
كيف تتحرر من قيود الحسد وتعيش بسلام؟
قلب الحاسد لا يعرف الفرح بخير يصيب النَّاس، ويُضمر الألم والغضب كلَّما رأى غيره في رخاء أو رفعة، ويتعدَّى ذلك إلى تمنِّي زواله عنهم، أو أن تحلَّ بهم المصائب والنكبات، حتَّى ولو لم ينله منها نفعٌ أو خير؛ وهذه الحالة تعكس خللًا أخلاقيًّا عميقًا، وانفصامًا بين قلب الإنسان وفطرته...
بين صراعات النَّفس وتقلبات المشاعر، يطلُّ الحسد كأحد أشدِّ الأمراض القلبيَّة فتكًا بطمأنينة الإنسان وسكينته؛ فهو شعور مرير ينشأ حين تضيق النفوس بما قسمه الله (تعالى) لغيرها، فيفسد العلاقات، ويطفئ نور القلب، ويجعل صاحبه غريبًا وفقيرًا، حتَّى وإن كان غارقًا في النِّعم.
لكن هل يمكن التَّخلص من هذا الشعور الثَّقيل؟
وهل يستطيع الإنسان أن يتحرَّر من قيده ليعيش بسلام مع نفسه ومع الآخرين؟
في هذا الموضوع، نغوص في أعماق النَّفس لنفهم طبيعة الحسد، وجذوره، وآثاره، ثمَّ نرشد الخطى إلى طريق الخلاص منه، عبر تقوية الإيمان، وتزكية النَّفس، وتغيير زاوية النَّظر إلى الحياة والنَّاس؛ إنَّها رحلة نحو قلب أنقى، ونفسٍ مطمئنة، وحياة يغمرها الرضا، خالية من المقارنات السامَّة التي تسرق راحة البال.
المحور الأوَّل: تعريف الحسد وصفات الحاسد.
الحسد لغةً: "يقالُ: حَسَدهُ الشَّيء، وعليهِ يحسدُه، ويَحسُدُه حَسَدًا، وحُسُودًا وحَسادةً، وحَسَده: تمنَّى أن تتَحوَّلَ إليه نعمتُه وفضيلتُه..."(1).
وأمَّا اصطلاحًا، فإنَّ الحسد: "حالة نفسيَّة يتمنَّى صاحبها سلب الكمال والنِّعمة التي عند الآخرين سواء أكان يملكها أم لا، وسواء أرادها لنفسه أم لم يردها"، وهذا يختلف عن الغبطة؛ لأنَّ صاحب الغبطة يريد النِّعمة التي توجد لدى الآخرين، أن تكون لنفسه، من دون أن يتمنَّى زوالها عن الآخرين(2).
إنَّ التمييز بين الحسد والغبطة ينبع من تأمل دقيق في موقف الإنسان النَّفسي تجاه النعم التي يغدقها الله (تعالى) على غيره من عباده؛ فطبيعة تفاعل النَّفس البشريَّة مع تلك النعم تكشف لنا عن معدنها، وعمق إيمانها، ونقائها من أمراض القلوب.
ولتقريب الصورة وتيسير الفهم، يمكننا تصنيف موقف الإنسان عند رؤيته لنعم الله (سبحانه) التي أفاض بها على الآخرين إلى حالتينِ أساسيتينِ:
الحالة الأولى: أن يشعر بانقباض في صدره، وضيق في قلبه عند رؤيته للنعمة في يد غيره، فلا يطيق أن يراها تُسعد غيره؛ ويضمر في نفسه أمنية خبيثة بزوالها عنهم، سواء حصل عليها هو أم لم يحصل.
الحالة الثَّانية: لا يجد المرء في نفسه ضيقًا من نعمة أنعمَ الله (عزَّ وجلَّ) بها على غيره، ويفرح بها أو يقبلها على الأقل، ولكنَّه في الوقت نفسه يتمنَّى أن يُكرمه الله (تعالى) بمثلها، من دون أن تزول تلك النعمة عن صاحبها. وهذا الشعور النبيل يُعرف بالغبطة، وهو دليل على صفاء القلب، وسمو النفس، وحسن الظنِّ بالله (سبحانه)؛ فالغبطة طموح مشروع، مكلَّل بالدعاء والأمل، منزَّه عن الحقد والعداوة. وهكذا، يتبيَّن الفرق بين الحسد والغبطة في نيَّة الإنسان وتمنيه؛ فالحاسد يريد زوال النِّعمة عن الآخرين، والغبوط يريد لنفسه مثل ما للآخرين من دون أن ينقص من حظهم شيءٌ.
- صفات الحاسد:
من يتأمَّل في أحاديث الرسول الأعظم محمَّد (صلَّى الله عليه وآاله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)، ويغوص في كلماتهم النورانيَّة، يجد أنَّ الحسد مرضٌ قلبي خطير له آثار مدمرة على الفرد والمجتمع. وقد رسمت النصوص الشريفة ملامح دقيقة لشخصيَّة الإنسان الحاسد، وكشفت عن صفاته الجوهريَّة التي تجعله موضع تحذير وتنفير؛ ومن هذه الصفات:
1ـ أوَّل ما يكشفه الحسد من صفات صاحبه، أنَّه ساخط على الله (سبحانه وتعالى)، غير راضٍ بقضائه وقدَره، كأنَّما يُعرض بوجهه عن تقديرات الخالق، ويعترض على حكمته في توزيع الأرزاق والمنح؛ فالحاسد يرى في النِّعمة التي أنعمَ الله (تعالى) بها على غيره تقصيرًا في عطائه، وكأنَّ لسان حاله يقول:
لماذا ليس لي مثلهم؟
ولماذا أعطوا من هو دوني؟
وقد جاءت هذه الحقيقة واضحة في الحديث الشريف عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا ابْنَ عِمْرَانَ، لَاتَحْسُدَنَّ النَّاسَ عَلى مَا آتَيْتُهُمْ مِنْ فَضْلِي، وَلَاتَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ذلِكَ، وَلَاتُتْبِعْهُ نَفْسَكَ؛ فَإِنَّ الْحَاسِدَ سَاخِطٌ لِنِعَمِي، صَادٌّ لِقَسْمِيَ الَّذِي قَسَمْتُ بَيْنَ عِبَادِي، وَمَنْ يَكُ كَذلِكَ، فَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَيْسَ مِنِّي"(3).
ومن يتدبر في هذا الحديث سيكتشف أنَّه يحمل تحذيرًا شديدًا، يكشف خطورة الحسد على العقيدة؛ فالحسد موقف اعتراضي على الإرادة الإلهيَّة، ورفض ضمني لما اختاره الله (تعالى) لعباده من أرزاق وأقدار، ومن بلغ هذا المستوى من السخط، فإنَّه قد انسلخ من جوهر العبوديَّة؛ لأنَّ العبد الصادق يرضى بكلِّ ما يقدِّره مولاه له ولغيره، ولا يعترض عليه.
2ـ الحاسد يتمنَّى السوء لغيره؛ لأنَّهم ارتقوا منزلة، أو أكرمهم الله (تعالى) بفضل من فضله. كما أنَّ قلب الحاسد لا يعرف الفرح بخير يصيب النَّاس، ويُضمر الألم والغضب كلَّما رأى غيره في رخاء أو رفعة، ويتعدَّى ذلك إلى تمنِّي زواله عنهم، أو أن تحلَّ بهم المصائب والنكبات، حتَّى ولو لم ينله منها نفعٌ أو خير؛ وهذه الحالة تعكس خللًا أخلاقيًّا عميقًا، وانفصامًا بين قلب الإنسان وفطرته السَّليمة التي تميل إلى الرَّحمة والعطاء؛ ولذلك يُعدّ الحسد من أشدِّ الرذائل الأخلاقية فتكًا؛ لأنَّه يجعل الإنسان يتقرَّب إلى الشَّر ويبتعد عن الرَّحمة، ويحرّك فيه نوازع الكراهية والتشفي، حتَّى لو كان ذلك في الخفاء.
إنَّ من يتمنَّى السوء للناس، يفسد قلبه، وتظلم بصيرته، ويعيش في قلق دائم؛ إذ كلُّ نعمة لغيره تصبح بالنسبة له جرحًا لا يندمل؛ فهو في صراع داخلي لا ينتهي، ولا يهدأ له بال إلَّا إذا رأى من كان سعيدًا في كرب، ومن كان مكرَّمًا في ذلّ، ومن كان غنيًا في فقر.
"ينقل التَّاريخ أنَّ الحجاج استدعى رجلين أحدهما أناني حسود، والآخر بخيل وقال لهما: ليطلب كلٌّ منكما طلبه فإنِّي أعطيه ما طلب، وأعطي صاحبه ضعف طلبته؛ فلو أنّ أحدكم طلب (1000) دينار أعطي صاحبه (2000) دينار، فليبدأ أحدكما بالطلب فدبَّ التَّردد في نفسيهما إلى أن تقدَّم الأناني وقال: أطلب أن تفقأ عيني اليسرى، فقال الحجاج لماذا؟
فردَّ الأناني الحسود: لكي تعطي صاحبي ضعف ما تعطيني فتفقأ عينيه.
فقال الحجاج: ما رأيت طلبة إلَّا هذه الطلبة؟
لماذا لم تطلب مالًا أو منصبًا حتَّى تستفيد منه؟
فقال الأناني: والله أن تفقأ عيني أهون عليَّ من أن أرى صاحبي يأخذ ضعفين، وأنا آخذ نصف ما أخذ"(4).
3ـ من الصفات الخطيرة التي تكشف عن جوهر الحاسد؛ أنَّه منافق في باطنه، مريض في قلبه، وهي صفة أشار إليها الإمام الصادق (عليه السلام) بوضوح في حديثه الشريف: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغْبِطُ وَلَايَحْسُدُ، وَالْمُنَافِقَ يَحْسُدُ وَلَا يَغْبِطُ"(5). وإذا دققت في الحديث ستلاحظ أنَّ الإمام (عليه السلام) يضع معيارًا دقيقًا لتمييز صفاء الإيمان من خبث النفاق؛ فالمؤمن، بقلبه النقي ونفسه السَّليمة، إذا رأى نعمة على أحد من النَّاس، تمنَّى لنفسه مثلها من دون أن يكره وجودها لدى صاحبها، وهذا هو معنى الغبطة، وهو شعور مشرّف لا يحمل ضغينة ولا حقدًا، ويدلُّ على طموح مشروع ونيَّة طاهرة.
أمَّا المنافق، فباطنه مملوء بالحقد والغل، ولا يستطيع أن يرى نعمة عند غيره إلَّا وتحركت فيه نوازع الحسد. وهو لا يعرف معنى الغبطة؛ لأنَّ قلبه لا يفرح لخير يصيب النَّاس، ويتألم حين يراهم في عزٍّ أو نجاح أو نعيم؛ لذا قال الإمام الصادق (عليه السلام) بعبارة فاصلة: "والمنافق يحسد، ولا يغبط"؛ لأنَّ الحسد وليد القلوب المظلمة، وهي صفة لا تخرج إلَّا من قلب المنافق.
4ـ الحاسد أسير للدنيا، مولع بزخارفها، شديد التعلُّق بشهواتها ومظاهرها الخادعة؛ فهو لا ينظر إلى النعم بعين الشكر أو بعين الاعتبار، ولكن ينظر بعين الغيرة والتنافس، وكأنَّ الدنيا ساحة صراع يجب أن لا يتفوق عليه فيها أحد. وقد عبّر أمير المؤمنين (عليه السلام) عن هذه النفسيَّة المريضة أبلغ تعبير بقوله: "الْحَاسِدُ لَا يَشْفِيهِ إِلَّا زَوَالُ النِّعْمَةِ"(6).
أي أنَّ الحاسد لا يهدأ له بال، ولا تطمئن نفسه، ولا يبرد غيظه، إلَّا إذا رأى النِّعمة قد ارتحلت عن صاحبها، وكأنَّ وجودها في يد غيره عارٌ عليه أو تهديدٌ لمكانته. فهو لا يرضى بأن تُقسم الدنيا على الناس بعدل، ويريدها حكرًا عليه، ولا يتقبل أن يشاركه أحد في جاه أو مال أو علم أو قبول اجتماعي.
ومن هنا، فإنّ الحسد في حقيقته مرآة تُظهر عبودية القلب للدنيا، وانغماسه في التنافس المادي السطحي؛ إذ تتحوّل النعم إلى سبب للعداوة لا للمحبَّة، وللتحاسد لا للتعاون؛ فالحاسد لا يسعى للارتقاء بنفسه؛ وإنَّما يتمنَّى أن ينخفض الآخرون ليشعر بالعلو، وهذه نظرة ضيقة لا يعرفها القلب الزاهد، الراضي، المطمئن بما قسم الله (تعالى).
5ـ من الصفات العجيبة التي تميز الحاسد وتدل على اضطرابه، أنه أسيرٌ لخوف دائم، وحزن مستمر، يتمحوران حول من يحسده، لا حول نفسه أو آخرتـه؛ فالحاسد لا يهنأ بعيشه، ولا يطمئن في سكينته؛ لأنَّ عينيه دائمًا شاخصتان إلى ما عند النَّاس، لا إلى ما بين يديه، وكلَّما زادت نعم الله (تعالى) على غيره، ازداد قلقه، وتضاعف حزنه، واشتعلت نار الحسد في قلبه؛ فهو في حالة مراقبة مَرَضيَّة دائمة للمحسود:
هل ازداد ماله؟
وهل نجح في أمره؟
وهل نال مدحًا أو منزلة؟
فإن رأى شيئًا من ذلك، اضطرب قلبه، واكتأب صدره، وساورته مشاعر الغضب والحسرة. وهكذا يصبح قلبه حلبة صراع لا يهدأ فيها الحزن، ولا يسكن فيها الخوف؛ لأنَّه يخشى أن يتفوق عليه غيره، أو أن يُكرم أحد سواه.
وعلى النقيض تمامًا، نجد قلب المؤمن، الذي لا يخاف إلَّا من الله (تعالى)، ولا يحزن إلَّا بين يديه، مطمئنًا بقضائه، راضيًا بقدره، يعلم أنَّ الأرزاق بيد الله (تعالى)، وأنَّ فضل الله (سبحانه) واسع، يعطي من يشاء ويمنع عمّن يشاء لحكمة يعلمها.
6ـ الغضب على العطاء الإلهي؛ وهذا ما يكشف عنه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله "الْحَسُودُ غَضْبَانُ عَلَى الْقَدَرِ"(7)؛ فالحاسد يغضب على القسمة الإلهية ذاتها، ويعترض – بلسان حاله إن لم يكن بمقاله – على ما كتبه الله (تعالى) من أرزاق، فيكون بذلك جاحدًا لفضل الله (تعالى)، أعمى البصيرة، لا يرى في النِّعم آيات للرحمة والكرم، وإنَّما يراها تمييزًا وظلمًا، والعياذ بالله (سبحانه).
المحور الثَّاني: أسباب الحسد ومراتبه.
- أسباب الحسد:
لقد بيّن العلماء – رضوان الله عليهم – أنَّ الحسد له جذور وأسباب تنمو في باطن النفس حتَّى تستحكم، وتتحوَّل إلى هذا المرض الأخلاقي الخطير؛ ومن أبرز هؤلاء العلماء الذين فصَّلوا القول في هذا الباب، العلَّامة المجلسي (رضوان الله عليه)، فقد حصر أسباب الحسد في سبعة أصول(8)؛ تمثِّل كل واحدة منها خللًا عميقًا في البناء الأخلاقي للإنسان.
الأوَّل: العداوة والبغضاء.
إذا وُجدت العداوة بين شخصين، نشأ معها الحسد بشكل تلقائي؛ فالبغض يُنتج تمني الضرر، ولا شيء يُؤلم العدو في نظر الحاسد مثل أن يُكرم الله (تعالى) غريمه بنعمة. وكلَّما ازدادت نعمته، ازداد قلب عدوه غيظًا وكمدًا. وهذا النوع من الحسد لا يخرج إلَّا من نفس لا تعرف التسامح، ولم تتربَّ على الصفح وصفاء القلب.
اقتلني!!
ينقل المحدث الشيخ عباس القمي (رحمة الله عليه)، قصَّة عن الحسد مجملها:
"كان أحد النَّاس يحسد جاره كثيرًا، حتَّى وصل به الحال إلى أن يعمل أعمالًا غريبة وعجيبة، بحيث أنَّه في أحد الأيَّام، قال لعبده: إنَّ لي عليك فضلًا كثيرًا، وهل جزاء الإحسان إلَّا الإحسان، وإني أطلب منك طلبًا مهمًا، وأريد منك أن تنفذه.
فقال له العبد: ما هو طلبك وسأنفذه؟
قال له الحسود: سوف نذهب إلى سطح الجيران، فاذبحني هناك، وبعد ذلك سوف يطلع النَّاس على أنني قتلت، ويتهمون جارنا بقتلي ويقتلونه قصاصًا!!
في البداية رفض العبد أمر سيِّده، ولكن إصرار المولى على عبده جعله يوافق، فقتل سيِّده كما أمره، وبعد ذلك عرف النَّاس بأنَّ فلانًا قُتل، وجثته وجدت في بيت الجيران، فجاءت الشرطة، وألقت القبض على الجار بتهمة القتل، ولكن قبل أن ينفّذ القصاص، جاء العبد، واعترف بكلِّ ما حدث.
فأطلق سراح الشَّخص الذي أراد الحاسد الإيقاع به!
فكانت النتيجة أن قتل الحسود، دون أن يحقق شيئًاً من أمانيه الخبيثة، فخسر نفسه في الدُّنيا والآخرة(9).
الثَّاني: التعزُّز.
بعض الناس يرون أنَّ عزّهم ومكانتهم لا تكتمل إلَّا بأن يكونوا في مرتبة أعلى من غيرهم؛ وإن رأوا أحدًا يتقدَّم، أو يُكرَم، أو يُمدح، شعروا بأنَّ ذلك يُنقص من قدرهم، واهتزّ توازنهم النَّفسي. فتراهم يغارون؛ لأنَّهم يرون أنفسهم أحقّ بها من الآخرين. وهذه النفسيَّة لا تنشأ إلَّا من ضعف التوكل، وغياب الرضا بما قسم الله (تعالى).
الثَّالث: الكِبر.
يرى المتكبر أي فضل على غيره هو إهانة له، وكلَّ رفعة لغيره خفضًا لمقامه؛ لذا فإنَّ الكبر والحسد توأمان لا يفترقان.
الرَّابع: العُجب بالنفس.
إذا أُعجب الإنسان بنفسه، واستعظم أعماله أو مكانته، ورأى أنَّه لا يستحق أحدٌ غيره ما يُعطى من الخير، أصبح حسودًا من حيث لا يشعر؛ فالعجب يجعل الإنسان يرى نفسه فوق النَّاس، ومن ثمَّ لا يحتمل أن يشاركوه في الخير، فضلًا عن أن يتقدَّموا عليه.
الخامس: الخوف من فوات المقاصد.
وهو أن يخاف الإنسان أن تؤثِّر نعمة غيره على مصالحه؛ كأن يُعيَّن زميله في منصب كان يتمنَّاه، أو يُفضَّل غيره عليه في أمرٍ ما، فيتمنَّى زوال النعمة خوفًا على مكاسبه الخاصَّة؛ وهذا الحسد أقرب إلى الطبع التجاري في العلاقات، حيث تُقاس الأمور بالمصالح لا بالحقِّ والعدل.
السَّادس: حبُّ الرياسة والدُّنيا.
من كان قلبه متعلقًا بالدُّنيا، ويلهث وراء الرئاسة والمقام، لا يقوى على رؤية غيره في موضع التقدير أو السيادة؛ لأنَّ ذلك يُهدد طموحه، ويعكِّر عليه استحواذه؛ فكلُّ ظهور لغيره تهديدٌ لمكانته، فيتحوَّل ذلك التهديد إلى حسد دفين، يزداد كلَّما ازداد المحسود إشراقًا.
السَّابع: خبث الطينة أو النَّفس.
وهو أخطر الأسباب؛ لأنَّ صاحبه لا يحتاج إلى مبرر ظاهر للحسد؛ بل يحسد لمجرَّد أن يرى الخير عند غيره، ولو لم يكن بينه وبينه أي عداوة أو تمايز. فطبعه منحرف، ونفسه مظلمة، لا تُطيق أن ترى أحدًا في نعمة، سواء كانت دنيويَّة أو معنويَّة. وهذا النَّوع من الحسد عميق الجذور، لا يزول إلَّا بجهاد طويل للنفس، وتربيَّة إيمانيَّة مكثفة.
- مراتب الحسد:
المرتبة الأولى: أسوأ مراتب الحسد هو أن يتمنَّى الإنسان زوال نعمة الآخرين، من دون أن يعود عليه ذلك بأيّ نفع أو فائدة شخصيَّة. وفي هذه الدرجة المظلمة من الحسد، ينطلق الحاسد إلى مرحلة أعمق من الضغينة؛ حيث يطلب زوال النعمة عن المحسود، حتَّى لو لم يحصل هو عليها أو يستفيد منها بأي شكل.
إنِّه تمني شؤم غير مُبرّر، يهدف إلى خراب الذات والآخرين معًا؛ إذ يُطفئ نور الرضا، ويُشعل نار الحقد، ويدفع صاحبه إلى الانحراف عن طريق الخير، إلى دروب الظلام والضياع.
المرتبة الثَّانية: أن يتمنَّى الإنسان زوال نعمة الآخرين، مع أن تكون هذه النعمة تعود عليه هو بنفس القدر أو حتَّى تفوقها، كما لو تمنَّى زوال بيت شخص معيَّن ليصبح هو مالك ذلك البيت، وفي هذه الدرجة، يتمنَّى الحاسد بأن تزول النِّعمة عن غيره، ويطمح لأن يحلّ محل المحسود، وينتقل إليه الفضل ذاته أو أكثر منه.
وهذا النوع من الحسد يُعبِّر عن طمع شديد وجشع قلب، واحتكار الأنعم لا يُرضيه إلَّا لنفسه، وهو خبيث بطبيعته؛ لأنَّ صاحبه يرغب في الاستحواذ عليه، ويُظهر رغبة غير مشروعة في انتزاع ما هو حق للآخرين.
وقد نصَّت الشريعة وحذَّرت من هذه المرتبة؛ إذ يُعتبر هذا الحسد من الكبائر التي تفسد الإيمان، وتقود الإنسان إلى الحقد والبغضاء، وإلى مشاعر قاتلة تقتل روح المحبَّة والتآلف بين النَّاس؛ وليس ثمَّة شك في خبث هذه المرتبة من الحسد وفي حرمتها؛ إذ يقول الله (تبارك وتعالى): (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (10).
المرتبة الثَّالثة: أن يتمنَّى الإنسان زوال النِّعمة عن صاحبها، ليكون في مستوى واحد من الحرمان مع المحسود؛ إذ يشعر بالعجز عن الوصول إلى مثلها أو كسبها بأي طريقة شرعيَّة، وهذا الحسد ينم عن حالة من الاستسلام للهزيمة النفسيَّة، فبدل أن يسعى بجد واجتهاد لتحصيل النعمة أو تحسين وضعه، يفضِّل أن يُطفئ نورها لدى غيره، ليشعر بالراحة في مستواه أو بمستوى المحسود.
وإذا توفرت له الوسيلة، فقد يتحوَّل هذا الشعور إلى سلوك فعلي، يدفعه للسعي في إزالة النِّعمة عن صاحبها، سواء بالسعي للحط من مكانته، أو الإضرار به، أو أي طريقة تفضي إلى نقصان خيره. وهذه المرتبة من الحسد هي انحدار خطير في الأخلاق والقيم؛ لأنَّ الإنسان ينخرط في أعمال قد تضر بالآخرين، وتزرع الفتن بين النَّاس.
المرتبة الرَّابعة: تكاد تكون هذه المرتبة مكافئة للمرتبة السَّابقة من حيث طبيعة الشعور بالحسد، إلَّا أنَّ الفارق الأساسي فيها هو أن صاحبها، على الرغم من وجود ميول قويَّة نحو زوال نعمة الآخرين، يتمسَّك برادع الدِّين والعقل، فلا يلجأ إلى الوسائل التي تؤدِّي إلى ذلك الزوال، ولا يرضى عن هذه الميول الشريرة التي تجتاح قلبه، ويوبِّخ نفسه ويعنفها على تلك الأهواء الدفينة، ويغضب من حالته النفسيَّة التي تجعل الحسد يسكن قلبه.
فهو على الرَّغم من سقوطه في زلزال الحسد؛ لكنَّه لا يستكين له، ولا يستسلم له، ويدفعه استشعاره بخطره وغضبه عليه إلى التوبة والرجوع إلى الله (تعالى).
وينبغي التنبه بحذر شديد إلى أنَّ النفس إذا ابتُليت بأدنى مراتب الحسد، وهي المرتبة الرَّابعة، ولم يجد فيها رادعًا يمنعه من الانزلاق، فإنَّها معرضة لخطر السقوط التدريجي إلى أسوأ وأشد مراتب الحسد، وهي المرتبة الأولى؛ فالاستسلام لتلك الميول الشريرة من دون مقاومة بداية زحف الظلام على القلب، حيث تتعاظم الكراهية وتزداد الرغبة في زوال نعمة الآخرين بلا هوادة أو تمييز.
وعند وصول النَّفس إلى تلك الدرجة المتقدِّمة من الحسد، يصبح علاج هذا المرض النَّفسي والروحي أمرًا بالغ الصعوبة، إذ تتجذر في القلب أمراض القسوة والغل، ويتضاءل فيها نور الإيمان والرَّحمة، ممَّا يجعل التحرر من هذا البلاء يحتاج إلى جهد نفسي عميق، ودعاء مستمر، وعمل صالح متواصل، ويمكن أن يجره إلى ارتكاب الجرائم وسفك الدماء.
التاجر والقروي
ينقل في كتب التاريخ، أنَّ تاجرًا كان يذهب إلى إحدى القرى المجاورة لمدينته، ويشتري منهم الدجاج والبيض، وفي أحد الأيَّام، أخذ التاجر معه مبلغًا كبيرًا؛ ليعطيه إلى أحد القرويين، وكان هذا الأخير يملك حقلًا، يبيع فيه الدجاج والبيض، فأعطاه النقود، وطلب منه أن يرسل له الدجاج والبيض إلى مكانه في المدينة، وحيث وصل ليلًا أراد أن ينام في بيت القروي، وفي الصباح يرجع إلى مدينته.
فهيأ القروي للتاجر غرفة لكي ينام فيها، وعندما رجع القروي إلى زوجته، أخذ الشيطان يوسوس لهما بقتل التاجر، وأخذ أمواله، دون أن يرسلا الدجاج والبيض فقررا أن يقتلاه، ويدفناه في بيتهما.
ولكن التاجر لم يستطع النوم في تلك الليلة، وفجأة ألقى بنظرة إلى الخارج، فرأى القروي وزوجته يحفرون قبرًا في وسط الدار، فخاف من الأمر كثيرًا، وأوجس ريبة من عملهما، فخرج من الغرفة بهدوء، وذهب إلى حظيرة الحيوانات، وأخفى نفسه بين الأغنام والبقر التي كان القروي يمتلكها.
وبعد فترة، جاء ابن القروي، وكان مسافرًا خارج المنزل، ودخل البيت وذهب على رسله إلى غرفة الضيوف فرأى فراشًا معدًا ومهيئًا للنوم، فاستلقى فيه؛ لكي ينام ويستريح.
وبعد ما أكمل القروي وزوجته حفر القبر، جاءا إلى غرفة الضيوف لقتل التاجر، فأخذ القروي سكينًا، وطعن الشخص النائم في الفراش فقتله، وكلُّ ظنه أنَّه التاجر، ولكن بعد أن انتبه إلى الجثة، وعرف أنَّها لولده فلم تقو رجلاه على حمله، فعض أصبع الندم ولات ساعة مندم، ودفن ابنه في الحفرة التي أعدها للتاجر، وعند منتصف الليل، خرج التاجر سرًا من مخبئه، وهرب نحو المدينة، وعندما وصل، أخبر الشرطة بتفاصيل الحادث، فجاءت الشرطة، وألقت القبض على القروي، وأخذت الأموال التي استلمها وأعادتها للتاجر، وبهذا العمل خسر القروي نفسه وولده، وماله، وسمعته، وسمعة عائلته، هذا في الدنيا، أمَّا جزاء الآخرة فأعظم وأشد، وكان كلُّ ذلك بفعل الحسد الذي أجج نار الطمع في قلبه، وقاده إلى هذا العمل الجنوني(11).
المحور الثَّالث: مفاسد الحسد.
إنَّ من أعظم ما عانته البشريَّة عبر تاريخها من مآسٍ ونكبات وصراعات، كان الحسد هو الجذر الخفي والدَّافع الأوَّل لكثير من تلك الفتن والمعاصي؛ فقد شهد أوَّل التاريخ الإنساني أبشع جريمة؛ حين قتل قابيل أخاه هابيل (عليه السلام)، لا لذنبٍ ارتكبه؛ وإنَّما حسدًا منه على قربه من الله (تعالى) وقبول قربانه، فكانت دماء البراءة أوَّل ما سُفك على الأرض بدافع الحسد والغيرة.
وقبل ذلك، تجلَّى الحسد في أعتى صوره عندما أبى إبليس أن يسجد لآدم (عليه السلام) استكبارًا وحسدًا؛ إذ رأى نفسه أرفع مقامًا وأسمى منزلة، فاستكبر وأعرض عن أمر الله (عزَّ وجلَّ)، فسقط من علياء القرب الإلهي إلى دركات الطرد واللعن، وأصبح عدوًا مبينًا لبني آدم إلى يوم الدِّين.
وهذا الحسد ذاته لم يكن حبيس التاريخ، وظلَّ يتكرر بأشكال شتَّى في واقع البشر، حيث نرى اليوم كيف يتحوَّل الحسد الكامن في القلوب إلى نزاعات مريرة، وصراعات مؤلمة، ووإراقة دماء. فكم من كلمة بدأت باختلاف، ثمَّ ما لبثت أن تحوّلت إلى عداوة وبغضاء؛ لأنَّ الحسد يُعمي البصيرة، ويُفسد المروءة، ويجرُّ صاحبه إلى مهاوي الظلم والبغي.
ويبلغ الحسد ذروته المظلمة حين نفتح صفحات التاريخ ونرى ما جرى على أهل بيت النبوة (عليهم السلام)، من ظلم عظيم ومأساة موجعة، فقد غُصبت حقوقهم وحاولوا إطفاء أنوارهم؛ لا لشيء إلَّا لأنَّهم أهل الفضل والعلم والطهارة، فكان الحسد لما أولاهم الله (تعالى) من مكانة وكرامة، سببًا في شنِّ الحروب عليهم وقتل رجالهم وسبي نسائهم. إنَّهم صفوة الخلق وأئمة الحق، لكن القلوب التي أعماها الحسد لم تحتمل نورهم، فهاجمتهم بكل ضغائنها، منذ الهجوم على بيت مولاتنا الزهراء (عليها السلام) وتتابعت حتَّى وصلت إلى واقعة كربلاء الدَّامية، حيث قُتل الإمام الحسين (عليه السلام) عطشانًا مظلومًا، إلى سجون الأئمة وتضييقهم ومحاولات طمس ذكرهم، وكلُّ ذلك لم يكن إلَّا حسدًا على ما آتاهم الله (سبحانه) من فضله.
إنَّ الحسد داءٌ قديم؛ لكنه لا يزال حيًّا في القلوب التي لم تُنقَّ من الأحقاد، وهو السبب في الكثير من الكوارث الإنسانيَّة، وما لم تُزكَّى النفوس وتُطَهَّر القلوب، فإنَّ سيرة هابيل ستتكرر بأشكال جديدة، وسيبقى الظلم حاضرًا ما دام الحسد مستبطنًا في الأرواح.
إن الحسد وباء يفسد العلاقات ويزرع الفتن بين النَّاس، ويُبعدهم عن روح الإخوة والمحبَّة التي دعا إليها الإسلام، وإليك بعض أضرار الحسد:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أَخْوَفُ ما أَخافُ عَلى أُمَّتي أَنْ يَكْثُرَ لَهُمُ المالُ فَيَتَحاسَدونَ وَيَقْتَتِلونَ"(12). وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): "الْحَسَدُ شَرُّ الْأَمْرَاضِ"(13). وعنه (عليه السلام): "الْحَسُودُ كَثِيرُ الْحَسَرَاتِ مُتَضَاعِفُ السَّيِّئَاتِ"(14). وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "الْحَاسِدُ مُضِرٌّ بِنَفْسِهِ قَبْلَ انْ يَضُرَّ بِالَمحْسُودِ، كَابْلِيسِ اورِثَ بِحَسَدِهِ بِنَفْسِهِ اللَّعْنَةُ، وَلِآدَمَ عليه السلام الْاجْتِبَاءُ وَالْهُدَى"(15). وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): "ثَمَرَةُ الْحَسَدِ شَقَاءُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"(16).
تلميذ الفضيل بن عياض
روي أنَّ للفضيل بن عياض تلميذ يعدُّ أعلم تلامذته، وذات يوم مرض التِّلميذ... واشتدَّ مرضه... ووصل به الأمر إلى الفزع والاحتضار.
وجاء الفضيل فجلس عند رأسه وأخذ يقرأ سورة يس... فإذا بذلك التِّلميذ المحتضر يقول له: لا تقرأ هذه السورة.
واستجاب الأستاذ، وتوقف عن القراءة.. وقال لتلميذه: قل لا إله إلَّا الله. فقال التِّلميذ: لا أقولها؛ لأني أكرهها -والعياذ بالله- ثمَّ مات على هذه الحال... فعجب الفضيل من ذلك، ومضى إلى منزله، ولم يخرج منه، وفي الليل رأى تلميذه في المنام وهو سحب إلى جهنم.
فقال له الفضيل: كنت أعلم تلامذتي فماذا جرى حتَّى سلبك الله المعرفة، وختم لك بسوء العاقبة؟
قال سبب ذلك ثلاثة أمور:
الأوَّل: إنِّي كنت نمامًا.
الثَّاني: إنِّي كنت حسودًا.
الثَّالث: إنِّي كنت أشرب الخمر، وذلك بسبب مرض كان في، وقد أوصاني الطَّبيب بشرب قدح من الخمر في كلِّ عام وقال: إن لم تشرب فلا شفاء لعلتك، هذه الأمور الثَّلاثة كانت السبب في سوء عاقبتي(17).
المحور الرَّابع: علاج الحسد.
العلاج الأوَّل: العلاج العلمي؛ وهو أساس لا غنى عنه في رحلة التحرر من هذا المرض القلبي الخطير؛ ويقوم هذا العلاج على الفهم العميق للحسد بكلِّ جوانبه: أنواعه وصفاته وأسبابه، وقد تطرقنا إلى ذلك سابقًا بتفصيل.
فمعرفة الإنسان لطبيعة الحسد، وكيف ينشأ ويتسلل إلى النَّفس، تمكِّنه من كشف مكامن الضعف التي تسمح لهذا الداء بالتمدد داخل القلب. كما أنَّ إدراك الفوارق الجوهريَّة بين الحسد والغبطة يفتح أمام النَّفس أبواب الرضا والسرور بنعم الله (تعالى) على الآخرين، ويبدد ظلام الحقد والمرارة.
وهذا الفهم العلمي المتين هو القاعدة التي يُبنى عليها علاج النفس، ويُصقل بها سلاح الوعي، ليصبح الإنسان قادرًا على محاربة جذور الحسد، وتثبيت نفسه على درب المحبَّة والقبول والرضا، ممَّا يجعل هذا العلاج حجر الأساس في أي مسعى نحو تصحيح النفس وتنقيتها من أمراض القلب، وإذا تحقق ذلك حاز الخير في الدُّنيا والآخرة؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: "تَعَجَّلَ إِلَى رَبِّهِ مُوسَى فَرَأَى عَبْدًا فَغَبَطَهُ بِمَنْزِلَتِهِ مِنَ الْعَرْشِ، فَقَالَ: "يَا رَبِّ، مَنْ عَبْدُكَ هَذَا؟
فَقَالَ: إِذًا سَنُخْبِرُكَ مِنْ عَمَلِهِ بِثَلَاثٍ: كَانَ لَا يَحْسِدُ نَاسًا عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَكَانَ لَا يَمْشِي بَيْنَ النَّاسِ بِالنَّمِيمَةِ، وَكَانَ لَا يُعَقُّ وَالِدَيْهِ، فَقَالَ مُوسَى: وَهَلْ يُعَقُّ الْعَبْدُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: يَسْتَسِبُّ لَهُمَا"(18).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "مَن تَرَكَ الحَسَدَ كانَت لَهُ المَحَبَّةُ عِندَ النّاسِ"(19).
وعنه (عليه السلام):
إِذَا مَا شِئْتَ أَنْ تَحْيَا --- حَيَاةً حُلْوَةَ الْمَحْيَا
فَلَا تَحْسُدْ وَلَا تَبْخَلْ --- وَلَا تَحْرِصْ عَلَى الدُّنْيَا(20).
ومن ضمن العلاجات العلميَّة التي تُعدُّ من أهم وسائل الشفاء؛ أن يعمِّق الإنسان إيمانه ويثبت يقينه التَّام بالله (تعالى)، وأن يوقن يقينًا لا شكَّ فيه أن لا إرادة فوق إرادة الله (سبحانه وتعالى). وهذا الإيمان الراسخ هو الدرع الحصين الذي يحمي القلب من شرور الحسد، إذ يُذكّر الإنسان بأنَّ كلَّ ما يصيبه أو يراه من نعم في الآخرين هو قدر الله (تعالى) المكتوب بحكمته ومشيئته، وأنَّ هذه النعم ليست منقوصة لمن ينالها، ولا تزول بغير إرادة الرحمن (سبحانه). وحين يتغلغل هذا اليقين في النفس، تتبدد بذور الحسد التي تنمو من الجهل والقلق والخوف من فقدان النعم، ويحل مكانها الاطمئنان والرضا، ويصبح الإنسان مطمئنًا إلى عدل الله (سبحانه) وحكمته، فلا يغتر بما لدى غيره، ولا يأسى على ما فاته، ويزداد تعلقًا بالخالق، وثقة بأنَّ ما عنده كافٍ. وهكذا يصبح الإيمان واليقين سببًا فعالًا في طرد الشكوك والحسد، ويقود النَّفس إلى مسيرة صفاء الروح، وراحة البال، وسلام القلب، فيصبح الحسد مرضًا من الماضي لا تأثير له على حاضر الإنسان ومستقبله؛ قال (تعالى): (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(21).
العلاج الثَّاني: العلاج العملي؛ وهو الجانب الظاهر الذي ينعكس على البدن والسلوك الخارجي للإنسان؛ ومن هذه الأعمال:
1ـ إظهار المحبَّة للمحسود بدافع علاج هذا المرض.
فهو سلاح قوي ومؤثِّر في مواجهة سموم الحسد ودوائه الحقيقي. وعندما ينبع هذا الحب من القلب، من دون رياء أو تصنع، فإنَّه يكسر جدار الكراهيَّة والحقد الذي يغلف النَّفس، ويبدد ظلال الغيرة والضغينة. والمحبَّة هنا هي فعل واضح يظهر في القول والفعل، وفي الدعم والاحترام، وفي الدعاء الصادق والخير المتبادل.
ومن وظائف هذه المحبَّة أنَّها تُعيد ترتيب المشاعر في القلب، فتزرع بذور التسامح والرضا، وتفتح باب الصفاء والطمأنينة، وبدلًا من أن يتحوَّل القلب إلى مرآة تعكس سلبيَّة الحسد، يصبح فضاءً رحبًا للسعادة المشتركة، حيث يجد الإنسان لذة فرح غير أناني بنجاح الآخرين ونعمهم، ممَّا يقوّي الروح ويطهر النفس.
2ـ العمل خلاف النَّفس إذا دعتك إلى الحسد.
من أهم خطوات العلاج العملي أيضًا أن يُجاهد الإنسان نفسه ويعمل خلاف ما تدعوه إليه مشاعره السلبيَّة من حسد وبغض؛ فعندما تهب النَّفس بما يميل إلى الحسد أو الضغينة تجاه الآخرين، يكون الواجب هو مقاومة هذه النزعات بكلِّ إرادة وعزم، وأن يختار الإنسان طريق الفضيلة والرَّحمة بدلًا من الانجراف خلف مشاعر السوء. والعمل خلاف النفس يعني الانتصار على الذات، والتزام قيم التسامح، حتَّى لو كان القلب يختلج بأحاسيس معاكسة؛ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ثلاثة لا ينجو منهن أحدٌ: الظَّنُّ، والطيَّرةُ، والحَسَدُ، وسأحدثكم بالمخرجِ من ذلكَ، إذا ظننت فلا تُحقَّق، ووإذا تَطَيَّرت فامضِ، وإذا حسدْتَ فلا تبغِ"(22).
3ـ احترام المحسود والدعاء له.
من أسمى وأعمق مظاهر العلاج العملي للحسد أن يغمرك القلب بالرَّحمة تجاه المحسود، فتشعر تجاهه بمودة صادقة واحترام عميق، وتجله في مقامه وكرامته. وحين تترحم على الآخر تمتد تلك الرَّحمة لتشمل تفهم حاله، والتخفيف من أحكام النَّفس القاسية التي قد تدفع إلى الحسد، فتُبدل ذلك الشعور بطيب الذكر والدعاء الصادق بأن ينعم الله (تعالى) عليه بالبركة والزيادة. وهذا الفعل الإنساني النبيل يحرر المحسود من سطوة الحسد، ويطهر نفس المحسود أيضًا ويُشعر القلب بسعة ورحمة لا تحد، ويُضيء درب المحبَّة بين النَّاس.
4ـ اعرض أعمال المحسود الصَّالحة على نفسك، وعلى الآخرين.
فتذكر دائمًا أن هذا الشخص ليس إلَّا عبدًا من عباد الله (تعالى)، قد أنعم الله (تعالى) عليه برحمته وفضله.
وهذه التذكرة تُبعد عن القلب غبار الحسد، وتزرع مكانه شعورًا بالاحترام والتقدير لفضل الله (تعالى)، وتُذكر الإنسان بأنَّ النعم هي قدر إلهي مشكور يُحسن فيه العبد الظنَّ بالخالق (تعالى). وبذلك يتحوَّل موقفك من المحسود من موقف منافسة وحسد إلى موقف تقدير ورحمة، ويُصبح قلبك أكثر سعة وقبولًا لما قسمه الله (سبحانه)، ممَّا يُسهّل عليك تجاوز مشاعر الغيرة وتحويلها إلى طاقة إيجابيَّة تنعكس على حياتك وسلوكك.
5ـ أن يدعو المبتلى بهذا المرض أن يزيلها منه.
لأن بذرة الحسد إن لم تعالج فإنَّها ستصبح مهلكة للإنسان؛ فالحسد كبذرة صغيرة، إذا لم تُنتزع في بداياتها، تنمو وتتكاثر حتَّى تصبح شجرة مهيمنة تظلل كلَّ جوانب النَّفس، وتؤدِّي إلى هلاك الإنسان نفسيًّا واجتماعيًّا. والدعاء هنا هو صرخة القلب، واستغاثة النفس إلى خالقها (سبحانه)، الذي بيده النفع والضر، والقدرة على شفاء كلِّ الأمراض مهما بلغت شدتها. وببركة الدعاء، وبإخلاص التوبة، وبإرادة التغيير، يُمكن للإنسان أن يستعيد صفاء قلبه، ويُزيح عن نفسه ظلال الحسد التي تعكر سكينته، ليصبح أكثر قربًا من الله (تعالى)، وأكثر سعادة وسلامًا في حياته.
إنَّ الحسد مرض عميق يستوجب منَّا الوعي الكامل والعلاج الجذري. والانتصار على هذا الداء يبدأ بمعرفة أسبابه وصفاته، ثمَّ يتبعها جهد مستمر في تنقية النفس وتطهير القلب من شوائبه. وبالاعتماد على العلم والعمل، يصبح الطريق إلى الشفاء واضحًا وممهدًا، لننتقل من ظلام الحسد إلى نور الغبطة والمحبَّة الصادقة.
شفاء من مرض خطير!
قال: علمت اليوم أني شوفيت من مرض الحسد تمامًا وتمكنت من السَّيطرة على هواي، وتلجيمه بعد فترة صعبة من المجاهدة، والتَّرويض المستمر(23).
فلنجعل من أنفسنا بيوتًا للأمل والرضا، ومن قلوبنا منارات للسلام، نعيش بها حياة تملؤها الطمأنينة والسَّعادة الحقيقيَّة، محصنين أنفسنا وأوطاننا من سموم الحسد ومآسيه.
نسأل الله (سبحانه وتعالى) أن يرزقنا صدق التوبة، وصفاء القلوب، وأن يجعلنا من الذين يغبطون ولا يحسدون.
.....................................
الهوامش:
1. القاموس المحيط:ج1، ص298.
2. ينظر جامع السعادات:ج٢، ص١٤٨.
3. الكافي (دار الحديث):ج٣، ص748.
4. الأخلاق والآداب الإسلاميَّة: ص207.
5. الكافي (دار الحديث): ج٣، ص749.
6. غرر الحكم ودرر الكلم: ص79.
7. المصدر نفسه: ص68.
8. ينظر بحار الأنوار: ج٧٠، ص٢٤٠.
9. لا للحسد: ص20.
10. سورة النساء/ الآية:32.
11. لا للحسد: ص11.
12. نزهة النواظر وتنبيه الخواطر: ج1، ص115.
13. غرر الحكم ودرر الحكم: ص127.
14. المصدر نفسه: ص130.
15. مصباح الشريعة: ص104.
16. غرر الحكم ودرر الكلم: ص115.
17. منازل الآخرة: ص24.
18. الجامع في الحديث: ص173.
19. بحار الأنوار: ج74، ص238.
20. ديوان الإمام علي (عليه السلام): ص27.
21. سورة الأنعام/ الآية: 17.
22. نزهة النواظر وتنبيه الخواطر: ج1، ص115.
23. قصص وخواطر: ص198.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
متى ينتهى وقت صلاة الضحى؟.. اعرف وقتها وفضلها وعدد ركعاتها
صلاة الضحى فضلها عظيم وحث عليها ورغي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. لذلك ينبغى على المسلم أن يحرص على أدائها ولا يتكاسل عنها. وقت صلاة الضحى قالت دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها الرسمية على فيس بوك ان وقت صلاة الضحى في مصر يبدأ مِن ارتفاع الشمس قدر رمح إلى رُمْحَيْن في عين الناظر إليها -ويُقدر بخمسٍ وعشرين دقيقة تقريبًا بعد شروق الشمس-. متى ينتهى وقت صلاة الضحى وبينت ان وقتها ينتهي قبل زوال الشمس -ويُقدر بأربع دقائق قبل دخول وقت صلاة الظهر-، مع مراعاة فروق التوقيت بحسب إحداثِيَّات المكان. حكم صلاة الضحى صلاة الضحى سنة مؤكدة عن سيدنا رسول الله ﷺ، وقد أوصى النبي بها، ورغَّب فيها. صلاة الأوابين و تسمَّى صلاة الضحى بصلاة الأوَّابِينَ، أي: التَّوابين كثيري الرجوعِ إلى الله تعالى. عدد ركعات صلاة الضحى للمسلم أن يؤدي صلاة الضحى ركعتين، أو أربعًا، أو ستًّا، أو ثمانٍ، ويجوز أن يصليها ركعتين ركعتين، ويجعل لكل ركعتين تشهدًا وسلامًا، ويجوز أن يصليها أربعًا أو ثمانٍ بتشهد واحد وسلام. فضل صلاة الضحى وقالت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى أيضا عن فضل صلاة الضحى: إن النبي صلى الله عليه وسلم جَعَلها مجزئةً عن جميع الصدقات المطلوبة على جميع سُلَامِيات بدن الإنسان -أي: عِظَامه- في كلِّ يومٍ شكرًا لله تعالى على نعمته وفضله. واستدلت بما جاء عن أبي ذَرٍّ الغِفَارِي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"؛ قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (5/ 234، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفيه دليلٌ على عظم فضلِ الضحى وكبير موقعها وأنها تصح ركعتين] اهـ. وبينت أنه قد ورد في فضل صلاة الضحى وثوابها أحاديث كثيرة؛ منها ما ورد عن مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَعَدَ فِي مُصَلَّاهُ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، حَتَّى يُسَبِّحَ رَكْعَتَيِ الضُّحَى، لَا يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا، غُفِرَ لَهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ» أخرجه الإمام أبو داود في "سننه". ومنها: ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، بَنَى اللهُ لَهُ قَصْرًا مِنْ ذَهَبٍ فِي الْجَنَّةِ» أخرجه الإمامان: الترمذي وابن ماجه في "السنن". ومنها: ما جاء عن عبد الله بن عمر ضي الله عنهما قال: لَقِيتُ أبا ذَرٍّ رضي الله عنه فقلت: يا عمِّ، أَقْبِسْنِي خيرًا، فقال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما سألتَني، فقال: «إِنْ صَلَّيْتَ الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ تُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَإِنْ صَلَّيْتَهَا أَرْبَعًا كُتِبْتَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، وَإِنْ صَلَّيْتَهَا سِتًّا كُتِبْتَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَإِنْ صَلَّيْتَهَا ثَمَانِيًا كُتِبْتَ مِنَ الْفَائِزِينَ، وَإِنْ صَلَّيْتَهَا عَشْرًا لَمْ يُكْتَبْ لَكَ ذَلِكَ الْيَوْمَ ذَنْبٌ، وَإِنْ صَلَّيْتَهَا ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللهُ لَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّة» أخرجه الإمامان: البيهقي في "السنن الكبرى" والبزار في "مسنده". وإظهارًا لأهمية صلاة الضحى وتأكيدًا على بيان فضلها جَعَلها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وصيةً بين أصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ، لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه". وعن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قال: «أَوْصَانِي حَبِيبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ، لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ: بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَبِأَنْ لَا أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".


النهار
منذ ساعة واحدة
- النهار
ارتفاع عدد ضحايا كارثة سقوط المدرج خلال احتفالات المولودية الجزائري (فيديو)
قالت وزارة الصحة الجزائرية اليوم الأحد إن عدد الوفيات جراء الحادث المأساوي الذي شهده ملعب خمسة يوليو أمس السبت بعد مباراة مولودية الجزائر ضد نجم مقرة في دوري الدرجة الأولى المحلي لكرة القدم ارتفع إلى ثلاث وفيات. وتوفي مشجع أمس على الفور إثر سقوط بعض المشجعين من المدرجات العلوية لملعب خمسة يوليو أثناء الاحتفال بتحقيق مولودية الجزائر للقب الدوري بعد نهاية المباراة. وقالت وزارة الصحة في بيان عبر حسابها على فيسبوك اليوم إن مشجعين آخرين توفيا في المستشفى. إنّا لله وإنا إليه راجعون.. لحظة سقوط جماهير نادي مولودية الجزائر اثناء احتفالهم بتتويج فريقهم بلقب الدوري الجزائري الحادث المأساوي أسفر عن وفاة شخص واحد وعدد من الجرحى حتى هذه اللحظة اسال الله العلي العظيم ان يرحم المتوفي ويشفي الجرحى 😓😓😓😓 — نواف الاسيوي 🇸🇦 (@football_li5) June 21, 2025 وأضاف البيان أن مستشفيات العاصمة استقبلت أكثر من 70 مصاباً وإن عدداً منهم خرج بعد تلقي العلاج. وتوجه لاعبو مولودية الجزائر ورئيس النادي رفيق حاج رجم إلى مستشفى بني مسوس في العاصمة للاطمئنان على المشجعين والتبرع بالدم.


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
مسئول حياة كريمة: وصلنا لـ 45 مليون مستفيد لتحسين حياة الأفراد
رحبت الدكتورة عهود وافي رئيس مجلس أمناء مؤسسة حياة كريمة ،اليوم الاحد، مؤتمر سكن كريم من أجل حياة كريمة، هذا اللقاء الذي يجمعنا حول غاية إنسانية سامية، توفير بيئة معيشية آمنة وكريمة للأسر الأكثر احتياجًا في مختلف أنحاء الجمهورية. واكدت وافي ، انه كانت مبادرة "حياة كريمة" التي أطلقها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي هي الخطوة الأولى في هذا الطريق، حين تدخلت لتوفّر للقرى الأكثر احتياجًا ما كانت تفتقده من خدمات أساسية، كالمياه والكهرباء والصرف الصحي وبناء المدارس والوحدات الصحية. وقالت: من رحم هذه المبادرة الوطنية، ولدت مؤسسة حياةكريمة لتكون الذراع المجتمعية النابضة، ومنذ لحظتها الأولى، حملت المؤسسة رسالة واضحة: الوصول إلى من لم يصل إليهم أحد، ودعمهم بطريقة تحفظ لهم كرامتهم وتمنحهم فرصًا جديدة للحياة. لم ننظر إلى العمل الخيرى كإعانة وقتية، بل آمنّا أنّه مسؤولية ممتدة، تُبنى على التخطيط، والمتابعة، وتترك أثر حقيقي وملموس. ومع مرور الوقت، واتساع رقعة العمل، تمكّنا، بفضل الله ثم بجهود فريق المؤسسة وشركائنا من مختلف القطاعات، أن نصل إلى نحو 45 مليون مستفيد من تدخلات المؤسسة المتنوعة. هذا الرقم لا يعبّر فقط عن حجم ما تم إنجازه، بل يُجسّد أثرًا حقيقيًا في حياة ملايين الأسر، وحجم الثقة التي منحنا إياها المواطن المصري، والتي نحرص في كل يوم على أن نكون أهلاً لها. وقد تبيّن لنا أنّ السكن الكريم ليس مجرد بناء من الطوب والحجر، بل هو حقّ أساسي، لا تستقيم حياة الإنسان دونه. ولهذا، كان القطاع الهندسي جزءًا أساسيًّا من تدخلات المؤسسة في مختلف المحافظات. فقد عملنا خلال السنوات الماضية على إعادة تأهيل وتجديد المنازل، وتحسين بنيتها التحتية، وتوصيل المرافق الأساسية لها. وتدخلنا سريعًا في حالات الطوارئ، لمساندة الأسر التي تضررت بيوتها بسبب السيول أو الظروف الجوية القاسية. كما أولينا اهتمامًا خاصًّا بتحسين جودة الخدمات الصحية والتعليمية في محيط هذه المناطق، لأننا نؤمن أن البيت وحده لا يكفي، بل يجب أن تحيطه بيئة تحفظ للإنسان كرامته وحقوقه الأساسية. واليوم، بإطلاق مشروع تأهيل وتجديد ثمانين ألف منزل، نبدأ فصلًا جديدًا من العمل الجاد، نُضيف فيه أثرًا جديدًا وملموسًا يستمر في حياة الناس لسنوات قادمة، ونُدخل فيه الطمأنينة إلى آلاف البيوت الجديدة. وتؤمن مؤسسة حياة كريمة بأن تنمية المجتمع وتحسين معيشة الفرد تعتمد في الأساس على التكامل بين كافة محاور مثلث التنمية ؛ والمثملة في الجهات الحكومية، القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني. وحقيقةً ما كان لهذا العمل أن يتم لولا دعم شركائنا الذين آمنوا برسالة المؤسسة، وكانوا جزءًا من خطواتها في كل مشروع، وأخصّ بالشكر هنا جميع الجهات الداعمة من القطاع المختلفة ، التي وضعت خبرتها في خدمة هدف إنساني نبيل، واختارت أن تكون حاضرة في كل مشروع يحمل الأثر الحقيقي في حياة الناس. واشارت الى اننا في مؤسسة حياة كريمة، لا ننظر إلى كلّ مشروع ننفذه على أنه مجرد عمل هندسي أو بناءٍ مادي، بل نراه قبل كل شيء قصة إنسانية جديدة تُكتب داخل بيت كان بالأمس يفتقد الأمان، نراه التزامًا طويل الأمد تجاه الإنسان، وتجاه أسرٍ كانت تنتظر من يمدّ لها يدًا، لا بالعون فقط، بل بالاحترام والاهتمام. ودعت الجميع أن يكونوا شركاء نجاح معنا في هذا الطريق، شركاء في الفكرة، وفي التنفيذ، وفي الأثر. وشكرت الحضور على ثقتكم، وشكرًا لرغبتكم الصادقة في أن نكون معًا، يداً واحدة في تحقيق حياة كريمة لكل من يستحقها.