
من سايكس-بيكو إلى ترامب-نتنياهو: تقسيم المقسّم في مشروع الشرق الأوسط الجديد
واستُخدمت الطائفية والإثنيات كأداة لخلق كيانات مُقسَّمة في سوريا ولبنان. ورُسمت حدود لم تكن بريئة أو محايدة، بل أخذت بعين الاعتبار البنية الطائفية لتفكيك المجتمعات وخلق كيانات متنافسة. ومع صعود ما بات يُعرف بمشروع " الشرق الأوسط الجديد"، كما نظّر له الأميركيون منذ غزو العراق عام 2003، وفعّله الثنائي ترامب– نتنياهو لاحقًا ضمن ما يُسمى "صفقة القرن"، ثم جاءت الحرب الإسرائيلية على غزة ثم على إيران لتقصّ شريط خريطة هذا الشرق الأوسط الجديد. وبات واضحًا أن إعادة تشكيل المنطقة لا تتم فقط عبر الاحتلال، بل أيضًا عبر تقسيم المجتمعات من الداخل على أسس طائفية وإثنية،ويتضمن رسم خريطة جيوسياسية جديدة عبر تقسيم المجتمعات على أسس مذهبية وعرقية، مع استبعاد واضح لفلسطين من الخريطة. لبنان وسوريا تحوّلتا إلى ساحات مركزية في هذا المشروع، حيث تُستخدم الطائفية كأداة لإعادة هندسة الدول، وتحويلها إلى كيانات ضعيفة موزعة بين المحاور الإقليمية. منذ اتفاقية سايكس-بيكو لم يكن التقسيم الجغرافي للعالم العربي مجرد حدود مرسومة على ورق، بل كان مشروعًا أعمق يقوم على إعادة تشكيل المنطقة بناءً على خطوط طائفية وإثنية تخدم مصالح القوى الكبرى. وفي قلب هذا المشروع، شكّلت سوريا ولبنان مختبرًا مثاليًا لتطبيق هذا النموذج، بفضل تركيبتهما السكانية المعقدة.
التأسيس الطائفي للجغرافيامثّلت الحرب الأهلية اللبنانية في ثمانينيات القرن الماضي نموذجًا عمليًا لتفكيك الدولة عبر طوائف وميليشيات، بما يتقاطع مع نموذج "الشرق الأوسط الجديد" القائم على كيانات طائفية وليست دولًا قوية، فكانت أول نموذج عملي لمشروع تقسيم المجتمع على أسس دينية ومذهبية. تقاسم مناطق النفوذ، وظهور الميليشيات، وانهيار الدولة المركزية، كلّها كانت مقدمات لما جرى لاحقًا في سوريا والعراق واليمن. مع اتفاق الطائف، لم تنته الطائفية بل تم تثبيتها بنيويًا. كل طائفة أُعطيت حصة دستورية ومؤسساتية، وبدأ الاقتصاد يُدار بمنطق الكانتونات، وهو ما يتقاطع تمامًا مع منطق الشرق الأوسط الجديد الذي لا يقوم على دول قوية، بل على مجتمعات ضعيفة مفككة.
تقسيم المقسم: إلغاء كيانات
نتنياهو في خطابه بالأمم المتحدة عام 2023 عرض خريطة منسوبة لمفهوم "الشرق الأوسط الجديد" تستثني فلسطين تمامًا، حيث ضمت دول التطبيع فقط (الإمارات، السعودية، مصر، البحرين) مع "إسرائيل" ضمن قوس أخضر تربطها بدول أوروبا الجنوبية عبر خط بري، بينما غابت الضفة وغزة وسوريا ولبنان والعراق بالكامل من الخريطة في هذا السياق، يعمل المشروع على تفكيك المجتمعات نفسها، ليس فقط رسم خرائط سياسية، بل إعادة هندسة المشرق العربي. وفق هذا التصوّر، لا مكان لدول قوية، ولا لجيوش موحّدة. المطلوب هو شرق أوسط مكوّن من دويلات مذهبية (سنية، شيعية، درزية، علوية...) وكيانات عرقية (كردية، تركمانية، أمازيغية...)، ونظم اقتصادية تابعة لإسرائيل والخليج والغرب. نتنياهو أراد تطبيعًا مع الدول العربية مقابل تجزئة وتقسيم المنطقة، وتثبيت "إسرائيل" كقوة فوق قومية. ترامب رأى في تفكك سوريا والعراق ولبنان فرصة استراتيجية لإنهاء المسألة الفلسطينية، وإغلاق ملف الدولة القومية العربية.
خرائط التقسيم ومقوماتها الاقتصادية
الخريطة الفعلية لسوريا ولبنان اليوم تشبه فعليًا تقسيمًا جغرافيًا–هوياتياً قسريًا يُدار على أساس الكانتونات، حيث تُحدَّد الولاءات والتحالفات تبعًا للمذهب والعرق، وتُبنى المصالح الاقتصادية والاستراتيجية على ذلك الأساس، وليس على أساس الدولة الوطنية الواحدة. الخريطة الفعلية لسوريا ولبنان اليوم تكشف عن تفكك فعلي للدولة المركزية، وتبلور كيانات طائفية–عرقية تدار بوظائف سياسية وأمنية واقتصادية محددة، ضمن خارطة إقليمية أوسع يُعاد رسمها تحت غطاء "السلام الإقليمي" أو ما بات يُعرف بـ"الشرق الأوسط الجديد". 1- سوريا: كانتونات أمر واقع ووظائف استراتيجية
- الشمال الشرقي (كردي): تُسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" بدعم أمريكي مباشر على هذه المنطقة الغنية بالنفط والغاز والقمح. فهي تمثل الخزان النفطي الأكبر لسوريا، ما يمنحها مقومات اقتصادية للاستقلال شبه التام. الولايات المتحدة تحتفظ بقواعد عسكرية لحماية هذا الكانتون، وتوظف هذه الورقة للضغط على دمشق وأنقرة في آن واحد. استراتيجيًا، يشكل نقطة ارتكاز ضمن ما يُعرف بمشروع "كردستان الكبرى"، ويُمكن ربطه جغرافيًا بمسارات طاقة وممرات أمنية من كردستان العراق إلى المتوسط.
- الشمال الغربي (سني – تركي): منطقة نفوذ تركي مباشر، تضم إدلب وأجزاء من ريف حلب. تُدار عبر فصائل موالية لأنقرة، وتُستخدم كورقة أمنية وتجارية ضد كل من دمشق وقسد. قاعدة تركية وظيفية تندمج في استراتيجية تركيا التوسعية "ممر زانغزور" و"العمق السني" شمال سوريا. المنطقة ترتبط تجاريًا وأمنيًا بتركيا، وتشكل معبرًا محتملًا لممرات برية نحو الخليج وشرق المتوسط، كجزء من توازن مع ممر داوود.
- الساحل (علوي – شيعي): الحاضنة التاريخية للنظام السوري البائد، وتحوي قواعد بحرية روسية في طرطوس واللاذقية. رغم احتوائها على بعض المنافذ الاقتصادية البحرية، إلا أن هذا الكانتون يُعتبر أكثر عسكرية من كونه اقتصاديًا، معزول جزئيًا عن مشاريع الربط الإقليمي، ويُستخدم كخط دفاع أخير للنفوذ الروسي في المشرق.
- الجنوب (درزي وسني): هنا تتقاطع الجغرافيا مع الجيوسياسة بشكل حاد، تتمتع بعض المناطق بدرجة من الحكم الذاتي غير الرسمي، خاصة في السويداء التي تحولت إلى كانتون درزي شبه مستقل مدعوم ضمنيًا من إسرائيل تحت غطاء "حماية الأقليات"، ما يمنحه بعدًا استراتيجيًا كمخلب إسرائيلي في خاصرة دمشق. أكثر المناطق حساسية، لارتباطها المباشر بالجولان المحتل وبمشروع "ممر داوود"،منطقة السويداء تحديدًا تُظهر ميلًا نحو "حكم ذاتي" درزي برعاية غير معلنة من إسرائيل، ما يجعلها نقطة ارتكاز استراتيجية للمراقبة والتحكم في جنوب سوريا، وربما ممرًا مستقبليًا نحو الأردن، ضمن البنية التحتية للممر الإسرائيلي–الخليجي.
2- لبنان: فسيفساء الطوائف تتحول إلى مناطق نفوذ
- الكانتون الشيعي (الجنوب والبقاع): تُهيمن عليه قوى المقاومة المدعومة من إيران، ويشكل الامتداد البري الوحيد بين إيران وسوريا ولبنان. مع امتلاكه لمنفذ بري مع سوريا نحو البوكمال ودير الزور، يتحكم حزب الله فعليًا بأحد المحاور المضادة لممر داوود، أي "الممر الإيراني – المتوسط"، ما يجعله في قلب الصراع الجيواستراتيجي.
- الكانتون السني (طرابلس وعكار وبيروت): يعاني من الضعف الاقتصادي والانقسام السياسي. مع ذلك، يُنظر إليه من بعض القوى الإقليمية كممر تجاري مستقبلي نحو سوريا في حال نجاح مشاريع فصل الشمال السوري عن دمشق، أي ربط محتمل لمرفأ طرابلس بمناطق إدلب أو ريف حلب سيسهم في تكريس هذا الدور.
- الكانتون المسيحي (جبل لبنان والساحل): رغم تراجعه الديموغرافي، يحافظ على صلة اقتصادية بالغرب، ويمثل قاعدة مالية وخدماتية. لا يرتبط بشكل مباشر بأي ممر استراتيجي، لكنه يلعب دور المنطقة المحايدة نسبيًا، التي يمكن توظيفها في أي تسوية شاملة.
الكانتون الدرزي (جبل لبنان – الشوف): جغرافيًا، يلامس الجنوب اللبناني والسويداء السورية ، ما يجعله طرفًا طبيعيًا في أي مشروع ربط بين الجليل والجنوب السوري، وخاصة في ظل احتمالات توسع ممر داوود، أو تشكيل منطقة عازلة متاخمة لإسرائيل ذات طابع درزي خفيف التسلح وغير معادٍ.
أحداث السويداء: نموذج الكانتون الوظيفي
أحداث السويداء الأخيرة كشفت بوضوح عن تحوّل المنطقة إلى كانتون فعلي، له هويته الداخلية، وآلياته المحلية في الحكم، وحياده تجاه الدولة المركزية. تدخلات إسرائيل في محيطها، والدعم السياسي غير المباشر، رسّخ منطق "الحماية الخارجية"، ما يعكس جوهر مشروع الشرق الأوسط الجديد. أحداثها الأخيرة كشفت عن تحولها إلى كانتون فعليّ بغطاء درزي داخلي ورعاية خارجية صامتة. إسرائيل، من خلال شبكات غير رسمية، تسعى إلى خلق منطقة مستقرة على حدودها الشرقية، قد تُدمج لاحقًا في ممر داوود أو تحيّد لصالحه، لتأمين المسار الذي يربط حيفا بالمرافئ الخليجية عبر الأراضي الأردنية والعراقية، دون المرور بأراضي معادية أو غير مضمونة.
من سايكس-بيكو إلى ترامب ونتنياهو، تسير المنطقة وفق منطق خارجي ثابت: تفتيت المقسم، وتحويل الدول إلى كيانات مذهبية ضعيفة. الشرق الأوسط الجديد، كما يُراد له، هو شرق أوسط بلا عرب، بلا هوية، بلا مركز. والمواجهة الحقيقية تبدأ من الوعي بهذه المعادلة. ويبدو أن الخطر الأكبر على المنطقة لم يعد في رسم خرائط جديدة، بل في تذويب الهويات الجامعة وتحويل المجتمعات إلى كيانات مشتتة متنازعة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صوت بيروت
منذ ساعة واحدة
- صوت بيروت
وكالة بلومبرغ: الحكومة الأمريكية تدرس الاستحواذ على حصة في "إنتل"
أفادت وكالة 'بلومبرغ نيوز'، اليوم الخميس، نقلا عن أشخاص مطلعين بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجري محادثات مع شركة إنتل من أجل استحواذ الحكومة على حصة في شركة صناعة الرقائق. وقفزت أسهم إنتل سبعة بالمئة تقريبا. وقالت الصحيفة إن الخطة جاءت عقب اجتماع هذا الأسبوع بين ترامب ورئيس إنتل التنفيذي ليب بو تان. يأتي ذلك بعد أن طالب ترامب علنا باستقالة تان بسبب استثماراته السابقة في شركات تكنولوجيا صينية، وبعضها مرتبط بالجيش الصيني. رفضت إنتل التعليق على التقرير، لكنها أكدت التزامها الراسخ بدعم جهود ترامب لتعزيز الريادة الأمريكية في مجال التكنولوجيا والتصنيع. وأي اتفاق، وأي ضخ نقدي محتمل، سيساعد إنتل في وقت تخفض فيه إنفاقها وتقلص وظائفها لتحسين وضعها المالي. وبعد أن كانت الشركة الرائدة بلا منازع في تصنيع الرقائق، فقدت إنتل مكانتها في السنوات القليلة الماضية. وانخفضت قيمتها السوقية من 288 مليار دولار إلى 104 مليارات في 2020. ولم يرد البيت الأبيض بعد على طلب من رويترز للتعليق.


صوت بيروت
منذ ساعة واحدة
- صوت بيروت
ما هو نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي "القبة الذهبية"؟
اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصميما لنظام الدفاع الصاروخي 'القبة الذهبية' وعيّن قائدا للبرنامج الدفاعي الطموح الذي تبلغ تكلفته 175 مليار دولار. وفيما يلي بعض التفاصيل الرئيسية حول المشروع: * كيف سيعمل؟ الهدف الكبير الجديد هو أن تستفيد القبة الذهبية من شبكة من مئات الأقمار الصناعية التي تدور حول العالم مزودة بأجهزة استشعار متطورة وصواريخ اعتراضية لإسقاط صواريخ العدو القادمة بعد انطلاقها من دول مثل الصين أو إيران أو كوريا الشمالية أو روسيا. وفي أبريل نيسان، سألت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) المتعاقدين في مجال الدفاع عن كيفية تصميم وبناء شبكة لإسقاط الصواريخ الباليستية العابرة للقارات خلال 'مرحلة التعزيز' بعد الإطلاق مباشرة، وهي مرحلة الصعود البطيء والمتوقع لصاروخ العدو عبر الغلاف الجوي للأرض. ولا تستهدف الدفاعات الحالية صواريخ العدو إلا في منتصف رحلاتها عبر الفضاء. وتتمثل الفكرة والقدرة الجديدة في أنه بمجرد اكتشاف الصاروخ، ستسقطه القبة الذهبية إما قبل دخوله الفضاء بصاروخ اعتراضي أو بأشعة الليزر، وإما بعد فترة وجيزة في مسار سفره في الفضاء. والفكرة الجديدة الأخرى في الخطة هي زيادة دفاعات إضافية على الأراضي الأمريكية. وكشف مخطط أولي للخطة التي قدمها البنتاغون لقطاع الدفاع في أغسطس آب وأوردتها رويترز لأول مرة أن النظام سيشمل ثلاث طبقات أخرى على الأرض بالإضافة إلى طبقة الاعتراض الفضائية. وأظهر العرض التقديمي للبنتاغون أن نظام الدفاع الصاروخي الحالي، ويسمى نظام الدفاع الأرضي لمنتصف المسار، الذي يستخدم صواريخ اعتراضية أرضية متمركزة في ولايتي كاليفورنيا وألاسكا سيجري تعزيزه لإنشاء الطبقة الثانية. ويتضمن التصميم الأولي الذي تم الكشف عنه في أغسطس آب طبقة ثالثة تتألف من خمسة مواقع إطلاق أرضية تهدف إلى اعتراض الصواريخ القادمة وهي لا تزال في الفضاء. وستكون ثلاثة من هذه المواقع الخمسة في البر الرئيسي للولايات المتحدة، في حين سيكون الموقعان المتبقيان في ولايتي هاواي وألاسكا. أما طبقة الاعتراض الرابعة فستكون من أجل 'الدفاع محدود النطاق'، وتهدف إلى حماية المراكز السكانية. ويتضمن التصميم رادارات جديدة، وقاذفة 'شائعة' جديدة تماما ستطلق صواريخ اعتراضية من الطرازات الحالية والتي سيتم انتاجها في المستقبل، وقد تشمل نظام الدفاع الصاروخي الحالي (باتريوت). وقال البنتاغون إن هذه الأنظمة ستعمل بشكل متناسق لدحر جميع أنواع التهديدات، مثل الأسلحة فرط الصوتية وصواريخ كروز. وقال ترامب عند إصدار هذا الإعلان في مايو أيار 'وعدت الشعب الأمريكي بأنني سأبني درعا دفاعية صاروخية متطورة لحماية وطننا من تهديد الهجوم الصاروخي الأجنبي'. * هل القبة الذهبية مثل القبة الحديدية الإسرائيلية؟ قال ترامب في إشارة إلى نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي 'ساعدنا إسرائيل في نظامهم وكان الأمر ناجحا جدا، والآن لدينا تكنولوجيا متقدمة جدا عن ذلك'، في إشارة إلى نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي 'القبة الحديدية'. وبُني نظام القبة الحديدية لاعتراض أنواع الصواريخ التي تطلقها حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في قطاع غزة. وطورت هذا النظام شركة رافائيل الإسرائيلية لأنظمة الدفاع المتقدمة بدعم من الولايات المتحدة، وبدأ تشغيله في 2011. وتطلق كل وحدة تجرها شاحنة صواريخ موجهة بالرادار لتفجير التهديدات قصيرة المدى مثل الصواريخ وقذائف المورتر والطائرات المسيرة في الجو. ويحدد النظام ما إذا كان الصاروخ في طريقه لضرب منطقة مأهولة بالسكان، وإذا لم يكن كذلك يتم تجاهل الصاروخ والسماح له بالهبوط دون ضرر. ووُصفت القبة الحديدية في البداية بأنها توفر تغطية لحماية مساحة بحجم مدينة ضد صواريخ يتراوح مداها بين أربعة كيلومترات و70 كيلومترا، لكن الخبراء يقولون إنه تم توسيع نطاقها منذ ذلك الحين. * إلى أي حد تشبه مبادرة حرب النجوم للرئيس الأسبق رونالد ريجان؟ قال ترامب في مايو أيار 'سنكمل حقا المهمة التي بدأها الرئيس ريجان قبل 40 عاما، وسننهي إلى الأبد تهديد الصواريخ للوطن الأمريكي'. وليست فكرة ربط قاذفات الصواريخ، أو أشعة الليزر، بالأقمار الصناعية ليتسنى لها إسقاط صواريخ العدو الباليستية العابرة للقارات بجديدة، فقد كانت جزءا من مبادرة حرب النجوم المبتكرة خلال رئاسة رونالد ريجان. لكنها تمثل قفزة تكنولوجية ضخمة ومكلفة عن القدرات الحالية. وتم الإعلان عن 'مبادرة الدفاع الاستراتيجي' من ريجان، كما كان يطلق عليها، في 1983 بوصفها أبحاثا رائدة في نظام دفاع وطني قد يجعل الأسلحة النووية بلا قيمة. وكان جوهر برنامج مبادرة الدفاع الاستراتيجي عبارة عن خطة لتطوير برنامج دفاع صاروخي فضائي قد يحمي الولايات المتحدة من هجوم نووي واسع النطاق. وتضمن الاقتراح طبقات عديدة من التكنولوجيا التي من شأنها تمكين الولايات المتحدة من تحديد عدد كبير من الصواريخ الباليستية القادمة وتدميرها تلقائيا عند إطلاقها أو في أثناء تحليقها أو عند اقترابها من أهدافها. ولم تكلل مبادرة الدفاع الاستراتيجي بالنجاح لأنها كانت مكلفة للغاية، وطموحا أكثر مما يلزم من منظور تكنولوجي في ذلك الحين، ولا يمكن اختبارها بسهولة، وبدا أنها تنتهك معاهدة قائمة لمكافحة الصواريخ الباليستية. * من سيبني القبة الذهبية؟ برزت شركة سبيس إكس، المملوكة لحليف ترامب السابق إيلون ماسك، بصواريخها وأقمارها الصناعية، إلى جانب شركة البرمجيات بالانتير وشركة أندوريل لصناعة الطائرات المسيرة، في صدارة المرشحين لبناء المكونات الرئيسية للنظام. لكن ربما تعثرت هذه الجهود عندما تجاهلت إدارة ترامب مفهوم القبة الذهبية كخدمة مدفوعة الأجر لا تملكها الحكومة. ومن المتوقع أن تأتي العديد من الأنظمة الأولية من خطوط إنتاج قائمة. وذكر الحاضرون في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في البيت الأبيض مع ترامب بالاسم شركات إل3 هاريس تكنولوجيز ولوكهيد مارتن وآر.تي.إكس كورب كمقاولين محتملين للمشروع الضخم. واستثمرت إل3 هاريس مبلغ 150 مليون دولار في بناء منشأتها الجديدة في فورت واين بولاية إنديانا، حيث تُصنّع أقمار استشعار فضائية لتتبع الصواريخ فرط الصوتية والباليستية، وهي جزء من جهود البنتاجون لاكتشاف وتتبع الأسلحة فائقة السرعة بشكل أفضل باستخدام أجهزة استشعار توضع في الفضاء، ويمكن تعديلها بما يسمح بدمجها في القبة الذهبية. لكن تمويل مشروع 'القبة الذهبية' لا يزال غير مؤكد. واقترح مشرعون جمهوريون استثمارا أوليا بقيمة 25 مليار دولار ضمن حزمة دفاعية أوسع نطاقا بقيمة 150 مليار دولار، إلا أن هذا التمويل مرتبط بمشروع قانون مثير للجدل يحتاج إلى إجراءات خاصة ويواجه عقبات كبيرة في الكونغرس.


النهار
منذ ساعة واحدة
- النهار
تصريحات ترامب بشأن بوتين: من الإطراء إلى الاستياء
في بدايات ولايته الثانية، كال الرئيس الأميركي دونالد ترامب المديح لنظيره الروسي فلاديمير بوتين الذي يجتمع معه الجمعة في ألاسكا لبحث ملف نزاع أوكرانيا. لكن مع الوقت وفي غياب اتفاق سلام في أوكرانيا سبق لترامب أن أكد أنه قادر على إتمامه في غضون 24 ساعة بعد توليه السلطة، تبدّلت نبرته حيال بوتين. في ما يأتي لمحة عن بعض أبرز تصريحاته التي تعكس تبدّل موقفه: "أتفق معه بشكل رائع" شكّل وضع حد لحرب أوكرانيا أولوية بالنسبة لترامب في كانون الثاني/يناير عندما عاد إلى المكتب البيضوي. وقال للصحافيين في 20 كانون الثاني/يناير عن بوتين "أعتقد أنه يدمّر روسيا من خلال عدم التوصل إلى اتفاق"، لكنه تدارك "اتفقت معه بشكل رائع". وفي 21 منه، كتب على منصته "تروث سوشال" "سأقدّم خدمة كبيرة جدا لروسيا التي ينهار اقتصادها، وللرئيس بوتين. توصلوا إلى تسوية الآن وأوقفوا هذه الحرب السخيفة! لن تؤدي إلا إلى تدهور الأمور". في الأثناء، لم يبخل بوتين بالإطراء على ترامب قائلا لوسائل الإعلام الرسمية الروسية في 24 كانون الثاني/يناير إن الرئيس الأميركي "ليس شخصا ذكيا فحسب، بل إنه براغماتي أيضا". كما قال إن تجنّب ما أطلق عليها "أزمة أوكرانيا" بعد غزو العام 2022 كان ممكنا لو أن ترامب كان الرئيس الأميركي حينذاك. وصرّح "لا يمكنني إلا أن أتفق معه أنه لو كان رئيسا -- لو لم يُسرق الانتصار الذي حققه في (انتخابات) 2020 -- لما حدثت الأزمة في أوكرانيا التي طرأت عام 2022". "فلاديمير، توقف!" بدت الأجواء وديّة بين الرئيسين في الشهر التالي. ووصف ترامب اتصالهما الهاتفي في 12 شباط/فبراير بـ"المطوّل والمثمر جدا". وقال على "تروث سوشال" إن "الرئيس بوتين استخدم حتى شعار حملتي القوي جدا: +المنطق+. يؤمن كلانا فيه بشدّة". لكن نبرته تبدّلت تماما أواخر آذار/مارس. وقال ترامب لشبكة "إن بي سي" إنه "غاضب جدا" عندما بدأ بوتين التشكيك في مدى صدقية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كشريك في المفاوضات. ومن ثم في نيسان/أبريل، دعا ترامب بوتين الى وقف الضربات على كييف. وأفاد في منشور بتاريخ 24 نيسان/أبريل "لا داعي لذلك والتوقيت سيء جدا. فلاديمير، توقف! يموت 5000 جندي كل أسبوع. دعنا نتوصل إلى اتفاق سلام". وصدر عنه تصريح في السياق ذاته بعد يومين إذ قال "يجعلني الأمر أعتقد بأنه لربما لا يريد وقف الحرب، إنه يواصل التلاعب بي فحسب. يتعيّن التعامل مع الأمر بشكل مختلف، عبر +النظام المصرفي+ أو +العقوبات الثانوية؟+. يموت كثر من الناس!!!". بحلول أواخر أيار/مايو، بدأ صبر ترامب ينفد. وكتب في 25 أيار/مايو "كانت لدي دائما علاقة جيدة جدا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنّ شيئا ما أصابه. لقد جنّ جنونه". وقال في اليوم التالي "ما لا يدركه فلاديمير بوتين هو أنه لو لم أكن أنا، لحلّت كثير من الأمور السيئة بروسيا، وأعني سيئة حقا". وتابع "إنه يلعب بالنار!". لكن في عيد ميلاد ترامب الـ79 في 14 حزيران/يونيو، لم ينس بوتين معايدته. وقال ترامب "اتصل الرئيس بوتين بي هذا الصباح ليتمنى لي، بكل لطف، عيد ميلاد سعيدا"، لافتا الى أن الاتصال كان "للتحدث عن إيران، وهو الأهم". لكن الود لم يستمر طويلا. وقال ترامب في البيت الأبيض في الثامن من تموز/يوليو إن "بوتين يردد لنا الكثير من الترهات في الحقيقة. إنه لطيف جدا طوال الوقت، لكن يثبت لاحقا أن لا معنى لذلك". وصرح للصحافيين بعد أسبوع "اعتقدت أنه شخص يعني ما يقول. يتحدث بطريقة رائعة ومن ثم يقصف الناس خلال الليل". وبحلول أواخر تموز/يوليو، قال ترامب إنه "غير مهتم كثيرا" بالتحدث إلى بوتين بعد الآن. لكن قبل أيام على قمة الجمعة في ألاسكا، عاد وأكد أنه يتوقع إجراء "محادثات بنّاءة" مع نظيره الروسي.