
مشروع التقسيم في سوريا.. هل يخرج الساحل عن سيطرة الدولة؟
فهل تقف أطراف داخلية وراء تلك المحاولة؟ أم أن جهات خارجية تدفع نحوها؟ وكيف انعكست نتائج التحقيق على ثقة السوريين بالسلطة الجديدة؟ والأهم، من المستفيد من تفكك سوريا؟
لجنة تقصي الحقائق التي شُكلت في 9 مارس من قِبل الرئيس السوري أ حمد الشرع ، وجدت نفسها أمام "شبكة معقدة من الانتهاكات والمخططات"، كما وصف المتحدث باسمها، ياسر الفرحان. فقد كشفت التحقيقات عن عشوائية وسلوكيات متباينة خلال أحداث الساحل، وعن وجود 298 اسمًا مشبوهًا دون توافر أدلة كافية على إدانتهم، ما أضفى على التحقيقات طابعًا إشكاليًا يفتح الباب أمام الشكوك أكثر من الإجابات.
بحسب التقرير، بلغ عدد ضحايا أحداث الساحل 1426 قتيلًا، مع فقدان 20 آخرين، وسط ترجيحات بأن بعض الأفراد خالفوا الأوامر العسكرية وارتكبوا انتهاكات بحق المدنيين. وعلى الرغم من إحالة المشبوهين إلى القضاء، رفضت اللجنة نشر الأسماء، بدعوى أن ذلك ليس من اختصاصها، مما أثار تساؤلات حول الشفافية والعدالة.
أخطر ما كشفه التقرير هو اتهام فلول النظام السابق بمحاولة فصل الساحل عن سوريا ، وإقامة كيان علوي خاص، عبر السيطرة على مناطق ومحاصرة بلدات متعددة. هنا تعود فكرة "الدولة العلوية" إلى الواجهة، وهي فكرة طُرحت في الماضي وتراجعت مع تطورات الحرب، لكنها الآن تُبعث من جديد، في ظرف سوري هش ومجتمع يعاني من الانقسامات الطائفية والولاءات المتعددة.
واعتبر الكاتب والباحث السياسي طارق عجيب، خلال حديثه لبرنامج "التاسعة" على سكاي نيوز عربية، أن التقرير لم يفاجئ السوريين، بل جاء متوقعًا، خصوصًا أنه انتهى إلى تحميل المسؤولية لـ"الفلول" والفكر الانفصالي، دون تقديم وقائع دامغة تدين جهة محددة.
يبدو أن الطائفة العلوية ، التي لطالما ارتبطت تاريخيًا بنظام الأسد، تحولت في الخطاب السياسي الجديد إلى هدف مزدوج: تُستخدم ذريعة في خطاب التخويف من "التقسيم"، وتُصور في الوقت نفسه كطرف يطالب بالحماية وليس بالانفصال.
طارق عجيب شدد على أن العلويين "لا بواكي لهم"، ولا يملكون عناصر القوة لتأسيس كيان مستقل: لا نفط، لا كثافة سكانية، لا دعم خارجي، ولا نفوذ اقتصادي.
فكرة الدولة العلوية ، من وجهة نظره، غير قابلة للتطبيق ميدانيًا، ورفضها العلويون أنفسهم تاريخيًا. ومع ذلك، فإن مجرد إثارة هذه الفرضية في سياق أمني هش وانقسام سياسي حاد، يكفي لتفجير الوضع وتأجيج التوترات الطائفية.
السويداء في قلب العاصفة
يرى البعض، وبينهم طارق عجيب، أن أحداث الساحل مرتبطة بشكل غير مباشر بأحداث السويداء. فالجهات التي اتُهمت بالانتهاكات في الساحل، عادت بحسبه لارتكاب "المجازر" في السويداء، في تكرار نمطي للعنف والانفلات الأمني المدعوم من قوى خارج سلطة الدولة.
ويتهم عجيب هؤلاء بأنهم لم يختفوا، بل يتحركون بحرية، ويُسلّحون، ويموَّلون، ويُفتح لهم الطريق عبر شبكات متشابكة قد تشمل فاعلين من الداخل والخارج.
في المقابل، يقول إن العشائر التي انتفضت في السويداء ضد الشيخ الهجري، وارتكبت انتهاكات ضد المدنيين، يفترض أن تُجرد من سلاحها، وأن تكون الدولة هي الحَكَم الوحيد في مثل هذه النزاعات.
من وجهة نظر طارق عجيب، فإن غياب المحاسبة الحقيقية واستبدال القانون بالفتاوى، كما وصف، أسهم في تحويل القضاء إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية أو الطائفية، بدلًا من كونه مؤسسة سيادية تحكم بالعدل. بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين شبّه القضاء الحالي برجال دين يشرّعون الأفعال لا بناء على القانون، بل على "الفتاوى" والمواقف الشخصية.
وتحدث عن أمثلة لتناقضات في الأداء القضائي، مستعيدًا حادثة تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق، والتي حُلّت خلال 24 ساعة بضغط خارجي، فيما لم يتم كشف هوية مرتكبي مجازر الساحل رغم وجود مقاطع مصورة توثق الأفعال.
تحذير آخر أطلقه عجيب يتعلق بما أسماه "محاولة فرض مكون واحد في سوريا"، وتحديدًا عبر سيطرة السنة المتطرفين على مفاصل الدولة، على حد قوله. واعتبر أن من يحكم سوريا الآن يسعى إلى فرض قوانين وأعراف متشددة على باقي المكونات، مشيرًا إلى تصريحات سابقة لوزراء قالوا إنهم يستطيعون جمع "أربعة ملايين مقاتل" بفتوى دينية واحدة.
وهنا، تطرح معادلة التوازن المذهبي في سوريا من جديد، وتبرز المخاوف من انتقال السلطة إلى تيارات دينية متشددة، في ظل تغييب القوى المدنية والعلمانية.
يرى كثير من المحللين أن الدول الكبرى والإقليمية باتت تتحكم بمصير سوريا أكثر من السوريين أنفسهم. تركيا، بحسب تصريحات وزير خارجيتها هاكان فيدان، ترفض رسميًا تقسيم سوريا، لكنها عمليًا ترعى كيانات شبه مستقلة في الشمال.
وإسرائيل تستفيد من التفتت الداخلي، وتفرض شروط وقف إطلاق النار في الجنوب. أما أميركا، فهي من توازن هذه المعادلة، لكنها لا تملك الإرادة لدعم سوريا موحدة، بحسب مراقبين.
وسط كل ذلك، تصبح الدولة السورية – أو ما تبقى منها – بلا أوراق قوة: لا جيش موحد، لا مقاومة منظمة، لا اقتصاد، ولا نفوذ داخلي على الميليشيات. ما يجعلها عاجزة عن فرض سيادتها، أو حماية المدنيين، أو حتى الرد على عمليات تقسيم الأمر الواقع.
ما يحدث في الساحل ليس حادثًا معزولًا، بل إنذار عميق بتشظي الدولة السورية إلى مناطق نفوذ وولاءات متعارضة. التحقيقات في الانتهاكات تعكس هشاشة السلطة المركزية، وعجزها عن محاسبة الجناة، أو فرض القانون على الجميع. في المقابل، يتسرب سيناريو التقسيم من الشقوق الطائفية والسياسية التي لم تُرمم بعد سقوط النظام السابق. فهل ما زال في الإمكان إنقاذ وحدة سوريا، أم أن الزمن قد فات، والميدان بات يتحكم بمستقبلها أكثر من المؤسسات؟ الأكيد أن إسرائيل، وتركيا، وربما واشنطن، هم من سيحددون مستقبل الخارطة السورية أكثر من السوريين أنفسهم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ ساعة واحدة
- البيان
ترامب يطلق يد إسرائيل في غزة
وأكد أهمية إطلاق سراح الأسرى المحتجزين في غزة، قائلاً إنهم أظهروا فجأة موقفاً «متشدداً» تجاه هذه القضية. وأضاف ترامب للصحافيين في بداية اجتماع مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في منتجع الغولف الذي يملكه في ترنبيري باسكتلندا: «لا يريدون إعادتهم، ولذلك سيتعين على إسرائيل اتخاذ قرار». وأضافت في بيان «يشهد قطاع غزة حالة من سوء التغذية الخطير الذي اتسم بارتفاع حاد في عدد الوفيات في يوليو»، مشيرة إلى أنه «أُعلن عن وفاة معظم هؤلاء الأشخاص لدى وصولهم إلى المرافق الصحية، أو توفوا بعيد ذلك، وبدت على أجسادهم علامات واضحة على الهزال الشديد».


البيان
منذ 2 ساعات
- البيان
لبنان: الوساطة الأمريكية «ترنحت».. فهل «تسقط»؟
وفيما لبنان عالق بين تشدّد إسرائيل واستمرارها بتنفيذ أجندتها، وبين إصرار «حزب الله» على الضمانات، لفتت مصادر «البيان» إلى أن الأمور تزداد تعقيداً، وإلى أن الردّ الأمريكي على الملاحظات اللبنانية لن يتأخر، لكن لبنان ينتظر وصوله ليبني على الشيء مقتضاه، مع أن روحيّة الردّ باتت معروفة. وفيما «حزب الله» ماضٍ في إظهار تحديه للوساطة الأمريكية وإبراز تفاهمه مع رئيس الجمهورية جوزف عون، ورئيس البرلمان نبيه برّي، فإن ثمّة خشية من أن واشنطن قد نفضت يدها من الوساطة، فأصبح الوضع متروكاً لإسرائيل. كما أن ثمّة معلومات تشير إلى أن شبكة مواقف للدول الأساسية المعنية بلبنان تشكّلت، وتتجمع فيها مؤشرات تراجع الثقة الدولية بالسلطة اللبنانية ورموزها، بما لا يمكن معه تجاهل خطورة تداعيات هذا العامل.. فهل يكون لبنان على موعد وشيك مع اتساع التصعيد الإسرائيلي الذي عاد بشكل ملحوظ في منطقة الجنوب؟ هذا الطرح اصطدم بمعارضة دولية، وهو ما يفسّر تغريدة بارّاك على منصة «إكس» بأن «حزب الله يمثل تحدياً لا يمكن معالجته إلا داخل الحكومة».

سكاي نيوز عربية
منذ 2 ساعات
- سكاي نيوز عربية
حماس: لا معنى لاستمرار المفاوضات تحت الحصار والتجويع
وأضاف الحية في كلمة مسجلة أن "لا معنى لاستمرار المفاوضات تحت الحصار والإبادة والتجويع لأطفالنا ونسائنا وأهلنا في قطاع غزة"، محذراً من أن حماس "لن تقبل أن يكون شعبنا ومعاناته ودماء أبنائه ضحية لألاعيب الاحتلال التفاوضية وتحقيق أهدافه السياسية". وشدد الحية على أن "الخطوة الحقيقية هي فتح المعابر ودخول المساعدات بطريقة كريمة لشعبنا، وهذا ما كفلته القوانين الدولية حتى في وقت الحرب"، داعياً إلى تحرك دولي فوري من أجل رفع الحصار بشكل كامل، والسماح بتدفق المساعدات دون عراقيل. وتأتي تصريحات الحية في وقت تواجه فيه مفاوضات التهدئة غير المباشرة بين حماس وإسرائيل تعثراً وسط استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في عدة مناطق من قطاع غزة ، واتهامات متبادلة بين الجانبين بعدم الجدية في التفاوض. ويعيش قطاع غزة منذ شهور أوضاعاً إنسانية صعبة في ظل نقص حاد في الغذاء والدواء والوقود، مع استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على المعابر الرئيسية، الأمر الذي أدى إلى تفاقم معدلات المجاعة وسوء التغذية، وفق منظمات أممية. وفي تطور سابق، ذكرت مصادر فلسطينية محلية وشهود عيان بأن شاحنات مساعدات إغاثية من مصر دخلت، يوم الأحد، إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم. وذكرت المصادر أن عشرات الشاحنات التي يشرف عليها الهلال الأحمر المصري كانت محمّلة بمواد غذائية. وأشارت إلى أن مئات الفلسطينيين احتشدوا على الطرق المؤدية إلى خان يونس ، حيث جرى اعتراض بعض الشاحنات. وأوضحت مصادر مطلعة أن عملية نقل المساعدات من الجانب المصري ستستكمل خلال الأيام القادمة.