
عيد الفطر: مناسبة واحدة بطقوس وتقاليد متنوعة
يحتفل المسلمون حول العالم بقدوم عيد الفطر، وذلك بعد 30 يوماً من الصيام والتعبد في شهر رمضان، إذ يحتفلون فيه بإفطارهم بعد إتمامهم لفريضة الصيام.
ويُمثّل عيد الفطر الذي يأتي في الأول من شهر شوال من كل عام وفق التقويم الهجري، مناسبة دينية واجتماعية، ويستمر لمدة ثلاثة أيام إذ يعد فرصة لتجمع العائلات وتبادل التهاني. ورغم تشابه المسلمين في كثير من العادات والتقاليد الخاصة باحتفالات عيد الفطر، إلا أن هناك بعض العادات المتوارثة التي تميز كل بلد عربي عن غيره.
بيت العائلة و "الكليجة"
في العراق، العيد له عاداته وطقوسه الشعبية الخاصة به إذ تقول السيدة العراقية فريال السامرائي: "تتناول أغلب العائلات العراقية الفطور الصباحي الذي يتكون من طبق (الكاهي والقيمر) حيث يُعتبر هذا الطبق إحدى الأكلات العراقية المشهورة التي اعتادتها الأسر العراقية كوجبة إفطار رئيسية أيام الأعياد والعطل الرسمية".
والكاهي هو نوع من الفطائر الهشة، يشبه "الفطير المشلتت" في مصر، أما القيمر فهو القشطة العراقية الدسمة، ويعتبر حليب الجاموس الموجود في أهوار العراق والمدن الأخرى المطلة على النهر، هو الحليب المفضل في صناعة القيمر.
وتضيف السامرائي أن الشاي العراقي له حضور على مائدة العراقيين إذ يتم إضافة الهيل إليه وإعداده بطريقة خاصة تُعرف بـ "تخدير الشاي" ويكون له مذاق مميز في صباح العيد.
وتقول السامرائي: "إن من التقاليد التي يحرص العراقيون على القيام بها في عيد الفطر زيارة بيت العائلة أو بيت الوالدين وهو أول بيت يزوره العراقيون حيث يتناولون حلوى (الكليجة) المكونة من أنواع عدة كالتمر والجوز ثم يجتمعون على مائدة الغداء لتناول أكلة الدولمة (المحاشي)، ومن ثم ينطلقون لتقديم المعايدة للأقارب".
Reuters
ويمثل العيد للأطفال في العراق فرحة مختلفة إذ ينتظرون أن يفرغ الأهل من زيارة الأقارب ليتوجهوا مباشرة إلى مدينة الألعاب لقضاء أوقات ممتعة، بحسب السامرائي.
"العيدية" و"المنسف"
للعيد في الأردن نكهة مختلفة إذ تقول لينا المصري: "من أهم تقاليد العيد في الأردن العيدية، التي تُعطى للنساء والأطفال، تعبيرا عن المحبة والتقدير، ولإدخال الفرح والسرور إلى قلوبهم. كما يرتدي الأردنيون ولا سيما الأطفال منهم الملابس الجديدة".
وتضيف المصري أن العائلات غالباً ما تجتمع في منزل كبير العائلة، وذلك بعد أدائهم صلاة العيد في المساجد، ثم تستمر الزيارات لتهنئة الأقارب وخصوصاً الأم والأخوات والخالات والعمات، إضافة إلى الجيران بمناسبة العيد.
ويزداد في العيد الإقبال على الطبق الرئيسي لدى الأردنيين وهو المنسف، حيث تجتمع العائلة على الغداء لتناول طبقهم المميز.
وتبرز في كل بيت أردني موائد الحلويات البيتية والجاهزة، وفي هذا الصدد تقول المصري: "من أشهر حلوى العيد الكعك أو المعمول المصنوع من السميد أو الطحين والمحشو بالتمر أو الفستق الحلبي أو الجوز والذي يتم تجهيزه خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان، إلى جانب القهوة العربية السادة التي تقدم في دلال خاصة وتُعتبر المشروب التقليدي الساخن الذي يُقدم في العيد بنكهة الهيل".
حلوياتٌ مغربية وأزياءٌ تقليدية
وبطبيعة الحال في أيام العيد، تكون مظاهر الحياة مختلفة عن باقي أيام السنة، إذ يفرح الكثيرون بلقاء الأقارب والأصدقاء والاستمتاع بالأطعمة التي تُميز هذه المناسبة. ففي المغرب يرتبط عيد الفطر أو "العيد الصغير" كما يسميه المغاربة، بعادات وطقوس ينفرد بها عن باقي البلدان العربية، حيث يقول مصطفى الرمضاني الباحث في التراث المغربي: "يحرص المغاربة على التمسك بالطقوس والتقاليد المتوارثة عبر الأجيال سواء ما يتعلق باللباس أو العادات الاجتماعية وأيضاً على مستوى الأكل. فعلى مستوى اللباس يحرص المغاربة بمختلف أعمارهم على ارتداء الزي المغربي التقليدي المتمثل في الجلابة والجبادور والكندورة، سواء للرجال أو للنساء".
EPA
ويضيف الرمضاني: "في صباح يوم العيد يرتدي المصلون جلاليبهم التقليدية ويحملون سجادات الصلاة للتوجه صوب المساجد لأداء صلاة العيد. بعد الصلاة تجتمع العائلات على مائدة الإفطار الصباحية التي تزدان بمختلف الحلويات المغربية على غرار (كعب الغزال) و(المحنشة) و(الفقاص) و(غريبة)، وكلّها حلويات تقليدية مغربية، إلى جانب الشاي المغربي الذي لا يستطيع المغاربة الاستغناء عنه والذي يرفق بفطائر (المسمن) و(البغرير)". ويحرص المغاربة على مشاركة أطباق الحلوى المشكلة خلال هذه المناسبة مع الجيران أو عند تبادل الزيارات العائلية.
وفيما يتعلق بالزيارات وصلة الأرحام يقول الرمضاني: "يشكل عيد الفطر فرصةً لإحياء صلة الرحم وتقوية الروابط الأسرية من خلال الزيارات العائلية، وتقديم التهاني لهم بمناسبة العيد". الاحتفاء بالعيد عند المغاربة لا يتوقف عند الإفطار فقط، فمائدة غداء العيد لا تقل تميزاً، إذ تحرص الأمهات على إعداد أطباق معروفة على غرار "البسطيلة" و "الطاجين بالبرقوق" و"الدجاج المحمر". وإن صادف العيد يوم الجمعة، فلا طبق يعلو على طبق الكسكس المغربي، إذ يحرص المغاربة على تجهيز الكسكس كل يوم جمعة.
"صلاة العيد" و "الكحك والبسكويت"
أما في مصر، فيبدأ الاحتفال بعيد الفطر بـ"صلاة العيد"، إذ يقول أكرم يوسف: "تذهب الأسر كبارها مع صغارها إلى الأماكن المجهزة لصلاة العيد، وهم يرتدون الملابس الجديدة، وبعد الانتهاء من الصلاة يهنئون بعضهم البعض، ثم تأتي وجبة الإفطار العائلية التي يجتمع حولها الآباء والأمهات في بيت الجد والجدة ومن ثم يخرجون لزيارة الأقارب والأصدقاء للتهنئة بالعيد".
EPA
ومن ضمن احتفالات المصريين بعيد الفطر المأكولات التي يفضلون تناولها وأبرزها: (الكحك) أو (الكعك) والبكسويت و(الغُريبة). وفي هذا الشأن، يقول يوسف: "يعتبر الكحك والبسكويت من أشهر المأكولات المصرية التي يهتم المصريون بإعدادها وتجهيزها وهي نوع من أنواع الحلويات والمخبوزات. كما تتناول معظم العائلات المصرية على الغداء وتحديداً في ثاني أيام العيد ما يُعرف بـ (الفسيخ) وهو أحد الأكلات المصرية الموسمية، التي تتكون من سمك مملح يعد من سمك البوري، ويتناوله المصريون في يوم شم النسيم، وكذلك في العيد".
و(الكحك) أو الكعك هو عبارة عن دقيق وخميرة وزبدة ويتم حشوه بما يُعرف بـ "الملبن" ويُرش فوقه السكر المطحون والذي تحرص النساء على تجهيزه بأشكال متنوعة، بمشاركة أفراد الأسرة والجيران.
ويُعتبر الأطفال الفئة الأكثر فرحاً وابتهاجا بقدوم العيد، حيث يقول يوسف: "ينتظر الأطفال قدوم العيد للخروج والتنزه في الحدائق ومدينة الملاهي وممارسة الألعاب المختلفة إذ يشعرون بمتعة كبيرة وسعادة غامرة". ويضيف: " تُعد العيدية واحدة من أهم طقوس وعادات وتقاليد الاحتفال بالعيد في مصر إذ يحصل الصغار على العيدية من الكبار في العائلة كالأبوين والجدين والأعمام والعمات والأخوال والخالات".
وبحسب يوسف، فإن المصريين غالباً ما يقومون بالتجهيز المسبق لعيد الفطر إذ يقومون بتنظيف البيوت وترتيبها وتزيينها لتبدو أجمل في العيد لاستقبال الأقارب والضيوف الزائرين للتهنئة بهذه المناسبة.
ويبقى في النهاية لكل بلد طقوسه وتقاليده الخاصة به بنكهته المختلفة وطعمه المميز، لتجعل من عيد الفطر عيداً واحداً متعدد الألوان بتعدد الشعوب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
٣٠-٠٣-٢٠٢٥
- شفق نيوز
عيد الفطر: مناسبة واحدة بطقوس وتقاليد متنوعة
يحتفل المسلمون حول العالم بقدوم عيد الفطر، وذلك بعد 30 يوماً من الصيام والتعبد في شهر رمضان، إذ يحتفلون فيه بإفطارهم بعد إتمامهم لفريضة الصيام. ويُمثّل عيد الفطر الذي يأتي في الأول من شهر شوال من كل عام وفق التقويم الهجري، مناسبة دينية واجتماعية، ويستمر لمدة ثلاثة أيام إذ يعد فرصة لتجمع العائلات وتبادل التهاني. ورغم تشابه المسلمين في كثير من العادات والتقاليد الخاصة باحتفالات عيد الفطر، إلا أن هناك بعض العادات المتوارثة التي تميز كل بلد عربي عن غيره. بيت العائلة و "الكليجة" في العراق، العيد له عاداته وطقوسه الشعبية الخاصة به إذ تقول السيدة العراقية فريال السامرائي: "تتناول أغلب العائلات العراقية الفطور الصباحي الذي يتكون من طبق (الكاهي والقيمر) حيث يُعتبر هذا الطبق إحدى الأكلات العراقية المشهورة التي اعتادتها الأسر العراقية كوجبة إفطار رئيسية أيام الأعياد والعطل الرسمية". والكاهي هو نوع من الفطائر الهشة، يشبه "الفطير المشلتت" في مصر، أما القيمر فهو القشطة العراقية الدسمة، ويعتبر حليب الجاموس الموجود في أهوار العراق والمدن الأخرى المطلة على النهر، هو الحليب المفضل في صناعة القيمر. وتضيف السامرائي أن الشاي العراقي له حضور على مائدة العراقيين إذ يتم إضافة الهيل إليه وإعداده بطريقة خاصة تُعرف بـ "تخدير الشاي" ويكون له مذاق مميز في صباح العيد. وتقول السامرائي: "إن من التقاليد التي يحرص العراقيون على القيام بها في عيد الفطر زيارة بيت العائلة أو بيت الوالدين وهو أول بيت يزوره العراقيون حيث يتناولون حلوى (الكليجة) المكونة من أنواع عدة كالتمر والجوز ثم يجتمعون على مائدة الغداء لتناول أكلة الدولمة (المحاشي)، ومن ثم ينطلقون لتقديم المعايدة للأقارب". Reuters ويمثل العيد للأطفال في العراق فرحة مختلفة إذ ينتظرون أن يفرغ الأهل من زيارة الأقارب ليتوجهوا مباشرة إلى مدينة الألعاب لقضاء أوقات ممتعة، بحسب السامرائي. "العيدية" و"المنسف" للعيد في الأردن نكهة مختلفة إذ تقول لينا المصري: "من أهم تقاليد العيد في الأردن العيدية، التي تُعطى للنساء والأطفال، تعبيرا عن المحبة والتقدير، ولإدخال الفرح والسرور إلى قلوبهم. كما يرتدي الأردنيون ولا سيما الأطفال منهم الملابس الجديدة". وتضيف المصري أن العائلات غالباً ما تجتمع في منزل كبير العائلة، وذلك بعد أدائهم صلاة العيد في المساجد، ثم تستمر الزيارات لتهنئة الأقارب وخصوصاً الأم والأخوات والخالات والعمات، إضافة إلى الجيران بمناسبة العيد. ويزداد في العيد الإقبال على الطبق الرئيسي لدى الأردنيين وهو المنسف، حيث تجتمع العائلة على الغداء لتناول طبقهم المميز. وتبرز في كل بيت أردني موائد الحلويات البيتية والجاهزة، وفي هذا الصدد تقول المصري: "من أشهر حلوى العيد الكعك أو المعمول المصنوع من السميد أو الطحين والمحشو بالتمر أو الفستق الحلبي أو الجوز والذي يتم تجهيزه خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان، إلى جانب القهوة العربية السادة التي تقدم في دلال خاصة وتُعتبر المشروب التقليدي الساخن الذي يُقدم في العيد بنكهة الهيل". حلوياتٌ مغربية وأزياءٌ تقليدية وبطبيعة الحال في أيام العيد، تكون مظاهر الحياة مختلفة عن باقي أيام السنة، إذ يفرح الكثيرون بلقاء الأقارب والأصدقاء والاستمتاع بالأطعمة التي تُميز هذه المناسبة. ففي المغرب يرتبط عيد الفطر أو "العيد الصغير" كما يسميه المغاربة، بعادات وطقوس ينفرد بها عن باقي البلدان العربية، حيث يقول مصطفى الرمضاني الباحث في التراث المغربي: "يحرص المغاربة على التمسك بالطقوس والتقاليد المتوارثة عبر الأجيال سواء ما يتعلق باللباس أو العادات الاجتماعية وأيضاً على مستوى الأكل. فعلى مستوى اللباس يحرص المغاربة بمختلف أعمارهم على ارتداء الزي المغربي التقليدي المتمثل في الجلابة والجبادور والكندورة، سواء للرجال أو للنساء". EPA ويضيف الرمضاني: "في صباح يوم العيد يرتدي المصلون جلاليبهم التقليدية ويحملون سجادات الصلاة للتوجه صوب المساجد لأداء صلاة العيد. بعد الصلاة تجتمع العائلات على مائدة الإفطار الصباحية التي تزدان بمختلف الحلويات المغربية على غرار (كعب الغزال) و(المحنشة) و(الفقاص) و(غريبة)، وكلّها حلويات تقليدية مغربية، إلى جانب الشاي المغربي الذي لا يستطيع المغاربة الاستغناء عنه والذي يرفق بفطائر (المسمن) و(البغرير)". ويحرص المغاربة على مشاركة أطباق الحلوى المشكلة خلال هذه المناسبة مع الجيران أو عند تبادل الزيارات العائلية. وفيما يتعلق بالزيارات وصلة الأرحام يقول الرمضاني: "يشكل عيد الفطر فرصةً لإحياء صلة الرحم وتقوية الروابط الأسرية من خلال الزيارات العائلية، وتقديم التهاني لهم بمناسبة العيد". الاحتفاء بالعيد عند المغاربة لا يتوقف عند الإفطار فقط، فمائدة غداء العيد لا تقل تميزاً، إذ تحرص الأمهات على إعداد أطباق معروفة على غرار "البسطيلة" و "الطاجين بالبرقوق" و"الدجاج المحمر". وإن صادف العيد يوم الجمعة، فلا طبق يعلو على طبق الكسكس المغربي، إذ يحرص المغاربة على تجهيز الكسكس كل يوم جمعة. "صلاة العيد" و "الكحك والبسكويت" أما في مصر، فيبدأ الاحتفال بعيد الفطر بـ"صلاة العيد"، إذ يقول أكرم يوسف: "تذهب الأسر كبارها مع صغارها إلى الأماكن المجهزة لصلاة العيد، وهم يرتدون الملابس الجديدة، وبعد الانتهاء من الصلاة يهنئون بعضهم البعض، ثم تأتي وجبة الإفطار العائلية التي يجتمع حولها الآباء والأمهات في بيت الجد والجدة ومن ثم يخرجون لزيارة الأقارب والأصدقاء للتهنئة بالعيد". EPA ومن ضمن احتفالات المصريين بعيد الفطر المأكولات التي يفضلون تناولها وأبرزها: (الكحك) أو (الكعك) والبكسويت و(الغُريبة). وفي هذا الشأن، يقول يوسف: "يعتبر الكحك والبسكويت من أشهر المأكولات المصرية التي يهتم المصريون بإعدادها وتجهيزها وهي نوع من أنواع الحلويات والمخبوزات. كما تتناول معظم العائلات المصرية على الغداء وتحديداً في ثاني أيام العيد ما يُعرف بـ (الفسيخ) وهو أحد الأكلات المصرية الموسمية، التي تتكون من سمك مملح يعد من سمك البوري، ويتناوله المصريون في يوم شم النسيم، وكذلك في العيد". و(الكحك) أو الكعك هو عبارة عن دقيق وخميرة وزبدة ويتم حشوه بما يُعرف بـ "الملبن" ويُرش فوقه السكر المطحون والذي تحرص النساء على تجهيزه بأشكال متنوعة، بمشاركة أفراد الأسرة والجيران. ويُعتبر الأطفال الفئة الأكثر فرحاً وابتهاجا بقدوم العيد، حيث يقول يوسف: "ينتظر الأطفال قدوم العيد للخروج والتنزه في الحدائق ومدينة الملاهي وممارسة الألعاب المختلفة إذ يشعرون بمتعة كبيرة وسعادة غامرة". ويضيف: " تُعد العيدية واحدة من أهم طقوس وعادات وتقاليد الاحتفال بالعيد في مصر إذ يحصل الصغار على العيدية من الكبار في العائلة كالأبوين والجدين والأعمام والعمات والأخوال والخالات". وبحسب يوسف، فإن المصريين غالباً ما يقومون بالتجهيز المسبق لعيد الفطر إذ يقومون بتنظيف البيوت وترتيبها وتزيينها لتبدو أجمل في العيد لاستقبال الأقارب والضيوف الزائرين للتهنئة بهذه المناسبة. ويبقى في النهاية لكل بلد طقوسه وتقاليده الخاصة به بنكهته المختلفة وطعمه المميز، لتجعل من عيد الفطر عيداً واحداً متعدد الألوان بتعدد الشعوب.


شفق نيوز
١٧-٠٣-٢٠٢٥
- شفق نيوز
كيف احتفل أطفال الخليج بقرقيعان؟
في ليلة منتصف شهر رمضان، تقيم الأسر الخليجية احتفالا لتكريم أطفالهم ومكافأتهم على صيامهم، ولتشجيعهم على الاستمرار في صيام النصف الباقي. ففي طقس يشبه الاحتفال الغربي بعيد "الهالويين"، يطوف أطفال الخليج حول المنازل القريبة وهم يرتدون الأزياء التراثية ويحملون أكياساً من القماش، يطرقون الأبواب طمعاً في الحصول على الحلوى والمكسرات، مرددين أغنيات وأهازيج منها "قرقاعون عادت عليكم"، و"عطونا الله يعطيكم، بيت مكة يوديكم، يا مكة يالمعمورة، يا ام السلاسل والذهب يا نورة". وتختلف تسمية الاحتفال بين الدول الخليجية، ففي قطر يُعرف بـ"القرنقعوه"، وفي الكويت والجانب الشرقي من السعودية يُسمى "القرقيعان"، والبعض يسميه "القريقعان" بتقديم القاف الثانية على الياء، بينما يطلق عليه المسلمون في عُمان "القرنقشوه". وقد اختلفت الأسباب في أصل التسمية، فالبعض يقول إن " قرقيعان " لفظ عامي مأخوذٌ من قرع الباب، لأن الأطفال يقومون بقرع أبواب البيوت في هذه المناسبة. في حين يرى البعض أن الكلمة مشتقة من "قرة العين"، وهي تعبير عن سرور الإنسان وفرحه بالذرية، استلهاماً من آية قُرآنية بهذا المعنى. ويرجع البعض لفظها إلى المعنى اللغوي المشتق من إحداث صوت كصوت وقوع الحديد على الحديد الذي يطلق عليه القرقعة. وفي العراق تُسمى هذه العادة أيضاً بالماجينة، إلى جانب تسميتها "قريقعان" مرددين أهزوجة تقول كلماتها: بيت مكة يوديكم ويحتفل الشيعة في الخليج بهذه المناسبة، التي يُرجعون أصلها إلى أكثر من 1400 عام، مع الفرحة بذكرى مولد الإمام الحسن، أول حفيد لمحمد نبي الإسلام، الذي تشير كتب التاريخ إلى أنه ولد في منتصف رمضان، في السنة الثالثة للهجرة. ونشر المغردون صوراً للأولاد في الشوارع الخليجية وهم يحملون أكياسا أو سلالاً في انتظار ملئها بالحلوى والمكسرات، ويضربون على الطبول ويرددون أناشيد شعبية. هل هناك "إفراط" في الاحتفال؟ كان الاحتفال يتسم بشراء المكسرات والحلويات البسيطة لتوزيعها على الأطفال. ومع مرور الزمن، تغيرت طرق الاحتفال بالمناسبة؛ حيث بدأت بعض المؤسسات التجارية والجمعيات الخيرية بتنظيم احتفالات واسعة. كما انتقد البعض التنافس بين بعض الأسر في كيفية عرض الأكياس التي يحملها الأطفال وتغليفها، إضافة إلى استفادة المحلات التجارية بعرض علب فاخرة بأسعار باهظة. ويرى البعض أن النشاطات الترفيهية التي ترافق الاحتفالات، كنقش الحنّة على أكفّ البنات وتلوين الوجوه والألعاب الشعبية الخليجية، يعد "إلهاء" عن المعنى الأصلي للاحتفال.


شفق نيوز
٢٨-٠٢-٢٠٢٥
- شفق نيوز
عادات المصريين في رمضان كما وصفها الرحّالة والمستشرقون
حظي شهر رمضان باهتمام كبير في كتابات الرحّالة والمستشرقين الذين زاروا مصر على مدار العصور المختلفة، إذ وجدوا في طقوسه ومظاهره الاحتفالية والدينية على حد سواء مصدراً للدهشة، لاسيما وأنه شهر تتغير فيه ملامح الحياة اليومية وإيقاعها بشكل جذري بين المصريين، إذ تمتزج فيه الروحانيات الدينية بمظاهر احتفالية فريدة تنبض بالحياة. ولم يغفل هؤلاء الرحّالة والمستشرقون تسجيل أدق التفاصيل عن عادات المصريين في هذا الشهر، مثل "الفوانيس" المضيئة في الشوارع والمساجد، و"مدفع" الإفطار، و"موائد الرحمن" التي تجسد روح التكافل الاجتماعي وغيرها من المظاهر الاحتفالية الخاصة، مما جعل شهر رمضان تجربة استثنائية في ذاكرة كل من زار مصر، فجاءت كتاباتهم حافلة بشهادات ورؤى حفظت لنا صورة تاريخية حيّة، غلبت عليها الدقة وطرافة الوصف في ذات الوقت. ويمكن تقسيم الرحّالة الذين زاروا مصر إلى قسمين، منهم الرحّالة العرب المسلمون الذين رصدوا عادات وتقاليد المصريين بعين المسلم الذي يألف ما يراه، والعالم ببواطن الأمور الشرقية لغوياً ودينياً، من أمثال الرحّالة ابن الحاج، وابن جبير، وناصر خسرو، وابن بطوطة، ومنهم الرحّالة الأجانب الذين نعرض لهم بعض شهادات كتبوها خلال زياراتهم لمصر، حملت في كثير من الأحيان طابع الدهشة لاعتبارات الاغتراب الديني والثقافي، فاجتهدوا في رسم صورة للقاريء الأوروبي لشهر الصيام رغم حاجز الفروق اللغوية وجهل بعض الأحداث في سياقاتها الإسلامية. "رؤية الهلال" رصد المستشرق الإنجليزي إدوارد وليام لين، الذي زار مصر وأقام بها بضع سنوات، عادات المصريين في دراسته الشهيرة بعنوان "عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم" بين عامي 1833-1835، وقدم صورة تفصيلية مطولة لاستطلاع هلال شهر رمضان في زمنه. ويقول وليام لين: "بعد أن يصل الخبر اليقين لرؤية القمر (الهلال) إلى محكمة القاضي، ينقسم الجنود والمحتشدون فرقاً عديدة، ويعود فريق منهم إلى القلعة بينما تطوف الفرق الأخرى في أحياء مختلفة في المدينة ويهتفون (يا أتباع أفضل خلق الله! صوموا، صوموا)". ويضيف: "إذا لم يروا القمر في تلك الليلة، يصيح المنادي (غدا شعبان، لا صيام، لا صيام)، ويمضي المصريون وقتاً كبيراً في تلك الليلة يأكلون ويشربون ويدخّنون، وترتسم البهجة على وجوههم كما لو كانوا تحرروا من شقاء يوم صيام". وكان علماء الحملة الفرنسية في مصر (1798-1801) قد سبقوا وليام لين في تقديم صورة حّية عن حياة المصريين، من بينهم العالم إدم-فرانسوا جومار في دراسته بعنوان "وصف مدينة القاهرة وقلعة الجبل" التي وردت ضمن مجموعة دراسات موسوعة "وصف مصر"، إذ تحدث عن صورة تفرّد بها عن سائر ما هو مألوف في كتابات الرحّالة أنفسهم. يقول جومار: "يبدأ شهر رمضان مع ميلاد هلال هذا الشهر، ويعلن عن ذلك موكب احتفالي يسبق بداية الشهر بيومين، ويتكون هذا الموكب من حشد من الرجال يحمل بعضهم مشاعل، وبعضهم يحمل عصي، ويقومون بأداء حركات مختلفة بها. ويفتتح سير الموكب عازفون يمتطون ظهور الجمال ويضربون على طبل معدنية، بينما يمتطي عازفون آخرون ظهور الحمير ويضربون كذلك على طبل أو يعزفون على بعض آلات النفخ الأكثر صخبا". "مدفع الإفطار" ارتبط المصريون بفكرة "مدفع الإفطار" وترسخت في عاداتهم وحافظوا عليها لفترة طويلة وأصبح دوي هذا المدفع مع غروب الشمس "الإشارة" التي يجتمع عليها الجميع إيذانا لبدء الإفطار بعد صيام يوم طويل، كما أصبح من السمات المميزة للمظاهر الاحتفالية في مصر طوال شهر رمضان وحده. تضاربت الآراء التاريخية من حيث نشأة تلك العادة وأجمعت الروايات، رغم اختلافها، على كونها وليدة الصدفة، أبرز تلك الروايات ما يشير إلى أن العادة ترجع إلى عهد "خوش قدم" المملوكي الذي يقال إنه أمر بتجربة مدفع وصادف ذلك الأول من رمضان عام 869 هجريا (1465 ميلاديا)، وتزامن سماع دويّه وقت الإفطار فاعتقد الأهالي أنه إعلان لتناول الطعام، وفي اليوم التالي أمر خوش قدم بتكرار العادة طوال شهر رمضان، بعد علمه باستحسان الأهالي لها. بيد أن رواية أخرى تنسب العادة إلى عهد محمد علي باشا (1769-1849 ميلاديا)، الذي صادف تجريبه مجموعة من المدافع في لحظة الغروب في يوم من أيام رمضان، فاعتقد الناس أنها إشارة تعلن بدء الإفطار، وطلبوا استمرارها في الشهر، بل وفي وقت الإمساك أيضا، واستمرت العادة واستمر المدفع يدوي بطلقاته من قلعة محمد علي في القاهرة حتى وقت قريب. ويقول البعض إن العادة تعود إلى الخديو إسماعيل، وأن أحد الجنود كان ينظف مدفعاً، فانطلقت قذيفة بالخطأ، وصادف ذلك لحظة الغروب، فاعتقد الأهالي أيضاً أنها إعلان ببدء إفطارهم، وترسخت العادة كما حدث مع الراوية السابقة المنسوبة إلى عصر محمد علي باشا. والأرجح أن العادة أقدم من الخديو إسماعيل بدليل أن الرحالة الإيرلندي ريتشارد بيرتون، الذي زار مصر عام 1853 في أواخر عهد عباس باشا الأول (1848-1854)، ذكرها في مذكرات رحلته المنشورة بعنوان "رحلة بيرتون إلى مصر والحجاز" قائلاً :"بعد نصف ساعة من منتصف الليل ينطلق مدفع السحور منبها المسلمين بوجوب الاستعداد لتناول طعام السحور وهو بمثابة إفطار مبكر. وبمجرد سماع المدفع يوقظني خادمي إذا كنت نائماً ... ويضيع أمامي بقايا وجبة المساء (الإفطار)". ويضيف بيرتون: "أظل أدخن بوهن وضعف كما لو كنت أودع صديقاً حميماً حتى ينطلق المدفع الثاني في حوالي الساعة الثانية والنصف معلناً الإمساك، ثم أنتظر أذان صلاة الفجر الذي يُرفع في شهر رمضان مبكراً شيئاً ما عن المعتاد"، ويبدو من مشاهدات بيرتون أن العادة كانت في الإمساك تقضي بإطلاق المدفع مرتين وليس مرة واحدة. ويواصل بيرتون مشاهداته: "تبدو القاهرة عند اقتراب موعد أذان المغرب (ساعة الإفطار)، وما أبطأ حلوله، وكأنها أفاقت من غشيتها، فيطل الناس من النوافذ والشرفات ليرقبوا اقتراب ساعة خلاصهم، وبعض الناس يصلون ويبتهلون وآخرون يسبّحون بينما آخرون يتجمعون في جماعات أو يتبادلون الزيارات لقتل الوقت حتى يحين موعد الإفطار". ويضيف: "يا للسعادة! أخيرا انطلق مدفع الإفطار من القلعة. وفي الحال يجلجل المؤذن بأذانه الجميل داعيا الناس إلى أداء الصلاة، وينطلق صوت المدفع الثاني من قصر العباسية (نسبة لعباس باشا الأول). ويصيح الناس (الإفطار الإفطار) وتعم همهمة الفرح في أنحاء القاهرة الصامتة". "فانوس رمضان" يعد فانوس رمضان واحدا من أبرز المظاهر الاحتفالية في هذا الشهر، ولايزال يحظى بإقبال من الجميع على مدار عصور مختلفة حتى الآن، ومن أشهر الروايات التاريخية عن أسباب ارتباط الفانوس في مصر بشهر رمضان تلك الرواية التي تحدثت عن استقبال المصريين في الخامس من رمضان عام 358 هجريا الخليفة المعز لدين الله الفاطمي (931-975 ميلاديا)، الذي قدم إليها ليلا، فاستقبله أهلها وهم يحملون المشاعل المغطاة من الجوانب، والتي رجّح البعض أنها كانت اللبنة الأولى والملهمة لفكرة الفانوس المعروف حاليا، مع تطور أشكاله من عصر إلى عصر. كما تحدث آخرون عن كون الخليفة العزيز بالله الفاطمي (955-996 ميلاديا) هو أول من أمر بوضع فوانيس أمام البيوت لإضاءة الشوارع، وأن الخليفة الحاكم بأمر الله (985-1021 ميلاديا) هو أول من أمر الناس بأن يحمل كل منهم فانوساً يضيء أثناء سيره في شوارع مصر طوال شهر رمضان. وكان من أقدم الرحّالة الذين زاروا مصر ورصدوا مظاهر شهر رمضان فيها هو الأب فليكس فابري الذي قدم إلى مصر في رحلة عام 1483، وصادف بداية شهر رمضان الأول من أكتوبر/تشرين الأول، وقدم شهادة تفصيلية في دراسة بعنوان "رحلة في مصر"، ترجمها إلى اللغة الفرنسية جاك ماسون نقلا عن الأصل اللاتيني الذي كتبه الأب فابري. فعندما زار الأب فابري القاهرة رأى في شوارعها "فوانيس بمختلف أشكالها وألوانها، يحملها الكبار والصغار". وعن عادة إضاءة المساجد بالفوانيس في شهر رمضان كنوع من المظاهر الاحتفالية، يذكر المستشرق الإنجليزي وليام لين في دراسته أن المصريين، بمجرد علمهم بثبوت رؤية هلال شهر رمضان، يبدأون في تزيين المساجد بالمصابيح على خلاف المعتاد، إذ "تتلألأ الجوامع بالأنوار كما في الليالي المتعاقبة وتُعلّق الفوانيس عند مداخلها وفوق المآذن" خلال أيام الشهر. كما ذكر الرحالة الأندلسي، ابن الحاج، الذي زار مصر خلال القرن الرابع عشر الميلادي، أنه كانت من عادة المصريين في ذلك العصر تعليق الفوانيس، وكان من عادات المصريين وقتها أيضا عدم خروج المرأة ليلا في شهر رمضان أو غيره إلا ويتقدمها صبي يحمل في يده فانوسا مضاء ليعلم المارة بأن إحدى السيدات تسير كي يفسحوا لها الطريق، وفقا لما ذكره فؤاد مرسي في دراسته "معجم رمضان". "الكنافة" معشوقة المصريين احتلت الكنافة أهمية وأصبحت وثيقة الصلة بمائدة المصريين في شهر رمضان، وكان يُطلق عليها اسم "زينة موائد الملوك"، واختلفت الروايات التاريخية بشأن ارتباطها بهذا الشهر تحديدا، اشهر تلك الروايات ما يُنسب إلى "معاوية بن ابي سفيان" (608-680 ميلاديا) أنه أول من قُدمت له الكنافة من العرب كطعام للسحور، أثناء ولايته على الشام، حسبما ذُكر في كتاب "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" لابن فضل الله العمري. كما أشارت روايات إلى أن المصريين صنعوها لاستقبال المعز لدين الله الفاطمي كنوع من مظاهر الاحتفال به، صادف بعد الإفطار في شهر رمضان، فأصبحت عادة منذ ذلك الوقت، وثمة رواية أخرى تقول إن أسماء بنت خمارويه بن أحمد بن طولون، المعروفة بلقب "قطر الندى"، أول من أدخلها إلى مصر من بلاد الشام من خلال رحلاتها العديدة. بلغ اهتمام المصريين بالكنافة إلى حد جذب انتباه الرحّالة الأوروبيين الذين زاروا مصر في القرنين الـ 18 والـ 19، وتحدّثوا عنها وعن طرق إعدادها، كما اهتم بتسجيلها علماء الحلمة الفرنسية في موسوعة "وصف مصر" في الجزء الثاني من لوحات الدولة الحديثة، وقدم العالم كونتيه رسماً دقيقاً لورشة صانع الكنافة، كما خصص لها العالم الفرنسي بوديه مقالا استهله بعبارة "فن صناعة الكنافة". ويقول: "يمسك شيخ الكنفانية في يديه إناء تخترق قاعه ثقوب عديدة ... ويملأ هذا الإناء بخليط من سائل يتكون من دقيق القمح التركي أو الذرة البيضاء والبيض والماء، وعن طريق حركة دائرية يقوم بها الحرفي باليد التي تحمل الإناء تنبسط المادة متسرّبة عن طريق الثقوب على سطح صينية محماة، لتنضج في وقت قصير ثم تنفصل من تلقاء نفسها". ويضيف: "المصريون شرهون للغاية لهذا النوع من الطعام، ويأكلونه وهو شديد السخونة، وفي معظم الأحيان في المكان الذي أُعد فيه (أي في المحل نفسه)". كما قدم وليم لين وصفا موجزا في دراسته لماهية الكنافة وطريقة إعدادها كما رآها قائلا: "تقدم أحياناً أنواع عديدة من الحلويات لا دخل لها هنا بأنواع اللحوم، منها (الكنافة) وهي من أطباق الحلويات المفضّلة لدى المصريين، وهي تُصنع من دقيق القمح وفتائل العجين الدقيقة وتُقلى بقليل من الزبد المخفف ثم تُحلّى بالسكر أو العسل". زار الفرنسي دي فيلامون مصر في القرن السادس عشر عام 1589، وتطرق في تفاصيل رحلته التي نشرها بعنوان "رحلات السير دي فيلامون" إلى المواكب الدينية وحلقات قراءة القرآن في رمضان، وزينة المساجد وعمارتها، كما تحدث عن ظاهرة أشبه بما يُعرف حاليا باسم "موائد الرحمن" الخيرية التي عرفتها مصر على مدار عصورها الإسلامية حتى الآن. ويقول دي فيلامون: "يجلس (المصريون) على الأرض يتناولون الطعام في الفناء المكشوف أو أمام منازلهم، ولديهم عادة دعوة عابري السبيل إلى مشاركتهم الطعام بصدق وحفاوة". أما الفرنسي جومار فيتحدث بإيجاز شديد عن صور وطبائع المصريين في هذا الشهر قائلا: "تُقام الأعياد الدينية في القاهرة ببذخ شديد. فالناس جميعا يعلمون أن رمضان هو شهر الصيام وحينئذ لا يمكنهم الأكل أو الشرب أو التدخين أو الاستمتاع بأية تسلية بين شروق الشمس وغروبها. لكن هذا الحرمان، الذي يطول أو يقصر حسب الفصل (من عشر إلى 14 ساعة في القاهرة)، يتبعه استمتاع كاف يساعد على نسيان هذا الحرمان". ويضيف جومار: "الفرق بين صوم المسلمين وصوم المسيحيين هو أن المسلمين يحيون ليالي رمضان باحتفالات، بينما يحضرون في النهار، في جمع كبير، دروس الوعظ في المساجد بورع شديد أو يشغلون أنفسهم بالعمل أو بالنوم في أغلب الأحوال. أما في المساء فتبدو الشوارع مضاءة وصاخبة ويجتمعون في أبهى ملابس، ويأكلون بلذّة الحلوى وينغمسون في كل أنواع التسلية". ويتحدث الفرنسي غلبير جوزف دو شابرول في دراسته المستفيضة بعنوان "دراسة في عادات وتقاليد سكان مصر المحدثين" ضمن دراسات كتاب "وصف مصر" عن كيفية قضاء فئات المصريين نهار رمضان وتعاملهم مع فترة الصيام الشاقة. ويقول دو شابرول: "يسعى كل شخص في النهار قدر طاقته كي ينهي عمله في أسرع وقت، ليخصص بضع ساعات للنوم، فترى الفلاح راقداً تحت نخلة بعد أن أنهى في فترة الصباح عمله، وترى التاجر يرقد في دكانه، والعامة ممدين في الشوارع بجوار جدران مساكنهم، بينما الغني راقداً بالمثل، نعسان ينتظر على أريكته الفاخرة الفترة التي تسبق غروب الشمس، وأخيراً تأتي الساعة التي طال انتظارها، فينهضون على عجل ويهرع كل شخص للحصول على مكانه". ويضيف: "تتجمع النساء في شرفات منازلهن لرؤية غروب الشمس... وتعلن الأغنيات حلول وقت المسرات ووقت الطعام، وتدوي كل المساجد بأصوات المؤذنين الجادة تنادي الناس للصلاة، وتحدث همهمة واضطراب عام، فيتفرق الناس على الفور، وتنفض الجماعات ويتبعثر الجمع إما إلى المقاهي وإما إلى البيوت والمساجد والميادين العامة، ويأكل كل شخص بشراهة". وبعد الإفطار، يقول دو شابرول: "يعقب الطعام الاحتفالات والألعاب، وتسيطر الخلاعة الجامحة على ضروب اللهو... بينما تظل المساجد مضاءة حتى بزوغ النهار، ويقضي أفاضل الناس ليلهم في حديث نافع، لكن الجمهور يذهب إلى المقاهي حيث الرواة يقصون بحماسة ملتهبة مغامرات عجيبة تخلب الألباب بطريقة فريدة". ولم يفت وليام لين أن يتحدث عن مزاج المصريين خلال أيام الصيام، مشيرا إلى اضطراب الحالة المزاجية بحسب توقيت اليوم قائلا: "يكون المسلمون طوال صومهم في النهار نكديّ المزاج، ويتحولون في المساء بعد الإفطار إلى ودودين محبين بشكل غير عادي... ويتناول المسلمون فطورهم عامة في منازلهم ويمضون بعده بساعة أو ساعتين أحياناً إلى منزل صديق، ويرتاد بعضهم، لاسيما أبناء الطبقات الدنيا، المقاهي في المساء، فيعقدون لقاءات اجتماعية أو يستمعون إلى رواة القصص الشعبية ... ويقيم بعض علماء الدين في القاهرة حلقات ذكر في منازلهم كل ليلة طوال هذا الشهر". وعن تناقض عادات المصريين في هذا الشهر، يرصد دو شابرول تضاربا يراه غريبا يبرزه قائلا: "شهر رمضان هو أهم الأوقات التي ينغمس فيها المصريون في المسرات ومختلف ضروب اللهو، فهو شهر صيام وشهر مهرجانات. وقد يبدو من الغريب أن يختاروا (المصريون) مثل هذا التوقيت للقيام بممارسات متناقضة: التوبة وتطهير النفس من ناحية، وممارسة الملذات من ناحية أخرى". ولم تغب المرأة المصرية عن المشهد بطبيعة الحال، وتحدث عنها في الطبقة العليا قائلا: "تصل مباهج رمضان إلى معاقل النساء، ففي رمضان يُسمح للسيدات باستدعاء العوالم (الراقصات) وبعض الموسيقيين، ويجلس الزوج باسترخاء ولا مبالاة على أريكته ومبسم نارجيلته في فمه، وإلى جانبه أحب زوجاته إلى قلبه، ليستمعا معا بمتعة شديدة إلى أغنيات العوالم وصوت الموسيقى". "المسحراتي" وكما في الكثير من بلدان الشرق، تتميز مصر بمهنة "المسحّر أو (المسحراتي)" الذي يتولى إيقاظ الناس من النوم لتناول وجبة السحور قبل صلاة الفجر استعدادا ليوم صيام جديد، ويقدّم العالم الفرنسي، جيوم أندريه فيوتو، تعريفا بالغ الدقة لهذه المهنة في دراسة مهمة تناول فيها بالفحص الدقيق "الموسيقى والغناء عند المصريين المحدثين" منشورة ضمن دراسات "وصف مصر". ويقول عن المسحّر: "هم نفر لا يسمع الناس غناءهم إلا خلال شهر رمضان، ويسمون بالمسحّرين، ويوصف بهذا الاسم أولئك الذين يعلنون كل يوم طيلة شهر رمضان، عن اللحظة التي يوشك فيها نور النهار الجديد أن ينبلج من ظلام اليوم المنصرم، وهي تسمى في اللغة العربية بوقت السحور، وهي أيضا الفترة التي ينبغي أن تتم فيها آخر وجبات الليل، لذلك يطلق على هذه الوجبة (السحور) وبعد انتهاء الوجبة لا يُسمح للمسلمين أن يشربوا ولا أن يأكلوا، حتى مغرب الشمس، وهم ملزمون بمراعاة هذه الفترة بعفّة صارمة". ويستفيض وليام لين في وصف آخر لنشاط المسحّر وطريقة أداء عمله في فقرات مطولة نورد مقتطفات منها قائلا: "يدور المسحرّون كل ليلة في شهر رمضان يطلقون المدائح أمام منزل كل مسلم قادر على مجازاتهم، ويعلنون في ساعة متأخرة فترة السحور". ويضيف: "لكل منطقة في القاهرة مسحّرها الخاص الذي يبدأ جولته بعد ساعتين تقريبا من المغيب، ويحمل في يده اليسرى ما يعرف بطبلة المسحّر، وفي يده اليمنى عصا صغيرة أو سوطاً يضرب به عليها. ويرافقه صبي يحمل قنديلين في إطار من أعواد النخيل، ويتوقفان أمام منزل كل مسلم إلا الفقراء". ويضيف: "يتجول المسحّر قبل الإمساك بساعة ونصف تقريبا ليوقظ الناس أو يذكرهم بتناول الطعام في المنازل التي أُمر بإيقاظها، فيقرع الأبواب وينادي حتى يسمع سكان المنزل نداءه، ويفعل بواب كل حي الشيء نفسه في كل منزل في الحي. ولا يفرط بعضهم في الطعام عند الإفطار، ويتركون اللذائذ والأطايب الدسمة لفترة السحور، وقد يقلب بعضهم هذه القاعدة أو يساون بين الوجبتين". كما تحدث الأب فابري، عندما زار مصر في العصور الوسطى، عن مهنة المسحّر الذي يجوب القاهرة ليلا وينادي على الناس ويوقظهم لتناول وجبة السحور ووصفه فابري قائلا: "يمر ليلا في الشوارع قبل الفجر بساعتين ويدق على قطعة خشب (طبلة) وينادي على الناس ليتزوّدوا بالطعام". ويصف الفرنسي أندريه فيوتو التزام كل مسحّر بمنطقته الخاصة قائلاً: "لا يجوب أي من المسحّرين سوى الشوارع الداخلة في نطاق حيّه هو، ولذلك فلكي يُسمح له بالقيام بهذه المهمة، فإنه مُلزم بدفع رسوم (إتاوة) إلى الشخصية المنوطة بحراسة الحي". ويضيف: "بعد أن يتلو المسحّر بعض الأدعية الدينية، يبدأ بإنشاد بعض الأشعار، ويقص حكايات شعرية، ويتمنى أمنيات سعيدة لرب البيت، مستصحباً في ذلك كله طبلته الصغيرة، التي يدقها على شكل فاصلات تتكون الواحدة منها من أربع دقات متعاقبة". بيد أن وليام لين يجنح إلى تقديم مشهد نسائي لم يتحدث عنه الفرنسيون، أو ربما لم يسعفهم الوقت لرؤيته قائلا: "تضع المرأة في العديد من منازل الطبقة المتوسطة في القاهرة قطعة معدنية صغيرة (أو خمس فضات أو قرشاً أو أكثر) في قطعة من الورق، ويقذفونها من النافذة إلى المسحّر بعد أن تكون أضرمت النار في الورقة حتى يرى مكان سقوطها". ويضيف أن المسحّر بناء على ذلك "يرتل حسب رغبتها أو بملء إرادته سورة الفاتحة، وقصة قصيرة غير موزونة القافية ليسليها كقصة (الضرتّين) وشجارهما. وتبعد بعض قصصه عن باب اللياقة والاحتشام، ومع ذلك تسمعها النساء القاطنات في المنازل ذات السمعة الطيبة". يبدأ المصريون في الثُلث الأخير من شهر رمضان الاستعداد لاستقبال عيد الفطر بعادات خاصة تتداخل مع عادات الناس في رمضان، فضلا عن إحياء الأيام العشر الأواخر من شهر رمضان لرصد ليلة القدر، وعن هذه الأيام أفرد وليام لين جانباً مميزاً قدّم فيه صورة عن عادة المصريين خلالها. ويقول: "يحيي الأتقياء المتدينون آخر عشرة أيام من رمضان في نهاره ولياليه في جامع الحسين وجامع السيدة زينب (في القاهرة)، وتُعرف إحدى هذه الليالي وهي ليلة السابع والعشرين منه عامة بليلة القدر". ويضيف: "يقضي هذه الليالي بخشوع كبير بعض الأتقياء الذين لا يستطيعون التأكد أي من الليالي العشر في رمضان هي ليلة القدر، ويجعلون أمامهم وعاء فيه ماء مالح يذوقون طعمه ليروا إن بات حلو المذاق فيتأكدون أن تلك الليلة هي ليلة القدر". يظل شهر رمضان سنويا دافعا لتجلي الكثير من المعاني في الذاكرة المصرية من عبادات وفروض دينية، باعثاً للكثير من الإبداعات الفنية والمظاهر الاحتفالية، التي أصبحت وثيقة الصلة بروح الشهر وعلامته الدالة عليه في مصر وشوارعها، وإقامة الولائم وترديد الأغنيات وانتشار موائد الإفطار الجماعية وإحياء الأمسيات الدينية والفنية.