
عاطف ابو حجر يكتب : الصيت ولا الغِنى
بقلم: عاطف أبو حجر
في زاوية من هذا العالم المزدحم بالحظوظ والفرص والوجاهات، أعيش أنا… رجل يشبه ظلَّ الوقت. لا أملك من الدنيا إلا صوتي حين أقرأ، وقلمي حين أكتب، وحضوري وسيطرتي حين أتحدّى، وصبري حين يضيق صدري، وسريرًا أعود إليه آخر الليل، وحلمًا لا يفارقني.
لم أعرف من الحظ سوى اسمه، ولا من الناس إلا من مرّوا بي مرور المصلحة؛ إن أعطيتهم ابتسموا، وإن طلبت منهم شيئًا انسحبوا معتذرين.
لا ساعة في معصمي، ولا محفظة في جيبي، ولا خاتم في يدي. لا أعرف سعر الذهب، ولا أتابع البورصة، ولا يهمني صعود الدولار أو هبوطه. أعيش كما أتخيّل أنني أريد، لكن الحقيقة أنني أعيش بصمت، أُخبّئ في داخلي أمنيات صغيرة معلّقة بين الأرض والسماء.
طوال حياتي تمسّكت بقاعدة واحدة:
"من ملك قوت يومه فكأنما ملك الدنيا"
حديث نبوي كان سقف أمانيَّ، ووسادة قلبي، وبوابة نجاتي من زمن ينهش من كل جانب.
لم أطلب الكثير… فقط سلّة خالية من العنب، وراحة بال تكفيني لأعبر النهار بلا مذلّة أو حاجة.
سمعت كثيرًا من المنظّرين… أولئك الذين يتحدّثون عن الصبر والتحدّي والإرادة والعصامية والإيجابية، وبعضهم من أصحاب رؤوس الأموال الكسالى، ينعمون بحقوق غيرهم، لا يعرفون هموم القروض ولا طوابير البنوك، ولا ضيق الجمعيات في آخر الشهر. يتحدّثون وكأن الحياة تهطل عليهم فرصًا كالمطر… وأكتفي بالإنصات وأقول في داخلي:
"ما أسهل النصيحة على من لا يشعر بالجوع!"
قالوا: "لكل مجتهد نصيب"… فاجتهدت، ولم يأتِ النصيب.
قالوا: "ومن طلب العلا سهر الليالي"… فسَهرت واحترقت جفوني، ولم أبلغ العلا.
قالوا: "ومن جدّ وجد"… فوجدت التعب والسخرية وخذلان الأقربين، ولم أجد ما وُعدت به.
قالوا: "الصبر مفتاح الفرج"… فصبرت حتى نسيت شكل الفرج ومتى يُفتح بابه.
ومع ذلك، لم ألعن الأيام، ولم أتخلَّ عن إيماني بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا. كنت أُحدّث نفسي:
"إنما أشكو بثي وحزني إلى الله"
وأردفها دائمًا بعبارة:
"حاول مرة أخرى…"
لست ضعيفًا كما يظنّ البعض، بل أقوى مما يتصوّرون. أن تحاول رغم الخذلان، أن تبتسم رغم الانكسار، وأن تُحسن لمن لا يستحق… تلك بطولة لا يدركها إلا من عاشها.
أنا رجل نقيّ، لا أجرّ خلفي أطماعًا، ولا تُثقل ظهري رغبات لا تنتهي. تواضعي ليس عجزًا، وزهدي ليس يأسًا… بل قناعة وبصيرة.
أدرك أن ما في قلوب الناس يتغيّر، لكن ما عند الله باقٍ. لذا لا أنتظر شكرًا من غريب، ولا اهتمامًا من قريب. أتعامل مع الحياة كدار عبور، لا دار إقامة، وأقول كل صباح:
"رزقي على الله، والله لا ينسى."
وإذا سألني أحدهم: "ليش بعدك بتحاول؟"
أبتسم وأقول:
"لأن باب الله لا يُغلق، ولأن المحاولة عبادة إذا كانت النية صبرًا."
فلا تظنّوني منحوسًا…
أنا فقط مُبتلى، مأجور، أنتظر الفرج من الذي لا يُخطئ في التقدير.
أتذكر حين كنت في الخامسة من عمري، كانت هناك مسابقة على جبنة مثلثات، ومن بين الجوائز بسكليت. شهورًا وأنا أجمع أغطية العلب واحدًا واحدًا، أعدّها بعناية وأخبّئها كأنها كنز. حلمت به كما يحلم الكبار بحلم العمر… لكن الحظ أدار وجهه عني، ولم أربح شيئًا.
جرّبت أيضًا شراء أوراق اليانصيب، وجلست أتابع السحب على شاشة التلفاز وكأني أنتظر خبر نجاة، تمنيت حتى جائزة ترضية… لكن الحظ كان يغمض عينيه عني، أو يتجاهلني عمدًا.
وكأن الحياة كلّها تعتبرني ضيفًا زائدًا على اللائحة… بلا نصيب في المغانم، ولا حتى في الهامش.
هل جرّبت — أيها المنظّر المتفلسف — أن تُحبس في منزلك أيامًا، تحدّق في سيارتك غير المرخّصة ولا تستطيع تحريكها لأنك لا تملك ثمن البنزين؟
أو أن تعتذر عن حضور زفاف قريب لأنك لا تملك حتى عشرة دنانير "نقوط" للعريس؟
قهر الرجال ليس دمعة تُذرف ولا تنهيدة تُطلق، بل وجع صامت يأكل الروح، وجدار ثقيل يسقط على القلب فيخنق أنفاسه. هو أن تُكسر فيك العزّة التي قضيت عمرك تحرسها، وأن تمدّ يدك مكرهًا وأنت الذي كنت تعطي ولا تأخذ. هو أن ترى أبناءك بحاجة إلى رسوم المدرسة وأنت عاجز، وأن تعجز عن شحن هاتف زوجتك وأنت تعلم أن جيبك فارغ، وأن تنام وأنت تفكّر بأي وجه ستواجه الغد.
إنه مرارة الفقد بلا موت، وعتمة الطريق بلا نهاية، وجرح لا يراه أحد لكنه يظل ينزف حتى يشيخ القلب قبل الجسد.
أظن أن لا كلام أصعب من هذا…
على فكرة، أنا مضروب بحجر كبير، وكما يقولون: الصيت ولا الغِنى.
أقسم بالله، تردني اتصالات ورسائل من معارف وأشخاص لا أعرفهم؛ منهم من يطلب المساعدة المادية، ومنهم من يرجوني أن أجد له وظيفة، أو أكلم له مسؤولًا. يستنجدون بي وهم لا يعلمون أن باب النجار مخلّع، وأنني أنتظر من يأخذ بيدي إلى مكان أجد فيه نفسي وسط زحام الدخلاء على الفن والإعلام… وللحديث بقية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ 2 ساعات
- عمون
عمار يوسف العظم في ذمة الله
بسم الله الرحمن الرحيم يَأَيُّهَا النَّفْسُ الْمُطْمَنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَدِي وَادْخُلى جَنَّتِي صدق الله العظيم عمون - بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره ينعى ابناء المرحوم باذن الله يوسف العظم جهاد و عماد و ياسر ومحمد وشقيقاتهم بمزيد من الحزن والأسى شقيقهم عمار يوسف العظم الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى الجمعة ١٥ / ٨ / ٢٠٢٥ وستقام صلاة الجنازة على جثمانه الطاهر يوم السبت ١٦ / ٨ / ٢٠٢٥ بعد صلاة الظهر في مسجد التابعين - منطقة الجسور العشرة وسيوارى الثرى في المقبرة الإسلامية في سحاب تقبل التعازي في منزل أبناء المرحوم في منطقة تلاع العلي من السبت ١٦ / ٨ وحتى يوم الاثنين من الساعة الخامسة عصرا وحتى العاشرة مساءا إنا لله وإنا إليه راجعون..


الانباط اليومية
منذ 2 ساعات
- الانباط اليومية
الذكرى ال 42 لميلاد الشهيد البطل الرائد الطيار معاذ بني فارس
الأنباط - الذكرى ال 42 لميلاد الشهيد البطل الرائد الطيار معاذ بني فارس معاذ ….يا من كان ميلادك فرحًا وغيابك جرحًا، يا من تركتَ في السماء جناحين وفي الأرض سيرة لا تُنسى… أكتب اليوم عنك يا ولدي، لا لأحصي سنواتك، بل لأروي حكاية قلبٍ ظلّ يخفق باسمك، وذاكرةٍ ما زالت تراك في كل شروق وغروب. يصادف السادس عشر من آب ذكرى ميلادك يا أبا هاشم… ذكرى لم تعد تقيس العمر بما مضى من سنوات، بل بما تركه غيابك من فراغٍ في القلب، وما تركه حضورك من أثرٍ باقٍ لا يمحوه الزمن. هي ذكرى ولادةٍ تحوّلت من الاحتفاء بقدومك إلى استحضار صورتك بيننا، بين الحنين الذي يطول، والمسافة التي لا تُقاس بالسنين، بل بعدد الخفقات التي تاهت منذ رحيلك. أراك أمامي كما كنت… في طفولتك المضيئة، وفي شبابك المندفع نحو المعالي، وفي عزيمتك وأنت ترتدي بزّتك العسكرية، تحمل قسمك على كتفيك كما يحمل الجندي سلاحه، وتخطو نحو قدرٍ كأن روحك كانت تلمحه قبل أن تصل إليه قدماك. يا بني… ليست هذه ذكرى ميلادٍ عادية، بل يومٌ يلتقي فيه الفخر بالحزن، وتتعانق فيه البطولة مع الدمع. وفي لحظة الأب الذي قدّم فلذة كبده فداءً لوطنه، لا أجد أصدق من هذه الكلمات: بُنَيَّ الذي أهْدَتْهُ كَفَّايَ للثَّرَى فَيَا عِزَّةَ المُهْدَى ويا حَسْرة المُهدِي ألا قاتَل اللَّهُ المنايا ورَمْيَها من القَوْمِ حَبَّات القُلوب على عَمْدِ اليوم، لستُ وحدي من يفتقدك… أمك، يا معاذ، ما زالت تُنصت لصوت خطواتٍ تتخيّلها قادمة من الباب، علّ قلبها يصدق أن القادم هو أنت. زوجتك، ما زالت ترى ملامحك في أبنائك، وتعانقهم وكأنها تستعيد ظلّك العالق في وجوههم. أبناؤك يكبرون على حكاياتك، يرسمونك ببطولاتك في دفاترهم، ويبحثون عنك في كل طائرةٍ تمرّ في السماء. إخوتك وأخواتك، ما زالوا يذكرون مزاحك وأحاديثك التي كانت تملأ البيت دفئًا. أصدقاؤك ومحبّوك، ما زالوا يرفعون رؤوسهم بك، ويتحدثون عنك كما لو كنتَ بينهم قبل قليل، وكأن رحيلك لم يكن سوى سفرٍ قصير. وهنا، أمام ملامحك التي تتوزع بين وجوههم، يتجدد ألم الغياب: طَوَاهُ الرَّدَى عنِّي فأضحَى مَزَارُهُ بعيداً على قُرْب قريباً على بُعْدِ لقد أنْجَزَتْ فيه المنايا وعيدَها وأخْلَفَتِ الآمالُ ما كان من وعْدِ يا معاذ… يا قطعةً من روحي خرجت إلى الدنيا لتعلّمنا معنى الفخر، ثم غادرت لتعلّمنا معنى الصبر. أجلس أمام ذكراك كما يجلس العاشق أمام صورة حبيبٍ غاب، أكلّمك وكأنك تسمعني، وأبتسم كأنك ترد بابتسامتك التي كانت تفتح أبواب النهار في قلبي. نشتاقك يا بني… نشتاق صوتك حين تنادينا، وضحكتك التي كانت تمحو عن قلوبنا كل همّ. نفتقد وقع خطواتك في البيت، وعبق عطرك الذي كان يملأ المكان، وحتى صمتك حين كنت تُحلّق ليلًا، باحثًا عن نفسك بين النجوم. وقبل أن أختتم حديثي إليك، لا أجد أبلغ من هذه الأبيات لأصف ما في قلبي: بودِّي أني كنتُ قُدِّمْتُ قبْلَهُ وأن المنايا دُونَهُ صَمَدَتْ صَمْدِي ولكنَّ ربِّي شاءَ غيرَ مشيئتي وللرَّبِّ إمْضَاءُ المشيئةِ لا العَبْدِ وأعلم أن طيفك يحوم حولي، يضع يده على كتفي، ويهمس لي: "أبي… أنا بخير'. نم قرير العين يا ولدي… فكل نبضة في قلبي ستظل تنطق باسمك، وكل نفسٍ في صدري سيبقى دعاءً لك، حتى يجمعنا الله في سماءٍ لا غياب فيها ولا وداع… حيث تعود الطيور المهاجرة إلى أعشاشها، وتعود الأرواح إلى أحضان من تحب. اللهم ارحم معاذ وجميع شهداء الوطن، واجعل منازلهم في أعلى عليين، وأنزل على قلوب ذويهم سكينةً من عندك، واغمرهم بعظيم فضلك ورحمتك، واجعل تضحياتهم نورًا يحرس هذا الوطن إلى يوم الدين.

سرايا الإخبارية
منذ 3 ساعات
- سرايا الإخبارية
الجادر والهجل نسايب الف مبروك
سرايا - توجهت مساء اليوم الجمعة الموافق ١٥/٨/٢٠٢٥م جاهة كريمة من عائلة الجادر من قبيلة السرحان يتقدمهم العميد الركن المتقاعد فلاح سلمان الجادر السرحان إلى عائلة الهجل الكرام من قبيلة السرحان لطلب يد صاحبه الصون والعفاف الآنسة شيماء لإبنهم الملازم أول محمد خالد منصور الجادر. نتمنى للعروسين حياة زوجية سعيدة، مليئة بالخير والبركة، وأن يتمم الله أفراحهم على خير وسعادة.