
ما قصة الخلاف بين الفرقة التي هزت عالم "الكي بوب" والشركة التي أطلقتها؟
"لقد تطلب الأمر شجاعة هائلة للتحدث علناً"، هذا ما قالته فرقة نيوجينز لبي بي سي في أول مقابلة لها بعد أن منعتها المحكمة من مغادرة شركة التسجيلات التي تعاقدت معها، في قضية هزت صناعة الكي بوب.
وقالت هايرين، إحدى عضوات الفرقة المكونة من خمس عضوات إن "هذه المعركة ضرورية، على الرغم من أنها ستكون صعبة ومضنية للغاية، إلا أننا سنواصل ما فعلناه حتى الآن وسنتحدث بصراحة".
وأضافت: "رأينا أنه من المهم أن نخبر العالم بما مررنا به، جميع الخيارات التي اتخذناها حتى الآن كانت أفضل الخيارات التي كان بإمكاننا اتخاذها".
وظهرت فرقة نيوجينز بقوة في صدارة قوائم الأغاني عندما أطلقت ما كان بمثابة تمرد غير عادي في عالم الكي بوب، الذي يتعرض لضغوط عالية ورقابة مشددة، وفاجأت الفرقة المكونة من هاني، وهيين، وهارين، ودانييل، ومينجي، معجبيهم في كوريا الجنوبية وأماكن أخرى، بقرارها في نوفمبر/ تشرين الثاني بالانفصال عن شركة أدور، الشركة التي أطلقتها.
وقالت العضوات إنهن تعرضن لسوء معاملة ومضايقات في مكان العمل ومحاولة "تقويض مسيرتهم المهنية"، وهو ما تنفيه شركة أدور.
ورفعت الشركة دعوى قضائية لإنفاذ العقد الذي يمتد لسبع سنوات، والمقرر أن ينتهي عام 2029، وسعت للحصول على أمر قضائي يمنع أي أنشطة تجارية للمجموعة خارج مظلتها.
ويوم الجمعة، أصدرت محكمة كورية جنوبية حكماً يقضي بإيقاف نيوجينز جميع أنشطتها "المستقلة"، بما في ذلك إصدار الأغاني وعروض الإعلانات، بينما كانت القضية لا تزال قيد النظر.
ومنذ ذلك الحين، طعنت نيوجينز في الأمر القضائي أمام المحكمة، وقالت الفرقة لبي بي سي إن الحكم الصادر يوم الجمعة كان "صادماً".
وقالت هيين: "يعتقد البعض أننا مشهورون بما يكفي لفعل وقول ما يحلو لنا، لكن الحقيقة هي أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق، لقد قاومنا الأمر لفترة طويلة، والآن فقط تحدثنا أخيراً عمّا نفكر فيه وما نشعر به والظلم الذي تعرضنا له".
لطالما تعرضت صناعة الكي بوب لانتقادات لاذعة بسبب الضغوط التي تمارسها على نجومها، ليس فقط لتقديم أداء ناجح، بل للظهور بمظهر مثالي، لكن نادراً ما تتسرب الخلافات التي تتمثل عادة في مظالم النجوم وخلافاتهم مع شركات الإنتاج، إلى العلن.
وجاء إعلان نيوجينز المثير العام الماضي في أعقاب خلاف طويل وعلني مع أدور وشركتها الأم هايبي، أكبر شركة إنتاج موسيقي في كوريا الجنوبية، وتضم قائمة عملائها مشاهير الكي بوب مثل بي تي إس وسفنتين.
وصرحت أدور لبي بي سي في بيان لها أن العقد مع نيوجينز لا يزال قائماً، مضيفةً أن "معظم مطالباتهن نشأت عن سوء فهم".
وقالت المحكمة إن نيوجينز لم "تُثبت بشكل كافٍ" أن أدور انتهكت العقد، مضيفةً أن الشركة التزمت "بمعظم واجباتها، بما في ذلك الدفع".
وكانت الفتيات يتدربن على عرض في هونغ كونغ، عندما صدر الحكم، واكتشفن ذلك عندما تلقت مينجي رسالة من والدتها، وتوضح: "سألتني: هل أنتِ بخير؟" وتساءلتُ: "ماذا حدث؟".
وتقول مينجي: "لقد صُدمتُ، وكذلك صُدم الآخرون عندما أخبرتهم"، بينما قالت دانييل: "في البداية، ظننتُ أنني لم أسمعها جيداً. كنا جميعاً في حالة صدمة".
وكانت هذه ثاني مقابلة لهن مع بي بي سي خلال أسبوعين، ففي المقابلة الأولى، التي أُجريت قبل صدور الحكم، كانت الفرقة متحمسة لإصدار أغنيتهن الجديدة، "بيت ستوب"، وهي الأولى لهن منذ إعلان انفصالهن عن شركة أدور وتغيير اسمهن إلى NJZ.
وتحدثن عن كيفية تعاملهن مع فترة صعبة، بما في ذلك إيجاد وسائل أخرى للترويح عن النفس كالطبخ. وقالت مينجي: "لستُ بارعة في الطبخ، ولكنه يُشعرني بالراحة نوعاً ما"، قبل أن تعد بتحضير "عشاء رائع" للفرقة.
وفي المقابلة الثانية، التي أُجريت بعد 24 ساعة من صدور الحكم، بدت العضوات محبطات ومضطربات، وأقل ثقةً فيما ينتظرهن، وقالت هاني وهي تبكي: "لو كنا نعلم أننا سنمر بهذا، لربما اخترنا...".
وبعد ثوانٍ، تابعت: "حتى لو بذلنا قصارى جهدنا ولم تسر الأمور كما نأمل، فسنترك الأمر للوقت، أنا متأكدة أن الوقت سيحسم أمرنا".
وفي الليلة التالية، صعدن إلى المسرح في هونغ كونغ، ورغم قرار المحكمة، قدمن أغنية "بيت ستوب" باسمهم الجديد، لكن الأمسية التي قدموها للجماهير كبداية جديدة، انتهت بالبكاء وهم يخبرون الجمهور بتوقفهم عن الغناء.
وقالت هيين على المسرح، بينما تناوبت كلٌّ منهن على مخاطبة معجبيها: "لم يكن قراراً سهلاً. لكن في الوقت الحالي، الأمر يتعلق بحماية أنفسنا، حتى نتمكن من العودة أقوى".
وبعد ثلاث سنوات فقط من ظهورهن الأول، أصبح مستقبل هؤلاء النجمات الشابات، اللاتي تتراوح أعمارهن بين 16 و20 عاماً، موضع شك.
ولكنهن صرحن لبي بي سي أن هذه ليست نهاية المطاف بالنسبة لهن، إذ إنهم "يجدون المزيد من الطرق" للمضي قدماً، مع توقعات باستمرار المعركة القانونية لأشهر، إن لم يكن لسنوات، وتقول مينجي إن ذلك يمنحهن وقتاً للتخطيط لما يردن فعله لاحقاً.
ومنذ انطلاقتهم في يوليو/ تموز 2022، حافظت فرقة نيو جينز على تحقيق نجاح باهر مع كل إصدار جديد، من خلال OMG، Ditto، Super Shy، Attention وبعد عام، أصبحت ثامن أكثر الفرق مبيعاً في العالم.
ووصفهم النقاد بأنهم "غيروا قواعد اللعبة" لأن مزيجهم الفريد من موسيقى الآر أند بي من التسعينيات وألحان البوب، اخترق سوق موسيقى البوب الكورية الذي تهيمن عليه الإيقاعات الإلكترونية، وبرزت حركات رقصهم المرحة بين مقاطع الفيديو فائقة التزامن.
وكانت الفرقة في أوج صعودها عندما بدأت مين هي جين رئيسة أدور السابقة - ومرشدة الفتيات منذ فترة طويلة وكان لها الفضل في إطلاقهم - بتبادل الاتهامات علناً مع هايبي.
وكانت شركة الموسيقى قد منحت جين حصة أقلية في الشركة وخيارات أسهم إضافية، قبل إقالتها من منصبها في أغسطس/ آب الماضي.
وكسرت نيوجينز صمتها، وطالبت بعودة جين خلال أسبوعين في بث مباشر.
وصرحت دانييل لبي بي سي في المقابلة الأولى: "لم نكن نعرف ما كان يحدث، ولم تكن لدينا طريقة لدعمها. كان هذا بحد ذاته أمراً صعباً لأنها كانت دائماً بجانبنا، وبطريقة ما كانت شخصاً يُحتذى به".
وصرحت أدور بأن جين لا يمكنها العودة كرئيسة تنفيذية، بل يمكنها الاستمرار كمديرة داخلية ومنتجة في نيوجينز. وعندما لم تعد جين، أعلنت نيوجينز مغادرتها أدور واتهمت الشركة بعدم تلبية مطالب أخرى، مثل: الاعتذار عن التنمر المزعوم واتخاذ إجراءات ضد ما زعمت أنها تقارير داخلية مثيرة للجدل.
أدور، التي تنفي جميع هذه الادعاءات، يبدو أنها تُلقي باللوم على جين في نزاعها مع نيوجينز، وقالت لبي بي سي في بيان: "يكمن جوهر هذه المشكلة في أن الإدارة السابقة للشركة قدمت تفسيرات مُحرّفة لفنانيها، مما أدى إلى سوء فهم. ويمكن معالجة هذه الأمور وحلّها بشكل كامل عند عودة الأعضاء إلى الشركة".
وفي الأشهر التي تلت ذلك، أدلت هاني - وهي فيتنامية أسترالية - بشهادتها وهي تبكي أمام المشرعين الكوريين الجنوبيين في تحقيق حول التحرش في مكان العمل، وقالت بعد وصفها لعدة حوادث، إنها شعرت بالتقويض والتنمر: "أدركت أن هذا لم يكن مجرد شعور. كنت مقتنعة تماماً أن الشركة تكرهنا".
ورُفضت قضية نيوجينز لأن وزارة العمل قالت إن نجوم الكي بوب لا يُصنفون كعمال، ولا يحق لهم التمتع بالحقوق نفسها.
ثم في ديسمبر/ كانون الأول، اتخذت نيوجينز خطوة نادرة أخرى بدعم المعجبين الذين كانوا يطالبون بعزل رئيس كوريا الجنوبية المخلوع، يون سوك يول، الذي فرض الأحكام العرفية لفترة وجيزة، حيث قدمت الفرقة طعاماً ومشروبات مجانية للمعجبين الذين شاركوا في مسيرات الاحتجاج الضخمة.
ومع كل جولة دعائية، كانت هناك أيضاً انتقادات معظمها يتعلق بعمرهم، إذ قال البعض إنهم "تجاوزوا الحدود"، بينما وصفهم آخرون بـ"الغباء والمتهورين"، وحتى "الجاحدين" لاختلاقهم شجاراً مع أدور، فيما تساءل آخرون عما إذا كانوا يتخذون قراراتهم بأنفسهم.
وتقول الفرقة إن كونهن صغيرات، لا يعني أنه لا يجب أخذهن على محمل الجد. وتقول هاني: "هذه طريقة سهلة للتقليل من قيمة أننا نحاول فعل شيء ما. إن القرارات التي اتخذناها في العام الماضي تم اتخاذها من خلال قدر كبير جداً من المناقشات بيننا".
ومع استمرار النزاع، ارتفعت أصوات المنتقدين، واصفين الفتيات بأنهن مثيرات للمشاكل لا مُغيرات للقواعد. وعقب صدور الحكم، الذي رحّب به منتقدوهن، تقول نيوجينز إنها كانت "على وعي تام بالتدقيق الشديد والأحكام" منذ عقد مؤتمرها الصحفي العام الماضي.
وتقول مينجي: "لم نعبر ولو للحظة واحدة عن آرائنا دون قلق أو توتر. لقد فكّرنا أكثر من أي شخص آخر في مقدار المسؤولية التي يفرضها كل فعل من أفعالنا، ونحن نتحمل هذه المسؤولية بأنفسنا حالياً".
وليس من الواضح إلى متى ستستمر فترة انقطاعهن. وتقول أدور إنها تأمل في الاجتماع بالفرقة قريباً لمناقشة المستقبل، لكن نيوجينز تُصرّ على أنها لا تشعر بالحماية الكافية للعودة.
وستعود قضيتهن مع أدور إلى عناوين الأخبار الأسبوع المقبل مع بدء جلسات الاستماع، والشيء الوحيد الذي يبدو ثابتاً هو تصميمهن على تجاوز هذا الأمر معاً.
وقبل أسبوعين، قالت هاني: "لطالما قلنا لبعضنا البعض: إذا لم ترغب إحدانا في القيام بشيء، فلن نقوم به. يجب أن نتفق نحن الخمسة على القيام بذلك. هكذا وصلنا إلى هنا، وهكذا سنصل إلى النهاية".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- شفق نيوز
"فيها كل عناصر السعادة، وكل عوامل الانفجار"... ماذا نعرف عن مدينة جرمانا السورية؟
لم تكن ليلة الثلاثاء 29 أبريل/نيسان الماضي كغيرها في جرمانا، المدينة السورية المكتظة بالسُكّان جنوب شرقي دمشق. ففي أقل من ساعة، تحوّلت شائعة على تطبيق "واتساب" إلى كابوس جماعي. إذ أدى تسجيل صوتي منسوب لرجل درزي، يتضمّن إساءة للنبي محمد، إلى إشعال فتيل اشتباكات مسلّحة. ورغم أن الرجل المعني نفى صحة التسجيل المنسوب إليه، فإن المعلومات المضللة اختلطت بالخلفيات الطائفية والأسلحة النارية، ليقضي سكان جرمانا ليلة دامية، في مدينة طالما اعتُبرت نموذجاً للتعايش السوري. واليوم، يخيّم على زوايا جرمانا "هدوء هش يُخفي تحت سطحه بقايا جرح لم يُعقَّم، بل تمّت لملمته فقط"، على حد وصف الكاتب الصحفي يعرب العيسى، المقيم في المدينة منذ 27 عاماً. ويقول العيسى: "الوضع هادئ الآن، لكن أي استفزاز بسيط قد يعيد إشعال الفتيل. فالتوتّر في سوريا عام، لكنه أكثر حدّة في مناطق مثل جرمانا، وصحنايا، والسويداء". جرمانا، مدينة سورية تقع على بُعد 5 كيلومترات جنوب شرق دمشق، ومن أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان. رغم أنها تُدرج رسمياً ضمن محافظة ريف دمشق، إلا أن مدينة جرمانا لا تختلف كثيراً عن العاصمة، لا في عمرانها ولا في تداخلها السكاني. "هي أقرب إلى امتداد متصل لدمشق"، كما يصفها نيروز ساتيك، الباحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة ساسكس البريطانية في مقابلة مع بي بي سي عربي. لم تعد جرمانا قرية زراعية كما كانت تاريخياً، عندما كانت تشكل جزءاً من قرى غوطة دمشق، قبل أن تتمدد وتتحول إلى مدينة مكتظة ومتشعبة. هذا التحول كان نتيجة طبيعية لموقعها الجغرافي المحاذي للعاصمة، وللهجرات الداخلية المتتابعة منذ عشرات السنين. يقول يعرب لبي بي سي إن المدينة هي حاضرة قديمة تعود جذورها إلى حقبة ما بعد ميلاد المسيح حين كانت تضم ديراً مسيحياً للقديس جرمانوس، منح المدينة اسمها. سكنها الدروز في القرن الحادي عشر بعد هجرتهم من مصر عقب ضعف الدولة الفاطمية. فعندما تعرضوا للتضييق، استقروا في مناطق متفرقة من بلاد الشام، منها جبل الشوف في لبنان، وجبل السماق شمالاً (قرب إدلب)، وقريتان قرب دمشق هما جرمانا وصحنايا. يؤكد يعرب أن جرمانا كانت تاريخياً مدينة منفتحة على التنوع، سكنها المسيحيون والدروز بداية، لكنها جذبت لاحقاً سكان من معتقدات مختلفة، ما أذكى التسامح الطائفي والديني. "كانت منطقة مرغوبة، بجوار الغوطة، فيها نهر وطبيعة وهواء عليل، فتوسعت وتحوّلت إلى المدينة الأكثر تنوعاً وحرية في سوريا". جرمانا: مدينة اللاجئين لكنّ محطات التحوّل الكبرى بدأت مع موجات الهجرة المعاصرة. ففي عام 2003، استقبلت جرمانا أول موجة من اللاجئين العراقيين، خصوصاً المسيحيين، ما خلق ضغطاً عمرانياً واقتصادياً، فأُنشئت أحياء جديدة وسرعان ما صارت المدينة تضج بالحياة. ثم بدأت الثورة السورية عام 2011 التي تحولت صراعاً مسلحاً، وجلبت معها نازحين من مدن دير الزور ودرعا وإدلب وحلب والغوطة. عشرات الأحياء بُنيت بسرعة، ما أضاف طبقات سكّانية جديدة، وخلق احتكاكات مستمرة بين فئات ومناطق وعشائر مختلفة. وبحسب يعرب، فإن عدد سكان جرمانا اليوم يُقدّر بنحو مليون نسمة. ولا يشكل الدروز – رغم رمزية وجودهم – أكثر من 25 في المئة من السكان، بينما أبناء المدينة الأصليين لا يتجاوزون 6 أو 7 في المئة، بحسب تقديرات. لم نستطع في بي بي سي الاطلاع على السجلات الرسمية التي تُظهر التغيرات الديموغرافية على مدار السنوات الأخيرة. ومع ذلك، تبقى الإدارة اليومية للمدينة بيد "الهيئة الروحية للدروز"، إلى جانب هيئة مدنية يعمل الجميع على احترامها والتعامل معها كمرجعية. فبحسب الناشط السياسي مروان حمزة، وهو ابن المنطقة: "الدروز لهم الكلمة الفصل" في إدارة المدينة؛ فغالبية المراكز الإدارية الرسمية، بما في ذلك رئاسة البلدية، يديرها أفراد من الطائفة الدرزية، بينما تلعب المشيخة الدينية الدور الأبرز في رسم السياسات المحلية، سواء داخل الطائفة أو في علاقتها مع باقي مكونات المدينة، كما يوضّح. بعد عام 2011، ومع نزوح عدد كبير من سكان السويداء إلى جرمانا، تعزز هذا الدور أكثر. يوضح حمزة أن "أي بيان يصدر عن المشيخة أو دار الطائفة يُنفذ فوراً من جميع السكان، وليس من الدروز فقط"، في إشارة إلى احترام السلطة الدينية العليا وقدرتها على ضبط الشارع. ويتابع: "خلال الأحداث الأخيرة، كانت بيانات المشايخ في جرمانا بمثابة صمّام أمان، إذ ساهمت بشكل كبير في تهدئة التوتر ومنع تصاعد الصدامات". لكن هذا التنوع كان سيفاً ذا حدين. فكما شكّل مصدر غنى، كان أيضاً نواةً قابلة للاشتعال. "ما حصل في الأيام الماضية كان مجرد نتيجة لتراكم احتكاكات قديمة"، يروي يعرب، مشيراً إلى حادثة انتشار تسجيل صوتي مزور لشخص يسب النبي محمد، قيل إنه رجل درزي من السويداء. فقامت جماعات متطرفة بالاعتداء على أهل جرمانا، في مشهد يدل على مدى استعداد النفوس للاشتعال بفعل الشحن الطائفي المسبق، بحسب وصفه. وفي السويداء، خرجت بيانات دينية من مشيخة العقل – الجهة الدينية العليا للطائفة الدرزية – تندد بالتسجيل وتؤكد عدم صحته، داعية إلى التهدئة و"عدم الانجرار خلف الفتنة". وأصدر الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز المرجعيات الدينية لدروز سوريا، بياناً يُدين الإساءة ويشدد على احترام الرموز الدينية لجميع الطوائف، مع التأكيد على أن الصوت ليس لأحد من مشايخ السويداء. وأصدرت وزارة الأوقاف لاحقاً موقفاً مقتضباً يدعو للوحدة الوطنية و"رفض الفتنة". موقف جرمانا من الثورة السورية؟ منذ الأيام الأولى للحرب السورية، اختارت جرمانا موقعاً حذراً: "حياداً إيجابياً" بحسب يعرب. فالدروز في سوريا لم يقفوا بشكل صريح مع النظام، لكنهم لم يواجهوه أيضاً. في جرمانا، فرض الموقع الجغرافي حساسيات إضافية، فهي البوابة التي تفصل العاصمة عن الغوطة الثائرة - الريف الدمشقي ذو الغالبية السنية. في سنوات الثورة، لعبت المدينة دور الوسيط غير المُعلن: طلبت من القرى المجاورة عدم الاعتداء عليها مقابل عدم السماح بدخول قوات النظام من جهتها، وفقاً لمروان. أما مؤسسات الدولة داخل جرمانا، فقد بقيت قائمة حتى في لحظات انهيار السلطة في مناطق سورية أخرى. "البلدية، المحكمة، السجل المدني... لم تُمس"، يقول يعرب، بعكس كثير من مدن سوريا التي شهدت عمليات سلب ونهب واسعة. بعد التسوية التي جرت في الغوطة في 2018، عاد قسم من المهجرين إلى بلداتهم، فانخفض عدد السكان قليلاً. وفي المقابل، خضعت المدينة لترتيبات أمنية مع النظام. جرى التفاوض حول سلاح الفصائل المحلية، فرفض سكان المدينة تسليمه بالكامل. بدلاً من ذلك، سُلّمت الأسلحة الثقيلة فقط، فيما دُمجت عناصر الحماية المحلية ضمن قوات الأمن العام، وارتدوا زيّه الرسمي، ليتحول أبناء جرمانا إلى "أمن عام" بشكل رسمي، في صيغة ترضية لجميع الأطراف، وفقاً ليعرب. رغم هذه "التهدئة الشكلية"، تبقى جرمانا مدينة على حافة الانفجار. "فيها كل عناصر السعادة، وكل عوامل الانفجار"، يصف يعرب. فهي "مرآة سوريا المصغرة: جميلة، متنوعة، ومتوترة. وتنتظر شرارة". أما تفاعل جرمانا مع انتفاضة السويداء لعام 2023، فلم يكن مفاجئاً، بحسب نيروز ساتيك. "رغم أن المظاهرات لم تكن حاشدة بفعل القبضة الأمنية الصارمة في ريف دمشق، إلا أن الإيقاع السياسي فيها كان متقارباً مع حراك السويداء، بما يعكس ارتباطاً وجدانياً وثقافياً مستمراً مع الجنوب السوري". تعرضت جرمانا خلال الحرب لعشرات التفجيرات وعمليات الاغتيال، أبرزها الهجوم على موقف للسيارات عام 2012 أودى بحياة العشرات، وتفجيرات أخرى عامي 2013 و2015. مرحلة ما بعد الأسد مع سقوط النظام السوري في ديسمبر/ كانون الأول 2024، احتفل سكان جرمانا كغيرهم في أنحاء سوريا. وفي مساء الجمعة 28 فبراير/شباط 2025، اندلع اشتباك مسلح عند أحد الحواجز المحلية في المدينة، أسفر عن مقتل موظف في وزارة الدفاع السورية، يُدعى أحمد الخطيب، وإصابة عنصر أمني آخر بجروح بالغة. التحقيقات الأولية أشارت إلى أن منفذي الهجوم ينتمون إلى مجموعة مسلحة محلية، يُعتقد أنها تحتفظ بصلات تنظيمية مع أجهزة النظام السابق. وبعد ساعات من الحادثة، رفضت الميليشيا تسليم المتهمين للسلطات، رغم المحاولات المتكررة للتهدئة من أطراف مدنية ودينية. بحلول مساء الأحد 2 مارس/آذار، تحوّل التوتر إلى حالة من الانفلات، مع قيام مجموعات مسلحة بنصب حواجز عشوائية وفرض سيطرة على بعض مداخل المدينة. واستُخدمت هذه الحواجز في عمليات تفتيش واحتجاز وإطلاق نار في بعض المناطق السكنية، مما أثار ذعر الأهالي. عقب ذلك بيوم واحد، أعلنت وزارة الداخلية في الحكومة السورية الجديدة عن بدء عملية أمنية رسمية في جرمانا، هدفها إنهاء "الفوضى الأمنية" وملاحقة الجناة، إضافة إلى تفكيك النقاط المسلحة غير النظامية التي انتشرت. العملية الأمنية شملت انتشاراً لعناصر الشرطة العسكرية، وإغلاق بعض الطرق المؤدية إلى الأحياء الشرقية، فيما سُجّلت اعتقالات محدودة بحق أفراد يُشتبه بضلوعهم في الهجوم أو في أعمال تخريب لاحقة. يأتي التصعيد الأخير في جرمانا في لحظة دقيقة تمر بها سوريا، حيث لا تزال الحكومة الجديدة - التي تشكّلت بعد انهيار النظام السابق في ديسمبر/ كانون الأول - تحاول إعادة ترتيب مؤسّساتها، وسط مشهد أمني لم يستقر بعد. فبينما تعلن السلطات أن الجماعات المسلحة قد أُدمجت بالكامل ضمن هيكل الدولة الجديدة، لا تزال تقارير محلية تتحدث عن مجموعات تتحرك بشكل منفصل، يُقال إنها لم تخضع بعد للقيادة المركزية، ما يجعل مدناً مثل جرمانا أكثر عرضة للاشتباكات الداخلية. لكن هذه الرواية لا تحظى بإجماع. فبحسب عدد من سكان المدينة ونشطاء سياسيين تحدثوا لـبي بي سي، فإن تحميل المسؤولية لما يُوصف بـ"الفصائل غير المنضبطة" لم يعد مقنعاً، خاصة أن قائد الحكومة أحمد الشرع كان قد رعى بنفسه سلسلة من المصالحات، أفضت إلى إدماج معظم المقاتلين في أجهزة الدولة، بما فيها قوات الأمن العام والشرطة المحلية. BBC اقتصاد هش اليوم، يعيش سكان جرمانا في ظل أوضاع اقتصادية صعبة. المدينة، مثل غيرها من ضواحي دمشق، تعاني من ارتفاع هائل في الإيجارات والأسعار، وانقطاع مستمر للكهرباء والماء. الكهرباء في جرمانا، كما في باقي مناطق سوريا، تُقطع معظم ساعات اليوم، تُقسم إلى أربع دورات، وتتوفر لمدة ساعة ونصف كل ست ساعات، ما يعني نحو خمس إلى ست ساعات تتوفر فيها الكهرباء يومياً. لكن بعض الأحياء تعتمد على مولّدات خاصة وخطوط بديلة تُباع خدماتها بأسعار مرتفعة. أما الإيجارات، فتتفاوت بشكل كبير حسب المنطقة ومستوى البناء. في الأحياء المكتظة، يمكن العثور على شقق صغيرة مكتظة وغير مؤهلة للإقامة مقابل 50 دولاراً شهرياً. في المقابل، قد تصل الإيجارات في المناطق الجيدة إلى 500 دولار، مع متوسط عام يتراوح بين 200 و300 دولار للشقق المتوسطة. أما المحلات التجارية، فتصل إيجاراتها إلى أرقام خيالية، حيث يؤجر بعضها بأكثر من 2000 دولار شهرياً. علماً أن تسعة من كل عشرة أشخاص في سوريا يعيشون في فقر وإن واحداً من كل أربعة عاطل عن العمل، وفقاً للأمم المتحدة. الكثير من العائلات تقطن في أحياء مكتظة، بعضها بلا بنى تحتية، خصوصاً العائلات النازحة. ومع ذلك، لا تزال المدينة تنبض بالحياة. مقاهٍ، أسواق، مدارس خاصة، ومراكز تدريب. في ظل هذا التنوّع، يُحافظ الناس على نوع من التعايش الصامت. يلتقي الدروز والمسيحيون والسنة في الأسواق والمدارس، ويفصلهم فقط صراع سياسي.


شفق نيوز
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- شفق نيوز
المقابر الجماعية في سوريا: "سنحتاج سنوات لتحديد هوية الضحايا"
"هذه الرفات من مقبرة جماعية مختلطة"، هكذا يقول الدكتور أنس الحوراني. يقف رئيس مركز تحديد الهوية السوري، الذي افتُتح حديثاً، بجوار طاولتين مغطاتين برفات بشري من عظام الفخذ. فوق كل طاولة توجد 32 عظمة فخذ بشرية. وقد رُتبت ورُقمت بدقة. الفرز هو المهمة الأولى لهذه الحلقة الجديدة، في السلسلة الطويلة من الإجراءات الرامية إلى تقديم مرتكبي الجرائم إلى العدالة في سوريا. تعني "المقبرة الجماعية المختلطة" أن الجثث رُميت واحدة فوق الأخرى. من المرجح أن هذه العظام تعود إلى أشخاص ضمن مئات الآلاف، الذين يُعتقد أنهم قُتلوا على يد نظامي الرئيس السابق بشار الأسد ووالده حافظ، اللذين حكما سوريا لأكثر من خمسة عقود. إذا كان الأمر كذلك، يقول الدكتور الحوراني، إنهم من بين الضحايا الأحدث عهداً: قد ماتوا منذ ما لا يزيد عن عام. الدكتور الحوراني طبيب أسنان شرعي: يقول إن الأسنان يمكن أن تخبرك بالكثير عن الجثة، على الأقل عندما يتعلق الأمر بتحديد هوية الشخص. ولكن مع عظم الفخذ، يمكن لعمال المختبر في الطابق السفلي من هذا المبنى المكتبي في دمشق بدء المهمة: يمكنهم معرفة الطول والجنس والعمر، ونوع العمل الذي كانوا يمارسه أصحاب تلك الرفات، وقد يتمكنون أيضاً من معرفة ما إذا كان الضحية قد تعرض للتعذيب. المعيار الرئيسي في تحديد الهوية هو بالطبع تحليل الحمض النووي. لكنه يقول إنه لا يوجد سوى مركز واحد لفحص الحمض النووي في سوريا. "قد دُمرت العديد من هذه المراكز خلال الحرب في البلاد. وبسبب العقوبات، فإن الكثير من المواد الكيميائية الأولية التي نحتاجها لإجراء الاختبارات غير متوفرة حالياً". كما أُبلغوا بأن "أجزاء من الأجهزة (اللازمة لإجراء ذلك التحليل) قد تُستخدم في الطيران، وبالتالي لأغراض عسكرية". بمعنى آخر، قد تُعتبر "مزدوجة الاستخدام"، وبالتالي يُحظر تصديرها إلى سوريا من قِبل العديد من الدول الغربية. يُضاف إلى ذلك التكلفة: 250 دولاراً أمريكياً لإجراء اختبار واحد. ويقول الدكتور الحوراني: "في مقبرة جماعية مختلطة، يتعين إجراء حوالي 20 اختباراً لجمع جميع أجزاء جسد واحد". يعتمد المختبر كلياً على تمويل اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وتقول الحكومة الانتقالية في سوريا إن "العدالة الانتقالية" من أولوياتها. وقال العديد من السوريين الذين فقدوا أقاربهم، ولم يعثروا على جثثهم، لبي بي سي إنهم ما زالوا غير راضين ومحبطين: إنهم يريدون رؤية المزيد من الجهود من قِبل الثوريين الذين أطاحوا أخيراً بحكم بشار الأسد، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعد 14 عاماً من الحرب. خلال تلك السنوات الطويلة من الحرب، قُتل مئات الآلاف، وشُرد الملايين. ووفقاً لبعض التقديرات، اختفى قسراً أكثر من 130 ألف شخص. بالوتيرة الحالية، قد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لتحديد هوية ضحية واحدة فقط من مقبرة جماعية مختلطة. يقول الدكتور الحوراني: "هذا عمل يستغرق سنوات طويلة". جثث "مشوّهة ومعذّبة" إحدى عشرة مقبرة من تلك "المقابر الجماعية المختلطة" متناثرة حول قمة تل قاحل خارج دمشق. بي بي سي هي أول وسيلة إعلام دولية ترى هذا الموقع. القبور ظاهرةٌ للعيان الآن. خلال السنوات التي انقضت منذ حفرها، كان سطحها قد انضحل في الأرض الجافة الصخرية. يرافقنا حسين علوي المنفي، أو "أبو علي"، كما يُطلق على نفسه. كان أبو علي سائقاً يعمل مع الجيش السوري. يقول: " كانت حمولتي عبارة عن جثث بشرية". BBC تمّ العثور على هذا الرجل – أبو علي - بفضل العمل الاستقصائي الدؤوب لمعاذ مصطفى، المدير التنفيذي السوري الأمريكي لقوة الطوارئ السورية، وهي مجموعة من النشطاء مقرها الولايات المتحدة. لقد أقنع مصطفى أبو علي بالانضمام إلينا، ليشهد على ما يسميه معاذ "أسوأ جرائم القرن الحادي والعشرين". نقل أبو علي شاحنات محملة بجثث إلى مواقع متعددة، لأكثر من عشر سنوات. في هذا الموقع كان يأتي، في المتوسط، مرتين أسبوعياً لمدة عامين تقريباً في بداية المظاهرات، ثم الحرب، بين عامي 2011 و2013 . كان الإجراء دائماً هو نفسه. كان يتوجه إلى منشأة عسكرية أو أمنية. يقول: "كان لديّ مقطورة بطول 16 متراً. لم تكن تمتلئ دائماً بالكامل. لكنني كنتُ أحمل، على ما أظن، ما معدله 150 إلى 200 جثة في كل حمولة". يقول إنه مقتنعٌ بأن حمولته كانت لمدنيين. "كانت جثثهم مشوّهة ومعذّبة". لم يكن بإمكانه تمييز هوياتهم إلا بأرقام مكتوبة على الجثث، أو مُلصقة على الصدر أو الجبهة. هذه الأرقام تُشير إلى مكان وفاتهم. فقال إن هناك الكثير من الجثث جاءت من "الفرع 215" - وهو مركز اعتقال "سيء السمعة" تابع للمخابرات العسكرية في دمشق يُعرف بهذا الاسم، وهو مكان سنعود إليه لاحقاً في هذا التقرير. لم تكن مقطورة أبو علي مزودة برافعة هيدروليكية لقلب حمولته وتفريغها. عندما كان يتراجع إلى الخلف باتجاه الحفرة، كان الجنود يسحبون الجثث إلى الحفرة واحدة تلو الأخرى. ثم تقوم جرافة صغيرة بـ"تسويتها وضغطها وردم القبر". وصل إلى موقعنا ثلاثة رجال ذوي وجوهٍ شاحبة من قرية مجاورة. يؤكدون قصة الزيارات المنتظمة للشاحنات العسكرية إلى هذه البقعة النائية. أما الرجل الذي يقود السيارة: كيف له أن يفعل هذا أسبوعاً تلو الآخر، عاماً تلو الآخر؟ ماذا كان يقول لنفسه كلما صعد إلى مقصورة سيارته؟ يقول أبو علي إنه تعلّم أن يكون "خادماً صامتاً" للدولة. "بينما كان الجنود يلقون بالجثث في الحفر، كنت أبتعد وأنظر إلى النجوم، أو أنظر نحو دمشق". "كسروا ذراعيه وضربوه على ظهره" دمشق - المكان الذي عادت إليه السورية ملك عودة مؤخراً، بعد سنوات قضتها لاجئة في تركيا. ربما تكون سوريا قد تحررت من قبضة عائلة الأسد، لكن لا يزال هناك حكم بالسجن المؤبد بحق ملك. على مدى الثلاثة عشر عاماً الماضية، ظلت حبيسة روتين يومي من الألم والشوق. في عام 2012، بعد عام من تجرؤ بعض السوريين على الاحتجاج ضد الأسد، اختفى ابناها. BBC كان محمد لا يزال مراهقاً عندما جُنّد في جيش الأسد، مع انتشار المظاهرات وإشعال النظام لحملات قمع تحولت لحرب شاملة. تقول والدته إنه كان يكره ما يراه. بدأ محمد بالفرار من الجيش، حتى أنه شارك في المظاهرات بنفسه. لكن تم تعقبه. تقول والدته: "كسروا ذراعيه وضربوه على ظهره. قضى ثلاثة أيام فاقداً للوعي في المستشفى". تغيب محمد عن الجيش بدون إذن مرة أخرى. تقول ملك: "أبلغت عن اختفائه، لكنني أنا التي كنت أخفيه". في مايو/ أيار 2012، نفد حظ محمد، البالغ حينها من العمر 19 عاماً. أُلقي القبض عليه مع مجموعة من أصدقائه، وأُطلق عليهم النار. تقول ملك إنه لم يكن هناك أي إخطار رسمي. لكنها لطالما توقعت أنه قد قُتل. بعد ستة أشهر، اقتاد الضباط ماهر، شقيق محمد الأصغر، من المدرسة. كان هذا ثاني اعتقال لماهر. شارك في الاحتجاجات عام 2011، وعمره 14 عاماً. أدى ذلك إلى اعتقاله الأول. عندما أُطلق سراحه بعد شهر، كان يرتدي ملابسه الداخلية، وجسده مغطى، كما تقول والدته، بحروق سجائر وجروح وقمل. "كان مرتعباً". تعتقد ملك أن ماهر اختفى من المدرسة عام 2012، لأن السلطات اكتشفت أنها كانت تخفي شقيقه الأكبر. الآن، ولأول مرة منذ 13 عاماً، تعود ملك إلى تلك المدرسة، متلهفة لمعرفة ما حدث لماهر. أخرج مدير المدرسة الجديد دفترين أحمرين ممزقين. تتبعت ملك صفوف الأسماء بإصبعها، ثم وجدت اسم ابنها. في ديسمبر/ كانون الأول 2012، ورد في السجل بشكل قاطع: طُرد ماهر من المدرسة لتغيبه عن الدروس لمدة أسبوعين. لا يوجد تفسيرٌ لإخفاء الدولة له. مع ذلك، ثمة أمرٌ آخر: عُثر على ملفٍّ يحتوي على سجلات ماهر المدرسية. غلافه مُزيّن بصورةٍ لبشار الأسد، وهو ينظر إلى الأفق البعيد بتأمل. التقطت ملك قلماً من على مكتب مدير المدرسة وخربشت فوق الصورة. لو فعلت هذا التصرف قبل ستة أشهر من الآن، لكاد أن يودي بحياتها. لسنوات، لم يكن لدى ملك أي أثر لماهر تتشبث به، سوى رجلين يقولان إنهما شاهدا ماهر في "الفرع 2015" – وهذا هو مركز الاعتقال العسكري نفسه، الذي خرج منه هذا العدد الكبير من الجثث لينقلها أبو علي في شاحنته. أخبر أحد الرجلين ملك أن ابنها أخبره شيئاً عن والديه، تقول والدته إن ماهر وحده من كان يعلم ذلك الشيء. إنه هو بالتأكيد. "لقد طلب من هذا الرجل أن يخبرني أنه بخير". تنهدت ملك وانهمرت دموعها، ووضعت منديلاً ممزقاً على عينيها. بالنسبة لملك، كغيرها من السوريين، لم يكن سقوط الأسد مجرد يوم فرح، بل يوم أمل. "كنت أعتقد بنسبة 90 في المئة أن ماهر سيخرج من السجن. كنت أنتظره". لكنها لم تتمكن حتى من العثور على اسم ابنها في قوائم السجناء. وهكذا يستمر نبض الألم يسري في جسدها. "أشعر بالضياع والارتباك"، كما تقول. لقد قُتل شقيقها الأصغر، محمود، بنيران دبابة أطلقت النار على المدنيين عام 2013. لكن "على الأقل عثروا على جثته وشُيّعت في جنازة".


وكالة الصحافة المستقلة
٠١-٠٥-٢٠٢٥
- وكالة الصحافة المستقلة
امرأة بريطانية تبلغ من العمر 115 عاماً تصبح أكبر معمرة في العالم
المستقلة/- أصبحت امرأة من المملكة المتحدة أكبر معمرة في العالم، بعمر 115 عامًا و252 يومًا. حققت إثيل كاترهام، المقيمة في دار رعاية في لايت ووتر، مقاطعة سري، هذا الإنجاز بعد وفاة الراهبة البرازيلية إينا كانابارو لوكاس، عن عمر ناهز 116 عامًا، يوم الأربعاء. وُلدت كاترهام في 21 أغسطس/آب 1909، وهي آخر من بقي على قيد الحياة من رعايا الملك إدوارد السابع. وصرحت، وهي تحتفل بعيد ميلادها الـ 115 في أغسطس/آب 2024، بأنها 'لا تعرف سبب كل هذه الضجة'. وأضافت أن سر طول عمرها يكمن في 'عدم الجدال مع أي شخص، فأنا أستمع وأفعل ما يحلو لي'. وقد أكدت موسوعة غينيس للأرقام القياسية ومنصة LongeviQuest، وهي قاعدة بيانات لأقدم المعمرين في العالم، الرقم القياسي الجديد. في عيد ميلادها الـ 115، تلقت السيدة كاترهام رسالة من الملك هنأها فيها على 'حدثٍ تاريخيٍّ مميز'. أعرب الملك عن 'أطيب تمنياته' و'أتمنى أن تستمتع إثيل بيومها المميز'. وأفادت الرسالة أن الملك'سُرّ بمعرفة تاريخ إثيل الشخصي الرائع'. وُلدت السيدة كاترهام في شيبتون بيلينجر، هامبشاير، ونشأت في تيدوورث القريبة في ويلتشير. كانت الطفل السابع من بين ثمانية أبناء. في سن الثامنة عشرة، عملت كمربية أطفال لدى عائلة عسكرية في الهند. عادت إلى المملكة المتحدة عام 1931 والتقت بزوجها المستقبلي، نورمان كاترهام. تزوجا في كاتدرائية سالزبوري عام 1933. ترقى السيد كاترهام إلى رتبة مقدم في الجيش، وعمل الزوجان في هونغ كونغ وجبل طارق. في هونغ كونغ، أنشأت السيدة كاترهام حضانة أطفال. شهدت غرق سفينة تايتانيك، والحرب العالمية الأولى، والثورة الروسية، والكساد الكبير، والحرب العالمية الثانية. أمضت السنوات الخمسين الماضية في مقاطعة سَري، واستمرت في قيادة السيارات حتى بلغت السابعة والتسعين من عمرها. عاشت إحدى شقيقاتها، غلاديس، حتى بلغت 104 أعوام. لديها ثلاث حفيدات وخمسة أحفاد. وقال متحدث باسم دار هولمارك ليكفيو للرعاية الفاخرة، حيث تقيم السيدة كاترهام: 'يا له من إنجاز مذهل، وشهادة حقيقية على حياة كريمة.' 'قوتكِ وروحكِ وحكمتكِ مصدر إلهام لنا جميعًا. نحتفل برحلتكِ المميزة.' تُعدّ السيدة كاترهام أيضًا من أكبر الناجين من كوفيد-19 سنًا، بعد إصابتها به عام 2020 عن عمر ناهز 110 أعوام، وفقًا لموسوعة غينيس للأرقام القياسية. وقال مارك ماكينلي، مدير الأرقام القياسية في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، لبي بي سي: 'لم تكن إثيل تطمح يومًا إلى تحطيم الأرقام القياسية. لكننا نأمل في مقابلتها قريبًا وتقديم شهادة ميلادها لها'.