
السينما الفلسطينية الجديدة تخترق جدران الصمت
لم يتناول فيلم الأخوين عرب وطرزان ناصر «كان يا ما كان في غزّة» الوضع الآني فيها؛ كونه صُوِّر قبل اندلاع الحرب الطاحنة فيها. وبالمثل، لم يتطرّق فيلم «لا أرض أخرى» إلى ما شهدته فلسطين من أحداث خلال الأشهر الثمانية الماضية؛ لأنه أيضاً صُوِّر قبل ذلك. الأول فيلم روائي، والآخر تسجيلي، وكلاهما فاز بجوائز مهمّة.
نال «كان يا ما كان في غزّة» الجائزة الأولى في تظاهرة «نظرة ما» في مهرجان «كان» الأخير. أما «لا أرض أخرى» فكان قطف جائزة أفضل فيلم تسجيلي في مهرجان «برلين»، ثم الجائزة نفسها في حفل «الأوسكار» الأخير.
«ذاكرة خصبة» لميشيل خليفي (كينو ڤيديو)
مباشِرة وخطابية
الذي فاز في أوسكار أفضل فيلم تسجيلي طويل هذا العام وجائزة أفضل فيلم تسجيلي في «مهرجان برلين» في العام الماضي. نجاحهما يُسجَّل لسينما فلسطينية لديها الكثير مما قالته سابقاً وما تود قوله اليوم وفي الغد.
بسبب غياب أرشيف موحّد وموثّق يرصد إنتاجات السينما العربية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، يصعب إجراء إحصاء دقيق لجميع هذه الأعمال. ومع ذلك، تُقدَّر الأفلام التي تناولت القضية، سواء أُنتجت داخل فلسطين أو في بلدان عربية وأجنبية، منذ النكبة وحتى اليوم، بأكثر من 400 فيلم، تتنوع بين الروائية والتسجيلية، القصيرة والطويلة.
جميع هذه الأفلام تقريباً عرضت حقّ الفلسطينيين في أرضهم، وندَّدت باستخدام إسرائيل القوة والعنف لتغيير الواقع القائم.
منذ السنوات الأولى للصراع، وحتى يومنا هذا، احتلت الأفلام التي تناولت الوضع الفلسطيني مساحة كبيرة من الاهتمام بسبب الصراع العربي - الإسرائيلي عبر العصور والحروب المتكررة التي دارت إلى اليوم. عبر تلك السنوات انتقلت «القضية» من أفلام دعائية وعاطفية لجذب المشاعر الوطنية لدى الجمهور العربي إلى أفلام مدروسة بنجاح أو ببعض الفشل. الأفلام السابقة كانت دعائية مباشرة على نسق «الفدائيون» لكريستيان غازي (لبنان، 1967)، و«كلنا فدائيون» لغاري غرابتيان (لبنان، 1969)، و«الفلسطيني الثائر» لرضا ميَسّر (مصر، لبنان، 1969).
غسان مطر في «الفلسطيني الثائر» (أ آر تي)
في الفترة نفسها، أُنجزت أفلام تسجيلية – وثائقية على يد مخرجين عاشوا في المخيمات الفلسطينية في لبنان، تناولت تاريخ الاحتلال وكيف وقع، أو تناولت النتائج الدموية للغارات الإسرائيلية على لبنان في الستينات والسبعينات. ليست هذه الأفلام خارج إطار السينما الفلسطينية أو بعيدة عنها، بل تُشكّل جزءاً مهمّاً من مجموعها العام، لكنها واكبت فترة كانت فيها تلك الأفلام (روائية أو تسجيلية) ذات خطاب مباشر، تقصد ما تطرحه بوضوح، لكنها لا تُعنى كثيراً بكيفية هذا الطرح.
من مطلع السبعينات، تبدّلت الصورة كثيراً. قدّم مخرجون ينتمون إلى السينما الجادة أعمالاً واقعية ومؤثرة، من دون اعتماد الشعارات المرفوعة أو مشاهد الابتزاز العاطفي. من بين هذه الأفلام: «المخدوعون» للمصري توفيق صالح (1972)، و«كفر قاسم» للبناني برهان علوية (1974)، وكلاهما من إنتاج مؤسسة السينما السورية، و«عائد إلى حيفا» للعراقي قاسم حول (في مطلع السبعينات).
بعد نحو 8 سنوات بادر مخرجون فلسطينيون في تحقيق أفلام جادة عن الموضوع الفلسطيني ومن زاوية ما هو مُعاش وواقعي.
في هذا الإطار، تأتي مساهمات المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي متميزة ومهمة. فقد أخرج «ذاكرة خصبة» (1981)، موثقاً فيه رفض امرأة فلسطينية بيع أرضها أو التخلي عنها بأي ثمن. بعد ذلك، أنجز في عام 1987 فيلم «عرس الجليل»، قبل أن تتباعد أفلامه (كان آخرها «زنديق» عام 2014).
خليفي (الذي اتخذ من بلجيكا موطناً له) كان الصوت الفلسطيني الأول في تلك الفترة، تبعه رشيد مشهراوي (ابن غزة) الذي تميّز بغزارة أعماله، ومن بين آخرها «الكتابة على الثلج»، وإنتاجه في العام الماضي «من المسافة صفر» الذي أشرف فيه على جمع 22 فيلماً قصيراً لمخرجين من غزة.
السينما الفلسطينية تطورت من أفلام دعائية إلى أعمال واقعية حاصدة جوائز دولية مرموقة
ثالث القادمين من قلب فلسطين هو إيليا سليمان. أفلام سليمان، من بينها «الزمن المتبقي» (2009)، وفي 2019 «إن شئت كما في السماء» (حمل عنواناً آخر هو It Must Be Heaven)، كانت إضافات نوعية مهمّة تنتمي أسلوبياً لموهبة مؤكدة.
في الفترة القريبة نفسها، أنجز هاني أبو أسعد أفلاماً تحكي وقائع فلسطينية حاضرة، كما في «الجنة الآن» (2005)، و«عمر» (2013)، وآخرها «صالون هدى» (2021).
وقامت مي المصري (التي لها باع طويل من الأفلام التسجيلية في هذا المجال) بإخراج «3000 ليلة».
كذلك قدّمت نجوى النجار «بين الجنة والأرض» (2019)، وآن ماري جاسر «واجب» (2017)، التي كانت قد أنجزت سابقاً «ملح هذا البحر» في عام 2008. كلتاهما تنتمي إلى السنوات الـ25 الأخيرة، التي شهدت عدداً كبيراً من المخرجين العرب، المهاجرين والمقيمين، الذين انبروا للإسهام في طرح فلسطين على الشاشات العالمية.
ساهمت المهرجانات الدولية إلى حد كبير في نقل معرفة ما يقع في فلسطين إلى العالم. لكن هذا لم يكن تلقائياً على الإطلاق؛ فالحال أن الصراع العربي – الإسرائيلي لم يعد، منذ عقود، حالة بعيدة عن التداول الإعلامي؛ ما يجعل المهرجانات راغبة في الاستجابة للاهتمام العالمي المُنصبّ، شعبياً ورسمياً، حول واحدة من أصعب صراعات الإنسان في سبيل العدالة والمساواة.
هي استفادت من تسليط الضوء على موضوع لم يغادر ناصية الاهتمام العالمي يوماً، والمخرجون استفادوا من مشاهدة أفلامهم وهي تُعرض على الشاشات العالمية، من «تورونتو» إلى «كان»، ومن «ڤينيسيا» إلى «نيويورك».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 3 ساعات
- عكاظ
الذكاء الاصطناعي و«الدراماتوج» القادم
يشهد المسرح، كأحد أقدم أشكال التعبير الإنساني، تحولات غير مسبوقة مع دخول الذكاء الاصطناعي إلى ساحته. فقد أصبح من الممكن اليوم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ليس فقط في دعم الإنتاج المسرحي تقنياً، بل أيضاً في صياغة النصوص، وتحليل أداء الممثلين، بل حتى في أداء الأدوار ذاتها عبر روبوتات أو تمثيل افتراضي أو صناعة مشهديات جمالية وتصميم صورها وأشكالها ومؤثرها الصوتي والضوئي إن أحد أخطر هذه التأثيرات يتمثل في قدرة الذكاء الاصطناعي على توليد نصوص مسرحية بأساليب أدبية متنوعة، تحاكي أنماط كتّاب كبار أو تبتكر أنماطاً جديدة كلياً، ما يفتح آفاقاً إبداعية غير مألوفة. وهو ما يهدد مهنة الكاتب بالزوال قريباً وحلول الدراماتوج الاصطناعي كبديل للمساحة القادمة من النصوص المسرحية الذكية التي تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل طرق وأساليب الكتابة والكاتب وما تم تخزينه في هذه البرمجيات من حالات كتابيه تتبع الحالة المطلوبة في الفكرة وطرق التنفيذ الكتابة والحوارات عبر تقنيات التعرف على الفعل المسرحي مما يسمح بتعديل النصوص لتناسب ذوق المتلقي وتكوينه ومكان العرض وفعل العرض ومدرسة الكتابة وأنماطها. وكما ساهم الذكاء الاصطناعي في الجانب التقني وفي إعداد ملفات العرض وفي تصميم الإخراج، وتحسين إدارة الإضاءة، وعمل الصوت المناسب لعمق اللحظة، والمؤثرات البصرية، وكل ذلك أتاح إمكانات جمالية لم تكن ممكنة من قبل، ونتج عن ذلك مسارح تجريبية يستخدم فيها الذكاء الاصطناعي كممثل رقمي يتفاعل مع الممثلين البشر وصور عرض مذهلة في تكوينها، ونصوص تطرح تساؤلات فلسفية حول طبيعة الكتابة الذهنية والهوية الفنية. إن وصول هذا الذكاء الاصطناعي للكاتب ولفكره وإبداعه جعل الأمور تبدو في غاية الارباك لن يعود هناك كاتب، سيختفي إبداعه وسيكون البديل حالة صناعية يتم فيها توليد النصوص ومحاكاة ما سبق كتابته كونيّاً لتقديم موضوعات محدثة بلغات ولهجات مبرمجة مسبقاً وخلق فرص أن يصبح الأمر متداخلاً جدّاً بين الكائن والممكن، بين المبدع الحقيقي والمبدع الصناعي ورغم هذه الفرص التي قد تتوفر لكتابة سريعة لنصوص عابرة تنسب لغير الذكاء وتسحل بأسماء كتاب مزورين فإن ما يثير فعلاً مخاوف المشتغلين بالمسرح ما يتعلق بفقدان الحس الإنساني في كتابة النص المسرحي وتحول المبدع إلى مُشغّل تقني ودراماتوج يلاحق نصّاً ليس له ما قد يُضعف الروح في النص الذي وأن كان توليده حاليّاً أقل جودة وتمكناً من المنتج الحقيقي، إلا أننا يجب أن نتوقع القادم الملتهم لكل صور الإبداع الإنساني وتحوله لحالة من الصناعة يصبح معها المبدع مجرد دراماتوج ينظم ويرتب ويجمع ويفرق ويعيد ترتيب وتكوين وتجهيز النص بشكل يجعله هو نفسه ترس آلي في مكنة هذا الذكاء. لقطة الختام: قد يشكل الذكاء الاصطناعي أداة قوية يمكن أن تعزز الإبداع المسرحي في مختلف مجالاته، لكنه يتطلب وعياً نقديّاً لضمان بقائه خادماً للمبدع وإبداعه لا بديلاً عنه. أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 3 ساعات
- الشرق الأوسط
بين المهرجانات
> أيام كانت تذاكر السفر وأسعار الفنادق رخيصة، تمتع عدد كبير من النقاد العرب والأجانب بدعوات من مهرجانات السينما، حتى الصغيرة منها. > على هذا الأساس، دُعيتُ إلى «مهرجان كورسيكا» لأكتشف أنني شاهدتُ كل الأفلام المعروضة باستثناء فيلم واحد. بعد مشاهدة هذا الفيلم، وكان تونسياً، والجلوس إلى مخرجه، أمضيتُ معظم أيامي في المقاهي والمطاعم. > في جزيرة بانتيليريا في صقلية، أمضيتُ أيامي الستة على البحر. الفيلم الوحيد الذي ذهبتُ إليه كان في الهواء الطلق، وكانت الشاشة عبارة عن شرشف عريض. ما إن هبّ الهواء حتى أخذ يتلاعب بالصورة. نظرتُ إلى السماء وأدركتُ أنها ستمطر. أخبرتُ بعض الحضور بذلك، لكن أحداً لم يقتنع. ركبتُ الحافلة التي جئنا بها. وما إن ابتعدتُ عائدة إلى المدينة، حتى انهمر مطر غزير. تستطيعون تخيّل نحو 30 فرداً في مكان بلا سقف يسارعون إلى الطريق بحثاً عن حافلة غير موجودة. > لكن المهرجانات الصغيرة المُدارة جيداً لها مزايا فنية تنبع من برامجها المُعتنى بها. أحدها كان في منطقة توسكانا في إيطاليا، مخصصاً للأفلام القصيرة. وفي شمال أريزونا، بين تلك الجبال الصخرية الشامخة، ومثل «مهرجان باريس» الذي حضرته بالصدفة. > بعض المهرجانات التي بدأت صغيرة كبرت حجماً فيما بعد، مثل «تاورمينا» الإيطالي و«كارلوڤي ڤاري» التشيكي. بعضها الآخر كان كبيراً وبات صغيراً، مثل «سان فرانسيسكو» و«شيكاغو» في الولايات المتحدة. والبعض الثالث توقّف. > السفر أيضاً كان متعة بحد ذاته. البيئة السياسية وعوامل الخوف من الإرهاب لم تكن موجودة كما هي اليوم. كنتُ أحياناً أذهب إلى المطار، وأنظر إلى الشاشة المعلّقة، وأختار المكان الذي أودّ السفر إليه... الآن. وبأرخص الأسعار.


صحيفة سبق
منذ 4 ساعات
- صحيفة سبق
بالفيديو: "صواريخ المشويات".. إعلان ساخر مصري يثير عاصفة غضب إسرائيلية.. ما القصة؟
تسبب إعلان تجاري ساخر لمطعم مشويات مصري في إثارة جنون وغضب الإسرائيليين، وذلك بعد تهكمه مما تتعرض له الدولة العبرية من قصف صاروخي إيراني أحدث أضرارًا فادحة في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة. المقطع الذي شاهده الملايين على نطاق واسع، يظهر فيه مشاهد لسقوط الصواريخ الإيرانية على المنشآت والمباني الإسرائيلية، ومزجها بلقطات لأطباق الطعام المصري الشهير التي يقدمها المطعم لزبائنه، وفي الخلفية أنغام أغنية للمطرب الشعبي عبدالباسط حمودة "خد راحتك على كيفك". وعلى خلفية صعود المقطع للـ"ترند" وتداوله بكثافة، شنت حسابات إسرائيلية حملات وهجمات سيبرانية منظمة على صفحة الوصول إلى المطعم على "خرائط جوجل - Google Maps"، متهمة إياه باستفزاز الإسرائيليين والتهكم على آلامهم، وانهالت آلاف المراجعات والتقييمات السلبية لتخفيض تقييم المطعم بشكل لافت. وأدت الحملات الإسرائيلية على مطعم المشويات إلى خفض تقييمه من 4.4 إلى 1.8، ما أفضى إلى غلق حساب المطعم على خرائط جوجل بعد ساعات قليلة من الحملة الممنهجة. حملات مضادة وبالمثل، انطلقت حسابات مصرية لمطاعم منافسة ومؤثرين لدعم المطعم بحملات مضادة، ومعاونته على صد الحملات الإلكترونية الإسرائيلية التي استهدفت نشاطه التجاري، حيث أبدى الكثيرون دعمهم للمطعم ومقطعه المرئي، وأن المنافسة لا تمنع الوقوف صفًا واحدًا لمواجهة حملات التشويه وتكميم الأفواه والأصوات الساخرة. وعبر ملاك المطعم عن سعادتهم بحملات المساندة والدعم، إذ كتبت صفحته على منصة "فيسبوك": "مش عارفين نشكركم إزاي على كل الدعم ده، بس للأسف جوجل قفلت اللوكيشن بتاعنا، وصفحاتنا كلها للأسف برضه بتتعرض للهجوم وبتتعطل بشكل أو بآخر". مضيفًا: "مش هاممنا لوكيشن ولا حتى المطعم كله على قد ما هاممنا الحب والدعم والرجولة اللي ظهرت من كل المصريين معانا.. حابين نشكر كل البراندات والإنفلونسرز والناس كلها اللي دعمتنا، ومن امبارح بتحاول تساعدنا بكل الطرق عشان نرجع تاني. لو في احتمال إن البوست ده وصلكم أصلًا، عاوزين نقول إننا بنحبكم ومتتصوروش إحنا فرحانين قد إيه إن صوتنا وصل هناك ويمكن حد نام زعلان عندهم بسببنا".