المفاوضات مستمرة.. الروس يرفضون تسليم مطار اللاذقية المدني لدمشق
كشفت مصادر سورية خاصة عن تعثر المفاوضات بين الحكومة السورية وروسيا، حول مطار اللاذقية المدني (الباسل سابقًا)، والذي تحاول دمشق استعادته وإعادة تشغيله، فيما ترفض موسكو تسليمه للسلطات السورية بسبب الوضع الأمني في الساحل السوري.
وذكرت المصادر لـ "إرم نيوز" أن المفاوضات بين دمشق وموسكو حول إعادة استخدام مطار اللاذقية بدأت منذ زيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في الـ28 من يناير من العام الماضي، ولم تصل إلى أي نتيجة حتى الآن.
وفقًا للمصادر، تحاول موسكو الوصول إلى تفاهم واعتراف نهائي من قبل السلطات الجديدة بقاعدتي حميميم وطرطوس على الساحل السوري، وترفض حتى السماح لممثلي هيئات الطيران المدني بدخول المطار المدني الذي يتداخل مع مطار حميميم العسكري. إذ يقتصر عمل موظفي هيئة الطيران المدني السوري على العمل في برج المراقبة وتنسيق الأجواء مع مركز المراقبة الرئيس في دمشق.
ووفقًا للمصادر، أعرب الضباط الروس في قاعدة حميميم، عن خشيتهم من استخدام المطار المدني الملاصق للقاعدة الجوية الروسية منطلَقًا لعمليات عدائية ضد القوات والقدرات العسكرية الروسية، وذلك في ظل الوضع الأمني الهش الذي تعيشه البلاد، وخاصة في الساحل السوري.
وزاد الأمر تعقيدًا منذ المجازر التي حصلت في الساحل السوري في مارس/ آذار الماضي، حيث تحولت أراضي ومرافق المطار المدني إلى مقر وملجأ لآلاف النازحين من القرى العلوية في جبلة وريفها، وما زال عدد كبير منهم يشغل المكان ويرفض الخروج رغم محاولات السلطات السورية إخراجهم.
ومؤخرًا، أقامت القوات السورية حواجز عسكرية ونشرت قناصة في محيط مطار حميميم، في أربع من القرى المحيطة بالمطار، في مشهد قالت مصادر إنه شكل استفزازًا للروس الذين يواصلون مراقبة ما يجري حول القاعدة بتأهب عال.
مطار "سوري بالكامل"
يوضح مصدر مطلع على مجريات المفاوضات بين الطرفين، أن دمشق تعتبر مطار اللاذقية سوريًّا بالكامل، وأن الحكومة تعمل على إعادة تشغيله في أقرب وقت، لكنه اليوم مصنف ضمن بند "حالة خاصة"، نظرًا للتعقيدات المحيطة به، وهي تعلم أن حل هذا الأمر مرهون بالتفاهمات الجارية مع الجانب الروسي.
وكانت الحكومة السورية، أعلنت في أواخر فبراير، عبر رئيس هيئة الطيران المدني أشهد صليبي عن عزمها إعادة تأهيل مطار اللاذقية بعد الانتهاء من تأهيل مطار حلب، إلا أن الأمور لم تجر كما يجب في المفاوضات مع الروس. وخاصة بعد مجازر الساحل وتحول المطار إلى ملجأ لآلاف العائلات الهاربة.
مطار اللاذقية - حميميم
مطار اللاذقية هو مطار مدني يبعد عن مدينة اللاذقية، حوالي 19 كم جنوبًا، ويضم صالة استقبال للقادمين والمغادرين، وصالات للشحن والمخازن، ويعتبر المطار أحد مقرات شركة الخطوط الجوية السورية. وتجاوره قاعدة حميميم العسكرية الروسية وتشترك معه في بعض المرافق.
قبل الوجود الروسي في سوريا كانت القاعدة مطارًا مدنيًّا صغيرًا يستقبل الطيران المروحي، لكن دمشق وسعته واستخدمته لاحقًا لاستقبال الطائرات المدنية الصغيرة والمتوسطة.
وفي الـ26 من أغسطس/آب 2015، تم توقيع اتفاق بين نظام الأسد وروسيا، يقضي بنشر قوات جوية روسية في القاعدة "بهدف الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة". وأكدت الاتفاقية، التي نشرت بعد أشهر من توقيعها، أن "الوجود العسكري الروسي في القاعدة ذو طابع دفاعي بحت وليس موجهًا ضد أي دولة أخرى".
وقد منحت الاتفاقية القوات العسكرية الروسية حق استخدام قاعدة حميميم الجوية في كل وقت دون مقابل ولأجل غير مسمى.
ومنذ إنشائها عام 2015، أصبحت قاعدة حميميم مركزًا رئيسًا للقوات الجوية الروسية لتنفيذ ضرباتها الجوية والصاروخية ضد مواقع للمعارضة السورية. ونفّذت القوات آلاف الطلعات القتالية التي أسفرت عن تدمير أهداف كثيرة.
توسعة القاعدة
بعد عام على توقيع الاتفاقية، أجرت روسيا عمليات توسعة للقاعدة لتناسب هبوط الطائرات الكبيرة، إضافة إلى إنشاء بنية تحتية لإيواء العسكريين، مثل الوحدات السكنية والمناطق الرياضية ومركز صحي ومطاعم ومستشفى ميداني.
وأصبحت مساحة القاعدة عقب عمليات التوسيع 3 ملايين متر مربع، وأصبح المدرّج الرئيس بعرض 100 متر وبطول 4600 متر، بهدف تسهيل عمليات هبوط طائرات "أنتونوف" و"سوخوي" الروسية، فضلًا عن تجهيز مواقع لنشر منظومات صواريخ "بانتسير". ولاحقًا تم نصب منظومات "إس 400" المتطورة للدفاع الجوي.
كما أعلن عن تخصيص ساحات لهبوط وإقلاع طائرات النقل "آن-124" (روسلان) الثقيلة، حتى لا تعرقل عمليات شحن وتفريغ هذه الطائرات العملاقة وعمليات صيانتها الحركة الاعتيادية في المطار.
وبعد سنوات، عملت روسيا على توسيع نطاق القاعدة، وشمل ذلك إنشاء مهبط ثانٍ، وحظائر للطائرات، ونظام مركزي للتزود بالوقود.
ما بعد الأسد
عقب سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، كشفت مصادر عن تحركات لطائرات الشحن الروسية من قاعدة حميميم باتجاه ليبيا. وأظهرت صور بالأقمار الصناعية في الـ15 من ديسمبر/كانون الأول عدم وجود تغييرات كبيرة في التمركز العسكري الروسي في القاعدة، إذ ظلّت الطائرات الحربية والمروحيات في مواقعها المعتادة.
وتتمتع القاعدة الروسية في حميميم بأهمية بالغة لدى الروس، إذ تسعى موسكو للبقاء فيها، فيما ذكر العديد من التقارير أن مباحثات عديدة جرت بين الحكومتين السورية والروسية حول بقاء القاعدتين الروسيتين في سوريا.
وسبق أن أقر الرئيس السوري، أحمد الشرع في تصريحات صحفية بأن "هناك مصالح إستراتيجية عميقة" بين سوريا وروسيا، والتي زودت على مدى عقود الجيش السوري بالأسلحة ووفرت التمويل لمحطات طاقة وسدود وبنية تحتية رئيسة أخرى.
وبحسب ما ذكرته وكالة رويترز سابقًا، فإن بوتين عرض في ديسمبر الماضي استخدام القاعدتين الروسيتين مركزين لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري، في حين قال سفير موسكو لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا حينها إن تحالف روسيا مع سوريا "ليس مرتبطًا بأي نظام".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ 3 ساعات
- الديار
تفجير انتحاري يستهدف الجيش الصومالي
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب قال شهود عيان لرويترز إنّ "ما لا يقلّ عن عشرة أشخاص قتلوا، بعدما استهدف انتحاري صفاً من المجنّدين الشباب الذين كانوا يسجّلون أسماءهم في قاعدة دامانيو العسكرية في العاصمة الصومالية مقديشو"، في هجوم أعلنت حركة "الشباب" مسؤوليتها عنه. وقال الشهود، وفق ما نقلت وكالة "رويترز"، إن "المراهقين كانوا يصطفون عند بوابة القاعدة عندما فجّر المهاجم المتفجّرات التي بحوزتهم". وأشار أحد الشهود إلى أنه "كنتُ على الجانب الآخر من الطريق. توقّفت عربة توك توك مسرعة، ونزل منها رجل، واصطدم بالطابور، ثم فجّر نفسه. رأيتُ عشرة قتلى، بينهم مجنّدون ومارة. عدد القتلى مرشح للارتفاع"، كما قال. بدوره، قال الطاقم الطبي في المستشفى العسكري، لـ"رويترز"، إنهم استقبلوا "30 مصاباً من جرّاء الانفجار بينهم 6 توفوا على الفور". في حين طوّقت القوات الحكومية المنطقة بأكملها بسرعة. من جهتها، في بيانٍ صدر أعلنت حركة "الشباب" مسؤوليتها عن الهجوم، مشيرةً إلى أنها "قتلت ما يصل إلى 30 جندياً وأصابت 50 آخرين". يذكر أنّ هجوماً مماثلاً حدث عام 2023 عندما قتل انتحاري 25 جندياً في قاعدة جالي سياد الواقعة مقابل منشأة دامانيو.

القناة الثالثة والعشرون
منذ 13 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
المفاوضات مستمرة.. الروس يرفضون تسليم مطار اللاذقية المدني لدمشق
كشفت مصادر سورية خاصة عن تعثر المفاوضات بين الحكومة السورية وروسيا، حول مطار اللاذقية المدني (الباسل سابقًا)، والذي تحاول دمشق استعادته وإعادة تشغيله، فيما ترفض موسكو تسليمه للسلطات السورية بسبب الوضع الأمني في الساحل السوري. وذكرت المصادر لـ "إرم نيوز" أن المفاوضات بين دمشق وموسكو حول إعادة استخدام مطار اللاذقية بدأت منذ زيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في الـ28 من يناير من العام الماضي، ولم تصل إلى أي نتيجة حتى الآن. وفقًا للمصادر، تحاول موسكو الوصول إلى تفاهم واعتراف نهائي من قبل السلطات الجديدة بقاعدتي حميميم وطرطوس على الساحل السوري، وترفض حتى السماح لممثلي هيئات الطيران المدني بدخول المطار المدني الذي يتداخل مع مطار حميميم العسكري. إذ يقتصر عمل موظفي هيئة الطيران المدني السوري على العمل في برج المراقبة وتنسيق الأجواء مع مركز المراقبة الرئيس في دمشق. ووفقًا للمصادر، أعرب الضباط الروس في قاعدة حميميم، عن خشيتهم من استخدام المطار المدني الملاصق للقاعدة الجوية الروسية منطلَقًا لعمليات عدائية ضد القوات والقدرات العسكرية الروسية، وذلك في ظل الوضع الأمني الهش الذي تعيشه البلاد، وخاصة في الساحل السوري. وزاد الأمر تعقيدًا منذ المجازر التي حصلت في الساحل السوري في مارس/ آذار الماضي، حيث تحولت أراضي ومرافق المطار المدني إلى مقر وملجأ لآلاف النازحين من القرى العلوية في جبلة وريفها، وما زال عدد كبير منهم يشغل المكان ويرفض الخروج رغم محاولات السلطات السورية إخراجهم. ومؤخرًا، أقامت القوات السورية حواجز عسكرية ونشرت قناصة في محيط مطار حميميم، في أربع من القرى المحيطة بالمطار، في مشهد قالت مصادر إنه شكل استفزازًا للروس الذين يواصلون مراقبة ما يجري حول القاعدة بتأهب عال. مطار "سوري بالكامل" يوضح مصدر مطلع على مجريات المفاوضات بين الطرفين، أن دمشق تعتبر مطار اللاذقية سوريًّا بالكامل، وأن الحكومة تعمل على إعادة تشغيله في أقرب وقت، لكنه اليوم مصنف ضمن بند "حالة خاصة"، نظرًا للتعقيدات المحيطة به، وهي تعلم أن حل هذا الأمر مرهون بالتفاهمات الجارية مع الجانب الروسي. وكانت الحكومة السورية، أعلنت في أواخر فبراير، عبر رئيس هيئة الطيران المدني أشهد صليبي عن عزمها إعادة تأهيل مطار اللاذقية بعد الانتهاء من تأهيل مطار حلب، إلا أن الأمور لم تجر كما يجب في المفاوضات مع الروس. وخاصة بعد مجازر الساحل وتحول المطار إلى ملجأ لآلاف العائلات الهاربة. مطار اللاذقية - حميميم مطار اللاذقية هو مطار مدني يبعد عن مدينة اللاذقية، حوالي 19 كم جنوبًا، ويضم صالة استقبال للقادمين والمغادرين، وصالات للشحن والمخازن، ويعتبر المطار أحد مقرات شركة الخطوط الجوية السورية. وتجاوره قاعدة حميميم العسكرية الروسية وتشترك معه في بعض المرافق. قبل الوجود الروسي في سوريا كانت القاعدة مطارًا مدنيًّا صغيرًا يستقبل الطيران المروحي، لكن دمشق وسعته واستخدمته لاحقًا لاستقبال الطائرات المدنية الصغيرة والمتوسطة. وفي الـ26 من أغسطس/آب 2015، تم توقيع اتفاق بين نظام الأسد وروسيا، يقضي بنشر قوات جوية روسية في القاعدة "بهدف الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة". وأكدت الاتفاقية، التي نشرت بعد أشهر من توقيعها، أن "الوجود العسكري الروسي في القاعدة ذو طابع دفاعي بحت وليس موجهًا ضد أي دولة أخرى". وقد منحت الاتفاقية القوات العسكرية الروسية حق استخدام قاعدة حميميم الجوية في كل وقت دون مقابل ولأجل غير مسمى. ومنذ إنشائها عام 2015، أصبحت قاعدة حميميم مركزًا رئيسًا للقوات الجوية الروسية لتنفيذ ضرباتها الجوية والصاروخية ضد مواقع للمعارضة السورية. ونفّذت القوات آلاف الطلعات القتالية التي أسفرت عن تدمير أهداف كثيرة. توسعة القاعدة بعد عام على توقيع الاتفاقية، أجرت روسيا عمليات توسعة للقاعدة لتناسب هبوط الطائرات الكبيرة، إضافة إلى إنشاء بنية تحتية لإيواء العسكريين، مثل الوحدات السكنية والمناطق الرياضية ومركز صحي ومطاعم ومستشفى ميداني. وأصبحت مساحة القاعدة عقب عمليات التوسيع 3 ملايين متر مربع، وأصبح المدرّج الرئيس بعرض 100 متر وبطول 4600 متر، بهدف تسهيل عمليات هبوط طائرات "أنتونوف" و"سوخوي" الروسية، فضلًا عن تجهيز مواقع لنشر منظومات صواريخ "بانتسير". ولاحقًا تم نصب منظومات "إس 400" المتطورة للدفاع الجوي. كما أعلن عن تخصيص ساحات لهبوط وإقلاع طائرات النقل "آن-124" (روسلان) الثقيلة، حتى لا تعرقل عمليات شحن وتفريغ هذه الطائرات العملاقة وعمليات صيانتها الحركة الاعتيادية في المطار. وبعد سنوات، عملت روسيا على توسيع نطاق القاعدة، وشمل ذلك إنشاء مهبط ثانٍ، وحظائر للطائرات، ونظام مركزي للتزود بالوقود. ما بعد الأسد عقب سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، كشفت مصادر عن تحركات لطائرات الشحن الروسية من قاعدة حميميم باتجاه ليبيا. وأظهرت صور بالأقمار الصناعية في الـ15 من ديسمبر/كانون الأول عدم وجود تغييرات كبيرة في التمركز العسكري الروسي في القاعدة، إذ ظلّت الطائرات الحربية والمروحيات في مواقعها المعتادة. وتتمتع القاعدة الروسية في حميميم بأهمية بالغة لدى الروس، إذ تسعى موسكو للبقاء فيها، فيما ذكر العديد من التقارير أن مباحثات عديدة جرت بين الحكومتين السورية والروسية حول بقاء القاعدتين الروسيتين في سوريا. وسبق أن أقر الرئيس السوري، أحمد الشرع في تصريحات صحفية بأن "هناك مصالح إستراتيجية عميقة" بين سوريا وروسيا، والتي زودت على مدى عقود الجيش السوري بالأسلحة ووفرت التمويل لمحطات طاقة وسدود وبنية تحتية رئيسة أخرى. وبحسب ما ذكرته وكالة رويترز سابقًا، فإن بوتين عرض في ديسمبر الماضي استخدام القاعدتين الروسيتين مركزين لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري، في حين قال سفير موسكو لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا حينها إن تحالف روسيا مع سوريا "ليس مرتبطًا بأي نظام". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

المدن
منذ يوم واحد
- المدن
بعد ميناء طرطوس.. ماذا بقي لروسيا في سوريا؟
لم يكن موقع "روسيا اليوم" أميناً في العنوان ومقدمة الخبر الذي نشره عن التفاهم الموقّع بين الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية، وبين شركة "موانئ دبي" العالمية، بخصوص استثمار ميناء طرطوس. فقد أشار العنوان إلى أن المذكرة الموقّعة تعنى بتطوير "البنية التحتية للمرافئ"، من دون أن يحدد المرفأ المقصود. ويمكن تفهّم "الغصّة" الروسية، في الإقرار بخسارة ميناء طرطوس التجاري. ففي مطلع آذار المنصرم، تحدث الرئيس التنفيذي لشركة "ستروي ترانس غاز" الروسية المستثمرة للميناء، بثقة مطلقة، عبر وكالة "رويترز"، ليؤكد أن عملية إلغاء عقد استثمار شركته للميناء، "مجرد كلام". في إشارة إلى إعلان مدير جمارك طرطوس التابع لإدارة الرئيس أحمد الشرع، في 22 كانون الثاني الفائت، إلغاء عقد استثمار الشركة الروسية للميناء. بعد ذلك، بأيام قليلة فقط (في 29 كانون الثاني الفائت)، زار وفد روسي برئاسة نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، دمشق، والتقى بالشرع. وضم الوفد الروسي ممثلين عن شركة "ستروي ترانس غاز". ووفق تصريحات بوغدانوف حينها، فإن ممثلي الشركة الروسية أكدوا للجانب السوري استعدادهم لمواصلة العمل، مشيرين إلى الصعوبات التي واجهت عملهم سابقاً. وبعدها بأيام جرت أول محادثة هاتفية، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الشرع. منذ ذلك المنعطف، اتبعت موسكو دبلوماسية هادئة وإيجابية حيال الإدارة السورية الجديدة. وفيما كان ممثلو الدول الأوروبية منغمسين في جدال مطوّل حول المسار الواجب إتباعه حيال السلطة السورية الجديدة، وحجم ما يمكن رفعه من عقوبات، في حين كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا تزال مشغولة في ترتيب ملفات أكثر أولوية بالنسبة لها من الملف السوري، كانت موسكو في ذلك الحين، تقدم البادرة الإيجابية تلو الأخرى، حيال الإدارة الجديدة في دمشق. فالتزمت بالعقد الموقّع بينها وبين حكومة النظام البائد، وزوّدت الحكومة الجديدة بشحنات من العملة السورية المطبوعة لديها، في وقت كانت فيه السوق تعاني من نقص كبير في السيولة من الليرة. ومن ثم، أرسلت موسكو مليون برميل نفط خام إلى الشواطئ السورية. تلاها مليون برميل نفط أخرى. وبات واضحاً أن النفط الروسي سيملأ الفراغ الناجم عن توقف النفط الإيراني الذي بقي لسنوات شريان حياة "سوريا الأسد". ومن ثم، شحنت موسكو حمولة من القمح إلى ميناء اللاذقية. كان جلياً أن رهان موسكو هو أن تجذب القيادة السورية الجديدة إليها، فيما كان الغرب يبتزها بالعقوبات، خلال الأشهر الثلاثة التي سبقت شهر أيار الجاري. لكن التطورات في هذا الشهر، خيّبت الرهان الروسي تماماً، فقد استُقبل الشرع بحفاوة في باريس، وتلقى وعداً فرنسياً بالدفع نحو رفع العقوبات الأوروبية في شهر حزيران المقبل. ومن ثم جاء اللقاء التاريخي بين الشرع وترامب في الرياض، بعيد إعلان رفع العقوبات الأميركية عن سوريا. لكن لا يعني ذلك، أن العلاقة بين الطرفين، الإدارة الجديدة في دمشق وموسكو، انقلبت بصورة دراماتيكية، في أيار الجاري. فالمراقبة الدقيقة لما كان يحدث على الصعيد الاقتصادي- الاستثماري تحديداً، تكشف أنه فيما كانت موسكو تبادر كانت دمشق تتملص. ورغم أن إدارة الشرع لم ترد على تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة "ستروي ترانس غاز" في مطلع آذار الفائت، والتي قال فيها إن شركته لا تزال تدير ميناء طرطوس، إلا أنه في التوقيت نفسه تقريباً، كانت الحكومة السورية تعلن، بلسان مدير عام الشركة العامة للأسمدة، تخليص الشركة من العقد الروسي، بوصفه بارقة أمل جديدة لدعم القطاع الزراعي في سوريا. وكانت "ستروي ترانس غاز" أيضاً، هي المستثمر لهذه الشركة بمعاملها الثلاثة، بموجب عقدٍ مع نظام الأسد عام 2018 ولـ49 عاماً. بعد ذلك بأسابيع، أي خلال شهر نيسان الفائت، أعلنت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية عن تصدير شحنة فوسفات عبر ميناء طرطوس، لأول مرة منذ سقوط النظام السابق. ولم يرافق ذلك أي إعلان أو تصريح يتعلق بمصير استثمار "ستروي ترانس غاز" لمناجم الفوسفات بتدمر لـ50 عاماً بموجب عقدٍ وقّعته مع نظام الأسد عام 2018. إلا أن إعلان الإدارة السورية الجديدة عن مزايدة لبيع عشرات آلاف الأطنان من الفوسفات الرطب من مناجم الفوسفات بتدمر، ومن ثم الإعلان عن مناقصات لإنتاج الفوسفات، كان مؤشراً يشي بقوة إلى أن عقد الاحتكار الروسي الشهير لفوسفات الشرقية بتدمر، قد ذهب أدراج الرياح هو الآخر. آخر الخسارات الروسية المؤكدة، هو ميناء طرطوس، الذي منحه نظام الأسد لـ"ستروي ترانس غاز" عام 2019، لـ49 عاماً. فقد أصبح الميناء استثماراً إماراتياً. وتُعتبر استثمارات "ستروي ترانس غاز" أضخم الاستثمارات الروسية في سوريا. إذ تصعب الإشارة إلى استثمارات أخرى ذات شأن مقارنة بها. لكن، رغم ضخامة هذه الاستثمارات، من حيث القيمة المعلنة للتمويل المتفق عليه فيها -نصف مليار دولار في حالة ميناء طرطوس- إلا أن الشركة الروسية لم تلتزم ببنود تطوير البنية التحتية وحجم الإنتاج في معظم هذه المشاريع. وفي حالة ميناء طرطوس، تذرعت الإدارة السورية الجديدة بصورة واضحة بهذه النقطة، في إعلان فسخها لعقد استثمار الشركة الروسية للميناء، في 22 كانون الثاني الفائت. وينطبق ذلك على الشركة العامة للأسمدة بحمص، بمعاملها الثلاثة، التي لم تلتزم الشركة الروسية ببنود صيانتها وزيادة الإنتاج فيها، حتى أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الأسمدة في الأسواق السورية بصورة غير مسبوقة. وبهذا الصدد، يمكن الإشارة إلى أن حكومة نظام الأسد، في كانون الأول 2023 كانت بصدد وقف تزويد "ستروي ترانس غاز" بالغاز الضروري لتشغيل معمل الأسمدة بحمص، على خلفية تفاقم أزمة توافر الأسمدة بالسوق المحلية. وطلب رئيس الوزراء الأسبق، حسين عرنوس، يومها، من وزير الصناعة في حكومته، البحث عن خيارات بديلة، بعد الوصول إلى قناعة بأن العقد مع الشركة الروسية لم يحقق الجدوى الاقتصادية منه. أي أن حكومة النظام السابق كانت تتجه نحو إلغاء العقد، في حينها. وهكذا، ورغم رسائل "خطب الود" الروسية حيال السلطة الجديدة في دمشق، تجنبت هذه الأخيرة الوقوع في الفخ الذي وقع فيه قبلها نظام الأسد. فروسيا أنقذت بشار الأسد من السقوط عسكرياً، بعيد تدخلها عام 2015، لكنها فشلت في إنقاذه من تداعيات الانهيار الاقتصادي اللاحق لذلك. وكانت تركة استثماراتها مُكلفة على المصلحة الوطنية السورية، وغير مجدية للاقتصاد السوري. ويمكن تذكر تبجح بشار الأسد، مراراً، بعيد العام 2018، بأن كعكة إعمار سوريا ستكون من نصيب الحلفاء (روسيا، إيران، والصين). لكن أياً من هؤلاء الحلفاء لم يسهم في إعمار سوريا، وتركوا كعكتها للخراب، حتى يئست الحاضنة الموالية للنظام منه، وانفضت عنه عشية سقوطه. وهو درس نراهن على أن الحكومة السورية الحالية تدركه جيداً. ومهما كانت أثمان الاتجاه غرباً، سياسياً، فهي ستبقى مجدية أكثر بلغة الاقتصاد، ومفيدة بصورة أكبر لحياة المواطن السوري المرهق.