
ريتا حايك: «خطفوا فينوس مني»... وجاك مارون يواصل العرض
منذ عُرضت المسرحية للمرة الأولى، كانت ريتا حايك أشبه بمَن سكنتها «فينوس» والتهمتها حدّ التماهي. جسدياً ونفسياً، ذهبت فيها وعَبْرها، وها هي اليوم تجد نفسها خارج المشهد كما تُقصَى أمٌّ عن طفلها. قالت لـ«الشرق الأوسط»: «ليست مسألة انسحاب أو بديل. هذه أبعد من مسرحية، المسألة أشبه بمَن يُسلَب طفله من بين يديه». كانت تعيش «فينوس» كما تعيش الأمومة: بنبض حيّ، بانتظار، وبحُلم دائم في عينيها. هي أمٌّ لطفل في السادسة، لكنّها أيضاً أمٌّ لدورٍ وُلد قبل 10 سنوات، ونما معها حتى أوصله نضجها إلى ذروته.
A post shared by Rita Hayek (@ritahayek)
ريتا، التي طرحت إمكان أداء الدور بُعيد مُشاهدتها فيلم «فينوس ذات الفراء» لرومان بولانسكي، بادرت إلى تبنّي الشخصية، وسعت بكلّ حواسها إلى تجسيدها على الخشبة. يومها، اجتمع الثلاثي بدعوة منها: ريتا، والمخرج جاك مارون، والممثل بديع أبو شقرا، في مشروع مسرحيّ مُشترك، بُني على الثقة والصداقة والولع بالفنّ. شعرت حايك كأنها تضع طفلاً لطالما راودها، لا دوراً يُؤدَّى ثم يُنسى. ولمّا عادت إلى الدور بعد 10 سنوات، كان ذلك بمذاق مختلف. عودةٌ هي إعادة ولادة وليست مجرّد استذكار. «كيف تتنازل أمٌّ عن حلم جسَّدته، عن أثر رافقها، عن ولادة ثانية كانت أكثر عمقاً ونضجاً؟»، تسأل.
وهي لم تؤدِّ شخصية «فاندا» على المسرح فحسب، وإنما نزعت عنها أقنعتها واحداً تلو الآخر، كأنها تُنقّب عن امرأة دفينة تُقيم داخلها. في مسرحية «فينوس»، عَبَرت برحلة نحو الذات؛ حيث طبقات النفس المُستترة. لم تكتفِ بتجسيد الأنثى المتمرّدة أو الذكية أو الغامضة، وإنما جعلت منها مرآة لتكثيف التناقض الإنساني بين السلطة والخضوع، بين الرغبة والتحرّر، بين الأدوار التي نلعبها، والتي تهزمنا في النهاية.
استبدال وصفته ريتا حايك بالصادم (صفحة جاك مارون)
بحضورها، تحوَّل المسرح حقلاً من الرموز والطبقات؛ حيث تتشابك الوجوه وتتقاطع الأدوار، ويغدو الجسد أداة تفكيك وإعادة تشكيل. لم تكن غوايتها استعراضاً؛ كانت وعياً مُتقناً بالقوة الكامنة في الأنوثة حين تُستعاد على شكل صوت يصل. ومن خلال أدائها، وُلدت «فينوس» مجدّداً، بكونها صرخة تُعرّي الإنسان من زيفه، وتدفعه إلى مواجهة نفسه في لحظة مسرحية نادرة تتخطَّى النصّ إلى الحضور الحيّ.
لكنّ الأمور لم تسِر كما تمنَّت. تعترف بأنها دخلت المشروع من دون اتفاق خطّي، بدافع الصداقة، لكنها ما لبثت أن شعرت بـ«خلل في الشفافية».
تروي أنّ الاتفاق كان على تقاسُم الأرباح بينها وبين مارون وأبو شقرا، بالتساوي، لكنها اكتشفت، وفق قولها، تلاعُباً بالأرقام، وإقصاءً غير مباشر عن حقوقها الفنّية والمادية، لتُدرك متأخرة أنها كانت تتعرَّض للاستغلال، كما تقول.
كانت هي مَن بادرت إلى اقتراح إعادة عرض المسرحية. خاطبت بديع أولاً، ثم عاد جاك من فرنسا لتبدأ البروفات والعروض، ولم تفكّر، كما تقول، بالمال، لأنَّ الشغف غلب كلّ حساب. لكنّ «اتّساع الشكّ والخذلان» قادها إلى اكتشاف اتفاق بين مارون والمنتج طارق سيكياس لجولة خارجية، قبل توقيعها على ما يضمن حقوقها. شعرت كأنَّ اسمها يُستخدم بلا إذنها، والمسرحية تُسحب من تحت قدميها. حُدِّدت الجولة في سبتمبر (أيلول) المقبل، والقطيعة بينهما حلَّت قبل حسم مشاركتها: «يُروَّج أنني انسحبتُ من الجولة، لكنّ توقيعه عليها حصل قبل اتفاقنا معاً. ولمّا خرج الإعلان الترويجي، بدا أنَّ كلّ شيء كان مُحضَّراً كما لو أنني أُستَبعَد عن قصد. خطفوا (فينوس) مني، ويريدون الإيحاء بأنني مَن تخلَّى عنها».
ومنذ مايو (أيار) الماضي، تراكم الخلاف في صمت. لم تشأ أن تفضحه، لكنها حين رأت إعلاناً جديداً للمسرحية تظهر فيه ممثلة أخرى، هي رلى بقسماتي، لم تتمالك نفسها. أطلَّت في فيديو قالت فيه إنّ «النسخة اللبنانية الأصلية من فينوس انتهت معها»، مشيرة إلى استخدام اسمها لترويج التذاكر، ومعلنة نيتها اللجوء إلى القضاء. تُنهي: «فينوس لم تكن دوراً. أنْ تفقدها، معناه أن يُنتزَع شيء من روحك».
A post shared by Rita Hayek (@ritahayek)
جاك مارون: المسرح لا ينتظر أحداً
من جهته، يقول المخرج جاك مارون لـ«الشرق الأوسط»، إنه يكنُّ التقدير لريتا حايك، ولجميع مَن عمل معه. لكنه يردّ: «ريتا قرَّرت الانسحاب قبل موعد الجولة. المسرح التزام مقدّس، وعلينا الاستمرار حتى إن لم نُوقّع عقوداً مكتوبة».
ويضيف: «الكلمة كانت تكفي دائماً. لقد رفعت ريتا حايك سقف توقّعاتها فجأة. لا أنكر فضلها، لكنَّ المسرح جهد جماعي».
وعن اتهامها بسلبه حقوقها، يوضح: «لم أسرق مالاً. أما الحقوق الفنّية، فأنا المخرج والمنتج، وصاحب المشروع الذي يحقّ له الاستمرار فيه. كنت أتمنّى أن نتحاور كأننا عائلة، لكنها أغلقت الباب تماماً».
يُقارن مارون الأمر بما جرى بين أعضاء فريق «البيتلز»: «الخلافات تحصل، لكنّ الغناء يستمرّ. هذه طبيعة الفنّ». ويقول إنه لم يُجبر أحداً على مشاركته في الجولة المُقرَّرة بين دبي وكندا، وإنما رافقه مَن اختار الاستمرار.
ورغم إقراره بموهبة ريتا حايك، يُذكّر بأنه هو أيضاً «أنجب» المسرحية، ليس بإنتاجها فحسب، وإنما باحتضانها منذ لحظتها الأولى.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 24 دقائق
- الشرق السعودية
فنانة تشكيلية دنماركية تتهم مها الصغير بسرقة عملها الفني
أثارت الفنانة التشكيلية الدنماركية ليزا لاخن نيلسن جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن اتهمت الإعلامية ومصممة الأزياء المصرية مها الصغير، طليقة الفنان أحمد السقا، بـ"سرقة ملكية فكرية" لأحد أعمالها الفنية، وعرضه في برنامج "معكم منى الشاذلي" على قناة ON المصرية، دون أي إشارة إلى الفنانة الأصلية أو طلب إذن منها. وفي منشورين متتاليين على حسابها الرسمي في "إنستجرام"، أعربت لاخن نيلسن عن صدمتها من ظهور لوحتها Made Myself Some Wings (صنعتُ لنفسي أجنحة)، التي رسمتها عام 2019، على الشاشة المصرية، ضمن مجموعة من الأعمال الفنية نُسبت لمها الصغير، والتي ظهرت على أنها صاحبة هذه الأعمال. وكتبت نيلسن: "من الرائع رؤية عملك يُعرض على الشاشة في بلد كبير مثل مصر، لكن من المؤسف أن يتم ذلك دون ذكر اسمك، بل والأسوأ أن تدّعي شخصية عامة أنها صاحبة العمل". وأضافت أن مها الصغير لم تكتفِ بعرض العمل، بل نسبت اللوحة إلى نفسها، مما يُعد – بحسب تعبيرها – "انتهاكاً صريحاً للقانون المصري والدولي واتفاقية برن لحماية حقوق المؤلف"، مؤكدة أنها حاولت التواصل مع فريق البرنامج دون جدوى. وأشارت الفنانة إلى أن اللوحة سبق أن استخدمت كرمز للنضال من أجل الحرية في عدة منشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأنها منحت سابقاً إذناً رسمياً لاستخدام الصورة في غلاف كتاب شعر للشاعرة "بوبي سبارو"، مضيفة: "من غير المقبول استخدام أعمال فنية في الترويج أو تحقيق مكاسب دون الإشارة للمصدر أو دفع حقوق الاستخدام". وفي منشور لاحق، عبّرت نيلسن عن امتنانها لرسائل الدعم التي تلقتها من متابعين مصريين، وقالت: "تلقيت آلاف الرسائل التي يعتذر فيها المصريون نيابة عن بلدهم، وهذا شيء إنساني نبيل. لم أكن أعتقد أن سلوك مها الصغير يمثل المصريين". من جهتها، نشرت الإعلامية منى الشاذلي اعتذاراً علنياً على صفحتها الرسمية على "فيسبوك" و"إنستجرام"، وقالت إنها لم تكن على علم بأن العمل المعروض ليس من تنفيذ مها الصغير، ودعت نيلسن إلى فتح باب التواصل مع الفنانين الآخرين المتضررين من الواقعة. وبحسب ما ذكرته الفنانة، فإن الفيديوهات التي تضمنت المشهد قد أُزيلت لاحقاً من منصات التواصل ويوتيوب بعد الضجة التي أثيرت. ولم يصدر حتى الآن أي تعليق من مها الصغير بشأن هذه الاتهامات، بينما أشار بعض متابعي مها على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن ما حدث ربما كان نتيجة "سوء فهم" أو "خطأ غير مقصود".


الشرق السعودية
منذ ساعة واحدة
- الشرق السعودية
"أحمد وأحمد".. عندما يولد الفيلم من عنوانه
يكسر فيلم "أحمد وأحمد" العرف الذي ساد لسنوات طويلة بأهمية نزول الأفلام "الكبيرة" إلى دور العرض في موسمي العيد، الفطر والأضحى، على اعتبار أن الجمهور لا يذهب إلى السينما بكثافة سوى في الأعياد. "أحمد وأحمد" انتظر حتى ينتهي موسم عيد الأضحى الماضي الذي شهد تنافساً بين فيلمين فقط هما "المشروع ×" و"ريستارت"، ولم يكتف بذلك، بل نزل وسط "معمعة" امتحانات الثانوية العامة التي تتوقف معها مظاهر الحياة في كثير من البيوت، وتؤجل معها نشاطات الذهاب إلى المصايف أو دور العرض السينمائي أومثلها من النشاطات الترفيهية. جماهيري بامتياز مع ذلك، ورغم نزوله في وقت يعتبره خبراء التوزيع "ميتاً"، فإن "أحمد وأحمد" يحقق إقبالاً ملحوظاً وإيرادات جيدة، من المتوقع أن تستمر مع الدعاية الشفهية واهتمام "السوشيال ميديا"ونهاية موسم الامتحانات. بعيداً عن قوانين وأعراف السوق، فقد أثبتت بعض التجارب خلال الأعوام القليلة الماضية أن الفيلم "الجيد"، أي الجماهيري، ينجح في أي وقت. وفيلم "أحمد وأحمد" يحمل الكثير من مواصفات الفيلم الجماهيري الجيد: نجوم جذابين+ أكشن= تشويق ومعارك ومطاردات+ كوميديا صاخبة من النوع الذي يثير القهقهات والتعليقات الساخرة في القاعات. أول عناصر الجذب التي يلعب عليها الفيلم هي اسم بطليه: أحمد (السقا) وأحمد (فهمي)، ولكل منهما جمهوره ومحبيه، الأول اشتهر في الأكشن، والثاني في الكوميديا. ولكن بجانب الاثنين يعتمد الفيلم أيضاً على عدد كبير من النجوم، على رأسهم جيهان الشماشرجي التي تشارك الأحمدين البطولة، ثم ضيوف شرف كثيرين يحفل بهم الفيلم، منهم طارق لطفي وغادة عبد الرازق وسامي مغاوري وحاتم صلاح وعلي صبحي وأحمد الرافعي ورشدي الشامي و"أوس أوس"، وأيضاً الممثل السعودي إبراهيم الحجاج، الذي هو نفسه نجم شباك شعبي شهير. معارك بالملايين وجود كل هؤلاء في "أحمد وأحمد" يرتبط بعنصر الجذب الثاني في الفيلم، وهو الإنتاج الضخم، الذي يظهر في تفاصيل الفيلم سواء الأماكن أو المعارك والمطاردات، التي أخليت من أجلها ساحات وميادين وحطمت فيها سيارات وإكسسوارات بملايين، بل تضمن الإنتاج السخي أيضاً أغنية مصنوعة خصيصاً للفيلم من غناء هيفاء وهبي وبوسي بعنوان "أحبك يا أحمد" (سوف أعود إليها لاحقاً). يضاف إلى ذلك الاستعانة بالمخرج أحمد نادر جلال، الذي اشتهر ببراعته في "الأكشن"، ووجود سيناريو يحمل الحد الأدنى من القصة والحوار والحبكة الدرامية الجيدين، كتبته ورشة عمل تحت إشراف أحمد درويش وأحمد عبد الوهاب. وإذا كنت قد بدأت في ملاحظة أن الأسماء السابقة كلها "أحمد"، فإليك المزيد: الفيلم من انتاج أحمد بدوي ومونتاج أحمد حمدي وميكساج أحمد أبو السعد.. بجانب عدد آخر من "الأحمدات" على "التترات"! سر الاسم على أي حال يصعب الحديث عن الفيلم دون أن نتطرق لاسمه، فهذا، على حد علمي، أول فيلم يولد وينتج وتصنع دعايته بناءً على عنوانه! حسب عدد من الحوارات الصحفية المتداولة فقد نشأت فكرة الفيلم في ذهن السقا منذ 2014، عندما اتصل بصديقه فهمي ودعاه إلى زيارته ليقترح عليه أن يشاركا في بطولة فيلم عنوانه "أحمد وأحمد"، لم يكن هناك بعد سيناريو أو قصة.. فقط فكرة الاسم والبطلين!! ربما يبدو الأمر مجرد مزحة طريفة، ولكن حالفها التوفيق لأن "أحمد" ليس مجرد اسم علم في الثقافة المصرية. هو أحد أسماء النبي الكريم الشهيرة والمحببة لدى المصريين مثل محمد ومصطفى وطه وياسين، وربما يكون قد نال اعجابا زائدا منهم لشبهه باسم أحمس العريق. "أحمد" هو من أكثر الأسماء لطفاً، والتباساً أيضاً، بسبب طبيعة مخارجه اللفظية، حيث يحمل حرف الحاء الحلقي مع مد الألف مرتين قبل الحاء وبعد الميم (حسب النطق المصري الشعبي خاصة لدى النساء.. كما نجد في أغنية دعاية الفيلم، وكل من هيفاء وبوسي تنطقانه بدلال وغنج، أو كما ينطق في الفيلم الشهير "أغلى من حياتي"، 1956، ومشهد النداء الشهير بين أحمد ومنى، وغيرهما. يضاف إلى ذلك شبه الاسم بمفردات شعبية أخرى أكثر ايحاءً، يستخدمها الفيلم كلها لانتزاع أكبر قدر من الدلالات الشعبية الطريفة المرتبطة بالاسم. بين الأكشن والكوميديا يعتمد الفيلم، إذن، وبالأساس، على اسم بطليه وطبيعة نجوميتهما، وعلى المزج بين الأكشن والكوميديا، وبالفعل هذا واحد من أفضل نوعية "الأكشن الكوميدي"، حيث يصعب التفريق بين الإثنين، وحيث يبدو كل من الأكشن والكوميديا تلقائيين ونابعين من موضوع الفيلم نفسه، ولا يبدو أي منهما مقحم على الآخر، باستثناء مشهد القتال فوق السقالات المنفذ بحرفية جيدة، لا يضعف منه سوى "التهريج" الكوميدي المفتعل وغير المقنع داخل غرفة معيشة الخطيبة ووالدها وابن عمها، حيث تدور المعركة على مرأى من الجميع، ويقوم أحمد ابن الأخت وخطيبته بالتعليق عليها كأنهما يشاهدان مبارة كرة قدم، بينما الأب وابن العم غافلان تماماً! لكن بشكل عام الأكشن والكوميديا متوافقان في الفيلم، والإيقاع سريع خفيف، مسل، والممثلون في أفضل حالاتهم، خاصة السقا الذي يبدو مقنعاً في كل من الأكشن، بالطبع، والكوميديا، وهذه مفاجأة لأنه عادة يبدو مثل السمكة عندما يخرج من مياه الأكشن. ربما يكون أحمد فهمي أقل حظاً، ذلك أن دوره يعتمد بالأساس على رد الفعل مما يراه من أشياء غير معقولة، يدور الفيلم باختصار، حول معلم تاريخ بسيط الحال بإحدى المدارس الحكومية العادية لديه ابن أخت يعتبره كابنه يعمل مهندساً مدنياً في السعودية، وتتزامن عودة ابن الأخت مع تعرض المعلم لحادث سيارة عجيب بعد هروبه من عصابة تطارده لأسباب لا نعلمها. يفقد المعلم جزءاً من ذاكرته، ما يكشف عن جانب خفي آخر في حياته، يتبين أنه محتال ورجل عصابات عريق في الإجرام يطارده نصف مجرمين البلد! أبرز ما يلفت في الفيلم هو التنفيذ الجيد لمشاهد الأكشن، تبدو هذه المشاهد وكأنها "سبب وجود" raison d'être الفيلم، كل المشاهد الأخرى عبارة عن تمهيد أو إعداد لها، وهي مشاهد يستمتع صناع الفيلم بوجودها، ولا يدخرون وسعاً إنتاجياً أو بدنياً لتنفيذها، يستغرقون فيها وقتهم، غير متعجلين، وكأن أمنيتهم أن تطول هذه المشاهد وتطول إلى الأبد. ولكن حتى مشاهد الأكشن مهما كانت جيدة ومثيرة تحتاج إلى مشاهد أخرى أبطأ وأقل إثارة، مثل الموسيقى السريعة الراقصة، التي تحتاج إلى فقرات أبطأ إيقاعاً ولحظات من الصمت أحياناً. ينقصه التمهيد يبدأ الفيلم بمشهد مطاردة مبكر ومتعجل أكثر من اللازم، ربما لجذب انتباه الجمهور على الفور، ولكن كان الأمر يحتاج إلى مزيد من الدقائق لنفهم الخلفية ونستعد للدخول إلى المفاجآت والدراما. هذا المشهد المبكر، دون تقديم كافٍ للشخصيات الرئيسية (أحمد الخال وأحمد ابن الأخت وخطيبته ضحى) يجعل المشاهد فاقداً للبوصلة لوقت طويل، حيث تتوالى المعارك بلا توقف دون أن نفهم أين يقف كل من الشخصيات الثلاث، لإننا لم نتعرف عليهم بعد. يبدأ الفيلم بمشهد ساخر للمعلم الضعيف في المدرسة على طريقة فيلم "الناظر" أو "رمضان مبروك أبو العلمين حمودة"، ثم يقوم بزيارة الشهر العقاري لتبدأ المطاردات يعقبها الحادث.. ثم نرى ابن الأخت في السعودية، وصولاً إلى عودته للقاهرة ليذهب للتقدم لخطية حبيبته. إنه مقيم في السعودية منذ زمن.. ويعود بالمصادفة في نفس يوم الحادث الذي يتعرض له خاله.. وكان من الممكن التمهيد لذلك بمكالمتين هاتفيتين مع خاله وحبيبته يحدثهما عن عودته، ونفهم من خلالها "العالم العادي" الذي يعيشون فيه، قبل أن تبدأ المغامرة في "العالم غير العادي" الذي يُجبرون على الدخول إليه. وإذا كان من الممكن تخيل طبيعة العلاقة بين الخال وابن الأخت، فإن الشخصية التي كانت تحتاج إلى تمهيد أكبر هي الخطيبة ضحى، التي تؤديها جيهان الشماشرجي. جيهان ممثلة موهوبة وفاتنة دون مجهود زائد أو افتعال.. تمثل بتلقائية ولا تشغل بالها بكونها جميلة أو ممثلة قوية.. ربما تحتاج فقط إلى بذل بعض الجهد لاكساب الشخصيات التي تؤديها مزيداً من التفاصيل ومعرفة الفروق الدقيقة في الأداء بين الكوميدي والجاد. ذلك أنها تظهر أحياناً وكأنها ضيفة في الفيلم، ربما لأن الأحمدين يحتلان المساحة كلها، وربما لأن شخصيتها كانت تحتاج إلى مزيد من الجهد في الكتابة، على الأقل حتى نقتنع أن فتاة جميلة مدللة من عائلة ثرية لديها هذا الاستعداد وهذه الرغبة الجاهزة للدخول في عالم المجرمين والمعارك والرصاص والأجساد الممزقة والمطاردات القاتلة.. مجرد تمهيد بسيط كان يمكن أن يؤدي الغرض! حضور لافت بجانب الأحمدين وجيهان، فإن ضيوف الشرف يضفون لمعاناً وحضوراً محبباً على الفيلم، ربما باستثناء غادة عبد الرازق التي لا تجيد الأداء الكوميدي، وتمثل بانفعال وماكياج زائد عن الحد كالعادة. والأمر نفسه ينطبق على رشدي الشامي، الذي يحاول أن يكون كوميديا دون جدوى، وعلى العكس نجد طارق لطفي، علي ربيع، أحمد الرافعي، سامي مغاوري، وأحمد عبد الوهاب، بالمناسبة عبد الوهاب ممثل موهوب له حضور آسر، ويجيد الجاد والكوميدي، ولكن المشهد الذي يظهر فيه في الفيلم ضعيف على مستوى الكتابة (علماً بأنه شريك في كتابة السيناريو!)، ذلك أن المشهد يعتمد فقط على اللعب على كلمة "مستشار"، التي تشير عادة إلى منصب قضائي رفيع، وتستخدم للإشارة إلى مهن أخرى مثل "مستشار علاقات زوجية"، وهو "إيفيه" كوميدي مكرر ومستهلك سواء في السينما أو المسرح أو النكات الشعبية المصرية. تعتمد الكوميديا في الفيلم على الايحاءات الجنسية بشكل رئيسي، سواء كان الضحك على سلوك الراحلة أخت أحمد الخال وأم أحمد ابن الأخت، أو اليد المقطوعة أو حتى اسم "أحمد" الذي يبدأ بمقطع يستخدم في الشارع المصري للاعتراض القبيح، لا أقول ذلك من باب الاعتراض، فالنكات الجنسية هي إحدى المكونات الأساسية للكوميديا، والطريف، أنها على مغالاتها أحياناً، تبدو هنا نابعة من المواقف الدرامية وليست مقحمة. * ناقد فني


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
«انطباعات»... أحلام نساء تطفو على سطح المياه
يشعر زائر معرض «انطباعات» في غاليري «آرت ديستريكت» في الجميزة، بالحيرة من أمره، إذ يتساءل عمّا إذا كانت اللوحات المعروضة للفنانة لارا زنكول نُفِّذت بالريشة أو بعدسة كاميرا. يقترب منها أكثر فأكثر ليكتشف أنها صور فوتوغرافية مستوحاة من عصر النهضة، فشخصياتها من النساء تسبح في المياه، وفساتينها تلتفّ حول أجسادها لتؤلف لوحات كلاسيكية. في الوقت عينه، تشعر كأن ريشة «دافنشي» أو «مايكل أنغلو» أو «بوتيتشيلي» لامستها. زنكول أرادت أن تعطي للفن الفوتوغرافي أبعاداً جديدة، فجمعت بين الصورة والريشة بعدسة ذكية. هي صاحبة خبرة طويلة في تصوير عارضات الأزياء، ونجحت في تقديم المرأة في قالب فوتوغرافي، ودمجته برؤية مستقبلية لعدسة متطورة، فولّدت بذلك أحلاماً نسائية تطفو على سطح المياه. تقول زنكول لـ«الشرق الأوسط»: «اعتمدت تقنية التصوير في المياه من وراء واجهة حوض زجاجي (أكواريوم)، وطلبت من الفتيات أن يسبحن فيه على سجيتهن. فهن خبيرات في تصميم الرقص، ويدركن معنى لغة الجسد. ومع مجموعة أزياء انتقيتها لهن، تركت للأقمشة وألوانها أن تسهم في رسم موضوع كل صورة». نَفّذت لارا زنكول لوحاتها الفوتوغرافية بطريقتين: في الأولى صوّرت النساء في المياه من خلف زجاج «الأكواريوم»، وفي الثانية اعتمدت المشهدية المصوّرة من فوق، ولعبت حركة المياه دوراً رئيساً في عملية التنفيذ. فغياب الجاذبية تحت المياه يسهم في إعطاء حركة الجسم أبعاداً أخرى، فكانت بمثابة عنصر فني أضافت إليه الإضاءة جمالية متوهجة. وتحت عناوين مختلفة، تلتقط لارا زنكول صوراً لنساء متلبّسات بأحلامهن الضائعة. فنراهن أحياناً هائمات في مياه عكرة، كما في سلسلة لوحات تحيك لهن أجواءً ضبابية من خلال استخدامها مادة الحليب. وتبرز الألوان القاتمة مثل الأحمر بتدرجاته، وهن يتصارعن مع زمنهن الصعب، كما في «أوقات مظلمة». وتعلّق لارا زنكول: «هذه الصور أتخيلها وأترجمها بعدسة كاميرتي، مستلهمة إياها من واقع معيّن. ومرات أخرى، نوعية أقمشة الفساتين التي ترتديها الفتيات تولّد عندي تشابك موضوعات رؤيوية. وأركّز على حركة الجسد، وعلى طبيعة المياه التي يسبحن فيها؛ فنراها معتمة تشبه فترات الحرب التي مررنا بها، وفي لوحات أخرى تبدو هادئة وشفافة، إشارة إلى أوقات الطمأنينة. فالمياه عنصر تكويني رئيس في حياتنا، وهي تولّد عندي ما يشبه قصيدة شعرية تبدأ بموعد ولقاء وتُختتم بثرثرات عدسة صامتة». في لوحات أخرى، كما في «اللؤلؤة» و«صمت غريب»، تلجأ لارا زنكول إلى الضوء، فتدمجه مع أقمشة الفساتين التي ترتديها الفتيات العارضات، فتعطينا نبذة عن فن التصوير الفوتوغرافي التجريدي. وتلعب على حركة المياه المتناثرة هنا وهناك، وكذلك على الأمواج التي تخترقها الفتيات برقصات تعبيرية، فتولّد لحظات تأمل عند ناظرها كي يكتشف مكنونات اللوحة. وتعلّق زنكول: «هذه الخلطة المؤلفة من الألوان والحركة ألتقط تموّجاتها في اللحظة نفسها. في المرحلة الأولى، تكون المياه راكدة وشفافة، ومن ثم وبفعل الحركة، تتولّد فيها رسومات تلقائية. وعندما تخسر شفافيتها وتصبح غير صافية، ألجأ إلى زوايا وكادرات مختلفة، فتؤلف أجواء فوتوغرافية مختلفة عن غيرها. وأضيف إليها مادة الحليب أو القماش الأزرق كي أزودها بخلفية وغباش أرغب بهما». في ركن من المعرض، نلاحظ لوحة بعنوان «حديقة الحيوانات» من مجموعة قديمة للارا زنكول. هنا يتدخل صاحب غاليري «آرت ديستريكت» ماهر عطّار: «إنها من أشهر لوحات لارا التي طبعت هويتها الفنية منذ بداياتها. وحضورها اليوم في معرضها (انطباعات) هو بمثابة تكريم لها، ومعها نسترجع فناً فوتوغرافياً مختلفاً طبع بداياتها». الصورة تمثّل رجلاً وامرأة في جلسة يرتشفان فنجان قهوة وتغمرهما المياه، وحدهما رأساهما الخشبيان، أحدهما بوجه حصان والآخر بوجه حمار، يطفوان فوق المياه. ما دام أنك تتجوّل في معرض «انطباعات»، فلا بد أن تستوقفك التقنية الفوتوغرافية المستخدمة، وتسرد من خلالها زنكول قصصاً رومانسية بطلتها الأنثى. وقد زودتها بخلفية فنية تاريخية تعود إلى عصر النهضة، وهو ما يأسر انتباه الزائر ويضعه على مفترق طريق ما بين الفن الفوتوغرافي والرسم. تركّز لارا زنكول على إبراز جمال الأنثى بملامحها وأقسام جسدها. لذلك يلاحظ مشاهد المعرض أشكالاً هندسية دائرية وغيرها، فيتساءل عن معانيها. وتوضح زنكول: «استوحيت هذه الأشكال الهندسية من المرأة نفسها، وكوّنتها من عاطفتها مرات، ومن أقسام جسدها مرات أخرى. وهو ما زوّد الصور بنفحة أنثوية بامتياز، ونعومة لا نجدها في لوحات ذكورية». تخطو لارا زنكول من خلال معرضها نحو الفن الفوتوغرافي الأصيل. وتقول: «يجهل بعضهم أهمية هذا الفن، فلا يعيرونه الاهتمام المطلوب. وفي (انطباعات)، رغبت في أن يأخذ منحى فنيّاً يبرز ثراء خطوطه. فهو فن بحد ذاته يمكننا أن نرسمه بعدسة حرّة. وربما لأني لا أجيد فن الرسم، أفرغت كل ما أفكر به بهذه الطريقة. ولعبة الظل والضوء التي نشاهدها في لوحات الرسم تُطبَّق أيضاً في الفن الفوتوغرافي. ومنذ اختراع العدسة الفوتوغرافية، كانت المحاولات كثيرة لتوليد أفكار فنية تصوّر اللحظة وتزيدها تألقاً».