
السلام المراوغ.. مناورة روسية وغربية تُبقي الحرب الأوكرانية معلقة
فترامب الذي كان يطمح إلى وقف القتال تنفيذا لالتزامه الانتخابي، عاد خالي الوفاض بعدما أصر بوتين على أن الهدف ليس وقف العمليات العسكرية بل التوصل إلى تسوية كاملة للحرب.
ورغم تهديدات ترامب المسبقة بفرض عقوبات على مستوردي النفط الروسي، بل وإعلان عزمه فرض رسوم على السلع الهندية، فإن القمة انتهت دون خطوات عملية، ولم يفرض العقوبات التي لوّح بها أو يضع آجالا زمنية جديدة.
ونشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تقدير موقف بعنوان: " السلام المراوغ: المناورات الروسية الغربية لوقف الحرب الأوكرانية"، خلصت إلى أن الحرب ستظل رهينة لمعادلة موازين القوى، حيث يبدو السلام الشامل مراوغا. والأرجح أن تستمر المناورات الدبلوماسية في إنتاج هدن مؤقتة أو حالة جمود طويلة الأمد، على أن تبقى التسوية النهائية بعيدة المنال بسبب تضارب الأهداف الروسية والأوكرانية، وتعقيد مواقف واشنطن وأوروبا.
مناورتا بوتين الناجحتان
أظهرت القمة نجاح بوتين في تنفيذ مناورتين سياسيتين بارعتين:
الأولى: امتصاص إنذار ترامب الأول بالموافقة على حضور القمة، وجعلها حدثا جاذبا للأضواء، يتيح له صرف الانتباه الأميركي عن قضايا داخلية محرجة، ويمنح ترامب فرصة للنزول عن شجرة تهديداته دون الدخول في صدام مع الصين ، أكبر مستورد للنفط الروسي.
الثانية: فرض سرديته الخاصة على النقاش، إذ بدا ترامب ناقلا لمطالبه إلى الأوكرانيين والأوروبيين دون أن يقدم سردية مضادة. بل أبدى إشادة بتفاهمه مع بوتين، وتخلى عن لغة الإنذارات والعقوبات.
وبهذا حقق بوتين اختراقا في جدار العزلة الأوروبية المفروض عليه، وأعاد تقديم نفسه كقائد يحظى بالاحترام رغم ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية له بتهم ارتكاب جرائم حرب.
وأعلن الطرفان احتمال عقد قمة جديدة، إما ثنائية في موسكو ، أو ثلاثية بمشاركة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مكان محايد مثل ألاسكا، مراعاة للوضع القانوني لبوتين.
غير أن مخرجات أي قمة ستظل رهينة لموازين القوى؛ فموسكو تصر على ضم الأقاليم الأربعة (دونيتسك، لوغانسك، خيرسون، زاباروجيا) إضافة إلى القرم، بينما يتمسك زيلينسكي باستعادة جميع الأراضي المحتلة منذ 2022، والقرم التي ضمتها روسيا عام 2014، وقد تضمن الدستور الأوكراني رفض التنازل عنها.
ميزان عسكري شبه جامد
منذ أواخر 2022 استقرت الحرب في حالة استنزاف، دون قدرة أي طرف على تعديل خطوط الجبهة الثابتة تقريبا منذ ذلك التاريخ، أي بعد 9 أشهر من بدء الحرب.
خسرت أوكرانيا ما بين 70 و100 ألف قتيل، و300 إلى 400 ألف جريح، وتدمير 3100 إلى 4 آلاف قطعة حربية، فضلا عن 40-50% من بنيتها التحتية.
خسرت روسيا ما بين 180 و250 ألف قتيل، و400 إلى 500 ألف جريح، وما بين 10 آلاف و800 إلى 12 ألفا و250 قطعة حربية، مع تضرر محدود في بنيتها التحتية الداخلية.
ورغم الكلفة العالية، استطاع الطرفان موازنة بعضهما بطرق غير متماثلة.
فقد اعتمدت روسيا على تفوقها العددي ومخزونها السوفياتي والدعم من حلفاء غير غربيين مثل إيران وكوريا الشمالية والصين والهند.
بينما اعتمدت أوكرانيا على تصنيع المسيّرات الرخيصة، واستعمال أنظمة دقيقة مثل "جافلين" و"هيمرس"، والاستفادة من شبكة "ستارلينك". كما عوّضت نقص العتاد عبر دعم مالي وعسكري أوروبي مباشر، من خلال تعهد دول مثل هولندا والسويد والنرويج والدانمارك بشراء أسلحة أميركية لصالحها.
التوازن الهش ودور ترامب
بفوزه بولاية ثانية، أدخل ترامب عنصرا جديدا إلى المعادلة. فلوّح بوقف المساعدات العسكرية عن أوكرانيا، وعلّق بالفعل بعض أشكال الدعم، وهو ما كاد يعرض جيش كييف للانهيار.
لكن مماطلة بوتين ورفضه الالتزام بوقف العمليات دفعا ترامب إلى التراجع، فوافق على إرسال معدات شرط أن تدفع أوروبا تكلفتها، ثم عاد وهدد بفرض عقوبات على صادرات النفط الروسي.
وتدرك موسكو أن عجز الهند أو الصين عن شراء نفطها سيؤدي لانهيار مداخيلها ويضعف جبهاتها. كما تعي كييف أن حرمانها من الدعم الأميركي لا يمكن أن تعوضه أوروبا، إذ تحتاج صناعاتها الدفاعية إلى 25 عاما على الأقل لتسد الفجوة مع الولايات المتحدة.
أهداف الأطراف الرئيسة
ترامب: يسعى للظهور بمظهر صانع السلام الذي يفرض شروطه على الأطراف، ليعزز صورته داخليا ويستثمر أي وقف للقتال في الانتخابات النصفية المقبلة.
بوتين: يهدف إلى تعميق التصدع داخل الغرب، وإبعاد أميركا عن حلفائها الأوروبيين، مع الحفاظ على الأراضي التي يسيطر عليها واستخدام أي هدنة لترميم خسائره والحصول على تخفيف للعقوبات.
زيلينسكي: يحرص على استمرار الدعم الأميركي، ويرفض دستوريا التنازل عن الأراضي، لكنه قد يقبل هدنة طويلة تتيح له تعويض خسائره البشرية والعسكرية، وترميم البنية التحتية، واستغلال الوقت لتطوير الصناعات الدفاعية الأوكرانية والغربية.
الأوروبيون: يصرون على إشراك كييف في أي اتفاق خوفا من صفقة ثنائية أميركية روسية، ويرفضون الاعتراف بسيطرة روسيا على أراضٍ أوكرانية. لكنهم يسعون أيضا لترضية واشنطن، الضامن الأساسي لأمنهم.
عقبات رئيسية
تواجه أي تسوية محتملة عقبتين أساسيتين:
آلية المراقبة: تقبل روسيا مراقبين مدنيين غير مسلحين وترفض مشاركة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بينما تشترط كييف مراقبين من حلفائها أو من دول محايدة. أما الأوروبيون فاقترحوا قوة حفظ سلام، فيما تركت واشنطن التفاصيل للتفاوض، لكنها تشترط آلية تحقق مقبولة من أوكرانيا.
العقوبات: تطالب موسكو برفع كامل للعقوبات والتخلي عن التعويضات، في حين تصر أوروبا على تشديدها وربط رفعها بانسحاب كامل للقوات الروسية. وتتبنى واشنطن موقفا وسطا يقوم على رفع جزئي متدرج مشروط بخطوات روسية نحو السلام.
السيناريوهات المحتملة
1- الأكثر ترجيحا: التوصل إلى هدَن مؤقتة أو إنسانية، كتجنب استهداف المنشآت المدنية، وهو سيناريو سبق أن جُرّب دون نجاح، لكن عجلة ترامب لتعزيز صورته قد تدفعه لإحيائه.
إعلان
2- الاحتمال الثاني: اتفاق على وقف الأعمال القتالية وتجميد خطوط التماس بآليات تحقق وممرات إنسانية، ما يحافظ على الوضع الراهن ويسمح للأطراف بإعادة بناء قدراتها.
3- سيناريوهات أقل ترجيحا:
توسع الحرب إلى دول أخرى في الناتو.
انتصار روسي كامل بضم الأقاليم.
انتصار أوكراني باستعادة الأراضي المحتلة منذ 2022.
لقراءة نص تقدير الموقف كاملا:
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
هل تسرّع الحرب برنامج إيران للمفاعلات النووية الصغيرة؟
طهران – بعد مرور نحو شهرين على الهجمات الإسرائيلية والأميركية على المنشآت النووية الإيرانية، كشفت شركة "روساتوم" الروسية عن مفاوضات مع طهران لبناء جيل جديد من المفاعلات النووية الصغيرة، في خطوة قد تُحوّل أنقاض المفاعلات المدمرة إلى فرصة لتعزيز قدرات إيران النووية من جهة، ومعالجة عجزها المتفاقم في قطاع الطاقة من جهة أخرى. وعلى وقع المسارات الدبلوماسية المتبادلة بين طهران والعواصم الأوروبية لثني الأخيرة عن تفعيل آلية الزناد مقابل إعادة الجانب الإيراني إلى طاولة المفاوضات، أعلن أليكسي ليخاتشوف المدير العام لشركة "روساتوم" أن إيران قدمت مقترحا لتوسيع أجندة التعاون الثنائي في الطاقة النووية، بما في ذلك بناء مفاعلات نووية صغيرة. ونقلت وكالة إرنا الرسمية عن ليخاتشوف قوله إن المفاوضات بين الجانبين تمضي على قدم وساق، معربا عن أمله -خلال مقابلة مع القناة الأولى في التلفزيون الروسي يوم الجمعة الماضي- أن يوقع الطرفان اتفاقيات لمباشرة العمل قريبا، كما كشف عن عرض روسي لتوطين التقنيات النووية في إيران. توجيهات المرشد ورغم تفاعل الصحافة الإيرانية مع إثارة ملف إنشاء مفاعلات نووية صغيرة على الأراضي الإيرانية، فإن الموضوع لم يعد جديدا على الأوساط السياسية بطهران، بل يذكرهم بتصريح ليخاتشوف بشأن توجيهات المرشد الأعلى علي خامنئي يوم 10 يونيو/حزيران 2023، حيث اعتبر أن العمل على إنشاء محطات طاقة صغيرة ومنخفضة السعة ضروري. ولدى استقباله حشدا من العلماء والخبراء ومسؤولي الصناعة النووية في بلاده، خاطبهم خامنئي قائلا "خذوا موضوع إنتاج 20 ألف ميغاواط من الكهرباء النووية الذي أعلناه قبل سنوات على محمل الجد، وتابعوا إنجاز هذا الهدف بشكل ممنهج"، مؤكدا أن بلاده بحاجة إلى محطات الطاقة الصغيرة في شتى القطاعات. ومنذ ذلك الحين تحوّل موضوع إنشاء هذه المفاعلات إلى بيت القصيد في حقل الأبحاث النووية للدولة التي كانت حينها تكابد بدايات الأزمة الكهربائية، لكن اصطدم تنفيذها بعتبة التكنولوجيا التي لم تتمكن من توطينها بعد رغم عقدها تحالفات شراكة إستراتيجية مع كل من الصين وروسيا اللتين، تمتلكان معرفة متقدمة فيها. من جانبه، أعلن السفير الإيراني في موسكو كاظم جلالي عن توصل الجانبين الإيراني والروسي إلى اتفاق لبناء محطات طاقة كبيرة وصغيرة بسعة 5000 ميغاواط، وذلك خلال زيارة الرئيس مسعود بزشكيان إلى موسكو مطلع العام الجاري. يأتي ذلك في وقت استغرق فيه تعاون طهران مع موسكو لبناء مفاعل بوشهر النووي نحو ثلاثة عقود دون أن يتمكن من سد حاجة البلاد من الكهرباء، ناهيك عن كلفته الباهضة، لكن رغم ذلك يرى مراقبون في إيران أن الجانب الروسي لا يزال يمثل الخيار الأنسب لها للتحول من الاعتماد على مفاعلات متمركزة إلى اللامركزية النووية. من ناحيته، يعتقد الأمين العام لحزب "سبز" (الأخضر) المحافظ حسين كنعاني مقدم أنه لابد من مواكبة أحدث التقنيات النووية واستخدامها لتلبية حاجات البلاد في شتى المجالات لاسيما في قطاعات الطاقة والصحة وتحلية المياه، مؤكدا أن المساحة اللازمة لإنشاء بعض نماذج المفاعلات النووية الصغيرة لا تتجاوز 4 أمتار مربع. وفي حديث للجزيرة نت، يوضح كنعاني أن بلاده تأخذ من الغواصات النووية نموذجا مثاليا في مشاريعها لبناء محطات طاقة نووية صغيرة الحجم كونها تمثل حلا مناسبا لتوفير الطاقة للمناطق النائية وبتكاليف استثمارية أقل وفترات زمنية أقصر مقارنة بالمفاعلات الكبيرة، مستدركا أن نماذج الغواصات النووية تمتلك دورة وقود طويلة الأمد دون الحاجة لإعادة تزويدها بالقود بين الفينة والأخرى. ويشير إلى أن مستويات أمان المفاعلات الصغيرة أعلى من النماذج الكبيرة لاسيما أنه يمكن تصميم الصغيرة على أن تكون متحركة، بالإضافة إلى مرونة توزيعها في جغرافيا البلاد تحت الجبال أو في الصحاري وحتى داخل المنازل السكنية، من دون الحاجة إلى الشبكات الكلاسيكية لنقل الطاقة. وعلى الرغم من أن الجمهورية الإسلامية سبق أن خططت لبناء مفاعلات نووية جديدة لتوليد الطاقة مثل منشآتها النووية الكبيرة الأخرى، وفق كنعاني، فإنها قد تلغي تنفيذ هذه المشاريع الضخمة وتستبدلها بنماذج صغيرة موزعة في ربوع البلاد، فضلا عن توطينها هذه التكنولوجيا الجديدة. View this post on Instagram A post shared by قناة الجزيرة مباشر (@aljazeeramubasher) تجربة الحرب من جهته، يعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة آزاد الإسلامية ياسر إرشادمنش أن توجيه القيادة الإيرانية العليا بتطوير المفاعلات النووية الصغيرة لم يأت اعتباطا وليس مجرد توصية تقنية، وإنما خطة جيوسياسية لمواجهة التحديات الداخلية -ومنها عجز الطاقة- والخارجية المتمثلة في الهجمات الإسرائيلية والأميركية على أبرز المنشآت النووية وسط البلاد. وفي حديثه للجزيرة نت، يشير الأكاديمي الإيراني إلى أن مهاجمة منشآت نطنز و فوردو كشفت هشاشة المركزية النووية في البلاد، معتبرا أن اللامركزية وتوزيع المفاعلات في ربوع الجغرافيا الواسعة يمثل الحل الأمثل للتقليل من المخاطر الإستراتيجية وضمان أمن الطاقة مستقبلا. وإن كان العمل بمباشرة بناء مفاعلات نووية صغيرة "قد تأخر كثيرا في إيران"، فإن إرشادمنش يرى أنه سيكون مجديا ومتناسبا مع موقف طهران الرسمي القاضي بضمان حقها في تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها، ذلك لأن توزيع المئات منها في ربوع البلاد وفي أماكن سرية سيكون كفيلا بمواصلة التخصيب وسيضع حدا للمغامرات الخارجية. وخلص إلى أن الاعتماد على عدد محدود من المفاعلات النووية سيكون خطأ إستراتيجيا بعد تجربة الهجوم الأميركي والإسرائيلي على منشآت إيران النووية، وأن جميع الدول الأخرى ستجد في التشتيت الجغرافي ضرورة وجودية لمصالحها الوطنية. وبينما تسرّع الهجمات العسكرية على منشآت إيران النووية من عزمها استبدال مفاعلاتها الكبيرة بنماذج صغيرة لتقليل مخاطر الاستهداف الأجنبي ومواجهة العمليات التخريبية، يتساءل مراقبون: هل ستشكل حرب يونيو/حزيران الماضي ذريعة ذهبية لتسريع برنامج طهران النووي تحت شعار "أمن الطاقة"؟


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
هل علاقة ترامب وبوتين "سامة وغامضة" فعلا؟
ظل الرئيس الأميركي دونالد ترامب يبدي إعجابا واضحا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لما يقرب من 20 عامًا، في علاقة تعود لما قبل دخوله غمار الانتخابات عام 2016 وتخللتها فترات مد وجزر، وفق صحيفة لوموند الفرنسية. ووصفت الصحيفة العلاقة الطويلة بين ترامب وبوتين بأنها غامضة وسامة وتستند إلى "دوافع غامضة"، في وقت يعرف عن ترامب ميله للقادة ذوي النزعات الاستبدادية، لكنها في حالة بوتين تفتقر للكيمياء الإنسانية التي جمعت الرئيس الأميركي رونالد ريغان و ميخائيل غورباتشوف في أواخر الثمانينيات. وتوقفت الصحيفة عند عام 2013 عندما كان ترامب نجما تلفزيونيا ومليارديرا وسافر إلى موسكو لحضور مسابقة ملكة جمال الكون، التي كان يمتلك حقوق بثها مع شبكة "إن بي سي" وكان يحلم بلقاء بوتين وبمشاركته في فعاليات المسابقة. وحسب الصحيفة، فإن ترامب كان يراوده حلم مشروع عقاري ضخم: بناء برج ترامب في العاصمة الروسية، وهو المشروع الذي كان حاضرا في ذهنه خلال زيارته الأولى للاتحاد السوفيتي عام 1987. وقد عبر عن ذلك الحلم في عام 1986 عندما حضر مأدبة عشاء لنخبة المجتمع في نيويورك، حيث جلس إلى جانب السفير السوفياتي لدى الولايات المتحدة يوري دوبينين، وقال في كتابه "فن الصفقة" (1987) "تتابعت الأحداث، وها أنا أتحدث عن بناء فندق فخم كبير قبالة الكرملين بالشراكة مع الحكومة السوفياتية". ولم تتحدث لوموند عن مآل ذلك الحلم، لكنها تقول إن المؤكد هو أنه في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم ضخّ أموال روسية خاصة ضخمة في مشاريع ترامب وممتلكاته، كما أقرّ بذلك أحد أبنائه دون جونيور عام 2008. كما تجسدت العلاقة بين الطرفين من خلال "الانبهار غير المتوازن" الذي أبداه ترامب إزاء بوتين عندما قال عام 2007 إن الرئيس الروسي "يقوم بعمل رائع في إعادة بناء صورة روسيا". وفي عام 2013 ومع اقتراب موعد مسابقة ملكة الجمال في موسكو، تساءل ترامب على "تويتر" (سابقا "إكس" حاليا) "هل تعتقدون أن بوتين سيحضر مسابقة ملكة جمال الكون في موسكو في نوفمبر/تشرين الثاني، وإذا كان الأمر كذلك، فهل سيصبح صديقي المقرب؟". وفي يوليو/تموز 2015، أي قبل 15 شهرًا من الانتخابات الرئاسية التي خاضها أمام المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، قال ترامب عندما سُئل عن العقوبات المفروضة على روسيا بعد ضم شبه جزيرة القرم ، إنه سيحظى باحترام بوتين، وأضاف "أعتقد أننا سنتفق تماما". وبعد ذلك بأشهر قليلة، قال ترامب إن بوتين يستحق درجة "امتياز" في القيادة، وهو ما رد عليه الرئيس الروسي لاحقا، في عز الحملة الانتخابية لرئاسيات 2016، بالقول إن المرشح ترامب "بارع جدا" و"موهوب". وطوال حملته الانتخابية، ظل ترامب يتبجح بأنه يحظى بتقدير موسكو، وقال مرارا إنه واثق من قدرته على بناء علاقة مثمرة مع الزعيم الروسي، ونفى وجود أي مصالح مالية له في البلاد. ومع اقتراب موعد الانتخابات، أجرت وزارة العدل الأميركية ومكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) تحقيقا في التدخل الروسي في الحملة الانتخابية، ولا يزال الجدل قائما حول التورط المحتمل لترامب والمقربين منه في ذلك التدخل، وفق الصحيفة، كما أن تحقيق المحقق الخاص روبرت مولر، الذي نُشر عام 2019، لم يقدم إجابة قاطعة حول الموضوع. وأمضى الرئيس ترامب ولايته الأولى (2017-2021) والشكوك تحوم حول التورط الروسي في تلك الانتخابات، في وقت قال فيه ترامب إنه "لا يوجد سبب للاعتقاد" بأن روسيا تدخلت في الانتخابات الأميركية. والتقى الرئاسيان للمرة الأولى في هامبورغ (ألمانيا) على هامش قمة مجموعة العشرين في يوليو/تموز 2017 في أجواء اتسمت بالرصانة، وفق توصيف الصحيفة الفرنسية، مقارنة مع لقائهما الثاني في قمة هلسنكي بعد عام. رواية بديلة على صعيد آخر، كشف الصحفي الأميركي الشهير بوب وودود أنه في عام 2020 وخلال ذروة جائحة كوورنا، وافق الرئيس ترامب على نقل أجهزة فحص الفيروس، التي كانت شحيحة آنذاك، إلى نظيره الروسي. وفي مساعيه للعودة إلى السلطة عام 2024، بنى ترامب خطابه على فكرة مؤامرةٍ دبرتها "الدولة العميقة" ضده وعزاها إلى ما ظل يسميه "روسيا روسيا روسيا"، أي شبهات التواطؤ مع موسكو، ونجح في "فرض رواية بديلة ليُنسي الناس الحقائق"، وأصبح يوجه اتهامات التواطؤ مع الروس إلى القادة الديمقراطيين، وهدد بعضهم بالملاحقة القضائية. وعلى الصعيد الدبلوماسي، أبدى الرئيس ترامب في الأشهر الأخيرة استياءه من الرئيس بوتين بسبب تعنّته في مفاوضات السلام بشأن الحرب في أوكرانيا في ظل الشكوك حول فعالية العقوبات الجديدة على موسكو. في المقابل، تلاحظ الصحفية أن بوتين بارع في التضليل، ويراهن على واشنطن بشأن أوكرانيا، ويعتقد أن كييف تفتقر للاحتياطات اللازمة لمواصلة جهودها العسكرية. ونقلت الصحيفة عن الخبير في مجلس العلاقات الخارجية تشارلز كوبتشان قوله إن "بوتين مُفتتن بترامب لأنه يرى فيه مخرجا من الجمود الدبلوماسي للجلوس إلى طاولة الأقوياء، ورفع العقوبات المفروضة على روسيا". وخصلت إلى أن موسكو سعيدة بوجود ترامب كشريك في واشنطن.


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
مستشار رئاسي أميركي سابق: الفوضى سمة سياسة ترامب الخارجية
بينما كان العالم يترقب ما ستؤول إليه القمة التي جمعت الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في مدينة أنكوراج بولاية ألاسكا الجمعة الماضي، تحوّل المشهد برمته إلى ما يشبه مسرح العبث، حسب وصف مقال رأي بصحيفة الغارديان البريطانية. وأفاد سيدني بلومنثال، المستشار الكبير السابق للرئيس الأميركي بيل كلينتون وزوجته هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة، في مقاله أن كل الجهود المضنية التي بذلها الحلفاء الأوروبيون لمنع ترامب من "الانبطاح" أمام بوتين باءت بالفشل خلال قمة ألاسكا. كأنه طفل كبير وقال إن الأوروبيين حاولوا التودد لترامب وملاطفته وتدليله "كأنه طفل كبير" بحاجة إلى الحماية، لكن ذلك كله ذهب أدراج الرياح. لكن الكاتب يضيف بلغة مجازية أن ترامب، "بعناده المعتاد"، رمى السياسة كما لو كانت دمية محشوة من نافذة سيارته الرئاسية، وهو يفتح الطريق أمام بوتين ليرافقه في ما يشبه "موكب نصر" شخصي. ويرى أن ما حدث لا يعبّر عن "عقيدة ترامب" المزعومة في السياسة الخارجية، بل يكشف عن فوضى داخلية، وانحياز شخصي مقلق إلى موسكو، يقابله عجز كامل عن بلورة إستراتيجية واضحة أو حماية المصالح الغربية. وفي مقاله النقدي اللاذع، يصوّر بلومنثال الحدث على أنه حلقة جديدة من مسلسل انهيار الدبلوماسية الأميركية، حيث تتداخل الهشاشة السياسية بالصفقات الشخصية والطموحات "الفاسدة" لعائلة ترامب. حلم نوبل للسلام قبل القمة، نجح الأوروبيون في دفع ترامب لربط المفاوضات مع روسيا بشرط أساسي هو وقف إطلاق النار، إلا أنه -بحسب المقال- بدّد هذه الجهود فور وصوله ألاسكا. فحتى عندما سارع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن، مدعوما من قادة أوروبا، لم يجد سوى وعود غامضة من الرئيس الأميركي، في حين واصلت الطائرات الروسية قصف المدن الأوكرانية. وزعم الكاتب أن ترامب كان حينها يحلم بشيء آخر مختلف تماما وهو جائزة نوبل للسلام ، لذا لم يتردد في الاتصال، قبل انعقاد القمة بوزير المالية النرويجي للضغط من أجل دعمه في هذا المسعى. وكما حدث في هلسنكي عام 2018، ظهر ترامب هذه المرة في ألاسكا الأميركية أمام بوتين لطيفا ومتذللا تحت سمع وبصر العالم، حيث فرش السجاد الأحمر لضيفه المتهم بجرائم حرب، وصافحه بحرارة، وربّت على يده، وفتح له باب السيارة الرئاسية، في مشهد بدا وكأنه استسلام دبلوماسي علني. هفوة ويتكوف ويعتقد بلومنثال أن المبعوث الشخصي للقمة، رجل العقارات ستيفن ويتكوف ، ارتكب خطأ فادحا حين أساء فهم مطالب روسيا، حين تصور أن موسكو تعرض "انسحابا سلميا" من خيرسون وزاباروجيا، بينما كان العكس تماما هو المطلوب، وهو انسحاب أوكراني من هذه المناطق. وأوضح الكاتب أن هذه "الهفوة" أثارت سخرية وغضب الأوروبيين والأوكرانيين على حد سواء، حتى أن أحد الدبلوماسيين الأوروبيين وصف المبعوث الأميركي بأنه "مرتبك وغير كفؤ"، بينما رأى آخر أنه "لا يملك أي خبرة تفاوضية، وكأنه مجرد هاوٍ يلعب في ساحة الكبار". لكن صحيفة بيلد الألمانية المعروفة بتغطياتها الكاشفة، لم تتوقف عند هذا الخطأ فحسب. فقد وصفت المشهد بأنه "مفارقة كبرى"، مشيرة إلى أن الانقسامات داخل إدارة ترامب نفسها تعمّقت بشكل غير مسبوق. فوزير الخارجية ماركو روبيو أصرّ على أن يظل الأوروبيون جزءا من العملية التفاوضية، بينما كان نائب الرئيس جيه دي فانس ، إلى جانب ويتكوف، يعملان على استبعادهم تماما. ووفقا لبلومنثال، فقد أدت هذه الفوضى إلى أن يخرج الأوروبيون بانطباع قاتم، عبّر عنه دبلوماسي بارز بالقول "لقد أظهرت الولايات المتحدة نفسها للعالم وكأنها إدارة منقسمة وفوضوية". أما أوكرانيا، فشعرت وكأنها تُركت وحيدة في مواجهة مصيرها، بعدما كان يفترض أن القمة جاءت لإنقاذها. هدايا اقتصادية لبوتين بيد أن ما كشفته صحيفة بيلد وغيرها من التسريبات لم يتوقف عند الأخطاء الدبلوماسية، بل وصل إلى ما هو أخطر وهي التنازلات الاقتصادية. وطبقا لتلك التسريبات، فقد قدّم ترامب لبوتين سلسلة من العروض السخية التي فُسّرت على أنها محاولة لشراء ولاء الكرملين. وأورد الكاتب في مقاله أن تلك الوعود تتمثل في: رفع العقوبات عن قطاع الطيران الروسي، بما يتيح لشركاته المحاصَرة منذ بداية الحرب أن تعود إلى السوق الدولية. فتح الموارد الطبيعية في ألاسكا أمام الاستثمارات الروسية، ولا سيما في الممر البحري بين ألاسكا وروسيا (مضيق بيرينغ)، بما يحمله من أهمية إستراتيجية هائلة للملاحة والتجارة العالمية. قبول استغلال روسيا للمعادن النادرة في الأراضي الأوكرانية المحتلة، بما يمنح موسكو ميزة إستراتيجية كبرى في الصناعات التكنولوجية والعسكرية. ليست زلة لسان وكان ويتكوف قد أشار أمام الروس إلى أن احتلال إسرائيل الضفة الغربية يصلح نموذجا لإنهاء الحرب، ومن ثم يمكن لموسكو أن تسيطر عسكريا واقتصاديا على الأجزاء التي احتلتها من أوكرانيا وتخضعها لإدارة حكومية تابعة لها، شبيهة بالأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل على الأراضي الفلسطينية. وفي تقدير بلومنثال أن هذه المقارنة لم تكن مجرد زلة لسان، بل رُوّج لها داخل أروقة التفاوض، وهو ما أثار قلقا عميقا لدى الأوروبيين والأوكرانيين على حد سواء. أما بالنسبة لبوتين -والحديث ما يزال لكاتب المقال- فقد كان الأمر انتصارا إستراتيجيا يفوق التوقعات، ذلك لأنه استطاع من خلال قمة واحدة، تحويل الموقف الأميركي من الضغط على روسيا إلى إضفاء شرعية ضمنية لاحتلالها أراضي أوكرانية. لكن هذه التنازلات لم تكن مجانية بالنسبة لترامب نفسه. فقد جرى الحديث على نطاق واسع عن مصالح شخصية واقتصادية لعائلته. فبالتزامن مع القمة، أعلنت شركات مرتبطة بعائلته مشروعا جديدا في مجال العملات المشفرة، جمع نحو 1.5 مليار دولار خلال أيام قليلة، في وقت بدا فيه أن العلاقات مع روسيا قد تُسهم في تعزيز هذا المشروع عبر قنوات مالية غير خاضعة للرقابة التقليدية، كما ورد في مقال الغارديان. على أن الأخطر من ذلك -من وجهة نظر المستشار الرئاسي السابق في مقاله- أن مقربين من ترامب سرّبوا فكرة مفادها أن الرئيس الأميركي بدأ ينظر إلى الاحتلال الروسي لأجزاء من أوكرانيا من منظور "النموذج الإسرائيلي": أي كما تسيطر إسرائيل على الضفة الغربية منذ عقود، مع بناء مستوطنات وفرض واقع جديد يرفض العالم الاعتراف به رسميا لكنه يستمر بحكم الأمر الواقع. واعتبر بلومنثال أن المشهد الأكثر درامية في قمة ألاسكا كان المؤتمر الصحفي المشترك بين ترامب وبوتين. فعندما ظهر الزعيمان أمام الصحفيين، لم يكن هناك اتفاق ولا خطة. وكان أن ترك ترامب الكلمة لخصمه الذي كرّر مزاعمه عن "تهديد أوكرانيا لروسيا"، وألقى باللوم على الرئيس الأميركي السابق جو بايدن ، بينما أعرب عن اقتناعه بأنه لو كان ترامب رئيسا لما وقعت الحرب. أما ترامب، فظهر "شاحبا"، واكتفى بإطلاق عبارات مبهمة ومتناقضة، فقد قال مرة إن "بوتين يريد السلام"، ثم أضاف "لكننا لن نتوصل إلى اتفاق حتى يكون هناك اتفاق"، وأردف متباهيا "أنا وحدي القادر على إيقاف هذه الحرب"، معلنا أنه "لا اتفاق حتى يكون هناك اتفاق". كانت عباراته تلك -برأي بلومنثال- أقرب إلى شعارات حملة انتخابية منها إلى تصريحات رئيس دولة في قمة مصيرية، رغم أنه كان قد وعد بإنهاء الحرب في "اليوم الأول" من ولايته، لكنه بعد 210 أيام رجع بخفي حنين.