
روسيا والصين وخط الدفاع الأخير
إيطاليا تلغراف نشر في 13 مايو 2025 الساعة 7 و 39 دقيقة
إيطاليا تلغراف
سامر خير أحمد
كاتب أردني
أكتب من مدينة تشونغتشينغ الصينية في وسط البلاد، وهي العاصمة المؤقّتة للجمهورية إبّان الاحتلال الياباني للصين خلال الحرب العالمية الثانية، فرّت إليها حكومة الحزب الوطني لتحتمي بموقعها الجغرافي الحصين لأنها منطقة جبلية وعرة، استحال على اليابانيين غزوها وإخضاعها. ومن هذه النظرة الأساسية للمدينة، صارت تشونغتشينغ 'خطّ الدفاع الأخير عن الصين' في الخطاب السياسي الصيني المعاصر، وهذه الفكرة تردّد وتستعاد اليوم بمناسبة اشتداد النزاع مع الولايات المتحدة.
ينظر الصينيون إلى هذه المدينة باعتبارها مكاناً آمناً لنقل الصناعات إليه، وعلى هذا حوِّلت المنطقة حاضنةً صناعيةً في السنوات الماضية، بما في ذلك صناعة السيارات الصينية الآخذة بالتوسع والسيطرة على مزيد من الحصص في الأسواق العالمية. هذا بينما تعدّ تشونغتشينغ منذ 1997 إحدى أربع مناطق تخضع مباشرةً لإدارة الحكومة المركزية للبلاد، إلى جانب العاصمة السياسية بكّين والعاصمة الاقتصادية شنغهاي ومنطقة تيانجين المحاذية للعاصمة، ما يعكس أهمّيتها المتزايدة في التخطيط لمستقبل الصين. وفضلاً عن موقعها الجبلي الحصين الذي منحها لقب مدينة الجسور، تقع المدينة عند نهر يانغتسي الذي يمكن أن يصير وسيلةً لنقل البضائع إلى موانئ التصدير في حال الطوارئ.
كانت روسيا لا تفوّت فرصة لإبراز حلمها في بناء تحالف شرقي مع الصين يتصدّى للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، على طريقة الحرب الباردة
وبينما يفكّر الصينيون بالطوارئ هذه الأيّام، وينشغلون بالقلق حيالها، اختتم الرئيس الصيني زيارته إلى روسيا للمشاركة في احتفالات موسكو بالذكرى الثمانين للانتصار في الحرب العالمية الثانية. وهكذا بدت الزيارة جزءاً من تفكير الطوارئ هذا، رغم أنها في الوقت نفسه استمرار للعلاقات الوثيقة بين الجانبين الصيني والروسي خلال السنوات الماضية. فكيف يمكن التوفيق بين ما هو طارئ وما هو عادي في هذه 'الزيارة التاريخية' على حدّ وصف الإعلام الصيني؟
يمكن القول إن الزيارة شرحت تبادل المواقع بين موسكو وبكّين في إطار تقاربهما الذي تكرّس عقب اندلاع الحرب الروسية والأوكرانية عام 2022، واتجاه الإدارة الأميركية السابقة لحصار الصين وفق مخطّط 'الردع المتكامل'، منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض مطلع عام 2021. لقد بات تقارب البلدَين ضرورياً يومها، وهو ضروري اليوم أيضاً، لكن وفق ترتيب مختلف.
ففي السنوات الماضية، وفّرت الصين رئة تنفس للاقتصاد الروسي من خلال ابتياع صادرات الغاز التي أوصدت أوروبا أبوابها في وجهها، ما جعل التبادل التجاري بين البلدَين يرتفع بنسبة هائلة بلغت 68% بين عامي 2021 و2024. لكن بكين كانت يومها تؤكّد أنها لا تسعى لاستعادة سياسة الأحلاف ولغة الحرب الباردة والتكتّلات الدولية، ولا تنشئ مع موسكو كتلةً شرقيةً جديدةً، بينما كانت روسيا لا تفوّت فرصة لإبراز حلمها في بناء تحالف شرقي مع الصين يتصدّى للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، على طريقة الحرب الباردة، ومن أجل بناء توازن دولي يفضي إلى هدم النظام العالمي أحادي القطبية.
اليوم تبدو المعادلة مقلوبةً في شأن التحالف الصيني الروسي. بكين هي التي تريد بناء تحالف استراتيجي مع موسكو، لا مجرّد شراكة استراتيجية قائمة على استغلال حاجة الاقتصاد الروسي إلى الصين، بينما تبدو روسيا أقلّ اهتماماً بذلك. لماذا؟ لأن الصين تواجه هجمةً تجاريةً شرسةً من الولايات المتحدة، تعد بتقلّص أسواقها العالمية، وهي الأداة التي رفعت الاقتصاد الصيني على مدار خمسة عقود، وكان يفترض أن تظلّ أداته الرئيسة حتى منتصف القرن. وهنا، يقدّم التحالف مع روسيا حلّاً بديلاً طارئاً للاقتصاد الصيني الباحث عن أسواق عالمية بديلة، ستكون السوق الروسية واحدة منها بالطبع، وتكاملاً عسكرياً يستعدّ لأيّ طارئ غير متوقّع. أمّا روسيا فثمة مجموعة من الاعتبارات تدفعها اليوم للتلكّؤ أمام الرغبة الصينية، أولها الخشية من إغراق أسواقها بالبضائع الصينية التي ستحلّ بالضرورة محلّ المنتجات الروسية، بما فيها في سوق السيارات، وثانيها عدم الرغبة باستعداء إدارة ترامب كما لم تكن بكين راغبة باستعداء إدارة بايدن من قبل إلى حدّ تفجّر صراع عسكري.
وعلى هذا يرجّح أن تستمرّ العلاقة الروسية الصينية في إطار تبادل المصالح التجارية، والتنسيق السياسي في الشؤون الدولية، من غير استعادة لغة المحاور وسياسة الحرب الباردة. وهكذا تعود البدائل الصينية الأكثر نجاعة إلى الداخل، وتكون بكين ملزمةً بإيجاد حلول بمفردها لهذه المواجهة مع واشنطن، أهمها الاعتماد على السوق الداخلية والاستهلاك المحلّي للتغلّب على عقبات التصدير إلى الأسواق العالمية، والبحث عن شراكات تجارية جديدة مع دول العالم من غير جرّها إلى مربّع التحالف الاستراتيجي في مواجهة الولايات المتحدة، ثمّ مواصلة التخطيط بشأن 'خط ّالدفاع الأخير' في تشونغتشينغ، وفي غيرها من وسائل وأدوات محلّية، لا اعتماد فيها على غير قدرات الصين الداخلية.
يرجّح استمرار العلاقة الروسية الصينية في إطار تبادل المصالح والتنسيق السياسي من غير استعادة لغة المحاور وسياسة الحرب الباردة
في كلّ الأحوال، يبدو أن بكين كانت تعدّ العدّة لكلّ الاحتمالات منذ أن ارتقت في النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة وباتت قوة دولية صاعدة. أمّا أفكار الطوارئ فهي من باب الإضافات التي ستكون مفيدةً في حال توفّرها، وسيكون ممكناً الاستغناء عنها في حال تمنّعها. تحسّبت الصين للاحتمالات التجارية الجارية الآن، وتحسّبت لاندلاع مواجهة عسكرية كُبرى، وتحسّبت لجرّها نحو معركة في شأن جزيرة تايوان. هذا بالضبط ما يفسّر هدوء الصين إزاء سياسة ترامب الحالية، فضلاً عن مراهنتها على إمكانية التفاوض والتفاهم وعقد الصفقات مع هذه الإدارة على نحو أفضل كثيراً ممّا كان متاحاً مع إدارة بايدن. في هذه الأثناء ما تزال بكين تضع أفكار الطوارئ على الطاولة، فتتطلع لصياغة علاقات دولية جديدة تسندها في المواجهة مع واشنطن، وصياغة خطط وطنية تفصيلية، حتى لو اضطرت للاحتماء بجبال تشونغتشينغ الوعرة.
السابق
خطة تركيا البديلة لو تراجع أوجلان عن قرار إلقاء السلاح
التالي
ما هو مشروع 'مارشال السوري' الذي طلبه الشرع من ترامب؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبر للأنباء
منذ يوم واحد
- خبر للأنباء
واشنطن: سنفرض عقوبات على السودان بسبب استخدام "أسلحة كيميائية"
وأوضحت الوزارة الأميركية في بيان، أن "الولايات المتحدة توصلت في 24 أبريل الماضي، إلى أن السودان خرق قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والقضاء على استخدامها في الحروب لعام 1991". وجاء القرار ضمن تقرير سلّمه البيت الأبيض إلى الكونجرس الأميركي، يتضمّن أيضاً ملحقاً لتقرير سابق صدر في 15 أبريل حول مدى التزام الدول باتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وخلص إلى أن "السودان لم يلتزم بالاتفاقية، رغم كونه طرفاً فيها"، وفق البيان. ومن المقرر أن تدخل العقوبات الأميركية حيّز التنفيذ بعد مرور فترة إخطار للكونجرس مدتها 15 يوماً، على أن تُنشر رسمياً في السجل الفيدرالي في أوائل يونيو. وتشمل العقوبات قيوداً على الصادرات الأميركية إلى السودان، ومنع وصوله إلى خطوط الائتمان الحكومية الأميركية. ودعت واشنطن حكومة السودان إلى "التوقف الفوري عن استخدام الأسلحة الكيميائية والوفاء بالتزاماتها الدولية"، مؤكدة أنها ستواصل محاسبة كل من يساهم في انتشار هذه الأسلحة المحظورة، وفق زعمها. من جهتها، استنكرت الحكومة السودانية القرار الأمريكي واعتبرته شكلا من أشكال الابتزاز السياسي. وقالت إن قرار واشنطن فرض عقوبات جديدة هو تكرار لأخطاء سابقة في تعامل الإدارات الأميركية مع قضايا البلاد. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في يناير نقلاً عن 4 مسؤولين أميركيين كبار أن الجيش السوداني استخدم أسلحة كيماوية مرتين على الأقل خلال الصراع. عقوبات على البرهان وحميدتي وفي يناير الماضي، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، فرض عقوبات على طرفي النزاع في السودان، رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد "قوات الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي". وجاء في بيان وزارة الخزانة الأميركية خلال فرض العقوبات على البرهان، أن "تكتيكات الحرب التي ينتهجها الجيش السوداني تحت قيادة البرهان، شملت القصف العشوائي للبنية التحتية المدنية، والهجمات على المدارس والأسواق والمستشفيات، والإعدامات خارج نطاق القانون، وحرمان المدنيين من المساعدات". وذكر البيان أنه "تم إدراج البرهان بموجب الأمر التنفيذي، كقائد كيان أو عضو في القوات المسلحة السودانية، وهي جهة أو أعضاؤها، شاركوا في أعمال أو سياسات تهدد السلم أو الأمن أو الاستقرار في السودان". وفي الشهر ذاته، أعلنت الولايات المتحدة، فرْض عقوبات على قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو وشخص آخر، إضافة إلى 7 شركات تابعة لهم، متهمة إياهم بارتكاب ما وصفته بـ"إبادة جماعية في السودان". وقالت الخارجية الأميركية في بيان حينها، إن قوات "الدعم السريع" والفصائل المتحالفة معها "استمرت في مهاجمة المدنيين، وقتْل رجال وصبية على أساس عرقي، واستهداف نساء وفتيات من جماعات عرقية بعينها عمداً لاغتصابهن وممارسة أشكال أخرى من العنف الجنسي".


خبر للأنباء
منذ يوم واحد
- خبر للأنباء
بعد زيلينسكي.. رئيس جنوب أفريقيا ضحية جديدة لـ"مسرحيات" ترامب الدبلوماسية
جاء هذا المشهد المُعد مسبقاً من البيت الأبيض لتحقيق أقصى تأثير إعلامي، في إحياء لسابقة مماثلة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فبراير الماضي، حيث واجه ترامب رامافوسا باتهامات كاذبة بـ"إبادة جماعية" ضد البيض في جنوب أفريقيا، مزعوماً حدوث مجازر ومصادرات للأراضي. يكشف الحادث عن استعداد ترامب لتحويل المكتب البيضاوي - المقام الرسمي المخصص عادة لاستقبال الضيوف الأجانب بكل تكريم - إلى منصة لإذلال قادة الدول الأقل نفوذاً أو ممارسة الضغوط عليهم بشأن قضاياه الشخصية. قد يؤدي هذا النهج غير المسبوق إلى تردد القادة الأجانب في قبول دعوات ترامب، خشية التعرض للإهانة العلنية، ما قد يعيق بناء تحالفات مع حلفاء تتنافس واشنطن مع الصين على كسبهم. وصف باتريك جاسبار، السفير الأمريكي السابق لدى جنوب أفريقيا في عهد أوباما، اللقاء بأنه "مشهد مخزٍ" حيث "تعرض رامافوسا لهجوم بواسطة مقاطع مصورة مزيفة وخطاب تحريضي". وأضاف جاسبار، الباحث حالياً في مركز "أمريكان بروغرس": "التعامل مع ترامب بشروطه ينتهي دوماً بشكل سيء للجميع". كان من المفترض أن يمثل اللقاء فرصة لإصلاح العلاقات المتوترة بين البلدين، خاصة بعد فرض ترامب رسوماً جمركية، وتهدئة الجدل حول مزاعمه غير المدعومة بـ"إبادة البيض" وعرضه إعادة توطين جماعة الأفريكان البيض. وبعد بداية ودية، أمر ترامب - نجم تلفزيون الواقع السابق - بتعتيم الأضواء لعرض مقاطع فيديو ومقالات زعم أنها تثبت اضطهاد البيض، في مشهد مسرحي مبالغ فيه. حافظ رامافوسا على هدوئه رغم استفزازه الواضح، محدثاً توازناً دبلوماسياً بين تفنيد الادعاءات وتجنب المواجهة المباشرة مع الرئيس الأمريكي المعروف بحساسيته المفرطة. ومازح رامافوسا قائلاً: "آسف لعدم امتلاكي طائرة لأهديك إياها"، في إشارة إلى عرض قطر تزويد ترامب بطائرة فاخرة بديلة لـ"إير فورس وان". وأكد متحدثه الرسمي أن الرئيس "تعرض لاستفزاز واضح لكنه تجنب الوقوع في الفخ". يأتي هذا الحادث بعد أشهر فقط من مشادة علنية بين ترامب والرئيس الأوكراني زيلينسكي، حيث اتهمه الأخير بعدم الامتنان للمساعدات الأمريكية، مما أثار قلق حلف الناتو. ورغم أن جنوب أفريقيا ليست في قلب صراع جيوسياسي، إلا أنها تمثل قوة اقتصادية أفريقية رئيسية، حيث تحتل الصين المرتبة الأولى بين شركائها التجاريين، تليها الولايات المتحدة. يذكر أن جنوب أفريقيا، التي أنهت نظام الفصل العنصري عام 1994، ترفض بشدة مزاعم ترامب، فيما يُعتبر خطابه موجهًا بشكل واضح لقاعدته الانتخابية من اليمين المتطرف. منذ عودته للسلطة، ألغى ترامب مساعدات لدول أفريقية وطرد دبلوماسيين، بينما يواصل تقييد قبول اللاجئين من معظم أنحاء العالم. يُذكر أن قانون إصلاح الأراضي في جنوب أفريقيا - الذي يهدف لتصحيح مظالم الماضي - يسمح بالمصادرة دون تعويض في حالات المصلحة العامة، مع ضمانات قضائية كاملة. علق محلل الشؤون الدولية تيم مارشال: "من كان يشك في أن حادثة زيلينسكي كانت مدبرة، فليتأكد الآن أن الأمر يتكرر بنفس السيناريو".


خبر للأنباء
منذ يوم واحد
- خبر للأنباء
البيت الأبيض: الاتفاق مع إيران يمكن أن ينتهي بطريقة إيجابية ودبلوماسية أو بوضع سيئ لإيران
البيت الأبيض: الاتفاق مع إيران يمكن أن ينتهي بطريقة إيجابية ودبلوماسية أو بوضع سيئ لإيران قبل 17 دقيقة