logo
نحو إدارة ناجحة

نحو إدارة ناجحة

شبكة النبأمنذ 5 أيام

إذا كانت المؤسسات التقليدية تنحصر إدارتها بأشخاص ذوي خبرات شخصية معينة تحمل طابع الفردية والارتجالية أحياناً، فإن هكذا مؤسسة في عالم اليوم لا تستطيع أن تخوض غمار التقدّم العالمي الكبير الذي تغيرت أساليب الإدارة فيه وأصبحت جماعية. فاليوم لا يدير المؤسسات المتفوقة أفراد بل يديرها...
تواجه العاملين في المؤسسات الاجتماعية والسياسية مشكلة معقدة هي كيفية إدارة هذه المؤسسات بأسلوب يتوافق مع التطور العصري، إن مجرد إدارة المؤسسة باسلوب كلاسيكي قد لا يحمل في داخله الاستعداد الكافي للتطور والتكامل. ولذلك فإن شكل الإدارة وأسلوبها يؤثر في العمق بعمل المؤسسة ومستوى أهدافها.
وإذا كانت المؤسسات التقليدية تنحصر إدارتها بأشخاص ذوي خبرات شخصية معينة تحمل طابع الفردية والارتجالية أحياناً، فإن هكذا مؤسسة في عالم اليوم لا تستطيع أن تخوض غمار التقدّم العالمي الكبير الذي تغيرت أساليب الإدارة فيه وأصبحت جماعية. فاليوم لا يدير المؤسسات المتفوقة أفراد بل يديرها جماعات وبأساليب تعتمد على تعميق روح العمل الجماعي وتوزيع الأدوار والمشاركة في القرار والتنظيم الديمقراطي الحر.
وكل هذا يسير مع تقدم التكنولوجيا المذهل الذي قرّب المسافات، حيث انفتحت الآفاق أمام الإنسان لينال كل المعلومات التي يرغب بها بدون موانع سلطة أو قانون. لذلك لابد أن نبحث عن مفهوم جديد في إدارة المؤسسات يضمن لها البقاء والتطور والاستمرارية في ظل العالم الجديد.
الإدارة: عملية مستمرّة تستند إلى مفاهيم وأساليب علمية مدروسة، تهدف إلى تحقيق نتائج معينة باستخدام الطاقات والموارد المتاحة للمؤسسة بأعلى درجة من الكفاءة والفعالية في ظل الظروف الزمانية والمكانية المحيطة بالمؤسسة وأفرادها.
ومن هذا التعريف نعلم أن مفهوم الإدارة الحديث يتداخل مع مجموعة علوم كعلم السياسة والاقتصاد والنفس والسلوك الإنساني وحتى مفاهيم العلوم الطبيعية، وهذا يدل على أن الإدارة ليست مجرد قوانين موضوعة تستهدف إيجاد آلية ثابتة للمؤسسة، أو نظام خاص تفرضه طبيعة العمل أو طبيعة المدير وإنما الإدارة المتفوقة مجموعة من القواعد والأساليب المنطقية الحكيمة التي توازن بين الأهداف والقدرات والممارسات...
خصائص الإدارة الناجحة
1 - التركيز على الجانب الإنساني في العمل والاهتمام بتطوير العامل ليتطور العمل.
2 - جدولة برامج المؤسسة وأساليبها ومطابقتها مع عناصر النجاح.. وأهم هذه العناصر:
تحديد الأهداف: حتى لا تستنزف المؤسسة طاقاتها ومواردها في أهداف خارجة عن طبيعة وجودها.
التخطيط المدروس: حيث يجعل سير المؤسسة من المبدأ إلى المنتهى هدفياً لا عشوائياً.
التنظيم: الذي يحدّد وظائف كل فرد ودوره وعمله ونوعية ارتباطه بالمؤسسة وتأثيره في اتخاذ القرار.
تنمية الموارد: فلكي تستمر المؤسسة لابدّ من نمو الموارد الإنسانية والمالية التي تشكل العصب الحيوي لاستمرارها.
بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الوظائف مثل التنسيق مع المؤسسات الأخرى، والتوجيه، والرقابة والمحاسبة، وتقييم الأداء.
كل هذه العناصر تشكل نهجاً مدروساً لمفهوم الإدارة الناجحة الذي يعتمد على التخطيط لا الإرتجالية وقراءة المستقبل ثم ضمانه بحكمة وبروية.
3 - تكاملية الوظائف الأساسية وترابطها: أي أن لكل عنصر من هذه العناصر يتكامل مع بقية العناصر ويرتبط بها ارتباطاً وثيقاً «من باب انتقاء الجزء يعني انتقاء الكل».
وهذا يعني أن نجاح أداء الإدارة الناجحة يتوقف على الالتزام بهذه العناصر المقومة؛ فهي عبارة عن نظام متكامل يعمل كل جزء فيه عملاً يسهم بدرجة ما في تحقيق الهدف العام للنظام، وبالتالي فإن القصور في أداء أحد الأجزاء بمقداره سينعكس على النظام كله ويصيبه بالضعف والخلل. فلو ضعفت على سبيل المثال وظيفة تنمية الموارد المالية أصيبت وظيفة التخطيط أو التنظيم بالضعف أو الشلل الجزئي وهكذا..
4 - إن النشاط الإداري الناجح لايهتم فقط بالمشاكل الحاضرة، بل يمتد أفق العمل الإداري إلى فترات مستقبلية تحتاج المؤسسة فيها إلى التنبؤ كأساس لاتخاذ القرارات واختيار أساليب العمل الأفضل أخذاً في الاعتبار الاستفادة من الخبرة الماضية.
وإذا استطاعت المؤسسة أن تستطلع المستقبل وتبرمج خطتها على ضوئه فإنها تستطيع أن تواجه العراقيل بسهولة وتفوز بالمستقبل. أما المؤسسات التي تركن إلى خلفيات وتعيش مشكلات الحاضر فقط فإنها تدلف إلى المستقبل بغموض وقلق وخوف من القادم، وهذا أمر يفقدها الثقة ويصيبها بالهزيمة.
5 - إن العمل الإداري الممتاز لا ينفصل عن ظروف البيئة المحيطة بالمؤسسة، حيث تؤثر البيئة في الغالب تأثيراً مباشراً على إمكانيات المؤسسة وأسس اختيارها لسبل العمل.
فالمؤسسة التي لا تأخذ في الاعتبار البيئة والظروف الزمانية والمكانية لا تستطيع أن تستمر في أدائها بشكل جيد، فالمؤسسة التي تعيش في بلاد ذات أجواء ديمقراطية لا تستطيع أن تعمل بالنظام الدكتاتوري داخل المؤسسة. والمؤسسة التي تعمل في بلاد ديكتاتورية تعاني كثيراً إذا أرادت أن تعمل بطريقة منفتحة لذلك كان على أصحاب المؤسسات أن يوجدوا أساليب للموازنة بين الأهداف التي يحملونها والبيئة التي يعايشونها ليضمنوا لأنفسهم النجاح.
إن بعض المؤسسات لا تريد أن تتبع تغيرات الظروف فتظل متمسكة بالأجواء القديمة التي كانت تعيشها من دون إجراء موازنة منطقية بين ضرورة التغيير وضرورة الحفاظ على بعض الثوابت لذا تتعرض في الغالب إلى الانهيارات تلو الانهيارات، لأن التغيير إذا صار ضرورة يعني أن هناك خللاً في الأفكار أو الأساليب وهناك حاجة إلى التغيير فإذا لم نعدله نحن ونتعامل معه بمرونة فإنه سوف يُفرض علينا من خارج المؤسسة بعد نزف خسائر فادحة.
6 - لا يمكن للمؤسسة أن تعمل بمنأى عن المؤسسات الأخرى، فهي تحتاج إليها ويتأثر عملها وإدارتها بما تفعله الإدارة في المؤسسات الأخرى. ولهذا فإن الإدارة الناجحة تمتاز بأنها قادرة على إيجاد الاعتماد المتبادل بين المؤسسات وإيجاد حالة التكامل فيما بينها. حالة التكامل هذه يمكن أن تنبثق عنها مجموعة من العناصر الإيجابية التي لها دور كبير في التقدم، منها:
- إلغاء أو تجميد حالة الصراع والصدام التي يمكن أن تستنزف طاقات وموارد المؤسسة.
- الإقتصاد في صرف أو توفير الموارد حيث يمكن الاستفادة من موارد المؤسسات الأخرى.
- الاستفادة من تجارب وخبرات تلك المؤسسات عبر برنامج تبادل الخبرات.
- مضافاً إيجاد حالة التلاحم الاجتماعي التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على نمو وبناء المجتمع بشكل عام، هذا بالإضافة إلى الكثير من الإيجابيات الأخرى.
ومن كل هذا تظهر حقيقة أساسية مهمّة وهي أن الإدارة الناجحة هي الإدارة المدروسة الناظرة للإنسان بما هو كائن مبدع وخلاّق مضافاً إلى إنسانيته فتطبق روح الإدارة لا قوانينها الآلية وهياكلها الجامدة، وتعمل مع الإنسان كمسؤول ومع المؤسسة كمسؤولية جماعية مشتركة لا فردية مفروضة قسراً.
إن الإدارة المتفوقة تعبر عن ماهية الإنسان وطبيعته التي تتطلع نحو الحرية والاختيار والاستقلال والاعتماد على الذات ضمن إطار الإعتماد على المؤسسة، حيث يجد الإنسان قوته ونمو شخصيته في المؤسسة كما تحقق المؤسسة بإرادة أفرادها المبدعين وحسهم الاجتماعي والجماعي أقصى أهدافها وغاياتها...

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نحو إدارة ناجحة
نحو إدارة ناجحة

شبكة النبأ

timeمنذ 5 أيام

  • شبكة النبأ

نحو إدارة ناجحة

إذا كانت المؤسسات التقليدية تنحصر إدارتها بأشخاص ذوي خبرات شخصية معينة تحمل طابع الفردية والارتجالية أحياناً، فإن هكذا مؤسسة في عالم اليوم لا تستطيع أن تخوض غمار التقدّم العالمي الكبير الذي تغيرت أساليب الإدارة فيه وأصبحت جماعية. فاليوم لا يدير المؤسسات المتفوقة أفراد بل يديرها... تواجه العاملين في المؤسسات الاجتماعية والسياسية مشكلة معقدة هي كيفية إدارة هذه المؤسسات بأسلوب يتوافق مع التطور العصري، إن مجرد إدارة المؤسسة باسلوب كلاسيكي قد لا يحمل في داخله الاستعداد الكافي للتطور والتكامل. ولذلك فإن شكل الإدارة وأسلوبها يؤثر في العمق بعمل المؤسسة ومستوى أهدافها. وإذا كانت المؤسسات التقليدية تنحصر إدارتها بأشخاص ذوي خبرات شخصية معينة تحمل طابع الفردية والارتجالية أحياناً، فإن هكذا مؤسسة في عالم اليوم لا تستطيع أن تخوض غمار التقدّم العالمي الكبير الذي تغيرت أساليب الإدارة فيه وأصبحت جماعية. فاليوم لا يدير المؤسسات المتفوقة أفراد بل يديرها جماعات وبأساليب تعتمد على تعميق روح العمل الجماعي وتوزيع الأدوار والمشاركة في القرار والتنظيم الديمقراطي الحر. وكل هذا يسير مع تقدم التكنولوجيا المذهل الذي قرّب المسافات، حيث انفتحت الآفاق أمام الإنسان لينال كل المعلومات التي يرغب بها بدون موانع سلطة أو قانون. لذلك لابد أن نبحث عن مفهوم جديد في إدارة المؤسسات يضمن لها البقاء والتطور والاستمرارية في ظل العالم الجديد. الإدارة: عملية مستمرّة تستند إلى مفاهيم وأساليب علمية مدروسة، تهدف إلى تحقيق نتائج معينة باستخدام الطاقات والموارد المتاحة للمؤسسة بأعلى درجة من الكفاءة والفعالية في ظل الظروف الزمانية والمكانية المحيطة بالمؤسسة وأفرادها. ومن هذا التعريف نعلم أن مفهوم الإدارة الحديث يتداخل مع مجموعة علوم كعلم السياسة والاقتصاد والنفس والسلوك الإنساني وحتى مفاهيم العلوم الطبيعية، وهذا يدل على أن الإدارة ليست مجرد قوانين موضوعة تستهدف إيجاد آلية ثابتة للمؤسسة، أو نظام خاص تفرضه طبيعة العمل أو طبيعة المدير وإنما الإدارة المتفوقة مجموعة من القواعد والأساليب المنطقية الحكيمة التي توازن بين الأهداف والقدرات والممارسات... خصائص الإدارة الناجحة 1 - التركيز على الجانب الإنساني في العمل والاهتمام بتطوير العامل ليتطور العمل. 2 - جدولة برامج المؤسسة وأساليبها ومطابقتها مع عناصر النجاح.. وأهم هذه العناصر: تحديد الأهداف: حتى لا تستنزف المؤسسة طاقاتها ومواردها في أهداف خارجة عن طبيعة وجودها. التخطيط المدروس: حيث يجعل سير المؤسسة من المبدأ إلى المنتهى هدفياً لا عشوائياً. التنظيم: الذي يحدّد وظائف كل فرد ودوره وعمله ونوعية ارتباطه بالمؤسسة وتأثيره في اتخاذ القرار. تنمية الموارد: فلكي تستمر المؤسسة لابدّ من نمو الموارد الإنسانية والمالية التي تشكل العصب الحيوي لاستمرارها. بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الوظائف مثل التنسيق مع المؤسسات الأخرى، والتوجيه، والرقابة والمحاسبة، وتقييم الأداء. كل هذه العناصر تشكل نهجاً مدروساً لمفهوم الإدارة الناجحة الذي يعتمد على التخطيط لا الإرتجالية وقراءة المستقبل ثم ضمانه بحكمة وبروية. 3 - تكاملية الوظائف الأساسية وترابطها: أي أن لكل عنصر من هذه العناصر يتكامل مع بقية العناصر ويرتبط بها ارتباطاً وثيقاً «من باب انتقاء الجزء يعني انتقاء الكل». وهذا يعني أن نجاح أداء الإدارة الناجحة يتوقف على الالتزام بهذه العناصر المقومة؛ فهي عبارة عن نظام متكامل يعمل كل جزء فيه عملاً يسهم بدرجة ما في تحقيق الهدف العام للنظام، وبالتالي فإن القصور في أداء أحد الأجزاء بمقداره سينعكس على النظام كله ويصيبه بالضعف والخلل. فلو ضعفت على سبيل المثال وظيفة تنمية الموارد المالية أصيبت وظيفة التخطيط أو التنظيم بالضعف أو الشلل الجزئي وهكذا.. 4 - إن النشاط الإداري الناجح لايهتم فقط بالمشاكل الحاضرة، بل يمتد أفق العمل الإداري إلى فترات مستقبلية تحتاج المؤسسة فيها إلى التنبؤ كأساس لاتخاذ القرارات واختيار أساليب العمل الأفضل أخذاً في الاعتبار الاستفادة من الخبرة الماضية. وإذا استطاعت المؤسسة أن تستطلع المستقبل وتبرمج خطتها على ضوئه فإنها تستطيع أن تواجه العراقيل بسهولة وتفوز بالمستقبل. أما المؤسسات التي تركن إلى خلفيات وتعيش مشكلات الحاضر فقط فإنها تدلف إلى المستقبل بغموض وقلق وخوف من القادم، وهذا أمر يفقدها الثقة ويصيبها بالهزيمة. 5 - إن العمل الإداري الممتاز لا ينفصل عن ظروف البيئة المحيطة بالمؤسسة، حيث تؤثر البيئة في الغالب تأثيراً مباشراً على إمكانيات المؤسسة وأسس اختيارها لسبل العمل. فالمؤسسة التي لا تأخذ في الاعتبار البيئة والظروف الزمانية والمكانية لا تستطيع أن تستمر في أدائها بشكل جيد، فالمؤسسة التي تعيش في بلاد ذات أجواء ديمقراطية لا تستطيع أن تعمل بالنظام الدكتاتوري داخل المؤسسة. والمؤسسة التي تعمل في بلاد ديكتاتورية تعاني كثيراً إذا أرادت أن تعمل بطريقة منفتحة لذلك كان على أصحاب المؤسسات أن يوجدوا أساليب للموازنة بين الأهداف التي يحملونها والبيئة التي يعايشونها ليضمنوا لأنفسهم النجاح. إن بعض المؤسسات لا تريد أن تتبع تغيرات الظروف فتظل متمسكة بالأجواء القديمة التي كانت تعيشها من دون إجراء موازنة منطقية بين ضرورة التغيير وضرورة الحفاظ على بعض الثوابت لذا تتعرض في الغالب إلى الانهيارات تلو الانهيارات، لأن التغيير إذا صار ضرورة يعني أن هناك خللاً في الأفكار أو الأساليب وهناك حاجة إلى التغيير فإذا لم نعدله نحن ونتعامل معه بمرونة فإنه سوف يُفرض علينا من خارج المؤسسة بعد نزف خسائر فادحة. 6 - لا يمكن للمؤسسة أن تعمل بمنأى عن المؤسسات الأخرى، فهي تحتاج إليها ويتأثر عملها وإدارتها بما تفعله الإدارة في المؤسسات الأخرى. ولهذا فإن الإدارة الناجحة تمتاز بأنها قادرة على إيجاد الاعتماد المتبادل بين المؤسسات وإيجاد حالة التكامل فيما بينها. حالة التكامل هذه يمكن أن تنبثق عنها مجموعة من العناصر الإيجابية التي لها دور كبير في التقدم، منها: - إلغاء أو تجميد حالة الصراع والصدام التي يمكن أن تستنزف طاقات وموارد المؤسسة. - الإقتصاد في صرف أو توفير الموارد حيث يمكن الاستفادة من موارد المؤسسات الأخرى. - الاستفادة من تجارب وخبرات تلك المؤسسات عبر برنامج تبادل الخبرات. - مضافاً إيجاد حالة التلاحم الاجتماعي التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على نمو وبناء المجتمع بشكل عام، هذا بالإضافة إلى الكثير من الإيجابيات الأخرى. ومن كل هذا تظهر حقيقة أساسية مهمّة وهي أن الإدارة الناجحة هي الإدارة المدروسة الناظرة للإنسان بما هو كائن مبدع وخلاّق مضافاً إلى إنسانيته فتطبق روح الإدارة لا قوانينها الآلية وهياكلها الجامدة، وتعمل مع الإنسان كمسؤول ومع المؤسسة كمسؤولية جماعية مشتركة لا فردية مفروضة قسراً. إن الإدارة المتفوقة تعبر عن ماهية الإنسان وطبيعته التي تتطلع نحو الحرية والاختيار والاستقلال والاعتماد على الذات ضمن إطار الإعتماد على المؤسسة، حيث يجد الإنسان قوته ونمو شخصيته في المؤسسة كما تحقق المؤسسة بإرادة أفرادها المبدعين وحسهم الاجتماعي والجماعي أقصى أهدافها وغاياتها...

من الطوفان إلى سقوط نظام الأسد.. سيناريوهات منطقة الشرق 2025 في ضوء 'تأثير الفراشة' و'أحجار الدومينو'
من الطوفان إلى سقوط نظام الأسد.. سيناريوهات منطقة الشرق 2025 في ضوء 'تأثير الفراشة' و'أحجار الدومينو'

الأمناء

time٠٢-٠٥-٢٠٢٥

  • الأمناء

من الطوفان إلى سقوط نظام الأسد.. سيناريوهات منطقة الشرق 2025 في ضوء 'تأثير الفراشة' و'أحجار الدومينو'

تستعرض "مآلات' المسارات المحتملة لتداعيات التغيير في سوريا وانهيار نظام الأسد على عدة دول وفاعلين في منطقة الشرق وعلى الرغم من زيادة جوانب عدم اليقين والتعقيدات الناتجة عن تأثر ملفات المنطقة بتفاعل عدة عوامل لا تقتصر على التطورات في سوريا، إلا أن التأثيرات العميقة للتغيير في سوريا – والتي مازالت قيد التشكل بدورها – بات من الممكن تقديم قراءة أولية لها. سقوط نظام الأسد وتأثير الدومينو يشير مفهوم 'تأثير الدومينو' (Domino Effect) إلى سلسلة من الأحداث التي تنجم عن حدث أولي، إذ يؤدي كل حدث إلى الذي يليه، كما تتساقط قطع الدومينو واحدة تلو الأخرى عند دفع القطعة الأولى. وبالرغم من أن المفهوم له تطبيقات عدة في مجالات السياسة والعلاقات الدولية والاقتصاد والعلوم الاجتماعية والإدارية، إلا أن نشأة المفهوم جاءت من خلفية سياسية إذ استخدمه الرئيس الأمريكي السابق 'أيزنهاور' خلال الحرب الباردة لتبرير تدخل الولايات المتحدة في فيتنام، وأشار إلى تخوفات واشنطن من أن سقوط فيتنام في أيدي الشيوعيين قد يخلق 'تأثير الدومينو' في جنوب شرق آسيا. إن سقوط نظام الأسد لا يمثل تغييرا جذريا محليا في سوريا فحسب، بل يشكل نقطة تحوّل في توازنات القوى في الشرق الأوسط، بعدما تراجع النفوذ الإقليمي لبعض الجهات الفاعلة الإقليمية، بينما سعت جهات أخرى إلى ملء الفراغ، ووجدت قوى أخرى نفسها في موقف متحفظ خشية انتقال عدوى التغيير إليها. واستناداً إلى مفهوم 'تأثير الدومينو'، فإن انهيار النظام السوري نفسه هو قطعة دومينو سبق أن حركها طوفان الأقصى وحرب غزة. أي إن تفاعلات الحدثين متداخلة لا محالة، بما يفتح المجال أمام موجة من التغيرات الجيوسياسية الواسعة في المنطقة والتي لا تعني بالضرورة انهيار أنظمة أخرى بشكل مباشر، لكنه يخلق ديناميكيات جديدة قد تدفع بعض الدول إلى إعادة حساباتها الداخلية والخارجية، أو قد تؤدي إلى تصاعد صراعات كانت كامنة، أو تشكيل تحالفات جديدة، أو حتى بروز فاعلين جدد على الساحة. وهكذا، فإن 'تأثير الدومينو' ليس إلا حالة فرعية من الظاهرة الأوسع لتأثير الفراشة (The Butterfly Effect). وهو مفهومٌ نشأ من نظرية الفوضى في الرياضيات والأرصاد الجوية، ويُنسب إلى عالم الأرصاد الجوية إدوارد لورنز في ستينيات القرن الماضي. والذي يشير باختصار إلى فكرة أن التغييرات الطفيفة في الظروف الأولية يمكن أن تؤدي إلى نتائج مختلفة تمامًا في الأنظمة المعقدة، كما أن رفرفة جناحي الفراشة في البرازيل، قد تسبب إعصارًا في تكساس. وعلى الرغم من أن هذا المفهوم نشأ من العلوم الطبيعية، إلا أنه استُخدم على نطاق واسع في العلوم الاجتماعية، بما في ذلك العلاقات الدولية، لفهم العواقب غير المقصودة للأحداث البسيطة أو التي تبدو غير مهمة، ويُسلّط الضوء على حدود فاعلية التفكير الخطي في عالم معقد وفوضوي ومترابط. ويفيدنا مفهوم تأثير الفراشة عند الأخذ بأن التداعيات ليست كلها سلبية بالضرورة كما أنها تكون غير متوقعة، وغير مرتبطة مباشرة بالحدث الأصلي، وغير خطية، وذلك بخلاف ما يوحي به تأثير الدومينو الذي يميل أكثر لإثارة احتمال أن الحدث يتكرر تباعا ويكرر النمط الأساسي بصورة أقرب ما تكون إلى الخطية. وهكذا، فإن تداعيات قرار الطوفان غير المتوقعة وغير الخطية تتشكل نتيجة تفاعل سلوك الأطراف، وصراع مصالحهم، وترابط النسيج الإقليمي، وقد تجلت في نتائج غير مخطط لها وغير مقصودة من قبل مخططي عملية طوفان الأقصى. فمثلا، بينما كانت تستهدف معركة الطوفان توحيد جهود محور المقاومة كداعم رئيسي، فإن نتائجها الراهنة هي إضعاف هذا المحور بصورة استراتيجية من خلال إضعاف حزب الله وسقوط نظام الأسد. لكنّها في المقابل عززت من تأثير الحوثيين إقليميا. كذلك؛ أدى التغيير في سوريا إلى تعزيز نفوذ تركيا إقليميا بل وتعزيز حكم الرئيس أردوغان محليا، وهي نتائج لم تكن ضمن أهداف مخططي عملية طوفان الأقصى، ولا حتى من أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة وحزب الله. تركيا: تعزيز النفوذ الإقليمي ومكاسب للعدالة والتنمية تعد تركيا هي الرابح الإقليمي الأكبر من التغيرات في سوريا، خاصة وأنها تمثل نصرا واضحا في صراع النفوذ طويل الأمد مع إيران. وفي المنظور الأوسع، ليس من المبالغة اعتبار التغيير في سوريا إضافة لأوراق تركيا في معادلة تنافسها المعقدة مع روسيا. بالإضافة لذلك، فقد تسبب انهيار نظام الأسد في إضعاف وحدات حماية الشعب الكردية والقوات التابعة لها (قسد) التي تسيطر على الأجزاء الشمالية في سوريا كامتداد لحزب العمال الكردستاني (PKK). وفي ظل التفاهمات المتوقعة مع الولايات المتحدة بشأن سوريا، فإن تركيا ستكون قد ضمنت القضاء على تهديد قيام حكم ذاتي كردي في شمال سوريا، وهو أمر يغير مجمل ديناميات ملف التمرد الكردي في جنوب تركيا. ومن ثم فإن مسار المصالحة التركية الكردية محليا، والذي كان قد بدأت إرهاصاته بالفعل في أكتوبر الماضي، يكون قد تلقى دفعة إيجابية كبيرة على وقع التغيير في سوريا. بخلاف غالبية الأطراف الإقليمية، فإن حركة قطعة الدومينو في تركيا تحمل فرصا وليس تهديدات. فقد وضعت المعادلة السورية الجديدة تركيا في قيادة هيكل أمن إقليمي ناشئ يشمل العراق وسوريا والأردن ولبنان، يستهدف ضبط الحدود والتصدي لخطر استعادة تنظيم داعش نشاطه. كما باتت تركيا هي الضامن الأمني لاستقرار سوريا في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وهو ما يخلق معادلة غير مسبوقة قد تكون فيها القوات التركية في حالة تماس مع الجيش الإسرائيلي، بما يمنح أنقرة مزيدا من الأوراق في مواجهة تل أبيب. وبالإضافة للمكاسب الجيوسياسية، فإن واحدة من التداعيات غير المتوقعة قد تكون إطالة حكم الرئيس التركي أردوغان. إذ جنى أردوغان أرباح رهانه طويل الأمد على دعم فصائل المعارضة السورية مما يساهم في تعزيز وضع حزب العدالة والتنمية الحاكم داخلياً، خاصة مع العودة المحتملة لما يزيد عن ثلاثة ملايين لاجئ سوري. وكذلك فإن تموضع أنقرة في موقع الفاعل الرئيسي في إعادة إعمار سوريا سينعكس على أداء الاقتصاد التركي، وقد تجلى ذلك بوضوح عندما شهدت شركات البناء التركية ارتفاع أسهمها بعد سقوط الأسد مباشرة تحسباً لأنها ستكون في طليعة إعادة إعمار سوريا. وعلى الرغم من الضغوط الاقتصادية التي تمثل التحدي الأبرز محليا للحزب الحاكم، فإن مسار المصالحة مع الأكراد الذي عززته التغيرات في سوريا قد ينتج عنه تغيرا جذريا في التحالفات الحزبية بما يمكن العدالة والتنمية من المضي قدما في مشروع تعديل الدستور أو كتابة دستور جديد، أو على الأقل وضع نهاية لتحالف حزب الشعب الجمهوري مع الأكراد، وهو التحالف الذي بات يمثل تهديدا لمستقبل الحزب الحاكم. إيران: انحسار النفوذ الإقليمي والحاجة لعقيدة ردع جديدة مثّل انهيار نظام الأسد إلى جانب الهزيمة التي تعرض لها حزب الله، تقويضاً لنفوذ إيران وقوتها في المنطقة، وخسارة لمكتسبات إيرانية تراكمت على مدار العقدين الماضيين. حيث عزز الموقع الجيواستراتيجي لسوريا النفوذ العسكري الإيراني، خاصة وأنه قد وفّر جسراً برياً استراتيجياً بين إيران وحزب الله، الأمر الذي مكّن الأخير من امتلاك ترسانة ضخمة من الصواريخ وجعله بمثابة خط الدفاع الأول لإيران ضمن استراتيجية 'الردع الأمامي'. كما كشفت العمليات العسكرية بين إيران و'إسرائيل' خلال حرب غزة عن التفوق العسكري للكيان، وتجلى ذلك بوضوح بعد أن أدت الضربات التي وجهها الاحتلال إلى إيران في أكتوبر/تشرين أول الماضي إلى تقويض الدفاعات الجوية الإيرانية وقدرات إنتاج الصواريخ بشكل كبير. لا ينتج عن خسارة سوريا قطع خطوط إمداد حزب الله وبالتالي تعطيل أداة الردع الإيرانية الأساسية في مواجهة 'إسرائيل' فقط، لكن أيضا نتج عن انهيار نظام الأسد تدمير الاحتلال ما تبقى من قدرات الدفاع الجوي السوري، ما يعني أن الأجواء السورية باتت مفتوحة تماما للطيران الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن الدفاعات السورية لم تكن تمثل سابقا أي عائق للطائرات العسكرية الإسرائيلية المتطورة، فإنها كانت تمثل تهديدا لطائرات التزود بالوقود اللازمة لإمداد الطائرات العسكرية إذا تحركت لشن هجمات في الأجواء الإيرانية. ما يعني أن الطيران الحربي الإسرائيلي تغلب على عقبة رئيسية كانت تحد من قدرته على شن هجوم واسع دون الاعتماد على دعم أمريكي. على الرغم من أن خيار إدارة ترامب الأول هو إجبار إيران على التفاوض عبر فرض عقوبات صارمة، أكثر تشددا من عقوبات فترة رئاسته السابقة، ما زالت احتمالات التوصل لاتفاق أمريكي إيراني محدودة جدا؛ نظرا لأن ترامب لا يتفاوض على البرنامج النووي فحسب، وإنما يضع أيضا على الطاولة برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وعلاقة طهران بوكلائها في المنطقة. أي إن ترامب يريد من الجمهورية الإسلامية الاستسلام وليس التراجع التكتيكي، أي أن تتخلى طوعا عن كل استراتيجيتها الدفاعية الأساسية: الوكلاء كخط دفاع أمامي، والصواريخ البعيدة المدى، وأخيرا الردع النووي. وهو أمر ليس من المرجح قبول طهران به بغض النظر عن الضغوط الاقتصادية القاسية. وتمثل استقالة جواد ظريف مساعد الرئيس الإيراني رسالة واضحة على تراجع فرص التفاهم مع الولايات المتحدة. لذلك؛ فإن الخيار العسكري ليس مستبعدا. وقد يُغري ضعف إيران الحالي الرئيس الأمريكي بتوجيه ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية، خاصة وأن الضغوط الإسرائيلية واضحة في هذا الصدد. ومع ذلك فإن إقدام ترامب على هذه الخطوة يمكن أن يعرض منطقة الشرق الأوسط بأكملها لمخاطر كبيرة، ويطلق المزيد من تأثير الدومينو في المنطقة. وبالنظر إلى الوضعية الجديدة لإيران بعد أن فقدت خطوطها الأمامية وتراجع نفوذها في المنطقة؛ فإن أي تهديد من 'إسرائيل' وأمريكا للمصالح الحيوية لطهران، سيجعل الأخيرة في وضع 'الزاوية' ويدفعها إلى الاعتماد على قدراتها العسكرية التقليدية والرد بشكل مباشر. وفي هذه الحالة سيكون من المرجح أن تستخدم إيران استراتيجية 'التصعيد من أجل التهدئة' عبر مهاجمة المنشآت النفطية وتعطيل الشحن البحري في الخليج العربي ومضيق هرمز، وذلك بهدف حشد جهود خفض التصعيد من جانب الدول الخليجية المصدرة للنفط والغاز وكذلك الصين والهند واليابان باعتبارهما من كبار مستوردي الطاقة من الدول الخليجية.

من الطوفان إلى سقوط نظام الأسد.. سيناريوهات منطقة الشرق 2025 في ضوء 'تأثير الفراشة' و'أحجار الدومينو'
من الطوفان إلى سقوط نظام الأسد.. سيناريوهات منطقة الشرق 2025 في ضوء 'تأثير الفراشة' و'أحجار الدومينو'

time٠٢-٠٥-٢٠٢٥

من الطوفان إلى سقوط نظام الأسد.. سيناريوهات منطقة الشرق 2025 في ضوء 'تأثير الفراشة' و'أحجار الدومينو'

تستعرض "مآلات' المسارات المحتملة لتداعيات التغيير في سوريا وانهيار نظام الأسد على عدة دول وفاعلين في منطقة الشرق وعلى الرغم من زيادة جوانب عدم اليقين والتعقيدات الناتجة عن تأثر ملفات المنطقة بتفاعل عدة عوامل لا تقتصر على التطورات في سوريا، إلا أن التأثيرات العميقة للتغيير في سوريا – والتي مازالت قيد التشكل بدورها – بات من الممكن تقديم قراءة أولية لها. سقوط نظام الأسد وتأثير الدومينو يشير مفهوم 'تأثير الدومينو' ( Domino Effect ) إلى سلسلة من الأحداث التي تنجم عن حدث أولي، إذ يؤدي كل حدث إلى الذي يليه، كما تتساقط قطع الدومينو واحدة تلو الأخرى عند دفع القطعة الأولى. وبالرغم من أن المفهوم له تطبيقات عدة في مجالات السياسة والعلاقات الدولية والاقتصاد والعلوم الاجتماعية والإدارية، إلا أن نشأة المفهوم جاءت من خلفية سياسية إذ استخدمه الرئيس الأمريكي السابق 'أيزنهاور' خلال الحرب الباردة لتبرير تدخل الولايات المتحدة في فيتنام، وأشار إلى تخوفات واشنطن من أن سقوط فيتنام في أيدي الشيوعيين قد يخلق 'تأثير الدومينو' في جنوب شرق آسيا. إن سقوط نظام الأسد لا يمثل تغييرا جذريا محليا في سوريا فحسب، بل يشكل نقطة تحوّل في توازنات القوى في الشرق الأوسط، بعدما تراجع النفوذ الإقليمي لبعض الجهات الفاعلة الإقليمية، بينما سعت جهات أخرى إلى ملء الفراغ، ووجدت قوى أخرى نفسها في موقف متحفظ خشية انتقال عدوى التغيير إليها. واستناداً إلى مفهوم 'تأثير الدومينو'، فإن انهيار النظام السوري نفسه هو قطعة دومينو سبق أن حركها طوفان الأقصى وحرب غزة. أي إن تفاعلات الحدثين متداخلة لا محالة، بما يفتح المجال أمام موجة من التغيرات الجيوسياسية الواسعة في المنطقة والتي لا تعني بالضرورة انهيار أنظمة أخرى بشكل مباشر، لكنه يخلق ديناميكيات جديدة قد تدفع بعض الدول إلى إعادة حساباتها الداخلية والخارجية، أو قد تؤدي إلى تصاعد صراعات كانت كامنة، أو تشكيل تحالفات جديدة، أو حتى بروز فاعلين جدد على الساحة. وهكذا، فإن 'تأثير الدومينو' ليس إلا حالة فرعية من الظاهرة الأوسع لتأثير الفراشة ( The Butterfly Effect ). وهو مفهومٌ نشأ من نظرية الفوضى في الرياضيات والأرصاد الجوية، ويُنسب إلى عالم الأرصاد الجوية إدوارد لورنز في ستينيات القرن الماضي. والذي يشير باختصار إلى فكرة أن التغييرات الطفيفة في الظروف الأولية يمكن أن تؤدي إلى نتائج مختلفة تمامًا في الأنظمة المعقدة، كما أن رفرفة جناحي الفراشة في البرازيل، قد تسبب إعصارًا في تكساس. وعلى الرغم من أن هذا المفهوم نشأ من العلوم الطبيعية، إلا أنه استُخدم على نطاق واسع في العلوم الاجتماعية، بما في ذلك العلاقات الدولية، لفهم العواقب غير المقصودة للأحداث البسيطة أو التي تبدو غير مهمة، ويُسلّط الضوء على حدود فاعلية التفكير الخطي في عالم معقد وفوضوي ومترابط. ويفيدنا مفهوم تأثير الفراشة عند الأخذ بأن التداعيات ليست كلها سلبية بالضرورة كما أنها تكون غير متوقعة، وغير مرتبطة مباشرة بالحدث الأصلي، وغير خطية، وذلك بخلاف ما يوحي به تأثير الدومينو الذي يميل أكثر لإثارة احتمال أن الحدث يتكرر تباعا ويكرر النمط الأساسي بصورة أقرب ما تكون إلى الخطية. وهكذا، فإن تداعيات قرار الطوفان غير المتوقعة وغير الخطية تتشكل نتيجة تفاعل سلوك الأطراف، وصراع مصالحهم، وترابط النسيج الإقليمي، وقد تجلت في نتائج غير مخطط لها وغير مقصودة من قبل مخططي عملية طوفان الأقصى. فمثلا، بينما كانت تستهدف معركة الطوفان توحيد جهود محور المقاومة كداعم رئيسي، فإن نتائجها الراهنة هي إضعاف هذا المحور بصورة استراتيجية من خلال إضعاف حزب الله وسقوط نظام الأسد. لكنّها في المقابل عززت من تأثير الحوثيين إقليميا. كذلك؛ أدى التغيير في سوريا إلى تعزيز نفوذ تركيا إقليميا بل وتعزيز حكم الرئيس أردوغان محليا، وهي نتائج لم تكن ضمن أهداف مخططي عملية طوفان الأقصى، ولا حتى من أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة وحزب الله. تركيا: تعزيز النفوذ الإقليمي ومكاسب للعدالة والتنمية تعد تركيا هي الرابح الإقليمي الأكبر من التغيرات في سوريا، خاصة وأنها تمثل نصرا واضحا في صراع النفوذ طويل الأمد مع إيران. وفي المنظور الأوسع، ليس من المبالغة اعتبار التغيير في سوريا إضافة لأوراق تركيا في معادلة تنافسها المعقدة مع روسيا. بالإضافة لذلك، فقد تسبب انهيار نظام الأسد في إضعاف وحدات حماية الشعب الكردية والقوات التابعة لها (قسد) التي تسيطر على الأجزاء الشمالية في سوريا كامتداد لحزب العمال الكردستاني ( PKK ). وفي ظل التفاهمات المتوقعة مع الولايات المتحدة بشأن سوريا، فإن تركيا ستكون قد ضمنت القضاء على تهديد قيام حكم ذاتي كردي في شمال سوريا، وهو أمر يغير مجمل ديناميات ملف التمرد الكردي في جنوب تركيا. ومن ثم فإن مسار المصالحة التركية الكردية محليا، والذي كان قد بدأت إرهاصاته بالفعل في أكتوبر الماضي، يكون قد تلقى دفعة إيجابية كبيرة على وقع التغيير في سوريا. بخلاف غالبية الأطراف الإقليمية، فإن حركة قطعة الدومينو في تركيا تحمل فرصا وليس تهديدات. فقد وضعت المعادلة السورية الجديدة تركيا في قيادة هيكل أمن إقليمي ناشئ يشمل العراق وسوريا والأردن ولبنان، يستهدف ضبط الحدود والتصدي لخطر استعادة تنظيم داعش نشاطه. كما باتت تركيا هي الضامن الأمني لاستقرار سوريا في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وهو ما يخلق معادلة غير مسبوقة قد تكون فيها القوات التركية في حالة تماس مع الجيش الإسرائيلي، بما يمنح أنقرة مزيدا من الأوراق في مواجهة تل أبيب. وبالإضافة للمكاسب الجيوسياسية، فإن واحدة من التداعيات غير المتوقعة قد تكون إطالة حكم الرئيس التركي أردوغان. إذ جنى أردوغان أرباح رهانه طويل الأمد على دعم فصائل المعارضة السورية مما يساهم في تعزيز وضع حزب العدالة والتنمية الحاكم داخلياً، خاصة مع العودة المحتملة لما يزيد عن ثلاثة ملايين لاجئ سوري. وكذلك فإن تموضع أنقرة في موقع الفاعل الرئيسي في إعادة إعمار سوريا سينعكس على أداء الاقتصاد التركي، وقد تجلى ذلك بوضوح عندما شهدت شركات البناء التركية ارتفاع أسهمها بعد سقوط الأسد مباشرة تحسباً لأنها ستكون في طليعة إعادة إعمار سوريا. وعلى الرغم من الضغوط الاقتصادية التي تمثل التحدي الأبرز محليا للحزب الحاكم، فإن مسار المصالحة مع الأكراد الذي عززته التغيرات في سوريا قد ينتج عنه تغيرا جذريا في التحالفات الحزبية بما يمكن العدالة والتنمية من المضي قدما في مشروع تعديل الدستور أو كتابة دستور جديد، أو على الأقل وضع نهاية لتحالف حزب الشعب الجمهوري مع الأكراد، وهو التحالف الذي بات يمثل تهديدا لمستقبل الحزب الحاكم. إيران: انحسار النفوذ الإقليمي والحاجة لعقيدة ردع جديدة مثّل انهيار نظام الأسد إلى جانب الهزيمة التي تعرض لها حزب الله، تقويضاً لنفوذ إيران وقوتها في المنطقة، وخسارة لمكتسبات إيرانية تراكمت على مدار العقدين الماضيين. حيث عزز الموقع الجيواستراتيجي لسوريا النفوذ العسكري الإيراني، خاصة وأنه قد وفّر جسراً برياً استراتيجياً بين إيران وحزب الله، الأمر الذي مكّن الأخير من امتلاك ترسانة ضخمة من الصواريخ وجعله بمثابة خط الدفاع الأول لإيران ضمن استراتيجية 'الردع الأمامي'. كما كشفت العمليات العسكرية بين إيران و'إسرائيل' خلال حرب غزة عن التفوق العسكري للكيان، وتجلى ذلك بوضوح بعد أن أدت الضربات التي وجهها الاحتلال إلى إيران في أكتوبر/تشرين أول الماضي إلى تقويض الدفاعات الجوية الإيرانية وقدرات إنتاج الصواريخ بشكل كبير. لا ينتج عن خسارة سوريا قطع خطوط إمداد حزب الله وبالتالي تعطيل أداة الردع الإيرانية الأساسية في مواجهة 'إسرائيل' فقط، لكن أيضا نتج عن انهيار نظام الأسد تدمير الاحتلال ما تبقى من قدرات الدفاع الجوي السوري، ما يعني أن الأجواء السورية باتت مفتوحة تماما للطيران الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن الدفاعات السورية لم تكن تمثل سابقا أي عائق للطائرات العسكرية الإسرائيلية المتطورة، فإنها كانت تمثل تهديدا لطائرات التزود بالوقود اللازمة لإمداد الطائرات العسكرية إذا تحركت لشن هجمات في الأجواء الإيرانية. ما يعني أن الطيران الحربي الإسرائيلي تغلب على عقبة رئيسية كانت تحد من قدرته على شن هجوم واسع دون الاعتماد على دعم أمريكي. على الرغم من أن خيار إدارة ترامب الأول هو إجبار إيران على التفاوض عبر فرض عقوبات صارمة، أكثر تشددا من عقوبات فترة رئاسته السابقة، ما زالت احتمالات التوصل لاتفاق أمريكي إيراني محدودة جدا؛ نظرا لأن ترامب لا يتفاوض على البرنامج النووي فحسب، وإنما يضع أيضا على الطاولة برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وعلاقة طهران بوكلائها في المنطقة. أي إن ترامب يريد من الجمهورية الإسلامية الاستسلام وليس التراجع التكتيكي، أي أن تتخلى طوعا عن كل استراتيجيتها الدفاعية الأساسية: الوكلاء كخط دفاع أمامي، والصواريخ البعيدة المدى، وأخيرا الردع النووي. وهو أمر ليس من المرجح قبول طهران به بغض النظر عن الضغوط الاقتصادية القاسية. وتمثل استقالة جواد ظريف مساعد الرئيس الإيراني رسالة واضحة على تراجع فرص التفاهم مع الولايات المتحدة. لذلك؛ فإن الخيار العسكري ليس مستبعدا. وقد يُغري ضعف إيران الحالي الرئيس الأمريكي بتوجيه ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية، خاصة وأن الضغوط الإسرائيلية واضحة في هذا الصدد. ومع ذلك فإن إقدام ترامب على هذه الخطوة يمكن أن يعرض منطقة الشرق الأوسط بأكملها لمخاطر كبيرة، ويطلق المزيد من تأثير الدومينو في المنطقة. وبالنظر إلى الوضعية الجديدة لإيران بعد أن فقدت خطوطها الأمامية وتراجع نفوذها في المنطقة؛ فإن أي تهديد من 'إسرائيل' وأمريكا للمصالح الحيوية لطهران، سيجعل الأخيرة في وضع 'الزاوية' ويدفعها إلى الاعتماد على قدراتها العسكرية التقليدية والرد بشكل مباشر. وفي هذه الحالة سيكون من المرجح أن تستخدم إيران استراتيجية 'التصعيد من أجل التهدئة' عبر مهاجمة المنشآت النفطية وتعطيل الشحن البحري في الخليج العربي ومضيق هرمز، وذلك بهدف حشد جهود خفض التصعيد من جانب الدول الخليجية المصدرة للنفط والغاز وكذلك الصين والهند واليابان باعتبارهما من كبار مستوردي الطاقة من الدول الخليجية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store