دولة الاحتلال: 3 وقائع في نهار فاشي واحد
ارتكب الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون «جريمة نكراء»، في ناظر الساسة الإسرائيليين، حين صرّح بأنّ الاعتراف بدولة فلسطينية ليس «مجرد واجب أخلاقي، بل هو مطلب سياسي»؛ فجاءه الردّ الفوري من وزارة خارجية الاحتلال: «حرب ماكرون الصليبية ضدّ الدولة اليهودية تتواصل»، لأنه «لا يوجد حصار أصلاً»، ولكنّ «الحقائق لا تهمّ ماكرون»، و«بدلاً من ممارسة الضغط على الجهاديين الإرهابيين، يريد ماكرون مكافأتهم بدولة فلسطينية».للمرء أن يتساءل: هل الإشارة، حقاً، إلى ماكرون نفسه، أحد أصدق أصدقاء دولة الاحتلال في فرنسا وأوروبا والعالم؟ أليس هذا هو، ذاته، الذي انخرط في «الحجيج» المبكر لقادة الغرب إلى مستوطنات غلاف غزّة، للإعراب عن التضامن الأقصى غير المشروط مع الاحتلال؟ ألم يضع ماكرون «بعض شروط»، قصوى متشددة في واقع الأمر، قبيل اعتراف باريس بدولة فلسطينية؛ بينها إطلاق سراح الرهائن، ونزع سلاح «حماس» و«عدم مشاركة» الحركة في تسيير شؤون الدولة، و«إصلاح السلطة الفلسطينية»، والاعتراف من جانب «الدولة المستقبلية» بدولة الاحتلال و«حقّها بالعيش في أمان»، و«إنشاء بنية أمنية في كل المنطقة»…؟في واقعة ثانية خلال اليوم ذاته، لجأت السلطات الإسرائيلية إلى منع وفد دبلوماسي عربي وإقليمي رفيع من دخول الضفة الغربية للاجتماع مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، كان مؤلفاً من وزراء خارجية مصر وقطر والسعودية والإمارات والأردن وتركيا؛ وكأنّ ثلاثة من هؤلاء لا يمثلون دولاً تجمعها مع دولة الاحتلال اتفاقيات «سلام» أو تطبيع. أو كأنّ وجود وزير خارجية سعودي، في زيارة إلى الضفة الغربية هي الأولى منذ 1967، ليست فرصة لتأكيد ما يتشدق به رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من تلميحات حول «تغيير الشرق الأوسط»، ودنوّ التطبيع مع الرياض.وإلى جانب تأكيد سيطرة الاحتلال الفعلية على الأرض والأجواء (كان مقرراً للوفد أن يصل في حوّامة)، والتذكير بأنّ «السلام» الإسرائيلي حسب اتفاقيات أوسلو لم يعد جديراً حتى بالحبر الذي كُتب به؛ فإنّ الذريعة الذي استندت إليها سلطات الاحتلال لتبرير المنع لا تضيف سوى الإهانة: أنّ الوفد يمكن أن يشجع سلطة محمود عباس على مزيد من «الترويج لتأسيس دولة فلسطينية»، وكأنّ هذه الدول لا تقرّ أصلاً مبدأ حلّ الدولتين.الهزيع الأخير من ليل اليوم ذاته شهد واقعة ثالثة في إغارة طائرات حربية إسرائيلية على أهداف في منطقة الساحل السوري، شملت اللاذقية وطرطوس وأسفرت عن قتيل وعدد من الجرحى، بذريعة استهداف مخازن أسلحة وصواريخ «تهدد الملاحة الدولية»، وليس دولة الاحتلال وحدها. ولأنّ شهر أيار (مايو) الماضي شهد انخفاضاً ملحوظاً للغارات الإسرائيلية ضدّ العمق السوري، في غمرة تقارير تحدثت عن مفاوضات غير مباشرة سورية ـ إسرائيلية بوساطة تركية وأذربيجانية؛ فإنّ استئناف الاعتداءات في هذا التوقيت بالذات يبعث برسائل إلى دمشق وتركيا أوّلاً، ثمّ إلى واشنطن تالياً لتفخيخ بعض تصريحات المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس بار حول اتفاقية عدم اعتداء بين سوريا ودولة الاحتلال.ثلاث وقائع في يوم واحد، إذن، تشير كل واقعة منها إلى مدى العنجهية متعددة الأبعاد، وحسّ تأثيم أقرب الأصدقاء والمناصرين، والنزعة العدوانية التي يقتات عليها نتنياهو شخصياً ومنها تنطلق أجنداته الشخصية السياسية والقضائية. لكنها، إلى هذا كله وسواه، تفضح المدى الفاشي والعنصري والانعزالي الذي بلغته دولة الاحتلال، سواء في العربدة الصريحة ضدّ الرئيس الفرنسي من زاوية استعادة الحروب الصليبية، أو ضدّ دول فتحت عواصمها لسفارات إسرائيلية، أو حتى ضدّ نهج سياسي ودبلوماسي واقتصادي أخذ يعتمده البيت الأبيض حول سوريا الجديدة.اليوم الواحد هذا يبقى، مع ذلك، تحصيل حاصل منتظَر من هذا الكيان؛ والأرجح أنّ القادم أكثر إفصاحاً وأشدّ فضحاً.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الغد
منذ 3 ساعات
- الغد
ماكرون يكرم باريس سان جيرمان في الإليزيه بعد تتويجه بدوري الأبطال
استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأحد، بعثة نادي باريس سان جيرمان في قصر الإليزيه، احتفالًا بتتويج الفريق بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في تاريخه، بعد فوزه على إنتر ميلانو الإيطالي. وفي كلمته بالمناسبة، عبّر ماكرون عن فخره بالإنجاز الكبير الذي حققه النادي، مثنيًا على العمل المميز للمدرب الإسباني لويس إنريكي، ومشيدًا بروح الفريق وأداء اللاعبين الذين رفعوا اسم العاصمة باريس عاليًا في القارة الأوروبية. اضافة اعلان في المقابل، تطرق الرئيس الفرنسي إلى أحداث العنف التي شابت احتفالات الجماهير، معربًا عن أسفه الشديد لمقتل شخصين خلال تلك الأحداث. وأكد أن "ما حدث في الساعات الأخيرة لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال"، مشيرًا إلى أن "الأمة بأسرها في حالة حداد". وكالات اقرأ أيضاً: إنريكي: لا أحتاج الألقاب لأتذكر ابنتي الراحلة باريس سان جيرمان يكتسح إنتر ميلان بخماسية ويتوج بدوري أبطال أوروبا باريس تعيش على ليلة استثنائية بعد إنجاز سان جيرمان التاريخي


البوابة
منذ 8 ساعات
- البوابة
هاكابي يدعو ماكرون لمنح الفلسطينيين أجزاء من أراضيه
في تصريحات مثيرة للجدل، عبّر السفير الأميركي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، عن رفضه القاطع لدعوة فرنسا لإقامة دولة فلسطينية، وهاجم موقف باريس، مقترحًا "بسخرية" أن تقيم فرنسا هذه الدولة على أراضيها إن كانت مصممة على إنشائها. ووصف هاكابي حديث فرنسا عن الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية بأنه "أمر مقزز"، معتبرًا أن الطرح غير مناسب في ظل الحرب الدائرة في المنطقة، وأضاف أن "السابع من أكتوبر غيّر الكثير"، مشددًا على أن فرض مثل هذا الحل على إسرائيل أمر غير مقبول. وأشار هاكابي إلى أن الولايات المتحدة لن تشارك في المؤتمر الذي ترعاه فرنسا والسعودية في نيويورك لدعم إقامة الدولة الفلسطينية. من جهته، جدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تأكيده التزام فرنسا بحل الدولتين، معتبرًا أن الحصار الإنساني المفروض على غزة "لا يمكن الدفاع عنه"، ملوحًا بإمكانية فرض عقوبات على مستوطنين إسرائيليين إذا لم تتحسن الأوضاع. كما وصف ماكرون إقامة دولة فلسطينية بأنها "ضرورة سياسية وواجب أخلاقي"، داعيًا إسرائيل إلى تغيير موقفها والاستجابة للضغوط الدولية من أجل حل سياسي دائم.


الغد
منذ 19 ساعات
- الغد
أوروبا تغير نبرتها.. وإسرائيل في مرمى المراجعة
اضافة اعلان الجمعة الماضية، وخلال المؤتمر الصحفي المشترك مع رئيس وزراء سنغافورة صرح الرئيس الفرنسي ماكرون بما يلي:"إذا لم يكن هناك ردّ يتناسب مع حجم الكارثة الإنسانية خلال الساعات والأيام المقبلة، فمن الواضح أنه يجب تشديد الموقف الجماعي (الأوروبي)، وتطبيق ما التزمنا به من قواعد، أي وضع حد (لاتفاقية) تتطلب احترام حقوق الإنسان، وهو ما لا يحدث الآن، وتطبيق العقوبات".موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخير لم يصدر من فراغ، بل شكّل تتويجاً لمسار طويل من التململ الأوروبي تجاه سياسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإذا كان ماكرون قد وضع صوته على الطاولة مؤخراً، فإن القرار الأهم والأكثر دلالة كان إعلان كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، عن إطلاق عملية مراجعة رسمية لمدى التزام إسرائيل باتفاقية الشراكة الأوروبية، وهي اتفاقية تربطها معايير واضحة تتعلق باحترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية.هذا الإعلان لم يكن ليحدث لولا تراكمات سابقة وإشارات قوية جاءت من عواصم أوروبية مختلفة، كان أبرزها ربما رسالة رسمية من حكومتي إسبانيا وإيرلندا في فبراير من العام الماضي، طالبت المفوضية الأوروبية بإعادة النظر في التزام إسرائيل بتلك الاتفاقية، لكن الرسالة ظلت دون صدى يُذكر، إلى أن جاءت الرسالة المفصلية واللافتة من وزير الخارجية الهولندي كسبار فيلدكامب، في السادس من مايو، وهو سفير سابق في تل أبيب ويمثل حكومة تعد من أكثر الحلفاء الأوروبيين قرباً من إسرائيل تاريخياً.هنا بالتحديد بدأت ملامح التحوّل، إذ لم يعد ممكناً تجاهل أن المزاج الأوروبي يتغير، حتى في الدول التي طالما وفّرت الغطاء السياسي والأخلاقي لإسرائيل.فالوضع الإنساني في غزة تخطى كل حدود الاحتمال، وباتت مشاهد الموت والدمار والمجاعة اليومية التي تتسرب إلى الرأي العام الأوروبي كافية لكسر صمامات الصمت والتواطؤ، وتشكل امتحانا قاسيا لأوروبا أمام القيم الإنسانية التي تتباهى بها.حتى رئيس التشيك، المعروف بولائه المطلق لإسرائيل، قالها صراحة: "الوضع الإنساني في غزة لا يُطاق". وهذا ليس مجرد تصريح عابر، بل إعلان عن بداية مراجعة في العلاقة مع حكومة اليمين الإسرائيلي، التي تمادت في عدوانها دون حسابات أو روادع.لكن رغم كل تلك المعطيات في زحزحة واضحة في المزاج الأوروبي الرسمي، إلا أن هذه المراجعة، على أهميتها الرمزية، تصطدم بجدار سياسي واقعي: الاتحاد الأوروبي لا يتحرك إلا بإجماع دوله الأعضاء، وهو إجماع يصعب تحقيقه في ظل صعود قوى يمينية متطرفة في أكثر من عاصمة، فمن البرتغال إلى فرنسا، ومن هولندا إلى ألمانيا، يزداد حضور الشعبويين الذين يرفضون مقاربة حقوق الإنسان كمعيار في السياسات الخارجية، ويرون في إسرائيل شريكاً استراتيجياً في قضايا مثل الأمن والهجرة و"حماية الهوية".أما في الخلفية، فثمة تغيرات أعمق في توازنات العالم، فالولايات المتحدة، الحليف التاريخي لإسرائيل، تتصرف اليوم بلا بوصلة واضحة في تحديد من هو الحليف ومن هو العدو، ولا من هو الشريك ومن هو الخصم، هذا التخبط الأميركي ينعكس على حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، الذين وجدوا أنفسهم مراتٍ كثيرة في موقع المتلقي لقرارات لم يكونوا جزءاً من صناعتها.في كل هذا المشهد المتقلب، تظل إيران حاضرة في العقل الأميركي كرقم صعب لكن ضمن دائرة أهداف مصلحية، فواشنطن لا تريد فعلياً كسر إيران، بل احتواءها، وهي تدرك أن طهران، مثل أنقرة، تمثل عنق الزجاجة في الجغرافيا السياسية للمنطقة.ولذلك، لم تعد المسألة مسألة شعارات أو محاور، والذكاء السياسي اليوم يُقاس بقدرة الدول على قراءة اللحظة، والتعامل معها بهدوء واتزان.ومن هنا، تبرز دول في الشرق الأوسط، كنماذج لعقل الدولة الذي لا ينفعل مع الموجة، بل يقرأها ويحللها ويتحرك بمقدار، مدركاً أن إدارة المصالح تتطلب أعصاباً باردة، وأدوات مرنة، لا شعارات مرتفعة ولا مواقف صاخبة.