
خيبة ترامب من بوتين: مدخل إلى عالم الهرج والمرج
الهجمات الأوكرانية رسمت معالم تحول استراتيجي خطير بالنسبة الى موسكو، وأخطر ما فيها «قابليتها للتجدد» ولأن يتحول الأمر الى نموذج يعتمد ويُطوّٰر. لأجل ذلك، تسعى روسيا على مدى الأسابيع الأخيرة لإغراق الدفاعات الجوية الأوكرانية في جميع الاتجاهات، وإنهاك مخزون الصواريخ المضادة وتهديم البنية التحتية والسكانية. الرهان الروسي على أن تكون أسابيع التصعيد الجنوني الحالية هي الحاسمة، بشكل لا يعود بوسع حكومة كييف أو شعبها، إكمال الحرب. أدّى ذلك للاصطدام بدونالد ترامب، وإظهار هشاشة ما يملكه من تصور في الأساس للتوصل، ولو إلى هدنة أو حتى تبريد، في هذه الحرب.
ففي الأساس، بالتصعيد الأوكراني أو من دونه، بالتصعيد الروسي المستمر على ذاك التصعيد، أو من دونه، فإن الإدارة الأمريكية لا تملك أي تصور، ولو بالحد الأدنى، لإنهاء الحرب. الإدارة السابقة كان لديها مثل هذا التصور: انتهاء الحرب ما كان يتصوره جو بايدن إلا بسيناريو واحد، وهو تقهقر روسيا. ترامب فطن إلى أن ربط مصالح أمريكا بهذا السيناريو الذي لا يبدو أن ثمة، إليه، من سبيل لتحقيقه، ضرب من ضروب المكابرة العالية الكلفة. لكن، وباستثناء التعديل في أسلوب مخاطبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل نوبة التشنج الترامبية الحالية تجاهه، وباستثناء محاولته المتكررة لإفهام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن هذا النوع من الحروب لا يمكن أن ينتهي بانسحاب الروس من كل الأراضي التي غزوها منذ 2022، ولا من شبه جزيرة القرم التي جرى ضمها من طرف واحد عام 2014. ذلك أن هذه الحرب لا يمكنها أن تنتهي أيضاً بالتعادل.
منذ عودته إلى البيت الأبيض يلعب ترامب لعبة أن أوكرانيا ليست حربه. لكن الحرب لم تنخفض وتيرتها. بالعكس. وبشكل متعاقب للحظات التوتير والتصعيد: فعندما شعرت موسكو أن فولوديمير زيلينسكي بات في ورطة حقيقية جراء مشكلته مع ترامب زادت الهجمات، فكانت النتيجة الرد الأوكراني الاستثنائي الذي يكشف تطور القدرات الذاتية لكييف بالإضافة الى أهمية احتضانها من بولندا وألمانيا وبريطانيا، رغم الفتور الأمريكي تجاهها، منذ تبدلت الإدارة في واشنطن. من غير الواضح حتى الآن على أي أساس يمكن إيقاف هذه الحرب. روسيا تريد سلخ أكثر من ثلث أوكرانيا عن كييف، بأقل تقدير، ولا يبدو أن هناك في كييف من هو مستعد للقبول بذلك. إنما الأمور لا تتوقف عند هذا الحد: ما زالت روسيا تخوض الحرب على أساس هدف يتجاوز سلخ الأراضي إلى تحلل الكيانية الوطنية الأوكرانية بحد ذاتها، وما زال الأوكران يقاتلون على أساس هدف يتجاوز استرجاع أراض ومنع احتلال اخرى، إلى هدف أكبر، وهو إسقاط النظام البوتيني.
ما زالت روسيا تخوض الحرب على أساس هدف يتجاوز سلخ الأراضي إلى تحلل الكيانية الوطنية الأوكرانية بحد ذاتها
ولأجل ذلك، من الجهتين، يمكن، بمعنى معين، احتساب هذه الحرب على أنها استئناف للحرب الأهلية الروسية 1918-1921، وليست فقط حربا بين دولتين-أمتين سلافيتين، خارجتين من التجربة السوفياتية كلّ في اتجاه. فهذه الحرب الأهلية الروسية كانت صراعاً على طبيعة الدولة الروسية ما بعد القيصرية نفسها: هل تكون إمبراطورية مركزية تحت حكم سلطوي، أم خلاف ذلك؟ وكانت أوكرانيا آنذاك أحد مسارح هذا الصراع، حيث قامت محاولات لإقامة دولة أوكرانية مستقلة، لكن جرى قمعها في النهاية ضمن مشروع الدولة السوفياتية. الحرب تتعلق بالصراع على «طبيعة» روسيا نفسها، وعلى «وجود' أوكرانيا بحد ذاته.
يبقى أن «خيبة الأمل» الترامبية تجاه بوتين، واعتزام الرئيس الأمريكي مضاعفة العقوبات على موسكو، يكشفان عن بداية انكفاء سردية «الصفقة الكبرى» التي روّج لها ترامب، بما هي يوفوريا لحظة عابرة حاولت أن تُقنع العالم بالصخب والهرج والمرج بإمكانية استبدال الجيوبوليتيك المعطوف على قضية وجود كيان من عدمه، ونظام من عدمه، بمنطق المفاوض التاجر.
وإن كانت «وصفات ترامب» قد أحرزت قسطا سريعا من النجاح في لجم الحرب بين الهند وباكستان، وتمكنت من تجميد المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران الى حين، أيضا لأنها وصلت إلى لحظة لا يمكن للإدارة الأمريكية فيها أن تكتفي بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية دون التورط أكثر في الحرب وبالمباشر إن لم يجر تجميد الأخيرة، فإنها تبدو متعثرة أمام الصراع الروسي-الأوكراني. النتيجة «المنطقية» لذلك، فهي أن الإخفاق في تهدئة هذه الجبهة لن يظل حبيسها، بل سيعيد تنشيط التوترات والنزاعات المجمدة أو شبه المجمدة في مناطق أخرى من العالم.
ويرتبط ذلك بالاقتراب من استحقاق انتهاء صلاحية معاهدة «نيو ستارت» في العام 2026، من دون أن تلوح في الأفق أي قابلية واقعية لتجديدها أو بلورة إطار بديل. فعلى الرغم من أنها كانت آخر ما تبقّى من البنية القانونية لضبط التسلّح النووي بين القوتين، فإن مناخ العلاقات بين موسكو وواشنطن لا يشي بإمكانية «استلحاق» واضحة. أساسا، منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، جُمدت معظم آليات التواصل العسكري والاستخباراتي بين موسكو وواشنطن، بما في ذلك آلية التفتيش الميدانية المنصوص عليها في معاهدة «نيو ستارت»، وصولا لإعلان موسكو تعليقها مشاركتها في المعاهدة، دون الانسحاب منها بالكامل. وواشنطن ترى الى أن أي معاهدة جديدة للحد من التسلّح لا يمكن أن تستمر بصيغة ثنائية موروثة عن الحرب الباردة، وتطالب بإدخال الصين طرفًا ثالثًا نظرا لنمو ترسانتها، فيما ترفض بكين ذلك، معتبرة أن ترسانتها لا تزال محدودة مقارنة بواشنطن وموسكو. لأوّل مرة منذ أكثر من نصف قرن، يقترب العالم من لحظة فراغ استراتيجي كامل، حيث لن يكون هناك أي إطار ناظم فعّال لضبط التسلّح النووي بين القوى الكبرى.
بيد أن كل هذا يمكن وضعه في كفة، وفي كفة أخرى يُطرح سؤال المواكبة الأمريكية لأوكرانيا، وهل تستعيد زخمها الذي انقطع؟ بمعنى آخر، هل يستطيع ترامب زيادة الضغط على بوتين إذا لم يبادر إلى استئناف الدعم لأوكرانيا… على نهج جو بايدن الذي يمقت؟
كاتب من لبنان

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 3 ساعات
- العربي الجديد
ترامب يدخل حرب أوكرانيا بالوكالة ويترك حروب الشرق الأوسط لنتنياهو
بعد مراهنة واهمة وخيبة طويلة، عاد الرئيس الأميركي الصورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولد دونالد ترامب في 14 حزيران/ يونيو 1946 في مدينة نيويورك، لأبوين من أصول ألمانية واسكتلندية، تلقى تعليمه الأولي في مدرسة كيو فورست بمنطقة كوينز في مدينة نيويورك. التحق بالأكاديمية العسكرية في المدينة نفسها، وحصل عام 1964 على درجة الشرف منها، ثم انضم إلى جامعة فوردهام بنيويورك لمدة عامين، ثم التحق بجامعة بنسلفانيا، وحصل على بكالوريوس الاقتصاد 1968 دونالد ترامب إلى نسخة مصغّرة من سياسة سلفه جو بايدن الأوكرانية وإن بصيغة ملتوية. الاختلال الميداني المتزايد مؤخراً لصالح روسيا وما أثاره من مخاوف وضغوط في الكونغرس وأوروبا، اضطره إلى التراجع عن انقلابه على سياسة تسليح أوكرانيا، التي اعتمدها سلفه، علّ ذلك يؤدي إلى زحزحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 1952، أي بعد 7 سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية، التي فقد فيها شقيقه الأكبر وأصيب فيها والده، عمل 16 عامًا في جهاز الاستخبارات الروسي، ثم رئيسًا للوزراء عام 1999، ورئيسًا مؤقتًا في نفس العام، وفاز في الانتخابات الرئاسية: 2000، 2004، 2012، 2018، 2024 ويحمله على التفاوض لوقف النار في مدخل لوقف الحرب. هاجس ترامب كان وما زال، وضع بصماته على طي صفحة هذه الحرب وغيرها من حروب الشرق الأوسط. وتزامنت لحظة استدارة ترامب مجدداً نحو أوكرانيا مع تجاهل واشنطن لما تردد من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الصورة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولد في يافا عام 1949، تولى منصب رئاسة الوزراء أكثر من مرة، منذ 1996، وعرف بتأييده للتوسع في المستوطنات، ودعم حركة المهاجرين الروس، وتشدده تجاه الفلسطينيين. وشارك في العديد من الحروب والعمليات العسكرية التي قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي. وأثناء رئاسته للوزراء شن 6 حروب على قطاع غزة بين عامي 2012 و2023. تعمّد في الأيام الأخيرة عرقلة مفاوضات وقف النار في غزة، وكأن البيت الأبيض قرر ترك ملف القطاع في عهدته أو كأن نتنياهو تمكن، كالعادة، من الحصول على موافقة ترامب بالتفرد بالقطاع. وفي كلمته خلال استقبال أمين عام حلف الناتو، مارك روته، في البيت الأبيض اكتفى ترامب بإشارة عابرة لمفاوضات غزة قائلاً بإنها "تسير على ما يرام"، علماً أن المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي كان من المتوقع أن يتجه إلى الدوحة الأسبوع الماضي "للمساهمة في تفكيك العفد الأخيرة" بقي في واشنطن، بعد أن نقلت تقارير ومنها إسرائيلية أن نتنياهو نسف الاحتمالات من دون أن يصدر أي تعليق عن الإدارة الأميركية. كما لوحظ أن الرئيس الأميركي لم يأت خلال كلمته على سيرة إيران ووقف النار معها لا من قريب ولا من بعيد، وكأن مرحلة ما بعد الاتفاق تم تعليقها في الوقت الحاضر وسط التباين في المقاربة بين نتنياهو والبيت الأبيض، على أن تتوقف إسرائيل عن التلويح باستئناف العمليات الجوية ضد إيران، فيما تحتفظ الإدارة بالحديث عن تفضيلها للخيار الدبلوماسي سبيلا لمعالجة الموضوع. وفي ذلك مكسب لنتنياهو الذي لا بد وأنه يراهن على مستجدات قد يُنضجها التجميد كلما طال، بحيث تكون من النوع الذي يوفر فرصة لتجديد التصعيد الذي يرغب به بهذه الطريقة، بحيث تضمن اسرائيل الحصول على مساحة واسعة للتحكم بمسار حروب غزة ولبنان وايران، خاصة وأن تركيز الإدارة انتقل الآن إلى أوكرانيا ولو أن ترامب دخل حربها بالوكالة، حيث تزود إدارته الناتو بالسلاح مقابل دفع كلفته، ثم يقوم الأخير بتسليمه إلى أوكرانيا، واعتمد ترامب هذه الصيغة كي لا يظهر أمام جمهوره أنه نكث بوعد عدم التورط في أي حرب خارجية كذلك كي لا يكون التزامه مباشر لأوكرانيا. لكن هذه الصيغة تركت أسئلة كثيرة حول كمية الأسلحة التي لم يُعرف عنها إلا القليل ونوعيتها ، مثل أنها تشمل صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ، ثم "لماذا منح موسكو فرصة 50 يوماً" للموافقة على الدخول في مفاوضات وإلا فُرِضت تعرفة جمركية بمقدار 100% على البضائع التي تستوردها أميركا من الدول التي تتعامل مع روسيا، وذلك لحرمان موسكو من التبادل التجاري مع الآخرين، وهذه العقوبة شكلية أكثر منها رادعة. وليس من المتوقع أن تذعن موسكو لمثل هذا التحذير الرخو الذي تعرف واشنطن أنه لن يقوى على حمل بوتين على القبول بالانتقال من الميدان إلى الطاولة، فهو تجاهل خيار المفاوضات عندما كان وضعه الميداني في حالات صعبة. فلماذا يذعن الآن وكفته راجحة، لاسيما وأن الحضور الأميركي في المعادلة جزئي وغير مباشر؟ وبكل حال لماذا لا يبدأ العمل فوراً ببند التعرفة رغم محدودية فعاليته؟ ثم إذا طُرح مشروع تفاوضي "تعجيزي" أو مقيد بشروط مسبقة ترفضها أوكرانيا فهل يستمر التسليح؟ وما المدى الزمني للالتزام به؟ أخبار التحديثات الحية ترامب يمهل روسيا 50 يوماً للاتفاق مع أوكرانيا وإلا... يعتبر قرار ترامب نقلة نوعية مقارنة بموقفه الأساسي من الحرب ومن بوتين، ويعززه وقوف غالبية كاسحة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى جانبه، لكنه تأخر والتقديرات أنه غير قادر على تغيير حسابات الكرملين في هذا الوقت بالذات، خصوصاً في ظل مناخ التقلبات السائد في واشنطن. وبذلك يبقى من المرجح أن تبقى مفاتيح الحرب بيد بوتين حتى إشعار آخر، وكذلك مفاتيح حروب الشرق الأوسط، إلى حد بعيد، بيد نتنياهو طالما بقيت واشنطن غير حاسمة.


العربي الجديد
منذ 6 ساعات
- العربي الجديد
"إنسانيّة" إسرائيل
خلال لقائه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، سُئل الرئيس الأميركي دونالد ترامب: "ماذا عن حلّ الدولتَين؟"، فأجاب: "الموضوع عند بيبي. الكلمة له"؟ والرسالة تُقرأ من عنوانها بالتجربة والواقع على الأرض منذ عقود، ومن أعلى مركز قرار في أميركا اليوم. قال بيبي: "بعد 7 أكتوبر كانت لحماس دولة في إسرائيل ولكنّها دمّرتها. بعضهم يطلب منا إعطاء دولة فلسطينية، لكنّها ستكون منصّةً لتدميرنا. يمكننا التوصّل إلى سلام مع الفلسطينيين الذين لا يريدون تدميرنا، ولكن الأمن سيبقى بأيدينا"، ثمّ سلّم ترامب رسالة ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام، وقال: "نعمل مع واشنطن لإيجاد دول تمنح الفلسطينيين مستقبلاً أفضلَ". وفي تصريحات لاحقة، قال ترامب بشأن نقل الفلسطينيين من غزّة: "حصلتُ على تعاون كبير من الدول المجاورة". وعقد لقاءات مع قادة دول أفريقية، وجمع بعضهم مع نتنياهو في خطوة اختراق إسرائيلي مهمّة في القارّة الأفريقية، طلب منهم المساعدة في نقل مهاجرين في أميركا من دول مختلفة إلى دولهم، وأشار إلى استقبال "لاجئين فلسطينيين"، مقدّماً إغراءات مالية من خلال اتفاقات تؤدّي إلى تنمية اقتصادات الدول المعنية، راغباً مع "بيبي" في الحدّ من النفوذ الصيني المتقدّم، والحضور الروسي، ودور المغتربين اللبنانيين في قطاعات إنتاجية مهمة، تعطيهم نفوذاً في عدة دول أفريقية، وينبغي محاصرتهم. وعن غزّة ومفاوضات الهدنة، قال نتنياهو: "نزع السلاح من غزّة شرط إسرائيل لوقف دائم لإطلاق النار، مستعدّون للتفاوض بشأن ذلك خلال هدنة الـ60 يوماً، وفي حال عدم التوصّل إلى اتفاق سنستأنف القتال (الذي لم ولن يتوقّف)، ولن ننسحب من كلّ غزّة"، ولن يكون دور للسلطة الفلسطينية في إدارة الأمور هناك، يعني تأكيد الثوابت والأهداف التي تتمسّك بها حكومة بيبي: لا "حماس"، ولا سلطة فلسطينية، ولا انسحاب، وعمل دؤوب وضغوط في كلّ الاتجاهات لترحيل الفلسطينيين من غزّة، واستمرار أعمال الإبادة بحقّهم، وما جرى مع إيران سيطبّق في غزّة. ما يقوم به نتنياهو، مدعوماً من الإدارة الأميركية ودول غربية كبيرة وكثيرة، وبعض الدول العربية، يشكّل خطراً فعلياً على كلّ المنطقة، ولا يوفّر أحداً قد تكون هدنة 60 يوماً، إذا لم تتحقّق الأهداف خلالها "سوف نعود إلى القتال"، يعني الحرب في بداياتها، والمراحل المقبلة ستكون مرعبةً كما توعّد المسؤولون الإسرائيليون الفلسطينيين. هنا خرج وزير الدفاع يسرائيل كاتس ليعلن: "نعمل على إقامة مدينة إنسانية في رفح، وإدخال 600 ألف فلسطيني إليها في المرحلة الأولى، بعد تدقيق أمني، وتأكيد منعهم من الخروج". المرحلة الأولى تجميعهم في قفص كبير. في معسكر اعتقال بكلّ ما للكلمة من معنى، ويمنع خروجهم حتى تأمين الوجهة التي سينقلون إليها. هذه هي إنسانية إسرائيل، وهذا هو الحلّ المستقبلي للفلسطينيين الذين "سيصدّرون" إلى الخارج. وبالتوازي مع هذا الإعلان، كشفت معلوماتٌ عن خطّة متكاملة ينفذها رجال أعمال أميركيون وإسرائيليون بالتعاون مع مؤسّسة توني بلير (رئيس الحكومة البريطانية السابق) المسؤول نظرياً عن متابعة "العملية السلمية" في المنطقة، ضمن الرباعية الدولية المدفونة منذ زمن طويل. الخطّة تؤكّد الترحيل، إذ قدّم مبلغ تسعة آلاف دولار أميركي لمن يقبل الهجرة، ومن لا يقبل يبقى معتقلاً في المدينة الإنسانية. المرحلة الأولى تقضي بنقل ربع مليون فلسطيني. وجميع الأراضي العامّة في القطاع تحوّل إلى صندوق استثماري يمكن بيع أصوله للمستثمرين. خطّة فرعية من الخطّة الأم لاقتلاع الفلسطينيين، وتهجيرهم على مراحل، وبناء "ريفييرا الشرق الأوسط" التي طرحها الرئيس الأميركي ترامب. أمّا في الضفة الغربية، فقد أعلن وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير "تأسيس وحدة شرطة من عشرات المستوطنين لتطبيق سيادة تل أبيب على الضفة"، خلال مراسم أقيمت في الحرم الإبراهيمي في الخليل. ويتزامن ذلك مع إنشاء "إمارات" في عدة مدن يترأسها فلسطينيون يعلنون استعدادهم للاعتراف بإسرائيل دولةً يهوديةً، يكون لهم نفوذهم في هذه الدولة من خلال الإمارات لتكريس سلطة الاحتلال الدائم، إضافة إلى ما يجري في مدن أخرى من عمليات قتل جماعي واعتداءات مفتوحة واستمرار الانتهاكات في المسجد الأقصى والمظاهرات والمواقف المؤكّدة سيطرة "الدولة اليهودية" في كلّ الأرض، وفرض سيادتها عليها. عن أيّ سلام يتحدثون هنا؟ وأيّ مستقبل أفضل موعود للفلسطينيين ينظّرون له؟ وأيّ حلّ؟ وأيّ دولتَين؟ وأين العرب من المقدّسات؟ ومن الشعارات المتكررة حول "حقّ الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة في أرضه وعاصمتها القدس الشرقية"؟ ما يقوم به "بيبي" وحكومته، مدعوماً من الإدارة الأميركية ودول غربية كبيرة وكثيرة، وبعض الدول العربية، يشكّل (للأسف!) خطراً فعلياً على كلّ المنطقة، ولا يوفّر أحداً.


القدس العربي
منذ 8 ساعات
- القدس العربي
خليل زاد يثير عاصفة سياسية.. اتهامات لبزشكيان بمحاولة انقلاب ضد خامنئي خلال حرب غزة
لندن- 'القدس العربي': أثار الدبلوماسي الأمريكي البارز زلماي خليل زاد جدلًا بعدما تحدث عن اتهامات خطيرة موجهة إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بالمشاركة في محاولة انقلاب فاشلة ضد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة. وفي تغريدة نشرها على حسابه في منصة 'إكس'، قال السفير الأسبق لدى كل من العراق وأفغانستان، والمبعوث الرئاسي السابق لعدد من إدارات البيت الأبيض: 'السكاكين مرفوعة في إيران. الرئيس بزشكيان متهم من قبل بعض الأطراف بالمشاركة في محاولة انقلاب فاشلة ضد المرشد الأعلى علي خامنئي، وذلك خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل'. وتابع متسائلًا: 'هل نحن أمام حملة تطهير سياسي وشيكة؟ أم أن هناك انقلابًا جديدًا يُحضّر؟ كما رأينا في دول مثل تشيلي، بوروندي، إثيوبيا، وكمبوديا، فإن الانقلابات الفاشلة كثيرًا ما تُفضي إلى حالة من عدم الاستقرار، وتشجع على محاولات لاحقة قد تنجح'. ويُعرف خليل زاد، الذي ينتمي إلى التيار المحافظ في السياسة الخارجية الأمريكية، بآرائه الحادة تجاه النظام الإيراني، لكن تغريدته هذه المرة تجاوزت التقديرات الإستراتيجية، لتتحدث عن احتمال تصدّع داخلي على أعلى مستويات السلطة في طهران. وتأتي هذه التصريحات في سياق توتر داخلي في إيران، حيث شنّ محافظون متشددون هجومًا على الرئيس بزشكيان، على خلفية مقابلته الأخيرة مع الإعلامي الأمريكي تاكر كارلسون، والتي رأى فيها منتقدوه إشارات إلى استقلال سياسي عن المؤسسة الحاكمة.. ويخشى مراقبون من أن تؤدي الاتهامات، سواء كانت حقيقية أم مفتعلة، إلى جولة جديدة من التصفية السياسية أو إعادة هيكلة السلطة، في لحظة حرجة تشهد فيها إيران تصاعد التوترات الخارجية، لا سيما مع إسرائيل والغرب. لا توجد تأكيدات مستقلة على وجود محاولة انقلاب فعلية في طهران، كما لم تُنشر أي تقارير موثوقة بشأن توقيفات أو تحركات أمنية غير معتادة، لكن مجرّد طرح الموضوع علنًا من طرف خليل زاد، وتداوله في الإعلام المحافظ الإيراني، يعكس وجود تصدعات داخل النظام، أو على الأقل صراعًا على النفوذ في دوائره العليا. (وكالات)