
صراع النفوذ والمال .. من صنع من؟
لم يكن إيلون ماسك مجرد داعم انتخابي لدونالد ترامب، بل بدا لفترة أنه شريكه الحقيقي في صناعة نسخة جديدة من أمريكا: أكثر رأسمالية، أكثر تشددًا، وأكثر شراسة في التعامل مع مؤسساتها. تبرّع بـ300 مليون دولار لحملة ترامب، وسخّر منصته "إكس" (تويتر سابقًا) لخدمتها، ثم كوفئ بمنصب قيادي لإعادة هيكلة الجهاز الحكومي.
في الظاهر، تبدو مهمة ماسك نبيلة: رفع الكفاءة وتقليل الهدر في الإنفاق الحكومي، لكن التفاصيل كشفت توجهًا آخر: تقويض البيروقراطية، تفكيك شبكات الدعم، وتركيز القرار لخدمة من يملكون رأس المال، فماسك بدأ بتفكيك وكالة المعونة الأمريكية بدعوى الفساد، ثم سرّح آلاف الموظفين الحكوميين، وأخضعهم لنظام رقابي متشدد، وما حدث لم يكن مجرد إصلاح، بل شكل من أشكال "النيوليبرالية المتطرفة"؛ حيث تُعامل الدولة كأنها شركة، والموظف يمكن تسريحه بسهولة.
ردة الفعل كانت قوية، تراجعت شعبية ماسك، وتعرّضت شركاته للمقاطعة في السوقين الأمريكية والأوروبية، ولم تنقذه علاقته بترامب من الهجوم الإعلامي، بل ربما زادت مع تبنيه مواقف يمينية حادة، وانتقاداته العلنية لزعماء دول كبرى.
لكن الشرخ الحقيقي لم يبدأ إلا بعد خروج ماسك من المشهد التنفيذي، حينها انقلب على ترامب نفسه، وهاجم مشروع الميزانية الجديد واصفًا إياه بـ"المثير للاشمئزاز"، وفجأة، أصبح حليف الأمس خصم اليوم، وتصاعدت اللهجة إلى حد تهديد النواب بسحب الدعم في الانتخابات القادمة إن مرروا المشروع، والمطالبة بعزل الرئيس، ثم تفجير ما أطلق عليه القنبلة الكبرى: "ترامب في ملفات إبستين".
ما الذي يحدث حقًا؟
هذا ليس مجرد خلاف على الميزانية، بل نحن أمام تصادم بنيوي بين نموذجين للسلطة: السلطة السياسية ذات الجذور الشعبوية، والسلطة الرأسمالية المتضخمة التي بدأت ترى نفسها شريكًا أصيلًا في الحكم، فماسك ليس مجرد رجل أعمال؛ بل هو تجسيد لفكرة أن من يملك المال والتكنولوجيا والمنصات، يملك القدرة على صياغة الخطاب السياسي، بل وتحديد من يصل إلى الحكم.
في المقابل، ترامب لا يقبل بأن يُنسب الفضل في فوزه لأحد، فكلاهما يتمتع بسمات نرجسية حادة، وكلاهما يريد أن يكون "صاحب الفضل" و"صانع اللعبة"، وحين تصطدم الذات المتضخمة بنظيرتها، تتحول الخلافات إلى حروب.
لكن الأعمق من هذا هو السؤال المؤسساتي: إلى أي مدى ما زالت مؤسسات الدولة الأمريكية قادرة على تحمل هذا النوع من الصراع؟! حين تصبح الميزانية ساحة ابتزاز متبادل، ويُهدَّد الرئيس من قبل من كان يُفترض أنه مستشاره، نحن لا نشهد فقط أزمة سياسية، بل أزمة في بنية الدولة نفسها.
المال السياسي يطل بوجه جديد، أكثر فظاظة وعلنية، لا يكتفي بشراء النفوذ، بل يطالب بالانفراد بالقرار السياسي ذاته، وماسك، رغم كل ما يُقال عنه، ليس وحيدًا، بل هو رمز لاتجاه عالمي متصاعد: رجال أعمال يملكون المنصات، يسيطرون على الانتخابات، ويطالبون بصنع القرار.
في النهاية، يبقى السؤال: من الذي صنع الآخر؟ وهل ما نشهده اليوم مجرد خلاف مصالح، أم بداية انهيار التحالف بين السلطة والمال؟ وهل سيبقى النظام الأمريكي كما هو بعد هذا الصدام، أم أن تحولات جذرية تقترب بصمت؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

مصرس
منذ ساعة واحدة
- مصرس
مجدي الجلاد: نتنياهو وسّع أهدافه لتشمل إسقاط النظام الإيراني
قال الكاتب الصحفي مجدي الجلاد، رئيس تحرير مؤسسة "أونا للصحافة والإعلام"، التي تضم مواقع "مصراوي ويلاكورة والكونستلو وشيفت" إن إسرائيل تتسارع لتحقيق أهدافها المعلنة بتدمير القدرات النووية الإيرانية، لكن فشلها في ذلك قد يدفع طهران لتسريع امتلاك السلاح النووي. وأضاف، خلال حواره مع الإعلامي عمرو أديب في برنامج "الحكاية" على قناة "mbc مصر"، أن إيران تمتلك 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، وهو مخزن في منشآت تحت الأرض.وأوضح الجلاد أن منشأة فوردو الإيرانية، الواقعة تحت الجبال، لا يمكن تدميرها إلا بقنابل خارقة تمتلكها الولايات المتحدة فقط، مما يعني أن أي ضربة إسرائيلية ستكون محدودة التأثير.وأشار إلى أن الهجمات الإسرائيلية الحالية، التي تستهدف منشآت مثل مصفاة نفط في طهران تحتوي على 250 مليون لتر، قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط مع احتمال قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز ردًا على ذلك.وأكد الجلاد أن نتنياهو وسّع أهدافه لتشمل إسقاط النظام الإيراني، وليس فقط تدمير القدرات النووية، مما يزيد من تعقيد الصراع.وقال الكاتب الصحفي مجدي الجلاد، إن عدم قدرة إسرائيل على حسم هذه المعركة يعني إضعافاً مؤقتًا لإيران فقط، بينما قد يشعل المنطقة إذا ردت طهران بقوة.وشدد رئيس تحرير مؤسسة "أونا للصحافة والإعلام"، على أن التصعيد الحالي، خاصة مع استهداف منشآت النفط، ينذر بأزمة طاقة عالمية، متوقعًا أن يتجاوز سعر برميل النفط إلى 100 دولار أو يزيد.


مصراوي
منذ ساعة واحدة
- مصراوي
مجدي الجلاد: نتنياهو وسّع أهدافه لتشمل إسقاط النظام الإيراني
قال الكاتب الصحفي مجدي الجلاد، رئيس تحرير مؤسسة "أونا للصحافة والإعلام"، التي تضم مواقع "مصراوي ويلاكورة والكونستلو وشيفت" إن إسرائيل تتسارع لتحقيق أهدافها المعلنة بتدمير القدرات النووية الإيرانية، لكن فشلها في ذلك قد يدفع طهران لتسريع امتلاك السلاح النووي. وأضاف، خلال حواره مع الإعلامي عمرو أديب في برنامج "الحكاية" على قناة "mbc مصر"، أن إيران تمتلك 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، وهو مخزن في منشآت تحت الأرض. وأوضح الجلاد أن منشأة فوردو الإيرانية، الواقعة تحت الجبال، لا يمكن تدميرها إلا بقنابل خارقة تمتلكها الولايات المتحدة فقط، مما يعني أن أي ضربة إسرائيلية ستكون محدودة التأثير. وأشار إلى أن الهجمات الإسرائيلية الحالية، التي تستهدف منشآت مثل مصفاة نفط في طهران تحتوي على 250 مليون لتر، قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط مع احتمال قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز ردًا على ذلك. وأكد الجلاد أن نتنياهو وسّع أهدافه لتشمل إسقاط النظام الإيراني، وليس فقط تدمير القدرات النووية، مما يزيد من تعقيد الصراع. وقال الكاتب الصحفي مجدي الجلاد، إن عدم قدرة إسرائيل على حسم هذه المعركة يعني إضعافاً مؤقتًا لإيران فقط، بينما قد يشعل المنطقة إذا ردت طهران بقوة. وشدد رئيس تحرير مؤسسة "أونا للصحافة والإعلام"، على أن التصعيد الحالي، خاصة مع استهداف منشآت النفط، ينذر بأزمة طاقة عالمية، متوقعًا أن يتجاوز سعر برميل النفط إلى 100 دولار أو يزيد.

مصرس
منذ 2 ساعات
- مصرس
وزيرة التخطيط تلتقي بمجموعة من طلاب كبرى الجامعات بالمملكة المتحدة
استقبلت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، مجموعة من طلاب الماجيستير والدكتوراة من كبرى الجامعات البريطانية بالمملكة المتحدة ومن ضمنها كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، وجامعة أوكسفورد، وكلية كينجز في لندن، وجامعة إدنبرة في إسكتلندا. وحرصت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، خلال اللقاء، على الإجابة عن أسئلة الطلاب حول مستجدات التطورات الاقتصادية على صعيد الاقتصاد المصري، وجهود الدولة في تنفيذ مشروع حياة كريمة والتأمين الصحي الشامل ومشروعات الزراعة الذكية مناخيا، مؤكدةً حرص الدولة على توفير وتهيئة مجالات لإشراك الشباب في قضايا الشأن العام وفتح قنوات تواصل مستمرة معهم، ورفع وعي الشباب الجامعي بمبادئ وأهداف التنمية البشرية والمستدامة وربطها بالسياسات العامة والمشروعات التنموية التي تعمل عليها الدولة المصرية.كما أشارت الدكتورة رانيا المشاط، إلى إطلاق الوزارة "إطار الاستدامة والتمويل من أجل التنمية الاقتصادية"، الذي يستهدف تحقيق التنمية الاقتصادية بشكل أساسي، من خلال تعزيز عملية صياغة السياسات التنموية القائمة على الأدلة، والاستغلال الأمثل للموارد لسد فجوات التنمية القطاعية، وتحقيق نمو نوعي ومستدام، موضحة أن رؤية الوزارة تستند إلى رؤية مصر 2030، والبرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية، بالإضافة إلى الاستراتيجية الوطنية المتكاملة لتمويل التنمية، وحشد التمويل المستدام لسد فجوة التمويل، مما يسهم في تشجيع الاستثمارات الخاصة ودعم التحول الأخضر، لافتة إلى إعداد الوزارة "السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية" من أجل دفع النمو والتوظيف حيث تُركز على قطاعات حيوية هي الاستثمار الأجنبي المباشر، والتنمية الصناعية، والاقتصاد الكلي، وسوق العمل والتوظيف. وسلّطت "المشاط" الضوء على الشراكات القوية بين جمهورية مصر العربية ومؤسسات التمويل الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف، مؤكدة أنه في ضوء العلاقات القوية لمصر وجهود تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية التي تقوم بها الوزارة نعمل على المساهمة بفعالية في المحافل الدولية من أجل دفع الحوار الشامل نحو التوسع في آليات التمويل المبتكر وهيكلة النظام المالي العالمي.وأكدت "المشاط"، أنه نتيجة جهود الدولة لتهيئة مناخ الاستثمار للقطاع الخاص، فقد زادت التمويلات الميسرة للقطاع الخاص من الشركاء الدوليين لتتجاوز التمويلات للحكومة في عام 2024، لتصل إلى 4.2 مليار دولار، بينما سجلت التمويلات للقطاع الخاص من 2020 إلى 2024 نحو 14.5 مليار دولار، مشيرةً إلى أن تلك التمويلات تم توجيهها لقطاعات متعددة مثل الشركات الناشئة، والتكنولوجيا والابتكار، والصناعات التحويلية، والصحية، والتحول الأخضر، والنقل والخدمات اللوجستية.