
"نرغب في العودة إلى الجنينة، لكن نخشي الموت والمخاطر"
في ظل الأوضاع الصعبة التي فرضتها الحرب في السودان، تتمنى حواء مصطفى، التي تعمل معلمة، العودة إلى مدينتها الجنينة، الواقعة في أقصى غرب البلاد قرب الحدود مع تشاد.
ولكن رغبتها تصطدم بمخاوف حقيقية، فقد أمضت أكثر من عام، في أحد مراكز إيواء النازحين بمدينة بورتسودان، شرقي السودان، بعدما أجبرها النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع على مغادرة منزلها.
"أرغب في لمّ شمل أسرتي"
تجلس حواء داخل خيمتها الصغيرة، التي منحتها لها إحدى المنظمات الإنسانية، وهي عاكفة على إعداد الطعام لأطفالها الأربعة.
منذ أن وصلت إلى بورتسودان، تحاول جاهدة التأقلم مع الظروف الجديدة، لكنها لا تكف عن التفكير في مدينتها التي تركتها خلفها. تعيش أسرتها داخل مدرسة تم تحويلها إلى مركز إيواء للنازحين، وهو واقع مشابه لما تعيشه العديد من العائلات التي اضطرت للنزوح إلى هذه المدينة، التي صارت بمثابة العاصمة الإدارية البديلة، واستقبلت العدد الأكبر من النازحين.
تحكي حواء عن رحلة نزوحها القاسية، قائلة: "وصلت إلى هنا مع أطفالي منذ عام، لكن زوجي لم يكن محظوظًا مثلنا، فقد اضطر للبقاء هناك (في مدينة الجنينة).. قوات الدعم السريع التي تسيطر على المنطقة منعته من السفر، وكان يخشى أن يتم اعتقاله إن حاول الفرار معنا. .وهكذا انفصلنا، لنجد أنفسنا هنا في بورتسودان، بينما هو لا يزال هناك".
ورغم أن ظروف المعيشة في المركز ليست سيئة تمامًا، إذ تتوافر فيه بعض الخدمات الأساسية مثل الطعام والمياه، وتشهد المنطقة التي يوجد فيها استقرارًا أمنيًا مقارنة بأماكن أخرى، إلا أن حواء تشعر بأن حياتها بلغت حالة من الشلل.
تقول بحزن: "الأطفال يذهبون إلى المدرسة، وكل شيء يبدو مستقرًا هنا، لكننا لا نزال نرغب في العودة إلى ديارنا في الجنينة. المشكلة أننا نخشى على حياتنا، فالطريق ليس آمنًا، والمسافة طويلة جدًا، كما أن الأوضاع في المدينة نفسها لا تزال مضطربة وغير مستقرة".
نزوح مستمر وأزمة إنسانية متفاقمة
مع اقتراب الحرب في السودان من دخول عامها الثالث، لا تزال المعارك مستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في ظل استخدام مختلف أنواع الأسلحة، من الطيران الحربي إلى الطائرات المُسيَّرة، والمدفعية الثقيلة.
وفي ظل هذا التصعيد، يدفع المدنيون الثمن الأكبر، إذ تزايدت أعداد النازحين بشكل غير مسبوق.
وفقًا للأمم المتحدة، أدى استمرار القتال إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان، ليصل عدد الفارين من ديارهم إلى 11.5 مليون شخص، ما يجعل أزمة النزوح الداخلي في السودان، هي الأكبر على مستوى العالم في الوقت الراهن.
وينتشر هؤلاء النازحون في مراكز إيواء مؤقتة، بعضها يقع تحت سيطرة الجيش في مدن مثل القضارف وكسلا وبورتسودان، بينما تخضع مراكز أخرى لسيطرة قوات الدعم السريع، في أماكن مثل الفاشر والجنينة وزالنجي.
لكن معظم هذه المراكز تعاني من تدهور الخدمات الأساسية، حيث تفتقر إلى المياه النظيفة والكهرباء، كما تشهد انتشارًا للأمراض المعدية مثل الكوليرا وحمى الضنك، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية.
أمام هذه الأزمة المتصاعدة، ناشد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، المجتمع الدولي لتوفير 6 مليارات دولار لمواجهة الاحتياجات الإنسانية في السودان هذا العام.
وأكد خلال مؤتمر عُقد على هامش قمة الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، أن الأوضاع في السودان بلغت مستوى غير مسبوق من التدهور، محذرًا من عواقب وخيمة إذا لم يتم التحرك بشكل عاجل لتقديم المساعدات. كما دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار، لضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين، وتخفيف المعاناة عن المدنيين.
رحلات عودة رغم المخاطر
في الوقت الذي لا يزال فيه معظم النازحين غير قادرين على العودة إلى ديارهم بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة، تمكنت مئات العائلات من الرجوع إلى مناطقها، خاصة بعد أن استعادت قوات الجيش السيطرة على بعض المناطق، لا سيما في ولايات الجزيرة وسنار وأجزاء من العاصمة الخرطوم.
إحدى أبرز هذه المناطق هي مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، التي كانت في السابق واحدة من أهم الملاذات للنازحين القادمين من الخرطوم. ولكن عندما اجتاحت قوات الدعم السريع المدينة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اضطر السكان إلى الفرار مجددًا إلى مدن أخرى مثل كسلا والقضارف وبورتسودان.
إلا أن استعادة الجيش للمدينة مؤخرًا أحيا أمل بعض العائلات في العودة إلى ديارها، إذ انطلقت موجة عودة تدريجية، وبدأت الحياة تدب في أوصال المدينة مرة أخرى.
من بين هؤلاء العائدين، أسرة أماني كوكو، التي قررت العودة إلى منزلها في حي عووضة، بعد غياب طويل.
تتحدث أماني عن شعورها بالفرح وهي تعود إلى منزلها الذي لطالما احتضن ذكرياتها، قائلة: "اضطررنا للنزوح إلى بورتسودان، وعشنا هناك لفترة طويلة في أحد مراكز الإيواء. لكن الآن عدنا، ونحن سعداء بذلك، رغم التحديات التي تواجهنا".
تحديات ما بعد العودة
ورغم عودة الحياة تدريجيًا إلى ود مدني وغيرها من المناطق التي استعادها الجيش، إلا أن هذه المدن لا تزال تفتقر إلى العديد من الخدمات الأساسية، حيث تعاني من انقطاع الكهرباء، وندرة مياه الشرب، إلى جانب المخاوف الأمنية التي تفرضها العصابات المسلحة، وغياب قوات الشرطة في بعض الأحياء السكنية.
لكن، رغم هذه الصعوبات، تؤكد أماني أنها وعائلتها مصممون على البقاء في مدينتهم، قائلة: "الحياة هنا ليست سهلة، لا توجد كهرباء، ونواجه صعوبة في الحصول على مياه الشرب، كما أن هناك مخاطر بسبب مخلفات الحرب التي تهدد حياة الأطفال والكبار. ومع ذلك، نحن سعداء بالعودة إلى منزلنا، ولن نغادر مرة أخرى".
تشير التقديرات الرسمية إلى أن مئات العائلات تمكنت بالفعل من العودة إلى مناطقها الأصلية في العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة وسنار، وذلك بعد استعادة الجيش السيطرة عليها.
ومع ذلك، يظل هذا الرقم ضئيلًا مقارنة بإجمالي عدد النازحين، الذي يُقدَّر بنحو 11 مليون شخص ما زالوا عالقين في مخيمات النزوح. وتوجد بعض هذه المخيمات على خطوط القتال الرئيسية، لا سيما في شمال دارفور، حيث تدور معارك عنيفة بين الجيش والفصائل المتحالفة معه من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، مما يجعل عودة هؤلاء النازحين أمرًا بالغ الصعوبة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 11 ساعات
- العربي الجديد
قصف عنيف وحماس تسلّم ردها حول مقترح ويتكوف
تعرضت المناطق الشرقية لمدينة غزة وشرق جباليا البلد ، شمالي القطاع، لقصف مدفعي عنيف من قوات الاحتلال الإسرائيلي ، فيما استهدف الاحتلال مسجد الشهيد جمال أبو حمد داخل بلدة عبسان الكبيرة شرق خانيونس، جنوبي القطاع. وأكدت بلدية غزة اليوم السبت أنّ استمرار نزوح مئات الآلاف من المواطنين من شرق مدينة غزة إلى غربها ومن محافظة شمال القطاع يفاقم الكارثة وينذر بانهيار وشيك لمنظومة الخدمات الأساسية في المدينة. بدورها أعلنت بلدية خزاعة شرق مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، السبت، البلدة "منطقة منكوبة بالكامل" جراء الاستهداف الإسرائيلي المباشر والمتواصل الذي طاول مختلف مكونات الحياة فيها، ضمن حرب الإبادة الجماعية المتواصلة للشهر العشرين. في الأثناء، أكد المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني، اليوم السبت، أن إيقاف المجاعة الجماعية الحالية في غزة يتطلب إرادة سياسية. وقال إن المساعدات التي تُرسل الآن تسخر من المأساة الجماعية في قطاع غزة. وبدوره، حذّر أجيث سونغاي، ممثل مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من أنّ الآلية الأميركية الإسرائيلية لتوزيع مساعدات إنسانية بقطاع غزة "غير مستدامة" وتنطوي على "إذلال" يفاقم معاناة الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إبادة متواصلة منذ أكثر من 20 شهراً. وفي مقابلة مع وكالة الأناضول بجنيف، تحدث سونغاي عن مخاطر هذه الآلية، مشيراً إلى أنها تحمل "إذلالاً" يضاعف من المعاناة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع الفلسطيني، و"تفتقد للإنصاف والحياد والاستقلالية"، كما أنها "غير مستدامة". ويأتي ذلك فيما يتواصل الحراك الدبلوماسي للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار، إذ أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولد دونالد ترامب في 14 حزيران/ يونيو 1946 في مدينة نيويورك، لأبوين من أصول ألمانية واسكتلندية، تلقى تعليمه الأولي في مدرسة كيو فورست بمنطقة كوينز في مدينة نيويورك. التحق بالأكاديمية العسكرية في المدينة نفسها، وحصل عام 1964 على درجة الشرف منها، ثم انضم إلى جامعة فوردهام بنيويورك لمدة عامين، ثم التحق بجامعة بنسلفانيا، وحصل على بكالوريوس الاقتصاد 1968 ، أمس الجمعة، عن اعتقاده بأن التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار في غزة "أصبح قريباً جداً"، وقال ترامب للصحافيين في البيت الأبيض: "إنهم قريبون جداً من التوصل إلى اتفاق بشأن غزة. سنبلغكم بذلك خلال اليوم أو ربما غداً. ولدينا فرصة لذلك". وبدوره، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، اليوم السبت، أنّ بلاده ستستمر في جهود التسوية، بالتعاون مع الولايات المتحدة وقطر، لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. وشدد عبد العاطي، خلال استقباله الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، على ضرورة ضمان النفاذ الآمن والمستدام للمساعدات الإنسانية للقطاع، فضلاً عن دعم الأفق السياسي لحل الدولتين. وأعلنت حركة حماس مساء اليوم السبت أنها سلّمت الوسطاء ردّها على مقترح المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف ، الذي يتضمن وقف إطلاق نار لمدة 60 يوماً وإطلاق سراح 28 من المحتجزين الإسرائيليين من الأحياء والأموات خلال الأسبوع الأول، مقابل إطلاق سراح 125 أسيراً فلسطينياً محكوماً بالمؤبد، ورفات 180 من الفلسطينيين الشهداء. كذلك يتضمن المقترح إرسال مساعدات إلى غزة فور التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، إضافة إلى إفراج الحركة عن آخر 30 محتجزاً بمجرد سريان وقف إطلاق نار دائم.


العربي الجديد
منذ 19 ساعات
- العربي الجديد
"الأغذية العالمي": وقف النار السبيل الوحيد لإيصال الغذاء إلى غزة
قال برنامج الأغذية العالمي ، اليوم السبت، إن وقف إطلاق النار في غزة هو السبيل الوحيد لضمان إيصال المساعدات والغذاء إلى القطاع. ومنذ 20 شهراً يرتكب الاحتلال الإسرائيلي إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وبدأ قبل ثلاثة أشهر عملية تجويع ممنهج ومنع جميع المؤسسات الدولية من إدخال إمدادات. وأشار البرنامج الأممي، في بيان عبر منصة إكس، إلى أن لديه "ما يكفي من الغذاء لإطعام 2.2 مليون فلسطيني بالقطاع لمدة شهرين، ووقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد لإيصاله بأمان". ولفت إلى أن الوضع الإنساني في غزة يتدهور بتصاعد عقب الحصار الشديد الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي عليها. وجاء في البيان: "بعد ما يقرب من 80 يوماً من الحصار الشامل، تعاني المجتمعات (في القطاع) من الجوع، ولم تعد ترغب في رؤية الطعام يمر من أمامها (دون الوصول إليه)". وأشار البرنامج إلى ضرورة إيصال الطعام إلى الفلسطينيين في غزة عاجلاً وبكميات كبيرة لمنع الفوضى. وأكد ضرورة إيجاد مسارات أكثر أماناً واستقراراً لمرور قوافل المساعدات، وتسريع عمليات الموافقة على التصاريح لإدخالها، وفتح المزيد من المعابر الحدودية. قضايا وناس التحديثات الحية الأغذية العالمي يعلن نفاد كل مخزونه من الطعام المخصص لأهالي غزة وعلى نحو شبه يومي منذ الثلاثاء الفائت، يُسجّل وقوع شهداء برصاص إسرائيلي في صفوف الفلسطينيين الجائعين الذين يتوجهون لتسلم مساعدات أميركية من نقاط التوزيع التي تشرف عليها "مؤسسة غزة الإنسانية" المستحدثة المدعومة من تل أبيب وواشنطن. وعبر سياسة متعمدة تمهد لتهجير قسري، مارس الاحتلال تجويعاً بحق 2.4 مليون فلسطيني في غزة، عبر إغلاق المعابر منذ 2 مارس/ آذار الماضي بوجه المساعدات الإنسانية ولا سيما الغذاء، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي بالقطاع. يأتي ذلك بينما حذر ممثل مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة أجيث سونغاي من أن الآلية الأميركية الإسرائيلية لتوزيع مساعدات إنسانية في قطاع غزة "غير مستدامة" وتنطوي على "إذلال" يفاقم معاناة الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إبادة متواصلة. وخلال مقابلة مع وكالة الأناضول في جنيف، تحدّث سونغاي عن مخاطر هذه الآلية، مشيراً إلى أنها تحمل "إذلالاً" يضاعف من المعاناة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع الفلسطيني، و"تفتقد للإنصاف والحياد والاستقلالية"، كما أنها "غير مستدامة". وأضاف: "الوضع في غزة مأساوي لدرجة يصعب وصفها بالكلمات؛ هناك مجاعة واضحة، وسكان يعانون من سوء تغذية ظاهر للعيان في ظل قصفٍ مستمر، وفي خضم هذه المعاناة نجد خطة توزيع مساعدات فيها مشاكل جوهرية، بدءاً من مبدأ الحياد، مروراً بالاستقلالية والإنصاف، وانتهاء بمخاطرها العملية". ومنذ أيام، بدأت "مؤسسة غزة الإنسانية" الإسرائيلية - الأميركية (مسجلة في سويسرا) المرفوضة أممياً، بتوزيع مساعدات شحيحة جداً في مناطق في جنوب ووسط قطاع غزة، وذلك لإجبار الفلسطينيين على الخروج من الشمال وتفريغه. ومطلع مارس/ آذار 2025 انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، لكن الاحتلال تنصل منه، واستأنف الإبادة في 18 من ذات الشهر. ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 يرتكب الاحتلال، بدعم أميركي مطلق، إبادة جماعية بغزة، خلّفت أكثر من 168 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود. (الأناضول، العربي الجديد)


العربي الجديد
منذ 20 ساعات
- العربي الجديد
الكونغرس نحو إقرار قانون جديد لتنظيم العملات المستقرة
يستعد الكونغرس الأميركي، لإقرار تشريع ينظم العملات المستقرة خلال الأسابيع المقبلة، وهو ما قد يدفع بهذه الفئة من الأصول إلى التيار المالي السائد، في خطوة يُتوقع أن تُحدث تحولاً كبيراً في النظام المالي الرقمي. وتحظى هذه الخطوة بدعم واسع من الحزبين، رغم التحفظات التي يبديها بعض الديمقراطيين، خصوصاً تجاه مشاريع مرتبطة بالرئيس دونالد ترامب، الصورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولد دونالد ترامب في 14 حزيران/ يونيو 1946 في مدينة نيويورك، لأبوين من أصول ألمانية واسكتلندية، تلقى تعليمه الأولي في مدرسة كيو فورست بمنطقة كوينز في مدينة نيويورك. التحق بالأكاديمية العسكرية في المدينة نفسها، وحصل عام 1964 على درجة الشرف منها، ثم انضم إلى جامعة فوردهام بنيويورك لمدة عامين، ثم التحق بجامعة بنسلفانيا، وحصل على بكالوريوس الاقتصاد 1968 بما في ذلك عملة مستقرة تُدعى "USD1" تجاوزت قيمتها السوقية حاجز الملياري دولار. وتختلف العملات المستقرة عن العملات المشفرة مثل "بيتكوين"، إذ إنها أصول رقمية مصممة للحفاظ على قيمة ثابتة، وغالباً ما تُستخدم ملاذاً مؤقتاً للمتداولين في أوقات تقلب السوق. إلا أن المدافعين عنها يرون أن التنظيم الواضح قد يفتح المجال أمام استخدامها في المدفوعات والتحويلات المالية اليومية. ويذهب وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت إلى أبعد من ذلك، إذ يرى في العملات المستقرة وسيلة لتعزيز هيمنة الدولار بوصفه "العملة الاحتياطية المهيمنة في العالم"، في ظل تزايد التساؤلات حول هذه الهيمنة خلال الأشهر الماضية. كما يشير بيسنت وفريقه إلى إمكانية مساهمة هذه العملات في تمويل العجز الكبير في الميزانية الحكومية الأميركية، وفقاً لما ذكرته وكالة "بلومبيرغ". في هذا السياق، نقلت وكالة "بلومبيرغ" أن محللي "جيه بي مورغان تشيس" بقيادة تيريزا هو، ذكروا في مذكرة للعملاء الشهر الماضي، أن إقرار مشروع القانون قد يُسرّع بشكل أكبر من تبني العملات المستقرة، مما يدفع بهذه الفئة من الأصول إلى التيار السائد، مضيفين أن ذلك سيضفي الشرعية على هذه الفئة في وقت تتزايد فيه وتتطور حالات استخدامها. مستقبلاً، يأمل مؤيدو القانون استخدام العملات المستقرة المنظمة لتسهيل المعاملات عبر الحدود بسرعة وكلفة أقل مقارنة بالوسائل المصرفية التقليدية. وفي مذكرة تمهيدية حول العملات المستقرة، أوضح محللو الاقتصاد الكلي في "دويتشه بنك"، ماريون لابور وكاميلا سيزون، أن هذه الأصول تُعد بمدفوعات دولارية منخفضة التكلفة ومتاحة على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع وعبر الحدود، ما يجعلها جذابة للتجارة والتحويلات وتسوية المدفوعات، ويتوقع لابور وسيزون أن يؤدي هذا التنظيم إلى "زيادة إجمالية في الطلب على أذونات الخزينة الأميركية"، وهي نقطة لم تغب عن بال الإدارة الأميركية، إذ استشهد بيسنت بتوقعات تشير إلى إمكانية ظهور طلب يصل إلى تريليوني دولار في السنوات المقبلة على هذه الأذونات، بحسب وكالة "بلومبيرغ". ورغم أن القيمة السوقية للعملات المستقرة لا تتجاوز حالياً 243 مليار دولار، فإن الاهتمام بها يتزايد بسرعة، وطلقت عدة شركات منتجات جديدة تهدف إلى تحويل العملات المستقرة إلى وسيلة دفع يومية. وينص مشروع القانون على أن تكون العملات المستقرة مدعومة بالكامل بنسبة 1 إلى 1 بأصول عالية الجودة ومنخفضة المخاطر، مثل أذونات الخزينة التي تقل مدتها عن 93 يوماً، أو الودائع المصرفية المؤمّنة، أو العملات المعدنية والأوراق النقدية، كما يُلزم القانون المصدرين بتقديم تقارير شهرية حول احتياطاتهم. أسواق التحديثات الحية بيتكوين ترتفع قياسياً مع وضع ترامب العملات المشفرة في قلب السياسة أما محللو "سيتي غروب"، ومنهم رونيت غوز، فقد توقعوا الشهر الماضي أن العملات المستقرة ستقوم بعمليات شراء إضافية تراكمية لأذونات الخزينة تتجاوز التريليون دولار بحلول عام 2030. فيما تراوحت تقديرات "جيه بي مورغان" ما بين 350 ملياراً و525 مليار دولار من أذونات الخزينة خلال السنوات المقبلة. وحتى الآن، فإن نحو 83% من العملات المستقرة مرتبطة بالدولار الأميركي، وتُهيمن عليها عملتا "تيثر" (USDT) و"سيركل" (USDC) ويؤكد محللو "دويتشه بنك" أن الطلب المرتفع على هذه العملات في الأسواق الناشئة، حيث تُستخدم وسيلةً للتحوط من التضخم والقيود على رأس المال، قد يُسرّع من ظاهرة "الدولرة غير الرسمية". بدورها، حذرت تيريزا هو وفريقها في "جيه بي مورغان" من احتمال اندفاع المستخدمين نحو العملات المستقرة في أوقات الأزمات المالية. كما نبهوا إلى أن إصدار بعض العملات المستقرة من بنوك تملك إمكانية الوصول إلى الاحتياطي الفيدرالي قد يخلق بيئة غير متكافئة، تذكّر بفترة القرن التاسع عشر حينما كانت الأوراق النقدية الصادرة عن البنوك المختلفة تُقيّم بقيم متفاوتة. وخلص فريق "جيه بي مورغان" إلى أن أمراً واحداً بات مؤكداً أن المزيد قادم، مع استمرار هذا القطاع في إيجاد السبل واستكشاف الابتكارات لدمج العملات المستقرة في النظام المالي التقليدي. منذ ظهور العملات الرقمية قبل أكثر من عقد، اتخذت السلطات الأميركية موقفاً حذراً ومتحفظاً تجاهها، مدفوعة بمخاوف من استخدامها في أنشطة غير قانونية، مثل غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب طبيعتها المتقلبة التي تهدد استقرار الأسواق. هذا الحذر تُرجم إلى موقف تنظيمي متذبذب، خصوصاً تجاه العملات المستقرة، التي ظلت لفترة طويلة خارج إطار رقابي واضح. فقد تعاملت معها هيئات الرقابة المالية، مثل لجنة الأوراق المالية والبورصات (SEC) ومكتب مراقبة العملة (OCC)، بوصفها كيانات رمادية تتطلب الحذر والمراقبة الدقيقة، من دون أن تحظى بتشريعات تُنظم آليات إصدارها واستخدامها بصراحة. إلا أن السنوات القليلة الماضية شهدت تغيراً ملحوظاً في هذا النهج، خصوصاً في ظل النمو السريع لهذا القطاع ودخوله المتزايد في العمليات المالية اليومية، سواء من شركات التكنولوجيا المالية أو المؤسسات المصرفية التقليدية. وقد بات من الواضح أن الإبقاء على حالة الغموض التنظيمي لم يعد خياراً قابلاً للاستمرار، بل يشكل تهديداً محتملاً لسلامة النظام المالي الأميركي، خاصة بعد تجارب فوضوية مثل انهيار عملة Terra-USD عام 2022. في هذا السياق، بدأت الأصوات تتعالى داخل الكونغرس، وضمن أروقة وزارة الخزانة، مطالبة بوضع إطار تشريعي متكامل يوازن بين تشجيع الابتكار وحماية المستثمرين. ويبدو أن التشريع المرتقب لتنظيم العملات المستقرة يُمثل تتويجاً لهذا التوجه، إذ ينظر إليه بوصفه محطة مفصلية تهدف إلى إخراج هذه الأصول من "المنطقة الرمادية"، ودمجها بانضباط في النظام المالي الأميركي، بما يفتح المجال أمام استخدامها في المدفوعات اليومية، ويعزز قدرة الدولة على مراقبة تدفقاتها وتوظيفها ضمن السياسات الاقتصادية والنقدية الكبرى.