
عقوبات قاسية وغارات مُكلِفة: اقتصاد إيران تحت النار
تسبّبت الضربات الجوية الإسرائيلية والأميركية التي استهدفت منشآت نووية وعسكرية في إيران، وفقاً لتقارير، بأضرار جسيمة في البنية التحتية للطاقة والمواقع الحساسة. وتُقدَّر تكلفة إعادة إعمار تلك المنشآت بأكثر من 10 مليارات دولار، ناهيك بتعطّل النشاط الاقتصادي في المناطق المستهدفة. في طهران وأصفهان، تُسجَّل تراجعات في الحركة الاقتصادية تجاوزت 25% خلال أيام قليلة، وسط تصاعد القلق الشعبي وتزايد مخاوف المستثمرين المحليين والدوليين من مستقبل غامض، بانتظار إحصاء دقيق للخسائر الإيرانية في حرب دامت 12 يوماً.
حصل ذلك كله قي سياق اقتصادي مضطرب. فمنذ 1979، تاريخ اندلاع الثورة الإسلامية واحتجاز الرهائن الأميركيين في السفارة الأميركية في طهران، تواجه إيران واحدة من أطول حملات العقوبات الاقتصادية في التاريخ المعاصر، فرضتها الولايات المتحدة في البداية، توسعت لاحقاً لتشمل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودولاً أخرى، واستهدفت مجالات حيوية في الاقتصاد الإيراني كقطاعات النفط والغاز، والمصارف، والشحن، والتكنولوجيا، وحتى البنية التحتية.
كانت البداية بتجميد نحو 12 مليار دولار من الأصول الإيرانية، ثم توالت القوانين التنفيذية الأميركية، مثل "قانون العقوبات على إيران" الصادر في 1996، الذي حظر الاستثمار في قطاع الطاقة الإيراني بأكثر من 20 مليون دولار سنوياً. بعد ذلك، تعمّقت العقوبات عقب الكشف عن البرنامج النووي السري لإيران في أوائل الألفية، لتصل ذروتها مع فرض حظر أوروبي شامل على شراء النفط الإيراني في 2012، فهبطت صادرات النفط الإيرانية من 2,5 مليون برميل يومياً في 2011 إلى نحو 1,1 مليون برميل فقط في 2013، ثم إلى أقل من 400 ألف برميل يومياً في 2019 مع تصاعد حملة "الضغط الأقصى" الأميركية.
أدّى هذا التراجع في الصادرات النفطية إلى فقدان أهم مصدر للعملات الأجنبية، فتراجعت الإيرادات العامة، ما تسبّب بانهيار سعر صرف الريال الإيراني. في 2010، كان الدولار يساوي نحو 10 آلاف ريال، بينما تجاوز في 2024 عتبة 600 ألف ريال في السوق الموازية، بانخفاض تتجاوز نسبته 5900% في 15 سنة. لهذا الانهيار أثر مباشر في التضخم، إذ بلغ معدله السنوي نحو 46% وفق مركز الإحصاء الإيراني، فيما قدّرته مؤسسات دولية بأكثر من 55%.
اقتصادياً، تعاني إيران من تراجع حاد في ناتجها المحلي الإجمالي. فبينما بلغ الناتج نحو 568 مليار دولار في 2012، تراجع إلى ما دون 231 مليار دولار في 2020، ما يعني فقدان أكثر من 60% من قيمته الدولارية خلال 8 سنوات. وسجّل الاقتصاد معدلات نمو سالبة في سنوات عدة، مثل -6.8% في 2018، و-6.0% في 2019، ما عمّق الركود وقلّص فرص العمل والاستثمار.
لم تكن التداعيات الاجتماعية أقل حدّة: ارتفعت معدلات الفقر لتشمل أكثر من 30% من السكان، بحسب تقارير محلية، فيما تشير تقديرات غير رسمية إلى تجاوز النسبة حاجز 50% في بعض المحافظات. في موازاة ذلك، تسجّل إيران أعلى معدلات هجرة الكفاءات في الشرق الأوسط، بخسارة سنوية تقدر بـ150 ألف متخصص، أي ما يعادل هجرة رأس مال بشري يقدّر بـ150 مليار دولار سنوياً، وفق صندوق النقد الدولي.
مع الانكماش الاقتصادي وتراجع قدرة الدولة على التمويل، ازداد نفوذ الحرس الثوري في الاقتصاد. وتشير تقديرات إلى أن الحرس الثوري يهيمن على 30 إلى 40% من النشاط الاقتصادي في البلاد، ما يعزز الفساد ويضعف التنافسية ويؤدي إلى سوء توزيع الموارد.
يبدو أن العقوبات الطويلة الأمد تكبّل الاقتصاد الإيراني وتفقده كثيراً من قدراته، لكن التصعيد العسكري، على رغم إمكانات صمود الهدنة، يهدد بإدخال البلاد والمنطقة بأسرها في دوامة جديدة من التدمير الاقتصادي وعدم الاستقرار. ومع غياب مؤشرات الانفراج السياسي واستمرار الضغوط الغربية، يبدو أن الطريق أمام التعافي الإيراني ستكون أطول وأصعب مما تتوقعه القيادة في طهران.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 41 دقائق
- صدى البلد
أستاذ قانون دولي: يمنح القاهرة القدرة على التأثير في الأجندة الإقليمية والدولية
في مشهد سياسي يعكس التحركات المصرية الدؤوبة لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، تسلم وكيل مجلس النواب محمد أبو العينين، رئاسة البرلمان المصري للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، في خطوة اعتبرها مراقبون مكسبًا استراتيجيًا بالغ الأهمية على المستويين الدبلوماسي والسياسي. منصة متعددة الأطراف تفتح آفاقًا جديدة ويرى الدكتور سامي عبد العال أستاذ القانون الدولي، أن هذه الرئاسة تُعد فرصة مؤسسية نوعية لمصر لتمكين حضورها في المنصات البرلمانية الدولية، خاصة في ظل التصعيد الجيوسياسي الذي تمر به منطقة المتوسط. وأكد أن هذا المنصب يمنح القاهرة القدرة على التأثير في الأجندة الإقليمية والدولية من خلال آلية برلمانية متعددة الأطراف. كلمة أبو العينين.. رسائل واضحة في زمن معقد وفي كلمته خلال مراسم التسلم، شدد محمد أبو العينين على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهي مواقف تنسجم تمامًا بحسب عبد العال مع قواعد القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن. كما لفت أبو العينين إلى وصف الوضع في غزة بأنه "إبادة جماعية"، وهو توصيف قانوني بالغ الأهمية قد يشكل مدخلًا لتفعيل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وفقًا لنظام روما الأساسي. القانون الدولي في مواجهة الانتهاكات ويوضح الدكتور عبد العال، في تصريحات خاصة لصدى البلد، أن مثل هذا الطرح القانوني من جانب ابو العينين يعزز من الحملة الدولية لمحاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ويمنح القاهرة دورًا فاعلًا في إعادة توجيه البوصلة الأخلاقية والقانونية للمجتمع الدولي تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية. الملكية المشتركة والمسؤولية التضامنية.. رؤية مصرية منسجمة وحول مفهومي "الملكية المشتركة" و"المسؤولية التضامنية" اللذين أكد عليهما أبو العينين، أشار عبد العال إلى أنهما يشكلان جوهر الاتفاقيات الأورومتوسطية التي تقوم على التعاون في ملفات التنمية، ومواجهة التحديات مثل الهجرة غير النظامية، والإرهاب، والتغير المناخي. وأكد أن هذه المفاهيم تعكس انخراط مصر الجاد في قضايا المنطقة بروح جماعية ومسئولة. دعوة لتوظيف الرئاسة لدعم فلسطين كما شدد عبد العال على أهمية استغلال هذه الرئاسة لتقديم مبادرات ملموسة لدعم الحقوق الفلسطينية، وربط القضية الفلسطينية بأجندة التنمية الإقليمية المستدامة. وأوضح أن ذلك قد يُحرج إسرائيل أمام المجتمع الدولي، خصوصًا في ظل تنامي الأصوات الأوروبية المنددة بسلوك الاحتلال. وتسلم مصر رئاسة الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، ليس مجرد منصب بروتوكولي بل هو فرصة استراتيجية لترجمة السياسة الخارجية المصرية إلى أفعال مؤثرة على الأرض، سواء في دعم القضايا العادلة أو في بناء شراكات تنموية عادلة. وفي قلب هذا المشهد، تبرز فلسطين كقضية محورية في الضمير المصري والدولي، مما يجعل هذه الرئاسة بداية مرحلة جديدة من الحضور الفاعل والمسئول.

المركزية
منذ ساعة واحدة
- المركزية
نائب إيراني: إسرائيل حاولت إسقاط النظام.. اليورانيوم وأجهزة الطرد في أمان
أعلن النائب في البرلمان والمتحدث باسم اللجنة الثقافية البرلمانية، أحمد راستينه، لموقع "مرصد إيران" أن إسرائيل حاولت في حربها على إيران إسقاط النظام، مؤكداً على أن الضربات الأميركية والإسرائيلية لم تمس اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي. وتفصيلا قال راستينه إن "النظام الصهيوني الغاصب، وبتنسيق كامل مع الولايات المتحدة الأميركية، شنّ هجوماً على الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتحقيق 3 أهداف، كان على رأسها إسقاط النظام"، على حد تعبيره. وأضاف راستينه الذي قدمه الموقع كخبير للعلاقات الدولية: "كان أعداء إيران يتوهمون أنه، بالنظر إلى وجود توجهات سياسية متعددة داخل البلاد، إضافةً إلى اختلال في توازن الطاقة والمشكلات الاقتصادية، يمكنهم من خلال هجوم خاطف أن يزيدوا من حالة السخط الشعبي، ويدفعوا المعارضين إلى ميدان المواجهة بهدف إسقاط النظام". وتابع: "إسقاط النظام كان الهدف الرئيسي للهجوم الإسرائيلي على إيران، والصهاينة ركّزوا خلال أول 24 ساعة من الهجوم جميع ضرباتهم على زعزعة البنية السياسية وهيكل القيادة في البلاد، لكنهم فشلوا في تحقيق هذا الهدف، وتم تعيين قادة ميدانيين أقوى من سابقيهم، ما عزز من التماسك داخل هيكل القيادة، وجعل المسؤولين والسلطات الثلاث أكثر انسجاماً في الدفاع عن الشعب الإيراني". قدرات جديدة لتخصيب اليورانيوم في إيران وذكر راستينه أن وقف دورة تخصيب اليورانيوم وتدمير قدرة إيران على إنتاج الصواريخ الباليستية كانا الهدفين الآخرين لإسرائيل من الهجوم، مشيرا إلى أن "هذه الأهداف أيضاً لم تتحقق إطلاقاً خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً". وكشف النائب أن "اليورانيوم المخصب نُقل بالكامل من المواقع المستهدفة، وأُعيد نشر أجهزة الطرد المركزي المتطورة في أماكن أخرى، وتم تفعيل قدرات جديدة للتخصيب داخل البلاد". خسائر إسرائيل وحول أسباب التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، قال راستينه إن "الضربات القوية التي وجّهتها إيران إلى كيان الاحتلال الصهيوني أدت إلى تفكك اجتماعي داخلي في هذا الكيان، وظهور مطالبات شعبية كبيرة بإنهاء الحرب، نتيجة الخسائر الجسيمة التي لحقت بالأراضي المحتلة". وتابع المتحدث باسم اللجنة الثقافية في البرلمان الإيراني: "نظراً إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تنتهج سياسة واضحة وعقلانية، فقد وافقت في الوقت الراهن على وقف الحرب، بشرط ألا يرتكب الكيان الصهيوني الغاصب أية حماقة أخرى. لكنّ إيران لا تزال في حالة استعداد تام، وأصبعها على الزناد، وسترد بقوة على أي اعتداء محتمل". حماية إيران وبشأن قرار البرلمان الأخير حول تعليق التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، علق راستينه: "الأربعاء، صوّت البرلمان بالإجماع على إلزام الحكومة بتعليق أي تعاون مع الوكالة حتى إشعار آخر. معنى هذا التعليق هو وضع شروط محددة، ما لم يتم تنفيذها، فلن يكون هناك أي تعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية". وأفاد أن من بين هذه الشروط، أن "تضمن الوكالة أمن منشآتنا النووية، وأن تلتزم بواجباتها القانونية والضمانات المنصوص عليها، كما يجب أن تعترف بحقوقنا النووية، وعلى الأمم المتحدة أن تقدّم التزامات واضحة لحماية أرواح علمائنا النوويين". وأشار النائب إلى أنه "ما دامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تُظهر إرادة حقيقية للقيام بمسؤولياتها في إطار الضمانات، فإن من حق الحكومة الإيرانية الامتناع عن تقديم المعلومات ووقف التعاون. ويجب تعليق جميع أشكال التعاون إلى حين أن يقوم المجلس الأعلى للأمن القومي، وبعد دراسة الموضوع والحصول على الضمانات اللازمة من الوكالة، بمنح الإذن بإجراء عمليات التفتيش مستقبلاً". وردا على سؤال حول ما إذا كان من الممكن استئناف المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة في الوضع الراهن، قال راستينه: "يجب أن يدرك الجميع اليوم أن طلب التفاوض من الجانب الأميركي كان فخاً مخادعاً، تسبّب في تكبيد بلادنا أثماناً باهظة. ويبدو أن الحديث عن التفاوض في الظروف الحالية نابعٌ من عدم فهم صحيح للساحة، وعدم الإيمان بحقيقة أن مكر أعدائنا لا نهاية له".

المركزية
منذ ساعة واحدة
- المركزية
بـ 30 مليون دولار .. السعودية تقدم دعماً مالياً جديداً لفلسطين
منحت السعودية دفعة مالية جديدة في إطار دعمها المستمر لدولة فلسطين لعام 2025، إذ بلغت قيمتها نحو 30 مليون دولار، فيما تسلّمها وزير المالية الفلسطيني عمر البيطار. وجرى تسليم الدفعة في مقر سفارة المملكة في عمّان، في أثناء لقاء الوزير البيطار مع القائم بالأعمال بالإنابة في سفارة المملكة لدى الأردن محمد بن حسن مؤنس. من جهته، أشاد وزير المالية عمر البيطار بالدعم المالي والسياسي المتواصل من السعودية، مؤكداً أهميتها لتخفيف حدة الأزمة المالية التي تمر بها دولة فلسطين في "ظل السياسات الإسرائيلية الأخيرة". من جانبه أوضح مؤنس، أن هذه الدفعة تأتي في إطار حرص المملكة على دعم الحكومة الفلسطينية وتمكينها من الوفاء بالتزاماتها المالية، مشيرًا إلى أهمية هذه المساعدات في تعزيز صمود الشعب الفلسطيني الشقيق وتخفيف معاناتهم في مواجهة التحديات الاقتصادية والإنسانية. وأشار إلى أن المملكة العربية السعودية قدمت نحو 5.3 مليارات دولار في السنوات الماضية، شملت تقديم مساعدات إنسانية وإغاثية وتنموية ضمن دعمها لدولة فلسطين، مؤكدًا التزامها الثابت بدعم حقوق الشعب الفلسطيني.