logo
الجزيرة نت تحاور أستاذا من هارفارد.. هل العلماء على أعتاب سلاح بيولوجي جديد؟

الجزيرة نت تحاور أستاذا من هارفارد.. هل العلماء على أعتاب سلاح بيولوجي جديد؟

الجزيرة٢٨-٠٢-٢٠٢٥

يوم 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي، نشر فريق من الباحثين نتائج جديدة في مجلة "ساينس" المرموقة حول المخاطر المحتملة الناجمة عن تطوير ما يسمى البكتيريا المرآوية، وقال الفريق، المؤلف من 38 خبيرًا بارزين يعملون في نطاقات المناعة والبيئة وعلم الأحياء التطوري، إن العمل على إنشاء هذا النوع من البكتيريا شهد تقدمًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، ونحتاج 10 سنوات فقط للوصول إليها.
لذلك، فإن التهديد الذي تمثله البكتيريا المرآوية ليس وشيكًا، لكن البيانات التي خلصت إليها الورقة البحثية تشير إلى أن مجرد ظهورها قد يشكّل مخاطر كبيرة على الكائنات الحية والبيئة. ومن ثم، فقد دعا المؤلفون إلى إجراء محادثات واسعة النطاق بين العلماء وصُناع السياسات وممولي الأبحاث، بغرض وضع مسار أفضل ومحاولة تخفيف المخاطر المستقبلية المحتملة.
لكن ما هي تلك البكتيريا الخطيرة التي تتخذ اسما عجيبا؟ وكيف يعمل العلماء على تخليقها؟ وهل حقًا يمكن أن نتجنب تحويلها لسلاح بيولوجي فتاك؟ حول هذا حاورت الجزيرة نت دكتور جورج تشرش، أستاذ علم الوراثة في جامعة هارفارد والمؤلف المشارك لـ716 ورقة بحثية و164 منشور براءة اختراع، وهو أحد الخبراء المشاركين في تأليف الورقة البحثية المذكورة.
كائنات حية معكوسة الجزيئات
في البداية طلبنا من الدكتور تشرش أن يشرح للقارئ بشكل مُبسّط فكرة الحياة المرآوية، فأجاب بأنها كائنات حية صناعية معكوسة على المستوى الجزيئي، وهي مسألة لا تزال افتراضية حتى الآن، لكن التقدم التقني قد يجعلها ممكنة في وقتٍ ما.
ولكي نفهم الأمر، سوف نفترض أنك تضع يدك اليمنى أمام المرآة، وفي هذه الحالة سوف يبدو انعكاسها كما لو كان ليدك اليسرى. وبشكلٍ مماثل، يمكن نظريا أن نصنع نسخة مطابقة معكوسة من الجزيئات الحيوية التي تتكوّن منها الكائنات.
فعلى المستوى الجزيئي، تمتلك هذه الجزيئات أيضًا يدًا تستخدمها وتتعرف من خلالها على بعضها بعضا، ونحن نصف هذه الجزيئات (مثل النيوكليوتيدات التي تبني الحمض النووي أو الأحماض الأمينية التي تبني البروتينات) بأنها يسارية أو يمينية في تكويناتها.
إن المسألة أشبه بغرفة مليئة بأشخاص، بعضهم يمتلك يدا يمنى فقط والبعض الآخر لديه يد يسرى، ومن الصعب أن يقوم هؤلاء بالمصافحة بهذه الطريقة، فليس من الطبيعي أن أقوم بمصافحة بين اليدين اليمنى واليسرى، لكن الطبيعي أن نفعل ذلك باليد ذاتها، والشيء نفسه في الجزيئات، فهي تعتمد على اليد، وتتعرف على بعضها البعض من خلال الشكل الذي يشمل اليد، ومن ثم يحدث بينها الترابط بالطريقة التي تتقابل بها اليدان اليمنى واليسرى للمصافحة.
مخاطر محتملة
ويشير مايكل كاي، أستاذ الكيمياء الحيوية في جامعة يوتا، وهو أحد المشاركين أيضًا في الورقة البحثية، إلى أن إنشاء بكتيريا مرآوية قد يمثل تهديدًا نظرًا لإمكانية تكاثرها دون رادع، لأنه ليس من الوارد في حالة مثل هذه أن يتم التحكم فيها بواسطة أي من آليات المكافحة الطبيعية التي تمنع البكتيريا من التكاثر والنمو والمفرط.
ويضيف كاي إن هذه الآليات، المتمثلة في الجهاز المناعي وإنزيمات الجهاز الهضمي أو في المضادات الحيوية، تعمل مثل الكائنات المفترسة للبكتيريا وتساعد في إبقائها تحت السيطرة، وليس متوقعًا أن تعمل هذه الآليات على الكائنات المرآوية بالطريقة ذاتها، لأنه على الرغم من تلك البكتيريا تشبه كيميائيا البكتيريا المعتادة، إلا أن انعكاسها الكيميائي يصعب ارتباط المضادات الحيوية مثلا بها، نحتاج في هذه الحالة لمضاد حيوي معكوس الصورة، من ناحية كيميائية، وربما لا يصلح.
ومن جانبه، لا يقدم تشرش تأكيدًا تامًا على ما ذكره كاي، حيث يرى أنه ربما تكون هناك كائنات مرآوية بالفعل على الأرض وأن أجسامنا قد اعتادت التعامل معها، لكن ذلك سيبقى أمرًا غير معلوم، صحيح أن لا أحد سبق أن عثر عليها، لكن هذا لا يعني أنها غير موجودة، ربما فقط لم نبحث عنها بشكل صحيح.
كما أن ثمة احتمالًا لوجود إنزيمات يمكنها التعامل مع الشكل المرآوي دون أن نعلم شيئًا عنها، وربما أيضًا تتمكن البكتيريا الطبيعية من التعامل مع المرآوية والتخلص منها في حالة ظهور الأخيرة، أو أن البكتيريا الطبيعية في ذلك الوقت قد تتطور وتصبح قادرة على التهامها.
ويضيف تشرش "ونحن نعلم أن البشر لا يتكونون من خلايا بشرية فقط، فهم مغطوّن ومليئون بطبقة من الكائنات الدقيقة والبكتيريا. وبالتالي، فإن الكائنات الحية الدقيقة في أجسامنا وأجسام النباتات قد تحقق ما لا يستطيع الجسم البشري القيام به بمفرده".
وعلى سبيل المثال، تحتوي أمعاء الناس في اليابان على ميكروبات تفرز بعض الإنزيمات القادرة على هضم الأعشاب البحرية، بينما لا يمتلك الناس في أميركا الشمالية ميكروبات مماثلة، وقد يحدث أن تتكيف الكائنات الحية في أجسامنا مع الوضع في حالة ظهور بكتيريا مرآوية.
ومع ذلك، يشير تشرش إلى أنه إذا ابتكر شخص ما عمدًا نوعًا من البكتيريا الخارقة، فلا يزال ثمة احتمال قائم بأن تطغى على جهاز المناعة لدينا، لأن جهاز المناعة البشري مهم لمحاربة البكتيريا وقد تدرب وتطور للقيام بذلك مع الوقت، وإنشاء بكتيريا جديدة قد يؤدي إلى إخفاق الجهاز المناعي في التعرف عليها، وبالتالي عدم القدرة على هضمها وقتلها والتسبب في الإصابة بالأمراض.
ويعني ذلك وجود قدر كبير من عدم اليقين في الوقت الحالي، فليس هناك ما يكفي من المعلومات للتنبؤ بالمسار الذي قد تتخذه الكائنات الدقيقة المرآوية في حالة ظهورها، ولا بالمخاطر التي قد تترتب على ذلك.
سلاح بيولوجي أم سبيل للعلاج؟
وبسؤال دكتور تشرش حول إمكانية سعي بعض المعامل العسكرية إلى تسريع العمل على إنتاج بكتيريا المرآة بغرض استخدامها كسلاح بيولوجي، أشار إلى ذلك كان بالفعل جزءًا من المخاوف التي طرحتها الورقة البحثية.
ويضيف "ولكن إذا كنت قلقًا من استخدامها مستقبلًا كسلاح، فهناك الكثير من الأشياء التي يمكن توظيفها بهذا الشأن، حيث يجب أن تقلق من الفيروسات أيضًا، ونحن نجري الكثير من الأبحاث حول الفيروسات، ولا يمكن أن نوقف ذلك لمجرد أن شخصًا أو جهة يمكنه استخدامها كسلاح، لذلك لم أتفق تمامًا مع بعض استنتاجات البحث، لكني شعرت بأنه من الهام مناقشتها علنًا بدلا من إخفائها".
جدير بالذكر أن تشرش نجح عام 2016، بمشاركة فريق من الباحثين في جامعة تسينغهوا الصينية، في تطوير إنزيم مرآوي يقوم باثنتين من أهم العمليات الحيوية، هما: نسخ الحمض النووي وتحويله إلى حمض نووي ريبوزي، وهو الأمر الذي وصفه تشرش في ذلك الوقت بـ"العلامة الرائعة الفارقة". والحمض النووي يمثل شفرات الحياة الموجودة في أنوية كل خلايانا، والمسؤولة عن تركيب كل شيء في الجسم تقريبا، بداية من لون الشعر والعينين ووصولا إلى أدق التراكيب الخلوية.
لكن هذا لا يحدث بشكل مباشر، بل يجب أن تخرج تلك الشفرات خارج النواة ليتم فكها، وهنا يظهر الحمض النووي الريبوزي الذي يمثل الرسول الناقل لتلك الشفرات، ومن ثم يتم تحويلها إلى بروتينات.
وفي هذا السياق، أشار تشرش إلى أن هدفه النهائي، المتمثل في صُنع خلية مرآوية، لا يزال يواجه تحديات هائلة، نظرًا لأن ترجمة الحمض النووي الريبوزي إلى بروتينات تتم بواسطة الريبوسوم، وهو آلة جزيئية معقدة وتبدو إعادة بناء صورة معكوسة لها مهمة شاقة. وبدلا من ذلك، كانت جهود تشرش تتركز في محاولة تحوير الريبوسوم الطبيعي بغرض تمكينه من التعامل مع الحمض النووي الريبوزي المرآوي.
ووفقا لذلك، فإن مشاركة تشرش في الورقة البحثية الأخيرة -التي تناقش المخاطر المحتملة لبكتيريا المرآة- تأتي في سياق الدعوة إلى مناقشة متأنية ومدروسة لهذه المخاطر، قبل اتخاذ قرارات بشأن متابعة الأبحاث بهذا الصدد، وأنه لا ينبغي المضي قدمًا في إنشاء بكتيريا مرآوية إذا لم تظهر أدلة دامغة تؤكد أن هذه الكائنات لن تشكل تهديدًا على الحياة، خاصة أن ثمة فريقًا على جانب آخر يرى منافع منتظرة وجوانب إيجابية في توليد خلايا مرآوية.
وبسؤاله عن أوجه الاستفادة تلك، أشار تشرش إلى أن الجزيئات المرآوية تعيش لفترة أطول سواء في البيئة أو الجسم البشري، وهذه هي الميزة الرئيسية التي يمكن استثمارها في النواحي العلاجية، نظرًا لأن بعض الأدوية المكوّنة من بروتين، تواجه تحللًا سريعًا في الجسم بواسطة الإنزيمات الهضمية، ويحدث ذلك أحيانا في غضون دقائق ويجعل علاج الأمراض المزمنة صعبًا.
ولكن الإنزيمات الهضمية لا تتعرف على الجزيئات المعكوسة (المرآوية) مما يمنحها القدرة على الاستمرار داخل الجسم لوقت أطول وأداء وظيفتها بفعالية. وفي الوقت الحالي يتم تحضير هذه العلاجات المرآوية كيميائيا، غير أن ذلك مكلف ماديا، وفي حالة تطوير بكتيريا مرآوية يمكنها أن تقوم بتصنيع مثل هذه الجزيئات المعكوسة، بما يسمح بإنتاج العلاجات المرآوية على نطاق واسع وبطريقة أكثر كفاءة.
المضادات الحيوية.. تأثير محدود
وحول إمكانية ابتكار أو استخدام مضادات حيوية مرآوية أيضًا، لمكافحة بكتيريا المرآة في حالة تفشيها أو تهديدها للحياة مستقبلًا، أوضح دكتور تشرش أن المضادات الحيوية جزيئات صغيرة تستهدف آليات البقاء أو التكاثر في البكتيريا، وتشكل واحدة من أهم الطُرق لمكافحة العدوى البكتيرية، ورغم أن معظم المضادات الحيوية ليست مرآوية، لكن هناك مجموعة من الحقائب التي تحتوي على مواد كيميائية، ونعلم من خلال النظر إليها أنها قادرة على العمل في حالة بكتيريا المرآة، كما أن تلك المضادات الحيوية التي لن تعمل إلا في الحياة الطبيعية، يمكن (بدرجات متفاوتة من الصعوبة) أن نصنع منها نسخا مرآوية.
لكن المشكلة تكمن في التغطية، لأن انتشار عدوى بكتيريا مرآوية لن يفرق بين الإنسان والنباتات والحيوانات، وسوف تكون الأنواع كلها معرضة للخطر، ونحن لم نضطر أبدًا إلى حمايتهم جميعا في وقت واحد، أضف لذلك قابلية هذه البكتيريا للتنوع التطوري في البرية، وبالتالي فإن المضادات الحيوية ربما لن تمنع إلا جزءا ضئيلا من ضرر هائل.
وتتناول الورقة البحثية هذه المسألة بالمزيد من التفصيل، حيث تشير إلى احتمالية تطور أنواع معينة من البكتيريا المرآوية، بحيث تصبح بعيدة عن منال أي من المضادات الحيوية المعروفة، كما أن قابلية استجابة البكتيريا للمضاد الحيوي ليست العامل الوحيد الذي يحدد الفعالية السريرية.
وعلى سبيل المثال، فإن الخصائص الحركية الدوائية للمضاد الحيوي قد تجعله غير قادر على الوصول إلى موقع معين من العدوى بتركيز كافٍ لإحداث التعافي. وبالتالي، فمن غير المؤكد ما إذا كان المضاد الحيوي -الذي من المتوقع أن يحتفظ بفعاليته عبر أنواع مختلفة من البكتيريا المرآوية- سوف يعالج فعليًا الالتهابات الناجمة عن سلالة بكتيرية مرآوية معينة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بنوك الدم خاوية في غزة والمجاعة تؤثّر على صحة المتبرعين
بنوك الدم خاوية في غزة والمجاعة تؤثّر على صحة المتبرعين

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

بنوك الدم خاوية في غزة والمجاعة تؤثّر على صحة المتبرعين

غزة – كالمعتاد، عند الثامنة صباحا فتح قسم بنك الدم في مجمع ناصر الطبي ب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة أبوابه، ولنحو 4 ساعات، رصدت الجزيرة نت هدوءا تاما ومقاعد فارغة، على وقع أصوات الإنذار الصادرة عن سيارات الإسعاف، التي تتوافد على المجمع محملة بجرحى غارات جوية إسرائيلية مكثفة على المنازل وخيام النازحين. طوال هذه الساعات لم يحضر سوى متبرع واحد، اعتاد على التبرع بالدم منذ ما قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عقب عملية " طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن يوسف التلاوي يقول للجزيرة نت إنه خلال الشهور الستة الماضية امتنع عن التبرع لشعوره بـ"الهزال والدوخة بسبب المجاعة وسوء التغذية". صبيحة أول أمس الأحد، استيقظ التلاوي وفي نيته التبرع وقد تملّكه الحزن لعدم وجود ما يتناوله من طعام قبل التوجه لبنك الدم، ولولا دعاه صديق له لتناول الإفطار برفقته لما تمكّن من ذلك، ويقول "لا أملك غير دمي للتبرع به للمساعدة في إنقاذ جريح قد تكون قطرة منه تعني الحياة بالنسبة له". قبل اندلاع الحرب كان التلاوي (25 عاما) معتادا على التبرع بشكل دوري ومستمر، مرة كل 3 شهور، غير أن العدوان لم يمنحه الفرصة سوى 3 مرات فقط للتبرع بالدم، ويُرجع هذا الشاب، المتزوج حديثا والذي رُزق بطفلته الأولى، السبب "ل استهداف المستشفيات والحصار والمجاعة وسوء التغذية". إعلان تشير مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم في وزارة الصحة الدكتورة صوفيا زعرب إلى "ظاهرة ملفتة لعزوف الشباب عن التبرع بالدم"، وتقول للجزيرة نت إنها ازدادت على نحو كبير منذ تشديد الحصار وإغلاق المعابر في 2 مارس/آذار الماضي، وما تبع ذلك من تفشي المجاعة وسوء التغذية. وحسب زعرب، لم يدخل رصيد بنك الدم في مجمع ناصر الطبي خلال الأيام الثلاثة الماضية سوى 10 وحدات دم فقط، في مقابل صرف 250 وحدة في الفترة ذاتها منذ صباح يوم الجمعة الماضي، لمواكبة الأعداد الهائلة من الجرحى. من جانبه، يقول شريف إهليل، وهو شاب رياضي في الثلاثين من عمره، للجزيرة نت "أشعر أنني لست بخير"، وكلما عزم على التبرع بالدم يتردد ويعزف عن ذلك. كان إهليل لاعبا لكرة القدم في أندية محلية، ويؤكد أنه لا يعاني من أية أمراض، غير أنه لا يتناول أي طعام صحي منذ إغلاق المعابر واستئناف الحرب على القطاع في 18 مارس/آذار الماضي، حيث لا تتوفر اللحوم والدواجن والأسماك في الأسواق، والخضراوات شحيحة وأسعارها "فلكية"، ويعتمد في غذائه اليومي على ما تبقى لديه من أغذية معلبة حصل عليها في طرود مساعدات إنسانية سابقة. وتقول الدكتورة زعرب إن "المجاعة فتكت بالجميع، وكثيرون من أمثال إهليل في مرحلة الشباب يعانون من سوء التغذية، ويخشون من التبرع بالدم، وبينهم من يتعالى على جوعه ويأتي للتبرع، ولكنه يشعر بالتعب والدوخة ولا يستطيع إكمال الوحدة، ونضطر لإتلاف الكمية التي سُحبت منه". واقع خطير أحد هؤلاء شاب في العشرينيات من عمره، بجسد تبدو عليه الصحة، حضر قبل بضعة أيام للتبرع بالدم، وبعد دقائق معدودة من جلوسه على المقعد المخصص وهو ينظر إلى أنبوب متصل بكيس طبي يُفترض أن يمتلئ بوحدة الدم، ظهرت عليه فجأة علامات التعب الشديد وبدأ يتصبب عرقا وأُصيب بالغثيان والدوخة. لاحظت عليه الموظفة ذلك، وسألته فورا "هل تناولت أي شيء قبل حضورك للتبرع؟ وعندما أخبرها أن آخر ما دخل جوفه "قطعة صغيرة من الخبز تناولها مع القليل من الزعتر الليلة الماضية"، نزعت الأنبوب من يده، ورفضت تبرعه. ووفقا للدكتورة زعرب، فإن مثل هذه الحالة تتكرر مع متبرعين يؤثرون على أنفسهم ويتعالون على آلامهم للتبرع بالدم، تلبية لنداءات متواترة ومستمرة من المستشفيات، للمساهمة في إنقاذ أرواح جرحى، غير أن تداعيات الجوع تظهر عليهم أثناء عملية نقل الدم، التي تتطلب "طاقة وسعرات حرارية وتعويضا سريعا للسوائل والسكريات المفقودة، وهي أشياء رغم بساطتها مفقودة بسبب الحصار والمجاعة". ودرجت العادة على منح العصائر للمتبرع بالدم، لكنها توضح أن بنوك الدم في غزة تفتقر لهذه العصائر بسبب الحصار ومنع الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، و"في أحيان كثيرة لا نجد حتى كوبا من المياه العذبة ليشربه المتبرع". ووصفت المسؤولة الطبية واقع بنوك الدم بأنه "معقد وخطير ومقلق للغاية"، وتقدّر أن رصيد الدم المتوفر حاليا يكفي لأربعة أيام فقط في أحسن الأحوال، ما لم تشهد الاعتداءات الإسرائيلية تصعيدا على نحو أكبر وأوسع. قيود إسرائيلية تعاني بنوك الدم في غزة من عجز كبير في أرصدة الدم، وفي أجهزة نقل الدم والأكياس ومواد للفحص، وتقول الدكتورة زعرب إن الكثير من المواد والمستلزمات "رصيدها صفر"، حيث يمنع الاحتلال إدخالها ووحدات دم من الخارج لتغذية الأرصدة ومواكبة التطورات وإنقاذ الجرحى والمرضى، وآخرها كمية من متبرعين ب الضفة الغربية منع إدخالها قبل استئنافه الحرب. وتؤكد "جراء ذلك، نعمل في ظروف صعبة واستثنائية لا تتناسب مع الضغط الهائل في أعداد الجرحى يوميا، وبتنا نحتاج لنحو نصف ساعة من أجل تجهيز وحدة دم واحدة بطريقة يدوية، وهي ضعف المدة التي كنا نستغرقها في الوقت الطبيعي". وتضيف مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم في وزارة الصحة صوفيا زعرب أن شدة الاعتداءات وما ينجم عنها من جرحى، وما تعانيه بنوك الدم من عجز ونواقص في كل شيء، "يجعل من الالتزام بالمعايير الطبية العالمية أمرا صعبا ومعقدا، ونضطر أحيانا لتجاوزها من حيث قياس نسبة الهيموغلوبين، والوزن، والضغط، والتأكد من سلامة المتبرع وخلوه من الأمراض، وقدرته على التبرع". ونتيجة ضغط الحاجة، تضطر بنوك الدم أحيانا للتعامل مع متبرعين يعانون من سوء التغذية، وهو ما يفسر معاناة الأغلبية في الوقت الحالي من الدوخة والصداع والهزال والغثيان، بعد عملية سحب الدم، وفق زعرب.

قاح جديد لفيروس نقص المناعة البشرية: نتائج مبكرة واعدة
قاح جديد لفيروس نقص المناعة البشرية: نتائج مبكرة واعدة

أخبار قطر

timeمنذ 5 أيام

  • أخبار قطر

قاح جديد لفيروس نقص المناعة البشرية: نتائج مبكرة واعدة

فتحت أبواب التجارب السريرية لاختبار استراتيجية جديدة للحماية من فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب (إتش آي في) أمام نتائج مبكرة واعدة، حسب تقارير نُشرت في دورية «ساينس». تم اختبار لقاحات تستهدف الفيروس بالخلايا الإنتاشية لتنشيط الخلايا البائية وتحفيزها على إنتاج أجسام مضادة. يُعتبر هذا النهج أكثر فعالية من الحبوب اليومية للوقاية من الإصابة بالفيروس. تطرق الباحثون إلى أن الاستهداف بالخلايا الإنتاشية يحتاج إلى جرعات محددة لتحضير الخلايا البائية وتوجيه نضجها لإنتاج أجسام مضادة فعّالة. وأشار الباحثون إلى أنهم رأوا استجابة مناعية واعدة لدى المشاركين، مما يؤكد على نجاح هذه الاستراتيجية الجديدة في مكافحة الفيروس. وتم استخدام تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال في تجارب مبكرة أخرى، مما ساهم في تحضير الخلايا الإنتاشية بنجاح. تم إجراء التجارب في الولايات المتحدة ورواندا وجنوب أفريقيا، حيث يعيش أغلب مرضى فيروس نقص المناعة البشرية. وبفضل تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال، يبدو أن هناك فرصة لتطوير اللقاح بشكل أسرع وأكثر فعالية. هذا يفتح الباب أمام اختبارات أكثر للقاحات التي تستهدف الخلايا الإنتاشية، خاصة للسكان الأفارقة الأكثر احتياجًا للحماية من الفيروس.

دراسة: 75% من أنواع الطيور بأميركا الشمالية في تراجع
دراسة: 75% من أنواع الطيور بأميركا الشمالية في تراجع

الجزيرة

time٠٤-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

دراسة: 75% من أنواع الطيور بأميركا الشمالية في تراجع

أظهرت دراسة شاملة عن أعداد الطيور أن 3 أرباع أنواع الطيور في مختلف أنحاء أميركا الشمالية آخذة في الانحدار، وهي أحدث علامة على أزمة انقراض بطيئة الحركة تهدد النظم البيئية بأكملها. واستندت الدراسة التي نشرت في مجلة "ساينس" إلى بحث نُشر عام 2019 استخدم بيانات الرادار ووجد أن أميركا الشمالية فقدت أكثر من 3 مليارات طائر بين عامي 1970 و2017. لكنها ركّزت على دراسة جغرافية أكثر تفصيلا لاتجاهات أعداد ما يقرب من 495 نوعا من الطيور. وباستخدام نموذج التعلم الآلي لمراعاة التغيرات في كيفية ملاحظة الناس للطيور بمرور الوقت، وجد الباحثون أن 75% من الأنواع الموثقة كانت في انحدار. وقام فريق البحث بقيادة الأخصائية البيئية بجامعة سانت أندروز في أسكتلندا، أليسون جونستون بتحليل قاعدة بيانات قوية على الإنترنت تسمى "إيبيرد" (eBird)، والتي تجمع أكثر من 100 مليون مشاهدة للطيور من قبل علماء الطيور المحترفين ومراقبي الطيور الهواة في جميع أنحاء العالم كل عام. وبالنسبة لغالبية أنواع الطيور، كان الانخفاض الملحوظ بين عامي 2007 و2021 هو الأعظم في الأماكن التي توجد فيها بكثرة، مما يشير إلى أن الطيور تكافح حتى في معاقلها. ويقول العلماء إن الخسائر في أعداد الطيور في القارة يجب أن تكون بمثابة إنذار مبكر للأشخاص الذين يعيشون جنبا إلى جنب مع الطيور. وقالت جونستون "إن تلك المواقع التي كانت الأنواع تزدهر فيها ذات يوم، والتي كانت البيئة والموئل فيها مناسبين حقا لها، هي الآن الأماكن التي تعاني فيها أكثر من غيرها". من جهته، قال ريتشارد غريغوري، أستاذ في كلية لندن الجامعية -والذي لم يشارك في البحث- "إن هذه النتيجة تعزز النمط المعروف لتناقص أعداد الطيور، وبشكل عام، تشير الأدلة الكثيرة للأسف إلى تدهور وضع طيور أميركا الشمالية". ويبدو أن المناطق التي كانت تعتبر في السابق معاقل أو ملاجئ لبعض الأنواع هي نفسها التي تشهد الأزمة الأصعب، في حين تشهد مناطق أخرى ازدهار أنواع لا تعود أصولها إليها، مما يؤشر إلى هجرة جغرافية مرتبطة بالمناخ. وحسب الدراسة هناك عدة أسباب لهذا التدهور، من بينها رش المزارع -ومعظمها موائل للحشرات التي تتغذى عليها العديد من الطيور- بالمبيدات الحشرية وعلى طول السواحل، وكذلك أعمال البناء وغيرها من الأنشطة التي تلحق ضررا بالشواطئ والأراضي الرطبة حيث تتغذى الطيور وتبني أعشاشها. كما تؤدي درجات الحرارة الآخذة في الارتفاع في القطب الشمالي إلى تغيير موائل التكاثر الحيوية للطيور التي تعيش وتتكاثر هناك. ويمكن لهذا التحليل الدقيق أن يساعد العلماء والمسؤولين الحكوميين على فهم العوامل التي تسمح لطيور معينة بالازدهار بشكل أفضل، مما قد يسهم في كيفية حماية أنواع بأكملها. لكن نشطاء البيئة والمناخ يرون أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تدفع قدما بالتغييرات التنظيمية التي تضعف قانونا عمره قرن من الزمان يحمي الطيور المهاجرة وتسمح بمزيد من التعدين والبناء وغيرها من الأنشطة حتى لو كانت تدمر موائل الطيور المهددة بالانقراض وغيرها من الأنواع. وأشارت أماندا رودوالد، عالمة البيئة بجامعة كورنيل والتي شاركت في تأليف الدراسة، إلى أن بعض الضغوط نفسها التي تثقل كاهل الطيور، مثل تغير المناخ وتلوث الهواء، ضارة أيضا بصحة الإنسان ورفاهيته.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store