
«الإفتاء» توضح حكم كتابة بعض الآيات القرآنية والأذكار على كفن المتوفى
ورد سؤالٌ لدار الإفتاء المصرية، جاء مضمونه: "ما حكم كتابة بعض الآيات والأذكار على الكفن؟ فقد توفي رجلٌ، وبعد تكفينه اقترح بعضُ الحاضرين أن يُكتب شيءٌ من آيات القرآن الكريم والذكر على الكفن بغرض أن يكون ذلك نافعًا وشفيعًا له في القبر، ومع أننا لم نفعل ذلك، لكننا نسأل: هل هذا جائزٌ شرعًا؟".
وجاء رد دار الإفتاء المصرية على النحو التالي:
"كتابةُ بعض آيات القرآن الكريم أو غيرها مما يشتمل على صيغ الذكر وأسماء الله تعالى على الكفن حرامٌ شرعًا، ولا يجوز الإقدام عليها؛ لما فيه من تعريض الآيات والذكر للامتهان والتنجيس بمُلاقاة الصديد الخارج من بدن الميت والدم ونحو ذلك".
حث الشرع على تكفين الميت في الثياب الحسنة
الكَفَن: هو لِباس الميت، والتَّكفِينُ: لَفُّ الميت بالكفن، وقد شُرع لستر الميت، واتفق الفقهاء على أنَّ تكفين الإنسان وستره عند موته فرضُ كفاية، إذا قام به البعض سقط الحرج عن الباقين، وأنَّه حقٌّ واجبٌ على الأحياء؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بذلك، ولأن حُرمة الإنسان ميتًا كحرمته حيًّا، والسُّترة واجبة في الحياة، فكذلك بعد الموت.
قال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (2/ 388، ط. مكتبة القاهرة): [ويجب كفن الميت؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر به، ولأنَّ سترته واجبة في الحياة، فكذلك بعد الموت] اهـ.
وقال الحافظ العِرَاقِي في "طرح التثريب" (3/ 271، ط. دار الفكر): [تكفين الميت: وقد أجمع المسلمون على وجوبه، وهو فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الحرج عن الباقين] اهـ.
وقد حثَّ الشرع الشريف على استحباب تكفين الميت بالثياب الحسنة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ» أخرجه الإمام مسلم.
ومن جُملة ذلك أن يكون الكفن أبيض، سواءٌ كان جديدًا أو مغسولًا، لكن الجديد أفضل؛ لما تقدم من أمرِ الشَّارِعِ بتحسِينِ الكفن. يُنظر: "مراقي الفلاح" للإمام الشُّرُنْبُلَالِي الحنفي (ص: 216، ط. المكتبة العصرية)، و"شرح مختصر خليل" للإمام الخَرَشِي المالكي (2/ 125، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي (2/ 16، ط. دار الكتب العلمية)، و"كشاف القناع" للإمام أبي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (2/ 124، ط. دار الكتب العلمية).
حكم كتابة القرآن والذكر على الكفن
كتابة القرآن والذكر على الكفن مما لا يتفق مع ما أمرنا الله سبحانه وتعالى به من تعظيم شعائره واحترامها وحُسن التعامل معها، حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]، فالقرآن الكريم والذكر من شعائر الله التي جعل تعظيمها علامة على تقوى العبد، وقد بيَّن سبحانه مكانة القرآن العُظمى، فقال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: 4].
قال الإمام ابن كَثِير في "تفسير القرآن العظيم" (7/ 218، ط. دار طيبة): [بيَّنَ شرَفَهُ في الملأ الأعلى، ليُشَرِّفَه ويُعظِّمَهُ ويطيعَهُ أهل الأرض] اهـ.
ومن جملة أوجه تعظيم القرآن الكريم التي أجمعت الأمة عليها: وجوب صيانته رَسْمًا وقِرطَاسًا، واحترام ما حَوَاهُ المصحف الشريف من الَخطِّ والنَّظمِ المُعَبِّر عما فيه من كلام الله جَلَّ وعَلَا، ومِثلُ ذلك كل اسمٍ معظَّمٍ من أسمائه تعالى وأسماء أنبيائه، فكل ذلك مقدَّسٌ يجب تنزيهه عن كل ما لا يليق بمكانته، ويَحرُم الإقدام على ما فيه امتهانٌ له أو ما ينافي تكريمه.
قال الإمام النَّوَوِي في "التبيان في آداب حملة القرآن" (ص: 190، ط. دار ابن حزم): [أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه] اهـ.
وقال الشيخ ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (5/ 307، ط. دار الكتب العلمية): [ويجب احترام القرآن حيث كُتِبَ، وتحرم كِتابَتُهُ حيث يُهان] اهـ.
ولا شك أن كتابة آيات القرآن والأسماء المعظَّمة على الكفن، فيه غاية الامتهان، وذلك لملاقاتها للنجاسة الخارجة من الميت كالصديد والدم ونحو ذلك، ومعلومٌ أنه لا إهانة كالإهانة بالتَّنجِيس؛ لأن النجاسة ناتجة عمَّا هو مُستقذر من الصديد والدماء والأعيان النجسة، التي يأنَفُ الإنسان منها ويحترز عنها، ولأن النجاسة غاية الامتهان، إذ جعلها اللهُ عذابًا للكافرين، قال الله تعالى: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾ [إبراهيم: 16-17]، وقال عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾ [الجاثية: 11].
قال الإمام فخر الدين الرَّازِي في "مفاتيح الغيب" (27/ 673، ط. دار إحياء التراث العربي): [المراد من الرِّجز: الرِّجس الذي هو النجاسة، ومعنى النجاسة فيه: قوله: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾، وكان المعنى: لهم عذاب من تَجَرُّعِ رِجسٍ أو شُربِ رِجسٍ] اهـ.
ولَمَّا كانت الإهانة بتنجيس الأسماء المعظمة يجتمع فيها رفع القداسة عنها، مع مُلاقاة القذارة عَظُمَت وكانت غاية الامتهان.
قال الإمام الحافظ تقي الدين بن الصَّلَاح في "فتاويه" (ص: 262، ط. عالم الكتب): [مسألة في الكفن: هل يجوز أن يُكتب عليه سُوَرٌ من القرآن -يس، والكهف- وأيُّ سورةٍ أراد؟ أو لا يَحِلُّ هذا، خوفًا من صديد الميت وسَيَلَان ما فيه على الآيات وأسماء الله تعالى المباركة المحترمة الشريفة..؟ أجاب رضي الله عنه: لا يجوز ذلك] اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن حَجَرٍ الهَيْتَمِي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/ 6، ط. المكتبة الإسلامية): [وأقرَّ ابنَ الصلاحِ على ذلك الأئمةُ بعده، وهو ظاهر المعنى جدًّا، فإن القرآن وكل اسم معظَّم كاسم الله أو اسم نبي له يجب احترامه وتوقيره وتعظيمه، ولا شك أن كتابته وجعله في كفن الميت فيه غاية الإهانة له إذ لا إهانة كالإهانة بالتنجيس ونحن نعلم بالضرورة أن ما في كفن الميت لا بد وأن يصيبه بعض دمه أو صديده أو غيرهما من الأعيان النجسة التي بجوفه فكان تحريم وضع ما كتب فيه اسم معظم في كفن الميت مما لا ينبغي التوقف فيه] اهـ.
أقوال الفقهاء في حكم كتابة آيات القرآن الكريم والأسماء المعظَّمة على الكفن
قد نصَّ جمهورُ الفقهاء على عدم جواز كتابة شيء من آيات القرآن الكريم وغيره مما يشتمل على لفظ الجلالة والأسماء المعظَّمة على الكفن؛ لأن ذلك يُعَرِّضه إلى الامتهان قطعًا، من جهة ملاقاته للنجاسة كالصديد الناتج عن تحلُّل بدن الميت -كما قررنا سابقًا- ومن جهة أخرى أنه مُعرَّضٌ لملامسة الأرض مباشرةً بلا حائل، ولا يخفى ما في هذا من عدم احترام للنَّصِّ الشريف.
قال الإمام كمال الدين بن الهُمَام الحنفي في "فتح القدير" (1/ 169، ط. دار الفكر): [تُكره كتابةُ القرآنِ وأسماءِ الله تعالى على الدراهم والمحاريب والجدران وما يُفرَش] اهـ. فأفاد أن ما يُكتَب على كفن الميت من نحو بعض آيات القرآن الكريم والذكر وما هو معظَّم في الشرع الشريف ممنوعٌ مِن باب أَوْلَى ولا يجوز؛ لأنه يكون عُرضَةً للنجاسة من صديد الميت ونحوه، كما في "رد المحتار" للإمام ابن عَابِدِين (2/ 246-247، ط. دار الفكر)، مستشهدًا بما نص عليه الإمام الحافظ تقي الدين بن الصَّلَاح في "فتاويه" (ص: 262).
ومن المقرر في مذهب السادة الحنفية أنهم إذا أطلقوا الكراهة ولم يقيِّدوها بـ"التنزيهية" فالمراد منها كراهة التحريم، كما في "رد المحتار" للإمام ابن عَابِدِين (1/ 224)، و"البحر الرائق" للإمام زين الدين بن نُجَيْم (1/ 137، ط. دار الكتاب الإسلامي)، ومِن ثَمَّ فيَحرُم عندهم كتابة شيءٍ من القرآن أو الذكر على كفن الميت.
وقال الإمام أبو البركات الدَّرْدِير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 425، ط. دار الفكر): [وظاهره أن النقش مكروه ولو قرآنًا، وينبغي الحرمة؛ لأنه يؤدي إلى امتهانه، كذا ذكروا، ومثله نقش القرآن وأسماء الله في الجدران] اهـ.
قال الإمام الدُّسُوقِي مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: وينبغي الحرمة.. إلخ) أي: وأما كتابة ورقة ذكرًا ودعاءً وتعليقها في عنق الميت فحرام، ويجب إخراجها إن لم يطل الأمر، وأما المصحف فيجب إخراجه مطلقًا] اهـ.
وقال الإمام البُجَيْرِمِي الشافعي في "تحفة الحبيب" (2/ 275، ط. دار الفكر): [يَحرُم كتابة شيء من القرآن على الكفن، صيانة له عن صديد الموتى، ومثله كل اسم معظم] اهـ.
وقال الإمام الرُّحَيْبَانِي الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (1/ 874، ط. المكتب الإسلامي): [وقواعدنا معشر الحنابلة تقتضيه، أي: تحريم الكتابة على الكفن لما يترتب عليه من التنجيس المؤدي لامتهان القرآن] اهـ.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال، فإن ما يُكتب من بعض آيات القرآن الكريم وذكر الله عَزَّ وَجَلَّ يجب أن يُعامل معاملةً فيها من التعظيم والاحترام ما يليق بقُدسيَّته ومكانته في الشرع الشريف، ومن ذلك: ألَّا يوضَع على الأرض أو أيِّ مكان يكون فيه عُرضةً للامتهان أو التنجيس من نحو مُلاقاة الصديد الخارج من بدن الميت أو غير ذلك، ومِن ثَمَّ فإن كتابةَ بعض آيات القرآن الكريم أو غيرها مما يشتمل على صيغ الذكر وأسماء الله تعالى على الكفن حرامٌ شرعًا، ولا يجوز الإقدام عليها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مصراوي
منذ 39 دقائق
- مصراوي
ما حكم بيع واستعمال سجاد الصلاة المكتوب عليه لفظ الجلالة؟.. الإفتاء توضح
ما حكم بيع سجاد الصلاة المكتوب عليه أسماء تشتمل أحيانًا على لفظ الجلالة؟.. سؤال تلقته دار الإفتاء المصرية، أجابت عنه لجنة الفتوى الرئيسة بالدار، موضحة الرأي الشرعي في تلك المسألة. في بيان فتواها، أكدت لجنة الفتوى أن تعظيم ما عَظَّمَه اللهُ تعالى وشَرَّفَه مِن الكلمات القرآنيَّة والأسماء الربانيَّة وما يتبع ذلك في الشرف والقدسيَّة الدِّينيَّة أمرٌ محتَّمُ الوجوب في الشريعة الإسلاميَّة. وأضافت اللجنة: واشتمالُ ما يُفرش على الأرض -كالسجاد وغيره- على شيءٍ مِمّا عظَّمه الله وشرفه متنافٍ مع هذا التعظيم الواجب، والتوقير اللازم. وأكدت لجنة الفتوى أنه من هذا المنطلق فإن بيع التاجر للسَّجاد المشتمل على كلماتٍ جليلةٍ مُعظَّمة في الشرع الشريف من نحو أسماء الله تعالى وآيات القرآن الكريم، لمَن يعلم أنه يستعمله بالبسط على الأرض ووطئه بالقدم في الصلاة أو غيرها -محرَّمٌ شرعًا باعتباره مُعِينًا له حينئذٍ على ارتكاب ما نهى عنه الشرعُ وحَرَّمه.


بوابة ماسبيرو
منذ 4 ساعات
- بوابة ماسبيرو
سيد قطب.. صاحب نظرية «كلّ المسلمين كُفّار» ما عدا أعضاء «جماعة البنّا»
شخصيات لها تاريخ «64» انتهت حياة "سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلى"، فى غرفة الإعدام فى أحد السجون بالقاهرة صباح يوم 29 أغسطس 1966، وبعدها بدقائق، منحه أعضاء "جماعة البنا" لقب "الشهيد"، مثلما منحوا مرشدهم المقتول فى فبراير 1949 لقب "الإمام الشهيد" والمشترك بين "الشهيد " و"الإمام الشهيد" هــو "الكذب"، فالمفكر ـ الشهيد ـ قال فى كذبة مشهورة فسّر بها دخوله "جماعة الإخوان" إنه فى فترة ابتعاثه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كان مريضاً بمرض أرقده على سرير مستشفى أمريكى، ورأى فى يوم 13فبراير 1949، ألوان الزينة ومظاهر البهجة على وجوه العاملين بالمستشفى، فسأل ـ الممرض الأمريكى ـ عن اسم العيد الذى يُحتفل به، فقال له الممرض وهو مبتسم، ما معناه أن هذا الفرح والابتهاج بسبب مقتل أكبر عدوً لأمريكا فى الشرق، اسمه "حسن البنا" وبعدها غرق ـ قطب ـ فى تفكير عميق وقال لنفسه إن الرجل الذى يعاديه الأمريكيون وغيرهم هذا العداء، من المؤكد أنه على حق.. وتحولت "الكذبة" إلى درس من دروس المنهج الإخوانى، وصدقه السّذج من أعضاء الجماعة.. هنا نحاول قراءة سيرة "سيد قطب" فيلسوف التكفير فى تاريخنا المعاصر.. فى كل مرة أكتب فيها عن "سيد قطب" ـ فيلسوف التكفير والناقد والشاعر والروائى متوسط القيمة والإرهابى الذى تزعم تنظيماً خطط لتدمير القناطر الخيرية ومحطات الكهرباء والكبارى فى العام 1965، أتذكر ـ على الفورـ بلدياته المجرم المشهور "محمد عبد العال" زوج "سكينة " وعضو تنظيم "ريا وسكينة" الذى تخصص فى قتل السيدات فى العامين 1920 و 1921 والمجرم الأمى الفقير "محمد عبد العال " والمجرم المتعلم المفكر الإسلامى الماسونى "الملحد" "سيد قطب" من نفس القرية "موشاـ أسيوط" وفى حياتيهما ارتباك وريبة وكذب وشك وجرائم قتل، رغم أن "عبد العال" ينتمى لفقراء "موشا" و"قطب" ينتمى للنخبة القادرة على متابعة الأحداث السياسية وإرسال أولادها للمــدارس، وقراءة الصحف وشراء "اللحم" كــل أسبوع، الفــارق الــوحيد بين "الـمجرم التقليدى" ـ محمد عبد العال ـ والمجرم الفلسفى "سيد قطب" فى الأصل العرقى، فالأول "عربى قبطى" والثانى من "الهند"، وربما هذا الانتماء العرقى هو ما جعله معجباً بفكر "أبو الأعلى المودودى" الذى كتب كتابه "المصطلحات الأربعة" وهو المرجع الذى أقام ـ قطب ـ عليه نظرية " الحاكمية فى الإسلام" وهى "لله" وليس للبشر، فالحكم لله، فى مجتمع "المسلمين" المنتظر، المختفى فى عالم الغيب، بعد أن فسد كل المسلمين فى العصر الراهن وكفروا، وأصبح على "جماعة المسلمين" التى نذرت نفسها لاستعادة الإسلام، أن تقوم بتعبيد الناس لرب العالمين، والدعوة من جديد إلى الإسلام، بذات الطريقة التى اتبعها النبى محمد ـ صل الله عليه وسلم ـ والصحابة فى بدايات نزول الوحى والدعوة إلى التوحيد وكافة أركان عقيدة الإسلام. ورغم أن الكلام الذى قاله "أبو الأعلى المودودى" مناسب لظرف الباكستان والهند وشرق آسيا، ومنتج فى ظل صراع بين المسلمين والهندوس والطوائف الأخرى، إلا أن "سيد قطب" سطا على نظرية ـ المودودى ـ وبنى عليها نظريته وأودعها كتابه "معالم فى الطريق" وقبله كان كتابه "التصوير الفنى فى القرآن" وقبل الكتابين كان "الإلحاد" والعيش خارج عباءة الأديان السماوية، والدعوة إلى العرى، نعم.. العرىّ، حسب الفكرة التى انتشرت فى بعض دول أوربا فى سنوات الأزمة المالية العالمية، والحرب العالمية الثانية، وكان ـ سيد قطب ـ نفسه واحداً من دعاة "الماسونية" وكتب مقاله المشهور الذى يصف فيه هذا المذهب والأسباب التى دعته لاعتناقه، بل إنه وجد فيه "الخلاص" للبشرية جمعاء! إذن، لفهم هذا الرجل وفهم شخصيته وأفكاره، لا بد من العودة إلى الطب النفسى، وليس العلوم الاجتماعية، فى الطب النفسى إجابة علمية تفسر "لغز سيد قطب"، ملخصها أنه كان شخصية "نرجسية" وهذا نابع من تربية خاطئة تلقاها من "الأم" فى قرية "موشا" وهذه الأم نفسها "نرجسية " لأنها من عائلة غنية، تزوجها "قطب إبراهيم" وعاشت متميزة بما تملكه من مكانة أدبية لعائلتها، وهذا الشعور انتقل للولد "سيد" الذى تلقى "التدليل" المبالغ فيه، ربما لأنه كان ضعيف البنية الجسدية، وربما لأنه "الطفل الذهبى" الذى راهنت عليه الأم وجعلته محل تقديرها واهتمامها، فأصبح يرى العالم الخارجى بعين "ذاته" التى بالغ فى تقديرها، واعتبر العالم الخارجى، مطالباً بتقدير هذه الذات ومنحها الامتياز والتبجيل، وفى تاريخه العائلى ما يؤكد هذا التحليل، فهو كان رافضاً اللحاق بالمكتب القروى الذى يشرف عليه فقيه وعريف يعلمان الأطفال القراءة والكتابة ويحفظانهم القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم، أو ورش عن نافع، وبعد اليوم الأول، رفض ـ سيد قطب ـ الذهاب إلى المكتب لأنه "قذر" فاستجابت الأم لرغبته، وبقى فى البيت وأُلحق بالمدرسة الأولية، وفى الفترة ذاتها حفظ القرآن الكريم، وأُرسل فى العام 1921 إلى "القاهرة" وأقام فى القاهرة ـ فى بيت خاله الأزهرى المعلم الذى يكتب فى الصحف واسمه أحمد الموشىّ نسبة إلى قريته "موشا" وحصل ـ سيد قطب - على شهادات "كفاءة التعليم الأوّلى" و"تجهيزية دار العلوم" و"ليسانس دار العلوم"، وكان يعمل فى مدارس وزارة المعارف ويعمل فى الصحف فى وظيفة "مدقق" أو "مصحح لغة"، وهنا نتوقف عند محطة مهمة، هى محطة ـ دكتور محمد حافظ دياب ـ رحمه الله، فهو من أوائل من درسوا خطاب وفكر "سيد قطب"، وخصص له كتاباً حمل عنوان "سيد قطب.. الخطاب والأيديولوجيا" يقول فيه تفاصيل الظرف الاجتماعى والاقتصادى الذى تشكل فيه وعى "سيد قطب" فى الصعيد ثم القاهرة: ـ خلال الحرب العالمية الأولى التى بدأت فى العام 1914 هاجمت "أسراب الجراد" ريف "أسيوط" وأتت على جانب كبير من المحصولات الزراعية، وهاجمت "دودة القطن" مزارع القطن، وقامت السلطات العسكرية البريطانية بمصادرة أقوات الناس، وأعلنت الأحكام العرفية، وحين اندلعت ثورة 1919، زحف فلاحو "أسيوط" ـ البؤساءـ زحف الأُسود الكاسرة على مستودعات الذخيرة المحلية، وعلى سلاح البوليس، فتخطفوه وتكون فى لمح البصر "جيش الثورة" من "الجلاليب"، وحاول الفلاحون الثائرون الاستيلاء على ممتلكات "محمود سليمان باشا"، وأقيمت جمهورية مؤقتة فى "المنيا" مما دفع السلطات البريطانية إلى إرسال طائرتين عسكريتين لمهاجمة جموع المتظاهرين، وفى الوقت ذاته كان "سيد قطب" يكتب الشعر ويلقيه على مسامع أنصار الثورة فى قرية "موشا"، وفى العام 1921 سافر "سيد" إلى القاهرة ليكمل تعليمه فى مدرسة عبدالعزيز الأولية، وحصل على شهادة الكفاءة"، وبعد تخرجه فى دار العلوم عمل مدرساً فى "دمياط" و"بنى سويف"، وفى العام 1936 عمل فى مدرسة حلوان الابتدائية واشترى بيتاً وأقام فى المدينة ذاتها. الخطاب القطبى قبل أن تعرف العقول العربية مصطلح "الخطاب القطبى"، وهو خطاب دموىّ، يكفِّر كل من هم خارج "جماعة المسلمين" أو "الإخوان المسلمين"، كانت هناك رحلة خاضها "سيد قطب" تمثلت فى البحث عن "الإمداد النرجسى" الذى يقتات عليه كل "نرجسى"، وهذا الإمداد هو "الجماهير" وهو "التصفيق" وهو " الشهرة " وهو "التحكم والسيطرة"، وكانت رحلته فى ظل حقبة "الملكية الدستورية" متمثلة فى الانضمام لحزب الوفد، ثم الانضمام إلى "الهيئة السعدية" ثم الخروج منها ـ وهى حزب انشق عن الوفد ورئيس الهيئة هو دكتور أحمد ماهر ومن بعده النقراشى، وترك هذا كله وخاض مرحلة "الإلحاد" و" الماسونية" وحاول انتزاع اعتراف من النخبة المثقفة بمكانته النقدية والفكرية، وهنا يقول دكتور محمد حافظ دياب: ـ ليس أدَلُّ على آثار هذه المرحلة من مقال نشره فى "الأهرام" بتاريخ 17 مايو 1934، دعا فيه دعوة صريحة إلى العُرىّ التام وأن يعيش الناس عرايا كما ولدتهم أمهاتهم، وهى بدعة كانت منتشرة فى بعض بلاد أوروبا، وعمل سيد قطب فى وزارة المعارف وأصبح مفتشاً بالتعليم الإبتدائى فى العام 1944 ثم عمل فى إدارة الثقافة العامة التى كان يرأسها "أحمد أمين" وأصدر كتابين نقديين "كتب وشخصيات، النقد الأدبى ـ أصوله ومناهجه" وخاض معارك أدبية ونقدية ضد: محمد مندور، درّينى خشبة، سعيد العريان، صلاح ذهنى، وضعفت علاقته وفترت مع "العقاد" وثار بينهما جدل على صفحات "البلاغ" الأسبوعى، وكان الخلاف حول مقدمة ديوان للعقاد عنوانه "أعاصير مغرب" ـ نشره العقاد فى العشرينيات من القرن العشرين ـ و زادت ثورة العقاد ـ ضد قطب ـ عندما أصدر كتابه "التصوير الفنى فى القرآن" فى العام 1945 وموضوع الكتاب، كان العقاد يرى نفسه الوحيد الذى يفهم أبعاده ولا يصح أن يباريه أحد فيه، ثم كتب ـ كتابه "العدالة الاجتماعية فى الإسلام"، ومع نهاية العام 1948 سافر إلى الولايات المتحدة فى بعثة تدريبية حول التربية وأصول المناهج، والملفت فى هذه البعثة أنها جاءت "فجأة" و"شخصية"، فلم يُعلَن عنها حتى يتقدم لها من يرى نفسه مهيئاً لها، وواضح أن سفر "سيد قطب" إلى الولايات المتحدة كان وليد تخطيط أمريكى خفى بعيد عن "سيد قطب" نفسه. جماعة البنّا يعرف المؤرخون والمهتمون بجماعات الإسلام السياسى أن "سيد قطب" أصبح باعث الروح الدموية التى كانت فى "الجهاز السرى" لجماعات الإخوان، وأصبح فيلسوف التيار الدموى، لكنه عاش قبل هذا التوغل فى الفكر "الجهادى " أو الإرهابى، كان مقرباً من الضباط الأحرار الذين أنجزوا ثورة 23 يوليو 1952 وهو أول من نصّب نفسه واحداً من فلاسفتها ومفكريها، وجلس معهم وأصبح له صوته المسموع داخل مجلس قيادة الثورة، ثم حرمه "عبد الناصر" من تحقيق حلم حياته، وهو الجلوس على كرسى وزارة المعارف، وهو الحلم القديم الذى راوده كثيراً وشغل قلبه وعقله، لكن موت هذا الحلم على يد "عبد الناصر" رئيس الوزراء فى الجمهورية، بعد القضاء على النظام الملكى وطرد الملك فاروق، ولأن " ذات " سيد قطب النرجسية، أهينت، وتعرضت لجرح كبير، كان رد الفعل كبيرا ومسرفاً فى العداوة تجله عبد الناصر الذى ـ قتل الحلم وأهان "الذات" المتضخمة المريضة المتوجسة القلقة المذعورة من المحيط الاجتماعى، وحدث أن تعرض "جمال عبد الناصر" لمحاولة اغتيال على أيدى "الجهاز السرى" لجماعة الإخوان، فى 26 أكتوبر 1954، وتم القبض على "سيد قطب" وحوكم بعقوبة السجن، وقضى فى سجنه عشرة أعوام، وخلال هذه الفترة أنجز كل ما شفى غليله من "عبد الناصر" والثورة وكل من لم يمنحه "القداسة" وكانت نظريته "تكفير المسلمين"، ومنح "جماعة المسلمين" حق الوصاية على كل الكفار، وحق قتلهم باعتبار مصر دار الحرب، وخرج سيد قطب بالعفو الصحى، ولكنه مكث عاماً واحداً، صاغ فيه تنظيمه السرى، ووضع خطة الانقلاب على "الثورة" وسقط التنظيم فى قبضة الأمن فى العام 1965، وهنا يرسم ـ حلمى النمنم ـ فى كتابه "سيد قطب وثورة يوليو ـ ميريت 1999" صورة للفلسفة التى صاغها ـ قطب ـ بعد خروجه من السجن: ـ عاد سيد قطب إلى الحياة العامة بأفكار وآراء جديدة، وتقوم على أمرين أساسيين، الأول أن تبدأ الحركة من القاعدة وليس من القمة، وذلك يكون عبر إحياء مدلول العقيدة الإسلامية فى القلوب والعقول، وتربية من يقبل هذه الدعوة وهذه المفهومات، تربية إسلامية والابتعاد عن إضاعة الوقت فى الأحداث السياسية الجارية ومحاولات فرض النظام الإسلامى عن طريق الاستيلاء على الحكم قبل أن تكون القاعدة المسلمة فى المجتمعات هى الساعية للنظام الإسلامى لأنها عرفته على حقيقته وتريد أن تُحكم به. ومن المهم أن يعرف القارئ أن "سيد قطب" حرض الثورة على إعدام العاملين "خميس والبقرى"، وحرض على أم كلثوم وطلب مصادرة أغانيها ومنعها من الغناء لأنها تنتمى للعصر الملكى البائد، وانتهى شهر العسل بينه وبين ثورة يوليو فى العام 1954، وقضى سنوات السجن وخرج فى العام 1964 وبعد عام قضاه فى الحرية، قبضت أجهزة الأمن على التنظيم السرى الذى كان قائده سيد قطب، وهو الذى كتب فى العام 1954 إهداء كتابه "العدالة الاجتماعية فى الإسلام" قال فيه: ـ إلى شباب الإخوان، إلى الفتية الذين كنت ألمحهم بعين الخيال قادمين، فوجدتهم فى واقع الحياة قائمين، يجاهدون فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، مؤمنين فى قرارة نفوسهم أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. قضية 65 قبل التوقف أمام "قضية 65" أو قضية "تنظيم سيد قطب" نقتطف من كتاب ـ حلمى النمنم "سيد قطب وثورة يوليو" هذه السطور: ـ معظم الدارسين والباحثين يتفقون فى أن تجربة السجن، كانت السبب المباشر والمناخ الملائم لظهور أفكاره الأخيرة التى دونها فى المعالم "معالم فى الطريق" وفى الظلال "فى ظلال القرآن"، والتى تصل إلى الحكم القاطع على المجتمع والأمة بأكملها ـ بالجاهلبة ـ التى تفوق جاهلية أهل "مكة" أيام البعثة النبوية، وأن الأمة قد كفرت بالإسلام، حتى وإن كانت تردد الشهادتين، وأنه لم ينج من الجاهلية سوى "سيد قطب" نفسه وجماعته المحدودة، وهو القائل: لا إسلام بلا حكم ولا مسلمين بلا إسلام، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.. وكانت "قضية 1965" هى الضربة الأمنية للتنظيم المسلح التخريبى الذى آمن بفكر "سيد قطب"، وكانت الخطة التى أعدها التنظيم تقوم على القيام بعمليات على التوازى، أى فى وقت واحد، وهى اغتيال "عبد الناصر" وأركان الحكم "عبد الحكيم عامر وزكريا محيى الدين" وكل المجموعة المحيطة بالرئيس، وتدمير الكبارى وتدمير محطات الكهرباء وتفجير "القناطر الخيرية" بهدف إغراق الدلتا وإحداث الفوضى، وإسقاط النظام السياسى، واعترف "سيد قطب" أمام رجال النيابة العامة بكل هذه الجرائم والعمليات التى كان من المقرر تنفيذها فى مصر، وجرت محاكمة "قطب" ومن معه وقضت المحكمة بإعدام: سيد قطب وعبد الفتاح إسماعيل ومحمد هوّاش. وفى فجر يوم 25 أغسطس 1966 تم تنفيذ حكم الإعدام، وطويت صفحة من تاريخ الصراع بين "الإخوان" والمجتمع، وكتب "نجيب محفوظ" روايته "المرايا" ورسم شخصية "سيد قطب" ومنحها اسم "عبد الوهاب إسماعيل" وكل من قرأ "البورتريه " الخاص بهذه الشخصية أيقن أنه سيد قطب، فهو الناقد الذى كتب عن نجيب محفوظ، قبل أن ينقلب إلى "ناقم" على المجتمع الذى لم يقدر"عظمته" حق قدرها!


24 القاهرة
منذ 11 ساعات
- 24 القاهرة
التصريح بدفن سيدة أشعلت النيران في نفسها داخل مول بشبرا الخيمة
صرحت جهات التحقيق المختصة بالقليوبية بدفن سيدة أنهت حياتها بإشعال النيران في جسدها بعد سكب مادة البنزين، وذلك داخل إحدى الشركات بمول شهير في منطقة شارع أحمد عرابي بشبرا الخيمة، على إثر مرورها بضائقة مادية. سيدة تتخلص من حياتها بمول في شبرا الخيمة وتلقت الأجهزة الأمنية بلاغًا بتخلص سيدة من حياتها داخل إحدى الشركات في مول شهير، وعلى الفور انتقلت الأجهزة الأمنية إلى محل البلاغ مدعمين بسيارات إطفاء وإسعاف. وبالفحص تبين أن السيدة أضرمت النيران بجسدها داخل إحدى شركات القروض المتواجدة داخل المول، وذلك بسبب مرورها بضائقة مادية ما ترتب عليه تعثرها عن سداد القسط الخاص بالقرض التي تقاضته من الشركة. شاهد عيان على واقعة تخلص سيدة من حياتها بمول في شبرا الخيمة: كانت واخدة قرض ومعرفتش تسدده ضربها بعصا خشبية.. الطب الشرعي يناظر جثة ربة منزل لقيت مصرعها على يد زوجها بأوسيم وكشف أحد شهود العيان خلال تصريحات خاصة لـ القاهرة 24، عن أن الواقعة حدثت عصر اليوم، حينما تفاجأ بوجود 4 سيارات إطفاء وسيارات إسعاف أمام مداخل العمارة محل البلاغ، وذلك بسبب تخلص سيدة من نفسها داخل إحدى الشركات المتواجدة داخل المول، وأن هذا الأمر بسبب تعثرها عن سداد قيمة القرض التي تقاضته من الشركة، ما جعلها تسكب على جسدها بنزين وتشعل النيران به. ويحذر القاهرة 24 من الانتحار، مناشدا من تراودهم مثل هذه الأفكار التوجه إلى طبيب نفسي في محاولة لحل مشكلاتهم، وما قد يتعرضون له والتفكير بإيجابية حول استمرارية الحياة التي منحها الله للإنسان، حيث يأمل القاهرة 24 الذهاب إلى الطبيب المختص، وعرض أنفسهم على المعنيين لحل المشكلة.