
عبد القادر الشهابي خطاط فلسطين الأول
المولد والنشأة
وُلد عبد القادر الشهابي في مدينة القدس عام 1881م. وهو من أبرز الخطاطين في زمانه. لُقّب بـ"خطاط حكومة فلسطين"، وهي الحكومة التي أُعلن عن قيامها عام 1920م.
الدراسة والتكوين العلمي
درس الشهابي فن الخط على يد الخطّاط التركي محمد عزّت في مدينة إسطنبول ، صاحب كراسة الخطوط العثمانية التي تعد من أشهر المراجع في خطّي الرقعة والديواني العثماني.
وتضم مجموعة من الخطوط، منها: الثلث والنسخ والرقعة والديواني والجلي ديواني والفارسي، كما تحتوي على شروحات مفصّلة للحروف واتصالاتها، إضافة إلى جُمل وتراكيب كتابية نموذجية.
الوظائف والمسؤوليات
عمل مدرسا في دار المعلمين والمدرسة الرشيدية، وهو أول من وضع كراريس لتعليم الخط العربي في فلسطين، وقد أعيد طبعها في زمن الاحتلال البريطاني وفي العهد الأردني، واشتهر أيضا بخبرته في مضاهاة الخطوط وكشف التزوير.
كان الشهابي شخصية اجتماعية بارزة في القدس، وعُرف بلقب "خطاط فلسطين الأول"، إذ لم ينافسه أحد من معاصريه في هذا الفن. اتخذ مكتبا في الطابق الثاني من حوش الشاويش، على يمين المدخل، بجوار مسجد أبي بكر الصديق.
وبعد أن تضرر المسجد جرّاء زلزال عام 1346هـ/1927م، توقفت الصلاة فيه، فاستُعيض عنه بمكتب الخطاط عبد القادر الشهابي.
الإنجازات
في ديسمبر/كانون الأول 1927م وجّه عبد القادر الشهابي رسالة احتجاج إلى الحكومة اعتراضا على ضعف جودة الخط العربي المستخدم في النقد الفلسطيني.
وأوضح عبد القادر في رسالته أن واجبه بصفته خطاطا ومحترفا في هذا الفن يحتم عليه أن يعبّر عن رأيه فيما رآه من "إساءة إلى الخط العربي"، مستندا في ذلك إلى خبرته الطويلة وممارسته المستمرة لهذا الفن.
وقال إن نظرة عامة إلى النماذج المطبوعة من النقد الجديد تكشف عن حقيقة مؤسفة، وهي أن الحكومة أثناء تصميمها للعملة أهملت جانبا كان من المفترض أن يحتل المقام الأول، وهو الخط العربي.
فخرج النقد الفلسطيني الجديد -كما قال- "صورة لا صلة لها بفن النقد أو قيمته الجمالية، فإذا جاز وصفه بالدقة، فهو مجرد قطع معدنية مخصصة للتداول، لا أكثر".
وأضاف أن هذا النقد "جاء شاهدا على تدهور كبير في فن الخطوط النقدية، وبدا كأنه سُجل في صفحات التاريخ بخط سقيم وفن عليل". وانتقد الحكومة بشدة لاعتمادها قرارات منفردة دون الرجوع إلى أهل الاختصاص من أهل الفن والخبرة، مما أدى إلى "نقوش ركيكة ومليئة بالقصور على مستوى التصميم والدقة من جميع النواحي".
وجاء في نص رسالته "لا أعلم، أهو من فرط العناية المنقطعة النظير أن تُرتكب أخطاء فاحشة، بحيث تضاف 3 نقاط إلى كلمة (فلسطين)، حتى بدت وكأنها تحوّلت إلى (فلنطين)؟! وليس هذا فحسب، فإن عامل الكرم والجود الذي أُغدق على كلمة (فلسطين)، قد قوبل ببخل فجّ في ناحية أخرى من كتابة النقد، حيث ضُرب بحرف الميم من كلمة (خمسون) عرض الحائط، حتى بُترت الكلمة لتصبح (خسون)! فهلا دلنا أحد على معجم لغوي يفسّر لنا معنى هذه الكلمة؟ وهل يُعقل أن يبلغ الإهمال هذا الحد؟!".
وإضافة إلى اهتمامه بالخط، كان عبد القادر الشهابي من أوائل من أدخلوا تقنيات الحفر والزنكوغراف الحديثة إلى فلسطين. ففي عددها الصادر بتاريخ 17 أبريل/نيسان 1929، نشرت جريدة صوت الشعب إعلانا يفيد بافتتاحه عددا من المكاتب والفروع لتوسيع نشاطه المهني.
وجاء في نص الإعلان "من المعلوم أني أتعاطى صناعة الحفر والزنكوغراف بأنواعه حسب الطرق الفنية الحديثة، وأصبح الفرع الأهم في مدينتي الأصلية، التي لم أزل أثابر على رقيّها وتقدّمها، مع القيام بكل ما يتعلّق بالكتابة بأنواعها. وقد رأيت من الضروري توسيع نطاق إدارة العمل، فاستجلبت الأجهزة الحديثة، واتخذت مقرا لي في حي البقعة الفوقا قرب قهوة الملك جورج، وأنشأت فروعا أخرى، منها: مكتب حسن أفندي عويضة في باب الخليل، مكتب الحاج محمد أفندي الأفغاني في باب خان الزيت بالقدس، مكتب الحاج عبد الحميد الأفغاني في شارع إسكندر عوض بمدينة يافا".
وكانت لعبد القادر الشهابي بصمات فنية مميزة في عدد من المعالم الدينية والتاريخية في فلسطين. ومن أبرز أعماله تدوين آيات قرآنية وأسماء المتبرعين لإعادة الترميم على الأعمدة والدعامات التي أُضيفت أثناء عملية الترميم في المصلى القبلي، وذلك بتكليف من المجلس الإسلامي الأعلى عام 1925، إضافة إلى نقوشه على الباب الغربي للمسجد العمري في القدس.
ويظهر توقيع الخطاط عبد القادر الشهابي على نصب في ساحة المهد بمدينة بيت لحم ، وتحديدا على قاعدة "نجمة المغتربين"، وهي سارية تعلوها نجمة خماسية، إذ استعانت به لجنة تحسين البلدة ليخطّ النقوش على القاعدة الحجرية.
ومن أبرز أعماله المدنية أيضا، كتابته اسم "البنك العربي" عام 1931، والذي أصبح لاحقا عنصرا بارزا في الهوية البصرية للبنك.
كما أهدى ملك المغرب محمدا الخامس خاتما فضيا يحمل اسمه، لاستخدامه في توقيع المستندات الرسمية، وأهدى النحاس باشا في مصر لوحة تضم آية قرآنية بخطه.
وقد كُرّم الشهابي بمنحه "وسام النهضة العربي"، تقديرا لإسهاماته الكبيرة في ميادين التعليم والفن.
أبرز تلاميذه
من أبرز تلاميذ الخطاط عبد القادر الشهابي، المؤرخ والمؤلف نقولا زيادة، الذي ذكر معلمه في سياق حديثه عن الفرق بين نسخ الكتب وطباعتها، مشيرا إلى أنه في وقت كان فيه نسخ الكتب لا يزال الأساس في انتشارها وكانت الطباعة في بداياتها، كان العديد من أهل العلم يحرصون على الإشارة إلى من علمهم فن الخط.
وقد كانت شهرة المعلم تساهم في زيادة الطلبات على الناسخ الذي أتقن نسخ المصحف، مما كان يعود عليه بعائدات مالية مرتفعة من الكتابة والنسخ.
ومن بين أبرز الخطاطين أيضا الذي تتلمذوا على يده، محمد صيام، المعروف بلقب "شيخ خطاطي فلسطين"، وهو من أبناء قرية لفتا المهجرة. يقول صيام عن بداياته "كنت شغوفا بقراءة القرآن الكريم، وانتقل هذا الشغف إلى خط هذا الكتاب العظيم، فكنت أستخدم الورق الشفاف لنقل الخط من المصحف، وكانت النتيجة مبهرة، ولاقت إعجاب زملائي في المدرسة الرشيدية".
ويتابع قائلا "في المدرسة كان الأستاذ عبد القادر الشهابي يشجعني ويأخذ بيدي، وكان خطاطا بارعا لا يُضاهى في فلسطين. قال لي ذات مرة: إذا طورت نفسك، فسيكون لك شأن عظيم في المستقبل".
وامتثل صيام لنصيحة أستاذه، وسافر إلى مصر وتتلمذ على يد الخطاط الكبير سيد إبراهيم.
جهود غير مقدرة
كشفت صحيفة مرآة الشرق في عددها الصادر بتاريخ 15 مارس/آذار 1930م عن قرار صدر من إدارة المعارف بإنهاء خدمة الأستاذ عبد القادر الشهابي، دون أي تقدير لسنوات خدمته، التي امتدت على مدى 27 عاما، ووصفت الصحيفة هذا القرار بأنه "ظلم بيّن".
وجاء في نص الخبر "الأستاذ عبد القادر الشهابي خطاط متمكن، مارس هذا الفن منذ زمن بعيد، وله فيه آراء وخبرات قيّمة. وقد كان كثير السفر إلى البلدان العربية، ولا سيما مصر، حيث لقي ترحيبا واسعا من الصحف المصرية أثناء زيارته إلى القاهرة".
وتتابع الصحيفة: "لقد أُبلغ من قِبل إدارة المعارف بإنهاء خدمته، دون الإشارة إلى مسيرته الطويلة في سلك التعليم، أو الاعتراف بجهوده السابقة. وفي هذا القرار ظلم واضح نأمل أن يُعاد النظر فيه وتصحيحه".
توفي الشهابي في مدينة القدس عن عمر ناهز 64 عاما، سنة 1945، ودُفن في مقبرة باب الرحمة. وقد ورث عنه فن الخط ابنه رشاد الشهابي، وواصل مسيرة والده الفنية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 15 ساعات
- الجزيرة
حماس تندد بحرب التجويع بغزة وتطالب بتحرك دولي لإدخال المساعدات
قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن استمرار جريمة التجويع في قطاع غزة وصمة عار على جبين المجتمع الدولي الذي يواصل صمته أمام واحدة من أفظع جرائم العصر. وأضافت في بيان أن "سياسة التجويع والتعطيش الممنهجة والمعلنة التي تمارسها حكومة مجرم الحرب بنيامين نتنياهو ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والتي اشتدت حدّتها منذ نحو 5 أشهر، تشكل عارا على المجتمع الدولي الشاهد الصامت على هذه الجريمة الوحشية المروعة". وطالبت حماس الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وكندا وأستراليا وغيرها من الدول الغربية، بترجمة مواقفها الإعلامية المعلنة إلى أفعال وخطوات سياسية واقتصادية فاعلة، ومراجعة كافة أشكال التعاون مع الاحتلال، ووقف إمداده بالسلاح الذي يقتل به المدنيين والأطفال على مدار الساعة، ومحاسبته على استخدام التجويع أداة للقتل الجماعي. كما دعت الحركة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات عملية وملزمة تُجبر الاحتلال على إدخال المساعدات فورا، من دون شروط أو تحكم، وبما يضمن إنقاذ المدنيين من خطر الموت جوعا وعطشا. وقالت حماس إن الإدارة الأميركية تتحمل مسؤولية مباشرة عن استمرار جريمة الإبادة والتجويع ضد المدنيين الأبرياء في قطاع غزة، بدعمها المطلق لحكومة الاحتلال وتوفيرها الغطاء السياسي والعسكري للقتل والتجويع. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 202 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح -معظمهم أطفال ونساء- وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.


الجزيرة
منذ 16 ساعات
- الجزيرة
سرايا القدس تقصف تجمعات الاحتلال وترد على مطالب نزع سلاح المقاومة
بثت سرايا القدس -الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي- مشاهد من قصف مقاتليها بقذائف الهاون تجمعات جنود الاحتلال الإسرائيلي وآلياته العسكرية المتوغلة في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة. اقرأ المزيد


الجزيرة
منذ 16 ساعات
- الجزيرة
الحوثيون يدرسون خيارات تصعيد إضافية دعما للفلسطينيين بغزة
قال زعيم جماعة أنصار الله (الحوثيين) عبد الملك الحوثي ، اليوم الخميس، إنهم يدرسون خيارات تصعيدية إضافية دعما للفلسطينيين بغزة، وذلك مع استمرار عملياتهم البحرية ضد السفن التابعة لإسرائيل أو المتوجهة إليها. وقال الحوثي -في كلمة حول مستجدات العدوان على قطاع غزة- إن موقفهم الرسمي والشعبي وعلى كل المستويات لن يألو جهدا في نصرة الشعب الفلسطيني. وأكد على استمرار تطوير القدرات العسكرية لتكون أكثر فاعلية في "التنكيل بالعدو الإسرائيلي والضغط عليه". وأشاد بالوقفات القبلية المستمرة، وناشد من وصفهم بـ"أنظمة البلدان التي تفصل بلدنا جغرافيا عن فلسطين أن يفتحوا منافذ لعبور شعبنا وسيتحرك بمئات الآلاف لنصرة الشعب الفلسطيني"، على حد تعبيره. وأكد على استمرار "حظر الملاحة البحرية على العدو الإسرائيلي"، وقال إن ميناء أم الرشراش (إيلات) عاد إلى الإغلاق التام، وهو ما تسبب في خسائر كبيرة لإسرائيل، بحسب زعيم الحوثيين. وأشار الحوثي إلى أنهم نفذوا منذ بداية الإسناد لقطاع غزة 1679 عملية عسكرية ما بين صواريخ وطائرات مسيّرة وزوارق حربية. كما كشف أن اليمن تعرض لـ2843 غارة وقصفا بحريا سقط بسببها المئات من القتلى والجرحى، لكنها فشلت في منع الموقف اليمني من مساندة الشعب الفلسطيني بغزة. وتواصل جماعة الحوثيين مهاجمة السفن التابعة لإسرائيل وكذلك السفن المتوجهة إليها، وتشدد على استمرار العمليات حتى وقف إسرائيل حرب الإبادة في غزة. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.