logo
في زمن السرعة البصرية.. كيف نرى الجمال في التفاصيل؟

في زمن السرعة البصرية.. كيف نرى الجمال في التفاصيل؟

الغدمنذ يوم واحد

رؤى أيمن الدويري
اضافة اعلان
عمان - في زحمة الحياة الحديثة، وبين الضغوط اليومية والمواعيد المتلاحقة، بات مرورنا على التفاصيل يشبه تقليب الصفحات بسرعة لا تتيح لنا التوقف عند الكلمات. لكن وسط هذا الركض، يتسلل إلى أذهاننا سؤال يبدو عابرا، لكنه في جوهره يحمل تأملا عميقا: هل ما نزال ننتبه للجمال بتفاصيله كافة؟الانتباه للجمال.. مهارة أم حالة ذهنية؟الانتباه للجمال لا يعني فقط القدرة على التقدير البصري أو الذوق الفني، بل هو حالة وعي، قد تبدأ كحس داخلي، لكنها مع الوقت تتحول إلى مهارة يمكن تدريبها وتطويرها. هو أن ترى الغروب لا كخلفية لصورة، بل كلحظة تلامسك. أن تتوقف عند ظل شجرة، أو صوت طير، أو تجاعيد وجه أم وتسمح لهذه التفاصيل أن تحدث أثرا فيك. الفنان أو المصور يدرب عينه على ملاحظة الجمال وأن يرى ما لا نراه، لأنه اعتاد الإصغاء قبل الحكم، والملاحظة قبل التصوير.يؤكد رئيس رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين إبراهيم الخطيب أن "الجمال فطرة"، فالطفل الصغير ينتبه للجمال بشكل طبيعي، لكن هناك جانب يكتسب مع الوقت، عبر الخبرة والممارسة. الفنان، برأيه، "يطبق على قواعد الجمال بصورة أعمق وأكثر وعيا"، ويكتسب مع الوقت قدرة على تحليل الألوان وتنسيقها، ما يجعل نظرته للجمال أكثر نضجا وعمقا.من جهته، يرى المصور رعد بطوش أن الجمال ليس مجرد لحظة بصرية، بل هو "فن الملاحظة"، موضحا "أن الصورة العادية يمكن لأي شخص أن يلتقطها، ولكن الفنان أو المصور يمتلك عينا ترى ما هو مختلف عن المألوف، وهذه هي النقطة التي تصنع الفرق". ويؤمن بطوش أن المصور الجيد لا يصنع صورة فقط، بل يوقظ إحساسا. يضيف "لكي يتطور المصور فنيا، يجب أن يتغذى بصريا، ويرى الأعمال العالمية، ويفهم ما الذي جعلها خالدة ومميزة عن غيرها".لماذا فقدنا هذه القدرة؟قد تكون التكنولوجيا جزءا من الجواب، إذ صارت الصور متشابهة، والجمال مستهلكا، والمشاهد تكرر نفسها حتى صرنا نمر عليها بلا اكتراث. في زمن تعج فيه منصات التواصل الاجتماعي بالصور المتقنة والمثالية، فقدنا علاقتنا الحقيقية مع الجمال غير المصطنع، ذاك الجمال الذي لا يصور من أجل الإعجاب، بل يعاش ببساطة وصدق.لكن السبب الأعمق ربما لا يكمن فقط في كثافة الصور، بل في وتيرة الحياة التي لا تمنحنا وقتا للتوقف. زحمة الجداول، ضغط الإنتاج، سيل الإشعارات، والمحتوى السريع الذي يفرض علينا الانتقال من مشهد إلى آخر من دون أن نمنح أي لحظة حقها من التأمل، كلها عوامل تضعف علاقتنا بالحس البصري الداخلي. حتى الدهشة، التي كانت ذات يوم استجابة فطرية لما هو جميل أو غير متوقع، أصبحت أمرا نادرا.المشكلة ليست في غياب المشاهد الجميلة من حولنا، بل في غياب المساحة النفسية التي تمكننا من الانتباه لها. في زمن التسارع، نعيش ما يشبه "التشبع البصري"؛ حيث تمر الصور والتجارب أمام أعيننا بسرعة، من دون أن تترك أثرا حقيقيا. من هذا المنطلق، لا يعد التباطؤ مجرد خيار جمالي، بل يصبح أداة لاستعادة حسنا الإنساني وقدرتنا على التفاعل الصادق مع ما نراه ونشعر به.وفي هذا السياق، يرى المصور رعد بطوش أن كثافة الصور المنشورة يوميا على وسائل التواصل الاجتماعي لا تعني بالضرورة أن الجمال قد أصبح مستهلكا أو بلا قيمة، قائلا "ما أزال أؤمن بأن الصور المميزة لا عمر لها، ويمكن تمييزها عن ملايين الصور الأخرى طالما حققت عنصر الاختلاف"، مشيرا إلى أن سر الصورة الجيدة لا يكمن في المعدات الحديثة، بل في العين التي ترى وتلتقط ما هو غير مألوف وسط العادي.ويتابع: "المصور المحترف لا يعتمد فقط على الكاميرا، بل على خلفيته البصرية وثقافته الفنية. قد تلتقط كاميرا هاتف ذكي صورة، لكن المصور الحقيقي هو من يدرك كيف يكونها، ويختار زاويتها، ويمنحها روحا". ويضيف أن التغذية البصرية المستمرة من خلال الاطلاع على الأعمال العالمية، وتحليل ما يميزها هي ما يطور الحس الجمالي لدى المصور، ويمنحه تلك العين المنتبهة القادرة على الإمساك بلحظة غير قابلة للتكرار.الجمال كدواء.. التأثير النفسي العميقعلم النفس يشير إلى أن الانبهار بالجمال له تأثيرات إيجابية كبيرة على الصحة النفسية. فقط تأمل بسيط لغيمة، أو شعور بالدهشة أمام لوحة فنية أو لحن مؤثر، يمكن أن يخفض التوتر، ويزيد من مشاعر الامتنان، ويعزز الإحساس بالمعنى. الانتباه للجمال ليس ترفا، بل شكل من أشكال الاستشفاء العاطفي.لحظة صغيرة من الإدراك البصري العميق، قد تكون ما نحتاجه لنستعيد توازنا داخليا أنهكته الحياة اليومية.ويعبر رئيس رابطة الفنانين التشكيليين إبراهيم الخطيب عن أهمية التأمل الجمالي بوصفه "حالة ذهنية تدعو إلى التطور والانتباه لما هو جميل"، مؤكدا أن الفنان حين يضع مشاعره وأحاسيسه على اللوحة، فهو لا يعرض فقط، بل يؤثر على المتلقي، ويخلق لحظة حقيقية من التأمل.أما عن الدهشة، فيقول بطوش إنه ما يزال يحتفظ بها كلما رأى مشهده المفضل: حيوان يقف أمام قوس الشمس في لحظة الغروب، حين يبدو جسد الحيوان غارقا بالكامل في وهج الضوء. مشهد قد يتكرر مرارا، لكنه بالنسبة له، لا يفقد سحره أبدا، لأنه يمس شيئا عميقا بداخله، ويعيد إليه شعور الدهشة الأولى في كل مرة.الانتباه كفعل مقاومةفي عالم السرعة، قد نتجاوز التفاصيل الصغيرة باعتبارها غير ضرورية، وقد يكون الانتباه للجمال شكلا من أشكال المقاومة الهادئة. أن ترى الجمال وتسمح له بأن يلمسك، هو أن ترفض أن تتحول إلى آلة لا تشعر، تكد وتنتج من دون أن تتذوق الحياة.التباطؤ من أجل رؤية الجمال هو إعلان صامت: "أنا ما أزال إنسانا"، وهو رفض للتبلد البصري والروحي الناتج عن الانشغال الدائم. لحظة النظر بتأن إلى لوحة، أو سماع لحن حتى نهايته من دون مقاطعة، أو الاكتفاء بتأمل شجرة تتمايل في الريح، كلها أشكال من استرداد الذات. هذا الانتباه لا يعني نكران الواقع، بل هو محاولة لفهمه من زاوية أخرى، تمنحه عمقا ومعنى، وتذكرنا أن هناك أشياء لا تقاس بالإنتاجية أو الفائدة المباشرة، لكنها تمنح الحياة روحها، وتعيد للإنسان إنسانيته.لكن الخطيب لا يرى أن ممارسة الفن تعني بالضرورة التباطؤ، بل يرى العكس تماما؛ حيث يعتقد أن "الفنان يسرع العجلة في عالم السرعة"، كونه قائدا اجتماعيا يحمل رسالة ويؤثر في مفاهيم المجتمع. فالفنان في نظره قادر على أن يتعدى الحدود بخيالاته، ويعيش في عالم جمالي خاص، يجعله في موقع مختلف عن الإنسان العادي.وفي حديثه عن الصورة المؤثرة، يؤكد بطوش أن هناك صورا تنتج كل عام، لكنها تبقى خالدة، مشيرا إلى تجربة المصور العالمي ديفيد يارو، الذي ينشر صورة أو اثنتين فقط سنويا، لكن كل صورة تحمل قصة تعاش، لا فقط تعرض، قائلا "قيمة الصورة ليست في كثرتها، بل في الصدق الذي تحمله، وفي اللحظة التي تختزنها".قد تكون لحظة الجمال في صوت العصافير عند الصباح، حين يتسلل اللحن الطبيعي إلى وجدانك قبل أن يبدأ اليوم. أو في الطريقة التي ينعكس فيها الضوء على كوب الشاي، في لحظة تبدو عابرة لكنها تختزن دفء البدايات. قد تكون في طفلة تتأمل انعكاس وجهها في بركة ماء، تكتشف ذاتها للمرة الأولى بعين مندهشة. في ملامح عجوز تبتسم من دون سبب ظاهر، كما لو أنها تبتسم لحكمة العمر، أو لذكرى مرت فجعلت العالم أكثر احتمالا.وقد تكون أيضا في مشهد شارع يغرق بضوء العصر، حين يصبح كل شيء مغطى بطبقة ذهبية تضفي على العادي طابعا ساحرا. في حركة ظل، أو تلاعب الريح بأوراق الشجر، أو في صمت لحظة داخل ضجيج العالم. هذه التفاصيل ليست كماليات نمر بها بلا اكتراث، بل مفاتيح سرية للحياة، تفتح أبوابا للسكينة، وتعلمنا كيف نعيش ببطء، ونرى بامتنان، وننتمي للعالم من جديد، لا كمستهلكين له، بل كمشاركين في جماله.ويقول الخطيب إن الفن ليس للعرض فقط، بل هو "حالة للحياة"، والجمال هو شيء "يعاش". ويضيف أن من أهم واجبات الفنان أن يربي الناس على رؤية الجمال. فبصفته معلما للفنون، لا يركز فقط على الإنتاج، بل على "تربية الجيل على حب الجمال، والانتباه لما يحيط بهم من مظاهر قد تبدو عادية لكنها تنطوي على سحر خاص".ربما نحتاج إلى إعادة تدريب أنفسنا على أن ننتبه. لا لنصبح فنانين، بل لنصبح أكثر إنسانية، أكثر حضورا في تفاصيل يومنا. أن نتوقف عن العبور السريع في كل شيء، ونتعلم من جديد كيف نصغي، كيف نبصر، لا فقط كيف نكمل الطريق. أن نمنح الأشياء الصغيرة حقها في أن تدهشنا.في زمن السرعة، فن الانتباه للجمال هو دعوة للبطء، للتأمل، للتماس مع ما هو حي فينا حتى لا ننسى أننا ما نزال نعيش، لا نؤدي فقط أدوارا مفروضة. أن ننتبه، هو أن نعترف بأن خلف كل لحظة عابرة، قد يكمن ما يذكرنا بإنسانيتنا، ويعيد وصلنا بما فقدناه في زحمة الأيام.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هل يخوض مكسيم خليل المنافسة في رمضان 2026 بـ'المماليك'؟
هل يخوض مكسيم خليل المنافسة في رمضان 2026 بـ'المماليك'؟

رؤيا نيوز

timeمنذ 3 ساعات

  • رؤيا نيوز

هل يخوض مكسيم خليل المنافسة في رمضان 2026 بـ'المماليك'؟

بدأ صُناع الأعمال الدرامية السورية إطلاق التحضيرات الخاصة بمسلسلات موسم دراما رمضان 2026 المقبل، إذ يجري حاليًا العمل على عدة أعمال ومشروعات درامية في سوريا، ما يعكس رغبة صُناع الدراما السورية في العمل الجاد على إعادة عجلة إنتاجها إلى وضعها الطبيعي عقب سقوط نظام الأسد. وأعلنت شركة 'إيبلا' للإنتاج الفني رسمياً عن مسلسل 'المماليك'، وكشفت عن بدء مرحلة التحضيرات للعمل التاريخي الجديد، عن طريق نشر مجموعة من الصور عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وثقت حضور بعض صُناع العمل في عدة مناطق سورية لمعاينة أماكن ومناطق التصوير المختلفة. وتساءل جمهور التواصل الاجتماعي عن أبطال مسلسل 'المماليك' من الممثلين، عقب نشر الجهة المنتجة للعمل صورًا من معاينة أماكن ومناطق التصوير الخاصة، تمهيدًا لانطلاق عمليات تصويره في غضون أسابيع قليلة. وأكدت مصادر إعلامية سورية متخصصة في الكتابة عن الفن اختيار مكسيم خليل وهيا مرعشلي لتجسيد ثنائية بطولة الخط الدرامي الأساسي الذي تتمحور حوله الأحداث في مسلسل 'المماليك'، بينما يجري حاليًا اختيار بقية الأبطال والممثلين الذين سيشاركون في العمل الدرامي الجديد. وحسب وسائل إعلام سورية، فإن مسلسل 'المماليك' ينتمي إلى نوعية الدراما التاريخية، إذ يتناول مرحلة دقيقة من تاريخ المنطقة، تشهد تقاطعات في المصالح والسياسات، في فترة معينة كانت نقطة تحول على الصعيدين السياسي والإنساني. ومن المقرر انطلاق عمليات تصوير مسلسل 'المماليك' بشكل كامل صيف 2025 الجاري، في عدد من المواقع الأثرية والطبيعية داخل سوريا، لتجسيد البيئة البصرية التي تعكس أجواء الحقبة التاريخية التي يتناولها العمل الدرامي، وهو من تأليف محمد اليساري، وإخراج نور أرناؤوط.

ليلي نجيب ايليا
ليلي نجيب ايليا

الغد

timeمنذ 4 ساعات

  • الغد

ليلي نجيب ايليا

اضافة اعلان من آمن بي وان مات فسيحيا انتقلت الى الأمجاد السماوية فقيدة آل حبايب وآل ايليا الفاضلة ليلي نجيب ايليا ( أم الأديب ) ارملة المرحوم المحامي سامي أديب حبايب ووالدة كل من أديب زوجته ريم عطالله ونسيب زوجته ريما قعوار وديانا زوجة روبير كارمي وشقيقة كل من المرحومين مينا وطوني وسميرة التي وافتها المنية يوم الخميس الموافق 12-6-2025 وسيتم تشييع جثمانها يوم السبت الموافق 14-6-2025 في تمام الساعة الثانية عشر ظهرا من كنيسة دخول السيد إلى الهيكل الأرثوذوكس - الصويفيةالى مقبرة سحاب سيقام جناز الثالث والتاسع والأربعين عن راحة نفس طيبة الذكر يوم الإثنين الموافق 16-6-2025 في كنيسة دخول السيد إلى الهيكل للروم الارثوذكس الساعة الرابعة بعد الظهر تقبل التعازي في قاعة جمعية النبر التعاونية أيام السبت والأحد من الساعة الرابعة بعد الظهر إلى الساعة التاسعة مساء ويوم الإثنين بعد الجناز مباشرة وحتى التاسعة مساء. [email protected] كما تقبل التعازي من خلال البريد الإلكتروني الرب أَعطى والرّب أَخذ فَليكن اسم الرَّب مباركًا قد يكون تحديد الموقع لاقرب نقطة وصول فقط ، وذلك بحسب معطيات خرائط جوجل ولا علاقة للتطبيق بهذا الامر

محمد وائل زكي أصلان
محمد وائل زكي أصلان

الغد

timeمنذ 4 ساعات

  • الغد

محمد وائل زكي أصلان

اضافة اعلان بسم اللّهِ الرحمن الرَّحيم يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي انتقل الى رحمة الله تعالى فقيد آل أصلان وآل كمال المهندس محمد وائل زكي أصلان ( أبو زكي ) زوج الفاضلة هيام كمال ووالد كل من زكي أصلان (زوجته هلا دلال) وريم أصلان (زوجها محمد الأسد) ورامي أصلان (زوجته رجاء القواف) وجدّ كل من هدى وقيس الأسد، وسامر وهيّا ودينا وتالا ونورا أصلان وسيتم تشييع جثمانه اليوم الجمعة الموافق 13-6-2025 بعد صلاة الظهر من مسجد الفيحاء في الشميساني الى مقبره بيادر وادي السير تُقبل التعازي للرجال والنساء في ديوان آل عبد الهادي - الشميساني وذلك اعتباراً من يوم الجمعة من الساعة الخامسة إلى الساعة التاسعة مساء ولمدة يومين إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون قد يكون تحديد الموقع لاقرب نقطة وصول فقط ، وذلك بحسب معطيات خرائط جوجل ولا علاقة للتطبيق بهذا الامر

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store