
إسرائيل ترسم منطقة عازلة بجنوب لبنان وترمي خرائطها للسكان
وألقت طائرة مسيّرة إسرائيلية صباح الخميس مناشير تحذيرية فوق بلدة شبعا في جنوب شرقي لبنان، حددت فيها ما وصفته بـ«الخط الأحمر» على خرائط مرفقة، محذّرة من تجاوزه. وشملت المناشير مناطق محاذية لمزارع شبعا، وجاءت مصحوبة بخريطة ملوّنة تظلل المساحة المستهدفة باللون الأحمر.
نسخة من الخريطة التي رمتها مسيّرات إسرائيلية فوق منطقة شبعا بجنوب لبنان صباح الخميس (متداول)
وتُعد هذه الخطوة جزءاً من إجراءات إسرائيلية ميدانية تشهدها المنطقة الحدودية، وتتباين التفسيرات حول أهدافها بين اعتبارها إجراءً أمنياً بحتاً، وقراءتها محاولة لتكريس واقع جديد على الأرض.
وجاء في نص المناشير: «يُمنع عبور الخط الأحمر باتجاه الحدود الإسرائيلية. كل من يدخل المنطقة الملوّنة بالأحمر يعرّض نفسه للخطر». ووفق مصادر ميدانية، فإن الخريطة تتطابق مع نطاق أمني جديد تحاول إسرائيل فرضه على طول القطاع الشرقي من الحدود. هذه السياسة سبق أن تجلت في يوليو (تموز) الماضي، حين ألقت إسرائيل منشورات على نحّالي شبعا تحذّرهم من نقل مناحلهم إلى مناطق تراها حساسة أمنياً.
وقد سبق هذا التصعيد، قيام رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، يوم الأربعاء، بجولة داخل جنوب لبنان، في خطوة أريد منها عكس الواقع الأمني الجديد على الحدود.
ورأى اللواء المتقاعد من الجيش اللبناني الدكتور عبد الرحمن شحيتلي، أنّ «ما أقدمت عليه إسرائيل اليوم في مزارع شبعا، هو محاولة واضحة لفرض أمر واقع جديد على الحدود الجنوبية، وجعل هذا الخط بمثابة القسم الشمالي من خط وقف إطلاق النار الجديد المزمع بين لبنان وإسرائيل، وذلك بعد محاولة وضع خط هدنة مستحدث يبدأ من الناقورة وصولاً إلى جسر الغجر».
واعتبر شحيتلي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا المؤشر خطير للغاية، «بل أخطر من الخطير»، لأنه إذا قبل به لبنان، «فهذا يعني عملياً التنازل عن أراضٍ لبنانية مثبتة الملكية لأصحابها، وموثقة في الاتفاقات الرسمية الموقعة بين لبنان وسوريا».
وقدّر شحيتلي أن «المساحة التي يشملها الإجراء الإسرائيلي الجديد تبلغ نحو 50 كيلومتراً مربعاً»، مؤكداً أن «هذه أراضٍ لبنانية بالكامل، ولا يساورنا أي شك في هويتها».
قصف إسرائيلي على الجانب اللبناني في مزارع شبعا (أرشيفية - أ.ف.ب)
وأوضح أن هذه الخطوة «تستهدف منع أصحاب الأراضي اللبنانيين من الوصول إلى أراضيهم وزراعتها، لتكريس الاحتلال بشكل تدريجي، على غرار ما فعلته إسرائيل في الجولان، حيث بدأت بفرض وقائع ميدانية قبل أن تقدم لاحقاً على ضمها». وأضاف: «هذا الخط المرسوم يغيّر الحدود المعترف بها، ويهدد بأن يتحول إلى أساس لأي تسويات أو اتفاقات مستقبلية، وهو ما يجب التصدي له فوراً».
إثارة موضوع «الخط الأحمر» استدعت إلى الأذهان الخيمة التي نصبها «حزب الله» في يونيو (حزيران) 2023 قرب الخط الأزرق في منطقة مزارع شبعا (جبل دوف)، قبل حرب الإسناد التي اندلعت في خريف 2023. تلك الخيمة اعتُبرت يومها رسالة سياسية وعسكرية تختبر ما عرف في حينها بقواعد الاشتباك. فإدراج موقع الخيمة ضمن النطاق الملوّن اليوم يضفي بعداً إضافياً للتحذير الإسرائيلي، ويكشف سعي تل أبيب لإزالة أي تمركز رمزي أو فعلي لـ«الحزب» في نقاط متقدمة.
استعاد شحيتلي خلفية ترسيم الحدود، مشدداً على أنه «لا يوجد أي خلاف حدودي بين لبنان وسوريا، فالموضوع حُسم منذ الأربعينات عندما وُقعت خريطة حدودية بين لجنة عقارية لبنانية وأخرى سورية، وأعيد تثبيتها في ستينات القرن الماضي وبداية السبعينات عبر اجتماعات رسمية، حيث ترأس الوفد اللبناني وزير الخارجية، وترأس الوفد السوري نائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية. وقد وافق مجلسا الوزراء في البلدين على تقارير اللجان والخرائط المرفقة، ما جعل الحدود اللبنانية - السورية مرسمة نهائياً عام 1970».
لافتة تشير إلى اتجاه مزارع شبعا على الحدود بين لبنان وإسرائيل وسوريا (المركزية)
ولفت إلى أن «المشكلات التي طرأت لاحقاً لم تكن على خط الحدود، بل على الملكيات العقارية، إذ توجد أراضٍ للبنانيين داخل الأراضي السورية وأخرى لسوريين داخل الأراضي اللبنانية، وقد اتفق على تسويتها عبر قضاة عقاريين من البلدين».
وفي ما يتعلق بمزارع شبعا، أوضح شحيتلي أن «إسرائيل احتلت الجزء الأول منها عام 1967 بعد حرب لم يشارك فيها لبنان، وكانت تلك المنطقة تضم قوات سورية واعتبرتها إسرائيل أراضي سورية. ثم توسعت إسرائيل بعد ذلك إلى مناطق أخرى بعد 1967، في فترة ما كان يُعرف بـ(فتح لاند) في العرقوب الذي كانت تتمركز فيه المنظمات الفلسطينية. أما المرحلة الثالثة فكانت بعد اجتياح 1982، وصولاً إلى احتلال أجزاء إضافية عام 1989».
ودعا الحكومة اللبنانية إلى «اتخاذ موقف رسمي وعلني وفوري، وتسجيل اعتراض واضح لدى الأمم المتحدة على هذا الإجراء، والمطالبة بإزالته فوراً، لأنه يشكل تكريساً للاحتلال ويعطل أي شروط لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، كما يمهّد لمحاولة ضمها على غرار ما حصل في الجولان».
وتزامن إلقاء المناشير مع إجراءات ميدانية إسرائيلية، بينها استهداف آلية مدنية في يارون، وإلقاء قنبلة على سيارة في شبعا، وقنبلة صوتية قرب أحد الرعاة، بعيد توغل قوة إسرائيلية في وادي هونين فجراً ودخول منزلين قرب العديسة تم خلع أبوابهما والعبث بمحتوياتهما. كما رصد تحليق للطيران الإسرائيلي على علو منخفض فوق بيروت والبقاع والجنوب، في رسالة واضحة بأن التحذير الورقي مدعوم بجهوزية ميدانية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربية
منذ 4 دقائق
- العربية
كانت في لب مطلب ثورة ديسمبر 2018 وخرجت الحرب بعيد إصلاح أمني في يناير 2023 أراد جمع شمل القوى المسلحة
لا يخفى أن هذه الخطط والعقائد استدبرت مطلب "حصرية السلاح" الذي نادت به الثورة ويدمج كل قوة مسلحة غير الجيش في القوات المسلحة. وكان منتظراً بعد انتهاكات "الدعم السريع" حين وطئت أرضاً فأفرغتها من أهلها أن يتأكد لقوى مثل "صمود" صحة وعيها الباكر بأن "ما في ميليشيات بتحكم دولة". لا أعرف ما دنا أخيراً للمسألة السودانية في خضم بنائها الوعر للأمة الدولة دنو تطورات أخيرة في كل من لبنان والعراق. وهي تطورات جرى الاصطلاح عليها بـ"حصرية السلاح" في لبنان. وهي أن يقتصر تملك السلاح على الدولة. وكانت هذه الحصرية من وراء حرب السودان. فجاء بها الاتفاق الإطاري في يناير (كانون الثاني) 2023 وهو إصلاح عسكري أمني تقدمت به قوى الحرية والتغيير (قحت) دعت فيه إلى دمج قوات "الدعم السريع" والحركات المسلحة قاطبة في القوات المسلحة بما هو حصر للسلاح بيد الدولة. وهو ما لم يتفق للفريق محمد حمدان دقلو لا خلال فترة الحكم الانتقالي التي كان المبدأ حداء الشارع: ما في ميليشيات بتحكم دولة. العسكر للثكنات والجنجويد (الدعم السريع) ينحل وحسب، بل خلال فترة دولة الإنقاذ نفسها. ففاوض الرئيس البشير، رئيس الجمهورية يومها، بقوة من فوق عقيدته باستقلال قواته عن غيرها ليخرج بقانون الدعم لعام 2017 الذي وطنه جيشاً ثانياً كما عرض لذلك الدكتور سلمان محمد سلمان في كتابه عنه. وبدا من الحرب أن حميدتي لم يستعد لأمر مثل استعداده ألا "يؤكل لحماً ويرمى عظماً" بالاتفاق الإطاري كما قال في لقاء خلال حكم الإنقاذ جمعه مع الإعلامي الطاهر أحمد التوم على "س24". جاء جوزيف عون إلى رئاسة جمهورية لبنان في يناير 2025 فوضع مطالب واضحة بتسليم سلاح جميع القوى المسلحة، بما في ذلك "حزب الله"، إلى الجيش اللبناني، معتبراً ذلك شرطاً أساساً لاستعادة سيادة الدولة وضمان استقرارها، بل سموا الحكومة برئاسة نواف سلام بـ"عهد حصر السلاح" متزامنة مع الضغوط الأميركية لوضع جدول زمني محدد لسحب السلاح، مع ربط ذلك بالدعم المالي الدولي وإعادة الإعمار. ليس مبدأ "حصرية السلاح" في لبنان وليد ظرف الحرب مع إسرائيل التي رجحت فيها الحرب الكفة لغيره. فمبدأ حصر السلاح بيد الدولة أحد ركائز بناء الدولة واستعادة سيادتها منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية (1977-1990) وإقرار اتفاق الطائف به عام 1989. وشمل الحصر معظم القوى المسلحة إلا سلاح "حزب الله" المعدود كـ"سلاح مقاومة" مشروع لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وضربت الدولة في لبنان لضعفها صفحاً عن حصرية السلاح في ما اتصل بـ"حزب الله" إلا أن المبدأ كان يثور في الدولة والمجتمع حين يوجه الحزب سلاحه لغير ما أجيز له في مثل المواجهة بينه وبين الدولة عام 2008 التي اجتاح فيها بيروت لأن الحكومة قررت وقف شبكة اتصالات الحزب السلكية. ومكن ذلك الوضع لعقيدة "الجيش والشعب والمقاومة" التي اعترفت لـ"حزب الله" بالسابقة في المقاومة واللاحقة. واستعلت لبنان على المطلب بنزع سلاح "حزب الله" من الأمم المتحدة بأنه شأن داخلي ليس لغير اللبنانيين رأي فيه. وهي العقيدة التي يدرأ بها الحزب حالياً قرار الدولة بنزع سلاحه، بل هي العقيدة التي عارضت بها إيران أخيراً القرار نفسه فأثارت ثائرة لبنان. ترافقت في العراق واقعتان ماستان بـ"حصرية السلاح" هما مشروع قرار قانون "الحشد الشعبي" ومهاجمة كتائب لـ"حزب الله"، الذي هو قوام اللواءين 45 و46 من "الحشد"، دائرة حكومية للزراعة في آخر يوليو (تموز). فاستنكر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الحادثة على المرفق الحكومي وقال إن بلاده لن تتهاون في حصر السلاح بيد الدولة وفرض سلطة القانون ومكافحة الفساد. وكان من وراء هجوم المسلحين مدير الدائرة المقال نظراً إلى تورطه في عمليات فساد أدت إلى سلب أراض زراعية من أصحابها الشرعيين. واستقوى بالمسلحين لاستعادة سلطاته. وخلص تحقيق أجرته الحكومة إلى وجود خلل في ملف القيادة والسيطرة في "الحشد الشعبي"، ووجود تشكيلات لا تتقيد بالضوابط والتحركات العسكرية. فأعفت الحكومة قادة اللواءين من منصبيهما وقررت التحقيق مع قائد "الحشد الشعبي" في المنطقة لتقصيره في مهمات القيادة والسيطرة. من جهة أخرى، توقف البرلمان العراقي في أول أغسطس (آب) دون القراءة الثالثة لقانون "الحشد الشعبي" قبيل عرضه للتصويت عليه. وكان القانون، الذي يمنح "الحشد" صلاحيات واسعة وموارد كبيرة واستقلالية نسبية في القرار عن المؤسّسات الأمنية الأخرى، أثار مخاوف الولايات المتحدة من أن يؤدي إقراره إلى تمكين مجموعات مسلحة تستظل بـ"الحشد" وموالية لإيران. وهو نفس ما اعترض عليه عرفان شهيد، سفير بريطانيا، قائلاً بعدم الحاجة إلى "الحشد" بعد انتهاء المعارك مع تنظيم الدولة وأن فيه فصائل مهددة لأمن العراق ومصالحه. أعطى القانون قوى "الحشد الشعبي" صلاحيات موازية للجيش فصارت به "جزءاً من القوات المسلحة وترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، ولها حق التسليح لحماية النظام الديمقراطي والدستوري" شريطة ألا ينتمي أعضاؤها إلى أي حزب أو ممارسة النشاط السياسي. وقوة "الحشد" 200 ألف منتسب ينتمون إلى 10 فصائل منها ما يزال يعتزل دولة العراق ويأتمر بإيران في إطار "محور المقاومة". وللحشد حسابات مستقلة تخضع لمراجعة ديوان الرقابة المالية الاتحادية، وله شركة "المهندس للمقاولات" لتنفيذ مشاريع إنشائية وهندسية في السوق. والقول باعتزال "الحشد" السياسة صعب التحقق لأنه تكون في 2014 بناء على دعوة للمرجعية الشيعية في العراق لحمل السلاح في مواجهة تنظيم "داعش" السني. وله هيئة عليها رئيس أعلى بدرجة وزير وفقاً للقانون مسؤول عن تنفيذ أعماله ومهماته. وهو ما يعترض عليه الأميركيون، الذين يخشون أن يخرج عليهم حرس ثوري في معيار نظيره في إيران، ويضغطون ليكون "الحشد" تحت قيادة الدولة مباشرة. ونوه المراقبون بجدية الشياع وصرامته تجاه انفلات "الحشد الشعبي" بما لم يكن العهد قبلاً. فقد وقعت حادثتان في عهد رئيس الوزراء السابق له أطلقت فيها جماعة من "الحشد" صواريخ على المنطقة الخضراء (يونيو "حزيران" 2020) وأخرى اغتالت فيه جماعة أخرى ناشطين مدنيين في كربلاء (مايو "أيار" 2021) ولم تحرك الدولة ساكناً بعد تحرير الفصائل لمن اعتقلتهم رهن التحقيق. ومن وراء الضيق بالسلاح خارج الدولة وازع محلي أشد خطراً من مخاوف الغرب. فصار "الحشد" أحياناً كثيرة شرطة خاصة لمصالح شيعية نافذة لإخلاء ما يعرف بـ"حزام بغداد" الخصيب من أهله العرب السنة. وهو ما وصفه الكاتب العراقي أحمد سعداوي بإعادة تشكيل ديمغرافية المدينة منذ 2004. فهجّرت ميليشيات "الحشد الشعبي" الألوف من أهله ما زالت الخيم مأواهم. وبدا أن حادثة الهجوم على دائرة الزراعة مما وقع في إطار هذا التغيير الديمغرافي. وإجراءات هذا التغيير الديمغرافي هي تهجير أهالي حزام العاصمة بزرع الخلايا البشرية ومصادرة الأراضي الزراعية. وقال الكاتب إياد الديلمي إن فصائل "الحشد" تحولت أخيراً عن نيل غرضها بالإرهاب، إذ استبدلت به الاستثمار الذي تصادر من خلاله آلاف الأراضي الزراعية من أهلها لبناء مجمّعات سكنية أو تجارية أو صناعية، غالبيتها لمصلحة الميليشيات المتنفذة. فتبدأ الأخيرة بمفاوضات مع أهالي تلك المناطق لشراء أراضيهم، وعند الرفض تُساومهم بالسلاح، إما بالدخول في شراكة أو بتلفيق تهم مثل الانتماء إلى حزب البعث أو الإرهاب، مما دفع كثيراً إلى قبول عروض الميليشيات. وترتب على هذا إعادة رسم الخريطة السكانية والانتخابية. فمناطق "حزام بغداد" أصبحت فارغة من سكانها الأصليين أو مليئة بسكّان جدد موالين للميليشيات. وانعكس هذا التغيير في الانتخابات، إذ تراجعت نسبة التمثيل السنّي في بغداد إلى مستويات غير مسبوقة. كانت "حصرية السلاح" في لب مطلب ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 وخرجت الحرب بعيد إصلاح أمني في يناير 2023 أراد جمع شمل القوى المسلحة من غير الجيش في القوات المسلحة كما تقدم. لكن لم يعد المطلب بعد الحرب بذات الوضوح عند القوى التي كانت من وراء الثورة، بل بالوسع القول إنه لم يعد وارداً. وغطت عليه خطط وعقائد طرأت لهذه القوى نجملها في الآتي: تدعو في خطتها لوقف الحرب إلى قيام حكومة مدنية تستبعد الفئتين اللتين احتربتا: القوات المسلحة و"الدعم السريع"، وهنا إغضاء مرموق عن مسألة حصرية السلاح. ولا يعرف مستقبل مثل هذه الحكومة والسلاح فوق الرؤوس من كل فج. إذا كان من ذكر لحصرية السلاح على يد أقلام فصيحة منهم فهو، وبطريق غير مباشر، في الدعوة إلى حل القوات المسلحة لأنها في قولهم ما وجهت سلاحها إلا لصدر شعبها وشغبت في السياسة بالانقلابات والنظم المستبدة وكلفت حال البلد دماً مراغاً. وتتصل بهذا التفكيك للجيش خطة كانت اتفقت لـ"صمود" و"الدعم السريع" في إعلان أديس أبابا في يناير 2024 قضت بحل كل من الجيش و"الدعم السريع" والحركات المسلحة الأخرى في جيش قومي مهني تتمثل فيه الأطياف السودانية جمعاء. مما هو بالطبع رأي سلبي في تكوين القوات المسلحة في يومنا. ولا يخفى أن هذه الخطط والعقائد استدبرت مطلب "حصرية السلاح" الذي نادت به الثورة ويدمج كل قوة مسلحة غير الجيش في القوات المسلحة. وكان منتظراً بعد انتهاكات "الدعم السريع" حين وطئت أرضاً فأفرغتها من أهلها أن يتأكد لقوى مثل "صمود" صحة وعيها الباكر بأن "ما في ميليشيات بتحكم دولة". وما جاء ذكر هذه الانتهاكات على لسان حتى قال قائلهم إن ما يشقى به الناس من "الدعم السريع" هو أيضاً من شرور الجيش فينا لأنه، في عبارة صارت صيغة مشهورة، إن الدعم خرج من رحم الجيش عملاً بمثلنا القائل "من ولد المحن يلولي (يلاعب) صغارهن". بدا أن "حصرية السلاح" هي في أول جدول أعمال بناء الأمة الدولة عندنا وعند غيرنا بعد طول تشرد مع السلاح وهرجه في غير ما أريد له في مثل هذه الدولة. ولا نحتاج في السودان غير العودة إلى وعينا الذي سبق بهذه الحصرية في ثورة ديسمبر التي هي واحدة من يقظات الأمة العظمي للم شعثها في أمة دولة آمنة مطمئنة.


الشرق الأوسط
منذ 4 دقائق
- الشرق الأوسط
هل نجحت إسرائيل في إقناع دول أفريقية باستقبال الفلسطينيين؟
تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع بداية تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة في يناير (كانون الأول) بكلماتٍ تحث على إخراج الفلسطينيين من أراضيهم إلى دولتي مصر والأردن، قبل أن ترفضا بشدة، لينتقل بحث أميركا مع حليفتها إسرائيل عن دول أخرى، كان من بينها بحسب تسريبات إعلامية ليبيا وإثيوبيا، وجنوب السودان والصومال. بالتزامن مع إخلاءات جبرية للسكان في غزة، سبقها بنحو أسبوع إقرار خطة إسرائيلية لاحتلال القطاع كاملاً، كثفت حكومة بنيامين نتنياهو محادثاتها مع بعض البلدان، لاستضافة الغزيين، قبل أن تعلن الخارجية المصرية، في بيان صحافي، الأحد، عقب اتصالات قالت إنها أجرتها مع الدول المحتملة «رفضهم ذلك الخيار». وهذا ما أكده لـ«الشرق الأوسط» برلماني ليبي، قائلاً إن المساعي الإسرائيلية والأميركية «فشلت» في تغيير موقف حكومتي الشرق والغرب الرافض لقبول تهجير فلسطينيين من غزة، مؤكداً أنه «لا انقسام ليبي حول هذا الشأن». فيما تحفظ مصدر مطلع في إقليم أرض الصومال، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، على وجود محادثات من عدمه بشأن استقبال فلسطينيين بالإقليم، واكتفي بالقول إنه «لم يصل أي طلب رسمي بشأن ذلك». شاب فلسطيني ينعى أحد أقاربه الذي قُتل في غارة إسرائيلية غرب جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب) مخاوف تزداد لم يصدر تعقيب إسرائيلي على النفي المتكرر من البلدان المحتملة، غير أنه على أرض الواقع بغزة ثمة مخاوف من «تحضيرات تجري بناءً على توجيهات المستوى السياسي لنقل المدنيين من مناطق القتال إلى جنوب قطاع غزة (المتاخم لحدود مصر)، ابتداءً من الأحد مع توفير الخيم ومعدات المأوى (للنازحين)»، وفق ما أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، في منشور السبت على منصة «إكس». تلك التجهيزات عدّتها «حماس»، في بيان الأحد، «موجة جديدة من عمليات التهجير لمئات الآلاف تحت عناوين ترتيبات إنسانية». ويرى نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية ومساعد وزير الخارجية الأسبق السفير صلاح حليمة أن بدء الإخلاءات بغزة للجنوب يثير تساؤلات حول إمكانية أن يكون ذلك بدايةً لتنفيذ مخطط التهجير نحو سيناء المتاخمة للحدود، أو دفع الفلسطينيين تحت تصعيد احتلال القطاع للتهجير صوب الدول المحتملة بتسهيلات إسرائيلية، مؤكداً أن هذه التحضيرات ستواجه بصمود الموقف الفلسطيني وموقف مصري وعربي ودولي رافض. فتيان فلسطينيون يبحثون عن حطب لاستخدامه للتدفئة بجوار مبانٍ مدمّرة في حي التفاح بمدينة غزة (أ.ف.ب) مخطط إسرائيلي مستمر تشير صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، في تقرير، السبت، إلى أن المعلومات المتوفرة تكشف عن مساع إسرائيلية لتنفيذ ذلك المخطط، متحدثةً عن «مقاومة مصرية قوية للضغوط الأميركية الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ونشوب مشادات كلامية بين المسؤولين المصريين والإسرائيليين جراء ذلك». وفقاً للمصدر ذاته، «تواصل مسؤولون إسرائيليون مع نظرائهم في 6 دول وأقاليم، منها ليبيا وجنوب السودان وأرض الصومال وسوريا، بشأن استقبال الفلسطينيين». هذا التواصل الإسرائيلي مع دول بالمنطقة لهذا المقصد، تكرر الأشهر الماضية، كان أحدثه تأكيد ثلاثة مصادر مطلعة لـ«رويترز» الجمعة أن جنوب السودان وإسرائيل تناقشان اتفاقاً لإعادة توطين الفلسطينيين بجوبا، رغم نفي وزارة الخارجية في جنوب السودان في بيان قبل يومين آنذاك صحة ذلك. وفي يوليو (تموز) الماضي، نقل موقع «أكسيوس» الأميركي عن مصادر لم يسمِّها قولها إن رئيس الموساد، ديفيد برنياع، أبلغ واشنطن بانفتاح إثيوبيا وإندونيسيا وليبيا على استقبال فلسطينيين من غزة، واقترح تقديم حوافز لتلك الدول، قبل أن تنفي لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الليبي صحة قبولها بذلك، رافضةً في بيان الزج باسم البلاد في تلك المخططات. وفي مايو (أيار) الماضي، تحدثت قناة «إن بي سي نيوز» الأميركية عن مفاوضات بين إدارة ترمب وليبيا للإفراج عن مليارات الدولارات المجمَّدة لدى واشنطن، مقابل استقبال فلسطينيين، وهو ما نفته السفارة الأميركية في ليبيا، آنذاك. كما نقلت هيئة البث الإسرائيلية في مارس (آذار) تأكيداً من وزير خارجية إقليم أرض الصومال عبد الرحمن ضاهر باحتمال قبول توطين الغزيين، قبل أن يخرج نافياً وجود محادثات بشأن ذلك في تصريحات لـ«رويترز» آنذاك. وتحدثت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، ووكالة «أسوشيتد برس» الأميركية، في مارس (آذار) أيضاً عن تواصل أميركي إسرائيلي مع 3 حكومات من شرق أفريقيا هي السودان والصومال وإقليم أرض الصومال، لاستقبال الفلسطينيين. وقال وزير الخارجية الصومالي آنذاك، أحمد معلم فقي، إن بلاده لم تتلق أي مقترح من هذا القبيل، وترفض رفضاً قاطعاً، وسبق أن أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان أكثر من مرة رفض تهجير الفلسطينيين. نازحون فلسطينيون يتجهون نحو موقع إنزال جوي للمساعدات الإنسانية في مخيم البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب) مفسراً أسباب التوجه الإسرائيلي لتلك الدول، يقول الخبير في الشؤون الأفريقية عبد الناصر الحاج إن «العرض الإسرائيلي برمته لا يصلح تفسيره إلا تحت عنوان الابتزاز السياسي لدول أرهقتها أوضاعها الداخلية وتقلباتها بين الفوضى والحروب، فأضحى بعضها لا يبالي من فتح أراضيها مسرحاً لجريمة ضد الإنسانية». ويرى حليمة أيضاً أن تركيز إسرائيل على تلك الدول يعود لاعتبارات مرتبطة بالظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يمكن أن تقدم بسببها إغراءات للحكومات لدفعها لقبول مخطط التهجير، كما في إثيوبيا والصومال وجنوب السودان، بخلاف إقليم أرض الصومال الذي يسعى لاعتراف دولي، وينتظر أي صفقات في هذا الصدد، مشدداً على أن نجاح إسرائيل مرتبطٌ بخضوع أي دولة للضغوط التي تمارس عليها. وحاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع وزير الخارجية الليبي عبد الهادي الحويج إلا أنه لم يرد، وأجاب عضو مجلس النواب الليبي محمد عامر العباني، قائلاً: «ليبيا غير منقسمة لا في الشرق ولا الغرب على رفض تنفيذ مخطط ترمب وإسرائيل للتهجير»، مقراً باحتمال «صحة طرح عرض هذه المقترحات على ليبيا، ومعها إغراءات لمساعدة الليبيين للخروج من أزمتهم السياسية، والإفراج عن الأموال المجمدة»، غير أنه يؤكد أن «الموقف الليبي كما علم كان رافضاً دائماً». ويرى العباني في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن اختيار أميركا وإسرائيل لدول كالصومال وليبيا وجنوب السودان وغيرها لتهجير الفلسطينيين يعود إلى وجود مشكلات سياسية ونزاعات بها، ويمكن محاولة إغرائها لقبول الفلسطينيين، خصوصاً وأن الدول المستقرة لن تقبل بهذه المخططات، متوقعاً فشل تلك الخطط وعدم قبولها بالمنطقة. رفض مصري صارم المسار الرافض لتهجير الفلسطينيين، أكدته القاهرة، وأفادت الخارجية المصرية، الأحد، بأن بلادها «تابعت بقلق بالغ ما تردد خلال الآونة الأخيرة حول وجود مشاورات إسرائيلية مع بعض الدول لقبول تهجير الفلسطينيين»، لافتاً إلى أن «اتصالاتها مع (تلك) الدول أفادت بعدم قبولها لتلك المخططات المستهجنة»، مجددة «رفض القاهرة القاطع لأي مخططات إسرائيلية لتهجير الشعب الفلسطيني»، ودعوتها كافة دول العالم لعدم التورط في هذه الجريمة التي تشكل جريمة حرب وتطهيراً عرقيّاً». ومنذ وصوله للسلطة في يناير (كانون الثاني) يطرح ترمب فكرة تهجير الفلسطينيين وسط رفض مصري أردني عربي، وكرر في تصريحات متكررة، لا سيما في أشهر فبراير (شباط) ومارس (آذار) المسعى ولم يلق تأييداً علنياً من دول ذات صلة. ومثل مصر والأردن، يرفض قادة الدول العربية وكذلك قادة بالعالم فكرة نقل سكان غزة إلى أي دولة، ويقول الفلسطينيون إن ذلك سيكون بمثابة «نكبة» أخرى كالتالي حدثت 1948 عندما أجبر مئات الآلاف على النزوح. ويرى حليمة أن الموقف المصري والعربي قوي، ويرفض أي تهديد للأمن القومي وأي تصفية للقضية الفلسطينية، وسيستمر على هذا النحو، مما يزيد فرص رفض مخطط التهجير وسط الرفض الدولي له. ويعتقد الحاج أن «إسرائيل ستفشل في هذا المسعى، مهما تماهت هي وواشنطن في تقديم كل الإغراءات الممكنة لمثل هذه الدول، لأسباب أخرى إضافية مرتبطة بعدم وجود بيئة مستقرة لهذا الاستقبال أو قبول شعبي لهذه الأطروحات مما يزيد الأعباء على الأنظمة، وقد يجعلها تدفع فاتورة كبيرة بخلاف رفض عربي ودولي واسعين».


الشرق الأوسط
منذ 4 دقائق
- الشرق الأوسط
الرئيس اللبناني: نسعى لتجنّب أي «خضات» بعد قرار تجريد «حزب الله» من سلاحه
قال الرئيس اللبناني جوزيف عون، اليوم الأحد، إن السلطات تعمل على تجنب أي «خضات» بعد قرارها تجريد «حزب الله» من سلاحه، الذي قابله الحزب برفض حاد والتحذير من أنه قد يتسبب بـ«حرب أهلية». وأتت مواقف عون في يوم عاد الموفد الأميركي توم برّاك إلى بيروت للمرة الأولى منذ تكليف الحكومة الجيش اللبناني بإعداد خطة لنزع سلاح الحزب بحلول نهاية العام الحالي. وأضاف عون أن «لبنان تعب من الحروب والأزمات. نحن سنحاول قدر المستطاع وأكثر تجنيب لبنان أي خضات داخلية أو خارجية»، وذلك رداً على سؤال حول التخوّف من الاقتتال الداخلي. وكان قرار تجريد الحزب من سلاحه الأول من نوعه للسلطات اللبنانية منذ نهاية الحرب الأهلية (1975 - 1990). إلى ذلك، أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية بأن برّاك وصل إلى بيروت حيث من المقرر أن يلتقي عدداً من المسؤولين اللبنانيين غداً. وأتى قرار الحكومة تجريد الحزب من سلاحه على وقع ضغوط أميركية، وتخوّف أن تنفّذ إسرائيل تهديدات بحملة عسكرية جديدة بعد أشهر من مواجهة بينها وبين الحزب الذي تلقى ضربات قاسية. كما وافقت على مضمون ورقة كان طرحها برّاك على المسؤولين بهذا الشأن. ورداً على سؤال بشأن الورقة، قال عون: «قمنا بدراستها ووضعنا ملاحظاتنا عليها وأبلغنا موافقتنا عليها، فليتفضلوا بالحصول على موافقة الطرف الآخر»؛ أي إسرائيل للالتزام بها. وأكد أن السلطات كانت أمام خيارين، إما قبول الورقة والدفع نحو «موافقة إسرائيل عليها»، وإما رفضها «وعندها سترفع إسرائيل وتيرة اعتداءاتها، وسيصبح لبنان معزولاً اقتصادياً، ولا أحد منا بإمكانه الرد على الاعتداءات». وأضاف: «إذا كان لدى أي كان خيار ثالث يمكن أن يؤدي إلى تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي وتحرير الأسرى وترسيم الحدود وإنعاش الاقتصاد، فليتفضل ويطرحه». واتهم الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم، الحكومة اللبنانية، بـ«تنفيذ الأمر الأميركي الإسرائيلي» بشأن سلاحه، ولو أدى إلى «حرب أهلية وفتنة داخلية». ويؤكد الحزب رفضه النقاش في سلاحه طالما استمر «العدوان»؛ في إشارة إلى مواصلة إسرائيل شنّ ضربات في لبنان وإبقاء قواتها في خمس نقاط بجنوب البلاد، على رغم اتفاق وقف إطلاق النار بينهما منذ نوفمبر (تشرين الثاني). وتؤكد الدولة العبرية أنها تستهدف عناصر وبنى تحتية للحزب. وتوعدت بتوسيع نطاق عملياتها العسكرية في لبنان ما لم تنزع السلطات سلاح الحزب.