل قسم الأهرام عن دائرة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، واستحداث دائرة مستقلة لمدينة العاشر من رمضان في محافظة الشرقية.
أما على صعيد النظام الانتخابي، فيُبقي المشروع على تركيبة مجلس النواب الحالية بـ568 عضوًا، يُنتخب نصفهم (284 نائبًا) وفق نظام "القائمة المطلقة المغلقة" موزعين على 4 قوائم، بينما يُنتخب النصف الآخر عبر النظام الفردي في 284 دائرة.
وترى قوى المعارضة أن الإبقاء على النظام الحالي يتجاهل المقترحات التي طُرحت خلال جلسات الحوار الوطني، خصوصًا الدعوات لاعتماد "القائمة النسبية المفتوحة" وزيادة عدد المقاعد بما يحقق تمثيلًا أوسع، فضلًا عن آليات لضبط الإنفاق الانتخابي الذي بات، وفق تقديراتهم، عاملًا حاسمًا في تشكيل الخريطة البرلمانية.
تهميش الحوار
انتقد رئيس حزب العدل وعضو مجلس النواب عبد المنعم إمام، التعديلات بشدة، وقال إنها "لا تمسّ من قريب أو بعيد مطالب معظم الأحزاب السياسية، خاصة رفض نظام القائمة المغلقة".
وأضاف إمام في حديثه للجزيرة نت أن المزج المتوازن بين نظامي القائمة النسبية والفردي كان سيمنح الأحزاب فرصة حقيقية للمنافسة، غير أن القانون بصيغته الحالية يخدم مصالح "المال والنفوذ"، ويحول دون تطور الحياة السياسية، على حد تعبيره.
ووصف إمام التعديلات الجغرافية بأنها "تجميلية لا تمس جوهر النظام الانتخابي"، معتبرا أن القانون المقترح يعزز الهيمنة السياسية والمالية على الحياة النيابية، وبالتالي يُغلق الباب أمام برلمان يعكس تطلعات المواطنين.
وسط أروقة المعارضة، يسود غضب متصاعد، وأكدت مصادر سياسية للجزيرة نت أن أحزاب "التيار المدني الديمقراطي" تدرس عقد مؤتمر صحفي خلال أيام، للإعلان عن موقف نهائي بشأن المشاركة أو مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقررة نهاية العام الجاري.
ولا تقتصر خيارات المعارضة على المقاطعة، إذ تشير المصادر نفسها إلى وجود اتجاه لتشكيل فريق قانوني للطعن في دستورية القانون أمام المحكمة الدستورية العليا، على خلفية ما تصفه بـ"الخلل الجوهري في تمثيل فئات الشعب، ومخالفة نصوص دستورية تؤكد على التعددية والعدالة في التمثيل".
إعلان
من جانبه، وصف عضو الهيئة العليا لحزب المحافظين مجدي حمدان، التعديلات بأنها "عدوان تشريعي على مخرجات الحوار الوطني"، معتبرا أن المشروع يمثل "دفنًا لمحاولات إصلاح سياسي حقيقي"، حسب تعبيره.
وقال حمدان في حديث للجزيرة نت إن القانون الانتخابي "فُصل على مقاس أحزاب الموالاة" بهدف إحكام السيطرة على مخرجات الانتخابات، مشيرا إلى أن رفع تأمين الترشح من 3 آلاف إلى 30 ألف جنيه يعزز نفوذ المال السياسي ويُقصي غير القادرين على المنافسة.
وأضاف أن غياب التوازن واضح، مستشهدا بدائرة "إمبابة" التي تضم أكثر من 5 ملايين ناخب وتُمثَّل بمقعدين فقط، مقارنة بـ4 مقاعد لدائرة البدرشين ذات الكثافة السكانية الأقل، وفق وصفه.
أزمة تمثيل
وفي السياق ذاته، اعتبر الرئيس السابق لحزب الدستور وعضو التيار المدني الديمقراطي علاء الخيام، أن التعديلات المطروحة "تجسد إرادة السلطة في مصادرة السياسة وقتل التعددية"، مشيرا إلى أن البرلمان المقبل سيكون -برأيه- نسخة مكررة من برلمانات سابقة "فشلت في تمثيل الشارع أو مساءلة السلطة التنفيذية".
وأضاف الخيام للجزيرة نت أن "ما يجري من تعديلات شكلية في تقسيم الدوائر ليس سوى إعادة تدوير للعبة القديمة بأدوات جديدة"، منتقدا تجاهل مقترحات القوى السياسية في الحوار الوطني، لاسيما الدعوات لتبني نظام أكثر تمثيلا وتنوعًا.
وأكد أن رفض القائمة النسبية يعكس "خشية من فقدان السيطرة"، إذ إن النسبية تتيح دخول أصوات معارضة وتحد من تأثير المال السياسي، مشددا على أن البرلمان القادم مهدد بأن يتحول إلى "قاعة تصفيق لا أكثر"، على حد وصفه.
السلطة تدافع
في المقابل، دافع رئيس الهيئة البرلمانية لحزب "مستقبل وطن" عبد الهادي القصبي عن مشروع القانون، معتبرًا أن التعديلات "محدودة للغاية"، وتمت مراعاة التغيرات الديموغرافية والجغرافية بناء على بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
إعلان
وأضاف القصبي في تصريحات صحفية أن تقسيم القائمة إلى 4 دوائر يحقق تغطية جغرافية شاملة، نافيًا وجود نية لتقليص المنافسة أو تجاهل نتائج الحوار الوطني.
من جهته، قال عضو مجلس الشيوخ عن حزب الشعب الجمهوري محمد الرشيدي إن موافقة لجنة الشؤون التشريعية بمجلس النواب على مشروعي تعديل قانوني النواب والشيوخ تعكس "حرص الدولة على تطوير البنية التشريعية بما يواكب المتغيرات الحالية".
وأوضح الرشيدي -في منشور على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك – أن التعديلات المقترحة تحقق توازنا بين النظامين الفردي والقائمة، وتضمن مشاركة أوسع للمرأة والشباب وذوي الهمم والمصريين بالخارج، مما يُعد أحد ركائز العدالة السياسية، وفق تعبيره.
واختتم الرشيدي تصريحه بالتأكيد على أن مشروع القانون يُمثل خطوة جديدة في مسار الإصلاح السياسي، مشددا على أهمية متابعة تنفيذ هذه التعديلات لضمان تحقيق الأهداف المرجوة منها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 33 دقائق
- الجزيرة
حكومة بنغلاديش تدعو إلى الوحدة لتجنّب عودة الاستبداد
شدّدت الحكومة المؤقتة في بنغلاديش اليوم السبت على ضرورة الحفاظ على الوحدة "لتجنب عودة الاستبداد"، في حين دعا أحد الأحزاب السياسية الرئيسية إلى إجراء انتخابات قبل نهاية العام. وقالت الحكومة الموقتة في بيان، بعد أسبوع من التوتر بين الأحزاب السياسية المتنافسة التي تظاهرت في دكا، إن "الوحدة على نطاق واسع ضرورية للحفاظ على الاستقرار الوطني، وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة، ومن أجل العدالة والإصلاحات، وتجنب عودة الاستبداد في البلاد بشكل مستدام". وجاء في البيان أنه "إذا تعرضت استقلالية الحكومة وجهودها الإصلاحية والعملية القضائية والمشروع الانتخابي النزيه وسير عملها الطبيعي إلى عراقيل تجعل مهمتها غير قابلة للإدارة فإنها ستتخذ الإجراءات اللازمة مع الشعب"، من دون تقديم مزيد من التفاصيل. وشدد البيان على أن الحكومة واجهت مطالب غير معقولة وتصريحات استفزازية متعمدة، أدت إلى "إعاقة عملها بشكل مستمر. وتشهد بنغلاديش التي يبلغ عدد سكانها نحو 170 مليون نسمة، اضطرابات سياسية منذ أطاحت احتجاجات قادها طلاب في أغسطس/ آب عام 2024 برئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة. ويلتقي رئيس الوزراء الموقت في بنغلاديش محمد يونس مساء السبت قادة أبرز الأحزاب التي تمارس ضغوطا على حكومته، بحسب المتحدث باسمه، بعد أيام من تلويحه بالاستقالة في ظل الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد. ويتولى يونس (84 عاما)، الحائز جائزة نوبل ، السلطة في هذا البلد منذ إطاحة حسينة. ووعد يونس الذي عاد من المنفى بناء على طلب المحتجين، بإجراء انتخابات بحلول يونيو/ حزيران عام2026 على أبعد تقدير، لكنه أكد أنه يتعين تنفيذ الإصلاحات الديموقراطية قبل ذلك. وهدد يونس بالاستقالة، حسبما ذكرت مصادر في مكتبه وأحد حلفائه السياسيين الخميس. لكن وزير المال والتخطيط وحيد الدين محمود أكد للصحافيين السبت أن يونس لن يستقيل في المستقبل القريب، وقال "يتعين علينا أن نتحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقنا. لا نستطيع التخلي عن مهامنا بكل بساطة". لقاء مع الأحزاب الرئيسية وأكد فريق يونس أنه سيلتقي زعماء الحزب القومي البنغلاديشي النافذ الذي يعتبر الأوفر حظا في الانتخابات، والجماعة الإسلامية، أكبر حزب إسلامي في البلاد ذات الأغلبية المسلمة. وأكد الحزب القومي أنه سيحضر، وأكدت الجماعة الإسلامية أنها تلقت دعوة. واحتج الحزبان ضد الحكومة. وتظاهر آلاف من أنصار الحزب القومي للمرة الأولى ضد الحكومة الموقتة الأربعاء، وطالبوا يونس بتحديد موعد للانتخابات. وقال القيادي البارز في الحزب القومي صلاح الدين أحمد في مقابلة مع قناة تلفزيونية خاصة الجمعة إنه "إذا لم يتمكن من الإعلان عن موعد محدد للانتخابات بحلول ديسمبر/ كانون الأول القادم، فسنعيد النظر في دعمنا لإدارته". وأشار يونس إلى أن الانتخابات قد تجرى اعتبارا من ديسمبر/ كانون الأول، ولكن موعدا لاحقا هو يونيو/ حزيران على أبعد تقدير، من شأنه أن يمنح الحكومة فرصة أكبر لتنفيذ إصلاحات. وذكرت وسائل إعلام محلية الأربعاء أن رئيس أركان الجيش الجنرال وقر الزمان أعلن دعمه إجراء انتخابات في البلاد بحلول ديسمبر/ كانون الأول. وحذر ناهد إسلام الذي قاد احتجاجات الطلاب ضد الشيخة حسينة السبت من خطر تشكيل حكومة مدعومة من الجيش في المستقبل، في وضع مماثل لما حدث في 11 يناير/ كانون الثاني 2007 عندما أعلنت حالة الطوارئ ، ما أدى إلى تشكيل حكومة يدعمها الجيش لعامين. وقال ناهد إسلام إن يونس "تولى منصبه لإحداث تغيير جذري. ويتوقع الشعب أن يرى محاكمات وإصلاحات وانتقالا سلميا للسلطة. وفي الظروف الحالية، لا يمكن تحقيق هذه التوقعات"، ونقل عن يونس قوله خلال لقاء الخميس إنه "إذا وجد أنه مرغم على تلبية المطالب تحت الضغط، فلن يكون بامكانه الاستمرار". وقال إسلام حليف يونس والذي شارك في حكومته ورئيس حزب المواطنين الوطنيين "هناك مؤشرات إلى أن حكومة مدعومة من الجيش على غرار حكومة 2007، ممكنة، حكومة ستكون مناهضة للديموقراطية ومعادية للشعب". وأضاف "رغم أن الجيش مؤسسة أساسية لأمن الدولة، ينبغي ألا يتدخل في الشؤون السياسية" مذكرا بأن الإصلاحات الديموقراطية التي دعا إليها يونس هي التي أخرجت الطلاب إلى الشارع عام 2024.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
تعديلات قانون الانتخابات.. قائمة مغلقة تثير أزمة سياسية في مصر
القاهرة ـ في خطوة أعادت الجدل حول مستقبل التعددية السياسية في مصر ، وافقت الهيئة الوطنية للانتخابات، أول أمس الخميس، على تعديلات قانوني انتخابات مجلسي النواب والشيوخ، وذلك بعد أيام من تصديق لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب على مشروع قانون يُعدل بعض أحكام قانون مجلس النواب وقانون تقسيم الدوائر الانتخابية. المشروع تقدّم به رئيس الأغلبية البرلمانية النائب عبد الهادي القصبي، مدعومًا بأكثر من 10% من أعضاء المجلس، وجميعهم من أحزاب محسوبة على السلطة. وبحسب مراقبين، فإن التعديلات المقترحة تم إعدادها بمعزل عن مخرجات "الحوار الوطني" الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي واستمر لأشهر، مما أثار انتقادات حادة من أطياف المعارضة، التي رأت في المشروع محاولة لإعادة إنتاج مشهد برلماني يفتقر للتعددية، ويكرّس هيمنة حزب "مستقبل وطن" وتحالفاته. شملت التعديلات تغييرات جغرافية محدودة، من أبرزها إضافة مقعد ثالث لدائرة الواسطى وناصر في محافظة بني سويف (جنوب القاهرة)، ودمج دائرة السيدة زينب مع دائرتي الدرب الأحمر وعابدين في قلب العاصمة، إلى جانب فصل قسم الأهرام عن دائرة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، واستحداث دائرة مستقلة لمدينة العاشر من رمضان في محافظة الشرقية. أما على صعيد النظام الانتخابي، فيُبقي المشروع على تركيبة مجلس النواب الحالية بـ568 عضوًا، يُنتخب نصفهم (284 نائبًا) وفق نظام "القائمة المطلقة المغلقة" موزعين على 4 قوائم، بينما يُنتخب النصف الآخر عبر النظام الفردي في 284 دائرة. وترى قوى المعارضة أن الإبقاء على النظام الحالي يتجاهل المقترحات التي طُرحت خلال جلسات الحوار الوطني، خصوصًا الدعوات لاعتماد "القائمة النسبية المفتوحة" وزيادة عدد المقاعد بما يحقق تمثيلًا أوسع، فضلًا عن آليات لضبط الإنفاق الانتخابي الذي بات، وفق تقديراتهم، عاملًا حاسمًا في تشكيل الخريطة البرلمانية. تهميش الحوار انتقد رئيس حزب العدل وعضو مجلس النواب عبد المنعم إمام، التعديلات بشدة، وقال إنها "لا تمسّ من قريب أو بعيد مطالب معظم الأحزاب السياسية، خاصة رفض نظام القائمة المغلقة". وأضاف إمام في حديثه للجزيرة نت أن المزج المتوازن بين نظامي القائمة النسبية والفردي كان سيمنح الأحزاب فرصة حقيقية للمنافسة، غير أن القانون بصيغته الحالية يخدم مصالح "المال والنفوذ"، ويحول دون تطور الحياة السياسية، على حد تعبيره. ووصف إمام التعديلات الجغرافية بأنها "تجميلية لا تمس جوهر النظام الانتخابي"، معتبرا أن القانون المقترح يعزز الهيمنة السياسية والمالية على الحياة النيابية، وبالتالي يُغلق الباب أمام برلمان يعكس تطلعات المواطنين. وسط أروقة المعارضة، يسود غضب متصاعد، وأكدت مصادر سياسية للجزيرة نت أن أحزاب "التيار المدني الديمقراطي" تدرس عقد مؤتمر صحفي خلال أيام، للإعلان عن موقف نهائي بشأن المشاركة أو مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقررة نهاية العام الجاري. ولا تقتصر خيارات المعارضة على المقاطعة، إذ تشير المصادر نفسها إلى وجود اتجاه لتشكيل فريق قانوني للطعن في دستورية القانون أمام المحكمة الدستورية العليا، على خلفية ما تصفه بـ"الخلل الجوهري في تمثيل فئات الشعب، ومخالفة نصوص دستورية تؤكد على التعددية والعدالة في التمثيل". إعلان من جانبه، وصف عضو الهيئة العليا لحزب المحافظين مجدي حمدان، التعديلات بأنها "عدوان تشريعي على مخرجات الحوار الوطني"، معتبرا أن المشروع يمثل "دفنًا لمحاولات إصلاح سياسي حقيقي"، حسب تعبيره. وقال حمدان في حديث للجزيرة نت إن القانون الانتخابي "فُصل على مقاس أحزاب الموالاة" بهدف إحكام السيطرة على مخرجات الانتخابات، مشيرا إلى أن رفع تأمين الترشح من 3 آلاف إلى 30 ألف جنيه يعزز نفوذ المال السياسي ويُقصي غير القادرين على المنافسة. وأضاف أن غياب التوازن واضح، مستشهدا بدائرة "إمبابة" التي تضم أكثر من 5 ملايين ناخب وتُمثَّل بمقعدين فقط، مقارنة بـ4 مقاعد لدائرة البدرشين ذات الكثافة السكانية الأقل، وفق وصفه. أزمة تمثيل وفي السياق ذاته، اعتبر الرئيس السابق لحزب الدستور وعضو التيار المدني الديمقراطي علاء الخيام، أن التعديلات المطروحة "تجسد إرادة السلطة في مصادرة السياسة وقتل التعددية"، مشيرا إلى أن البرلمان المقبل سيكون -برأيه- نسخة مكررة من برلمانات سابقة "فشلت في تمثيل الشارع أو مساءلة السلطة التنفيذية". وأضاف الخيام للجزيرة نت أن "ما يجري من تعديلات شكلية في تقسيم الدوائر ليس سوى إعادة تدوير للعبة القديمة بأدوات جديدة"، منتقدا تجاهل مقترحات القوى السياسية في الحوار الوطني، لاسيما الدعوات لتبني نظام أكثر تمثيلا وتنوعًا. وأكد أن رفض القائمة النسبية يعكس "خشية من فقدان السيطرة"، إذ إن النسبية تتيح دخول أصوات معارضة وتحد من تأثير المال السياسي، مشددا على أن البرلمان القادم مهدد بأن يتحول إلى "قاعة تصفيق لا أكثر"، على حد وصفه. السلطة تدافع في المقابل، دافع رئيس الهيئة البرلمانية لحزب "مستقبل وطن" عبد الهادي القصبي عن مشروع القانون، معتبرًا أن التعديلات "محدودة للغاية"، وتمت مراعاة التغيرات الديموغرافية والجغرافية بناء على بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. إعلان وأضاف القصبي في تصريحات صحفية أن تقسيم القائمة إلى 4 دوائر يحقق تغطية جغرافية شاملة، نافيًا وجود نية لتقليص المنافسة أو تجاهل نتائج الحوار الوطني. من جهته، قال عضو مجلس الشيوخ عن حزب الشعب الجمهوري محمد الرشيدي إن موافقة لجنة الشؤون التشريعية بمجلس النواب على مشروعي تعديل قانوني النواب والشيوخ تعكس "حرص الدولة على تطوير البنية التشريعية بما يواكب المتغيرات الحالية". وأوضح الرشيدي -في منشور على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك – أن التعديلات المقترحة تحقق توازنا بين النظامين الفردي والقائمة، وتضمن مشاركة أوسع للمرأة والشباب وذوي الهمم والمصريين بالخارج، مما يُعد أحد ركائز العدالة السياسية، وفق تعبيره. واختتم الرشيدي تصريحه بالتأكيد على أن مشروع القانون يُمثل خطوة جديدة في مسار الإصلاح السياسي، مشددا على أهمية متابعة تنفيذ هذه التعديلات لضمان تحقيق الأهداف المرجوة منها.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
النزعة الفردانية وهدم الكيان الأسري.. قراءة في إفلاس الحداثة
شهد العالم في العصر الحديث تحولات عميقة أثرت في أنماط التفكير والسلوك الاجتماعي؛ وكان من أبرزها بروز المشروع العلماني كأحد الأيديولوجيات التي حملت وعودًا بالتحرر والتقدم، والانعتاق من القيود الدينية والتقليدية. ورغم الإنجازات التي حققها المشروع العلماني في مجالات متعددة، فإنه لم يكن بمنأى عن خلق تداعيات معقدة تركت أثارًا واضحة، كان أبرزها تلك التي طالت بنية الأسرة ووحدة المجتمع؛ فقد تصادمت قيم الفردانية والليبرالية مع ركائز الروابط الجماعية، ما أثر على التركيبة الاجتماعية المستقرة. في هذا السياق، يأتي هذا المقال لطرح قراءة نقدية للمشروع العلماني من خلال استعراض تأثيره على الفرد والأسرة، وتسليط الضوء على التناقض الجوهري بين شعارات التحرير التي رفعها، وبين النتائج الاجتماعية التي أفرزها. وينقسم هذا النقد إلى ثلاثة عناوين رئيسية: الفردانية الحداثية.. بين تحرير الفرد وتفكك الجماعة: يتناول هذا العنوان الجذور الفكرية للفردانية الحديثة وكيف ساهمت في تآكل الروابط الجماعية، مع التركيز على أثرها المباشر على الأسرة بصفتها ركيزة أساسية للمجتمع. الأسرة في مواجهة العلمنة.. إعادة صياغة العلاقات تحت مظلة الحقوق: يناقش هذا العنوان تدخلات المشروع العلماني في إعادة تشكيل الأدوار والوظائف داخل الأسرة، وتبني منظومة قيم جديدة بذريعة الحيادية والعدالة، ما أدى إلى زعزعة استقرار الهيكل التقليدي لها. إفلاس الحداثة من الحفاظ على وحدة الأسرة: نختم النقاش بتحليل تداعيات فشل الطرح الحداثي في حماية الأسرة كوحدة أخلاقية وإنسانية متماسكة، مبرزين الأزمات الواقعية التي عانى منها المجتمع كنتيجة لهذا الفشل. من خلال هذه العناوين، تهدف الدراسة إلى فتح مساحة للتأمل والنقاش حول أثر العلمنة على أساسيات البنية الأسرية. هذا الطرح لا يأتي من منطلق أيديولوجي متحيز أو مواقف جامدة، بل ينطلق من نظرة نقدية تسعى لإعادة التوازن، وإيجاد صيغة تحفظ القيم التاريخية، التي كانت بمثابة صمام أمان لتماسك الإنسان والمجتمع عبر الأزمنة. ظهرت الفردانية كإحدى الركائز الأساسية للفلسفة الحداثية، حيث أعادت تعريف الإنسان وموقعه في الوجود، بعد أن كان تحديد هويته في القرون السابقة يعتمد على انتماءاته الدينية أو الاجتماعية أو العائلية. هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل جاء كرد فعل طبيعي على الهيمنة الدينية والقيود الاجتماعية الصارمة، التي ميزت أوروبا خلال العصور الوسطى. قاد هذا التغييرَ مجموعةٌ من كبار مفكري العقد الاجتماعي والتنوير.. ديكارت -على سبيل المثال- جعل الأنا الأعلى أساسًا لكل يقين فلسفي، بينما صاغ جون لوك رؤية للإنسان باعتباره مالكًا لحريته وجسده بشكل طبيعي، أما جان جاك روسو فقد رسخ مفهومًا جديدًا يعتبر الفرد مصدر السيادة، وليس الجماعة أو الدين. ومع تطور الأفكار الليبرالية، ارتفعت مكانة الحرية الفردية إلى مصاف الحقوق المقدسة، وأصبحت القوانين مستندة بشكل أساسي إلى حماية حقوق الأفراد على حساب أولوية الجماعة. أسهم تركز الحداثة حول الفرد في تقليص دور الأسرة كمركز اجتماعي، حيث أُفسح المجال أمام القيم الفردية -مثل الاستقلالية والاختيار- لتكون بديلًا عن قيم الالتزام والتضامن.. أصبح الزواج علاقة تعتمد على الشروط، فيما باتت الأبوة خيارًا اجتماعيًا بدلًا من كونها مسؤولية وجودية. ومع صعود الأسرة القائمة على الفرد، تراجعت الروابط الجماعية والانتماءات، ما نتج عنه شخص منعزل يعاني من الوحدة والاضطرابات، في مشهد يعكس فشل الحداثة في الحفاظ على التماسك الاجتماعي. أعيد تفسير مفهوم الأسرة في سياق العلمنة، لتعرَّف بوصفها عقدًا مدنيًا بين أفراد مستقلين، بدلًا من كونها رابطة قائمة على قيم مشتركة وأدوار متكاملة، وبرزت مفاهيم جديدة مثل "الحقوق الفردية داخل الأسرة"، التي أعادت صياغة ديناميكيات العلاقات الأسرية، ما أضعف مركزية الأبوة والأمومة، وأرسى سلطة القانون فوق التقاليد العائلية. بهذا التحول، أصبح تدخل الدولة في شؤون الأسرة مشروعًا، مدعومًا بمبررات حماية الحريات الفردية، خصوصًا فيما يتعلق بعلاقات الزوجين وتربية الأبناء. هذا التطور أدى إلى تآكل الروابط الداخلية للأسرة، واستُبدلت بها أنظمة قانونية جامدة ومجردة. وسط هذا التغيير، تحولت العلاقة بين الرجل والمرأة من شراكة تكاملية إلى ميدان صراع يدور حول الحقوق، ما أفضى إلى توترات مستمرة داخل الأسرة. في الوقت ذاته، تم تقليص دور المرجعيات الدينية والأعراف الأخلاقية في تربية الأطفال، لصالح تعزيز خطاب الحياد القيمي وحرية الاختيار. ونتيجة لذلك، فقدت الأسرة دورها العميق ككيان تربوي ومعنوي، لتتحول إلى مجرد وحدة معيشية تجمعها الضرورة أكثر من الروابط المعنوية.. ورغم تقديم هذا التحول على أنه شكل من أشكال التحرر، فإنه ساهم فعليًا في إضعاف الأسرة كركيزة للهوية والاستقرار. على الرغم من وعود الحداثة بتأسيس مجتمع إنساني أكثر إنصافًا، فإنها فشلت في الحفاظ على تماسك الأسرة، حيث سيطرت القوانين الشكلية على الروابط العاطفية والمعنوية.. أُهملت القيم الروحية والالتزام الأخلاقي، ما أدى إلى تراجع مشاعر المسؤولية والتضحية داخل الأسرة، ولم يعد الاستقرار والمودة مقياسين للنجاح الأسري، بل حل محلهما التركيز على "الحقوق المكتسبة" و"الفائدة الفردية". هذه النظرة المادية أوجدت علاقات ضعيفة لا تقوى على مواجهة الضغوط، وساهمت في تفكك الأسر بشكل لم يُشهد له مثيل من قبل. من منظور إنساني، تفقد الأسرة الحديثة دورها كملاذ نفسي وقيمي، وتتحول إلى إطار إداري يفتقر للمعنى والدفء. يتزايد الشعور بالعزلة والانفصال، حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، ما يعكس خللًا عميقًا في هندسة العلاقات. وفشل الحداثة لا يكمن فقط في النتائج، بل في إقصائها لمصادر المعنى والارتباط الإنساني العميق. وهكذا، يظهر أن المشروع الحداثي بحاجة لمراجعة قيمية شاملة، تعيد للأسرة دورها التربوي والوجداني.