
الإعلام السياسي بين لعنة 'الهولندي الطائر' ومعركة الأردن ضد التضليل
الدكتور منذر جرادات
تحكي اسطورة 'الهولندي الطائر' عن سفينة ملعونة محكوم عليها بالإبحار إلى الأبد دون أن ترسو على أي شاطئ تائهة في المحيطات لا يراها سوى من كُتب عليه الشؤم أسطورة بحرية هولندية تعود إلى القرن السابع عشر هذه الأسطورة رغم رمزيتها تعكس واقع الإعلام السياسي اليوم يشبه بـ 'الهولندي الطائر' هذه السفينة التي تبحر بلا توقف ولا موانئ محكومة بالعزلة والتيه الأبدي وسط ضجيج وفوضى الأخبار الزائفة و فقدان الإعلام بوصلته تائهًا بين الدعاية والتضليل والاشاعة بينما تتراجع الحقيقة وتتوه عن الوصول إلى ميناء الحقيقة.
المفارقة أن الإعلام الذي كان يفترض بأن يكون مرآة الواقع أصبح أداة لصياغة السرديات وتوجيه الرأي العام ضمن اجندات سواء إقليمية او دولية حيث يُعاد تشكيل الوقائع وفقًا لمصالح القوى الفاعلة و في هذا المشهد حارب الاعلام الأردني وبشراسه السحر الخارجي الموجه لطمس الدور الأردني الداعم والمدافع عن القضية الفلسطينية وابطل السحر البابلي ورفع راية الثوابت والإنجازات وما بصفقة القرن ببعيد .
ونرجع الى اسطورتنا فكما حكمت اللعنة على 'الهولندي الطائر' التيه ربطت بعض القوى الخارحية المصالح السياسية واجبرت الإعلام على التخلي عن وظيفته الأساسية واصبح الخبر لا يُصنع بمعايير مهنية بل وفق معادلة دقيقة مأدلجة تجمع بين الإثارة والتلاعب بالعواطف والتأثير النفسي ومع انتشار الأخبار بسرعة تفوق سرعة التحقق منها بفضل أدوات الاعلام الحديث واضحى التضليل الإعلامي أكثر تعقيدًا وتربه وبيئة خصبة للإشاعة التي غذت نفسها عبر إعادة التدوير في فضاء مفتوح بلا ضوابط.
هذا الواقع أنتج فجوة ثقة واسعة بين الجمهور والمؤسسات الإعلامية و لم يعد المتلقي سلبيًا كما في الماضي بل بات مشككًا مترددًا في قبول أي رواية دون تمحيص او تدقيق وفي المقابل تراجعت المؤسسات الإعلامية التقليدية لصالح منصات التواصل الاجتماعي حيث أصبح الفرد صحفيًا وصانع محتوى لكنه في كثير من الأحيان مجرد حلقة في سلسلة التضليل غير المنتهية.
ووسط هذا الفضاء المليء بالفوضى برزت قضية التهجير من غزة والضفة الغربية كنموذج لكيفية استغلال الإعلام السياسي الموجه خارجيا لخلق سرديات مضللة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة ومن قبل ذلك و تصاعدت تقارير مكثفة عن مشاريع التهجير إلى الأردن وسيناء في إطار حملات إعلامية تهدف إلى تحويل الفكرة إلى 'حقيقة' قابلة للتصديق لكن الأردن الرسمي والشعبي تعامل مع هذه الموجة الإعلامية باستراتيجية واضحة وثابته تمزج بين الحسم السياسي والذكاء الإعلامي و لم يقتصر موقفه على التصريحات الدبلوماسية فقط بل خاض مواجهات إعلامية لتفكيك الروايات الموجهة والتوضيح بأن التهجير ليس حلًّا إنسانيًا بل جزء من مشروع لتصفية القضية الفلسطينية التي كان الأردن ومازال متمسكا بثوابته الراسخة تجاه القضية باعتبارها قضية وطنية وقومية و مؤكدًا رفضه لأي حلول تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني أو تمس الوضع القانوني والتاريخي للقدس و الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني قاد جهودًا مضنية دبلوماسية وإعلامية مكثفة لحماية الحقوق الفلسطينية المشروعة والتصدي لمحاولات التهجير أو تصفية القضية كما يواصل دوره كوصي على المقدسات الإسلامية والمسيحية ومؤكدًا دعمه لحل الدولتين كسبيل وحيد لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة و مع تحرك الإعلام الأردني الرسمي والخاص بشكل متوازٍ مع الدبلوماسية الأردنية ليؤكد أن هذه السردية ليست سوى إعادة إنتاج لسيناريوهات مرفوضة خارجية رفضت من قبل من قبل جلالة الملك والشارع الأردني .
إذا استمر الإعلام السياسي في العمل ضمن قواعد التضليل وإعادة إنتاج السرديات فإنه لن يخرج من لعنة 'الهولندي الطائر' وسيظل يدور في حلقة مفرغة معزولًا عن جمهوره فاقدًا قدرته على التأثير وهذا ما فهمه الاعلام الأردني وغرد خارج سرب التضليل ولعب دورا في وضع الدور الأردني المحوري والحاسم والمدافع عم القضية الفلسطينية في مكانة السليم وهذا التحدي اليوم ليس فقط من اجل استعادة المصداقية بل لإعادة تعريف دور الإعلام السياسي وكشف الأدوات الخفية التي تحاول المساس من الدور الأردني

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سرايا الإخبارية
منذ 4 ساعات
- سرايا الإخبارية
الدكتور منذر جرادات يكتب: جلجامش الأردني .. الإستقلال الذي يُمارس ويُحتفل به
بقلم : الدكتور منذر جرادات في الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية ،لا يبدو تمر هذه الذكرى مجرد لحظة احتفالية تعود إلى عام 1946، بل أننا نتوقف عند هذا اليوم كمسار متجدد يفرض نفسه لصياغة الذات الوطنية، ويدفعنا للشعور بالمسؤولية المتواصلة لاختبار معنى السيادة في زمن التحولات السريعة؛ فالاستقلال ليس الخروج من عباءة الانتداب فقط وإنما يمثل قدرة الدولة على صيانة قرارها الحر وتحصين هويتها من التآكل ، والتأكيد على ممارسة سياستها وفق معايير ذاتية متجذرة في الوعي لا استجابة لأي ضغوط. لقد وُلد الأردن في بيئة جيوسياسية مضطربة في عين العاصفة وفي ظروف لا ترجح بقاء الدول فيها، لكنه شق طريقه بتوازن نادر بفضل الله وحكمة من قاد الدولة من ملوك ورجال الوطن الأوفياء وضلوعهم في السياسة العقلانية والجغرافيا المليئة بالتحديات . ومنذ تأسيسه الاردن بقي متمسكا بثوابته الواضحه وواعٍ لدوره الحقيقي ، بعيدًا كل البعد عن الانفعال، ورفضه الاصطفاف الأعمى أو المغامرات غير المحسوبة وهو ما يعكس جوهر مدرسة سياسية فريدة من نوعها حافظت على بوصلة الموقف وسط متغيرات قاسية. وحين نُسقط عدسة الفكر السياسي الرمزي على هذه التجربة نستحضر جلجامش هذا الملك السومري الذي لم ينل خلوده من البطولات القتالية ،بل من رحلته نحو الحكمة حين أدرك أن المجد الحقيقي يبنى على وعي الإنسان وحدود السلطة وعلى ما يتركه من أثر في مدينته التي تستمر بالحكمة و بالعقل، لا بالقوة. وهكذا بدا الأردن في رحلته السياسية؛ إذ لم يستند في بقائه على ثقل مادي بل إلى إرادة واعية تدير التوازن وتحمي الثوابت وتبني الجسور لا الجدران في مقاربة مستقرة بين الواقعية والمبدأ بين الاستقلال السياسي والاستقلال الأخلاقي. فمنذ الملك المؤسس إلى جلالة الملك عبدالله الثاني تم الحفاظ على خيط ناظم في فلسفة الحكم يقوم على حماية الدولة من الداخل والتموضع الذكي في الخارج ، وعلى أن الكرامة هي جزء لا يتجزأ من الاستقلال، ولا عن القدرة على قول "لا" في اللحظة التي يكون فيها الصمت شكلا من أشكال التفريط ولنا شواهد في كل المحطات التي مر بها الاردن كان يتصرف بوصفه دولة لها شخصيتها وليست مجرد تابع في معادلات إقليمية مضطربة. ولأن كل دولة تُعرف بثوابتها، فإن الأردن لم يتخلى يومًا عن قناعته بأن القضية الفلسطينية ليست قضية مجاورة بل قضية وطنية ومن ثوابت الدولة الأردنية، التي لا تخضع لإعادة التقييم أو المقايضة بل ركن من أركان التوازن الداخلي والسيادة وجزء أصيل من فلسفة الموقف لا من ضرورات الخطاب السياسي الموسمي. هذه المدرسة السياسية التي صنعها الأردن ليست وصفة جاهزة لكنها تشبه الرحلة التي خاضها جلجامش نحو إدراك المعنى حيث يصبح الاستقلال الحقيقي فعلًا يمارس، لا شعارات في زمن يغيب فيه الخط الفاصل بين الهوية والمصالح العابرة،إذ يثبت الأردن مرة تلو الأخرى لاختياره الطريق الأصعب؛ طريق الدولة الأخلاقية المتزنة التي تحافظ على نفسها دون أن تفقد معناها، والتي تعرف أن السيادة ليست في اليافطات ولا في الكلمات الكبيرة بين الحان الأغاني، بل في المواقف المتزنة وفي الشجاعة الهادئة وفي البقاء الكريم وفي وجدان كل وطني حر، ولهذا فإن الاستقلال الأردني هو أحد القلائل الذين يُحتفل به… ويُمارَس في آنٍ واحد. الدكتور منذر جرادات المختص في الإعلام والفكر السياسي


أخبارنا
منذ 6 ساعات
- أخبارنا
خبراء: التقرير السنوي لهيئة النزاهة يعكس الاهتمام الملكي في الحفاظ على المال العام
أخبارنا : عمان - عامر حياصات- كشف التقرير السنوي الذي أعدته هيئة النزاهة ومكافحة الفساد لعام 2024 وسلّمته لجلالة الملك عبدالله الثاني، اليوم الأربعاء، عن استرداد ومنع هدر نحو 61 مليون دينار من المال العام، فضلًا عن ضبط شبهات تهرب ضريبي بنحو 110 ملايين دينار. وبحسب التقرير، تعاملت الهيئة مع 1167 ملفًا تحقيقيًا خلال 2024 إضافة إلى 840 ملفًا مدورًا من سنوات سابقة، حيث تمّ فصل 1280 ملفًا منها فيما أُحيل 194 ملفًا إلى المدعي العام وحُفظ 750 ملفًا والباقي قيد الإجراء. ولفت التقرير إلى أن جرائم الفساد في السنوات الأخيرة شهدت تراجعًا لافتًا في معظم قطاعات الإدارة العامة؛ بسبب إجراءات الهيئة الاحترازية والاستباقية لمنع الفساد وبسبب الورش والمحاضرات التوعوية التي تنفذها الهيئة تباعًا، فانعكس ذلك على أعداد الملفات التحقيقية التي تُحال إلى القضاء، حيث انخفضت عن عام 2023 ما نسبته 45 بالمئة، وساهمت الهيئة باسترداد 141 مليون دينار، إلاّ أن الهيئة خاطبت الجهات القضائية المختصة لملاحقة من شملهم العفو لاسترداد الأموال التي تحصلت عندهم من قضايا الفساد لأن العفو لا يشملها. وفي وقت سابق، كشف استطلاع رأي لمركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية عن ارتفاع نسبة ثقة المواطنين بالهيئة إلى 81 بالمئة بينما كانت العام الماضي 73 بالمئة. خبراء أكدوا، في أحاديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن التقرير السنوي لهيئة النزاهة يعكس اهتمام جلالة الملك عبدالله الثاني، في المحافظة على المال العام ومحاربة هدره بشتى الطرق، وذلك من خلال متابعته الحثيثة للجهود الكبيرة التي تقودها هيئة النزاهة ومكافحة الفساد في سبيل الحفاظ على المال العام ومنع هدره وإعادته لخزينة الدولة، إضافة لمحاربة التهرب الضريبي الذي أصبح حجر عثرة في عملية التنمية الاقتصادية المستدامة. مدير عام مركز الحياة – راصد، الدكتور عامر بني عامر، قال إن تسليم هيئة النزاهة ومكافحة الفساد لتقريرها السنوي لجلالة الملك يشكّل محطة مهمة تعكس جدية الدولة في تعزيز منظومة النزاهة الوطنية، وتأكيدًا على الدور المحوري الذي تقوم به الهيئة ليس فقط في مكافحة الفساد بعد وقوعه، بل في ترسيخ نهج الوقاية والتوعية والشراكة المجتمعية كمسار أساسي للحد من الفساد قبل أن يحدث، لافتًا إلى أن هناك تطورًا نوعيًا في أدوات الهيئة خلال السنوات الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بانفتاحها على مؤسسات المجتمع المدني والإعلام، وهو ما تجسّد من شراكتنا مع الهيئة من خلال "مؤشر النزاهة الوطني"، الذي وفّر لأول مرة بيانات علمية وموضوعية حول بيئة النزاهة في الأردن. وأضاف أن الدعم الملكي المتواصل لعمل الهيئة، والذي أكده جلالة الملك خلال استلام التقرير، يعزّز من استقلالية الهيئة ومن قدرتها على التأثير في السياسات العامة، ويمنح المواطنين ثقة أكبر بأن مكافحة الفساد ليست شعارًا بل مسارًا مؤسسيًا دائمًا، مؤكدًا أن جهود الهيئة، إلى جانب الإصلاحات التشريعية وتعاون الجهات الرقابية الأخرى، ساهمت في تحقيق تحسن ملحوظ على مستوى المؤشرات الدولية، ومنها مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، الذي شهد هذا العام تقدمًا ملحوظًا للأردن. وأشار إلى أن الدور المتزايد للهيئة في تعزيز ثقافة الوقاية يُعد تطورًا مهمًا، خاصة في ظل اتساع الفجوة بين المواطنين ومفاهيم النزاهة العامة، حيث نرى اليوم تركيزًا أكبر على التوعية المجتمعية وتمكين الإعلام والمبادرات الشبابية للمساهمة في بناء بيئة رافضة للفساد، مؤكدًا أن مركز راصد يؤمن بأن تعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع يبدأ من ترسيخ مبدأ الشفافية، ولهذا نحرص على توسيع شراكاتنا مع الهيئة والجهات ذات العلاقة، من خلال مبادرات تستهدف إشراك المواطنين، خاصة الشباب، في رصد الأداء العام، وتقديم التوصيات، والمساهمة في صناعة السياسات الوقائية. بدورها، قالت الرئيس التنفيذي لمركز الشفافية الأردني، هيلدا عجيلات، إن التقرير السنوي لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد لعام 2024 أكد أن الهيئة كثّفت جهودها في مكافحة التهرب الضريبي، حيث ساهمت بشكل مباشر في ضبط العديد من شبهات التهرب الضريبي، بالتنسيق مع الجهات المعنية، وضمن نهج تكاملي يهدف إلى حماية المال العام وتعزيز العدالة الضريبية. وأشارت إلى أن التقرير خيرُ شاهدٍ على الدعم الملكي المستمر والذي شكّل ركيزة أساسية في تمكين الهيئة من أداء دورها الرقابي، ومنحها الثقة والصلاحيات اللازمة لاتخاذ الإجراءات الرادعة بكل استقلالية وفعالية وقد وجّه جلالة الملك عبدالله الثاني في أكثر من مناسبة بعدم التهاون مع قضايا الفساد، مؤكدًا أهمية حماية الشهود لتشجيع المواطنين على الإبلاغ عن أية شبهات فساد، مما عزز مكانة الهيئة كجهاز وطني مستقل يمتلك سلطة الوصول إلى المعلومات والتنسيق مع كافة مؤسسات الدولة. وقالت "في إطار تعزيز ثقافة النزاهة بين فئة الشباب، أطلقت الهيئة عدة مبادرات موجهة إلى طلبة الجامعات الأردنية، شملت ندوات وورش عمل توعوية ومسابقات إبداعية تهدف إلى ترسيخ القيم السلوكية الإيجابية وتعزيز دور الشباب كشركاء فاعلين في بناء مجتمع خالٍ من الفساد، ويأتي ذلك إدراكًا لأهمية هذه الفئة في صنع التغيير الإيجابي وصياغة مستقبل الوطن، حيث سبق للهيئة أن تعاونت مع مركز الشفافية الأردني في مبادرته الوطنية "جامعات ضد الفساد"، بالتعاون مع الشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد في عام 2017، لترسيخ دور الجامعات في دعم منظومة النزاهة الوطنية". من جهتها، قالت المدير التنفيذي لرشيد الشفافية الدولية - الأردن، المهندسة عبير مدانات، إن الهيئة قامت بمراجعة حثيثة لإدماج معظم المواضيع التي تعنى بالحاكمية الرشيدة في مؤشر النزاهة الوطني، وقامت بتحديث المؤشر للخروج بنسخة جديدة محدثة تسلط الضوء على مفاصل مهمة في هذا المجال في القطاع العام، إضافة إلى عقد جلسات عديدة مع الوزارات والدوائر الحكومية لبناء القدرات على المواضيع الأساسية للوقاية من الفساد وتشديد الرقابة على المال العام والتأكيد على حق الحصول على المعلومات لتعزيز المساءلة المجتمعية المبنية على البيانات الفعلية والحد من استغلال المال العام، كما بذلت جهدًا أيضًا في ابتكار الأدوات لقياس نزاهة الموظف/ة في الإدارة وتقديم الخدمات. وأكدت أن الهيئة حرصت على رفع كفاءة موظفيها وموظفاتها في العديد من المواضيع التي تندرج تحت اختصاص الهيئة، ما كان له الانعكاس الإيجابي المباشر على أدائها، وذلك من باب الحرص على التقدم في تعزيز النزاهة والشفافية والمساءلة والتشاركية وسيادة القانون، حيث قامت الهيئة باتخاذ عدة إجراءات ساهمت مباشرة في استرداد الأموال وانخفاض الواسطة والمحسوبية واستغلال المال العام. وفيما يخص تنسيق الجهود الوطنية في مكافحة الفساد، أشارت مدانات إلى أن الهيئة أبرمت شراكة مع منظمتنا "رشيد للنزاهة والشفافية" وهي منظمة مجتمع مدني والفرع الوطني لمنظمة الشفافية الدولية، والتي تصدر مؤشر مدركات الفساد للقطاع العام، وللعمل سويًا على ابتكار العديد من الأدوات بهدف التقدم على المؤشرات الدولية. وقال خبير الحوكمة والنزاهة، والمدير السابق لبنك تنمية المدن والقرى، المهندس أسامة العزام، إن الأرقام الأخيرة كشفت عن نجاح ملموس في حماية المال العام، حيث وفرت الإجراءات المتخذة نحو 61 مليون دينار على الخزينة، بالتزامن مع رصد شبهات تهرب ضريبي بقيمة تقارب 110 ملايين دينار، ما يؤكد أن هذه المؤشرات تعكس فاعلية الجهود المبذولة في تعزيز الالتزام الضريبي وحماية موارد الدولة. وأضاف أن الدعم الملكي ركيزة أساسية لهذه المنجزات، إذ ساهم بشكل مباشر في تطوير الإطار التشريعي وتهيئة البيئة المناسبة لعمل الهيئة باستقلالية وكفاءة عالية، مؤكدًا أن مبادرات توعية طلبة الجامعات بقيم النزاهة تأتي كخطوة استراتيجية نحو بناء منظومة مجتمعية رافضة للفساد، وهو ما يمثل استثمارًا حقيقيًا في مستقبل الأجيال المقبلة. وقال "ترتكز هذه النجاحات على تطبيق معايير الحوكمة الرشيدة داخل الهيئة، وجهودها المستمرة لترسيخ هذه المعايير في المؤسسات الوطنية، فالحوكمة الفعالة تمثل الضمانة الأساسية لأداء مؤسسي متميز ونزيه، وهي حجر الزاوية في مكافحة الفساد وتحقيق التنمية الشاملة التي تنشدها المملكة وفق التوجيهات الملكية السامية. --(بترا)


وطنا نيوز
منذ 6 ساعات
- وطنا نيوز
جلجامش الأردني .. الإستقلال الذي يُمارس ويُحتفل به
وطنا اليوم_الدكتور منذر جرادات المختص في الإعلام والفكر السياسي في الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية ،لا يبدو تمر هذه الذكرى مجرد لحظة احتفالية تعود إلى عام 1946، بل أننا نتوقف عند هذا اليوم كمسار متجدد يفرض نفسه لصياغة الذات الوطنية، ويدفعنا للشعور بالمسؤولية المتواصلة لاختبار معنى السيادة في زمن التحولات السريعة؛ فالاستقلال ليس الخروج من عباءة الانتداب فقط وإنما يمثل قدرة الدولة على صيانة قرارها الحر وتحصين هويتها من التآكل ، والتأكيد على ممارسة سياستها وفق معايير ذاتية متجذرة في الوعي لا استجابة لأي ضغوط. لقد وُلد الأردن في بيئة جيوسياسية مضطربة في عين العاصفة وفي ظروف لا ترجح بقاء الدول فيها، لكنه شق طريقه بتوازن نادر بفضل الله وحكمة من قاد الدولة من ملوك ورجال الوطن الأوفياء وضلوعهم في السياسة العقلانية والجغرافيا المليئة بالتحديات . ومنذ تأسيسه الاردن بقي متمسكا بثوابته الواضحه وواعٍ لدوره الحقيقي ، بعيدًا كل البعد عن الانفعال، ورفضه الاصطفاف الأعمى أو المغامرات غير المحسوبة وهو ما يعكس جوهر مدرسة سياسية فريدة من نوعها حافظت على بوصلة الموقف وسط متغيرات قاسية. وحين نُسقط عدسة الفكر السياسي الرمزي على هذه التجربة نستحضر جلجامش هذا الملك السومري الذي لم ينل خلوده من البطولات القتالية ،بل من رحلته نحو الحكمة حين أدرك أن المجد الحقيقي يبنى على وعي الإنسان وحدود السلطة وعلى ما يتركه من أثر في مدينته التي تستمر بالحكمة و بالعقل، لا بالقوة. وهكذا بدا الأردن في رحلته السياسية؛ إذ لم يستند في بقائه على ثقل مادي بل إلى إرادة واعية تدير التوازن وتحمي الثوابت وتبني الجسور لا الجدران في مقاربة مستقرة بين الواقعية والمبدأ بين الاستقلال السياسي والاستقلال الأخلاقي. فمنذ الملك المؤسس إلى جلالة الملك عبدالله الثاني تم الحفاظ على خيط ناظم في فلسفة الحكم يقوم على حماية الدولة من الداخل والتموضع الذكي في الخارج ، وعلى أن الكرامة هي جزء لا يتجزأ من الاستقلال، ولا عن القدرة على قول 'لا' في اللحظة التي يكون فيها الصمت شكلا من أشكال التفريط ولنا شواهد في كل المحطات التي مر بها الاردن كان يتصرف بوصفه دولة لها شخصيتها وليست مجرد تابع في معادلات إقليمية مضطربة. ولأن كل دولة تُعرف بثوابتها، فإن الأردن لم يتخلى يومًا عن قناعته بأن القضية الفلسطينية ليست قضية مجاورة بل قضية وطنية ومن ثوابت الدولة الأردنية، التي لا تخضع لإعادة التقييم أو المقايضة بل ركن من أركان التوازن الداخلي والسيادة وجزء أصيل من فلسفة الموقف لا من ضرورات الخطاب السياسي الموسمي. هذه المدرسة السياسية التي صنعها الأردن ليست وصفة جاهزة لكنها تشبه الرحلة التي خاضها جلجامش نحو إدراك المعنى حيث يصبح الاستقلال الحقيقي فعلًا يمارس، لا شعارات في زمن يغيب فيه الخط الفاصل بين الهوية والمصالح العابرة،إذ يثبت الأردن مرة تلو الأخرى لاختياره الطريق الأصعب؛ طريق الدولة الأخلاقية المتزنة التي تحافظ على نفسها دون أن تفقد معناها، والتي تعرف أن السيادة ليست في اليافطات ولا في الكلمات الكبيرة بين الحان الأغاني، بل في المواقف المتزنة وفي الشجاعة الهادئة وفي البقاء الكريم وفي وجدان كل وطني حر، ولهذا فإن الاستقلال الأردني هو أحد القلائل الذين يُحتفل به… ويُمارَس في آنٍ واحد.