
وكالة الفضاء الأفريقية... طموح قاري يصطدم بنقص الموارد وتباين الأولويات
تمثل وكالة الفضاء الأفريقية، التي افتُتح مقرها في القاهرة خلال أبريل (نيسان) الماضي، أول كيان قاري موحّد لتطوير برامج الفضاء في القارة السمراء، بدعم من الاتحاد الأفريقي، الذي يضم 55 دولة، تمتلك أكثر من 20 منها برامج فضاء وطنية.
ورغم الطموحات الكبيرة للوكالة، التي تهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة عبر تكنولوجيا الفضاء، خصوصاً في الاتصالات والأمن الغذائي، وتوفير بنية تحتية مشتركة بدلاً من الاعتماد على حلول فردية مكلفة، فإن الوكالة الناشئة تصطدم بتحديات أبرزها ضعف التمويل وتفاوت القدرات الفنية بين الدول، حسب خبراء.
تدشين مقر وكالة الفضاء الأفريقية في العاصمة الإدارية بمصر (وكالة الفضاء المصرية)
تحدي التمويل
لا تزال الوكالة الأفريقية في مراحلها الأولى، إذ لم يُستكمل طاقمها أو تحدَّد ميزانيتها وبرنامج عملها التفصيلي. وقد بلغت ميزانيات الفضاء للدول الأفريقية مجتمعةً نحو 465 مليون دولار في 2024، أي أقل من 1 في المائة من الإنفاق العالمي على الفضاء، حسب شركة «سبيس إن أفريكا».
ويُتوقع أن تموَّل الوكالة أساساً من ميزانية الاتحاد الأفريقي (606 ملايين دولار في 2024)، مع احتمال دعم إضافي من مصادر خارجية مثل البنوك التنموية، وفق ما ذكره ميشاك كينيوا نديريتو، مهندس الفضاء بالوكالة لدورية «نيتشر».
لكن وحسب الدكتور علاء النهري، نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء في الأمم المتحدة، فإن التمويل المخصص من الاتحاد الأفريقي لا يزال «ضئيلاً جداً ولا يلبّي طموحات القارة»، لذا اقترح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» اللجوء إلى المنح الدولية، خصوصاً من الصين، التي تبدي اهتماماً متزايداً بالاستثمار في قطاع الفضاء في أفريقيا.
من جهته شدد الدكتور جاد القاضي، أمين الرابطة العربية للفلك وعلوم الفضاء التابعة لجامعة الدول العربية، على أن برامج الفضاء تحتاج إلى ميزانيات ضخمة، فيما يظل الإنفاق محدوداً في معظم الدول الأفريقية. لكنه أشار إلى أهمية توقيع شراكات استراتيجية دولية وجذب التمويل، داعياً للاستفادة من الكفاءات الأفريقية بالخارج لدعم الوكالة علمياً وإدارياً.
وتعد الصين لاعباً رئيسياً في قطاع الفضاء الأفريقي، إذ فازت شركاتها الحكومية بنحو خُمس عقود الأقمار الاصطناعية في القارة بين 2005 و2013، بقيمة 871.5 مليون دولار، متقدمةً على الولايات المتحدة، وقدّمت أيضاً قروضاً لتمويل مشاريع فضائية وبنية تحتية، حسبما ذكرت ريبيكا نادين، الخبيرة في السياسة الخارجية الصينية بمعهد التنمية الخارجية بلندن.
وخلال تدشين الوكالة، وُقعت اتفاقيات تعاون مع وكالات الفضاء الأوروبية والروسية والإماراتية، وأرسلت الصين والولايات المتحدة وفوداً رسمية. ومن أولى المبادرات المشتركة مشروع «الشراكة الفضائية بين أفريقيا والاتحاد الأوروبي» بتمويل 45 مليون يورو.
توحيد التوجهات
تواجه وكالة الفضاء الأفريقية تحديات في توحيد أولويات العمل بين دول القارة، نظراً إلى اختلاف مستويات التنمية والرؤى والقدرات الفنية. فاختلاف التوجهات قد يعوق عمل الوكالة؛ إذ تركز مصر مثلاً على مراقبة الحدود والسدود، فيما تتحفظ إثيوبيا على إدراج مراقبة السدود بسبب خلافات تتعلق بـ«سد النهضة». ويؤكد القاضي أن على «مصر العمل على توحيد الجهود الأفريقية عبر تبني برامج ذات طابع قاري».
ويشدد على أهمية تدريب الكوادر الأفريقية في علوم الفضاء بوصفها «قوة ناعمة»، لافتاً إلى أن «الكوادر المؤهلة أساس أي برنامج فضائي ناجح»، داعياً إلى الاستفادة من الخبرات المصرية المهاجرة من خلال برامج تحفيزية أو تعاون عن بُعد.
ويشير النهري إلى التفاوت الكبير في الخبرات الفضائية بين الدول الأفريقية، مما يستدعي تعزيز التعاون بين الدول المتقدمة والنامية، داعياً الاتحاد الأفريقي إلى رفع الوعي بأهمية الفضاء في حل قضايا مثل النزاعات الحدودية واستكشاف الموارد، وحث الدول الأعضاء على تطوير قدراتها والمشاركة بفاعلية في أنشطة الوكالة.
مقر وكالة الفضاء الأفريقية في العاصمة الإدارية بمصر (رويترز)
منصة أفريقية
وتعاني الدول الأفريقية من اعتماد كبير على الخارج في برامج الفضاء، بسبب ضعف قدراتها في تصنيع الأقمار الاصطناعية ومنصات الإطلاق، مما يُقيد استقلاليتها.
وتتصدر مصر دول القارة بـ14 قمراً اصطناعياً، تليها جنوب أفريقيا (13)، ونيجيريا (7)، والجزائر (6)، والمغرب (5)، فيما لا يمتلك معظم الدول أكثر من قمرين، حسب مؤسسة «سبيس هابز أفريكا». كما تخطط 23 دولة لإطلاق 125 قمراً جديداً، في مؤشر على نمو الأنشطة الفضائية في القارة.
ودعا القاضي إلى إنشاء منصة إطلاق أفريقية مستقلة، للحد من الاعتماد على الخارج وخفض التكاليف، مشيراً إلى أن المشروع يتطلب توافقاً إقليمياً وتمويلاً كبيراً يمكن تحفيزه عبر العلاقات المصرية - الصينية، مؤكداً أن المنصة ستوفر آلاف الوظائف وتعزز دور الوكالة اقتصادياً وعلمياً.
بدوره، أكد النهري أن وكالة الفضاء الأفريقية تمثل منصة استراتيجية لتبادل الخبرات وبناء القدرات وتوحيد المواقف حول الاستخدام السلمي للفضاء، بما يتماشى مع «رؤية أفريقيا 2063». وأوضح أن استضافة مصر للمقر تمنح الوكالة ميزة، لقربها من وكالة الفضاء المصرية التي تضم أكبر مركز لتجميع واختبار الأقمار الاصطناعية في الشرق الأوسط وأفريقيا، أنشئ بالشراكة مع الصين ويستوعب أقماراً يزيد وزنها على طن.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 7 ساعات
- الشرق الأوسط
وكالة الفضاء الأفريقية... طموح قاري يصطدم بنقص الموارد وتباين الأولويات
تمثل وكالة الفضاء الأفريقية، التي افتُتح مقرها في القاهرة خلال أبريل (نيسان) الماضي، أول كيان قاري موحّد لتطوير برامج الفضاء في القارة السمراء، بدعم من الاتحاد الأفريقي، الذي يضم 55 دولة، تمتلك أكثر من 20 منها برامج فضاء وطنية. ورغم الطموحات الكبيرة للوكالة، التي تهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة عبر تكنولوجيا الفضاء، خصوصاً في الاتصالات والأمن الغذائي، وتوفير بنية تحتية مشتركة بدلاً من الاعتماد على حلول فردية مكلفة، فإن الوكالة الناشئة تصطدم بتحديات أبرزها ضعف التمويل وتفاوت القدرات الفنية بين الدول، حسب خبراء. تدشين مقر وكالة الفضاء الأفريقية في العاصمة الإدارية بمصر (وكالة الفضاء المصرية) تحدي التمويل لا تزال الوكالة الأفريقية في مراحلها الأولى، إذ لم يُستكمل طاقمها أو تحدَّد ميزانيتها وبرنامج عملها التفصيلي. وقد بلغت ميزانيات الفضاء للدول الأفريقية مجتمعةً نحو 465 مليون دولار في 2024، أي أقل من 1 في المائة من الإنفاق العالمي على الفضاء، حسب شركة «سبيس إن أفريكا». ويُتوقع أن تموَّل الوكالة أساساً من ميزانية الاتحاد الأفريقي (606 ملايين دولار في 2024)، مع احتمال دعم إضافي من مصادر خارجية مثل البنوك التنموية، وفق ما ذكره ميشاك كينيوا نديريتو، مهندس الفضاء بالوكالة لدورية «نيتشر». لكن وحسب الدكتور علاء النهري، نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء في الأمم المتحدة، فإن التمويل المخصص من الاتحاد الأفريقي لا يزال «ضئيلاً جداً ولا يلبّي طموحات القارة»، لذا اقترح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» اللجوء إلى المنح الدولية، خصوصاً من الصين، التي تبدي اهتماماً متزايداً بالاستثمار في قطاع الفضاء في أفريقيا. من جهته شدد الدكتور جاد القاضي، أمين الرابطة العربية للفلك وعلوم الفضاء التابعة لجامعة الدول العربية، على أن برامج الفضاء تحتاج إلى ميزانيات ضخمة، فيما يظل الإنفاق محدوداً في معظم الدول الأفريقية. لكنه أشار إلى أهمية توقيع شراكات استراتيجية دولية وجذب التمويل، داعياً للاستفادة من الكفاءات الأفريقية بالخارج لدعم الوكالة علمياً وإدارياً. وتعد الصين لاعباً رئيسياً في قطاع الفضاء الأفريقي، إذ فازت شركاتها الحكومية بنحو خُمس عقود الأقمار الاصطناعية في القارة بين 2005 و2013، بقيمة 871.5 مليون دولار، متقدمةً على الولايات المتحدة، وقدّمت أيضاً قروضاً لتمويل مشاريع فضائية وبنية تحتية، حسبما ذكرت ريبيكا نادين، الخبيرة في السياسة الخارجية الصينية بمعهد التنمية الخارجية بلندن. وخلال تدشين الوكالة، وُقعت اتفاقيات تعاون مع وكالات الفضاء الأوروبية والروسية والإماراتية، وأرسلت الصين والولايات المتحدة وفوداً رسمية. ومن أولى المبادرات المشتركة مشروع «الشراكة الفضائية بين أفريقيا والاتحاد الأوروبي» بتمويل 45 مليون يورو. توحيد التوجهات تواجه وكالة الفضاء الأفريقية تحديات في توحيد أولويات العمل بين دول القارة، نظراً إلى اختلاف مستويات التنمية والرؤى والقدرات الفنية. فاختلاف التوجهات قد يعوق عمل الوكالة؛ إذ تركز مصر مثلاً على مراقبة الحدود والسدود، فيما تتحفظ إثيوبيا على إدراج مراقبة السدود بسبب خلافات تتعلق بـ«سد النهضة». ويؤكد القاضي أن على «مصر العمل على توحيد الجهود الأفريقية عبر تبني برامج ذات طابع قاري». ويشدد على أهمية تدريب الكوادر الأفريقية في علوم الفضاء بوصفها «قوة ناعمة»، لافتاً إلى أن «الكوادر المؤهلة أساس أي برنامج فضائي ناجح»، داعياً إلى الاستفادة من الخبرات المصرية المهاجرة من خلال برامج تحفيزية أو تعاون عن بُعد. ويشير النهري إلى التفاوت الكبير في الخبرات الفضائية بين الدول الأفريقية، مما يستدعي تعزيز التعاون بين الدول المتقدمة والنامية، داعياً الاتحاد الأفريقي إلى رفع الوعي بأهمية الفضاء في حل قضايا مثل النزاعات الحدودية واستكشاف الموارد، وحث الدول الأعضاء على تطوير قدراتها والمشاركة بفاعلية في أنشطة الوكالة. مقر وكالة الفضاء الأفريقية في العاصمة الإدارية بمصر (رويترز) منصة أفريقية وتعاني الدول الأفريقية من اعتماد كبير على الخارج في برامج الفضاء، بسبب ضعف قدراتها في تصنيع الأقمار الاصطناعية ومنصات الإطلاق، مما يُقيد استقلاليتها. وتتصدر مصر دول القارة بـ14 قمراً اصطناعياً، تليها جنوب أفريقيا (13)، ونيجيريا (7)، والجزائر (6)، والمغرب (5)، فيما لا يمتلك معظم الدول أكثر من قمرين، حسب مؤسسة «سبيس هابز أفريكا». كما تخطط 23 دولة لإطلاق 125 قمراً جديداً، في مؤشر على نمو الأنشطة الفضائية في القارة. ودعا القاضي إلى إنشاء منصة إطلاق أفريقية مستقلة، للحد من الاعتماد على الخارج وخفض التكاليف، مشيراً إلى أن المشروع يتطلب توافقاً إقليمياً وتمويلاً كبيراً يمكن تحفيزه عبر العلاقات المصرية - الصينية، مؤكداً أن المنصة ستوفر آلاف الوظائف وتعزز دور الوكالة اقتصادياً وعلمياً. بدوره، أكد النهري أن وكالة الفضاء الأفريقية تمثل منصة استراتيجية لتبادل الخبرات وبناء القدرات وتوحيد المواقف حول الاستخدام السلمي للفضاء، بما يتماشى مع «رؤية أفريقيا 2063». وأوضح أن استضافة مصر للمقر تمنح الوكالة ميزة، لقربها من وكالة الفضاء المصرية التي تضم أكبر مركز لتجميع واختبار الأقمار الاصطناعية في الشرق الأوسط وأفريقيا، أنشئ بالشراكة مع الصين ويستوعب أقماراً يزيد وزنها على طن.


الشرق الأوسط
منذ 10 ساعات
- الشرق الأوسط
كادت البشرية أن تنقرض... ولم يتبقَّ سوى 1280 إنساناً فقط
البشر موجودون على الأرض منذ زمن بعيد، لكننا لم نكن دائماً من الأنواع الوفيرة عدداً. في الواقع، تشير دراسة إلى أن البشرية القديمة كانت على وشك الانقراض قبل قرابة 900.000 عام، مع تراجع عدد السكان في العالم إلى 1280 شخصاً فقط قادرين على التكاثر. وتدّعي الدراسة كذلك أن هذا العدد الضئيل استمر على حاله لمدة 117.000 عام، حسب صحيفة «ميترو» اللندنية، فما الذي حدث بالضبط؟ الدراسة، التي نُشرت في دورية «ساينس»، تكشف أن أسلاف البشر في أفريقيا كادوا أن يختفوا، وتشير إلى حدوث انخفاض حاد في عدد السكان قبل وقت طويل من ظهور نوعنا الحالي، المعروف باسم «النياندرتال». وتستند هذه المعلومات إلى نموذج حاسوبي جديد طوّره فريق من العلماء في الصين وإيطاليا والولايات المتحدة. واستخدم الباحثون طريقة إحصائية، وجمعوا بيانات وراثية من 3154 جينوماً بشرياً معاصراً. ووجدوا أن نحو 98.7 في المائة من أسلاف البشر قد فُقدوا. ويقول العلماء إن هذا الانهيار السكاني يتطابق مع فجوة موجودة في السجل الأحفوري. ويعتقدون أن هذا الحدث قد يكون أدى إلى ظهور نوع جديد من أشباه البشر، يُعتبر السلف المشترك بين الإنسان العاقل وإنسان نياندرتال. وقال المؤلف الرئيسي الدكتور يي هسوان بان، عالم الجينوم التطوري والوظيفي في جامعة شرق الصين: «إن هذا الاكتشاف الجديد يفتح مجالاً جديداً في التطور البشري لأنه يثير العديد من الأسئلة، مثل الأماكن التي عاش فيها هؤلاء الأفراد، وكيف تغلبوا على التغيرات المناخية الكارثية، وما إذا كان الانتقاء الطبيعي خلال فترة عنق الزجاجة قد ساهم في تسريع تطور الدماغ البشري».


الرجل
منذ 12 ساعات
- الرجل
كيف تكتشف ما لا يُقال؟ دليل القائد لقراءة التغذية الراجعة غير المباشرة
هناك فجوة عميقة بين نوع التغذية الراجعة التي يحتاج إليها القادة لتحسين أدائهم، وبين ما يتلقونه فعلياً، وهذه الفجوة تعد أحد أكبر العوائق أمام نجاح القيادة، لكنها في الوقت عينه أكثرها قابلية للحل. السر يكمن في تطوير مهارات بسيطة، مثل تعلم قراءة الإشارة غير المباشرة، والتلميحات التي تكشف ما لا يقال، ففي عالم الأعمال المتسارع الفرق بين القائد الجيد والقائد العظيم قد يتلخص ببساطة في مدى انتباهه لتلك الإشارات الخفية. الملاحظات الخفية: ما لا يقال قد يكون الأهم القائد الناجح يقرأ بين السطور ولا يكتفي بما يقال - المصدر: Unsplash التغذية الراجعة الخفية، تتمثل في الرسائل التي يبعثها الآخرون دون نطقها، والتي تكشف حقيقة آرائهم حول القائد وقراراته، وتتجلى في نبرة الصوت، أو لغة الجسد أو في تغييرات طفيفة في مستوى التفاعل وحتى في الصمت. وفشل القادة في التقاطها يعني ضياع فرصة ذهبية للتطوير، حسب مقال "كيف تتعرف على التغذية الراجعة"، المنشور في موقع "هارفرد بزنس ريفيو". وفي هذا الصدد، يحذر الخبير في القيادة والكاتب "رون كاروتشي"، من أن تجاهل هذه الإشارات قد يؤدي إلى قرارات غير دقيقة، أما الخبيرة في القيادة والتنمية التنظيمية الكاتبة "جنيفير جارفي بيرجر"، فترى أن هذه الإشارات قد تتحول إلى مخاوف صامتة تضعف أداء الفرق، وهذا يؤكد حقيقة ثابتة تقول إن القادة الناجحين هم الذين يقرأون بين السطور، لأن النجاح لا يُبنى على ما يقال فقط. عندما تخفي التفاصيل البسيطة تحذيرات كبرى تجاهل الرسائل الخفية له عواقب وخيمة على القادة - المصدر: Unsplash في بيئة العمل، قد تمر إشارات غير مباشرة دون أن يلاحظها القادة، لكن تجاهلها قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، وإليك مثالين لحالتين مختلفتين: في شركة سلع استهلاكية، بدأ مدير "مايا'، وهي رئيسة التسويق، في طرح أسئلة غير معتادة عن جداول الحملات، وما ظننته تدخلاً هو تعبير غير مباشر عن قلقه حول قدراتها على تنفيذ المشاريع بمرونة وسرعة. أما أحمد، نائب رئيس الموارد البشرية، فقد لاحظ أن الزملاء باتوا يرسلون مندوبين عنهم لحضور اجتماعاته، وما اعتبره تقليل من احترامه هو في الواقع رسالة لاستيائهم من سوء إدارته للوقت. هذه بعض نماذج تعكس الفجوة بين الواقع والإدراك، وبين ما يراه القائد وما يشعر به الآخرون، وتجاهلها قد يؤدي إلى قرارات خاطئة وتدهور في العلاقات المهنية. لماذا تظل الملاحظات المهمة غير معلنة؟ أسباب عديدة تدفع بالآخرين لعدم الاعلان صراحة عن رأيهم - المصدر: Unsplash رغم التركيز المتكرر على أهمية الصراحة في العمل، تبقى العديد من الملاحظات الحيوية غير معبر عنها بشكل مباشر، ووفقاً للكاتب "جيف ويتزلير" في مقاله بمجلة "هارفرد بيزنس ريفيو"، فإن هناك ٣ أسباب رئيسة لهذه الظاهرة: - الخوف من العواقب: يخشى الموظفون ردود الفعل السلبية في بيئات العمل غير المشجعة على الصراحة. - وهم الوضوح: قد يعتقد المدير أنه عبر عن رأيه مثل تصحيح خطأ متكرر، بينما الطرف الآخر لم يفهم المغزى الحقيقي. - عدم إدراك أهمية الملاحظات: البعض لا يشاركون ملاحظاتهم لأنهم إما لا يدركون أنها ذات قيمة (مثلاً: يعتبرون الخطأ المتكرر جزءاً من العمل الروتيني)، أو لأنهم مشغولون بمهامهم اليومية لدرجة عدم الاكتراث، أو لأنهم يظنون أن المشكلة صغيرة ولا تستحق الإبلاغ (حتى تتفاقم). والنتيجة؟ أن قادة يفوتون تحذيرات مبكرة، ورؤى قيمة ومخاوف حقيقة، ليكتشفوا المشكلات بشكل متأخر، ويتساءلون: "لماذا لم يخبرني أحد من قبل؟". كيف تكتشف التغذية الراجعة الخفية وتستفيد منها؟ يمكن للقادة تعلم رصد الإشارات الخفية وسماع ما لا يقال - المصدر: Unsplash عوض التساؤل بعد فوات الأوان، يمكنك كقائد تعلم التقاط الإشارات الخفية وسماع ما هو هام فعلاً رغم الصمت، من خلال: - البحث عن إشارات التغذية الراجعة الخفية: يشبه الكاتب "جيف ويتزلير" الإشارات التي تتركها التغذية الراجعة الخفية بالتموجات التي تحدثها التيارات تحت سطح ماء هادئ، فهي دقيقة لكنها حقيقة، وإليك كيف تلاحظها: - اقرأ ما بين السطور: لا تستمع للكلمات فقط، بل حاول قراءة المشهد كاملًا، وانتبه للأسئلة المتكررة عن تفاصيل صغيرة، فقد تكون إشارات إلى قلق غير معلن حول الكفاءة أو الاستعداد. - راقب معدل التدخلات المفاجئة: حين يبدأ الآخرون بالتدخل في قراراتك، أو يطلب منك مراجعات غير معتادة، فقد يكون ذلك مؤشر على تراجع الثقة. - لاحظ انخفاض التفاعل: قلة المشاركة أو الصمت المفاجئ، فقد تحمل رسالة واضحة أن هناك مشكلة تحتاج إلى اهتمامك. ولا تتجاهل هذه الإشارات، بل كن فضولياً واسعَ لمحاولة فهم الرسالة الحقيقة. - توفير بيئة آمنة للآخرين ليقولوا ما يريدون قوله: الآخرون عادة ما يترددون في قول الحقيقة الكاملة، خوفاً من العواقب، ومهمتك كقائد هي إزالة هذه الحواجز وجعل تقديم الملاحظات والتغذية الراجعة عملاً طبيعياً، دون حاجة إلى "شجاعة خاصة" للقيام بذلك. - اجعلها جزءًا من التطور المستمر: البداية هي بجعلها جزءًا من التطور المستمر، وتقديمها كجزء من المهام، وابدأ بنفسك واطلب الملاحظات بصدق، فعبارات مثل: "أحاول تطوير أدائي القيادي وأقدر رأيك. ما هي نقاط الضعف التي لا أراها بنفسي؟' أو "كيف أستقبل الفريق توجيهاتي في الاجتماع اليوم؟"، فهذا الأسلوب يوضح أنك تريد السماع لتحسين الأداء، لا لمجرد السؤال. - حولها لاستشارة استراتيجية: المقاربة أعلاه قد لا تجدي نفعاً مع الجميع، وعليه فإن الخيار التالي هو تحويلها إلى "مشورة إستراتيجية"، فأطلب النصح بشكل غير مباشر، مثلاً سؤال زميل عن رأيه باستخدام عبارات مثل "بناء على خبرتك، كيف تتعامل مع هذا التحدي؟". - كن مباشراً عند الحاجة: حين لا تجدي المقاربتان أعلاه نفعاً، فإن المقاربة ستكون مباشرة، فإذا استمر الصمت اسأل بوضوح وبشكل مباشر. - الاستماع جيدًا للتعلم: نجاحك يعتمد على كيفية استماعك، والاستماع الحقيقي ليس مجرد انتظار دورك للكلام، بل هو عملية نشطة لفهم ما وراء الكلمات، وإليك كيفية تطبيقه: - امنحهم الوقت: عندما تطلب رأياً من شخص غير معتاد على التعبير، قد يصمت أو يرتبك، وهنا، تجنب ملء الفراغ بالكلام. - تتبع الخطوط الخفية: حين تمسك طرف خيط ما من فكرة أو ملاحظة لا تتركه، بل تابع الأمر، خصوصاً مع الفئة التي تتحفظ في التعبير. - التأكيد وإعادة الصياغة: كرر ما فهمته بكلماتك، واسأل: "هل هذا ما تقصده؟"، هذه الطريقة لا تضمن فهمك الدقيق فحسب، بل تظهر احترامك لرأيهم وتشجعهم على مشاركة المزيد. التعامل مع التغذية الراجعة الصامتة يمكن للقادة إستخدام الصمت لمصلحتهم - المصدر: Unsplash حسب "بيتر بريجمان"، وهو المدرب التنفيذي الأول عالميًا وفق تصنيف "ليدينج جلوبال كوتشز"، فإن "الصمت" هو أسوأ أنواع التغذية الراجعة الخفية، إذا قد يعني أشياء مختلفة، ما يدفع القادة على افتراض الأسوأ. والنصيحة الأولى التي يقدمها، هي السؤال بدل التخمين، فواجه الصمت بسؤال صريح مثل: "لاحظت أنك هادئ، هل هناك شيء ما تريد مناقشته؟'. النصيحة الثانية، هي باستخدامه لمصلحتك، فالصمت ليس سلبياً دائماً، لأنه يشجع القادة على التوقف عن الكلام والاستماع فعلياً. النصيحة الثالثة هي عدم التهرب من المواجهة، لأن عدم السؤال عن سبب صمتهم قد يجعلك تبدو ضعيفاً. والحل الأخير في حال استمر الصمت هو بمبادرته لكسره بإنذار أخير مثل: "هذه محاولتي الأخيرة، إن لم أتلقَّ رداً، سأفترض أنك غير مهتم". الصمت تحدٍّ، لكن مواجهته بذكاء تمنع سوء الفهم، وتعزز التواصل الفعال، المهم ألا تملأ الفراغات بتخمينات.