logo
بعثة أممية تزور الحديدة لتقييم الأوضاع الإنسانية وسلطات الحوثيين تدعو لاستئناف المشاريع المتوقفة

بعثة أممية تزور الحديدة لتقييم الأوضاع الإنسانية وسلطات الحوثيين تدعو لاستئناف المشاريع المتوقفة

الموقع بوستمنذ 7 ساعات

دعت سلطات الحوثيين في محافظة الحديدة، غرب اليمن، الأمم المتحدة، لاستئناف المشاريع المتوقفة وتوسيع الاستجابة الطارئة لمواجهة الاحتياجات المتزايدة بالمحافظة، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد.
جاء ذلك خلال زيارة بعثة أممية مشتركة، لمحافظة الحديدة، برئاسة مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ماريا روزاريا برونو، وضمت البعثة ممثلين عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وبرنامج الأغذية العالمي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة.
وقالت وكالة سبأ الحوثية، إن زيارة البعثة الأممية تهدف للاطلاع على الأوضاع الإنسانية وتحديد التدخلات الممكنة في القطاعات الخدمية ذات الأولوية، في ظل استمرار التداعيات الناجمة عن "العدوان".
وأشارت إلى لقاء البعثة الأممية مع محافظ الحديدة عبدالله عطيفي المعين من قبل الحوثيين، حيث ناقش اللقاء التحديات التي تواجه المحافظة، وفي مقدمتها الخدمات والتدخلات الممكنة في مجالات الصحة، المياه، والتعليم، والطرق، والدفاع المدني، وكيفية تعزيز دور الأمم المتحدة في تلبية الاستجابة الإنسانية.
واستعرض عطيفي، الاحتياجات الضرورية التي تفتقر لها محافظة الحديدة، وعلى رأسها دعم قطاع الصحة، وتعزيز قدرات الدفاع المدني، وتوفير مشاريع خدمية في مجالات المياه والصرف الصحي، مشيراً إلى أن المحافظة تضررت بشكل بالغ من السيول العام الماضي، وأودت بحياة العشرات وتسببت في تدمير مئات المنازل.
وطالب عطيفي، الأمم المتحدة بتكثيف التدخلات وتوسيع نطاق المشاريع التنموية والإنسانية، في محافظة الحديدة، بما يسهم في تخفيف معاناة المواطنين، وتحقيق استجابة فاعلة ومستدامة تتناسب مع حجم التحديات.
وأكد القيادي الحوثي إسماعيل المتوكل المعين من قبل الحوثيين وكيلا لقطاع التعاون الدولي بوزارة الخارجية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا، خلال اللقاء، أن ميناء الحديدة بات جاهزاً لاستقبال المساعدات الإنسانية، معبرًا عن الأمل في وفاء الأمم المتحدة بالتزاماتها السابقة وتوسيع حجم المساعدات بشكل عاجل.
بدورها، أكدت مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية برونو، أن البعثة الأممية تتفق مع السلطات المحلية في العديد من الأولويات المتعلقة بالاستجابة للكوارث وتغير المناخ.
وأشارت إلى أن تأخر بعض التدخلات الإنسانية يعود لتقليص التمويلات، داعية إلى تعزيز التنسيق وتبادل المعلومات لتسريع الاستجابة، خصوصاً في مواجهة الأوبئة.
وفي وقت سابق اليوم، قالت جماعة الحوثي إن خسائر موانئ الحديدة، جراء الغارات الأمريكية والإسرائيلية بلغت نحو 1.4 مليار دولار.
وذكرت مؤسسة موانئ البحر الأحمر التابعة للحوثيين، في بيان لها، أن خسائر مباشرة وغير مباشرة تجاوزت مليارا و387 مليون دولار في موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، نتيجة لسلسلة غارات العدوان الصهيوني الأمريكي، التي استمرت من يوليو (تموز) 2024 حتى مايو/أيار 2025، وفق وكالة سبأ نسخة صنعاء.
وأشارت إلى أن الأضرار المباشرة بلغت أكثر من 531 مليون دولار، في الوقت الذي قدرت المؤسسة الخسائر غير المباشرة بـ 856 مليون دولار نتيجة توقف الخدمات وتعطل تدفق الإمدادات.
وأكدت أن هذه الاعتداءات استهدفت البنية التحتية والمنشآت التشغيلية للموانئ المدنية، كما تسببت في تدمير أرصفة، ورافعتين رئيسيتين، ومحطات كهرباء ومولدات، ومرافق خدمية ولوجستية.
وبحسب البيان، فقد شمل الدمار الأرصفة العائمة والقاطرات والمستودعات التي كانت مخصصة لتفريغ المواد الغذائية والإغاثية والدوائية، في الموانئ الثلاثة المذكورة.
وأفاد أن الغارات تسببت بتدمير الأرصفة (1، 2، 5، 6، 7، 8)، ورافعتين رئيسيتين، ومحطات كهرباء ومولدات، ومرافق خدمية ولوجستية، بما في ذلك الأرصفة العائمة والقاطرات والمستودعات، التي كانت مخصصة لتفريغ المواد الغذائية والإغاثية والدوائية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

«عاهات الاشتراكية» أم «عاهات الرأسمالية»؟ تضليل اقتصادي برعاية غرفة تجارة دمشق
«عاهات الاشتراكية» أم «عاهات الرأسمالية»؟ تضليل اقتصادي برعاية غرفة تجارة دمشق

قاسيون

timeمنذ 5 ساعات

  • قاسيون

«عاهات الاشتراكية» أم «عاهات الرأسمالية»؟ تضليل اقتصادي برعاية غرفة تجارة دمشق

إلى جانب سكوللاند، اعتلى المنصة كل من رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، عصام الغريواتي، الذي أكد أن هذه اللقاءات «تمثل ركيزة أساسية في مسيرة التعافي الاقتصادي والانفتاح نحو مستقبل أكثر إشراقاً»، ومستشار وزير الاقتصاد والصناعة، مازن الديروان، وهو صاحب التصريحات الأخيرة، التي لاقت استهجاناً واسعاً داخل البلاد، حول ضرورة أن تتخلى الدولة السورية بالكامل عن دورها في إدارتها للاقتصاد وأن يتم بيع القطاع العام السوري بالكامل. ألقى الديروان مداخلة افتتاحية، عرف فيها المحاضرة الضيفة، وأشار إلى أن «التجربة الصينية في الانتقال إلى اقتصاد السوق الحر» تُعد واحدة من أبرز النماذج العالمية الجديرة بالدراسة والتأمل، ودعا للتسريع في عملية «التحول نحو اقتصاد السوق» في سورية، واصفاً السياسات الاقتصادية لنظام الأسد بأنها «عاهات الاشتراكية التي كبلت الاقتصاد السوري». بدورها، تمحورت محاضرة سكوللاند التي تضمنت الكثير من الحديث عن «تجربتها» و«انطباعاتها» الشخصية خلال فترة حياتها في الصين، على ثلاث أفكار أساسية يمكن اعتبارها نقاط انطلاق في تحليلها عموماً: أولاً، أن الصين انتقلت من نظام شيوعي إلى نظام رأسمالي صرف يعتمد اقتصاد السوق الحر. ثانياً، أن الصين «تخلت عن نموذجها الاقتصادي المركزي الصارم». ثالثاً، أن انتشال الصينيين من الفقر جاء بفضل «التخلي الصيني» عن هذا النموذج. وهي الأفكار الثلاث التي سنحاول التطرق لها بإيجاز في هذا المقال. هل الصين «دولة رأسمالية صرفة»؟ يختلف النموذج الاقتصادي الصيني عن الرأسمالية - التي تُعتبر في جوهرها سعياً دائماً نحو الربح الأقصى - في جوانب أساسية عدة، حيث تلعب المؤسسات المملوكة للدولة، والتي بلغ عددها 867,000 ومثلت نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي للصين في عام 2020، دوراً مركزياً في القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية، مع إعطاء الأولوية للأهداف الوطنية الاجتماعية على الربح. وعلى عكس الاقتصادات الرأسمالية، تحدد الخطط الخمسية الصينية، مثل الخطة الخمسية الرابعة عشرة (2021-2025)، الأولويات الاقتصادية والاجتماعية، وتوجه الموارد لتحقيق أهداف استراتيجية طويلة الأجل بدلاً من المكاسب المالية قصيرة الأجل. وهذا يتناقض جذرياً مع الاقتصادات الرأسمالية، حيث يتحكم السوق بقرارات الاستثمار. ويتضمن نهج الصين في تنظيم الاقتصاد تدخلاً حكومياً كبيراً لضمان الاستقرار الاجتماعي، ما يتعارض مع مبدأ السعي نحو الربح الأقصى في الرأسمالية. بالإضافة إلى ذلك، إذا نظرنا إلى ضوابط رأس المال والقيود على الاستثمار الأجنبي في الصين، نجد أنها تُعاكس النموذج النظري الصافي لاقتصاد السوق الحر. في الواقع، يعطي النموذج الاقتصادي الصيني الأولوية للأهداف الاستراتيجية والاجتماعية على الربح الأقصى، ما يبيّن انحرافاً جذرياً عن المبادئ الرأسمالية. ومن الأمثلة الأولية على ذلك: أولاً: شبكة السكك الحديدية عالية السرعة في الصين، والتي امتدت لأكثر من 40,000 كيلومتر في عام 2023، وتطلّب إنجازها استثمارات حكومية ضخمة مع خسائر مالية أولية. وكان الهدف تعزيز الربط، وتنشيط الاقتصادات المحلية، ودعم التنمية طويلة الأجل، وليس الربح الأقصى الفوري. ثانياً: مبادرة «الحزام والطريق» التي أطلقت في عام 2013، وشملت مليارات الدولارات على شكل قروض واستثمارات في مشاريع البنية التحتية في آسيا وأفريقيا وأوروبا. ورغم أن هذه المشاريع انطوت على مخاطر مالية كبيرة، إلا أن الصين استمرت فيها في سبيل ربط الاقتصادات المعنية. ثالثاً: في عام 2022، استثمرت الصين 546 مليار دولار في الطاقة النظيفة، وهو ما يعادل نحو نصف الإنفاق العالمي على الطاقة منخفضة الكربون، وذلك لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060. وشمل ذلك تشغيل قدرة طاقة شمسية كهروضوئية في عام 2023 تعادل ما أنجزه العالم كله في عام 2022، وكان هذا مدفوعاً بأهداف بيئية وإنمائية بدلاً من الأرباح قصيرة الأجل. رابعاً: خلال الأزمة المالية العالمية 2008، وبعدها في جائحة كورونا 2020، قدمت الصين نموذجاً مختلفاً تماماً عما جرى في الاقتصادات الرأسمالية التي أعطت الأولوية لمصالح الشركات في تخفيض التكاليف من خلال عمليات تسريح الموظفين. حيث وجهت المؤسسات المملوكة للدولة في الصين للحفاظ على مستويات التوظيف، حتى على حساب تقليل الأرباح والنمو، وذلك لضمان الاستقرار الاجتماعي. الخلاصة أنه من الصحيح أن الصين اعتمدت إلى إصلاح نموذجها الاقتصادي وفتحت مجالاً للسوق منذ عام 1978، لكن نموذجها ظلّ متميزاً عن الأنظمة الرأسمالية أو أنظمة السوق المفتوح بسبب الدور الواسع للدولة في الحياة الاقتصادية، والتركيز على الأهداف الاستراتيجية الضامنة للاستقرار الاجتماعي ومعيشة الناس. باختصار، الربح في الصين مُرحب به ضمن حدود خدمة أهداف النمو الاقتصادي، لكن عندما يتعارض الربح مع أولويات مثل توسيع البنى التحتية أو الحفاظ على البيئة أو القضاء على الفقر، يتنحى الربح جانباً. هل تخلت الصين عن النموذج الاقتصادي المركزي المخطط؟ يتسم النموذج الاقتصادي الصيني بشكل جوهري بالتخطيط المركزي، سواء في نماذجه السابقة خلال القرن العشرين، أو في صيغته المعاصرة المعروفة باسم «اقتصاد السوق الاشتراكي» الذي يُعبّر عنه رسمياً بشكلٍ صريح بوصفه تمهيداً أو «مرحلة أولية» لتطوير الاشتراكية. إلا أن هذا التخطيط لا يقتصر على الإدارة التقنية للشؤون الاقتصادية، بل يشمل أيضاً التزاماً رسمياً بتحقيق العدالة الاجتماعية والرفاه للمواطنين. ففي الممارسة، يعني الاقتصاد المخطط في الصين أن الدولة تلعب دوراً توجيهياً في كل نتيجة اقتصادية كبرى، بدءاً من تحديد أهداف النمو الاقتصادي، ووصولاً إلى إعادة توزيع الثروة بين المناطق والطبقات الاجتماعية. يلاحظ الباحث الاقتصادي الفرنسي، ريمي هيريرا، أن النظام الاقتصادي الصيني يستند إلى «تخطيط قوي ومُحدَّث» وإلى إطار سياسي يتيح «خيارات جماعية» في السياسات الاقتصادية. وهذا يعني عملياً أن الحكومة تتدخل بانتظام في الأسواق، حيث توجه الإنفاق إلى القطاعات الإنتاجية وتُدير أسعار الصرف وتدفقات رأس المال، وتحدِّد اتجاهات الاستثمار وفق أولوياتها. ولا تزال الدولة الصينية تحتفظ بالحصص الأكبر في البنوك والشركات الكبرى، ما يسمح لها بتوجيه النتائج الاقتصادية. بالتالي، فإن «الاقتصاد المخطط» الصيني اليوم هو مزيج من النشاط السوقي والتوجيه الحكومي، وهو نموذج هجين وفريد حيث يرسم التخطيط المسار وتُستخدم الأسواق كأداة لجرّ العربة في الاتجاه الضروري اجتماعياً. فعلياً، تتدخل الدولة بشكل مباشر لتوزيع فوائد النمو الاقتصادي ومنع التفاوت الشديد في توزيع الثروة. من الأمثلة الأساسية على هذا التدخل هو إعادة توزيع الثروة بين المناطق المختلفة. فالمخططون الصينيون يعيدون توزيع الثروة من المقاطعات الساحلية الغنية إلى المناطق الداخلية الفقيرة من خلال التحويلات المالية وبرامج «التوأمة والمساعدة»، حيث تُربط المدن المزدهرة في الشرق بمقاطعات أقل نمواً في الغرب لتقديم الدعم والاستثمار والخبرة، وهي مبادرة تضامنية تنظمها الدولة ولا نظير لها في أنظمة «اقتصاد السوق الحر». تُحدد الحكومة الصينية أهدافاً عامة، مثل نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي، أو سقف معدل التضخم، أو هدف خفض الفقر، أو الحد من كثافة استهلاك الطاقة، وتستخدم أدوات التخطيط للتأثير في النتائج. وبدلاً من فرض ما تنتجه كل منشأة، قد تقرر بكين مثلاً أن الصناعات التكنولوجية يجب أن تُشكّل 10% من الناتج المحلي بحلول عام معين، ثم توجّه البنوك والجامعات والشركات لحشد الموارد نحو هذا القطاع من خلال الدعم والتمويل البحثي. كذلك يسمح النظام المخطط في الصين بتعبئة الموارد لإنجاز مشاريع كبرى ذات قيمة اجتماعية. سواء كان الأمر يتعلق ببناء شبكة سكك حديدية عالية السرعة على مستوى البلاد، أو تنفيذ مبادرة «الحزام والطريق»، أو إطلاق حملات الصحة العامة (كما حدث في الاستجابة المركزية السريعة لتفشي كورونا في ووهان). كيف جرى انتشال الصينيين من الفقر المدقع؟ شهدت الصين خلال العقود الأربعة الماضية تحولاً اجتماعياً غير مسبوق: فقد خرج نحو 800 مليون شخص من دائرة الفقر المدقع. ولم يكن هذا التحول، من بلد كان معظم سكانه يعيشون بأقل من دولارين يومياً في أوائل الثمانينيات إلى اقتصاد من الشريحة العليا من الدخل المتوسط اليوم، نتيجة للتحول نحو «اقتصاد السوق الحر»، بل جاء بفعل سياسات وتدخلات حكومية هدفت إلى تخفيف الفقر واستخدمت أدوات الاقتصاد المخطط لمصلحة القوى المنتجة. ووفقاً للبنك الدولي، فقد انخفض عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر الدولي (1.90 دولار في اليوم) في الصين بنحو 800 مليون مواطن بين عامي 1981 و2021. وبذلك ساهمت الصين - وحدها - بنحو ثلاثة أرباع جميع من خرجوا من الفقر المدقع في العالم خلال تلك الفترة. وبالمناسبة، تستخدم خط فقر وطني أكثر صرامة من خط الفقر الدولي، ووفقاً لهذا الخط، تم إخراج نحو 770 مليون شخص من الفقر في 40 عاماً. تشير مؤشرات التنمية البشرية إلى عمق هذا التغير: فقد ارتفع متوسط العمر المتوقع في الصين من نحو 66 عاماً عام 1978 إلى 78 عاماً بحلول عام 2020، كما أصبحت الأمية شبه معدومة بفضل توسيع فرص التعليم. وقد سجلت الأمم المتحدة أن الصين هي الدولة الوحيدة التي انتقلت من فئة «التنمية البشرية المنخفضة» في 1990 إلى «التنمية البشرية العالية» خلال بضعة عقود فقط. وفي عام 2020، أعلنت الصين رسمياً أنها قضت على الفقر المدقع في الأرياف، وحققت بذلك الهدف الأول من «أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030» قبل عشر سنوات من الموعد. كانت الدفعة الأخيرة في مسيرة القضاء على الفقر في الصين حملة «التخفيف المخطط للفقر» بين عامي 2013 و2020، والتي تُعد نموذجاً حياً لتطبيق الاقتصاد المخطط بقيادة الدولة على الأرض. فقد أعلن الرئيس الصيني الهدف الطموح المتمثل في القضاء التام على الفقر المدقع في الريف بحلول عام 2020، وجعل من هذه المهمة محوراً أساسياً. لتحقيق هذا الهدف، اتبعت الحكومة نهجاً دقيقاً: أنشأت قاعدة بيانات وطنية تضم كل فرد وأسرة فقيرة في البلاد، مع توثيق الأسماء والاحتياجات. وجاب ملايين الموظفين القرى لإجراء مسح شامل حول الدخل والظروف المعيشية. وبحلول عام 2014، كانت الحكومة قد سجّلت 89.9 مليون فقير ضمن 29.5 مليون أسرة، موزعين على 128 ألف قرية و832 محافظة فقيرة، وهي الأرقام التي شكّلت لاحقاً مرجعية التنفيذ والتقييم. وكانت التدخلات متنوعة ومصممة حسب الحاجة: في بعض الحالات تم تقديم قروض صغيرة أو منح لإطلاق مشاريع مثل تربية الحيوانات أو افتتاح محلات تجارية. وفي حالات أخرى، تم تدريب الأفراد أو توفير وظائف في المصانع القريبة. ولعبت البنية التحتية دوراً كبيراً: فشُقّت طرق جديدة لربط القرى النائية، ووُفِّرت مساكن آمنة لمن يعيشون في بيوت متهالكة. ونُقل نحو 10 ملايين شخص من مناطق غير صالحة للحياة، مثل الجبال المعرضة للانهيارات أو الصحارى القاحلة، إلى بلدات وأحياء جديدة مجهزة بالخدمات. وتضمنت عملية النقل منح العائلات مساكن حديثة وفرص عمل بديلة، ومولت الدولة هذه العمليات بالكامل، بمساهمة من مقاطعات غنية تولّت رعاية بعض هذه المجتمعات الجديدة. ماذا عن سورية؟ في ضوء ما كُشف عنه في التجربة الصينية من قدرة الدولة على توجيه الاقتصاد نحو أهداف اجتماعية وإنمائية كبرى، يبرز التساؤل: هل يصلح تبني اقتصاد السوق الحر في سورية ما بعد الحرب؟ الإجابة ببساطة: لا. بل إن هذا النموذج، إذا ما طُبق سيكون وصفة لتعميم الفقر، وتعميق التهميش، وتعطيل النمو الاقتصادي. اقتصاد السوق الحر الذي يجري الترويج له في سورية اليوم مطابق لوصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، ويقوم على مجموعة من المبادئ المدمرة: تحرير الأسعار، خصخصة القطاع العام، تقليص دور الدولة في العملية الاقتصادية، فتح الأسواق أمام رأس المال الأجنبي. ورغم أن هذه المبادئ قد تبدو «حديثة» في ظاهرها، إلا أنها كارثية في سياق بلد منهك وممزق اجتماعياً، ويعاني من غياب المؤسسات، ولا وجود لشبكات أمان اجتماعي. فتح السوق في هذه الظروف ليس انفتاحاً على الفرص، بل انكشافاً أمام النهب المنظم والاحتكار والإفساد، وهو ما شهدنا نتائجه بفعل سياسات سلطة الأسد التي روجت لهذا النموذج طويلاً. سوريا تحتاج إلى اقتصاد مخطط ومنتج وموجه نحو العدالة الاجتماعية وإعادة الإعمار على أسس وطنية. تحتاج إلى استثمارات عامة، وإلى دعم الإنتاج الوطني، وإلى مشاريع تنموية تدمج الفقراء في الاقتصاد، لا تُقصيهم باسم «الكفاءة» الزائفة. والتجربة الصينية تؤكد شيئاً واضحاً: ليست الحرية الاقتصادية هدفاً في ذاتها، بل وسيلة تُقاس بمدى خدمتها للمجتمع وللناس. أما «التحرير» الاقتصادي المنفلت، خاصة في الدول شديدة الهشاشة، فهو مجرد تغطية لتجريف ما تبقى من الدولة.

«التنمية الإنسانية» تحتضر.. والمانحون مفلسون
«التنمية الإنسانية» تحتضر.. والمانحون مفلسون

قاسيون

timeمنذ 5 ساعات

  • قاسيون

«التنمية الإنسانية» تحتضر.. والمانحون مفلسون

يواجه القطاع الإنساني مستقبلاً قاتماً وسط خفض كبير في تمويل كبار المانحين. يسعى هذا القطاع اليوم لفهم تداعيات المستقبل في ظل تقليص أبرز مانحيه لحجم تمويلهم بشكل كبير. تسلط بيانات جديدة الضوء على الاتجاهات التي كانت خفية خلف هيمنة التمويل الأمريكي، وتوضح أهمية المانحين الصغار، وتكشف عما ينتظرنا في عام 2025 وما بعده. وفقاً لبيانات أولية صدرت في 16 نيسان 2024 عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، انخفض التمويل الرسمي للتنمية للمرة الأولى منذ خمس سنوات. حيث قدّم أعضاء لجنة المساعدة الإنمائية التابعة للمنظمة– وهم في الغالب من دول الشمال العالمي– ما مجموعه 212.1 مليار دولار كمساعدات إنمائية، منها 24.2 مليار دولار كمساعدات إنسانية. وهذا يمثل انخفاضاً بنسبة 7.1% في التمويل الإنمائي، و9.6% في التمويل الإنساني مقارنة بالعام السابق. لكن الأرقام تكشف أن التراجع الحقيقي بدأ قبل الخفض الأمريكي الأخير، وتُظهر اختلافات في أولويات المانحين، مما يجعل التنسيق بين هذه القرارات أكثر إلحاحاً الآن. وإذا كان تمويل عام 2024 هو آخر صورة للنظام الإنساني كما نعرفه، فإن هناك دروساً لا بد للقطاع الإنساني أن يستخلصها من أجل التكيف مع منظومة تمويلية أكثر تقشفاً في المستقبل. رغم أن العنوان البارز لبيانات 2024 هو تراجع المساعدات الإنسانية بنسبة 9.6%، فإن هذا الرقم لا يعكس الصورة الكاملة. الأرقام الأهم تظهر عند استثناء التمويل الأمريكي والمساعدات الموجهة لأوكرانيا– أكبر جهة مانحة وأكبر جهة متلقية. فعند تجاهل التمويل الأمريكي والتركيز على باقي المانحين، نلاحظ أن التمويل الإنساني بلغ ذروته في عام 2022، حيث زادت المساعدات بنسبة 52% مقارنة بعام 2015. لكن عند إدراج التمويل الأمريكي، استمر الارتفاع حتى 2023، ثم بدأ الانخفاض. عوّض التمويل الأمريكي المرتفع في 2023 عن التراجع في تمويل الحكومات الأخرى، مما جعل المساعدات الإنسانية الرسمية تبلغ أعلى مستوياتها على الإطلاق، بزيادة قدرها 66% عن مستويات 2015. بعبارة أخرى، غطى التمويل الأمريكي على حالة الجمود في باقي المساعدات الإنسانية. وقد كان واضحاً في ذلك الحين أن اعتماد القطاع على حكومة واحدة لتوفير أكثر من ثلث التمويل العالمي أمر غير مستدام، لكن قلة فقط توقعت السرعة التي سيُجبر بها القطاع على التخلص من اعتماده على الدولار الأمريكي. ومع انهيار ميزانيات المساعدات هذا العام، من المرجّح أن تنخفض الأرقام أكثر في 2025. وتتوقع المنظمة تراجعاً في المساعدات الرسمية للتنمية يتراوح بين 9 و17% العام المقبل. قطرة في بحر ثروات المانحين رغم أنه يُستخدم كثيراً من قبل الساسة اليمينيين كهدف للهجوم، فإن التمويل الإنمائي الرسمي لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من إنفاق الحكومات المانحة، بل ويكاد لا يُذكر عند مقارنته بدخلها القومي الإجمالي، خصوصاً في مجال المساعدات الإنسانية. وكمثال، هناك هدف تطوعي حدّده مجلس الاتحاد الأوروبي لدوله الأعضاء يقضي بتخصيص 0.07% من الدخل القومي الإجمالي كمساعدات إنسانية. لكن حتى هذا الهدف المتواضع– والذي يمثل عُشر الهدف الأشمل والأكثر طموحاً ببلوغ 0.7% من الدخل القومي الإجمالي– لا تحققه سوى أربع دول فقط من أعضاء لجنة المساعدة الإنمائية: لوكسمبورغ، والنرويج، والسويد، والدنمارك. الاتجاه العام لم يتغير خلال عقد كامل. في 2015 أيضاً، لم يكن هناك سوى أربع دول فقط حققت عتبة 0.07%، ويبدو أن هذا الرقم لن يرتفع كثيراً في المستقبل القريب. رغم الخطاب المتكرر حول ما يسمى «الترابط بين العمل الإنساني والتنمية والسلام» خلال العقد الماضي، فإن الاتجاهات الحديثة تظهر تراجعاً في تمويل التنمية والسلام مقارنة بالمساعدات الإنسانية في البيئات الهشة للغاية. وقد ظهر هذا الاتجاه بوضوح في الاقتراح الأمريكي بإنشاء «وكالة المساعدة الإنسانية الدولية» لتحل محل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID. وأثار هذا المقترح قلقاً من دخول حلقة مفرغة: فإذا ما انسحب المانحون من دعم التنمية والسلام في البيئات الهشة، فإن الطلب على المساعدات الإنسانية سيزداد مع تفاقم الأزمات. لكن بيانات 2024 تروي قصة مختلفة: فقد خفّض معظم المانحين تمويلهم الإنساني بنسبة أكبر مقارنة بخفضهم للمساعدات الإنمائية عموماً. من الصعب التنبؤ بكيفية تطور هذه الاتجاهات في 2025، خاصة مع ميل بعض الدول– وعلى رأسها أمريكا– للتركيز على الإغاثة الإنسانية على حساب التعاون التنموي. لكن أرقام 2024 لا تُظهر أن المانحين يخططون لاستخدام التنمية كاستراتيجية خروج لتعويض تقليص المساعدات الإنسانية. بل على العكس، بقيت المساعدات الإنسانية الشكل الرئيس للتمويل في البيئات الهشة، والتراجع فيها لن يُعوَّض بأشكال أخرى من التمويل. في ظل اقتراب انعقاد اجتماعات الربيع للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن، يجب أن يكون الحفاظ على التعاون التنموي في البيئات الهشة، ومنع أزمات الديون في الدول المعرضة للكوارث، على رأس الأولويات. فرصة أو فوضى؟ أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى فهم كيفية تخصيص المانحين لأموالهم وسط تقليص التمويل العالمي. ويواجه النظام الإنساني أسئلة محورية: ما الشكل الحقيقي لنظام تمويلي قائم على الاحتياجات؟ وما الذي يجب أن يُعطى الأولوية؟ طالما وُجِّهت الانتقادات للمانحين بأنهم يميلون لاستخدام أجندات سياسية عند تخصيص المساعدات. لكن الأرقام تكشف بأنّ الاستخدام السياسي أعلى بكثير من المتداول. على سبيل المثال: تعتبر الاستجابات في أوكرانيا وفلسطين من أبرز الأزمات الإنسانية ذات الأبعاد الجيوسياسية في السنوات الأخيرة. لكن تعامل المانحين معها كان متبايناً. فلم يخصص أي من أكبر عشرة مانحين أكثر من 40% من مساعداته الإنسانية لهذين الملفين مجتمعَين. في المقابل، تبنّى المانحون الأصغر استراتيجيات مختلفة، حيث خصّص ستة منهم أكثر من 40% من تمويلهم لأوكرانيا وفلسطين، بينما اتجه آخرون لتمويل أزمات أقل شهرة أو دعماً، في محاولة لتعظيم أثر مساهماتهم المحدودة. قد تكون هذه المرونة مفيدة في مواضع محددة، ولكنّها ليست ممكنة إلّا في وجود مانح ضخم يوفّر قاعدة تمويلية واسعة. والآن، مع تغير التمويل الأمريكي، بات من الواضح أن البيئة التمويلية تغيّرت بالكامل. لم يعد هناك متسع للخطأ أو الهدر، ولا مبرر لتكرار الجهود أو التركز المفرط على أزمات تحظى بالتغطية الإعلامية. والسؤال الأهم اليوم: كيف يمكن للمانحين الصغار ومتوسطي الحجم تعزيز كفاءتهم الجماعية لضمان توزيع التمويل بشكل أكثر عدالة عبر الأزمات المختلفة؟ تواجه الحكومات المانحة ضغوطاً هائلة، ويُطلب منها اتخاذ قرارات مثالية وسط تدقيق شديد من شركائها في القطاع، وقادتهم السياسيين، وأحياناً وسائل إعلامهم المحلية. لسنوات طويلة، تم تجاهل نقاشات ضرورية حول مدى استدامة وصحة النظام التمويلي الإنساني. أما اليوم، فتحدث هذه النقاشات بشكل متسارع، لكن في حالة من السقوط الحر. ولا بد من الاعتراف أن التحديات الراهنة لا تنبع فقط من الاعتماد الزائد على مصدر تمويل واحد، بل أيضاً من خلل جوهري في هيكل النظام التمويلي. عناصر كانت تُعتبر مقبولة سابقاً– مثل: غياب التنسيق بين المانحين، أو الميل السياسي في تخصيص الأموال– أصبحت الآن تشكّل خطراً كبيراً على الكفاءة.

شبهة تحريم الحج وشبهة تحريم التصريح له
شبهة تحريم الحج وشبهة تحريم التصريح له

الوطن

timeمنذ 6 ساعات

  • الوطن

شبهة تحريم الحج وشبهة تحريم التصريح له

جاء كلام يظهر على أنه فتاوى بتحريم الحج هذا العام، وبعضها تحرمه منذ أعوام وبعضها لا تحرم الحج وإنما تفتي بحرمة المال الناتج عنه. وهو كلام لا نزال نسمعه منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى حين لم يكن هناك سوى ما تروج له الدولة العثمانية، ومن يتصدرون لتأليف الكتب على ما تريد، كأحمد زيني وابن عبدالشكور وابن جرجيس وابن سند وغيرهم، أما الآن فقد أصبح بإمكان كل فرد أن يكون إعلاماً بذاته، ولذلك فحينما يكثر المعارضون للسعودية تكبر معه جماهيريتهم وتشيع دعايتهم، وهكذا كان. وقلة ممن تحدث في هذا الموضوع من طلبة العلم بشكل علمي رصين، يرجو الحق، ويبتعد عن التَّسيِيس؛ وقد اطلعت على رد أحد هؤلاء وهو مبادرة طيبة، جزاه الله خيراً، لكنه أهمل كثيراً من الجوانب المهمة جداً التي يكتمل رده لو أضافها. وهنا أقول كان كثيرون يقولون إن السعودية كدولة تأخذ كثيراً من المال على الحجاج عند إصدار التأشيرة؛ وإن كان الكلام ليس جديداً، فقد كان يقال مثله منذ أسست مع أنها كانت تصدر تأشيرات الحج مجاناً، فلا غرابة أن يأتي الكلام عليها حين جعلت رسم تأشيرة الحج مبلغ 300 ريال أي أقل من الـ100 دولار وبالتحديد حوالى 80 دولاراً وهو السعر نفسه لتأشيرة الزيارة ولتأشيرة السياحة، أي إن من يدخل السعودية لأي غرض سواء أكان حجاً أم عمرة أم سياحة سيدفع المبلغ نفسه. وهذا المبلغ لا يقتضي هذه الفتوى الشنيعة بتحريم الحج أو تأثيم فاعله أو غير ذلك، لأمور منها: أنه مبلغ أقل بكثير جداً من المبلغ الذي تأخذه من الحجيج دولهم، إذ تأخذ الدول مبالغ تتفاوت ما بين 4 آلاف دولار و500 في بعض الدول العربية، إلى 15 ألف دولار في دول أخرى. إذاً هل يصبح أن يكون دفع 80 دولاراً مؤدياً إلى القول بالتحريم؟ أمر آخر: إن الحج واجب على القادر عليه أياً كان وأينما كان؛ ولو بُلي الناس بحاكم لا قدر الله يأخذ المال الضخم على الحجاج لوجب الحج مع وجود هذا الحاكم، ومع إثمه، فيما إذا كان ما يأخذه فوق ما يكلفه عمل الحج وخدمته بكثير، فإن كان ما يأخذه الحاكم دون ما يكلفه عمل الحج أو مثل ما يُكلفه عمل الحج أو فوقه بمقدار يعادل ربح العمل فهذا أمر مباح وليس محرماً ومن قال بالتحريم فإنما هو من السفهاء حقاً. نعم هم السفهاء حقاً، وليسوا بعلماء ولا بطلاب علم على الحقيقة؛ وذلك أنهم يقولون مثلاً: إن الأموال التي يدفعها الحاج تعود إلى الكيان الصهيوني، وهذا أولاً زعم مخالف للحقيقة كما أنه زعم يَتَصَور صاحبه لجهله أن الـ300 ريال التي يقدمها الحاج كأنها تصير بمجموعها 3 تريليونات أو أكثر، وهذا تصورٌ لا نقول إنه طفولي؛ بل الأطفال يتصورون أفضل منه؛ لأن الـ300 ريال تصير إذا حَسَبْنا الحجاج بمليوني نسمة إلى 600 مليون ريال أي 160 مليون دولار، وهو مبلغ لا يصل إلى قيمة طائرة حربية من الطائرات التي يستخدمها الصهاينة؛ كما أن السعودية وهذا هو الكلام الحق ليس بينها وبين الكيان الصهيوني أية علاقة، وقد حاول خصوم المملكة إثبات ذلك بكلام استطاعوا به تأليب الشعوب غير المتعاطفة مع السعودية، لكنه غير صحيح، وليس لديهم شاهد على ذلك صورة واحدة بين مسؤول سعودي في موقع المسؤولية وأي مسؤول صهيوني؛ مع أن الصهاينة ينشرون الصور بشكل مريب كما نشروا صور بعض من زارهم من كبراء العرب ولهم معهم علاقات وطيدة، وحاول هؤلاء العرب ستر تلك الصور؛ لكن ولع الصهاينة بالفضائح فوق كل اعتبار عندهم. على أي حال هذا رد على القول بوجود علاقة بين السعودية والكيان الصهيوني، مع أنه في حال وجود علاقة لا يمكن القول بتحريم الحج؛ فليست العلاقة تعني الإمداد المالي، وليست أموال الحج هي التي تغني العدو بالسلاح، ومعروفة مصادر العدو من الأسلحة؛ وعلى افتراض كون العدو يشتري الأسلحة بمال السعودية، وهذا افتراض أبعد من الشمس، ولكننا نقوله جدلاً فلا يجعل ذلك الحج محرماً، لأن الله أمر عباده بالحج إلى مكة، ولم يكلف أحداً بتتبع ما يدفعه من مال وأين يصير؛ لأن الله إذا شاء نَصْرَ المسلمين نَصَرَهُم ولو كانت الدنيا تُمِد عدوهم كما فعل، عز وجل، بالمسلمين الأوائل فانتصروا في اليرموك والقادسية وغيرها. وقضية أخرى يذكرها المسيسون ضد السعودية ولم نر عالماً بذل نفسه للعلم- لا للسياسة- ذكرها؛ وهي إنكارهم على المملكة اشتراط التصريح للحج؛ وأَعْلَمُ أن هؤلاء المنكرين لو تولى من يُحِبونه- لأقدر الله- شأن الحج، ونسأله أن يزيد عزنا بمن ولاه الله حكمنا، لأقر التصاريح، وربما زاد عليها؛ ولكن حديثنا هنا سيكون للبعيدين عن تأثير السياسة والحقد والحسد فيهم؛ فنقول لنفرض صحة ما قالوه من عدم ضرورة التصاريح وجواز الاحتيال، نعوذ بالله من ذلك، وهذا ما قاله بعض أدعياء العلم واستدلّ بقوله تعالى «سبيلاً» الواردة في قوله تعالى «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً»، وقال إنها نكرة في سياق الإثبات فتعم كل سبيل، سواء بتصريح أو غير تصريح أو احتيال أو غيره ؛ فأولاً: النكرة في سياق الإثبات لا تعم وهذا وهم منه؛ ثانياً: لو فرضنا صحة ذلك هل سيكون الإسلام هو الإسلام؟ هل الإسلام الذي يدعو إلى الصدق والسماحة والعدل والانضباط والوقار والاعتدال وحفظ المروءة والكرامة، هو الإسلام الذي يبيح الكذب والحيلة والتزوير والاندساس والتذلل للبشر، وكل هذه الصفات هي التي لا بد للمحتال من اقترافها، فهل هذا هو الإسلام، لا والله لا يكون الإسلام بهذا الشكل أبدا. واستدلال هذا المتمشيخ معارض بالكتاب ومعارض بالمصالح، أما معارضته بالكتاب فقوله تعالى ﴿يَسأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُل هِيَ مَواقيتُ لِلنّاسِ وَالحَجِّ وَلَيسَ البِرُّ بِأَن تَأتُوا البُيوتَ مِن ظُهورِها وَلكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى وَأتُوا البُيوتَ مِن أَبوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ﴾ [البقرة: 189] فقوله تعالى «ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها» وقوله «وأتوا البيوت من أبوابها» ظاهر في أن دخول البيوت من ظهورها زيادة مبتدعة في أعمال الحج، وكان الأحمسيون وهم قريش يعملونها، وكذلك الأنصار، فنهوا عن ذلك، فإذا كان دخول البيوت من ظهورها منهي عنه في ذلك الزمن، ففي هذا الزمن أولى ألا تدخل للحج بالحيلة، وهي تقتضي الكذب والكذب محرم في الإسلام، وهو أشد تحريماً إذا كان في عبادة يرجو المرؤ منها أن يخرج من سيئاته كيوم ولدته أمه، فكيف يفتتحها بالحيل والأكاذيب. هذا وإن الحكومة السعودية ترجو أن تضخم من أعداد الحجيج، ولكن كيف تُضَخِّمُهم ومنهم من يحجون دون تصريح فيصلون بذلك إلى ضعف عددهم، وربما إن أتيح الأمر دون رقابة كما يطالب هؤلاء أن يتضاعف العدد أضعافاً أخرى، لذلك فضبط هذا الأمر مما لا شك في ضرورته واتخاذ كافة الوسائل لفعله، فلولا ضبط عدد الحجاج لبطل حج كثير من الناس وذلك لأن عرفة لن تستغرقهم وسوف يبقى كثيرون خارج عرفة والحج كما يعلم الكل: عرفة، وكذلك الأمر في منى ومزدلفة، وقد وجدنا هذا الأمر حدث فعلاً في المشاعر الثلاثة ووجدناه في منى بشكل فظيع، فهل يريد هؤلاء المتهورون المتهوكون في ما يبثونه على المسلمين من فتاوى ألَّا يحج الناس أم يريدون مكسباً سياسياً في وهمهم حين تقع السعودية في هذه العقبات وتسقط المسلمين. أضف إلى ذلك أمراً هو الأهم، وهو أن منع الحج دون تصريح بل وتحريمه يسهم في تأمين الحجاج وسلامتهم من كثير من الأمور، ومنها: الفوضى وما تؤدي إليه، وقد علمنا ما نتج عن الفوضى في أزمان سابقة من موت المسلمين وما حل ببعضهم، ومنها: أن مكة في أيام الحج يعدها كبار قادة المخدرات في العالم مكاناً مناسباً للتبادل، ولا أعني هنا أن القادمين للزيارة من هذا النوع حاشا لله فكثير منهم بل والغالب عليهم حسن الديانة إلا أننا نجد استخدام الحج غير النظامي وسيلة لانتهاك الحج بكثير من المعاصي ومنها هذه المعصية أمراً مقبولاً عند هؤلاء أجارنا الله وإياكم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store