
إيران وإسرائيل ... صراع الإرادات وطول النفس
لا يبدو الصراع بين إسرائيل وإيران مجرد مواجهة عسكرية اعتيادية. فخلف أزيز الطائرات ودويّ الصواريخ، تدور معركة أكثر عمقاً، معركة الإرادة، والقدرة على التحمل، والسيطرة على السردية الإعلامية. منذ اليوم الأول، أصبح واضحًا أن الطرفين يسعيان لتحقيق إنجازات تتجاوز الحسابات العسكرية المباشرة، للمس في عمق بنية النظام في الطرف الآخر، وتوازنات القوة في المنطقة.
وحسب ما تتناوله وسائل الاعلام الإسرائيلية والمحللين والخبراء العسكريين، تسعى إسرائيل، بعد الضربة الافتتاحية القوية، إلى ترسيخ تفوقها الجوي في سماء غرب إيران، وتوظيفه في استهداف أكثر دقة لمراكز حساسة تتعلق بالبنية الأمنية والنووية للنظام الإيراني. وقد نجحت في اغتيال عدد من الشخصيات المؤثرة داخل المؤسسة النووية والعسكرية، ما يبعث برسائل مزدوجة، للداخل الإيراني، بأن النظام عاجز عن حماية نخبته العلمية والعسكرية وللخارج، بأنها قادرة على الوصول متى وأينما تشاء.
في المقابل، لم تلتزم إيران بدورها التقليدي كمفعول به في المعادلة. فقد استهدفت عمق الداخل الإسرائيلي، ليس فقط عسكريًا، بل وبنية تحتية في مناطق مدنية، في محاولة واضحة لكسر صورة "الجبهة الداخلية. ورغم أن دقة الصواريخ الإيرانية تطورت، فإن خسائرها في المنصات والمخزون بدأت تتضح، ما قد يدفعها إلى تبني سياسة أكثر حذرًا أو تقنينًا في إطلاق الصواريخ خلال الأيام المقبلة. وذلك حسب محللين إسرائيليين.
الصراع الحالي ليس ميدانيًا فقط، بل رمزي وإعلامي أيضًا. إيران، التي تعاني داخليًا من احتجاجات وشكوك شعبية متزايدة، تُكثف من دعايتها، حتى لو تطلّب الأمر فبركة أخبار عن إسقاط طائرات إسرائيلية أو توقيع إسرائيل على اتفاق استسلام، كما زُعم عبر حسابات على مواقع التواصل. هذا السلوك يعكس حجم الحرج الذي يشعر به النظام الإيراني، خاصة مع فشل الرواية الرسمية في تفسير الاختراقات الجوية.
على الرغم من أن البرنامج النووي الإيراني هو الهدف المعلن للهجمات الإسرائيلية، إلا أن النتائج لا تبدو حاسمة بعد. صحيح، تمّت تصفية علماء، وتضررت منشآت، ولكن لا يوجد ما يؤكد تدمير مخزونات اليورانيوم المخصب أو أجهزة الطرد المركزي. إسرائيل تدرك أن وقف هذا البرنامج بالكامل يتطلب أكثر من مجرد ضربات محدودة، وربما يفتح الباب لتصعيد آخر إذا ما شعرت طهران بأن النظام بات على المحك.
رغم أن الطرفين يتعرضان لأضرار، إلا أن حجم المعاناة ليس متساويًا. وبما أن هذه حرب إعلامية بقدر ما هي عسكرية، فإن كل طرف يسعى لإخفاء خسائره.
يدعي بعض المحللين العسكريين الإسرائيليين بالقول: إنه ربما يكون الإنجاز الأبرز لإسرائيل حتى الآن هو الجمع بين تصفية شخصيات بارزة وتحقيق تفوق جوي. فالنظام الإيراني بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي يواجه تحديات داخلية كبيرة، وهو نظام غير شعبي بطبيعته. وإذا كان خامنئي ينظر إلى السماء ويتخيل طائرات إف-35 الإسرائيلية تحلق هناك، فلا شك أن ذلك يؤثر على ثقته. قد تدفع هذه الضغوط النظام إلى التشدد أكثر خشية الظهور بمظهر الضعيف، مما قد يعجّل بانهياره. ويُخشى في المقابل من أن يرد النظام باختراق نووي معلن، كأن يجري تجربة في صحراء مفتوحة.
أما على صعيد الصواريخ، فقد أحرزت إسرائيل تقدمًا مهمًا عبر تدمير عدد من منصات الإطلاق وتقليص المخزون الصاروخي. وقد شهد عصر أمس إطلاق دفعة صغيرة نسبيًا من إيران استهدفت مواقع استراتيجية، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت إيران ستلجأ إلى تقنين في استخدام ترسانتها الصاروخية. ومع ذلك، فإن أي صاروخ ينجح في تجاوز أنظمة الاعتراض يمكن أن يُحدث أضرارًا جسيمة.
الصراع الإسرائيلي-الإيراني تجاوز كونه معركة حدود أو نفوذ، إنه اختبار استراتيجي لقدرة كل نظام على البقاء في وجه أزمة متعددة الأبعاد، عسكرية، داخلية، ودولية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فلسطين أون لاين
منذ 5 ساعات
- فلسطين أون لاين
هل تقترب واشنطن من الانخراط العسكريِّ المباشر في حرب (إسرائيل) مع إيران؟
متابعة/ فلسطين أون لاين مع دخول التصعيد بين إيران وإسرائيل مرحلة جديدة واسعة النطاق، بدأت الولايات المتحدة بإعادة تموضع استراتيجي واضح، عبر نقل عشرات طائرات التزود بالوقود إلى أوروبا، وإرسال حاملة الطائرات "نيميتز" إلى الشرق الأوسط، في خطوة فسّرها خبراء بأنها رسالة ردع وتحشيد في آنٍ واحد، تفتح المجال أمام البيت الأبيض لاستخدام القوة العسكرية عند الضرورة، أو التلويح بها لدفع إيران نحو التسوية. ورغم تأكيد واشنطن المتكرر على رغبتها في تجنب الانخراط العسكري المباشر، فإن سلسلة التحركات الجوية والبحرية، مصحوبة بعودة مفاجئة للرئيس دونالد ترامب من كندا إلى واشنطن لمتابعة التطورات، تكشف عن نقطة تحول محتملة في استراتيجية الولايات المتحدة تجاه المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية. في موازاة التصعيد العسكري، تتحرك قطر وسلطنة عُمان في محاولة لرأب الصدع وطرح مبادرة لوقف إطلاق النار كمدخل لإعادة إحياء المحادثات النووية. وبحسب مصادر مطلعة، فإن إيران ربطت بوضوح بين استئناف المفاوضات ووقف العدوان الإسرائيلي، مؤكدة أنها لن تدخل أي مفاوضات تحت النار. ويتضمن الطرح العُماني المقترح تعليقاً محدوداً لتخصيب اليورانيوم، مقابل ضمانات أميركية بعدم التصعيد العسكري، وفتح المجال أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتفتيش المشدد. لكن حتى اللحظة، لم يُعلن عن موقف أميركي رسمي من هذا المقترح. في الميدان، تنخرط إسرائيل في حملة جوية واسعة تستهدف مواقع حيوية داخل العمق الإيراني، من تبريز إلى بوشهر، بما فيها مراكز مرتبطة بمنظومة الصواريخ والطائرات المسيّرة، فيما أعلنت تل أبيب قتل قائد بارز في الحرس الثوري في قلب طهران، في ضربة وُصفت بأنها من "أعلى درجات الخطورة والتحدي". في المقابل، ردت إيران بهجمات صاروخية دقيقة على أهداف نوعية في تل أبيب، من بينها مركز قيادة تابع للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، في تطور يؤكد الانتقال من ضربات تكتيكية إلى رسائل استراتيجية مباشرة. واشنطن في مفترق الخيارات: بين الردع والاندفاع نحو المعركة تواجه الإدارة الأميركية معضلة كبرى: من جهة، ترفض أن تُستدرج إلى حرب شاملة تخالف تعهدات ترامب الانتخابية، ومن جهة أخرى، تدرك أن التلويح بالقوة فقط لم يعد كافياً مع استمرار القصف المتبادل ورفض إيران تقديم تنازلات دون مقابل. وتعكس تصريحات مصادر البيت الأبيض نقلتها شبكة "سي إن إن" حول "موافقة ضمنية" هذا التباين، فهي تقدم دعما سياسيا من دون تفويض كامل للمغامرات الإسرائيلية. هذا التفاوت يعيد طرح إشكالية السيطرة الأميركية على سلوك الحليف الإسرائيلي في أوقات الأزمات، خاصة مع وجود حكومة يمينية في تل أبيب تفضل الحلول العسكرية على المسارات السياسية، وهو ما يعقّد المشهد الإقليمي ويهدد المصالح الأميركية الأوسع. الخبير العسكري اللواء فايز الدويري أشار إلى أن "تحركات واشنطن، بما فيها نقل 30 طائرة تزويد بالوقود، لا يمكن قراءتها كإجراء روتيني"، مضيفاً أن العقيدة الأمنية الحالية للإدارة الأميركية تسمح باستخدام القوة إن تم تجاوز "خطوط حمراء" كتهديد المصالح الأميركية المباشرة أو فشل إسرائيل في تحجيم المشروع النووي الإيراني. ويرى الدويري أن نمط العمليات الإسرائيلية يكشف نية لتوسيع بنك الأهداف على امتداد الجغرافيا الإيرانية، حيث لم تعد الضربات تقتصر على مراكز القيادة أو منشآت الحرس الثوري، بل امتدت نحو مواقع حيوية تشمل منشآت صناعية وعسكرية وأمنية من تبريز إلى بوشهر. ويلفت الدويري إلى أن التصعيد الحالي يعكس توجها مزدوجا من طرفين: أحدهما لتثبيت قواعد اشتباك جديدة، والآخر لاختبار حدود الخصم وقدرته على الاستنزاف، معتبرا أن طبيعة الأهداف وتنوعها تمثل تحولا من ضربات رمزية إلى عمليات إستراتيجية واسعة النطاق. وشملت الضربات الإيرانية استخدام طائرات مسيّرة هجومية ذات قدرة تدميرية عالية، استهدفت مواقع إسرائيلية وصفها الإعلام الرسمي بأنها "حيوية ومفصلية"، في حين اعتقلت الشرطة الإيرانية عنصرا قالت إنه يتبع للموساد وكان يعمل في تصنيع وتجريب متفجرات في مدينة كرج غربي طهران. وبحسب الدويري، فإن واشنطن معتادة تاريخيا على الدخول في الحروب، لكنها في معظم الحالات تخرج دون تحقيق أهداف واضحة، مما يُثير التساؤلات حول مدى استعدادها لمواجهة إيرانية مفتوحة. ويؤكد الخبير العسكري أن العقيدة القتالية التي تحكم سلوك الإدارة الأميركية الحالية، لا سيما في ظل نفوذ جماعات اليمين المسيحي المتطرف داخل الدائرة الضيقة المحيطة بترامب، تجعل خيار الحرب مطروحا بشدة، وإن بقي مرهونا بردود الأفعال الإيرانية في الأيام القليلة المقبلة. في ظل استمرار العمليات المتبادلة، وتوسيع بنك الأهداف ليشمل البنى التحتية، والمراكز القيادية، تبدو المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة، حيث يتقاطع الميدان مع السياسة، وتتعثر الجهود الدبلوماسية تحت وقع النيران. وتبقى واشنطن اللاعب الأثقل، القادر على قلب المعادلة سواء من خلال الانخراط أو الحسم السياسي، ما يجعل كل الاحتمالات مفتوحة على المدى القصير، في مشهد لم تتضح نهاياته بعد. المصدر / فلسطين أون لاين+ وكالات


معا الاخبارية
منذ 12 ساعات
- معا الاخبارية
إيران وإسرائيل ... صراع الإرادات وطول النفس
لا يبدو الصراع بين إسرائيل وإيران مجرد مواجهة عسكرية اعتيادية. فخلف أزيز الطائرات ودويّ الصواريخ، تدور معركة أكثر عمقاً، معركة الإرادة، والقدرة على التحمل، والسيطرة على السردية الإعلامية. منذ اليوم الأول، أصبح واضحًا أن الطرفين يسعيان لتحقيق إنجازات تتجاوز الحسابات العسكرية المباشرة، للمس في عمق بنية النظام في الطرف الآخر، وتوازنات القوة في المنطقة. وحسب ما تتناوله وسائل الاعلام الإسرائيلية والمحللين والخبراء العسكريين، تسعى إسرائيل، بعد الضربة الافتتاحية القوية، إلى ترسيخ تفوقها الجوي في سماء غرب إيران، وتوظيفه في استهداف أكثر دقة لمراكز حساسة تتعلق بالبنية الأمنية والنووية للنظام الإيراني. وقد نجحت في اغتيال عدد من الشخصيات المؤثرة داخل المؤسسة النووية والعسكرية، ما يبعث برسائل مزدوجة، للداخل الإيراني، بأن النظام عاجز عن حماية نخبته العلمية والعسكرية وللخارج، بأنها قادرة على الوصول متى وأينما تشاء. في المقابل، لم تلتزم إيران بدورها التقليدي كمفعول به في المعادلة. فقد استهدفت عمق الداخل الإسرائيلي، ليس فقط عسكريًا، بل وبنية تحتية في مناطق مدنية، في محاولة واضحة لكسر صورة "الجبهة الداخلية. ورغم أن دقة الصواريخ الإيرانية تطورت، فإن خسائرها في المنصات والمخزون بدأت تتضح، ما قد يدفعها إلى تبني سياسة أكثر حذرًا أو تقنينًا في إطلاق الصواريخ خلال الأيام المقبلة. وذلك حسب محللين إسرائيليين. الصراع الحالي ليس ميدانيًا فقط، بل رمزي وإعلامي أيضًا. إيران، التي تعاني داخليًا من احتجاجات وشكوك شعبية متزايدة، تُكثف من دعايتها، حتى لو تطلّب الأمر فبركة أخبار عن إسقاط طائرات إسرائيلية أو توقيع إسرائيل على اتفاق استسلام، كما زُعم عبر حسابات على مواقع التواصل. هذا السلوك يعكس حجم الحرج الذي يشعر به النظام الإيراني، خاصة مع فشل الرواية الرسمية في تفسير الاختراقات الجوية. على الرغم من أن البرنامج النووي الإيراني هو الهدف المعلن للهجمات الإسرائيلية، إلا أن النتائج لا تبدو حاسمة بعد. صحيح، تمّت تصفية علماء، وتضررت منشآت، ولكن لا يوجد ما يؤكد تدمير مخزونات اليورانيوم المخصب أو أجهزة الطرد المركزي. إسرائيل تدرك أن وقف هذا البرنامج بالكامل يتطلب أكثر من مجرد ضربات محدودة، وربما يفتح الباب لتصعيد آخر إذا ما شعرت طهران بأن النظام بات على المحك. رغم أن الطرفين يتعرضان لأضرار، إلا أن حجم المعاناة ليس متساويًا. وبما أن هذه حرب إعلامية بقدر ما هي عسكرية، فإن كل طرف يسعى لإخفاء خسائره. يدعي بعض المحللين العسكريين الإسرائيليين بالقول: إنه ربما يكون الإنجاز الأبرز لإسرائيل حتى الآن هو الجمع بين تصفية شخصيات بارزة وتحقيق تفوق جوي. فالنظام الإيراني بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي يواجه تحديات داخلية كبيرة، وهو نظام غير شعبي بطبيعته. وإذا كان خامنئي ينظر إلى السماء ويتخيل طائرات إف-35 الإسرائيلية تحلق هناك، فلا شك أن ذلك يؤثر على ثقته. قد تدفع هذه الضغوط النظام إلى التشدد أكثر خشية الظهور بمظهر الضعيف، مما قد يعجّل بانهياره. ويُخشى في المقابل من أن يرد النظام باختراق نووي معلن، كأن يجري تجربة في صحراء مفتوحة. أما على صعيد الصواريخ، فقد أحرزت إسرائيل تقدمًا مهمًا عبر تدمير عدد من منصات الإطلاق وتقليص المخزون الصاروخي. وقد شهد عصر أمس إطلاق دفعة صغيرة نسبيًا من إيران استهدفت مواقع استراتيجية، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت إيران ستلجأ إلى تقنين في استخدام ترسانتها الصاروخية. ومع ذلك، فإن أي صاروخ ينجح في تجاوز أنظمة الاعتراض يمكن أن يُحدث أضرارًا جسيمة. الصراع الإسرائيلي-الإيراني تجاوز كونه معركة حدود أو نفوذ، إنه اختبار استراتيجي لقدرة كل نظام على البقاء في وجه أزمة متعددة الأبعاد، عسكرية، داخلية، ودولية.


جريدة الايام
منذ 16 ساعات
- جريدة الايام
مهاجمة إيران تمهد الطريق لاستكمال التغييرات الإستراتيجية في المنطقة
افتتحت إسرائيل بنجاح كبير الحملة التاريخية التي استعدت لها أعواماً عديدة، والتي تهدف إلى إزالة التهديد الإستراتيجي القادم من إيران، قبل أن يتحول إلى تهديد وجودي. إن تحقيق حرية العمل الجوي في غرب إيران ووسطها، واستغلال عنصر المفاجأة لضرب علماء البرنامج النووي وكبار مسؤولي المنظومة العسكرية الإيرانية، يهيّئان ظروفاً مواتية جداً لجهد عسكري متواصل يستهدف البنية التحتية للبرنامج النووي العسكري الإيراني ومنظومة إنتاج وتشغيل الصواريخ الباليستية بعيدة المدى لديها. كل ذلك، بطبيعة الحال، في مقابل الثمن الذي لا مفرّ منه، والمتمثل في تعرُّض الجبهة الداخلية الإسرائيلية للضرر، وهو ما كان يمكن أن يكون أثقل كثيراً لولا أن إسرائيل ألحقت أضراراً جسيمة بـ"حزب الله". إن القدرة على الحفاظ على حرية العمل طوال الفترة الزمنية اللازمة لإتمام المهمة نابعة أيضاً من حقيقة أن إسرائيل انتظرت التوقيت الأمثل الذي يضمن الدعم الأميركي للعملية الإسرائيلية، والتسليم بها بصمت من جانب بقية الدول الغربية البارزة، ألمانيا وبريطانيا وفرنسا. لقد قُبل ادّعاء إسرائيل أن إيران بدأت بالتقدم نحو إنتاج سلاح نووي، ليس فقط من خلال تسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى عالٍ جداً (60%)، حسبما ظهر في تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما يتيح التخصيب إلى المستوى المطلوب لإنتاج جهاز تفجير نووي خلال أيام، بل أيضاً من خلال بدء عملية التسليح تم قبول هذا الادعاء واعتُبر صادقاً ومبرِّراً للعملية العسكرية الإسرائيلية. وساهم في ذلك أيضاً رفض إيران العرض الأميركي في المفاوضات التي جرت بين الجانبين، والتقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أكد أن إيران خرقت التزاماتها في إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وأدارت برنامجاً منظماً لإنتاج السلاح النووي. دفع هذا التقرير مجلس المحافظين في الوكالة إلى اتخاذ قرار يدين إيران، وينقل الملف إلى مجلس الأمن. في ظل هذه الظروف، ومع الأخذ بعين الاعتبار الدعوات المتكررة من النظام الإسلامي في طهران إلى القضاء على إسرائيل، تم الحصول على الشرعية الدولية للعملية الإسرائيلية. تُعتبر حرية العمل العملياتي والفترة الزمنية المتاحة لإسرائيل عنصرين حاسمين في معالجة جميع مكونات البرنامج النووي، الذي يشمل عدداً كبيراً من المنشآت المنتشرة على امتداد إيران، العديد منها كبير ومعقد، وبعضها تحت الأرض. حتى الآن، هاجمت إسرائيل جزءاً صغيراً فقط من هذه المنشآت، وألحقت بها ضرراً غير قليل، لكن لا تزال أمامها مهمة كبيرة. ولمنع إيران من إعادة استخدامها، هناك حاجة إلى مهاجمة عدد منها، بما في ذلك منشأة التخصيب في نتانز ومصنع تحويل اليورانيوم في أصفهان، اللذين سبق أن تعرّضا لهجمات عدة مرات، وبطبيعة الحال يجب أيضاً التعامل مع مخزونات اليورانيوم، ومنشآت إنتاج أجهزة الطرد المركزي، ومناجم اليورانيوم، ومصنع إنتاج أوكسيد اليورانيوم المركّز، وفي نهاية المطاف، منشأة التخصيب تحت الأرض في فوردو والمنشآت المستخدمة في برنامج التسليح وبرنامج الصواريخ. إذا ما استغلت إسرائيل الوقت وقامت بمعالجة منهجية لجميع هذه العناصر، فهناك احتمال لتحقيق أهداف الحملة، وإزالة التهديد النووي والصاروخي الإيراني أعواماً عديدة. ويزداد هذا الاحتمال في حال قررت الولايات المتحدة الانضمام إلى الهجمات، خصوصاً إذا ما عملت ضد منشأة التخصيب في فوردو. ويبدو أن الولايات المتحدة ستمتنع عن ذلك ما دامت إيران لا تتحرك ضد أهداف أميركية في إطار ردها على الهجمات الإسرائيلية. ولضمان تحقيق الأهداف لفترة طويلة، يُفضّل أن تؤدي الحملة إلى تقويض مكانة النظام الإسلامي إلى حد سقوطه. فالضربات التي يوجّهها الجيش الإسرائيلي إليه مؤلمة ومحرجة، وتنضم إلى الضائقة الاقتصادية، ومشكلات البنية التحتية، وازدياد الضغط الدولي من الولايات المتحدة، التي قد تنضم إليها دول أُخرى، إذا قررت إحدى دول الغرب إعادة فرض العقوبات الاقتصادية من خلال آلية "سناب - باك". إن احتمالات تحقُّق هذا السيناريو ضئيلة في هذه المرحلة، لكنها ليست مستحيلة في ظل الظروف الراهنة، والكثير يتوقف على الشعب الإيراني، الذي يشعر بعضه بأن ما يحدث قد يكون فرصة لن تتكرر لسنوات طويلة. بافتراض أن حلم تغيير النظام لن يتحقق، لا يزال من الممكن ضمان تحقيق الأهداف في المدى الطويل من خلال اتفاق بين إيران المُنهكة والولايات المتحدة، يضمن رقابة أميركية صارمة على النشاطات النووية الإيرانية من دون حدود زمنية، ويمنع إيران من إعادة تأهيل المنشآت، أو حيازة اليورانيوم المخصّب، أو تخصيب اليورانيوم على أراضيها، في مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات؛ لكن احتمال التوصل إلى مثل هذا الاتفاق ليس مرتفعاً، ولذلك من المحتمل أن يعتمد الحفاظ على الإنجاز في المدى الطويل على المحافظة على حرية العمل العملياتي، مثلما هي الحال في السياق اللبناني. إنها مهمة معقدة، لكنها ليست مستحيلة، إذا ما تم الحفاظ على حرية العمل الجوي. على أيّ حال، كلما تمكنت إسرائيل من تحقيق أهداف الحملة، فإن قرارها بمهاجمة القدرات الإستراتيجية الإيرانية بقواها الذاتية، سيمهد الطريق لاستكمال التغييرات في الصورة الإستراتيجية الإقليمية، لا سيما بعد أن ألحقت أضراراً جسيمة بـ"حزب الله" و"حماس"، وهيأت الظروف لسقوط نظام الأسد في سورية. ستكمل إسرائيل العمل على انهيار المحور الإيراني، وتزيل التهديدات المحدقة بها، وترسّخ مكانتها كقوة مركزية فاعلة، تعمل بالتنسيق مع القوة العظمى، الولايات المتحدة، لدفع بنية إقليمية قائمة على التعاون الاقتصادي المساهم في الاستقرار. قد يُضعف هذا التطور "حزب الله" في لبنان، ويُحسّن فرص تحقيق أهداف الحرب في غزة، ويشجع النظام الجديد في سورية على تبنّي سياسة مقبولة من إسرائيل. كذلك، ستُعزَّز احتمالات الدفع باتفاقيات أبراهام وتوسيعها. في ضوء ذلك، يجب النظر إلى أهمية تحقيق أهداف عملية "شعب كاللبؤة" على أنها تتجاوز السياق الضيق المتعلق بالتهديد الإيراني. في ظل هذه الصورة، من الواضح أن النظام الإيراني يرى في الهجوم الإسرائيلي تهديداً وجودياً، وسيبذل كل ما في وسعه لإفشاله، عبر تدفيع إسرائيل أثماناً باهظة بطرق متنوعة، مع محاولة ردع الولايات المتحدة أيضاً، من دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة معها. على إسرائيل أن تسعى لإحباط هذه المحاولات بكل ما أوتيت من قدرة.