logo
كان: سعفة ليوسف شاهين... وتأثر لا يُنسى

كان: سعفة ليوسف شاهين... وتأثر لا يُنسى

ويبدو١٠-٠٥-٢٠٢٥

في غضون أيام قليلة، ستشتعل أضواء الكروازيت من جديد احتفاءً بالدورة الثامنة والسبعين من مهرجان كان السينمائي. سيأتي العالم، بكل تنوعه، ليحتفل بأجمل حكاياته، بأقوى رؤاه، وبأجرأ أشكاله السينمائية. وككل عام، وسط العروض والاختيارات وصعود السلالم، يتوقف كان لحظةً لتقديم تحيةٍ مستحقة.
في عام 2024، ستكون هذه التحية من نصيب روبرت دي نيرو — الممثل العظيم، وأحد رموز هوليوود الجديدة، ورفيق درب مارتن سكورسيزي، والحائز على السعفة الذهبية مرتين عن "سائق التاكسي" و"المهمة". تحيةٌ مستحقة، بلا شك.
لكن إن كانت هناك سعفة شرف بقيت محفورة في زاويةٍ من قلبي، فهي تلك التي مُنحت عام 1997 ليوسف شاهين، بمناسبة الذكرى الخمسين للمهرجان. لم أكن هناك. لم أعرفها إلا من خلال الصور ومقاطع الفيديو. ومع ذلك، أعلم أن ذلك الحدث كان سيُبكيني. لأن شاهين كان ولا يزال بالنسبة لي شخصية مرجعية. لأن سينماه غذّتني، شكّلتني، أيقظتني. ولأن تلك الليلة، مرتدياً بدلته البيضاء، دامع العينين، مرتجف الصوت، تسلّم ذلك التكريم كتتويج متأخر، لكن باهر، لمسيرة عملاق.
كانت تلك السعفة، التي أُطلق عليها "سعفة الذكرى الخمسين"، جائزة استثنائية مُنحت لأحد أعظم المخرجين الذين واكبوا تاريخ المهرجان. وكان اختيار يوسف شاهين بليغاً بحد ذاته. فقد اعترف كان بعملٍ حرّ، نابض، عميق في التزامه السياسي. سينما تُغني الحب، والعدالة، والذاكرة، والحرية. وقال شاهين، حين تسلّم جائزته تلك الليلة:
.ضعوا أنفسكم مكاني. قلبي يخفق، والفراشات تتراقص في معدتي. انتظرت هذه اللحظة منذ 47 سنة ».
عندها، وقف الجمهور طويلاً. كان يحتفي بأستاذ. بفنانٍ عبرت أفلامه العقود والحدود والعصور، دون أن تخبو صوته يوماً. كان يبلغ من العمر 71 عاماً. عرض فيلمه الأول في كان عام 1951، وكان "ابن النيل". وانتظر ما يقرب من نصف قرن حتى نال هذا الاعتراف. ربما لم يكن بحاجة إليه. لكن مهرجان كان، هو من كان بحاجة لأن يكرمه.
يوسف شاهين، ابن الإسكندرية، مخرج التقاطعات. تقاطع الثقافات، واللغات، والأديان، والقارات. صوّر مصر بشغف، أحياناً بغضب، لكن دائماً بفخر. صوّر المهمّشين، والعشاق، والمظلومين. صوّر الرقص، والأجساد، والصراخ، والصمت.
جاء إلى كان أكثر من مرة: "ابن النيل" (1951)، "الأرض" (1970)، "وداعاً بونابرت" (1985)، "المهاجر" (1994)، "المصير" (1997)، وغيرها. لم يكن وحيداً. جاء أحياناً برفقة الكبار، مثل عمر الشريف، الذي اكتشفه عندما كان شاباً مغموراً، ومنحه أول دور له في "صراع في الوادي" (1954)، الذي عُرض ضمن الاختيارات الرسمية لمهرجان كان. كانت تلك أول خطوة لهما نحو القم.
وكان مهرجان كان أيضاً فضاءً للنضال بالنسبة إلى شاهين. ففي عام 1983، كان عضواً في لجنة التحكيم، إلى جانب إنغريد برغمان، وستانلي دونن، وغيرهم من رموز السينما العالمية. كان يعرف آليات المهرجان ومتطلباته وتوتراته. كان يعتبره ساحة استماع، ومنصة عالمية، ومجال مواجهة — فنية وسياسية. جاء إليه بأفكاره، ورؤاه، ولمعاته.
ومن بين أفلامه، يظل "المصير" الأقرب إلى قلبي. ربما لأنه جاء في زمنٍ بدأ فيه العالم ينزلق نحو الظلمة، حين صار التطرّف الديني يهدد حرية الفكر. وربما لأنه من أجمل ما قُدّم في السينما دفاعاً عن الفكر الحر. ففي سرد حياة الفيلسوف الأندلسي ابن رشد، يبني شاهين فيلماً متوهجاً، يجمع بين الموسيقى، والرقص، والمأساة، والحلم. وفيه يردد تلك العبارة التي صارت خالدة:
«الأفكار لها أجنحة. لا أحد يستطيع أن يمنعها من الطيران.»
وهذا الفيلم أيضاً هو ما كرّمه مهرجان كان عام 1997. فيلم ينظر إلى المستقبل، لكنه متجذّر في ذاكرة إنسانية. فيلم عربي بالكامل. فيلم إنساني بشراسة. وفيلم سينمائي، بالمعنى الأرقى للكلمة.
في تلك الليلة، في كان، لم يكن يوسف شاهين مكرّماً وحسب: بل كان يُجسّد روح المهرجان ذاته. روح فنان لم يتوقف يوماً عن المقاومة، عن الحكي، عن الرقص. كان صوتاً فريداً عرف مهرجان كان، ولو متأخراً، كيف يحتضنه ويحتفي به.
اليوم، ونحن نستعد لفتح صفحة جديدة من المهرجان، أفكر فيه. في طيفه المضيء، في نظرته الساخرة، في غضبه النبيل. أفكر في أفلامه، التي لا تزال ملحّة في رسائلها. وأفكر في تلك السعفة التي لم أشاهدها مباشرة، لكنها لا تزال تمسّني، بعد مرور ما يقارب الثلاثين عاماً.
.كنتُ أتمنى أن أكون هناك. كنتُ أتمنى أن أصفق، أن أبكي، أن أقف كما فعل كثيرون تلك الليلة. كنتُ أتمنى أن أقول له شكراً. وها أنا أفعل ذلك اليوم
.
شكراً، يوسف شاهين. شكراً على "المصير"، و"إسكندرية... ليه؟"، و"الأرض"، و"باب الحديد"، وعلى كل ما حملته إلى الشاشة. سينماك لا تزال حيّة. وإعجابي بك، لا ينضب أبداً.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

القائمة الكاملة لجوائز مهرجان ''كان'' السينمائي
القائمة الكاملة لجوائز مهرجان ''كان'' السينمائي

الإذاعة الوطنية

timeمنذ 13 ساعات

  • الإذاعة الوطنية

القائمة الكاملة لجوائز مهرجان ''كان'' السينمائي

وقد فاز المخرج الإيراني، جعفر بناهي، بجائزة السعفة الذهبية عن فيلمه "مجرد حادث"، والذي صُوّر في السرّ ويحكي قصة انتقام. وتمكّن المخرج البالغ 64 عاما من حضور مهرجان كان لأول مرة منذ 15 عاما، وتسلّم جائزته التي قدمتها إليه رئيسة لجنة التحكيم، جولييت بينوش. أما الجائزة الكبرى، فجاءت من نصيب المخرج النرويجي يواكيم تريير عن فيلم "قيمة عاطفية"، الذي يتناول علاقة متوترة بين مخرج وابنته الممثلة، ومحاولته إصلاحها بإشراكها في فيلمه الأكثر خصوصية. وأكد تريير أن السينما تمثل "لغة بديلة للتوحيد". ودهبت جوائز الأداء التمثيلي إلى فاغنر مورا كأفضل ممثل عن فيلم "العميل السري"، حيث يؤدي دور أب يحاول النجاة من محاولة اغتيال أيام الديكتاتورية العسكرية في البرازيل. وقد حصد الفيلم نفسه جائزة أفضل مخرج للمخرج كليبر مندونسا فيليو. وآلت جائزة لجنة التحكيم بالتساوي بين فيلم "صراط" للمخرج الإسباني أوليفييه لاكس وفيلم "صوت السقوط" للمخرجة الألمانية ماشكا شيلينسكي، في حين حصل المخرج الصيني بي غان على جائزة خاصة عن فيلمه "القيامة". ومنحت جائزة الكاميرا الذهبية لأفضل فيلم، للمخرج العراقي حسن هادي عن فيلم "كعكة الرئيس"، وهو أول فيلم عراقي يفوز بجائزة في تاريخ مهرجان كان. وفي ما يلي القائمة الكاملة لجوائز مهرجان كان السينمائي في دورته الـ78: السعفة الذهبية: "لم يكن سوى حادث" (It Was Just an Accident) – جعفر بناهي. الجائزة الكبرى: "قيمة عاطفية" (Sentimental Value) – يواكيم تريير. أفضل مخرج: كليبر مندونسا فيليو "العميل السري" (The Secret Agent). أفضل ممثل: فاغنر مورا- "العميل السري" (The Secret Agent). أفضل ممثلة: نادية ميليتي- "الأخت الصغيرة (Little Sister). جائزة لجنة التحكيم (مناصفة): "صراط" (Sirat) – "أوليفييه لاكس" (Olivier Laxe). "صوت السقوط" (Sound of Falling) – "ماشا شيلينسك" (Mascha Schilinski). جائزة خاصة: "القيامة" (Resurrection) – بي غان.

صاحب السعفة الذهبية الوحيدة عربيًا: وفاة المخرج الجزائري محمد الأخضر حمينة
صاحب السعفة الذهبية الوحيدة عربيًا: وفاة المخرج الجزائري محمد الأخضر حمينة

جوهرة FM

timeمنذ يوم واحد

  • جوهرة FM

صاحب السعفة الذهبية الوحيدة عربيًا: وفاة المخرج الجزائري محمد الأخضر حمينة

غيّب الموت الجمعة المخرج والمنتج الجزائري محمد لخضر حمينة، الذي يعد العربي والأفريقي الوحيد الذي فاز بالسعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي، "عن عمر ناهز 95 عاما"، حسبما أفادت عائلته. في هذا الشأن، كتب أولاده في بيان أن لخضر حمينة "توفي في منزله بالجزائر العاصمة عن عمر ناهز الخامسة والتسعين، تاركا وراءه إرثا سينمائيا لا يقدر بثمن"، مشيدين "برؤيته الفريدة التي طبعت تاريخ السينما". وأشارت العائلة إلى أن محمد لخضر حمينة تمكن من إقامة "جسر ثقافي فعلي بين الجنوب والغرب، فأصبح بذلك صوت العالم الثالث وبلده، مدى أربعين عاما تقريبا". ويعد محمد لخضر حمينة من المخرجين العرب والأفارقة القلائل الذين نافسوا أربع مرات في مسابقة مهرجان كان السينمائي. وفاز بجائزتين رئيسيتين إحداهما عن أفضل فيلم أول عن "ريح الأوراس" Le Vent des Aures، والأخرى هي جائزة السعفة الذهبية العريقة عن فيلم "وقائع سنوات الجمر" Chronique des annees de braise عام 1975. وفي رسالة تعزية، أبدى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون "بالغ الحزن والأسى" بوفاة مَن وصفه بـ"عملاق السينما العالمية" الذي ترك "بصمة خالدة في تاريخ السينما". وشهد مهرجان كان هذه السنة، لفتة تكريمية لحمينة من خلال عرض نسخة "4 كاي" من فيلم "وقائع سنوات الجمر" ضمن برنامج فئة "كان كلاسيكس". وبفضل فيلم "وقائع سنوات الجمر"، حقق المخرج الجزائري شهرة على المستوى العالمي. وأشار تبون إلى أن "رائعة" لخضر حمينة هذه "فتحت عيون العالم عن قطعة من معاناة الشعب الجزائري خلال فترة الاستعمار". كذلك، أكدت عائلة المخرج في بيانها أن المخرج كان "أحد آخر عظماء السينما الملحمية والشاعرية، وترك بصمة لا تمحى على مهرجان كان السينمائي الدولي وعلى السينما عموما". المصدر: أ ف ب

رحيل أسطورة السينما الجزائرية محمد لخضر حمينة
رحيل أسطورة السينما الجزائرية محمد لخضر حمينة

تونسكوب

timeمنذ يوم واحد

  • تونسكوب

رحيل أسطورة السينما الجزائرية محمد لخضر حمينة

أعلنت وزارة الثقافة والفنون الجزائرية يوم الجمعة عن وفاة المخرج والمنتج السينمائي البارز محمد لخضر حمينة، في ذكرى مرور خمسين عاماً على فوزه بالسعفة الذهبية في مهرجان كان. وقالت الوزارة في بيانها: "برحيل حمينة تفقد الجزائر أحد أعمدة الفن الراسخ، ومخرجاً رائداً كرّس حياته للفن الملتزم الذي وثق نضال الشعب وهموم الأمة وجمال الصورة السينمائية الأصيلة". كما نعى الرئيس عبد المجيد تبون الفقيد مؤكداً أنه "كان قبل أن يكون مخرجاً عالمياً مبدعاً، مجاهداً صلباً ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ السينما العالمية، وساهم في تحرير وطنه من خلال تصوير بطولات الثورة التحريرية المظفرة". وُلد محمد لخضر حمينة عام 1934 في مدينة المسيلة بشرق الجزائر، ودرس القانون في فرنسا قبل أن يفرّ من التجنيد في الجيش الفرنسي ويلتحق عام 1959 بخلية الإعلام التابعة للحكومة الجزائرية المؤقتة في تونس، حيث بدأ مشواره الفني والسياسي الذي أثرى به الساحة السينمائية ووثق تاريخ بلاده بعمق وإبداع.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store