
عبد الغني الككلي أول رئيس لجهاز دعم الاستقرار الليبي
عبد الغني الككلي، كان قائد مليشيات مسلحة إبان الثورة الليبية ، ثم أصبح شخصية مركزية في الجهاز الأمني للبلاد بعد سقوط نظام معمر القذافي. تقلد مناصب أمنية عدة أبرزها رئيس "جهاز دعم الاستقرار"، ومكنته هذه المناصب من نسج شبكات واسعة من النفوذ في طرابلس ، اقتحم بفضلها لاحقا عالم الأعمال من بوابة التجارة في النفط.
المولد والنشأة
وُلد عبد الغني بلقاسم خليفة الككلي، ولقبه "غنيوة"، في مدينة بنغازي ، انتقل وعائلته في سن مبكرة إلى العاصمة الليبية طرابلس، حيث استقر في حي أبو سليم، أحد أكبر أحياء المدينة.
انقطع عن الدراسة في سن مبكرة، وعمل في مخبز النصر الواقع في منطقة أبو سليم، قبل انخراطه تدريجيا في أنشطة تجارية غير مشروعة.
وبحسب مصادر عدة، تورط الككلي في أنشطة غير قانونية وقضى نحو 14 عاما في السجن عقب إدانته في جريمة قتل، وأفرج عنه بعد أحداث 17 فبراير/شباط 2011.
ثورة فبراير/شباط 2011
برز الككلي أثناء أحداث الثورة الليبية عام 2011، بانضمامه إلى صفوف الثوار ضد نظام "معمر القذافي" في حي أبو سليم، جنوب العاصمة طرابلس، ورغم أنه لم يكن ضابطا في الجيش الليبي، فإنه تمكن من تشكيل مجموعة مسلحة محلية أسهمت في بسط السيطرة على أجزاء واسعة من المدينة، مستفيدا من الفراغ الأمني والسياسي الذي خلّفه سقوط النظام وانهيار الدولة المركزية.
ما بعد الثورة
أسس الكيكلي "كتيبة أبو سليم"، وهي واحدة من أقوى الكتائب المسلحة في طرابلس ، أوكلت لها مهام حفظ الأمن في منطقة أبو سليم ومحيطها.
اضطلعت الكتيبة بدور بارز في فرض النظام على المستوى المحلي ومواجهة الجريمة المنظمة، إلا أنها في المقابل وجهت لها اتهامات بارتكاب انتهاكات ل حقوق الإنسان ، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية وسوء معاملة السجناء.
لاحقا، انخرط الككلي في تحالفات مع كتائب أمنية أخرى، كما دخل في صراعات مع مجموعات مسلحة منافسة، وأصبح جزءا من شبكة معقدة من القوى المسلحة المتنازعة على السلطة في طرابلس.
وفي إطار محاولات الدولة الليبية لاحتواء المليشيات ودمجها داخل مؤسساتها الرسمية، تولى الككلي رئاسة جهاز دعم الاستقرار، الذي أنشأته حكومة الوفاق الوطني في 11 يناير/كانون الثاني 2021.
ورغم أن الجهاز تأسس رسميا للعمل تحت سلطة الدولة، فإنه واقعيا حافظ على استقلالية كبيرة، ولم يكن إلا امتدادا لنفوذ "غنيوة" بغطاء رسمي، وفقا لما ذهبت إليه تحليلات عديدة تناولت الوضع الأمني في ليبيا.
علاقته بالحكومة
بدأت العلاقة بينه وبين حكومة الوفاق الليبية بقيادة فايز السراج عام 2021، فحينها تولى الككلي رئاسة جهاز دعم الاستقرار، وهو جهاز شملت صلاحياته حماية المقرات الرسمية وتأمين الشخصيات العامة والمشاركة في العمليات العسكرية.
ونتيجة ولائه للحكومة، تمكن الككلي من توسيع نفوذه خارج طرابلس، وصولا إلى مدينتي غريان جنوب العاصمة وزليتن شرقها، وارتبط اسمه بعدد من الاشتباكات المسلحة غربي البلاد.
لكن نجمه سطع بشكل أكبر بعد وصول عبد الحميد الدبيبة إلى رئاسة حكومة الوحدة الوطنية في مارس/آذار2021، حينها عُقد بين الجانبين تفاهم واضح يسمح للككلي بتثبيت حلفائه في مناصب إستراتيجية، مقابل تقديمه الحماية للعاصمة طرابلس.
ومع مرور الوقت، أصبح اسم الككلي وجهازه حاضرا بقوة في دوائر السلطة بطرابلس، وتدخل مرات عدة في تعيين شخصيات نافذة، مما أثار خلافات حادة مع فصائل مسلحة أخرى كانت تسعى للتموضع في مفاصل الدولة.
وتقول تقارير إعلامية إن التفاهم بين الدبيبة والككلي أسهم في تعزيز نفوذ الأخير، ومكنه من بسط سيطرته على هيئة أمن المرافق الحكومية، الجهة الوحيدة المكلفة بالإشراف على النقل الآمن للأموال بين البنوك في طرابلس و مصرف ليبيا المركزي.
مقتله
قُتل عبد الغني الككلي يوم 12 مايو/أيار2025 في تبادل إطلاق نار جنوب العاصمة الليبية طرابلس، إثر تصاعد حدة التوترات الأمنية بين الجماعات المسلحة داخل المدينة وجهاز دعم الاستقرار الذي كان يتولى رئاسته.
وأعلنت وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوحدة الوطنية "فرض السيطرة" على كامل منطقة أبو سليم جنوب طرابلس، بعد الاشتباكات الدامية، وأضافت الوزارة في بيان، أن العملية العسكرية في العاصمة انتهت بنجاح بعد السيطرة على منطقة أبو سليم التي تضم المقر الرئيسي وأغلب مقار جهاز الدعم والاستقرار، مؤكدة أن قواتها تواصل العمل لضمان استدامة الأمن والاستقرار في العاصمة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
هكذا تعقّد خارطة القوى السياسية "المتنافرة" المشهد في ليبيا
طرابلس – في قلب صحراء شمال أفريقيا، تقف ليبيا كمتاهة سياسية معقّدة، تتشابك فيها خيوط النفوذ المحلي وسط انقسام السلطة بين الشرق والغرب، والتدخلات الدولية المتعثرة لمبادرات الأمم المتحدة. فمنذ سقوط نظام الرئيس السابق معمر القذافي عام 2011، لم تتمكن ليبيا من الخروج من متاهتها نحو برّ استقرار سياسي حقيقي لدولة دستورية موحدة، بل تحولت إلى ساحة لصراعات نفوذ داخلية وخارجية، وتنازع المصالح بين من يمثلون السلطة السياسية، وصراع النفوذ الميداني بين المجموعات المسلحة، وهي صراعات تتجدد مع كل محاولة لإعادة بناء الدولة. شهدت العاصمة طرابلس، خلال مايو/أيار الجاري، اشتباكات عنيفة في إطار تفكيك الأجهزة الأمنية الموازية لحكومة الوحدة الوطنية، بين قوات اللواء 444 قتال التابع لهذه الحكومة بقيادة محمود حمزة، وقوات جهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي بقيادة عبد الرؤوف كارة، مدعومة بقوات تابعة لمدينة الزاوية. فوضى أمنية اندلعت شرارة هذه الاشتباكات بعد مقتل عبد الغني الككلي (غنيوة) ، رئيس جهاز دعم الاستقرار ، خلال اجتماع رسمي بحضور قيادات عسكرية من حكومة الوحدة، وقد أسفرت المواجهات عن مقتل عدد من المدنيين وتدمير ممتلكاتهم. إعلان ويصف المحلل السياسي مصباح الورفلي -في تصريح للجزيرة نت- هذه المواجهات بأنها نتيجة طبيعية لـ"تغوّل التشكيلات المسلحة التي تبتز مؤسسات الدولة وتتحكم في منافذها"، مضيفا أن غياب مؤسسة أمنية موحدة بعقيدة مهنية ساهم في ترسيخ حالة الفوضى. في السياق ذاته، يرى أحمد دوغة، نائب رئيس حزب الأمة، أن هذه الاشتباكات تعكس غياب بنية أمنية موحدة بين الحكومة و المجلس الرئاسي ، وتعدد مصادر الشرعية بين الأطراف، معتبرا أن ذلك يولّد صراعا على النفوذ السياسي والاقتصادي. وأضاف للجزيرة نت، أن انتشار السلاح يفرغ أي مسار سياسي من مضمونه، ويحتاج "تدخلا دوليا فاعلا لكبح هذا الانفلات". أثارت المواجهات الأخيرة دعوات سياسية لإسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة ، إذ وصف رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري الدبيبة بـ"نيرون العصر"، في حين بدأ رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إجراءات لتشكيل حكومة موحدة بديلة. ويرى دوغة، أن تقارب المشري وصالح "ليس سوى تحالف مصالح مؤقت، يتقاطعان فيه عند العداء المشترك لحكومة الدبيبة"، لافتا إلى أن هذا التحالف أعيد إحياؤه بعد أن فشل سابقا في تونس وجنيف، وهو الآن يستغل الوضع الأمني لتحقيق مكاسب سياسية. بدوره، يؤكد الورفلي، أن هذا التقارب تقاطع هش هدفه إعادة التموضع داخل المشهد، وليس مدفوعا برؤية إستراتيجية موحدة، مشيرا إلى أن أطراف الصراع تتمسك بالمرحلة الانتقالية لتمديد بقائها وتفادي انتخابات قد تطيح بها. خارطة متنافرة تنقسم مراكز النفوذ في ليبيا اليوم إلى 4 كتل رئيسية: حكومة الوحدة الوطنية في الغرب. القيادة العامة للجيش بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر في الشرق. المجلس الأعلى للدولة. مجلس النواب. وبحسب المحلل الورفلي، فإن القوة في الشرق تتمثل في الجيش النظامي والدعم الإقليمي، بينما تتركز قوة الغرب في الاعتراف الدولي والسيطرة على المؤسسات المالية، كمصرف ليبيا المركزي والشركات القابضة. أما دوغة، فيعتبر أن مصادر القوة الفعلية لا تتعلق فقط بشرعية القانون بل بامتلاك السلاح والسيطرة الميدانية و"ابتزاز الأطراف الدولية"، مشيرا إلى أن الاتفاقات السياسية السابقة كجنيف وتونس لا تزال تُستخدم كورقة ضغط للبقاء رغم فشلها في إنتاج تسوية دائمة. يتولى محمد المنفي رئاسة المجلس الرئاسي الليبي، إلا أن دوره العملي لا يتجاوز الرمزية بسبب غياب أدوات تنفيذية وأذرع أمنية فاعلة. ويعزو دوغة ضعف هذا المجلس إلى فشله في إدارة شؤونه الداخلية مع وجود خلافات بين أعضائه الثلاثة، مشددا على أنه أصبح كيانا غير قادر على التأثير في المشهد الليبي". بينما يرى الورفلي أن المجلس يحاول أخيرا استغلال بعض التعديلات في الاتفاق السياسي لممارسة ضغط سياسي، لكنه يظل بحاجة إلى دعم إقليمي ودولي ليلعب دورا فعالا. أطلقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الثلاثاء الماضي، تقريرا تضمن توصيات اللجنة الاستشارية لحل النقاط الخلافية في القوانين الانتخابية، بما يشمل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بصورة متزامنة. لكن تقييم المحللين لجهود البعثة الأممية جاء متشائما، فدوغة يقول، إن البعثة تكرر نفس الحوارات الفاشلة وتستبعد الفاعلين الحقيقيين كالأحزاب والمجتمع المدني، مفضلة التعامل مع أطراف مسلحة أو فاقدة للشرعية الشعبية. ويذهب الورفلي أبعد من ذلك، معتبرا أن الازدواجية داخل الأمم المتحدة وانقسام المجتمع الدولي، إلى جانب غياب مشروع وطني جامع، أفشلت كل المبادرات السابقة، مضيفا أن الارتكاز على قوى تفتقر إلى الشرعية الشعبية جعل البعثة تدور في حلقة مفرغة. رغم ذلك، يبدي دوغة بعض الأمل، موضحا أن تشكيل لجنة الـ20 التشاورية أخيرا ربما يعكس تغييرا في نهج البعثة، وأن الأيام القادمة كفيلة بإظهار مدى الجدية في الضغط على الأطراف الليبية لاعتماد أحد المقترحات المطروحة. في ظل هذا المشهد المعقد، تتضاءل فرص إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، ويؤكد دوغة أن الانقسام الحالي وانتشار السلاح وغياب الضمانات، كلها عوامل تجعل من الاستحقاق الانتخابي حلما مؤجلا، داعيا إلى ملتقى ليبي جامع يعيد الثقة ويوحد الصفوف. أما الورفلي، فيتوقع استمرار حالة الانقسام وبناء مزيد من التحالفات المسلحة والسياسية، محذرا من أن الشارع الليبي قد ينزلق إلى دعوات للحكم الذاتي في بعض المناطق كنوع من البحث عن حماية ذاتية. هكذا، تظل ليبيا في حاجة ماسة إلى توافق وطني حقيقي يتجاوز الاصطفافات الضيقة ويضع مصلحة البلاد فوق الحسابات الفئوية، على أمل أن تكون المراحل القادمة فرصة لاستعادة زمام المبادرة، لا مجرد محطة أخرى في متاهة لا تنتهي.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
"خريطة إشبيلية".. الشرارة التي دفعت أردوغان للتصدّي لأوروبا
لا يقتصر الارتباط التركي بليبيا على الأبعاد التاريخية، والثقافية، والديمغرافية المتمازجة، بل يتعدى ذلك كله إلى نواحٍ جيوستراتيجية تتعلق بمصالح البلدين معًا، وقدرتهما على تعظيم نصيبهما من ثروات المنطقة المحيطة بهما. فليبيا تتشابه مع سوريا من حيث الأهمية الإستراتيجية بالنسبة إلى تركيا، فكما تمثّل سوريا عمقًا إستراتيجيًا مهمًا للأناضول، وتؤثّر بشكل مباشر على أمنه واستقراره، فكذلك الحال بالنسبة إلى ليبيا، التي تعدّ عمقًا إستراتيجيًا بحريًا مهمًا لتركيا، كما سيأتي شرحه بالتفصيل. لكن ليبيا تعيش اليوم على وقع اضطرابات أمنية منذ مساء الاثنين 12 مايو/ أيار الجاري، إثر مقتل رئيس جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي عبدالغني الككلي "غنيوة"، في العاصمة طرابلس، تزامنًا مع اشتباكات قوّات تابعة لجهاز دعم الاستقرار، وأخرى من "اللواء 444 قتال" التابع لوزارة الدفاع. ورغم أنّ رئيس الوزراء، عبد الحميد الدبيبة، شكر في صباح اليوم التالي قوات الجيش والشرطة على "ما حققوه من إنجاز كبير في بسط الأمن وفرض سلطة الدولة في العاصمة"، فإن الاشتباكات سرعان ما تجددت مرة أخرى، قبل أن تعلن وزارة الدفاع بحكومة الوحدة في طرابلس وقفًا لإطلاق النار، ونشر قوات نظامية محايدة في نقاط التماس. إعلان هذه الهشاشة الأمنية دفعت بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، إلى تشكيل "لجنة للهدنة"، بالتعاون مع المجلس الرئاسي الليبي، وذلك لرعاية وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصل إليه. الاضطراب لم يقتصر على الأوضاع الأمنية، بل امتدّ إلى الفضاء السياسي، حيث حاول البرلمان الموجود في الشرق، والذي يترأسه عقيلة صالح، التمدد صوب الغرب، حيث توجد حكومة الدبيبة المعترف بها دوليًا، حيث أعلن عن فرز ملفات مرشحين لتولي رئاسة الحكومة، وذلك بالتعاون مع المجلس الأعلى للدولة الذي يوجد في طرابلس، ويترأسه خالد المشري. كما شهدت العاصمة الليبية، مظاهرات شعبية طالبت برحيل الدبيبة، فيما أشارت تقارير صحفية إلى استقالة وزراء ونواب وزراء. هذا الاضطراب فتح الباب على مصراعيه على جميع السيناريوهات، التي يمكن أن تعصف ببلد يعاني أصلًا من الانقسام الجهوي، وتتنازعه حكومتان، إحداهما في الغرب بقيادة الدبيبة وتحظى باعتراف دولي، والثانية في الشرق برئاسة أسامة حماد، وتحظى بدعم القوات المسلحة التي يتزعمها، خليفة حفتر وأبناؤه. ونظرًا للانخراط التركي في الأزمة منذ سنوات عبر اتفاقيات، ووجود عسكري وازن، كان التساؤل عما يمكن أن تقدمه أنقرة لاحتواء الأزمة، والبدائل التي بحوزتها للحيلولة دون دخول البلاد في فوضى، تعصف بأمنها واستقرارها، وتؤثر على المصالح الإستراتيجية التركية هناك. لعبت المذكرة التي وقّعتها تركيا مع حكومة رئيس الوزراء السابق، فايز السراج، والمعروفة باسم "مذكرة التفاهم بشأن ترسيم صلاحيات المساحات البحرية" دورًا محوريًا في إعادة تموضع تركيا في البحر المتوسط، بعد عقود من العزلة الإجبارية، ومحاولة حرمانها من ثروات شرق البحر المتوسط. ففي عام 2004، نشر الأستاذان في جامعة إشبيلية الإسبانية، خوان لويس سواريز دي فيفيرو، وخوان كارلوس رودريغز ماتيوس، دراسة تحت عنوان: "أوروبا البحرية وتوسيع عضوية الاتحاد: آفاق جيوسياسية"، حوت خريطة للوضع البحري لدول كانت تريد الانضمام آنذاك للاتحاد، مثل؛ رومانيا، وبلغاريا، وكرواتيا، وتركيا. حوَت تلك الدراسة خريطة عرفت لاحقًا باسم "خريطة إشبيلية" منحت تركيا منطقة بحرية ضيقة محصورة في سواحل أنطاليا، رغم أنها صاحبة أطول ساحلٍ شرقَ المتوسط، في وقت منحت فيه لكل جزيرة يونانية منطقة اقتصادية خالصة بطول 370 كيلومترًا، ومنها جزيرة كاستيلوريزو (ميس) التي تبعد عن السواحل التركية بكيلومترين فقط، فيما يفصلها عن السواحل اليونانية نحو 580 كيلومترًا! هنا جاءت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، لتمنح أنقرة صكًا قويًا في المطالبة بحقوقها، خاصة في ثروات شرق المتوسط، بعد حصولها على منطقة اقتصادية خالصة تقدر بآلاف الكيلومترات وفق الاتفاق. ففي دراسة نشرتها دائرة الاتصالات برئاسة الجمهورية التركية عام 2020، بعنوان: "خطوة إستراتيجية في معادلة شرقي المتوسط"، اعتبرت أن الاتفاقية، تعد الأولى من نوعها التي توقّعها تركيا مع دولة مطلة على البحر المتوسط غير قبرص التركية، فيما يخصّ مواضيع الجرف القاري/ المناطق الاقتصادية الخالصة. كما أضافت الدراسة أن الاتفاقية حافظت على حقوق كلٍّ من تركيا، وليبيا في البحر المتوسط، ومكّنت أنقرة من إرسال رسالة بأنها "لن تسمح بالأمر الواقع في المنطقة". لكل هذا لم يكن من المنتظر أن تكتفي أنقرة بالمراقبة والمتابعة، خاصة مع احتفاظها بقوات لها في المنطقة الغربية، وفقًا لمذكرة التعاون الأمني والعسكري الموقعة عام 2019. البدائل التركية لحل الأزمة رغم أن تركيا تعد حليفًا رسميًا للحكومة الليبية في الغرب، ودعمتها عسكريًا في صد عدوان حفتر والدول الداعمة له على العاصمة طرابلس، في يونيو/ حزيران 2020، بعد أكثر من سنة من بدء الهجوم حينها، فإن أنقرة عملت في السنوات اللاحقة على التواصل مع القائد العسكري، خليفة حفتر في الشرق، ما قاد إلى زيارة نجله، صدام حفتر، العاصمة التركية أنقرة في أبريل/ نيسان الماضي، حيث استقبله وزير الدفاع التركي، يشار غولار، وقائد القوات البرية، سلجوق بيرقدارأوغلو. إعلان فيما وقّع نجله الثاني، بلقاسم خليفة حفتر، مدير صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، عقودًا مع شركات تركية لتنفيذ مشاريع تخصّ البنية التحتية والإنشاءات. إضافة إلى ذلك، تطوُّر العلاقات التركية المصرية، بعد أن وصلت إلى حد المواجهة العسكرية في ليبيا عام 2020. لكل ما سبق فإنه من الطبيعي أن تختلف الإستراتيجية التركية المتبعة عما كانت عليه قبل نحو خمس سنوات، حيث تتّجه سياسة أنقرة إلى اتباع سياسة "إدارة الخلافات" مع الدول الصديقة، بما لا يسمح بتدهور العلاقات البينية، ويحافظ على المصالح المشتركة. ففي حوار صحفي لوزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، نشرته مجلة "جون أفريك" منتصف مايو/ أيار الجاري، أفصح فيدان عن إستراتيجية بلاده لمواجهة أزمة الانقسام، وكيفية إعادة اللحمة بين مكونات الشعب الليبي، على النحو التالي: أولًا: الاتفاق على تشكيل حكومة مرضية لكلا الجانبين، تمهّد لاستحقاق الانتخابات، معربًا عن رفضه إجراء الانتخابات دون "نضج عملية سياسية". واعتبر فيدان أن إجراء الانتخابات في ظل الأجواء الحالية قد يكون "محل تنافس بين المعسكرين الشرقي والغربي"، أي أنها ستتحول إلى تنافسية جهوية وليست بين مكونات شعب واحد، مؤكدًا أن أنقرة تعمل على التمكين لذلك الخيار. ثانيًا: اعتماد أسلوب الحوار مع القوى المؤثرة في المشهد الليبي للحيلولة دون تجدد المواجهات العسكرية مرة أخرى، حيث قال فيدان: "نتحدث بانتظام مع روسيا وشركائنا الليبيين في الشرق. كانت أولويتنا على مدى السنوات الخمس الماضية تجنب المواجهة العسكرية بين الشرق والغرب". والملاحظة المهمة هنا وصْفه القوى السياسية والعسكرية الموجودة في الشرق الليبي بـ "الشركاء"، ما يعني أن تركيا نجحت في تجسير العلاقة بعد سنوات قليلة من توقف المواجهات العسكرية، بل وأعادت تعريف القوى الفاعلة في الشرق. إعلان ما يعني أن تموضعها الحالي بين الغرب والشرق، يتيح لها القيام بدور فعال في الوساطة بين الجانبين لإنهاء الانقسام وتوحيد الجيش والأجهزة الأمنية، وهذا تقدم مهم يحسب للدبلوماسية التركية. ثالثًا: التحذير من المزيد من العسكرة، وإشارة فيدان هنا إلى القوات الروسية، التي لوحظ نقلها جزءًا من آلياتها وعتادها العسكري من سوريا إلى ليبيا، عقب سقوط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. فالإستراتيجية التركية بشكل عام تعمل على إفراغ المنطقة من القوات الأجنبية، حيث تبذل جهودًا كبيرة لإقناع واشنطن بسحب قواتها من سوريا، وهُرعت إلى تشكيل آلية أمنية مشتركة مع الأردن وسوريا، لسد فراغ القوات الأميركية عقب رحيلها، لمواجهة تنظيم الدولة ومنع تمدده مجددًا. التعاون الإقليمي على ذات النسق السوري، قد تعمل تركيا في الملف الليبي، على تخفيف أو إنهاء الوجود العسكري الروسي، وإعادة توحيد البلاد عبر آلية إقليمية تراعي المصالح الإستراتيجية لدول الجوار الليبي. وفي تقديري، فإن تركيا تحتاج هنا إلى التنسيق مع مصر، من خلال تأسيس حوار إستراتيجي معمق بشأن إنهاء الأزمة الليبية. فالعلاقات بين أنقرة والقاهرة تشهد نموًا مطردًا، بحيث تجاوزت النطاق الاقتصادي، إلى نطاقات أخرى إستراتيجية وعسكرية، حيث زار رئيس أركان الجيش المصري، أحمد فتحي خليفة، تركيا، والتقى نظيره، متين غوراك، الشهر الجاري، وعقد الطرفان الاجتماع الأول للحوار العسكري رفيع المستوى بين البلدين، والمخطط تنظيمه سنويًا على مستوى رئاسة أركان الدولتين. مثل هذه الاجتماعات يمكن تكرارها على مستوى وزارتَي الخارجية، وجهازَي الاستخبارات في البلدين، للوصول إلى رؤى مشتركة لحل أزمات المنطقة الملتهبة في ليبيا، وغزة، والسودان، وغيرها. إن الهدوء الذي تعيشه ليبيا هذه الأيام، هو هدوء هشّ، قد ينهار في أي لحظة سواء في طرابلس، أو بين الشرق والغرب، ومن الأهمية بمكان أن تتخذ تركيا -ذات التموضع المتميز داخل ليبيا- خطوات استباقية لنزع فتيل الأزمة، واتّخاذ خطوات جادّة، مع الشركاء المحليين ودول الجوار، لإعادة الوحدة للدولة الممزقة، ودمج المؤسّسات المنقسمة، والحيلولة دون تجدّد القتال.


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
"خريطة أشبيلية".. الشرارة التي تصدّى بها أردوغان لخرائط أوروبا
لا يقتصر الارتباط التركي بليبيا على الأبعاد التاريخية، والثقافية، والديمغرافية المتمازجة، بل يتعدى ذلك كله إلى نواحٍ جيوستراتيجية تتعلق بمصالح البلدين معًا، وقدرتهما على تعظيم نصيبهما من ثروات المنطقة المحيطة بهما. فليبيا تتشابه مع سوريا من حيث الأهمية الإستراتيجية بالنسبة إلى تركيا، فكما تمثّل سوريا عمقًا إستراتيجيًا مهمًا للأناضول، وتؤثّر بشكل مباشر على أمنه واستقراره، فكذلك الحال بالنسبة إلى ليبيا، التي تعدّ عمقًا إستراتيجيًا بحريًا مهمًا لتركيا، كما سيأتي شرحه بالتفصيل. لكن ليبيا تعيش اليوم على وقع اضطرابات أمنية منذ مساء الاثنين 12 مايو/ أيار الجاري، إثر مقتل رئيس جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي عبدالغني الككلي "غنيوة"، في العاصمة طرابلس، تزامنًا مع اشتباكات قوّات تابعة لجهاز دعم الاستقرار، وأخرى من "اللواء 444 قتال" التابع لوزارة الدفاع. ورغم أنّ رئيس الوزراء، عبد الحميد الدبيبة، شكر في صباح اليوم التالي قوات الجيش والشرطة على "ما حققوه من إنجاز كبير في بسط الأمن وفرض سلطة الدولة في العاصمة"، فإن الاشتباكات سرعان ما تجددت مرة أخرى، قبل أن تعلن وزارة الدفاع بحكومة الوحدة في طرابلس وقفًا لإطلاق النار، ونشر قوات نظامية محايدة في نقاط التماس. هذه الهشاشة الأمنية دفعت بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، إلى تشكيل "لجنة للهدنة"، بالتعاون مع المجلس الرئاسي الليبي، وذلك لرعاية وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصل إليه. الاضطراب لم يقتصر على الأوضاع الأمنية، بل امتدّ إلى الفضاء السياسي، حيث حاول البرلمان الموجود في الشرق، والذي يترأسه عقيلة صالح، التمدد صوب الغرب، حيث توجد حكومة الدبيبة المعترف بها دوليًا، حيث أعلن عن فرز ملفات مرشحين لتولي رئاسة الحكومة، وذلك بالتعاون مع المجلس الأعلى للدولة الذي يوجد في طرابلس، ويترأسه خالد المشري. كما شهدت العاصمة الليبية، مظاهرات شعبية طالبت برحيل الدبيبة، فيما أشارت تقارير صحفية إلى استقالة وزراء ونواب وزراء. هذا الاضطراب فتح الباب على مصراعيه على جميع السيناريوهات، التي يمكن أن تعصف ببلد يعاني أصلًا من الانقسام الجهوي، وتتنازعه حكومتان، إحداهما في الغرب بقيادة الدبيبة وتحظى باعتراف دولي، والثانية في الشرق برئاسة أسامة حماد، وتحظى بدعم القوات المسلحة التي يتزعمها، خليفة حفتر وأبناؤه. ونظرًا للانخراط التركي في الأزمة منذ سنوات عبر اتفاقيات، ووجود عسكري وازن، كان التساؤل عما يمكن أن تقدمه أنقرة لاحتواء الأزمة، والبدائل التي بحوزتها للحيلولة دون دخول البلاد في فوضى، تعصف بأمنها واستقرارها، وتؤثر على المصالح الإستراتيجية التركية هناك. لعبت المذكرة التي وقّعتها تركيا مع حكومة رئيس الوزراء السابق، فايز السراج، والمعروفة باسم "مذكرة التفاهم بشأن ترسيم صلاحيات المساحات البحرية" دورًا محوريًا في إعادة تموضع تركيا في البحر المتوسط، بعد عقود من العزلة الإجبارية، ومحاولة حرمانها من ثروات شرق البحر المتوسط. ففي عام 2004، نشر الأستاذان في جامعة إشبيلية الإسبانية، خوان لويس سواريز دي فيفيرو، وخوان كارلوس رودريغز ماتيوس، دراسة تحت عنوان: "أوروبا البحرية وتوسيع عضوية الاتحاد: آفاق جيوسياسية"، حوت خريطة للوضع البحري لدول كانت تريد الانضمام آنذاك للاتحاد، مثل؛ رومانيا، وبلغاريا، وكرواتيا، وتركيا. حوَت تلك الدراسة خريطة عرفت لاحقًا باسم "خريطة إشبيلية" منحت تركيا منطقة بحرية ضيقة محصورة في سواحل أنطاليا، رغم أنها صاحبة أطول ساحلٍ شرقَ المتوسط، في وقت منحت فيه لكل جزيرة يونانية منطقة اقتصادية خالصة بطول 370 كيلومترًا، ومنها جزيرة كاستيلوريزو (ميس) التي تبعد عن السواحل التركية بكيلومترين فقط، فيما يفصلها عن السواحل اليونانية نحو 580 كيلومترًا! هنا جاءت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، لتمنح أنقرة صكًا قويًا في المطالبة بحقوقها، خاصة في ثروات شرق المتوسط، بعد حصولها على منطقة اقتصادية خالصة تقدر بآلاف الكيلومترات وفق الاتفاق. ففي دراسة نشرتها دائرة الاتصالات برئاسة الجمهورية التركية عام 2020، بعنوان: "خطوة إستراتيجية في معادلة شرقي المتوسط"، اعتبرت أن الاتفاقية، تعد الأولى من نوعها التي توقّعها تركيا مع دولة مطلة على البحر المتوسط غير قبرص التركية، فيما يخصّ مواضيع الجرف القاري/ المناطق الاقتصادية الخالصة. كما أضافت الدراسة أن الاتفاقية حافظت على حقوق كلٍّ من تركيا، وليبيا في البحر المتوسط، ومكّنت أنقرة من إرسال رسالة بأنها "لن تسمح بالأمر الواقع في المنطقة". لكل هذا لم يكن من المنتظر أن تكتفي أنقرة بالمراقبة والمتابعة، خاصة مع احتفاظها بقوات لها في المنطقة الغربية، وفقًا لمذكرة التعاون الأمني والعسكري الموقعة عام 2019. البدائل التركية لحل الأزمة رغم أن تركيا تعد حليفًا رسميًا للحكومة الليبية في الغرب، ودعمتها عسكريًا في صد عدوان حفتر والدول الداعمة له على العاصمة طرابلس، في يونيو/ حزيران 2020، بعد أكثر من سنة من بدء الهجوم حينها، فإن أنقرة عملت في السنوات اللاحقة على التواصل مع القائد العسكري، خليفة حفتر في الشرق، ما قاد إلى زيارة نجله، صدام حفتر، العاصمة التركية أنقرة في أبريل/ نيسان الماضي، حيث استقبله وزير الدفاع التركي، يشار غولار، وقائد القوات البرية، سلجوق بيرقدارأوغلو. فيما وقّع نجله الثاني، بلقاسم خليفة حفتر، مدير صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، عقودًا مع شركات تركية لتنفيذ مشاريع تخصّ البنية التحتية والإنشاءات. إضافة إلى ذلك، تطوُّر العلاقات التركية المصرية، بعد أن وصلت إلى حد المواجهة العسكرية في ليبيا عام 2020. لكل ما سبق فإنه من الطبيعي أن تختلف الإستراتيجية التركية المتبعة عما كانت عليه قبل نحو خمس سنوات، حيث تتّجه سياسة أنقرة إلى اتباع سياسة "إدارة الخلافات" مع الدول الصديقة، بما لا يسمح بتدهور العلاقات البينية، ويحافظ على المصالح المشتركة. ففي حوار صحفي لوزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، نشرته مجلة "جون أفريك" منتصف مايو/ أيار الجاري، أفصح فيدان عن إستراتيجية بلاده لمواجهة أزمة الانقسام، وكيفية إعادة اللحمة بين مكونات الشعب الليبي، على النحو التالي: أولًا: الاتفاق على تشكيل حكومة مرضية لكلا الجانبين، تمهّد لاستحقاق الانتخابات، معربًا عن رفضه إجراء الانتخابات دون "نضج عملية سياسية". واعتبر فيدان أن إجراء الانتخابات في ظل الأجواء الحالية قد يكون "محل تنافس بين المعسكرين الشرقي والغربي"، أي أنها ستتحول إلى تنافسية جهوية وليست بين مكونات شعب واحد، مؤكدًا أن أنقرة تعمل على التمكين لذلك الخيار. ثانيًا: اعتماد أسلوب الحوار مع القوى المؤثرة في المشهد الليبي للحيلولة دون تجدد المواجهات العسكرية مرة أخرى، حيث قال فيدان: "نتحدث بانتظام مع روسيا وشركائنا الليبيين في الشرق. كانت أولويتنا على مدى السنوات الخمس الماضية تجنب المواجهة العسكرية بين الشرق والغرب". والملاحظة المهمة هنا وصْفه القوى السياسية والعسكرية الموجودة في الشرق الليبي بـ "الشركاء"، ما يعني أن تركيا نجحت في تجسير العلاقة بعد سنوات قليلة من توقف المواجهات العسكرية، بل وأعادت تعريف القوى الفاعلة في الشرق. ما يعني أن تموضعها الحالي بين الغرب والشرق، يتيح لها القيام بدور فعال في الوساطة بين الجانبين لإنهاء الانقسام وتوحيد الجيش والأجهزة الأمنية، وهذا تقدم مهم يحسب للدبلوماسية التركية. ثالثًا: التحذير من المزيد من العسكرة، وإشارة فيدان هنا إلى القوات الروسية، التي لوحظ نقلها جزءًا من آلياتها وعتادها العسكري من سوريا إلى ليبيا، عقب سقوط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. فالإستراتيجية التركية بشكل عام تعمل على إفراغ المنطقة من القوات الأجنبية، حيث تبذل جهودًا كبيرة لإقناع واشنطن بسحب قواتها من سوريا، وهُرعت إلى تشكيل آلية أمنية مشتركة مع الأردن وسوريا، لسد فراغ القوات الأميركية عقب رحيلها، لمواجهة تنظيم الدولة ومنع تمدده مجددًا. التعاون الإقليمي على ذات النسق السوري، قد تعمل تركيا في الملف الليبي، على تخفيف أو إنهاء الوجود العسكري الروسي، وإعادة توحيد البلاد عبر آلية إقليمية تراعي المصالح الإستراتيجية لدول الجوار الليبي. وفي تقديري، فإن تركيا تحتاج هنا إلى التنسيق مع مصر، من خلال تأسيس حوار إستراتيجي معمق بشأن إنهاء الأزمة الليبية. فالعلاقات بين أنقرة والقاهرة تشهد نموًا مطردًا، بحيث تجاوزت النطاق الاقتصادي، إلى نطاقات أخرى إستراتيجية وعسكرية، حيث زار رئيس أركان الجيش المصري، أحمد فتحي خليفة، تركيا، والتقى نظيره، متين غوراك، الشهر الجاري، وعقد الطرفان الاجتماع الأول للحوار العسكري رفيع المستوى بين البلدين، والمخطط تنظيمه سنويًا على مستوى رئاسة أركان الدولتين. مثل هذه الاجتماعات يمكن تكرارها على مستوى وزارتَي الخارجية، وجهازَي الاستخبارات في البلدين، للوصول إلى رؤى مشتركة لحل أزمات المنطقة الملتهبة في ليبيا، وغزة، والسودان، وغيرها. إن الهدوء الذي تعيشه ليبيا هذه الأيام، هو هدوء هشّ، قد ينهار في أي لحظة سواء في طرابلس، أو بين الشرق والغرب، ومن الأهمية بمكان أن تتخذ تركيا -ذات التموضع المتميز داخل ليبيا- خطوات استباقية لنزع فتيل الأزمة، واتّخاذ خطوات جادّة، مع الشركاء المحليين ودول الجوار، لإعادة الوحدة للدولة الممزقة، ودمج المؤسّسات المنقسمة، والحيلولة دون تجدّد القتال.