logo
التصوف بين الحقيقة والالتباس: جدلية النور والظلمة في المعرفة الروحية..

التصوف بين الحقيقة والالتباس: جدلية النور والظلمة في المعرفة الروحية..

إيطاليا تلغراف٢١-٠٣-٢٠٢٥

إيطاليا تلغراف
* د. عبد الله شنفار
– مدخل إشكالي:
ما معنى الحقيقة في الفكر الصوفي؟ هل هي إدراك الوجود من منظور مختلف عن العقل المألوف، أم أنها تجربة روحانية تتجاوز التصورات الحسية؟ وهل الحقيقة الصوفية تجربة قابلة للفهم العقلي، أم أنها تستند إلى معايير أخرى، كالإلهام والكشف؟
كيف نفهم مقولة الجنيد: «لا يبلغ أحد درج الحقيقة حتى يشهد فيه ألف صِدِّيق بأنه زنديق»؟ هل تكرّس هذه المقولة القطيعة مع المعرفة التقليدية وتدخل في إطار تأليه الذات، أم أنها تشير إلى مستوى من الفهم لا يدركه إلا الخاصة من أهل المعرفة؟ وهل التصوف، في جوهره، امتداد للإيمان العميق، أم هو تأويل فلسفي يخرج عن إطار العقيدة؟
– الحقيقة عند المتصوفة: تجلّياتها ومستوياتها:
يتحدث المتصوفة عن الحقيقة باعتبارها درجة من درجات الوعي التي تتجاوز الإدراك الحسي والعقلي، ويستدلّون على ذلك بآيات من القرآن الكريم، مثل قوله تعالى:
* (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ).
* (يَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ).
* (مَن لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ).
تُفهم هذه الآيات عندهم على أنها إشارات إلى المعرفة اللدنية التي يمنحها الله لخواص عباده، لا عبر طرق العقل والتجربة، بل من خلال إشراق روحي يتجاوز قوانين الفكر العادي. وهذا الفهم يجعلهم يتمسكون بمفاهيم مثل الفناء في الله، التي تعني زوال الإدراك الفردي للذات والاندماج الكلي في الحقيقة الإلهية.
لكن هل هذه التصورات تظل ضمن إطار الإيمان البسيط، أم أنها تنطوي على تحوّل جوهري في مفهوم العلاقة بين العبد والمعبود؟ هنا نصل إلى إشكالية أخرى: إذا كان التصوف قائمًا على إلغاء الذات، فهل هذا يعني إلغاء التمييز بين الله والإنسان؟
التجربة الصوفية بين الروحانية والربانية:
– يمكن التمييز بين مستويين في التصوف:
1. التصوف الأخلاقي الرباني: الذي يقوم على تهذيب النفس والتقرب إلى الله بالعبادة والزهد.
2. التصوف الفلسفي والإشراقي: الذي يصل إلى مرحلة الفناء في الله ورؤية الوجود كأنه انعكاس للحقيقة الإلهية.
في المستوى الأول، يمكن قبول التصوف كطريقة روحية تنتمي إلى تقاليد الزهد والتقوى. لكن في المستوى الثاني، نواجه إشكالات كبرى تتعلق بطبيعة العلاقة بين الخالق والمخلوق، كما يظهر في قول الحلاج:
* أنا من أهوى ومن أهوى أنا، نحن روحان حللنا جسدا.
هذه العبارة أدت إلى اتهام الحلاج بالكفر، لأنها توحي بذوبان الحد الفاصل بين العبد والرب، وهي فكرة تعكس جوهر التصوف الفلسفي القائم على وحدة الوجود.
– مفارقات الجنيد والحلاج: بين السرّ والبوح:
الجنيد يقول: «لا يكون الصديق صديقًا حتى يشهد له في حقه سبعون صديقًا بأنه زنديق.»
أما ابن الفارض فيقول: «إنما قتل الحلاج لأنه باح بسره؛ إذ شرط هذا التوحيد كتمان السر.»
ما هو هذا 'السر' الذي لا يجب البوح به؟ ولماذا يصبح الوصول إلى 'الحقيقة' عند الصوفية مرادفًا لخطر الاتهام بالزندقة؟ هل السرّ هنا هو معرفة باطنية لا تتحملها العقول العادية، أم أنه خروج عن العقيدة الإسلامية التقليدية؟
– أسئلة جوهرية حول طبيعة التصوف:
* هل التصوف في جوهره امتداد للإيمان العميق، أم هو تأويل فلسفي يخرج عن إطار العقيدة؟
* إلى أي حدّ يمكن اعتبار المفاهيم الصوفية كالفناء والحلول ووحدة الوجود تجليات روحية، أم أنها تأويلات فلسفية؟
* هل يمكن للتصوف أن يكون منهجًا معرفيًا، أم أنه يظل مجرد تجربة ذاتية غير قابلة للتعميم؟
* هل الصوفي عندما يتحدث عن الحقيقة المطلقة يدركها فعلًا، أم أن تجربته هي إسقاط ذاتي على العالم؟
خلاصة: التصوف بين الإشراق والالتباس:
تظل تجربة التصوف مثار جدل دائم بين من يراها مسلكًا للروحانية الحقة، ومن يرى فيها انحرافًا عن العقيدة. إن مقولة الجنيد عن 'شهادة الصديقين بالزندقة' تعكس عمق المفارقة التي تحيط بالتصوف، حيث يصبح العارف بالحقيقة شخصًا موضع شك وريبة، وكأن الوصول إلى الحقيقة هو خروج عن المألوف.
يبقى السؤال مفتوحاً: هل الحقيقة الصوفية نورٌ أم ظلمة؟
إيطاليا تلغراف

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أيام العشر متساوية الفضل زيادة فضل عرفة
أيام العشر متساوية الفضل زيادة فضل عرفة

جزايرس

timeمنذ 5 ساعات

  • جزايرس

أيام العشر متساوية الفضل زيادة فضل عرفة

سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص. الإجابةالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد فقد ثبت في الأحاديث الصحاح فضل أيام عشر ذي الحجة، وأن العمل الصالح فيهنَّ أحب إلى الله منه في غيرهنَّ؛ كما سبق توضيحه في الفتاوى السابقة، ولذلك يستحب صيام هذه الأيام، أي صيام التسع الأوائل منها لغير الحاج، وأما الحاج فالأفضل له الفطر في يوم عرفة ليتقوى على الدعاء. ولم نطلع على ما يدل على أن لكل يوم من هذه الأيام فضلاً خاصًا به دون غيره؛ إلا ما ورد في يوم عرفة فإنه أفضل أيام السنة على الإطلاق، وصيامه يكفر سنتين: السنة التي قبله والسنة التي بعده. لما رواه مسلم عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله. قال ابن حجر في الفتح: وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء، وقد قيل في الحكمة في ذلك أن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام، ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك كان أفضل. انتهى.وكذلك لم نطلع على ما ذكر من أن الله استجاب ليونس في هذه الأيام، ولا أن عيسى ولد فيها. بل إن السيوطي قد ذكر في الدر المنثور أثرًا يتنافى مع ما ذكر من أن عيسى ولد في هذه العشر؛ قال: أخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يوم عاشوراء اليوم الذي تاب الله فيه على آدم، واليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجودي، واليوم الذي فرق الله فيه البحر لبني إسرائيل، واليوم الذي ولد فيه عيسى، صيامه يعدل سنة مبرورة. والله أعلم.

خالتي عومرية… نجحت في القرعة وعجزت عن التوجّه إلى بيت الله الحرام
خالتي عومرية… نجحت في القرعة وعجزت عن التوجّه إلى بيت الله الحرام

الشروق

timeمنذ يوم واحد

  • الشروق

خالتي عومرية… نجحت في القرعة وعجزت عن التوجّه إلى بيت الله الحرام

تقضي خالتي عومرية من مدينة معسكر ساعات طوال أمام التلفاز في مشاهدة الكعبة المشرفة وحجاج بيت الله الحرام، والشوق يكتنفها من أجل بلوغ هذا المكان الطاهر، غير أن تقدّمها في السن ووضعها الصحي الذي تراجع في الفترة الأخيرة، حال دون استكمال إجراءات الحجز للرحلة إلى مكة المكرمة. تقول خالتي عومرية: 'أنا أشارف على الـ90 عاما، وقد شاركت 19 مرة في قرعة الحج ولم يسعفن الحظ إلى غاية المرة الأخيرة، حيث ابتسم لي ضمن الحصة الإضافية التي أقرها الرئيس تبون لفائدة كبار السن ذوي 70 عاما فما فوق، حيث كنت من بين الفائزين'. وتضيف خالتي عومرية: 'لكنني اصطدمت بوضع صحي غير ملائم، فلا يمكنني في هذا الحال قصد بيت الله الحرام، لما للمشاعر من مشقة وتعب ومناخ حار مختلف عن مناخ الجزائر'، لذلك، فإنها تناشد الرئيس عبد المجيد تبون لتمكين ابنها ذي 64 عاما من جواز سفر خاص بالحج، حتى يكون مرافقا لها، ومعينا لها على أداء المناسك على أكمل وجه، خاصة وأنه شارك هو الآخر في قرعة الحج 19 مرة إلى جانب والدته ولم يسعف الحظ كليهما، إلى غاية هذا العام، حيث ابتسم لها الحظ لوحدها. يقول عبد الله ابن خالتي عومرية: 'عائلتي لا تريد مالا ولا إعانة من أجل أداء مناسك الحج، بل تريد تدخلا من السلطات من أجل الحصول على جواز سفر لي حتى أعين والدتي على أداء الشعائر'، على اعتبار أنه ملازم لها في كل وقت، ويشرف على رعايتها مضيفا بأنها تقضي ساعات طوال أمام التلفاز في مشاهدة الكعبة المشرفة والمسجد الحرام والحجاج والمعتمرين، والدموع تنهمر من عينيها، رغبة في الوصول لهذا المكان الطاهر. وقالت السيدة صليحة، ابنة خالتي عومرية، إن ما بات يشغل بال والدتها هو كيفية حصول ابنها على جواز سفر خاص من أجل مرافقتها إلى بيت الله الحرام، فهي لا تريد أن تضيع منها فرصة العمر إثر فوزها في قرعة هذا العام بعد 19 مرة متتالية لم يبتسم فيها الحظ لها. وناشدت العائلة الرئيس تبون ووالي معسكر من أجل تمكين ابنها عبد الله من جواز سفر للحج حتى تؤدي الركن الخامس من الإسلام وهي في هذه السن المتقدمة، مشيرة إلى أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال ترك العجوز ذات الـ90 عاما لوحدها، وهي التي لا تقدر حتى على الحركة بيسر داخل بيتها.

بسبب عائلتي.. أعيش على حافة الحياة
بسبب عائلتي.. أعيش على حافة الحياة

النهار

timeمنذ 2 أيام

  • النهار

بسبب عائلتي.. أعيش على حافة الحياة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سيدتي الفاضلة قراء الموقع الكرام، قصتي أو بالأحرى حياتي عبارة عن صراع حقيقي أنا المهزومة فيه. فبعد وفاة والدي رحمة الله عليه أوكلت لي مسؤولية البيت، لكن ما أثقلها من مسؤولية. فمشاكل إخوتي لا تكاد تنتهي. أحاول دوما أن أصلح بينهم لكن لا حياة لمن تنادي، فلا أحد يتقبل كلامي ولا أحد يصغي لما أقول بالرغم من أنني الأخت الكبرى. أجل سيدتي، فبالإضافة إلى إعاقة أمي وعجزها الذي يضطرني لان أكون حريصة جدا على حالتها. أخي المتزوج لا يعرف الاستقرار، علاقته بزوجته دوما متوترة ويتعاملون مع أولادهم بقسوة. أما أخي الأعزب فلا عمل له سوى مواكبة الموضة وآخر الصيحات الهواتف النقالة. ومن زادت من همي أختي التي تراجعت في مستواها الدراسي والتي بدأت تلمح من الآن أنها لن تعود للدراسة لأنها مؤكد سوف ترسب في السنة الدراسية. وتوترات أخرى تعكر صفوة حياتنا، وأنا حقا فقدت القدرة على التحمل وأشعر بالتعب. أصبحتُ عصبيةً ومتوَتِّرة، حتى مستقبلي وضعته على رف الانتظار إلى أجل غير مسمى. وبت ارفض كل من يتقدم لخطبتي خوفا من أن تتفاقم الأمور في بيتنا بعد غيابي. أهملت نفسي، وأراني أذبل كوردة بلا ساقي، أصابني كسَل وجمودٌ، حتى إنني أعيش على هامِش الحياة. بالرغم من أنني فتاة مُثقَّفة والحمد لله، وعلى قسطٍ مِن الجمال، وعندي وظيفة جيدة. لكن فقدت الشغف في الحياة، ولم أعد أرغب في تطوير نفسي، صرت أحاول أن أقنع نفسي بأنني متماسكة ومتفائلة. لكن في الحقيقة اليأس لفّ قلبي وصار يائسا من التحسن، فما العمل أفيدوني من فضلكم. أختكم نصيرة من الشرق الرد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخيتي، بعد قراءتي لرسالتك رأيت حياتك من زاوية جميلة أنت في غفلة عنها. فأنت البذرة الحسن التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، أنت الأخت الطيبة التي تلم الشمل وتصبر على هموم عائلتها. ليصعد أجر صبرها إلى الله ويعود عليها برحمات منه يثبتها ويزيد من همتها. أنا لا أكلفك ما لا تطيقين، لكن اعلمي أن هذه المسؤولية لم تكن لتقع على عاتقك لو لم يرى الله فيك خيرا. فلما تفقدين الشغف في الحياة حبيبتي..؟ أتعلمين متى نفقد الشغف في الحياة؟. حين نضيع الهدف الذي نقوم لأجله من نومنا ونمضي في لتحقيقه في يومنا، فتأخذ المشاكل المحيطة بنا الحيز الأكبر من اهتمامنا. ونغدو مكبلين بها. أنا لا أطلب منك التخلي عن عائلتك، لا على العكس، فقمة التربية أن نكون مهتمين بالعائلة. وأن نحاول بكل ما أوتينا من حب وحنان اتجاههم مساعدتهم وإصلاح حالهم. لكن بدلا من أن نترك تلك المشاكل تقتل كل ما هو جميل فينا. لابد أن نجعلها محفزا للتفكير في بدائل للخروج من قوقعة الصخب إلى المدى الأرحب. هل سألت نفسك يوما، لما تستمر المشاكل بالرغم من محاولاتك المتكررة لإصلاحها؟. وهنا مربط الفرس، أنت تتعاملين مع مشاكل أسرتك بالسرد والعد فقط والنهي والأمر. حبيبتي تتوقفي لبرهة، راجعي أسلوبك مع أفراد أسرتك، ربما هم بحاجة إلى الحب والحنان أكثر من حاجتهم إلى الآمر. والناهي والمنتقد على الدوام. والله يقول في كتابه الكريم: 'ادفع بالتي هي أحسن' فالإحسان طريق لكسب قلوب من حولنا، خاصة الصغار. وأنت قلت أن هناك مشكلة في تربي أخاك وزوجته لأولادهم، إذا كوني أنت العمة الحنون وساهمي في تربيتهم ونيل الأجر من الله. فالعمة مكمن الحب والرحمة أيضا. فيما يخص الأخ، والأخت الآخرين، أظن أنه طيش شباب وسرعان ما سيعودان إلى رشدهما. وكل ما يحاجانه حلول فعلية كان تدفعيهما إلى عمل تربصات تؤهلهم للحياة العملية، لكن بأسلوب الترغيب. أما والدتك فبرها وطاعتها وخدمتها واجب عليكم لا نقاش فيه. عزيزتي، إن التفكك الأسري وافتقاد المودة يؤدي دوما إلى التنافر بين أفراد العائلة. لذا حاولي قدر المستطاع ترميم جسور المودة بين أفراد عائلتك. كما أنصحك أن ترجعي حساباتك في مسألة زواجك، فإن جاءك من ترضين دينه وخلقه فكري مليا واستخيري الله. ثم أبدا لا تهملي نفسك وصحتك. فالعمر يمر، والله يحاسبنا على كل لحظة فيما أفنيناها. فاستغلي كل أوقاتك الاستغلال الحسن، في الطاعات وإقامة علاقات طيبة. واعلمي انك قوية وسوف تبقين كذلك وأن أخر الصبر جبرا بإذن الله.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store