logo
ألمانيا تُبايع ميرتس والانتصار بطعم الهزيمة

ألمانيا تُبايع ميرتس والانتصار بطعم الهزيمة

معا الاخبارية١١-٠٥-٢٠٢٥

بعد فشل مفاجئ في الجولة الأولى، والنجاح في الثانية تُفتح أبواب الأسئلة حول وحدة الائتلاف واستقرار الحكم في المرحلة القادمة.
شهدت ألمانيا قبل أيام 6 مايو/أيّار لحظة سياسية غير مسبوقة في تاريخها البرلماني الحديث، عندما فشل المرشّح المحافظ «فريدريش ميرتس»، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، في الحصول على الأغلبية اللازمة في الجولة الأولى من تصويت الـ «بوندستاغ» البرلمان الإتحادي، لاختياره مستشارا، رغم تحقيقه نظريا أغلبية مضمونة.
وبعد ساعات من التشاورات والمباحثات السياسية المكثّفة، عاد «ميرتس» في الجولة الثانية ليُحقق الفوز، حاصلا على 325 صوتا من أصل 328 مقعدا يملكها الائتلاف الحاكم المشترك؛ بين حزبه والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD).
هزيمة أولى تهُزّ الثقة
رغم التحالف القوي على الأوراق، أظهرت الجولة الأولى هشاشة التوافق داخل الائتلاف، فقد غاب عن ميرتس ستة أصوات، ما منعه من نيل الأغلبية المطلقة المطلوبة (316 صوتا). تلك الهزيمة لم تكن فقط محرجة، بل كاشفة لتصدعات داخلية في جسد الائتلاف، خاصّة من جهة الحزب الاشتراكي، الذي عبّر عدد من نوّابه عن رفضهم لشخص ميرتس وبرنامجه السياسي.
النائب الاشتراكي «سيباستيان رولوف» كان من أوائل من صرّح علنا بعدم التصويت لميرتس، قائلا: «أنا ملتزم بضميري، ولا أستطيع دعم مشروع سياسي محافظ بهذا الشكل». أما النائبة «أنيكا كلوزه»، فقد اعتبرت أن ميرتس يُمثّل «اتجاها يمينيا مُتشددا، ذا طابع نيوليبرالي لا يعكس قيم العدالة الاجتماعية، تحديدا مع سجلّه الداعم لخفض الضرائب على الأثرياء وتقليص الإنفاق على الرعاية الصحية».
إرث ميركل والتحالفات الهشّة
لا يغيب عن الذاكرة أن التحالف الديمقراطي المسيحي - الاشتراكي الديمقراطي ليس جديدا على الساحة الألمانية، فخلال حكومة «أنغيلا ميركل»، عانى الائتلاف من توترات متكررة، انتهت بانسحاب الحزب الاشتراكي من الحكومة في 2018. لكن المفارقة اليوم أن ميرتس، الذي يُعتبر وريثا غير مُكتمل لنهج ميركل «المعتدل»، يواجه اتهامات من شركائه بالانحراف نحو اليمين، عبر سياسات مثل تشديد قوانين الهجرة ودعم خصخصة الخدمات العامّة، ما يهدد بإعادة إنتاج أزمات الماضي.
نجاح الجولة الثانية، ولكن بأي ثمن؟
في الجولة الثانية، والتي جرت بعد ساعات فقط من فشل الجولة الأولى، تحوّلت النتيجة لصالح ميرتس، حيث حصل على تأييد كافٍ لقيادة الحكومة، لكن هذا التحول السريع يطرح تساؤلات جدية: ما الذي تغيّر خلال تلك الساعات القليلة؟ هل جرى الضغط على النواب المترددين؟ هل تم التوصّل إلى تفاهمات أو وعود بتعديلات في السياسات الحكومية المقبلة؟
تشير مصادر برلمانية إلى أن قيادات الحزبين قد أجرت مفاوضات مُضنية، تضمّنت وعودا بتعديل حزمة الإسكان الاجتماعي، وإعادة النظر في زيادة «ضريبة ثاني أكسيد الكربون»، مقابل دعم النواب المتمردين، غير أنّ هذه الوعود تبقى غير مكتوبة، مما يزيد من مخاطر عدم الوفاء بها لاحقا.
ردود فعل المعارضة والرأي العام
في الجانب الآخر، لم تتأخّر المعارضة في انتقاد ما وصفته بـ «الانتصار المُعلّق»، فحزب الخضر وصف ما جرى بأنّه «رسالة تحذير مُبكّرة من أنّ ألمانيا قد تعود إلى عهد التقشّف على حساب العدالة المناخية»، في حين شكّك حزب اليسار في قدرة ميرتس على ضمان الانسجام الحكومي، مُذكّرا بـ «أزمات حكومة 2018 التي انهارت بسبب خلافات مماثلة».
أما الرأي العام، فبدا منقسما بشكل حاد. وفقا لاستطلاع أجرته مؤسّسة «فورسا للبحوث الاجتماعية والتحليل الإحصائي» بعد التصويت، أيد 52% من الناخبين المحافظين نتيجة الجولة الثانية، بينما عبّر 48% من الناخبين الإشتراكيين عن قلقهم من أن سياسات ميرتس «ستُعمّق الفجوة الطبقية».
أوروبا تُراقب بقلق
دوليا، رصدت الصحافة الأوروبية والأمريكية هذه اللحظة بوصفها «علامة على الانقسام السياسي العميق في ألمانيا؛ القطب المركزي للاتحاد الأوروبي».
صحيفة «لو موند» الفرنسية اعتبرت ما جرى «جرس إنذار للديمقراطية البرلمانية في ظل تصاعد الشعبوية اليمينية»، بينما أشارت «فاينانشال تايمز» إلى أنّ «التحديات الاقتصادية التي تواجه ألمانيا، مثل تباطؤ النمو وارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب الأوكرانية، قد تُفجّر الخلافات داخل الائتلاف الحاكم قريبا».
ميرتس بين التحدي والطموح
لا شك أن ميرتس شخصية سياسية ذات كفاءة وتجربة طويلة، وقد حظي بدعم واضح من جناح المحافظين التقليديين، غير أنّ قدرته على إدارة ائتلاف يضم شريكا اشتراكيا، يتناقض معه فكريا في قضايا حاسمة مثل الهجرة: رغبة المحافظين في تشديد القيود مقابل دعوات الاشتراكيين لتبني سياسات أكثر انفتاحا.
العدالة الضريبية: خلاف حول زيادة الضرائب على الشركات الكبرى مقابل دعم المحافظين لتحفيز الاستثمار، إضافة إلى التحول الأخضر، أي الخطة الألمانية للانتقال إلى الطاقة المتجددة بحلول 2045: معارضة الاشتراكيين لخطط المُحافظين المُقترحة لخصخصة قطاع الطاقة.
حكومة تُولد من رحم التردّد
انتصار فريدريش ميرتس في الجولة الثانية لا يُعد نصرا سياسيا كاملا، بل بداية لعهد مأزوم ومحفوف بخلافات مكبوتة. الائتلاف الحاكم أمامه طريق شائك، فعليه أن يبرهن للشعب الألماني أن وحدة الصف السياسي ممكنة، وأن الخلافات لا تعني الشلل.
لكن المؤشّرات الأولى تدعو للتحفّظ، لا للاحتفال، فالتاريخ يُذكّرنا بأنّ 60% من التحالفات الألمانية الهشّة انهارت قبل نهاية ولايتها، وفق مركز «برلين للدراسات السياسية»، وآخرها إنهيار إئتلاف «أولاف شولتس». كما أن الأزمات الخارجية، مثل التوترات مع روسيا وتداعيات التضخّم العالمي، قد تُفاقم الإملاءات التي يفرضها الوضع العام راهنا على الحكومة الجديدة.
يبقى السؤال: هل ستنجح هذه التحالفات في كتابة فصل جديد من الاستقرار؟ وأنا أشك، أم أن ألمانيا ستدخل عصرا من عدم اليقين السياسي؟ وهذا رأي الشخصي، فالمستقبل القريب لا يُنبئ بقدرة حزب وحده على التفرّد بالقيادة السياسية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ألمانيا تُبايع ميرتس والانتصار بطعم الهزيمة
ألمانيا تُبايع ميرتس والانتصار بطعم الهزيمة

معا الاخبارية

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • معا الاخبارية

ألمانيا تُبايع ميرتس والانتصار بطعم الهزيمة

بعد فشل مفاجئ في الجولة الأولى، والنجاح في الثانية تُفتح أبواب الأسئلة حول وحدة الائتلاف واستقرار الحكم في المرحلة القادمة. شهدت ألمانيا قبل أيام 6 مايو/أيّار لحظة سياسية غير مسبوقة في تاريخها البرلماني الحديث، عندما فشل المرشّح المحافظ «فريدريش ميرتس»، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، في الحصول على الأغلبية اللازمة في الجولة الأولى من تصويت الـ «بوندستاغ» البرلمان الإتحادي، لاختياره مستشارا، رغم تحقيقه نظريا أغلبية مضمونة. وبعد ساعات من التشاورات والمباحثات السياسية المكثّفة، عاد «ميرتس» في الجولة الثانية ليُحقق الفوز، حاصلا على 325 صوتا من أصل 328 مقعدا يملكها الائتلاف الحاكم المشترك؛ بين حزبه والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD). هزيمة أولى تهُزّ الثقة رغم التحالف القوي على الأوراق، أظهرت الجولة الأولى هشاشة التوافق داخل الائتلاف، فقد غاب عن ميرتس ستة أصوات، ما منعه من نيل الأغلبية المطلقة المطلوبة (316 صوتا). تلك الهزيمة لم تكن فقط محرجة، بل كاشفة لتصدعات داخلية في جسد الائتلاف، خاصّة من جهة الحزب الاشتراكي، الذي عبّر عدد من نوّابه عن رفضهم لشخص ميرتس وبرنامجه السياسي. النائب الاشتراكي «سيباستيان رولوف» كان من أوائل من صرّح علنا بعدم التصويت لميرتس، قائلا: «أنا ملتزم بضميري، ولا أستطيع دعم مشروع سياسي محافظ بهذا الشكل». أما النائبة «أنيكا كلوزه»، فقد اعتبرت أن ميرتس يُمثّل «اتجاها يمينيا مُتشددا، ذا طابع نيوليبرالي لا يعكس قيم العدالة الاجتماعية، تحديدا مع سجلّه الداعم لخفض الضرائب على الأثرياء وتقليص الإنفاق على الرعاية الصحية». إرث ميركل والتحالفات الهشّة لا يغيب عن الذاكرة أن التحالف الديمقراطي المسيحي - الاشتراكي الديمقراطي ليس جديدا على الساحة الألمانية، فخلال حكومة «أنغيلا ميركل»، عانى الائتلاف من توترات متكررة، انتهت بانسحاب الحزب الاشتراكي من الحكومة في 2018. لكن المفارقة اليوم أن ميرتس، الذي يُعتبر وريثا غير مُكتمل لنهج ميركل «المعتدل»، يواجه اتهامات من شركائه بالانحراف نحو اليمين، عبر سياسات مثل تشديد قوانين الهجرة ودعم خصخصة الخدمات العامّة، ما يهدد بإعادة إنتاج أزمات الماضي. نجاح الجولة الثانية، ولكن بأي ثمن؟ في الجولة الثانية، والتي جرت بعد ساعات فقط من فشل الجولة الأولى، تحوّلت النتيجة لصالح ميرتس، حيث حصل على تأييد كافٍ لقيادة الحكومة، لكن هذا التحول السريع يطرح تساؤلات جدية: ما الذي تغيّر خلال تلك الساعات القليلة؟ هل جرى الضغط على النواب المترددين؟ هل تم التوصّل إلى تفاهمات أو وعود بتعديلات في السياسات الحكومية المقبلة؟ تشير مصادر برلمانية إلى أن قيادات الحزبين قد أجرت مفاوضات مُضنية، تضمّنت وعودا بتعديل حزمة الإسكان الاجتماعي، وإعادة النظر في زيادة «ضريبة ثاني أكسيد الكربون»، مقابل دعم النواب المتمردين، غير أنّ هذه الوعود تبقى غير مكتوبة، مما يزيد من مخاطر عدم الوفاء بها لاحقا. ردود فعل المعارضة والرأي العام في الجانب الآخر، لم تتأخّر المعارضة في انتقاد ما وصفته بـ «الانتصار المُعلّق»، فحزب الخضر وصف ما جرى بأنّه «رسالة تحذير مُبكّرة من أنّ ألمانيا قد تعود إلى عهد التقشّف على حساب العدالة المناخية»، في حين شكّك حزب اليسار في قدرة ميرتس على ضمان الانسجام الحكومي، مُذكّرا بـ «أزمات حكومة 2018 التي انهارت بسبب خلافات مماثلة». أما الرأي العام، فبدا منقسما بشكل حاد. وفقا لاستطلاع أجرته مؤسّسة «فورسا للبحوث الاجتماعية والتحليل الإحصائي» بعد التصويت، أيد 52% من الناخبين المحافظين نتيجة الجولة الثانية، بينما عبّر 48% من الناخبين الإشتراكيين عن قلقهم من أن سياسات ميرتس «ستُعمّق الفجوة الطبقية». أوروبا تُراقب بقلق دوليا، رصدت الصحافة الأوروبية والأمريكية هذه اللحظة بوصفها «علامة على الانقسام السياسي العميق في ألمانيا؛ القطب المركزي للاتحاد الأوروبي». صحيفة «لو موند» الفرنسية اعتبرت ما جرى «جرس إنذار للديمقراطية البرلمانية في ظل تصاعد الشعبوية اليمينية»، بينما أشارت «فاينانشال تايمز» إلى أنّ «التحديات الاقتصادية التي تواجه ألمانيا، مثل تباطؤ النمو وارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب الأوكرانية، قد تُفجّر الخلافات داخل الائتلاف الحاكم قريبا». ميرتس بين التحدي والطموح لا شك أن ميرتس شخصية سياسية ذات كفاءة وتجربة طويلة، وقد حظي بدعم واضح من جناح المحافظين التقليديين، غير أنّ قدرته على إدارة ائتلاف يضم شريكا اشتراكيا، يتناقض معه فكريا في قضايا حاسمة مثل الهجرة: رغبة المحافظين في تشديد القيود مقابل دعوات الاشتراكيين لتبني سياسات أكثر انفتاحا. العدالة الضريبية: خلاف حول زيادة الضرائب على الشركات الكبرى مقابل دعم المحافظين لتحفيز الاستثمار، إضافة إلى التحول الأخضر، أي الخطة الألمانية للانتقال إلى الطاقة المتجددة بحلول 2045: معارضة الاشتراكيين لخطط المُحافظين المُقترحة لخصخصة قطاع الطاقة. حكومة تُولد من رحم التردّد انتصار فريدريش ميرتس في الجولة الثانية لا يُعد نصرا سياسيا كاملا، بل بداية لعهد مأزوم ومحفوف بخلافات مكبوتة. الائتلاف الحاكم أمامه طريق شائك، فعليه أن يبرهن للشعب الألماني أن وحدة الصف السياسي ممكنة، وأن الخلافات لا تعني الشلل. لكن المؤشّرات الأولى تدعو للتحفّظ، لا للاحتفال، فالتاريخ يُذكّرنا بأنّ 60% من التحالفات الألمانية الهشّة انهارت قبل نهاية ولايتها، وفق مركز «برلين للدراسات السياسية»، وآخرها إنهيار إئتلاف «أولاف شولتس». كما أن الأزمات الخارجية، مثل التوترات مع روسيا وتداعيات التضخّم العالمي، قد تُفاقم الإملاءات التي يفرضها الوضع العام راهنا على الحكومة الجديدة. يبقى السؤال: هل ستنجح هذه التحالفات في كتابة فصل جديد من الاستقرار؟ وأنا أشك، أم أن ألمانيا ستدخل عصرا من عدم اليقين السياسي؟ وهذا رأي الشخصي، فالمستقبل القريب لا يُنبئ بقدرة حزب وحده على التفرّد بالقيادة السياسية.

انتخاب ميرتس مستشاراً لألمانيا في الجولة الثانية
انتخاب ميرتس مستشاراً لألمانيا في الجولة الثانية

جريدة الايام

time٠٧-٠٥-٢٠٢٥

  • جريدة الايام

انتخاب ميرتس مستشاراً لألمانيا في الجولة الثانية

برلين - أ ف ب: عانى زعيم المحافظين فريدريش ميرتس ليصبح مستشارا لألمانيا إذ اضطر لخوض جولة تصويت ثانية قبل انتخابه في مؤشر إلى الصعوبات التي سيواجهها في مرحلة مفصلية لبلاده. وفي سيناريو غير مسبوق في ألمانيا، أجريت جولة تصويت ثانية في البرلمان الألماني، امس، لكي ينتخب رئيس الحزب الديمقراطي - المسيحي بصعوبة لمنصب المستشار. عقب ذلك عينه رئيس البلاد فرانك - فالتر شتاينماير مستشارا بصفة رسمية. وحصل ميرتس البالغ 69 عاما والذي سبق أن فاز في انتخابات شباط المبكرة بصعوبة، على 325 صوتا من أصل 630 خلال الجولة الثانية بعدما فشل في دورة التصويت الأولى ما أثار ذهولا. وكان اختيار ميرتس في المنصب من خلال تصويت سري يعتبر إجراء شكليا بعد إبرامه اتفاقا لتشكيل ائتلاف مع الاشتراكيين الديمقراطيين بزعامة المستشار السابق أولاف شولتس. إلا انه فشل في الحصول على العدد المحدد من الأصوات. ويعكس هذا الفشل ضعف الائتلاف الذي ينوي ميرتس تشارك الحكم معه مدة أربع سنوات في أكبر اقتصاد أوروبي وفي عالم يشهد تغيرات جيوسياسية وسط ضغوط من إدارة دونالد ترامب ومن اليمين المتطرف الذي يحقق نتائج، داخليا. ولم يسبق لأي مرشح في تاريخ ألمانيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية أن واجه مصيرا مماثلا. وبموجب النظام البرلماني الألماني ينتخب النواب رئيس الحكومة. ويستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المستشار الألماني الجديد، اليوم، في باريس لجعل المحرك الألماني - الفرنسي "أقوى من أي وقت مضى". أما رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا ون دير لايين، فأعربت عن استعدادها للعمل مع ميرتس لبناء "أوروبا أقوى". وقالت رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، إن التعاون بين البلدين "أساسي" من أجل "إنعاش القدرة التنافسية" للاتحاد الأوروبي. إلا أن المستشار الجديد يبدأ ولايته في موقع ضعف فهو أساسا لا يتمتع بشعبية في صفوف المواطنين ويواجه معارضة في صفوف المحافظين حتى لأنه نكث بوعد قطعه خلال حملته من خلال تخفيف القواعد الوطنية الصارمة جدا فيما يتعلق بنفقات الميزانية. وقد برر ذلك بحاجات التمويل الواسعة لبرنامج إعادة تسليح البلاد في وجه التهديد الروسي وعودة الولايات المتحدة عن انخراطها العسكري في القارة الأوروبية، وتحديث البلاد.

حين يُسوِّق العالم الأمل في المريخ ويتغاضى عن إبادة فلسطين
حين يُسوِّق العالم الأمل في المريخ ويتغاضى عن إبادة فلسطين

معا الاخبارية

time١٥-٠٤-٢٠٢٥

  • معا الاخبارية

حين يُسوِّق العالم الأمل في المريخ ويتغاضى عن إبادة فلسطين

في الوقت الذي يسابق فيه العلماء الزمن لتوسيع حدود الحياة إلى ما وراء الأرض، وتعمل شركات مثل Estonian UP Catalyst على تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى مواد مفيدة على كوكب المريخ، يظن المرء أن البشرية تسير بخطى واثقة نحو مستقبل أكثر إشراقاً، حيث أُعلن مؤخراً عن تقنيات جديدة تُبشّر بإمكانية بناء حياة في الفضاء، وكأن العالم بدأ يخطو بثقة نحو حلم الاستيطان الكوني. لكن، في المقابل، على هذا الكوكب نفسه، وفي رقعة صغيرة من أرضه تُدعى فلسطين، يبدو أن الأرض لم تعد تتسع لأصحابها. فهناك، لا يُبتكر العلم لحماية الحياة، بل تتفنّن آلة الحرب في إنهائها. وفي ظل حرب الإبادة المستمرة التي تستهدف الشعب الفلسطيني، يتساءل الفلسطيني بمرارة: هل سيكون المريخ هو المنفى القادم؟ فبينما تتقاذف التصريحات الأمريكية والإسرائيلية "حلولاً" مثل التهجير إلى الأردن أو مصر أو حتى الدول الأفريقية، قد لا يكون مستبعداً أن نسمع غداً عن خطة لترحيل الفلسطينيين إلى الفضاء. نعم، ربما تكون هذه هي الخطوة التالية في سعيهم لتحويل التوحّش إلى سياسة، لا تكتفي بخرق القانون الأرضي، بل تمتد إلى خارج حدود الكوكب. وبينما يُروّج العالم لمشاريع استيطانية في المريخ، لا يزال الفلسطينيون يخوضون معركة الوجود على أرضهم، الأرض التي سكنوها منذ قرون، ويُسحقون فيها يومياً باسم "حق الدفاع عن النفس". في غزة، حتى الوسادة لم تسلم من حرب الإبادة .. تُنتزع من تحت رأس الطفل قبل أن يحلم، وفي الضفة الغربية، بات مشهد المستوطن الذي يقطع الأرزاق، وجندي الاحتلال الذي يقطع الأعناق، واقعاً مألوفاً لا يُقابل إلا بصمتٍ متواطئ. أما القدس، قلب الحكاية ومهد الوجع، فتُغتصب فيها الأقداس، وتُهوّد الحجارة، ويُضيّق على الإنسان في دينه ومعيشته وانتمائه، في ظل تجاهل عالمي مُخزٍ، أو انحياز فجّ لرواية القوي. وكأن العالم قد قرر أن يجعل من القتل اليومي مشهداً عادياً، بل مشروعاً، تحت ذريعة "حق الدفاع عن النفس"، حتى وإن كان هذا "المدافع" يملك الطائرات والدبابات، بينما لا يملك الضحية سوى صوته وأحلامه التي تُهدَّد كل يوم. لقد قرر العالم – أو من يتحكم بمصائره – أن يجعل من القتل مشهداً عادياً، بل مشروعاً، يُبرَّر باسم "الأمن"، حتى لو كانت الدبابات والطائرات بيد المعتدي، والمعتدى عليه لا يملك سوى صوته وأحلامه المهددة. وفي هذا الواقع المقلوب، يصبح الحديث عن "حقوق الإنسان" خطاباً أجوف، لا يُستحضر إلا إذا خدم مصالح الأقوياء، بينما تُجمّد العدالة حين تكون الضحية فلسطينية. اليوم، يحكم العالم منطق القوة؛ القوي يملك الحق، والضعيف يُجرد حتى من حق البقاء. ولم تعد القوة وسيلة لحماية الأمن، بل أصبحت معياراً للعدالة، وشرطاً للعيش. وهنا، يتحوّل السؤال الفلسطيني إلى سؤال أبدي: إلى متى نحمل أكفاننا في طريقنا إلى الحياة؟ إلى متى ننتظر عدالة لا تأتي، وغداً لا يقترب؟ ورغم هذا القهر الممتد، يبقى للفلسطيني سلاحه الوحيد: الكلمة. الكلمة التي تشهد، وتوثّق، وتفضح. الكلمة التي تُبقي الحقيقة حيّة في وجه الزيف، وتحمي الأمل من الاندثار.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store