
رحل مبتسمًا كما جاء
مع إعلان الفاتيكان، صباح أمس، وفاة البابا فرنسيس عن عمر ناهز 88 عامًا، فى دار القديسة مارتا، انطفأ صوتٌ خفيض وحنون كان قد أصرّ منذ أول ظهور له على شرفة ساحة القديس بطرس قبل أكثر من عقد على أن يكون مختلفًا. لم يكن مجرد بابا، بل كان روحًا حية للكنيسة فى عالم مضطرب، وسفيرًا إنسانيًّا لا يضع بينه وبين «الآخر» أى فاصل سوى المحبة والتواضع.
بمجرد إعلان وفاته، قفز إلى ذهنى مشهد من فيلم «الباباوان» (The Two Popes)، حين يتبادل الكاردينال خورخى بيرجوليو، (الذى أصبح البابا فرنسيس)، والبابا بنديكتوس السادس عشر أطراف الحديث حول مستقبل الكنيسة. الفيلم الذى صوّر لقاءً متخيّلًا بين نقيضين فى الفكر والسلوك: بابا محافظ يميل إلى العزلة، وآخر تقدّمى يعشق رقص التانجو، يمشى بين الناس ويأكل البيتزا من كشك فى الشارع. كأنما الفيلم كان نبوءة بصدام الرؤى داخل الفاتيكان، وبانتصار ناعم لمشروع التغيير الذى مثّله فرنسيس.
وُلد خورخى ماريو بيرجوليو فى بوينس آيرس عام 1936 لعائلة إيطالية مهاجرة هربت من فاشية موسولينى. نجا من الموت فى شبابه بعد إصابته بعدوى رئوية خطيرة كادت تودى بحياته. وقد تركت تلك التجربة أثرًا نفسيًّا وجسديًّا ظل يلازمه طوال حياته.
اعتمد مسارًا بسيطًا، لا قصر، لا صليب ذهبى، لا سيارات فاخرة. رفض العزلة فى القصر الرسولى مفضّلًا الإقامة فى بيت الضيافة المتواضع، ورفض أيضًا «البابوية كسُلطة» مفضّلًا أن يكون راعيًا فى وسط القطيع.
جاء انتخاب فرنسيس عقب واحدة من اللحظات النادرة فى تاريخ الكنيسة: تنحى البابا بنديكتوس السادس عشر طوعًا بسبب التقدم فى السن وفضائح مالية وجنسية هزّت أركان الفاتيكان.
فيلم «الباباوان» وثّق هذا التباين بشكل إنسانى بديع، مبتعدًا عن اللاهوت الغارق فى الجدل، ومقتربًا من جوهر الصراع: كيف تبقى الكنيسة وفيّة لروحها فى عالم يتغير جذريًّا؟. فرنسيس، مشجع نادى سان لورينزو، الراقص السابق للتانجو، لم يخجل من أن يعلّم سلفه كيف يتحرك بخفة فى عالم جديد.
رفض البابا فرنسيس الربط بين الإسلام والإرهاب. وفى أغسطس 2016، رد على سؤال بشأن عدم إشارته للإسلام عند إدانة الهجمات الإرهابية قائلًا: «لا أعتقد أنه من الصواب الربط بين الإسلام والعنف». ولعل وثيقة الأخوة الإنسانية التى أعلنها مع الإمام الأكبر، شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، تقف دليلًا على قامة الرجلين.
اليوم، يطوى الفاتيكان صفحةً غير عادية فى تاريخه الحديث، بعد أن ودّع رجلًا خالف التقاليد دون أن يهدمها، وجعل من الإنسانية نهجه، ومن التواضع زينته، ومن الحوار رسالته. ربما يكون قد رحل، لكن صورة البابا الذى يتناول الغداء مع فقراء روما بعيدًا عن عدسات الكاميرا ستظل عالقة فى الذاكرة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سواليف احمد الزعبي
منذ 5 أيام
- سواليف احمد الزعبي
حرية الاختيار: بين بناء الذات ومواجهة الضرورة
مقدمة: هل كان السبب في وجودنا على الأرض وخروج أبوانا من جنة عدن هو اختيار آدم وزوجه أن يأكلا من التفاحة؟ فقُضي عليهما أن يهبطا إلى الأرض، في مشهد يذكّر بسقوط الملائكة في فيلم City of Angels، حين قرر الملاك، الذي لعب دوره نيكولاس كيج، أن يتخلى عن نورانيته ليهبط إلى عالم البشر، يتألم ويحب، ويلاحق الموجات بفرحة طفل. تلك اللحظة لم تكن سقوطًا فقط، بل كانت بداية وعي جديد، وشرارة لتجربة إنسانية كاملة، مبنية على التردد، والشغف، والخسارة، والرغبة في المعنى. يعيش الإنسان منذ ذلك الحين جدلية مستمرة: هل هو مسيّر لا يملك من أمره شيئًا، أم أنه يملك حقّ الاختيار بين النور والظلام، بين طريق الهدى وطريق التيه؟ وهل ما يفعله هو حرية حقيقية أم مجرد تحقق لما كُتب عليه في علم الله. رغم هذا التوتر بين الجبر والاختيار، فإن التجربة الإنسانية تقوم على لحظة حرّة، مهما كانت محدودة، لحظة يُقرّر فيها الإنسان من يكون. ولهذا كان 'الاختيار' جوهر الكينونة الإنسانية، لأنه يعكس وعي الإنسان بمسؤوليته الأخلاقية، وكرامته ككائن قادر على قول 'لا' في وجه الغريزة أو القطيع أو حتى القدر. ليس الاختيار مجرد حرية ساذجة، بل هو تعبير عن الشجاعة والهوية والتجربة. بين قابيل الذي اختار أن يرتكب الجريمة الأولى، وعيسى عليه السلام الذي اختار أن يواجه الصليب، تمتد المسافة التي تعرّف فيها الإنسانية ذاتها. وفي هذه المسافة تتشكل القيم، ويولد المعنى، ويُكتب التاريخ البشري. المحور الأول: الاختيار كفعل داخلي يعيد تعريف العناية بالذات ألم يلفتك مشهد الأستوديو الصباحي لأحد البرامج الجماهيرية؟ حيث تُنتقى ألوان الجدران، وملابس المذيعة، وأحمر الشفاه، وفنجان قهوتها. هل لاحظت كيف تُضخَّم انفعالاتها لتمنحك جرعة من المشاعر الإيجابية، تقنعك أن تؤجل همومك أو تقارن حياتك بتلك الصورة المصقولة، فيتسلل الإحباط إليك قبل أن يبدأ يومك؟ هون عليك، فإن لنفسك عليك حق الرعاية، كما تعتني بطفلك. ولا تسمح لسمّية البعض أن تتسرّب إليك. في مقالها 'هذا هو المعنى الحقيقي للعناية بالذات'، تؤكد بريانا ويست أن التحديات التي نواجهها ليست عراقيل خارجية، بل جبالًا في داخلنا تنتظر أن تتسلقها. وتنتقد التصور السطحي للعناية بالذات، الذي يحصرها في الحمّامات الدافئة والحلويات، بينما هي في حقيقتها ليست هروبًا من الألم، بل مواجهته بشجاعة. العناية بالذات تكمن في اتخاذ قرارات صعبة: سداد الديون، إنهاء العلاقات السامة، بناء روتين صحي، والاعتراف بالخيبات لتصحيح المسار. إنها ليست رفاهية، بل ممارسة ناضجة تشبه 'تربية النفس' وبناء بيئة نفسية متزنة على المدى البعيد. ويست تطرح تساؤلات حول كيف حوّل النظام الرأسمالي العناية بالذات إلى سلعة تُشترى وتُباع، وتدعو لبناء حياة لا نحتاج أن نهرب منها، بل نعيشها بوعي، حتى وإن لم تكن مثالية. أن تكون بطل حياتك لا ضحيتها هو اختيار يتكرر كل صباح: أن تواجه لا أن تتهرب، أن تصدق لا أن تنكر، أن تبني لا أن تُستنزف. المحور الثاني: الاختيار في مواجهة الواقع والغموض قد تبدو الحياة هادئة، بلا اضطراب على السطح، والسفينة تسير بسلام قرب الشاطئ، فلا تفكر في الإبحار نحو العمق، حيث الموج العالي والظلمة والأعاصير. كثيرون تأسرهم العادة ويقيّدهم المألوف، فيغفلون عن التساؤل عمّا يختبئ خلف التلة، مقنعين أنفسهم بأنها 'قسمة ونصيب'. لكن الإسلام لا يختزل الإنسان في الاستسلام، بل يمنحه حرية الاختيار ضمن علم الله الشامل: 'فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر' (الكهف: 29)، ويذكّره بأن مشيئته لا تنفصل عن مشيئة الله: 'وما تشاؤون إلا أن يشاء الله' (الإنسان: 30). والمجهول، في نظر الإيمان، ليس تهديدًا بل امتحانًا للصبر والتوكل: 'وبشر الصابرين…' (البقرة: 155–156). رغم تباين المرجعيات، يتفق كثير منها على مسؤولية الإنسان تجاه الغموض. ترى باما تشودرون، الراهبة البوذية، أننا نملك خيارًا: أن نعاني لأننا لا نحتمل ما هو كائن، أو أن نتصالح مع انفتاح الحالة الإنسانية، بما تحمله من عدم ثبات. لكن هذا التصالح لا يحدث دفعة واحدة، بل عبر التزام يومي: الامتناع عن الإيذاء، اعتبار الألم فرصة للتعلّم، والانفتاح على الواقع بلا قتال أو شروط. بهذا، لا ننجو فقط من القلق، بل نتعلم أن نحيا في قلبه برفق وجرأة، كما لو أننا نقف وسط العاصفة، بلا ساتر، لكن أيضًا بلا خوف. أما سارتر، فيؤكد في محاضرته 'الوجودية نزعة إنسانية' أن الإنسان 'محكوم عليه بالحرية'، مسؤول عن اختياراته حتى حين يغيب الدليل. وهكذا، بين التوكل والتساؤل، بين وحي سماوي وتأمل روحي ونقد فلسفي، يبقى الإنسان فاعلًا في مواجهة الغموض، لا متلقيًا سلبيًا، ولكل رؤية مفهومها الخاص للحرية: تكليف إلهي، أو يقظة روحية، أو عبء وجودي. المحور الثالث: الصراع بين الإرادة والقدر يتجلى هذا الصراع حين تصطدم الإرادة الفردية بضرورات قاسية لا ترحم. الحرب كثيرًا ما تنتهي بخسارة شاملة تبتلع الجميع، ويقف الإنسان متسائلًا: لماذا يُسحق الحلم تحت وقع الحديد والنار؟ في حرب طروادة، تحوّل الشغف والانتقام إلى وقود لحصار دموي دام عقدًا، وبرغم نصر اليونانيين، لم يربح أحد سوى الخراب. صوّر هوميروس في الإلياذة هذه الحقيقة المؤلمة: حين يُسحق الإنسان، يُسحق جسدًا وروحًا وأخلاقًا. في القرن العشرين، كتبت سيمون فايل 'الإلياذة أو قصيدة القوة'، حذّرت فيها من أن القوة، متى استُدعيت، تفتك بالجميع وتطمس المعنى الأخلاقي. القوة لا تقتل فحسب، بل تغيّر طبيعة الإنسان وتجرّده من ملامحه. وأحيانًا يبدو ما نعدّه خيارًا حرًا مجرد خطوة قدرية، تعيد الضرورة تشكيل الأولويات. كأن تجهّز أندروماكي الحمّام لزوجها هكتور، بينما هو ممدد قتيلًا خارج الأسوار، بإرادة الآلهة وذراع أخيل. مشهد يكشف هشاشة الإرادة أمام قدرٍ لا يعرف العدالة. ها هي ألمانيا النازية تجتاح فرنسا. فيليب بيتان، بطل الحرب الأولى، يعلن الاستسلام، سعيًا لحماية ما تبقى. مقامرًا بإرثه، لكنه وُصم بالخيانة. في المقابل، أعلن ديغول التمرد من لندن، مؤسسًا حكومته المؤقتة. وبين استسلام وتمرد، بدت المصائر وكأنها تُساق دون مشورة من أصحابها. أما سيمون فايل، فانضمت لحكومة ديغول، وماتت شابة بعدما امتنعت عن الطعام تضامنًا مع الجياع. وفي معسكر نازي، احتمى فيكتور فرانكل بعقله، يؤلف كتابه في ذاكرته: البحث عن معنى. ففي صمت الجائع، وفي اختيار صغير يرفض النسيان، تتشابك الإرادة مع القدر. المحور الرابع: الاختيار كتحرر سياسي وأخلاقي في عالم تتكاثر فيه الأصوات المطالِبة بالقيادة، يذكّرنا هنري ميللر بأن لا أحد، مهما بلغ من الحكمة أو الكاريزما، يستحق أن يُسلَّم له مصير الإنسان. القيادة الحقيقية ليست في فرض التبعية، بل في إيقاظ الإيمان الداخلي، وتحفيز الآخرين على استعادة ثقتهم بقدرتهم على توجيه حياتهم. فعل الاختيار ليس مجرد قرار عابر، بل هو تعبير أخلاقي عن الذات، لحظة ينهض فيها الإنسان من تحت ركام التلقين والخوف، ليقول: أنا المسؤول عن حياتي. يقول سبينوزا إن وظيفة الحُكم ليست تقييد الحرية بل صيانتها، وإن الإنسان لا يكون مواطنًا صالحًا إلا حين يشعر بأنه حرٌّ ومسؤول في آن. لكن، هل الاختيار دائمًا طريق مفتوح؟ أم أن هناك لافتات تحذيرية تقول: 'احذر، هنا منزلق خطر'؟ في 'مفهومان للحرية'، يوضح إيزايا برلين أن الحرية السلبية تعني غياب العوائق الخارجية، أما الإيجابية فهي قدرة الإنسان على تحقيق ذاته. وقد تؤدي المبالغة في تأكيد الحرية الإيجابية إلى تسويغ تدخلات باسم 'مصلحة الفرد'، تُفضي إلى قمعه من حيث لا يدري. في هذا السياق، يصبح الوعي بالاختيار هو المعيار: متى يكون حقيقيًا؟ ومتى يكون مفروضًا باسم الخلاص؟ إن الدفاع عن الحق في الاختيار لا يعني رفض التوجيه، بل رفض أن يُختزل الإنسان إلى تابع لا صوت له. الاختيار ليس رفاهية، بل مقاومة يومية ضد التشييء، ومساحة يُستعاد فيها كيان الفرد. ومن يَختر، يَخلق. المحور الخامس: العلاقات والاختيار الحر نمر في حياتنا بكثير من الصداقات، منذ الطفولة حتى الكبر. لعبنا وضحكنا وتقاسمنا المغامرات، فبدت الصداقة آنذاك وجهًا من وجوه الفرح. لكن مع الوقت، نكتشف أن الأصدقاء الحقيقيين ليسوا من يشاركوننا الضحك فقط، بل من يختارون البقاء حين تشتد الظروف. كما يُقال: 'الصديق هو من يقف معك تحت المطر، مع أنه يستطيع البقاء جافًا' — وفاء لا تمليه مصلحة، بل ينبع من حرية القلب. يرتبط هذا بما يُعرف في علم النفس العاطفي بـ'نظرية الاختيار الحر في الالتزام'، التي ترى أن الالتزام لا يكون صادقًا إلا إذا انطلق من قرار واعٍ، لا من ضغط أو خوف. حين يختار الفرد البقاء رغم التعب والتحدي، يتولد شعور بالمسؤولية والانتماء، ويشعر بدعم يخفف القلق ويعزز جودة الحياة. وهذا لا يقتصر على الحب الرومانسي، بل يشمل كل علاقة تنمو بالرعاية والنية الصافية. تؤكد بيل هوكس في 'كل شيء عن الحب' أن الحب ليس مجرد شعور، بل فعلٌ حر يتطلب التزامًا ووعيًا. وترى أن حب الذات شرط أساسي لحب الآخرين: فمن لا يُنصت لحاجاته بصدق، لن يُصغي بصدق لمن يحبهم. هكذا، يصبح الحب والوفاء مواقف نابعة من الحرية الداخلية، لا من الواجب. وتتحول العلاقات إلى فضاءات للعدل والنمو والدفء. وكما في السياسة والدين، كذلك في الحب: لا تزهر العلاقة إلا حين تُروى بحرية، لا بسلطة العادة أو الخوف. خاتمة: تُعدّ حرية الاختيار أساسًا جوهريًا للفضيلة، إذ لا يمكن للفضيلة أن تُفهم أو تُمارس بمعزل عن القدرة على اتخاذ قرارات واعية. فاختياراتنا في الأفكار والمشاعر والمواقف تُجسّد هويتنا، وتشكل ملامحنا الأخلاقية ومسار حياتنا. بهذه الحرية نصبح فاعلين في صياغة ذواتنا، وتغدو الفضيلة تعبيرًا صادقًا عن إرادة واعية، لا مجرد استجابة للعرف أو الخوف. ففي نهاية المطاف، لا يكمن جوهر الفضيلة في المعرفة أو النية وحدهما، بل في الشجاعة اليومية لاختيار الخير، رغم الإغراءات والضباب. الفضيلة ليست نورًا يُمنح، بل شعلة يشعلها كل إنسان في قلبه، كلما قرر أن يكون إنسانًا، حتى وسط العتمة.


سواليف احمد الزعبي
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- سواليف احمد الزعبي
انتخاب البابا الجديد: أسماء كثيرة ولا يوجد مرشحون رسميون
#سواليف ما يزال أمامنا نحو أسبوعين حتى #انتخاب #بابا_الفاتيكان الجديد. غير أنَّ التكهنات حول #خليفة_البابا_فرنسيس قد بدأت منذ أيام طويلة. فمن هم الكرادلة الذين يمكن أن ينتخبهم المجمع الكنسي لتولي منصب البابا؟ 'من سيكون البابا الجديد؟'، سؤال تم طُرحه مرارًا وتكرارًا في حوارات كثيرة مع خبراء الفاتيكان بعد وفاة البابا فرنسيس. لكن حتى أثناء حياته، كان السؤال حول المرشحين أو المفضلين لخلافة البابا فرنسيس جزءًا من الأحاديث على موائد الإيطاليين. ومع ذلك لا يوجد مرشحون بالمعنى الحقيقي للكلمة لتولي منصب البابا المستقبلي في الكنيسة الكاثوليكية. في فيلم 'كونكلاف' (معناه: المجمع المغلق)، ذلك الفيلم الناجح والقريب من الواقع في كثير من تفاصيله، عرف المشاهدون أنَّه قبل جولة التصويت الأولى لا توجد قائمة أسماء ولا يجري الحديث بصوت مرتفع عن أسماء بعينها. يجتمع الكرادلة في المجمع المغلق وكل واحد منهم يكتب اسمًا على ورقة الاقتراع ويضعها في صندوق الاقتراع. وهكذا يتضح تدريجيًا مَنْ الذي تكرر ذكر اسمه أكثر ويكون بذلك المرشح المفضل. جائزة الفيلم الأوروبية – فيلم 'كونكلاف'جائزة الفيلم الأوروبية – فيلم 'كونكلاف' لقد أشاد بهذا الفيلم الكاردينال راينهارد ماركس من ميونيخ في شهر كانون الأول/ديسمبر، ووصفه بأنَّه 'يستحق جائزة الأوسكار' وأنَّ إخراجه جيد. وقال الكاردينال الألماني البالغ من العمر 71 عامًا إنه في حال استمرار المجمع المغلق لفترة أطول وظهور صعوبات (في اختيار البابا) فإنَّه يمكن أن يتصور جيدًا حدوث نقاشات مكثَّفة كما حدث في الفيلم. والواضح هو أنَّ البابا المستقبلي سيأتي على الأرجح من دائرة المشاركين في المجمع المغلق. وهكذا هو الحال منذ عدة قرون. ومعلوم أيضًا أنَّ آخر ولايتين بابويتين استمرت ثماني سنوات في حالة البابا بنديكت، واثنتي عشرة سنة بالنسبة للبابا فرنسيس. ويبدو أنَّ فترة ولاية بابوية مدتها عشر سنوات كانت مناسبة للتأثير في الكنيسة، ولكنها سمحت في الوقت نفسه بتنوع التيارات. وربما يشير هذا إلى مرشح عمره الآن نحو 70 عامًا. وهناك أمر آخر وهو أنَّ كل ناخب بابوي يعرف مدى أهمية القدرة على الحديث بلغات عديدة، وخاصة باللغة الإيطالية. ثلاثة مرشحين إيطاليين أوفر حظًا لخلافة البابا لم يتولّ منذ عام 1978 أي إيطالي رئاسة الكنيسة الكاثوليكية. ولقد أُشير إلى هذا بطريقة حزينة وانتقادية في وسائل الإعلام الإيطالية بعد المجمعين المغلقين لانتخاب البابا في عام 2005 وعام 2013. وهكذا فإنَّ الرجل الثاني حتى الآن في الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، البالغ من العمر 70 عامًا، أصبح الآن المرشح الأكثر ذكرًا وكذلك المفضل. وهو دبلوماسي فاتيكاني بارز ذو صوت هادئ وروح دعابة هادئة في بعض الأحيان. وبييترو بارولين أصله من شمال إيطاليا – مثل معظم الباباوات الإيطاليين خلال الـ250 سنة الماضية. خليفة محتمل للبابا، البابا فرنسيس والكاردينال لويس أنطونيو تاغلي في مدينة الفاتيكان أناء طقوس المباركةخليفة محتمل للبابا، البابا فرنسيس والكاردينال لويس أنطونيو تاغلي في مدينة الفاتيكان أناء طقوس المباركة وحتى بطريرك القدس للاتين غبطة الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا (60 عامًا) أصله من شمال إيطاليا أيضًا. ولكن هذا الكاردينال الفرنسيسكاني يعيش في القدس منذ 25 عامًا وقد اكتسب سمعة ممتازة ليس فقط منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بعد هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل. فقد عرض نفسه كرهينة مقابل إطلاق سراح إسرائيليين مختطفين. والإيطالي الثالث في قائمة المرشحين المفضلين هو رئيس أساقفة بولونيا، الكاردينال ماتيو ماريا زوبي، الذي يبلغ عمره الآن 69 عامًا ويتولى حاليًا رئاسة مؤتمر الأساقفة الإيطاليين أيضًا. وماتيو زوبي ينشط كثيرًا على المستوى الاجتماعي السياسي وله حضور إعلامي في إيطاليا. وجميع المرشحين الثلاثة، بارولين وبيتسابالا وزوبي، يؤيدون مسار البابا فرنسيس. ولكن لا يمكن توقع إن كان الكرادلة البالغ عددهم الأقصى 133 كاردينالًا (بعد انسحاب اثنين من أصل 135 ناخبًا بابويًا محتملًا) يعتبرون دور إيطاليا حاسمًا بالنسبة للكنيسة العالمية. ومن بين 133 كاردينالًا منحدرين من 71 دولة، يوجد فقط 17 كاردينالًا إيطاليًا؛ وإذا أضيف إليهم بيتسابالا يكون عددهم هو 18. لقد سعى الباباوات يوحنا بولس الثاني (1978-2005)، وبنديكت السادس عشر (2005-2013)، وبشكل خاص البابا فرنسيس (2013-2025) إلى التقارب من الإيطاليين بطريقتهم الخاصة، رغم أنهم كانوا من الكنيسة العالمية. دونالد ترامب والمرشح الأمريكي يراهن منذ فترة طويلة كثير من الكاثوليك في الولايات المتحدة الأمريكية على كاردينال من بلدهم. وعلى الأرجح أنَّ أغلبية المؤمنين والأساقفة والكرادلة الأمريكيين محافظون ويمينيون سياسيًا أكثر بكثير من غيرهم في أي بلد آخر في العالم. وينطبق ذلك على الكاردينال الأمريكي رايموند ليو بيرك، الذي يوصف الآن بأنَّه 'مرشح محتمل لخلافة البابا'، وهو من أشد منتقدي البابا فرنسيس ومحب للبذخ في الشعائر الدينية. بيد أنَّ فرص انتخاب البابا من 'العالم الجديد' انخفضت من جديد إلى الصفر، وذلك على أبعد تقدير مع نظام ترامب. وعلى الأرجح أن يبقى كرادلة بارزون من دول أخرى. وسيكون رئيس أساقفة مدينة مكسيكو، كارلوس أغيار ريتيس (74 عامًا) خيارًا استثنائيًا بالنظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية والخلافات السياسية والاقتصادية الحالية بين الدولتين. والمرشح الأوفر حظًا من الدول الآسيوية هو رئيس أساقفة الفلبين لويس أنطونيو تاغلي، الذي يبلغ عمره 67 عامًا وقد أصبح نجما بين 'الرجال الأرجوانيين' بعد ترقيته إلى منصب كاردينال في عام 2012. ورئيس أساقفة يانجون في ميانمار الكاردينال تشارلز ماونج بو (76 عامًا) مرشح فرصه ضئيلة. علمًا بأنَّ آسيا هي القارة المزدهرة بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية. من غير المحتمل وجود خليفة من أفريقيا أو ألمانيا ورئيس أساقفة كينشاسا، الكاردينال فريدولين أمبونجو بيسونجو (عمره 65 عامًا) صنع لنفسه في آلآونة الأخيرة اسمًا في أفريقيا. ولكن بيسونجو كان متشددًا في تعبيره بخصوص قضايا باتت تتغير فيها وجهات النظر في (كثير من) أجزاء الكنيسة العالمية مثل المثلية الجنسية ومسألة كيفية التعامل الكنسي معها، وخصوصا مسألة مباركة الأزواج من نفس الجنس. وبعض الأسماء المتداولة كثيرًا الآن تمثل مجموعات الضغط الرجعية. لقد كان أصحاب هذه الأسماء من أشد منتقدي البابا فرنسيس، ولكن في الواقع لا توجد لديهم أية فرصة لتولي البابوية. وعلى سبيل المثال الكاردينال روبرت سارة، المنحدر من غينيا والذي سيبلغ عامه الثمانين بعد أقل من شهرين من الآن. وبهذا فهو لم يعد مؤهلًا للانتخاب، وذلك لأنَّ الكرادلة الذين تقل أعمارهم عن 80 عامًا هم فقط من يجوز انتخابهم عندما يصبح الكرسي الرسولي شاغرًا. والكاردينال الألماني غيرهارد لودفيغ مولر (77 عامًا)، كثيرًا ما أثار الانتباه بتصريحاته التي كانت قاسية أو مُربكة، وأحيانًا ضد البابا فرنسيس أيضًا. وكذلك تُذكر أسماء بعض رجال الدين من دول أوروبية خارج إيطاليا. ولكن الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا تتضاءل من حيث العدد. البابا فرنسيس، الذي كان ينظر في السابق إلى وطن أسلافه الأوروبي عندما كان رئيس أساقفة بوينس آيرس، كان يوجه أحيانًا انتقادات لاذعة لمفهوم الأوروبيين الذاتي ونظرتهم إلى أنفسهم. فضيحة الاعتداءات الجنسية يمكن أن 'تلقي بظلالها' على المجمع وتبقى هناك مسألة لا يمكن التنبؤ بها فيما يعرف باسم المجمع التمهيدي وفي التصويتات السرية في كنيسة سيستين. وذلك لأنَّ فضيحة العنف والإساءة الجنسية في الكنيسة الكاثوليكية باتت منذ فترة طويلة قضية عالمية. وربما لا توجد منطقة لم يمسها ذلك. وأحيانًا، يندِّد المتضررون في احتجاجات قرب الفاتيكان بعدم معالجة هذه القضية. وحول ذلك كتب قبل عشرة أيام من عيد الفصح عالم الدين الإيطالي الأمريكي ماسيمو فاجيولي في مجلة 'كومونويل' (Commonweal) الأمريكية أنَّ 'فضيحة الاعتداءات الجنسية من قبل رجال دين' يمكن أن 'تلقي بظلالها على المجمع المغلق المستقبلي'. ولم يستبعد بكل صراحة محاولات تأثير خارجي قبل أو خلال انعقاد المجمع المغلق. لقد كانت هناك قبل عدة أشهر تصريحات داخل دوائر محافظة في الولايات المتحدة الأمريكية عن نية فحص الكرادلة مهنيًا والبحث عن نقاط الضعف لديهم. وقد أثار عدد من الكرادلة ضجة حول هذا الموضوع. والكاردينال الألماني راينر ماريا فولكي من مدينة كولونيا معروف عالميًا بسبب تعامله مع هذه المسألة وانتقاداته الكثيرة. والكاردينال الأمريكي كيفن فاريل، الذي نقل إلى العالم الخبر الرسمي حول وفاة البابا فرنسيس، كان لديه في السابق اتصال رسمي وثيق مع بعض مرتكبي الاعتداءات الجنسية مثل الكاردينال الأمريكي ثيودور ماكاريك، الذي توفي في بداية نيسان/أبريل 2025 عن عمر ناهز 94 عامًا، والذي يعتبر اسمه منذ فترة طويلة مرادفًا لأسوأ السيئات في الكنيسة. مظاهرة قرب الفاتيكان لضحايا العنف الجنسي، صورة من الأرشيف (روما: 23/2/20219)صورة من: DW/ ورئيس أساقفة مارسيليا، الكاردينال الفرنسي جان مارك أفلين، الذي يعتبر من المقربين للبابا فرنسيس، وقد وُلِد في الجزائر؛ كان لفترة طويلة الراعي الروحي لكنيسة 'إيمانويل' التي تأسست في عام 1972 وكان يوجد فيها على الأقل واحد من مرتكبي الاعتداءات. خورخي ماريو بيرغوليو (البابا فرنسيس) كانت فرصه ضئيلة في 2013 وعلى أية حال: الانتخاب البابوي سيستمر حتى تصاعد 'الدخان الأبيض' من مدخنة كنيسة سيستين. وستعلن سحب الدخان في وقت ما بعد الأيام الأولى من شهر أيار/ مايو عن النجاح في انتخاب البابا الجديد. وعندئذٍ سنعرف المزيد. وبالمناسبة، فإنَّ اسم الكاردينال الأرجنتيني خورخي ماريو بيرغوليو، الذي أصبح لاحقًا البابا فرنسيس، لم يكن يلعب أي دور كبير في النقاشات المتعلقة باتخاب البابا عام 2013. ويقوم على موقع إكس، تويتر سابقًا، 'مؤشر البابوية' بتصنيف جميع المرشحين بناءً على العديد من العوامل الإحصائية، ويقول: في عام 2013 لم يكن بيرغوليو حتى من المرشحين العشرين الأوفر حظًا.


خبرني
٢٤-٠٤-٢٠٢٥
- خبرني
بعد وفاة البابا فرنسيس.. قفزة هائلة في مشاهدات فيلم Conclave
خبرني - شهد فيلم "Conclave"، الذي يتناول كواليس انتخاب بابا جديد للفاتيكان، ارتفاعًا غير مسبوق في نسب مشاهدته عبر منصات العرض المنزلية، وذلك بعد الإعلان عن وفاة البابا فرنسيس يوم الإثنين 21 نيسان الجاري. وبحسب بيانات شركة Luminate، المختصة برصد نسب المشاهدة الرقمية، ارتفعت نسبة مشاهدة الفيلم بنسبة 283٪ يوم وفاة البابا، إذ حقق الفيلم نحو 6.9 مليون دقيقة مشاهدة. "Conclave" من بطولة الممثلين رالف فاينز وستانلي توتشي، إخراج إدوارد بيرجر، وكان قد نال إشادات واسعة خلال موسم الجوائز السابق، مع ترشيحه لإحدى الجوائز الكبرى. تدور أحداث الفيلم في أجواء مشحونة بالغموض والرمزية، إذ يغوص في أعماق مجريات واحدة من أكثر العمليات سرية في العالم: اختيار بابا جديد للفاتيكان، من خلال شخصية الكاردينال لورانس، الذي يكتشف سلسلة من المؤامرات أثناء فترة المجمع المغلق.