logo
الشروط الاقتصادية لحل الدولتين: العوائق والحلول

الشروط الاقتصادية لحل الدولتين: العوائق والحلول

النهارمنذ 19 ساعات

من نافل القول إن حل الدولتين، أي قيام دولة فلسطينية مستقلّة إلى جانب إسرائيل، هو الأمل الأكبر لإنهاء نزاع طال أمده. لكن هذا الأمل لا يتعلق فقط بالسياسة، إذ تحتلّ المسائل الاقتصادية قلب الموضوع. يُعَدّ التفاوت الاقتصادي الكبير بين الضفة الغربية وقطاع غزة من جهة وبين الدولة العبرية من الجهة الأخرى، والقيود الإسرائيلية التي تكبّل التنمية الفلسطينية، والاعتماد الاقتصادي الفلسطيني شبه الكامل على إسرائيل، عقبات كأداء أمام قيام دولة فلسطينية مستقرّة ومزدهرة.
عندما نتحدث عن العوائق الاقتصادية، تبرز القيود الإسرائيلية كحجر عثرة أساسي. إن حركة الفلسطينيين وحركة بضائعهم مقيّدة باستمرار، وإن جزءاً كبيراً من أرضهم ومواردهم الطبيعية –مثل المياه والأراضي الخصبة في المنطقة "ج"، التي تشكّل حوالي 60 في المئة من الضفة الغربية– ليس تحت سيطرتهم الكاملة. هذه القيود تخنق الاقتصاد الفلسطيني، وتمنع الاستثمار، وتجعل من الصعب على أي عمل تجاري أن ينمو.
تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن هذه القيود تكلف الفلسطينيين نحو 3.4 مليارات دولار سنوياً، أي ما يعادل 35 في المئة من دخلهم القومي. يُضَاف إلى ذلك الاعتماد الفلسطيني شبه الكلي على إسرائيل اقتصادياً. يشكّل عمل أكثر من 180 ألف عامل فلسطيني في داخل إسرائيل والمستوطنات شريان حياة لآلاف العائلات، لكنه يجعل في الوقت نفسه الاقتصاد الفلسطيني هشاً للغاية أمام أيّ تقلّبات سياسية أو أمنية. فأي إغلاق للحدود يعني كارثة، ذلك أن البطالة يمكن أن تقفز قفزة ضخمة، كما حدث في غزة بعد اندلاع الحرب الجارية حيث يتجاوز معدّلها الـ 80 في المئة، فيما تبلغ في الضفة الغربية نحو 35 في المئة.
ولا يمكننا أن نغفل تدهور البنية التحتية ونقص الموارد، ولاسيما في غزة، حيث أكثر من 95 في المئة من مياه الشرب ملوّثة، والكهرباء غير متوفرة، وكانت تشهد عجزاً يتجاوز الـ 70 في المئة قبل الحرب بفعل الحصار الإسرائيلي المضروب على القطاع منذ عام 2007. هذا النقص لا يؤثر فقط في جودة الحياة، بل يجعل أيّ تنمية صناعية أو زراعية أمراً شبه مستحيل.
وما من شك في أن إعادة البناء تتطلّب أموالاً طائلة وجهوداً مستدامة. علاوة على ذلك، وعلى رغم الجهود كلها، لا تزال المؤسسات الفلسطينية تحتاج إلى تقوية، والحوكمة الرشيدة تحتاج إلى ترسيخ أكبر لمحاربة الفساد. وهذه تحديات يمكن أن تبعد المستثمرين وتقلل من فاعلية المساعدات الدولية. وأخيراً، يبقى غياب الاستقرار السياسي والأمني هو العائق الأكبر، فهو يغذي حالة عدم اليقين التي لا تجعل أحداً يجرؤ على التخطيط للمستقبل، بل يدفع المستثمرين بعيداً.
لكن الحلول ليست مستحيلة. يتطلّب الأمر خطة متكاملة. أولاً، لا بدّ من تخفيف القيود الإسرائيلية بشكل جذريّ. يجب تحرير حركة البضائع والأفراد، والسماح للفلسطينيين بالوصول إلى أراضيهم ومواردهم. يُشَار إلى أن الأمم المتحدة تقدّر أن تحرير الوصول إلى المنطقة "ج" وحده يمكن أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني بنسبة 35 في المئة.
ثانياً، على الجهات المانحة التركيز على بناء القدرة الإنتاجية الفلسطينية من خلال الاستثمار في الزراعة والصناعة والتكنولوجيا، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير التدريب المهني للشباب. ثالثاً، يجب بناء بنية تحتية مستدامة، وهذا يتطلّب استثمارات دولية ضخمة، ولا سيما في قطاعات مثل الطاقة والمياه. يُذكَر أن أغلب التقديرات المستقلّة تشير إلى أن إعادة إعمار غزة وحدها قد تتطلّب عشرات المليارات من الدولارات.
رابعاً، يُعَدّ تعزيز الحوكمة الرشيدة وبناء مؤسسات شفافة وخاضعة إلى المساءلة أمراً أساسياً لجذب الاستثمارات وبناء الثقة. خامساً، سيساعد إبرام شراكات اقتصادية قوية مع الدول العربية المجاورة والعالم في تنويع الاقتصاد الفلسطيني وتقليل اعتماده على إسرائيل. وأخيراً، يجب أن تتضمن أي تسوية سياسية شاملة حلولاً اقتصادية عملية لمسائل الوضع الدائم مثل اللاجئين والمياه والحدود والقدس.
في الختام، يجب أن ندرك أن الاقتصاد ليس مجرد نتيجة للسلام، بل هو وقود يغذّيه. لا يمكن لدولة فلسطينية أن تكون حرّة وقابلة للحياة إلا إذا كانت قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي والرخاء لشعبها. وفي المقابل، لن تنعم إسرائيل بالأمن والسلام الحقيقي إلا إذا كان جيرانها ينعمون بالاستقرار والازدهار. لذلك، ليس الاستثمار في التنمية الاقتصادية الفلسطينية مجرّد عمل إنساني، بل هو استثمار استراتيجيّ في مستقبل السلام والأمن للمنطقة بأكملها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إسرائيل: الهجمات على إيران إجراء للحفاظ على الهوية الوطنية
إسرائيل: الهجمات على إيران إجراء للحفاظ على الهوية الوطنية

النهار

timeمنذ 26 دقائق

  • النهار

إسرائيل: الهجمات على إيران إجراء للحفاظ على الهوية الوطنية

أعلن مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، أن المعلومات الاستخباراتية أكدت أن إيران كانت ستستطيع خلال أيام إنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع عدة قنابل. وأوضح في كلمة بمجلس الأمن الدولي أن الهجمات على إيران "إجراء للحفاظ على الهوية الوطنية" نفذته إسرائيل بمفردها. وتابع دانون: "انتظرنا نجاح الجهود الدبلوماسية ورأينا المفاوضات يطول أمدها لكن إيران لم تقدم سوى تنازلات كاذبة أو رفضت معظم الشروط الأساسية". وأكد أن إيران "خصبت اليورانيوم بنسبة 60 في المئة بدون مبرر وأنشأت صناعات صاروخية كبيرة". وأشار دانون إلى أن إسرائيل "تأخذ إجراءاتها قبل أن يتأخر الوقت، وإيران طورت قدراتها كثيرا". وقال إنَّ "التهديدات الإيرانية لإسرائيل كانت يومية ونعلم من هم أعداؤنا". وكان دانون قد قال يوم الجمعة إنَّ العملية العسكرية ضد إيران لن تكون قصيرة، حسبما أفادت وكالة بلومبرغ للأنباء. وفي حديث لتلفزيون "بلومبرغ" قال: "لن أقول شهورا، لكنها يمكن أن تستغرق أياما أو أسابيع".وأوضح أن إسرائيل يمكن أن تصل "لكل هدف في إيران. إننا نسيطر على الأمور". ووفق دانون فإن إسرائيل ستستمر حتى "تصل إيران إلى نقطة لا تستطيع عندها مواصلة جهودها". واستهدفت المرحلة الأولى من الضربات الإسرائيلية قدرات إنتاج الصواريخ الباليستية والمنشآت النووية الإيرانية بشكل رئيسي. في المقابل، ردّت إيران، الجمعة، بإطلاق صواريخ على إسرائيل أسفرت عن مقتل امرأة وإصابة 70شخصاً وفق وسائل إعلام إسرائيلية.

مذكرة توقيف بحق زعيتر؟!
مذكرة توقيف بحق زعيتر؟!

تيار اورغ

timeمنذ 34 دقائق

  • تيار اورغ

مذكرة توقيف بحق زعيتر؟!

نفت مصادر نيابية كل ما روج عن ربط فتح دورة استثنائية لمجلس النواب بالتحقيق مع النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر. واكدت لصحيفة 'الديار' أن فتح الدورة تم بعد اتصالات بين رئيسي الجمهورية والحكومة وبالاحرى بين الرئيس نبيه بري والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاقرار البنود الإصلاحية المتعلقة بالفجوة المالية المقدرة بـ68 مليار دولار وهيكلة المصارف، وهذا ما تطرق له بري مع المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان. وتشير المصادر عينها الى أن زعيتر لن يمثل امام القاضي طارق البيطار، في ظل قرار بري عدم مثول اي نائب امام قاضي التحقيق في مرفأ بيروت طارق البيطار، واذا تخلف زعيتر عن الحضور فان القاضي البيطار سيصدر مذكرة توقيف بحق زعيتر، سيكون مصيرها مماثلا للمذكرة التي صدرت بحق النائب علي حسن خليل والوزير السابق يوسف فنيانوس.

إثر الهجمات الإيرانية... إليكم حصيلة القتلى والجرحى في إسرائيل!
إثر الهجمات الإيرانية... إليكم حصيلة القتلى والجرحى في إسرائيل!

ليبانون ديبايت

timeمنذ 38 دقائق

  • ليبانون ديبايت

إثر الهجمات الإيرانية... إليكم حصيلة القتلى والجرحى في إسرائيل!

أفادت مصادر إسرائيلية، صباح اليوم السبت، بمقتل 3 أشخاص وإصابة أكثر من 80 آخرين، إثر الهجمات الصاروخية التي شنتها إيران على مناطق مختلفة داخل إسرائيل، في تصعيد جديد بين الجانبين. وقالت خدمة الإسعاف الإسرائيلية أن الصواريخ الإيرانية أصابت مناطق سكنية في وسط البلاد، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، بينما لا يزال عدد من المصابين تحت الأنقاض. وأضافت أن طواقم الإنقاذ تواصل عمليات البحث والإخلاء في المواقع المستهدفة. ودوّت صفارات الإنذار في عدة مناطق بأنحاء إسرائيل مع رصد إطلاق صواريخ من إيران، في وقت أعلن فيه الجيش الإسرائيلي اعتراضه "موجة جديدة" من الصواريخ، دون تحديد حجم الأضرار أو عدد الصواريخ التي تم إسقاطها. وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن دوي انفجارات سُمع في جنوب البلاد أيضًا. وفي سياق متصل، نقلت شبكة CNN الأميركية عن مسؤول إيراني كبير، الجمعة، قوله أن "إيران ستكثف هجماتها على إسرائيل، وستستهدف القواعد الإقليمية لأي دولة تحاول الدفاع عنها"، في إشارة إلى تصاعد حدة المواجهة واحتمال اتساع رقعة النزاع إقليميًا. من جانبه، قال داني دانون، مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، خلال كلمته في جلسة طارئة لمجلس الأمن، أن المعلومات الاستخباراتية أكدت اقتراب إيران من إنتاج كميات كافية من المواد الانشطارية لصنع عدة قنابل نووية خلال أيام. وأضاف، "إسرائيل نفذت الهجمات الأخيرة على إيران بمفردها، باعتبارها خطوة ضرورية للحفاظ على الأمن القومي". وتابع دانون، "انتظرنا نجاح الجهود الدبلوماسية، لكن إيران لم تُبدِ سوى تنازلات شكلية ورفضت الشروط الأساسية. إنها تخصب اليورانيوم بنسبة 60% دون مبرر، وتُطوّر صناعات صاروخية تهدد المنطقة بأسرها". وختم مندوب إسرائيل حديثه بالقول أن "التهديدات الإيرانية باتت يومية، ونعلم تمامًا من هم أعداؤنا".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store