
الاحتفال بكذبة أبريل تأصيل للكذب أبيضه وأسوَده.
الاحتفال بكذبة أبريل تأصيل للكذب أبيضه وأسوَده.
من بين مميزات منظري الثقافة الغربية عملهم الدؤوب على ابتداع ألفاظ ومصطلحات جديدة تخدم تصورهم للعالم، وما ينبغي أن يكون عليه في الواقع، ليتم إفشاؤها في مجتمعاتهم بهدف تقويض ما تبقى من عناصر الفطرة السليمة لديهم من جهة، ثم تصديرها من جهة ثانية إلى البلدان والشعوب ذات المرجعيات التي لا تنسجم مع مرجعيتهم على المستويين العقدي والثقافي، على اعتبار أن تمسك هذه الشعوب بِلُغتها عموما وبمصطلحاتها المستمدة من عقيدتها وثقافتها الأصيلة، هو الذي يضمن لها استدامة التعامل مع الذات ومع الآخر انطلاقا مما تمليه عليها قيمها وثوابتها التي تعتبر محركا أساسيا لتقوية مناعتها ضد أطماع الغرب في مختلف تجلياته، لذلك يتعين الحذر من الاستعمال المجاني، والغبي لتلك المصطلحات التي يتم تسويقها إلينا في صيغ منمقة، مع العلم أن تمحيص مضمونها يُفصح عن استهداف تلك القيم والثوابت، واستبدالها بما يُسهِّل عملية الاستلاب والتبعية العمياء. وأشير بهذا الصدد إلى أنني كنت قد أوردت في أحد مقالاتي السابقة مجموعة من المصطلحات التي تم استحداثها لهذا الغرض من قبيل المثلية، والرضائية، والحرية الفردية، والأم العازب…واليوم أريد الوقوف عند « مصطلح » « كذبة أبريل » التي يُحتفل بها في الفاتح من شهر أبريل من كل سنة.
لا أريد التطرق في هذا المقال إلى تاريخ هذا « المصطلح »، ولا إلى كيفية نشأته لسببين أساسين: الأول يتعلق بكثرة ما قيل بصدده دون التحقق بما إذا كان ذلك صحيحا أم كذبا، خاصة وأن سياق الاحتفال سياق كذب، والثاني هو أنني لا أجد لحدث نشأته في حد ذاته أهمية يمكن الاستفادة منها، لذا رغبت في محاولة الوقوف على مدى تأثير هذا « المصطلح » في تصرفات المجتمعات التي تبنَّته أفرادا وجماعات.
قد يقول قائل بأن الأمر لا يعدو أن يكون عبارة عن « كذب أبيض » يهدف إلى المزاح والترويح عن النفس لا أقل ولا أكثر، لولا أن إسناد صفة البياض للكذب تحيل على وجود أنواع متعددة من الكذب قد تتعدى ألوانها ألوان قوس قزح، وقد يكون الأمر كذلك، وهو ما يستدعي تحديد حدود كل منها، وما هي نقط التقاطع بينها، والخطير في الأمر هو أن الاحتفال بهذا اليوم يندرج ضمن التأصيل للكذب الذي أصبح عملة رائجة في مختلف ممارسات عدد كبير من المجتمعات المتحضرة منها والمتخلفة على السواء، مع فارق في نوع وطبيعة المرهم أو « المكياج » المستعمل لتمرير هذه الكذبة أو تلك، كل حسب طاقته وشطارته، فهذا يصبغ كذبته بمرهم الحداثة والمساواة كما حصل بالنسبة لتوريط نساء أمريكا في التدخين في الأماكن العمومية، وذاك بمرهم البحث العلمي كما كان الشأن بالنسبة لعدد كبير من الأدوية التي اتضحت عدم فعاليتها بل وضررها لمستهلكيها… وآخر يدرجها ضمن شطارته في استغفال الناس، واستدراجهم لاقتناء بضاعته المغشوشة، التي يُظهر الجيد منها ويُخفي رديئها، كما هو معاين في جل أسواقنا. وهذا يمكن أن ينسحب على جل المجالات الحيوية في حياة الأمم عامة وأمتنا المغربية على وجه الخصوص، من أهمها المجالين الثقافي والسياسي، ففيما يتعلق بالمجال الأول يَعمدُ البعض إلى اختلاق أحداث تاريخية لا مصداقية لها كالسنة الأمازيغية، وتظاهرات ثقافية شاذة منافية لكل فطرة سليمة كمهرجان بيلماون، واعتبارها من صميم الثقافة المغربية. أما بخصوص المجال السياسي فالكذب يخالط جميع مستوياته، بدءا بالوعود الانتخابية على المستوى المحلي، مرورا بالمستوى الوطني، وانتهاء بالمستوى العالمي، فكلنا عايش وعود المنتخبين المحليين ثم وعود البرلمانيين، ثم وعود الحكومة بل وعود الحكومات المتعاقبة التي كانت عبارة عن سراب بقيعة، والآن اتضح لنا بالملموس كذب المنتظم الدولي مُمَثَّلا في الأمم المتحدة التي رفعت شعار حقوق الإنسان والمساواة التي لا زال سيفها مسلط على رقابنا، دون أن تغفل سيف حقوق الحيوان، وهذا في الوقت الذي يتفرج فيه الكل -عربا وعجما و »مسلمين »- على ما يقع من إبادة جماعية للإنسان الفلسطيني، دون أدنى إجراءات عملية تتماهى مع حد أدنى من هذه الشعارات، ومن ثَمَّ فلن تجد لهذه التنديدات الصادرة عن قادة أغلب دول العالم إن على المستوى الفردي، أو على مستوى تلك المؤتمرات الصورية المسماة زورا مؤتمرات القمة وصفا يليق بها غير وصف الكذب والنفاق.
مما لا شك فيه أن الاحتفال « بكذبة أبريل » يحيلنا على طبيعة الثقافة المتبناة من قبل الغرب الذي استحدث هذا المصطلح، وهي ثقافة الكذب والنفاق التي طبعت تاريخه عبر مر العصور، ولا أدل على ذلك إطلاقه اسم « الحماية » بهتانا وزورا على استعماره لعدد من دول العالم كما كان الشأن بالنسبة للاستعمار الفرنسي للمغرب. ولقد زادت هذه الثقافة حدة ووضوحا في عصرنا الحالي من خلال مواقفه إزاء التطهير العرقي الذي تشهده غزة وفلسطين عموما، مما يستلزم أخذ كل الاحتياطات اللازمة في التعامل مع كل ما يصدر عن ساسته من تصريحات ومواقف ما لم تطبق على أرض الواقع.
فعندما نؤصل للكذب ونخصص له يوما للاحتفاء تحت غطاء الكذب الأبيض، فإن أول سؤال يتبادر إلى الذهن هو: هل لهذا النوع من الكذب مميزات وخصائص؟ وإذا كان الأمر كذلك فإنه يتعين تضمينها في دليل وتمكينه لمختلف شرائح المجتمعات المنخرطة في الاحتفال بهذا اليوم، تفاديا للكذب الذي لا يمكن إلا أن يُنعت بالأسوَد بسبب الآثار الوخيمة التي يمكن أن يتعرض لها المستهدف منه، ولعل من أبرز الأمثلة في هذا الباب ما يحصل في بعض مقالب الكاميرا الخفية، خاصة تلك التي يتم اعتمادها في بعض البلدان المتخلفة والتي تخلو من آثار سيئة على المستهدفين منها خاصة الأفراد ذوي الهشاشة النفسية.
مع كل هذا يُصر عدد من المحسوبين على الطبقة المثقفة في بلادنا الاحتفال بهذا اليوم، على اعتبار أنه يندرج ضمن ثقافة الترويح عن النفس لا غير؟ ومن ثم فلا حاجة للتزمت والانغلاق على الذات.
يقال لهؤلاء إن الكذب خط أحمر في دين الإسلام حتى وإن كان من أجل الضحك، ولقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنن الترمذي قوله: « ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له ثم ويل له » وورد عن عائشة أم المؤمنين قولها: » ما كان شيء أبغض إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الكذب، وكان إذا جرب من رجل كذبة لم تخرج له من نفسه حتى يحدث توبة » والأكثر من ذلك هو أن الكذب من خصال النفاق مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح مسلم: » آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان . » في المقابل يحث الرسول صلى الله عليه وسلم على الصدق، كما جاء في حديث ابن مسعود حيث يقول ﷺ: » عليكم بالصدق؛ فإنَّ الصدق يهدي إلى البر، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجلُ يصدق ويتحرى الصدقَ حتى يُكتب عند الله صدِّيقًا، وإياكم والكذبَ؛ فإنه يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذَّابًا. »
ختاما أقول بأن المؤمن ليس معصوما من الخطأ عموما، ولا من الكذب خصوصا، غير أن ما يميزه عن غيره هو الاعتراف بخطئه مهما كلفه ذلك بمجرد إحساسه به، مصداقا لقوله تعالى في الآية 201 من سورة الأعراف: « إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ». على العكس من ذلك نجد في الطرف الآخر من يعتبر أن الكذب والنفاق شطارة ومهارة، تُمكنه من السطو على عقول وممتلكات الغير خاصة ذوي العقول الساذجة الذين أدرجهم مالك بن نبي في كتابه « شروط النهضة » في خانة « القابلية للاستعمار ». ومما لا شك فيه أن هذه القابلية لا تتأتى إلا بوجود حد أدنى من الاستلاب الثقافي، مما يتعين معه رفع مستوى اليقظة إلى المستوى الذي يجنبنا كل أنواع الاستلاب، من بينها مقاطعة كل تلك المصطلحات الدخيلة، والتمسك بالمصطلحات الأصيلة المستمدة من الدين الإسلامي واللغة العربية إذ أردنا أن نكون في مستوى أمة ينص دستورها على أن الإسلام دينها واللغة العربية لغتها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سواليف احمد الزعبي
منذ 10 دقائق
- سواليف احمد الزعبي
مصدر حكومي .. القصاص من قتلة الشهيد الكساسبة أصبح قريبا
#سواليف أكد #مصدر_حكومي أردني أن الأردن يتابع عن كثب الأنباء المتعلقة بتوجيه #الادعاء_العام_السويدي اتهامات لمشتبه به متورط في أسر #الطيار_الأردني #معاذ_الكساسبة وحرقه في سوريا مطلع عام 2015. وأوضح المصدر لقناة 'المملكة' أن الأردن يولي أهمية كبيرة لمحاكمة المشتبه به، نظراً لخصوصية القضية وارتباطها بالطيار المغدور الكساسبة. من جهتها، ذكرت وكالة 'فرانس برس' يوم أمس الخميس أن الادعاء السويدي ينوي توجيه #الاتهام إلى إرهابي سويدي مدان، للاشتباه في تورطه بأسر الكساسبة أواخر ديسمبر 2014، وحرقه داخل قفص مطلع العام التالي. وأوضحت النيابة العامة السويدية في بيان رسمي أنها ستوجه اتهامات رسمية للمواطن السويدي البالغ من العمر 32 عاماً في 27 مايو الجاري، بتهم 'جرائم حرب وجرائم إرهابية خطيرة ارتكبت في سوريا'. ومن المقرر أن تبدأ المحاكمة في الرابع من يونيو المقبل في العاصمة السويدية ستوكهولم. يذكر أن الطيار الأردني معاذ الكساسبة وقع في الأسر بعد إسقاط طائرته من قبل تنظيم 'داعش' الإرهابي في سوريا يوم 24 ديسمبر 2014 قرب مدينة الرقة. وبعد أسابيع من احتجازه، بث التنظيم في مطلع يناير 2015 مقطعاً مصوراً يظهر جريمة حرق الكساسبة حيا داخل قفص، مما أثار صدمة واسعة في الأردن والعالم.


سواليف احمد الزعبي
منذ 10 دقائق
- سواليف احمد الزعبي
أسعار الذهب والليرات الرشادي والإنجليزي في الأسواق المحلية
#سواليف سجل سعر #بيع #غرام_الذهب من عيار 21، وهو الأكثر طلبًا في السوق الأردنية، الجمعة، 66.9 دينارًا، في حين بلغ سعر الشراء 65.4 دينارًا. أما سعر غرام الذهب من عيار 24، وهو الأعلى سعرًا والأقل طلبًا محليًا، فقد وصل إلى 76.9 دينارًا للبيع، مقابل 74.5 دينارًا للشراء. في حين بلغ سعر البيع لعيار 18 نحو 59.1 دينارًا، وسعر الشراء 55.1 دينارًا. وسجل سعر الغرام من عيار 14 نحو 45.2 دينارًا للبيع، و40.6 دينارًا للشراء. وفيما يتعلق بأسعار #الليرات_الذهبية، بلغ سعر #الليرة_الرشادي، نحو 482.3 دينارًا للبيع، و461.3 دينارًا للشراء. أما #الليرة_الإنجليزية، فسجلت ما يقارب 543.2 دينارًا للبيع، و527.2 دينارًا للشراء.

مصرس
منذ 10 دقائق
- مصرس
محافظ الجيزة: الانتهاء من إعداد مخططات 11 مدينة و160 قرية
النجار: الإنتهاء من اعتماد المخطط التفصيلي لعدد 9 مدن بإجمالي 159 قرية بمراكز المحافظة أعلن المهندس عادل النجار محافظ الجيزة، الانتهاء من إعداد المخططات الاستراتيجية العامة لجميع مدن وقرى المحافظة والتي تشمل 11 مدينة و160 قرية وذلك في إطار جهود المحافظة لتحقيق التنمية العمرانية الشاملة وتنظيم النمو السكاني والعمراني.وأضاف محافظ الجيزة أنه تم الانتهاء من اعتماد المخطط التفصيلي لعدد 9 مدن وهي "كرداسة، العياط، منشأة القناطر، أوسيم، الحوامدية، البدرشين، أطفيح، الصف، وأبو النمرس" بالإضافة إلى 159 قرية بالتنسيق مع الجهات المعنية.كما أنه جارٍ تحديث الأحوزة العمرانية والمخططات الاستراتيجية العامة ل83 قرية وهي قري مراكز "العياط ، البدرشين ، الحوامدية ، منشأة القناطر"، كما تقوم الهيئة العامة للتخطيط العمراني بتحديث باقي قرى مراكز المحافظة "أبو النمرس ، الصف ، أطفيح ، كرداسة ، أوسيم ، الواحات البحرية" " ب76 قرية.وأوضح المحافظ أنه جارٍ الانتهاء من إعداد المخطط التفصيلي لمدينة الجيزة ومدينة الباويطي بالواحات البحرية، إلى جانب قرية العقباوي التابعة لمركز منشأة القناطر، وذلك لضمان توافق تلك المخططات مع متطلبات التنمية وخدمة المواطنين.أكد محافظ الجيزة أن اعتماد المخططات الاستراتيجية التفصيلية والأحوزة العمرانية يأتي في إطار جهود الدولة في تنظيم أعمال البناء والقضاء على العشوائيات والبناء المخالف والمساهمة في إحداث التنمية العمرانية والسكانية وضمان الالتزام بالاشتراطات البنائية والتخطيطية وأحكام القانون 119 لسنة 2008.وأشار محافظ الجيزة، إلى أنه تم مراعاة ضوابط التنمية الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية للمواطنين ومراعاة التخطيط والتنمية العمرانية مستقبلًا بما يتناسب مع المرحلة المقبلة ومع خطة التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030 التي تحظى برعاية واهتمام بالغ من القيادة السياسية لما لها من أهمية في توفير حياة أفضل للمواطنين.وأكد المحافظ، ضرورة تنفيذ المخططات وفقًا للمعايير والأسس المعتمدة، مشددًا على الإدارة العامة للتخطيط والتنمية العمرانية بالمحافظة وجميع الجهات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ هذه المخططات التفصيلية كل فيما يخصه.