
مغنو الراب من أصل عربي في أوروبا: عندما يصنع الحرمان نجوماً
Getty Images
مغني الراب الإسباني من أصل مغربي "موراد"
صادفتُ على الإنترنت أغنية بالفرنسية أثارت اهتمامي، فبدأت أبحث عن المغنّي. سرعان ما استنتجتُ أنه عربي أو من أصل عربي، بسبب عنوان أغنيته المكتوب بالعربية: "حكايات"، وانتقاده للشرطة قائلاً إنهم "بطيئون جداً" في ملاحقته، إضافة إلى حديثه عن سوء تصرّفه تجاه عائلته، حيث قال: "كنت صغيراً وفظّاً، وكنت أجلب مشاكلي معي إلى البيت".
يتميّز عدد من مغني الراب المنحدرين من أصول عربية في أوروبا بتضمين أغانيهم انتقادات موجّهة إلى الشرطة، إلى جانب إشارات شخصية لعائلاتهم، وجرعات من الرومانسية، وهي عناصر لا تظهر كثيراً في أعمال زملائهم الأوروبيين أو الأمريكيين. كما يحرص بعضهم على إدخال كلمات عربية إلى نصوص الأغاني.
وبعد بحث طويل، وجدت اسم المغني: "فون-ان". لكنه ظهر ملثماً، يضع نظارات شمسية ويغطي جسده بالكامل، حتى إنه كان يرتدي قفازات.
حينها، لم يكن في رصيده سوى أغنيتين، ولا تزال المعلومات المتوفرة عنه محدودة حتى اليوم، سوى أنه شاب من أصول عربية، وينحدر من مدينة نانتير، الواقعة في الضاحية الغربية للعاصمة الفرنسية باريس.
كتبت وسائل الإعلام الفرنسية المتخصصة بالموسيقى عن "الظاهرة" الجديدة بإعجاب، فيما كان كثيرون يتساءلون عن هوية المغني الغامض. في تلك الأثناء، انتشرت أغنيته "حكايات" على مقاطع الفيديو المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أن دخلت الأغنية قائمة العشر الأوائل في فرنسا لأكثر من أسبوع، منتصف عام 2024.
في وقت لاحق، أشارت تقارير إعلامية فرنسية إلى أن "فون-ان" من أصول جزائرية.
وقد رجّح البعض أن يكون الشاب، الذي لا يتجاوز – بحسب التقديرات المتداولة – أوائل العشرينيات من عمره، متأثراً بمغني الراب الفرنسي "كيكرا"، الذي يشتهر بدوره بارتداء القناع والنظارات الشمسية، وهو من أصول مغربية.
وكان "كيكرا" قد صرّح في مقابلة تلفزيونية عام 2017 أن اختياره إخفاء هويته يعود إلى رغبته في عدم معرفة والدته بأنه مغني راب، قائلاً: "لا أريد أن تعرف والدتي، لأنها ستصاب بخيبة أمل. أعتقد أنها ستشعر بالخجل، وأنا أشعر أيضاً بالخجل مما أفعل. فالراب ليس مهنة، الراب مجرد هراء".
لماذا يتماهى المهاجرون مع الراب؟
Getty Images
فريق "لاتين إمباير" البورتوريكي اشتهر في ثمانينات القرن الماضي في نيويورك
منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، بدأت الأغاني من هذا النوع ترتكز على وجود كلمات عنيفة، فيها سرد عن استخدام الأسلحة والمخدرات، وفي بعض الأحيان، تتضمن تسليع شديد للنساء وعنف ضدهنّ.
إلا أنّ الجدير بالذكر، هو أنّ موسيقى الهيب هوب والراب، هي نتاج المجتمعات المهاجرة إلى الولايات المتحدة التي عانت من الفقر والتهميش وانتشار المخدرات والاتجار بها وعنف العصابات خلال ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي.
أي أنّ هذه الموسيقى مرتبطة تاريخياً بأمرين أساسيين: المهاجرين المهمشين، والجريمة، الذين يقولون إنهم يرتكبونها بسبب الفقر والتهميش وانعدام فرص العمل.
وتشير بعض المصادر المختصة بالموسيقى، إنّ مغنّين الهيب هوب والراب، وجدوا في الموسيقى مهنة يعتاشون منها بدلاً من مخالفة القانون، ممّا يمكن أن يفسر أيضاً الحياة الإشكالية السابقة للكثير من مغنين الراب عبر التاريخ.
نشأت موسيقى الراب بأشكالها الأولى في أواخر سبعينيات القرن الماضي في مدينة نيويورك، وتحديداً في حيّ البرونكس، الذي كان يضمّ آلاف السكان من أصول إفريقية وكاريبية وأمريكية لاتينية.
وانطلقت هذه الموسيقى ضمن ثقافة الهيب هوب الأشمل، التي شملت أيضاً أنماطاً معينة من الأزياء الفضفاضة، ورقص "البريك دانس"، ورسم الغرافيتي على الجدران.
ومنذ أواخر ثمانينيات القرن العشرين، بدأت بعض الأغاني في هذا النوع تتجه نحو مضامين أكثر عنفاً، تتناول استخدام الأسلحة والمخدرات، كما حملت في بعض الأحيان تسليعاً للنساء وعنفاً ضدهن.
لكن من المهم الإشارة إلى أن هذا التحوّل لم يكن سمة شاملة لكل موسيقى الراب، بل ارتبط بشكل أساسي بما يعرف بـ"راب العصابات". في المقابل، بقيت تيارات أخرى من الراب تركّز على قضايا اجتماعية، أو تعبيرات فنية شخصية.
ومع ذلك، تعتبر موسيقى الراب والهيب هوب، في جوهرها، نتاجاً لبيئات مهمّشة ومجتمعات مهاجرة عانت من التهميش والفقر والعنصرية، لا سيّما في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
وبالتالي، ارتبط هذا النوع من الموسيقى تاريخياً بعنصرين رئيسيين: المجتمعات المهاجرة والمحرومة، وواقع الجريمة الذي غالبًا ما اعتُبر نتيجة مباشرة لغياب الفرص وارتفاع نسب البطالة.
وتشير مصادر متخصصة إلى أن الكثير من مغني الراب وجدوا في هذه الموسيقى مهنة بديلة عن الانخراط في الجريمة، وهو ما يفسّر الخلفيات الإشكالية التي حملها عدد كبير من مغني الراب المعروفين.
"الراب من أصل عربي" في أوروبا
Getty Images
صورة غلاف ألبوم لفريق "بي إن إل" الفرنسي على مبنى كان يعيش فيه الأخوين طارق ونبيل في ضواحي العاصمة باريس
رغم هيمنة المضامين العنيفة على كلمات العديد من أغاني الراب، والأنواع الموسيقية المتفرعة عنه مثل "التراب" و"الدريل"، لا تزال هناك مفارقات موسيقية لافتة يقدّمها بعض المغنين وصنّاع الموسيقى، خصوصًا من ذوي الأصول العربية في أوروبا.
ففي عدد من الدول الأوروبية، مثل فرنسا، إسبانيا، وإيطاليا، يبرز مغنو راب من أصول عربية في مقدمة مشهد موسيقى الراب، والتراب، والدريل، والهيب هوب، وهي أنماط موسيقية متداخلة ومتقاربة في بنيتها الإيقاعية ومواضيعها.
وقد اختيرت هنا كلمة "يحتل" للدلالة على التقدّم الكبير الذي أحرزه هؤلاء الفنانون على الساحة الموسيقية، إلا أن للكلمة في السياق الأوروبي معنىً آخر، يستخدمه بعض السياسيين اليمينيين وجمهورهم للإشارة إلى المهاجرين، ومن بينهم فنانو الراب، بوصفهم "غزاة ثقافيين" أو تهديداً للهوية القومية لعدد من البلدان.
ومن بين أبرز الأسماء في هذا المشهد، يبرز "موراد"، واسمه الكامل مراد الخطوطي الحورامي، وهو مغنٍ من أصل مغربي، وُلد ونشأ في حي لوسبيتاليت دي يوبريغات، أحد ضواحي مدينة برشلونة الإسبانية، المعروفة بكثافتها السكانية العالية من المهاجرين من دول المغرب العربي.
ويُعد موراد اليوم من أشهر مغني الراب من أصل عربي في أوروبا والعالم العربي، إذ يسجّل أكثر من 14 مليون و400 ألف مستمع شهري على منصة "سبوتيفاي"، التي تتيح للجمهور الوصول إلى بيانات دقيقة حول نسب الاستماع للفنانين.
وكان من أبرز إنجازاته الموسيقية الأخيرة، احتلاله المرتبة الثالثة على لائحة "سبوتيفاي" للفنانين الأكثر استماعاً في أوروبا – بجميع اللغات – لعام 2024.
وينسب إلى موراد الفضل في إحداث "ثورة في المشهد الموسيقي الحضري في إسبانيا" منذ عام 2019، وهو العام الذي بدأ فيه اسمه يلمع في كل من إسبانيا وفرنسا.
وتقول فيكتوريا سيلفا سانشيز، وهي باحثة إسبانية متخصصة في شؤون الهجرة والعنصرية والسرديات الإعلامية، في مقابلة مع بي بي سي عربي: "يمكن القول إن موراد كان أول مغني راب عربي يصل إلى هذا القدر من الشهرة في إسبانيا، وقد فتح الباب أمام آخرين من ذوي الأصول العربية لتحقيق شهرة مماثلة في البلاد".
ساهم نجاح "موراد" وشهرته الواسعة، في تشجيع عدد من الشباب الإسبان من أصول عربية على إنتاج موسيقى من النوع نفسه، ثم تعاونوا معه في أغانٍ مشتركة أشعلت مسيرتهم، ووسعت من شهرتهم خارج إسبانيا.
من أبرز هؤلاء "بيني يونيور" (محمد الريفي) المولود في مدينة شفشاون المغربية و"ديلارو" وهو من والد من غينيا بيساو وأم مغربية.
Getty Images
يحتفل لاعب برشلونة لامين يامال بأهدافه عبر رسم رقم 304 في يديه، وهي الأرقام الثلاثة الأخيرة من الرمز البريدي الخاص بحي روكافوندا، أحد أفقر أحياء مدينة ماتارو، الذي نشأ فيه، في مدينة ماتارو، في ضواحي برشلونة
ويبدو أن هذا التضامن العربي في إسبانيا لا يقتصر على الموسيقى، إذ يعرف عن نجم نادي برشلونة الشاب لامين يامال (واسمه الكامل بالعربية الأمين جمال) أنه من المتابعين الدائمين لأعمال "موراد" و"بيني يونيور"، وغالباً ما يروّج لهما عبر حساباته على مواقع التواصل.
وفي المقابل، ردّ "موراد" الجميل في أغنيته "هويو" الصادرة عام 2024، حيث قال: "لامين يامال، من الشارع (الفقر) إلى المجد".
وتُظهر قائمة الاستماع الخاصة بيامال على "سبوتيفاي"، أنه يستمع أثناء التحضير لمبارياته مع الفريق الكاتالوني، إلى أعمال مغنّي الراب المغربي-البلجيكي "ديستينكت" (الياس المنصوري)، الذي حقّق شهرة واسعة في السنوات الأخيرة، إلى جانب الفنان المغربي المعروف "إل غراندي توتو" (طه فحصي).
وتشير سيلفا سانشيز، إلى أنّ كلمات أغاني مغني "الراب" أو "التراب" من أصول عربية في كل من إسبانيا وفرنسا متشابهة إلى حدّ بعيد.
وتعدّ ضواحي مدينة برشلونة في إقليم كاتالونيا الإسباني، مركز ثقل مهم في موسيقى الراب "العربي" الإسباني المهاجر، فيما تشغل مدينة مارسيليا في فرنسا دوراً موازياً، ما يجعل هاتين المدينتين من أبرز مصادر موسيقى الراب ذات الأصول العربية في أوروبا.
أما في إيطاليا، فقد برز مغنيان بشكل لافت على المستوى المحلي والأوروبي الأول هو "بيبي غانغ" (زكريا موهيب)، من أصل مغربي، ولد في مدينة ليكو شمال ميلانو، ويحتفي في أغنيته "كازابلانكا" بجذوره العربية قائلاً إنه "فخور بدمه المغربي".
أما الثاني، فهو "غالي" (غالي عمدوني)، المولود في مدينة ميلانو لأبوين تونسيين، ويُعرف باستخدامه الرموز السياسية والكلمات العربية في أغانيه.
Getty Images
مغني الراب الإيطالي "غالي"
في فرنسا، يعدّ مشهد الراب من أصول عربية هو الأقدم بين الدول الثلاث، ويمكن تتبعه على الأقل إلى عام 2007، حين بدأ المغني من أصل جزائري "سفيان" (سفيان زرماني)، المعروف باسم "فيانسو"، بالظهور. وقد حقق نجاحاً كبيراً منذ عام 2013، وتميزت أغانيه بسرد حكايات الضواحي الفرنسية التي يعيش فيها المهاجرون والفقراء، والتعبير عن معاناة سكانها وشبابها، وباستخدامه كلمات عربية ضمن النصوص.
كما يمكن الإشارة في فرنسا، إلى ديو "بي إن إل" الذي يتألف من الأخوين طارق ونبيل، ووالدهما فرنسي ممن يسمّون بـ"الأقدام السوداء" (الفرنسيون الذين ولدوا في الجزائر خلال الاحتلال الفرنسي)، أصله من جزيرة كورسيكا، ووالدتهما جزائرية.
وبدأ الأخوان بإنتاج الموسيقى عام 2014، ولا يُعرف عنهما الكثير بسبب امتناعهما عن إجراء المقابلات الصحفية، غير أن بعض المعلومات المتوفرة تشير إلى تورطهما في مشكلات قانونية.
يستخدمان الكثير من الكلمات العربية في أغانيهما، ويتحدثان عن والدتهما، إلى جانب إشارتهما إلى اعتناق الإسلام كمعتقد.
"الشرطة، الهجرة، الفقر، حب العائلة"
تقول سيلفا سانشيز، إن الفيلسوف الإسباني إرنستو كاسترو ألّف في عام 2019 كتاباً ملهماً خارج نطاق تخصّصه الأكاديمي المعتاد.
في كتابه "التراب: فلسفة جيل الألفية للأزمة (الاقتصادية) في إسبانيا"، يجادل كاسترو بأن موسيقى "التراب" تمثّل ما يشبه "الموسيقى التصويرية" لفترة ما بعد الأزمة الاقتصادية في البلاد، وفق سانشيز.
ويرى الفيلسوف أن هذا النوع الموسيقي اتسم بطابع يحتفي بالفردية، حيث أصبح السعي وراء الثراء السريع والشهرة والنجاح بمثابة نقيض مباشر لأزمة متعددة الأبعاد تمرّ بها إسبانيا، لا تقتصر على الاقتصاد، بل تشمل أزمات بيئية، واجتماعية، وأخرى وجودية تخصّ الجيل الجديد.
وتضيف الباحثة: "على النقيض من هذه الصورة، يُقدّم مشهد الدريل – لا سيما ذلك الذي يصنعه فنانون من أصول عربية – تمثيلاً مختلفاً للأزمة ذاتها".
وتشير إلى أن "كلمات مغني الراب العرب تعبّر عن معاناة ترتبط بسياسات الهجرة، لكنها تلفت أيضاً إلى أن هذه الخصوصية تتأثر بمنظومة من القيم الثقافية، من بينها أهمية الأسرة، ودور الأم، واحترام الكبار، والتعاضد".
منذ ألبومه الأول "إم دي إل إر"، (اختصار لتعبير فتى الشوارع باللغة الفرنسية)، تتطرّق "موراد" في عدد من أغانيه إلى مواضيع "تُعدّ حساسة، مثل إساءة استخدام السلطة، والظلم الاجتماعي، والعنصرية البنيوية"، بحسب سيلفا سانشيز.
ويعتبر مغنو "الراب" و"التراب" و"الدريل" من أصل عربي في إسبانيا تحديداً، من أكثر المغنين الذين يستخدمون السياسة في أغانيهم.
Getty Images
"موراد" في حفلة منفردة في برلين في 16 فبراير/شباط 2025
يركّز موراد في العديد من أغانيه على ما يصفه بمضايقات الشرطة "من دون سبب"، واصطحاب شبّان من أصول مهاجرة إلى المدعي العام، للتحقيق معهم لمجرد الاشتباه بارتكابهم مخالفة قانونية.
سألنا سيلفا سانشيز عن ذلك، وردت قائلة إنّ "العنصرية غير مسموح بها قانوناً، لا في إسبانيا ولا في الاتحاد الأوروبي، لكنها موجودة بلا شك، ويمارسها بعض الأشخاص في مواقع سلطة، بشكل مقنّع، ضدّ المهاجرين من أصول عربية وأفريقية".
وتواجه إسبانيا، منذ سنوات، أزمة هجرة ولجوء متصاعدة من القارة الإفريقية، خاصة عبر البحر.
وتقول الباحثة الإسبانية إن عدد القاصرين غير المصحوبين بذويهم – والكثير منهم من المغرب – ارتفع بأكثر من 20 ألفاً بين عامي 2018 و2020.
وفي أحدث الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية الإسبانية، ارتفع عدد المهاجرين الواصلين إلى البلاد، برّاً وبحراً، بين عام 2023 وحتى 30 سبتمبر/أيلول 2024، بمقدار 15,691 شخصاً، أي بنسبة زيادة بلغت 59.1 بالمئة خلال عام واحد فقط.
من جهتها، تحمّل الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة المهاجرين مسؤولية ارتفاع معدلات الجريمة، وتتهمهم بتغيير التركيبة الديموغرافية للمجتمعات المحلية، كما ترجع إليهم أسباب تفاقم الأزمة الاقتصادية وزيادة معدلات البطالة. وتذهب هذه الأحزاب، في خطابها السياسي، إلى التحذير مما تصفه بـ"الخطر الذي يهدد الهوية الإسبانية".
فيما ترى الأحزاب اليسارية، وحكومة إسبانيا اليسارية الحالية بقيادة بيدرو سانشيز، إنّ المهاجرين إلى البلاد يساعدون العجلة الاقتصادية للبلاد ويساهمون في تطورها.
القليل من الحبّ
Getty Images
احتجاج بشعارات مناهضة للعنصرية في برشلونة يوم في 11 أغسطس/آب 2015، احتجاجاً على وفاة مواطن سنغالي في سالو (مدينة ساحلية تبعد عدة كيلومترات جنوب برشلونة) خلال عملية للشرطة
علّق مغني الراب "موراد" على اعتراضات أحزاب اليمين الإسباني بشأن وجود الأطفال المهاجرين في البلاد، من خلال أغنيته "أطفال صغار" الصادرة عام 2023، قائلاً: "أطفال في سن السابعة عشر يذهبون إلى البحر كي يقدّموا لأمهاتهم الطعام والمائدة".
وفي محاولة لفهم أحد أبرز الشعارات المتكررة في أغاني "بيني يونيور"، سألنا سيلفا سانشيز عن قصة "سفيان ومصطفى"، اللذين يطالب المغني بإطلاق سراحهما في كل عمل تقريباً منذ سنوات: هل هما شخصيتان حقيقيتان، أم أن العبارة تستخدم رمزياً لدواعٍ حقوقية وسياسية؟
فابتسمت وقالت مازحة: "لا أعلم إن كان هناك شخصان فعليان يُغنّي لهما، لكن المؤكد أن الجميع في إسبانيا يتساءل لماذا طال حكمهما إلى هذا الحد!".
وعلى الجانب المضيء من هذا المشهد، تقول سانشيز إنّ كلمات أغاني هؤلاء المغنيين في كل من إسبانيا وفرنسا وإيطاليا أيضاً، تتضمن في كثير من الأحيان – وخصوصًا لدى المغنين الإسبان – قيماً ثقافية ترتبط بأصولهم، مثل ذكر الله، والوفاء بالوعود، وحب العائلة، وأهمية الصداقة والتعاضد، والصدق، ومكانة الأم وضرورة تقديرها، وغيرها…
وفي أغنيته "ماما تقول لي"، يقول "موراد": "أمي تقول لي إن الله يبارك الأشخاص الجيدين".
وفي إشارة أخرى إلى الله، يقول "ديلارو" في أغنيته "لا سويرتي بارت 1": "الشيطان يحاول تجربتي، لكنّ الله سيرشدني".
وفي مثال من فرنسا، يقول فريق الأخوين "بي إن إل"، في أغنيتهما "آ لامونياك": إن شاء الله، أن يغفر لنا الله ذنوبنا، لعدم فهمنا للإنسان وعرقه اللعين".
ومن إيطاليا، يقول "غالي" في أغنيته "والله": "أحلف؟ والله. أقسم لك: على رأس أمي، على جواز سفري الأحمر، على برج إيفل".
ورغم أن القسم بـ"رأس الأم" يُعدّ تعبيراً شديد الحساسية في معظم السياقات، إلا أن "غالي" استخدمه، على ما يبدو، لتأكيد مدى صدقه، وحجم الانفعال والإخلاص.
وفي نهاية المقابلة، سألنا سيلفا سانشيز: ما الذي يدفع الشبان والشابات من أبناء العائلات الإسبانية غير المهاجرة إلى الاستماع إلى أغاني موراد، وبيني يونيور، وديلارو، وغيرهم من فناني الراب المنحدرين من أصول مهاجرة؟
فأجابت قائلة: "لا أعلم الإجابة الدقيقة، لكن ربما أصبح المجتمع الإسباني أكثر تقبّلاً، أو لعل كلمات هؤلاء الفنانين تروق لهم لأنها تتسم بالرومانسية".
ففي كثير من الأحيان، حين لا يغني هؤلاء الشبان عن المعاناة، فإنهم يغنّون عن الحب.
وفي نهاية المطاف، يبدو أن ما يحتاجه الجميع، ببساطة، هو شيء من التفهّم أو التعاطف... وشيء من الحب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوسط
منذ 21 ساعات
- الوسط
تعرّف على القديسة المراهقة التي قادت جيوش فرنسا وألهمت الحركات السياسية والنسائية
Getty Images في مثل هذا اليوم 30 مايو/أيار من عام 1431 أعدم الإنجليز حرقاً جان دارك، بعد أن اتُهمت بـ"الهرطقة" وعمرها 19 عاماً فقط، وقادت الشابة الفرنسية المقاومة ضد الإنجليز خلال حرب المئة عام بين فرنسا وإنجلترا. وتُعد جان دارك، المعروفة أيضاً باسم "عذراء أورليان"، واحدة من أكثر الشخصيات شهرة في التاريخ العالمي، إذ زعمت فتاة مراهقة من عامة الشعب أنها تلقت إرشادات إلهية ثم قادت جيوشاً إلى النصر ثم أُعدمت حرقاً، وهو الأمر الذي أسر خيال الأجيال على مر العصور. وتُعتبر جان دارك شهيدة وقديسة، ولا تزال حياتها تلهم الأعمال الفنية والأدبية والحركات السياسية. البدايات وحرب المئة عام تقول دائرة المعارف البريطانية، إن جان دارك وُلدت في حوالي عام 1412 في قرية دومريمي الواقعة في شمال شرق فرنسا، على حدود دوقيتي بار ولورين، لأب مزارع يستأجر الأرض التي يفلحها. وتميزت منذ طفولتها بإيمانها العميق وقوة إرادتها، الأمر الذي جعلها مختلفة عن باقي الفتيات في قريتها. ورغم أنها كانت أمية، فإنها تمتعت بذاكرة قوية وبلاغة لافتة. وقد نشأت جان وسط أهوال حرب المئة عام، وهي نزاع طويل الأمد بين المملكتين الفرنسية والإنجليزية بسبب الخلاف حول من يملك الحق في العرش الفرنسي. فقد نصّت معاهدة تروا عام 1420 على حرمان شارل (لاحقاً شارل السابع) ، ابن ووريث ملك فالوا شارل السادس، من العرش لصالح ملك لانكستر الإنجليزي هنري السادس، وهو طفل حينها، فيما تحالفت دوقية بورغندي القوية مع الإنجليز. وكانت المعنويات في فرنسا في أدنى مستوياتها في ذلك الوقت حيث شكك كثيرون في شرعية شارل، كما كانت البلاد غارقة في الفقر والمجاعة والمرض والفوضى، فيما كانت باريس ومناطق واسعة من شمال فرنسا تحت سيطرة الإنجليز. وزاد من الوضع سوءاً بالنسبة لشارل أنه لم يُتوَّج حتى نهاية عام 1427 أي بعد 5 سنوات من وفاة والده، وكانت مدينة ريمس، المكان التقليدي لتنصيب ملوك فرنسا، تقع ضمن الأراضي التي يسيطر عليها أعداؤه. Getty Images النصر في أورليان وفي سن الـ 13، بدأت جان ترى رؤى وصفتها لاحقاً بأنها رسائل من السماء، وذكرت أن القديس ميخائيل، والقديسة كاترين من الإسكندرية، والقديسة مارغريت من أنطاكية ظهروا لها وأمروها بمساندة ولي العهد الفرنسي شارل، ومساعدته في طرد الإنجليز من من مملكة فالوا الفرنسية، وأصبحت هذه الرؤى جوهر رسالتها ومصدر قناعتها العميقة. وكانت قرية جان، دومريمي، تقع على الحدود بين فرنسا الأنجلو-بورغندية ومملكة فالوا الفرنسية. وكان سكان القرية قد اضطروا بالفعل إلى هجر منازلهم أمام تهديدات البورغند. وبتوجيه من أصوات قديسيها، سافرت جان في مايو/أيار من عام 1428، من دومريمي إلى فوكولور، أقرب معقل لا يزال موالياً لشارل، حيث طلبت من قائد الحامية روبرت دي بودريكورت مساعدتها لترتيب لقاء مع شارل. ولم يأخذ دي بودريكورت الفتاة البالغة من العمر حينئذ 16 عاماً ورؤاها على محمل الجد، فعادت أدراجها، لكنها رجعت إلى فوكولور مرة أخرى في يناير/كانون الثاني من عام 1429. وهذه المرة، أكسبها ثباتها الهادئ وتقواها، احترام الناس، وسمح لها القائد بودريكورت، مقتنعاً بأنها ليست ساحرة وليس لديها مشاكل عقلية، بالذهاب إلى شارل في شينون، فغادرت فوكولور حوالي 13 فبراير/شباط، مرتدية ملابس رجال، وبرفقتها 6 رجال مسلحين، وعبرت أراضي يسيطر عليها العدو، وسافرت لمدة 11 يوماً، حتى وصلت شينون. وتوجهت جان فوراً إلى قلعة شارل، الذي كان متردداً في البداية في استقبالها حيث قدّم له مستشاروه نصائح متضاربة، لكنه بعد يومين سمح لها بمقابلته. وفي لقائها الأول به، قيل إنها استطاعت التعرف عليه رغم أنه كان متنكراً بين الحاضرين، وهو ما أثار دهشة الجميع، وأخبرته أنها ترغب في خوض الحرب ضد الإنجليز، وأنها ستقوم بتتويجه في ريمس. وبعد سلسلة من التحقيقات اللاهوتية في بواتييه للتأكد من أنها ليست مهرطقة، أُعلن أنها سليمة العقيدة وجديرة بالثقة. Getty Images قادت جان دارك الجيش الفرنسي لفك الحصار عن أورليان وفي أبريل/ نيسان من عام 1429، حصلت على الموافقة لقيادة جيش لإنقاذ مدينة أورليان، ورغم افتقارها للتدريب العسكري، فإن شجاعتها وخطاباتها النارية لعبت دوراً كبيراً في تحفيز الجنود. وتم حشد قوات فرنسية قوامها عدة مئات من الرجال في بلوا، وفي 27 أبريل/نيسان من عام 1429، انطلقت نحو أورليان. وكانت المدينة، المحاصرة منذ 12 أكتوبر/تشرين الأول 1428، محاطة بشكل شبه كامل بقوات الإنجليز. ومساء 4 مايو/أيار، بينما كانت جان تستريح، نهضت فجأة، وأعلنت أنها يجب أن تذهب لمهاجمة الإنجليز على الفور، واندلع القتال الذي استمر ثلاثة أيام وانتهى بهزيمة الإنجليز وانسحابهم، وشكل هذا النصر نقطة تحول كبيرة في الحرب، ورفع من معنويات الفرنسيين. وغادرت جان أورليان في 9 مايو/أيار، والتقت بشارل في تور إذ حثّته على الإسراع بالتوجه إلى ريمس ليُتوج، ورغم تردده لأن بعض مستشاريه الأكثر حكمة نصحوه بغزو نورماندي، إلا أن إلحاح جان حسم الأمر في النهاية. وخلال المسير نحو ريمس، فتحت المدن أبوابها للجيش الواحدة تلو الأخرى. وفي 16 يوليو/تموز، وصل الجيش الفرنسي إلى ريمس، التي فتحت أبوابها. وفي 17 يوليو/تموز من عام 1429، تُوّج شارل ملكاً في كاتدرائية ريمس بحضور جان، التي وُصفت آنذاك بأنها بطلة الأمة الفرنسية. وكانت هذه لحظة تحقيق النبوءة بالنسبة لجان، وفي اليوم نفسه، كتبت إلى دوق بورغندي، تُناشده فيها إحلال السلام مع الملك. الأَسْر والمحاكمة والإعدام Getty Images رسم لإعدام جان دارك حرقاً بتهمة الهرطقة استمرت المعارك بين الفرنسيين والإنجليز، وفي عام 1430، أثناء مشاركتها في الدفاع عن مدينة كومبيين ضد قوات بورغوندية موالية للإنجليز، أُسرت جان وسُلمت إلى دوق بورغوندي، الذي بدوره سلمها للإنجليز الذين رأوا فيها تهديداً سياسياً ودينياً، وقرروا محاكمتها بتهمة الهرطقة بدلاً من معاملتها كأسيرة حرب. ونُقلت إلى روان حيث جرت محاكمتها تحت إشراف الأسقف بيير كوشون، أحد المؤيدين لبورغوندي. واستمرت المحاكمة عدة أشهر، وخضعت جان لاستجوابات مرهِقة من قبل رجال دين موالين للإنجليز. ورغم صغر سنها، أظهرت جان ثباتاً وقوة شخصية أثناء المحاكمة، وتدل سجلات المحكمة على قدرتها اللافتة على التفكير السريع والدفاع عن نفسها، وكانت التهم تشمل ارتداء ملابس الرجال، وادعاء تلقي وحْيٍ من الرب، وممارسة السلطة الدينية بشكل غير مشروع. وفي 30 مايو/أيار من عام 1431، أُدينت جان بتهمة الهرطقة وأُحرقت حيّة في ساحة بمدينة روان وهي في الـ 19 من عمرها. وروى الشهود أنها واجهت الموت بشجاعة، وقد جُمع رمادها وأُلقي في نهر السين. القداسة والإرث أثارت وفاتها صدمة واسعة، وبعد سنوات بدأت تظهر دعوات لإعادة الاعتبار لها. وفي عام 1456، أمر الملك شارل السابع بإعادة فتح القضية، وتمت محاكمة جديدة انتهت بإعلان براءتها واعتبارها شهيدة. وخلال القرون التالية، ارتفعت مكانة جان دارك، ففي عام 1803، أعلن نابليون بونابرت أنها رمز وطني لفرنسا، وجرى تطويبها في الكنيسة الكاثوليكية عام 1909، وتم إعلان قداستها في عام 1920، وتُعد اليوم إحدى شفيعات فرنسا، ويُحتفَل بذكراها سنوياً في 30 مايو/أيار من كل عام. وقد استخدمتها الحكومات الفرنسية لتعزيز الروح المعنوية سواء في الحرب العالمية الأولى أو الثانية، وتبنتها تيارات سياسية متباينة من الملكيين والجمهوريين إلى اليمين المتطرف واليسار، وكلٌ وفقاً لرؤيته. Getty Images وفي الأدب والفنون، كانت مصدر إلهام لكبار الكُتّاب مثل شكسبير وفولتير ومارك توين، الذي كتب عنها بإعجاب بالغ في روايته "مذكرات جان دارك الشخصية"، أما جورج برنارد شو، فقد قدمها كرمز مأساوي يواجه قوة المؤسسات باسم الضمير الفردي. وتُعتبر جان دارك من الناحية السياسية رمزاً للمقاومة الشعبية، ودليلاً على أن الشجاعة الفردية قادرة على تغيير مجرى التاريخ، وهي بالنسبة للعديد من الفرنسيين تُجسد أيقونة للوطنية النقية. ورغم أنها لم تقدم نفسها كمدافعة عن حقوق النساء، فإن جان دارك تُعد اليوم من رموز القوة النسائية، فقد تحدت الأعراف الاجتماعية، وارتدت زي الرجال، وقادت جيوشاً، وتحدثت باسم الرب إلى ملوك وقساوسة. لقد أدت شجاعتها واستقلاليتها إلى جعلها مصدر إلهام للنساء في مختلف العصور.


الوسط
منذ 2 أيام
- الوسط
الهيب هوب: من أزقة نيويورك إلى مدارس المغرب؟
Getty Images رياضة البريكينغ أصبحت رياضة أولمبية منذ عام 2018 من أزقة برونكس إلى حجرات الدراسة المغربية، رحلة غير متوقعة يخوضها فن "الهيب هوب"، وسط جدل واسع بين من يراها خطوة نحو مدرسة أكثر انفتاحاً، ومن يعتبرها مساساً بهوية تعليمية تتآكل بالفعل. أثار تسريب مستند من وزارة التربية الوطنية المغربية عن تنظيم دورة في "الهيب هوب" و"البريكينغ" لأساتذة التربية البدنية موجة نقاش عاصفة، لم تهدأ بعد. فبينما قدمت الوزارة المبادرة على أنها وسيلة لتنويع المنهج التروبي وتحديث الرياضة المدرسية، رأى آخرون أنها لا تعبّر إلا عن انقطاع إضافي عن السياق الثقافي المغربي. وثيقة مسرّبة Facebook وثيقة رسمية تدعو الأكاديميات لترشيح أساتذة لدورة تدريبية في الهيب هوب بإشراف خبير دولي بدأ كل شيء مع تداول رسالة رسمية من مديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية، تدعو مديري الأكاديميات في المناطق إلى ترشيح أساتذة لحضور دورة تدريبية يشرف عليها خبير دولي في الهيب هوب. وسرعان ما انتشرت المذكرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتتحول إلى قضية رأي عام. الوزارة، بحسب الوثيقة، تهدف إلى إعداد مدرّبين في المناطق بفنون الحركة واللياقة، في إطار اتفاقية شراكة مع "الجامعة الملكية المغربية للرياضات الوثيرية والرشاقة البدنية والهيب هوب". لكن كثيرين تساءلوا: هل أصبح الهيب هوب أولوية تربوية في بلد تعاني مدرسته العمومية من إشكالات هيكلية مزمنة؟ من بين أبرز الأصوات المعارضة، الباحث المغربي إدريس الكنبوري الذي وصف القرار بـ"الغريب"، لكونه، في رأيه، "يتجاهل المكونات الثقافية التي نصّ عليها دستور 2011، من عربية وأمازيغية وصحراوية وأندلسية وعبرية وإفريقية". وقال في حديثه لبي بي سي عربي: "الوزارة قفزت على كل هذه الهويات، وجلبت رقصة أمريكية غربية، وكأن الثقافات المحلية غير موجودة، أو كأن الدستور مجرد ديكور خارجي". الكنبوري يربط بين هذا القرار وما يراه من غياب لرؤية واضحة في السياسة التعليمية المغربية، بحسب تعبيره، مشيراً إلى أن "المدرسة المغربية تتخبط منذ الاستقلال في برامج إصلاحية متلاحقة، لم تفضِ سوى إلى تراجع المردودية وتزايد الارتباك". ويرى أن التعليم ليس مسألة "إرضاء لرغبات التلاميذ، بل وسيلة لصياغة تلك الرغبات وتهذيبها، محذراً من تحوّل المدرسة إلى امتداد للشارع إذا ما خضعت للموضات العابرة". في المقابل، يرى المؤيدون للمبادرة أنها تعكس انفتاحاً صحياً على ثقافات العالم، وتستهدف مخاطبة الجيل الرقمي بلغته، خاصة أن الهيب هوب بات جزءاً من المشهد الفني العالمي، بعد أن خرج من حواري نيويورك ليصبح مادة للمهرجانات والمسابقات الرياضية الدولية. لكن الكنبوري يرد بأن هذا الفن "لا علاقة له بمفهوم الثقافة بالمعنى الأنثروبولوجي"، واصفاً إياه بـ"الموضة" العابرة. ويقارن بينه وبين الفنون المغربية العريقة كـ"الملحون" و"العيطة" و"كناوة"، التي يعتبرها أحقّ بالتدريس لما تحمله من جذور وهوية ورسائل تربط الماضي بالحاضر. ويضيف: "الملحون شعر مغنّى يوثّق التحولات الاجتماعية، والعيطة صرخة شعبية في وجه الظلم، أما كناوة ففن روحي ممتد من أعماق إفريقيا. هذه الفنون لا تحتاج إلى استيراد، بل إلى تأطير وتحديث ضمن مناهجنا". إلى أين تتجه الوزارة؟ Getty Images فرقة الراب المغربية "ذا ديفل سكولز" تؤدي عرضًا ضمن مهرجان "موازين" الموسيقي في الرباط، 11 مايو/أيار 2007 من جانبه، أوضح عبد السلام ميلي، مدير الارتقاء بالرياضة المدرسية بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، في حديث لـ"بي بي سي عربي"، أن فكرة تنظيم الدورة انبثقت عن اتفاقية شراكة قائمة منذ عام 1996 بين الوزارة والجامعة الملكية المغربية للرياضات الوثيرية (التي تشمل الأنشطة الحركية ذات الإيقاع كالأيروبيك والرقص التعبيري) والرشاقة البدنية والهيب هوب، والتي اقترحت تنظيم هذا التدريب بالتعاون مع خبير دولي، كما هو الحال في رياضات أخرى شملت هذا الموسم كرة الطاولة، السباحة، البادمنتون وسباق التوجيه. وتضمّنت الدورة محاور تقنية وتربوية وتحكيمية، تتيح للأساتذة توجيه التلاميذ وفق معايير مهنية، خاصة بعد تنظيم بطولات وطنية في الهيب هوب والبريكينغ خلال الموسمين الماضيين. وأشار إلى "أن هذه المبادرة تأتي في سياق الانفتاح على رياضات حديثة تمارس في الواقع خارج المؤسسة التعليمية، لكنها تستقطب اهتمام التلاميذ، موضحاً أن الهدف هو إدماجها ضمن عرض رياضي مدرسي منظّم ومؤطر، دون أن يشكّل ذلك بديلاً عن التربية البدنية الرسمية". وأضاف ميلي أن هذه الأنشطة تدرج ضمن الجمعية الرياضية المدرسية، وهي أنشطة موازية واختيارية لا تدخل ضمن حصص التربية البدنية الإلزامية. وأكد أن رياضة البريكينغ أصبحت رياضة أولمبية منذ عام 2018، وستكون ضمن ألعاب باريس 2024 وأولمبياد الشباب بدكار 2026، ما يعزّز الحاجة إلى تدريب مشرفين مختصين واكتشاف مواهب قادرة على تمثيل المغرب. أما اختيار الأساتذة، فأوضح أنه استهدف ممثلين من كل أكاديمية ممن هم منخرطون فعلياً في الرياضة المدرسية، ويبدون اهتماماً بالرياضة المستهدفة، مع التزامهم بتعميم الخبرات المكتسبة على مختلف أنحاء المملكة المغربية. وبشأن التحفظات التي عبّر عنها بعض الفاعلين، اعتبر ميلي أن ذلك "رد فعل طبيعي"، موضحاً أن العديد من الرياضات الحديثة انطلقت من أنشطة أو سلوكيات يمارسها الشباب بشكل عفوي، خارج أي إطار مؤسساتي منظّم، ثم تطوّرت لتصبح أنشطة منظمة بقوانين وتقنيات تنقيط وتحكيم. وأضاف أن المدرسة لا تقصي هذه الظواهر، بل تعيد تأطيرها تربوياً ضمن ما يعرف في علوم التربية بـ"النقل الديداكتيكي"، الذي يحوّل سلوكاً اجتماعياً شائعاً إلى ممارسة تعليمية واضحة. وفي ما يخصّ الفنون المغربية التقليدية، أشار ميلي إلى أن الألعاب التراثية تشكل أحد مكونات التربية البدنية ويمكن إدماجها ضمن الخطة التعليمية المعتمدة، كما أُعدّت برامج لإحياء هذا الموروث عبر مهرجانات وبطولات مدرسية وطنية. واختتم ميلي تصريحاته بالتأكيد على أن "هذا النوع من التكوين لا يُعدّ انحرافاً عن أولويات المدرسة المغربية، بل وسيلة لتوسيع العرض الرياضي، وتحقيق الديمقراطية، واكتشاف المواهب في إطار اختياري لا يخضع للتعميم أو الإلزامية، بل يهدف إلى تمكين التلاميذ من ممارسة أنشطتهم في فضاء مؤطر وآمن". كيف وصل الهيب هوب إلى العالم العربي؟ Getty Images في المغرب، ظهرت أسماء بارزة مثل "مسلم" و"ديزي دروس"، وقدّمت أعمالاً تجمع بين إيقاع الهيب هوب وقضايا الشارع المغربي نشأ الهيب هوب في برونكس، نيويورك، في السبعينيات، وسط أجواء من التهميش والفقر والعنصرية. كان في جوهره حركة احتجاج ثقافي، تضمّ أربعة عناصر: موسيقى الراب، البريك دانس، فن الجرافيتي، وموسيقى الدي جي. ومع تطور وسائل الإعلام وانتشار الإنترنت، انتقل الهيب هوب إلى مختلف أنحاء العالم. في العالم العربي، بدأ ظهوره مطلع الألفية الجديدة، أولًا في المغرب وتونس ولبنان، حيث تبنته جماعات شبابية كأداة للتعبير عن الإقصاء والبطالة والرقابة الاجتماعية. في المغرب، ظهرت أسماء بارزة مثل "مسلم" و"ديزي دروس"، وقدّمت أعمالاً تجمع بين إيقاع الهيب هوب وقضايا الشارع المغربي. ومع الوقت، بدأت بعض المؤسسات الرسمية تواكب هذه الظاهرة من خلال دعم مهرجانات أو ورشات تأطير. ورغم أن هذا الفن بات يحظى بجمهور واسع، لا يزال ينظر إليه – خاصة في الفضاءات التربوية – بكثير من الحذر، لما يرتبط به من رموز تمرد وأحياناً محتوى غير منضبط. تظهر هذه القضية تصادماً أوسع بين رؤيتين لمستقبل المدرسة: الأولى ترى أن المدرسة يجب أن تواكب التحولات الاجتماعية والثقافية وتحدّث أدواتها، والثانية تحذّر من أن هذا التحديث يجب ألا يتم على حساب الهوية والخصوصية الثقافية. الكنبوري يقترح، بدل اللجوء إلى الهيب هوب، أن تنفتح المدرسة على تراثها أولاً، عبر دعم الأندية الثقافية، وتطوير برامج في الشعر والموسيقى المحلية، وتنظيم مسابقات في الفنون المغربية التي تعاني من التهميش.


الوسط
منذ 3 أيام
- الوسط
جدل كبير بعد ظهور زاهي حواس مع جو روغان في حلقة وصفها المذيع الأمريكي بـ "الأسوأ"
Getty Images أثار ظهور عالم الآثار المصري، زاهي حواس، في حلقة حديثة من البودكاست الأمريكي الشهير "ذا جو روغان إكسبيريانس" جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة في مصر، حيث تصدّر اسم حواس الترند على منصة "إكس". وصف جو روغان، المذيع الأمريكي صاحب أحد أكثر برامج البودكاست تأثيراً على الإنترنت، الحلقة بأنها "الأسوأ" في تاريخ البودكاست، وهو ما أثار ردود فعل متباينة. وتباينت آراء المستخدمين على منصات التواصل الاجتماعي بشأن الحلقة، حيث رأى البعض أن حواس قدّم أداءً قوياً في الدفاع عن الحضارة المصرية، بينما اعتبر آخرون أن أسلوب الحوار لم يكن موفقاً. وكتب أحد المستخدمين على منصة إكس: "اتفق أو اختلف مع زاهي حواس، لكن ما فعله في بودكاست جو روغان كان وقفة محترمة ضد الخرافات اللي بيحاولوا يروجوا لها عن أهراماتنا". في المقابل، علّق آخر "الحلقة كانت صعبة في المتابعة. زاهي حواس كان حادا جداً، وجو روغان فقد أعصابه. الاثنان لم يكونا في أفضل حال". بينما كتب أحد المدافعين عن حواس على منصة إكس: "لما شخص زي جو روغان يقول إن الحلقة دي كانت الأسوأ، يبقى أكيد الدكتور زاهي عمل اللي عليه وقال الحقائق زي ما هي". وفي أول رد رسمي له، أوضح حواس أن سبب التوتر في الحلقة يعود إلى رغبة روغان في الترويج لنظريات غير علمية حول بناء الأهرامات. وقال حواس في تصريحات لصحيفة "المصري اليوم" المحلية: "جو روغان لم يعجبه كلامي، لأنه كان يريد مني أن أقول إن من بنى الأهرامات ليسوا الفراعنة، وإنما شعوب أخرى أو حضارات مجهولة، لكنني هاجمته بالأدلة، وكلامي لم يرضه، لأنه ببساطة لا يبحث عن الحقيقة العلمية، بل يروج للأوهام والأساطير". وأضاف حواس أن روغان تأثر بشخص يدعى كران هاري، الذي يروج لفكرة أن حجارة الأهرامات جاءت من قارة أخرى، وأن من بناها ليسوا مصريين. وأشار حواس إلى أنه سبق أن طرد هاري من إحدى محاضراته، حين قال هذا الكلام. من جانبه، قال علي أبو دشيش، مستشار حواس، إن روغان طلب إجراء اللقاء منذ أكثر من عام، ونظراً لانشغال حواس، عُقد اللقاء بعد عام من طلبه. وأضاف في تصريحات صحفية أن حواس ظهر في اللقاء بشخصية مصرية معتزة بحضارتها، ودحض كل النظريات الكاذبة عن الأهرامات. في المقابل، وصف روغان الحلقة بأنها "أسوأ بودكاست قدمه على الإطلاق"، مشيراً إلى أنه لم يشعر بالراحة أثناء الحوار، واعتبر أن حواس لم يكن مرناً في النقاش. جاء ذلك خلال حواره مع نجم اتحاد كرة القدم الأميركي، آرون رودجرز. AFP جو روغان الجدير بالذكر أن بودكاست "ذا جو روغان إكسبيريانس" يُبث حصرياً عبر منصة "سبوتيفاي"، ويستقطب ملايين المشاهدين والمستمعين من حول العالم. ويُعرف روغان بأسلوبه الحواري المفتوح والمثير للجدل، وهو ما يمثل تحدياً إعلامياً حقيقياً لأي ضيف. وحواس هو عالم آثار مصري بارز، يُعد من أبرز المتخصصين في علم المصريات على مستوى العالم. تخرج في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، قسم الآثار اليونانية والرومانية، قبل أن يتجه لدراسة المصريات، ويحصل على الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة. شغل حواس عدة مناصب مهمة، من بينها الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، ثم وزير الدولة لشؤون الآثار، وله دور كبير في استعادة العديد من القطع الأثرية المصرية من الخارج. شارك حواس في عشرات البرامج والأفلام الوثائقية على شبكات عالمية مثل "ناشيونال جيوغرافيك" و"ديسكفري". ولحواس مؤلفات كثيرة بالعربية والإنجليزية، ويُعرف بدفاعه الحازم عن الهوية الفرعونية لمصر، ورفضه التام للنظريات غير العلمية التي تنسب بناء الأهرامات لحضارات أخرى.