
الهيب هوب: من أزقة نيويورك إلى مدارس المغرب؟
Getty Images
رياضة البريكينغ أصبحت رياضة أولمبية منذ عام 2018
من أزقة برونكس إلى حجرات الدراسة المغربية، رحلة غير متوقعة يخوضها فن "الهيب هوب"، وسط جدل واسع بين من يراها خطوة نحو مدرسة أكثر انفتاحاً، ومن يعتبرها مساساً بهوية تعليمية تتآكل بالفعل.
أثار تسريب مستند من وزارة التربية الوطنية المغربية عن تنظيم دورة في "الهيب هوب" و"البريكينغ" لأساتذة التربية البدنية موجة نقاش عاصفة، لم تهدأ بعد.
فبينما قدمت الوزارة المبادرة على أنها وسيلة لتنويع المنهج التروبي وتحديث الرياضة المدرسية، رأى آخرون أنها لا تعبّر إلا عن انقطاع إضافي عن السياق الثقافي المغربي.
وثيقة مسرّبة
Facebook
وثيقة رسمية تدعو الأكاديميات لترشيح أساتذة لدورة تدريبية في الهيب هوب بإشراف خبير دولي
بدأ كل شيء مع تداول رسالة رسمية من مديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية، تدعو مديري الأكاديميات في المناطق إلى ترشيح أساتذة لحضور دورة تدريبية يشرف عليها خبير دولي في الهيب هوب.
وسرعان ما انتشرت المذكرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتتحول إلى قضية رأي عام.
الوزارة، بحسب الوثيقة، تهدف إلى إعداد مدرّبين في المناطق بفنون الحركة واللياقة، في إطار اتفاقية شراكة مع "الجامعة الملكية المغربية للرياضات الوثيرية والرشاقة البدنية والهيب هوب".
لكن كثيرين تساءلوا: هل أصبح الهيب هوب أولوية تربوية في بلد تعاني مدرسته العمومية من إشكالات هيكلية مزمنة؟
من بين أبرز الأصوات المعارضة، الباحث المغربي إدريس الكنبوري الذي وصف القرار بـ"الغريب"، لكونه، في رأيه، "يتجاهل المكونات الثقافية التي نصّ عليها دستور 2011، من عربية وأمازيغية وصحراوية وأندلسية وعبرية وإفريقية".
وقال في حديثه لبي بي سي عربي: "الوزارة قفزت على كل هذه الهويات، وجلبت رقصة أمريكية غربية، وكأن الثقافات المحلية غير موجودة، أو كأن الدستور مجرد ديكور خارجي".
الكنبوري يربط بين هذا القرار وما يراه من غياب لرؤية واضحة في السياسة التعليمية المغربية، بحسب تعبيره، مشيراً إلى أن "المدرسة المغربية تتخبط منذ الاستقلال في برامج إصلاحية متلاحقة، لم تفضِ سوى إلى تراجع المردودية وتزايد الارتباك".
ويرى أن التعليم ليس مسألة "إرضاء لرغبات التلاميذ، بل وسيلة لصياغة تلك الرغبات وتهذيبها، محذراً من تحوّل المدرسة إلى امتداد للشارع إذا ما خضعت للموضات العابرة".
في المقابل، يرى المؤيدون للمبادرة أنها تعكس انفتاحاً صحياً على ثقافات العالم، وتستهدف مخاطبة الجيل الرقمي بلغته، خاصة أن الهيب هوب بات جزءاً من المشهد الفني العالمي، بعد أن خرج من حواري نيويورك ليصبح مادة للمهرجانات والمسابقات الرياضية الدولية.
لكن الكنبوري يرد بأن هذا الفن "لا علاقة له بمفهوم الثقافة بالمعنى الأنثروبولوجي"، واصفاً إياه بـ"الموضة" العابرة. ويقارن بينه وبين الفنون المغربية العريقة كـ"الملحون" و"العيطة" و"كناوة"، التي يعتبرها أحقّ بالتدريس لما تحمله من جذور وهوية ورسائل تربط الماضي بالحاضر.
ويضيف: "الملحون شعر مغنّى يوثّق التحولات الاجتماعية، والعيطة صرخة شعبية في وجه الظلم، أما كناوة ففن روحي ممتد من أعماق إفريقيا. هذه الفنون لا تحتاج إلى استيراد، بل إلى تأطير وتحديث ضمن مناهجنا".
إلى أين تتجه الوزارة؟
Getty Images
فرقة الراب المغربية "ذا ديفل سكولز" تؤدي عرضًا ضمن مهرجان "موازين" الموسيقي في الرباط، 11 مايو/أيار 2007
من جانبه، أوضح عبد السلام ميلي، مدير الارتقاء بالرياضة المدرسية بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، في حديث لـ"بي بي سي عربي"، أن فكرة تنظيم الدورة انبثقت عن اتفاقية شراكة قائمة منذ عام 1996 بين الوزارة والجامعة الملكية المغربية للرياضات الوثيرية (التي تشمل الأنشطة الحركية ذات الإيقاع كالأيروبيك والرقص التعبيري) والرشاقة البدنية والهيب هوب، والتي اقترحت تنظيم هذا التدريب بالتعاون مع خبير دولي، كما هو الحال في رياضات أخرى شملت هذا الموسم كرة الطاولة، السباحة، البادمنتون وسباق التوجيه.
وتضمّنت الدورة محاور تقنية وتربوية وتحكيمية، تتيح للأساتذة توجيه التلاميذ وفق معايير مهنية، خاصة بعد تنظيم بطولات وطنية في الهيب هوب والبريكينغ خلال الموسمين الماضيين.
وأشار إلى "أن هذه المبادرة تأتي في سياق الانفتاح على رياضات حديثة تمارس في الواقع خارج المؤسسة التعليمية، لكنها تستقطب اهتمام التلاميذ، موضحاً أن الهدف هو إدماجها ضمن عرض رياضي مدرسي منظّم ومؤطر، دون أن يشكّل ذلك بديلاً عن التربية البدنية الرسمية".
وأضاف ميلي أن هذه الأنشطة تدرج ضمن الجمعية الرياضية المدرسية، وهي أنشطة موازية واختيارية لا تدخل ضمن حصص التربية البدنية الإلزامية. وأكد أن رياضة البريكينغ أصبحت رياضة أولمبية منذ عام 2018، وستكون ضمن ألعاب باريس 2024 وأولمبياد الشباب بدكار 2026، ما يعزّز الحاجة إلى تدريب مشرفين مختصين واكتشاف مواهب قادرة على تمثيل المغرب.
أما اختيار الأساتذة، فأوضح أنه استهدف ممثلين من كل أكاديمية ممن هم منخرطون فعلياً في الرياضة المدرسية، ويبدون اهتماماً بالرياضة المستهدفة، مع التزامهم بتعميم الخبرات المكتسبة على مختلف أنحاء المملكة المغربية.
وبشأن التحفظات التي عبّر عنها بعض الفاعلين، اعتبر ميلي أن ذلك "رد فعل طبيعي"، موضحاً أن العديد من الرياضات الحديثة انطلقت من أنشطة أو سلوكيات يمارسها الشباب بشكل عفوي، خارج أي إطار مؤسساتي منظّم، ثم تطوّرت لتصبح أنشطة منظمة بقوانين وتقنيات تنقيط وتحكيم. وأضاف أن المدرسة لا تقصي هذه الظواهر، بل تعيد تأطيرها تربوياً ضمن ما يعرف في علوم التربية بـ"النقل الديداكتيكي"، الذي يحوّل سلوكاً اجتماعياً شائعاً إلى ممارسة تعليمية واضحة.
وفي ما يخصّ الفنون المغربية التقليدية، أشار ميلي إلى أن الألعاب التراثية تشكل أحد مكونات التربية البدنية ويمكن إدماجها ضمن الخطة التعليمية المعتمدة، كما أُعدّت برامج لإحياء هذا الموروث عبر مهرجانات وبطولات مدرسية وطنية.
واختتم ميلي تصريحاته بالتأكيد على أن "هذا النوع من التكوين لا يُعدّ انحرافاً عن أولويات المدرسة المغربية، بل وسيلة لتوسيع العرض الرياضي، وتحقيق الديمقراطية، واكتشاف المواهب في إطار اختياري لا يخضع للتعميم أو الإلزامية، بل يهدف إلى تمكين التلاميذ من ممارسة أنشطتهم في فضاء مؤطر وآمن".
كيف وصل الهيب هوب إلى العالم العربي؟
Getty Images
في المغرب، ظهرت أسماء بارزة مثل "مسلم" و"ديزي دروس"، وقدّمت أعمالاً تجمع بين إيقاع الهيب هوب وقضايا الشارع المغربي
نشأ الهيب هوب في برونكس، نيويورك، في السبعينيات، وسط أجواء من التهميش والفقر والعنصرية. كان في جوهره حركة احتجاج ثقافي، تضمّ أربعة عناصر: موسيقى الراب، البريك دانس، فن الجرافيتي، وموسيقى الدي جي.
ومع تطور وسائل الإعلام وانتشار الإنترنت، انتقل الهيب هوب إلى مختلف أنحاء العالم. في العالم العربي، بدأ ظهوره مطلع الألفية الجديدة، أولًا في المغرب وتونس ولبنان، حيث تبنته جماعات شبابية كأداة للتعبير عن الإقصاء والبطالة والرقابة الاجتماعية.
في المغرب، ظهرت أسماء بارزة مثل "مسلم" و"ديزي دروس"، وقدّمت أعمالاً تجمع بين إيقاع الهيب هوب وقضايا الشارع المغربي. ومع الوقت، بدأت بعض المؤسسات الرسمية تواكب هذه الظاهرة من خلال دعم مهرجانات أو ورشات تأطير.
ورغم أن هذا الفن بات يحظى بجمهور واسع، لا يزال ينظر إليه – خاصة في الفضاءات التربوية – بكثير من الحذر، لما يرتبط به من رموز تمرد وأحياناً محتوى غير منضبط.
تظهر هذه القضية تصادماً أوسع بين رؤيتين لمستقبل المدرسة: الأولى ترى أن المدرسة يجب أن تواكب التحولات الاجتماعية والثقافية وتحدّث أدواتها، والثانية تحذّر من أن هذا التحديث يجب ألا يتم على حساب الهوية والخصوصية الثقافية.
الكنبوري يقترح، بدل اللجوء إلى الهيب هوب، أن تنفتح المدرسة على تراثها أولاً، عبر دعم الأندية الثقافية، وتطوير برامج في الشعر والموسيقى المحلية، وتنظيم مسابقات في الفنون المغربية التي تعاني من التهميش.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوسط
منذ 19 ساعات
- الوسط
تعرّف على القديسة المراهقة التي قادت جيوش فرنسا وألهمت الحركات السياسية والنسائية
Getty Images في مثل هذا اليوم 30 مايو/أيار من عام 1431 أعدم الإنجليز حرقاً جان دارك، بعد أن اتُهمت بـ"الهرطقة" وعمرها 19 عاماً فقط، وقادت الشابة الفرنسية المقاومة ضد الإنجليز خلال حرب المئة عام بين فرنسا وإنجلترا. وتُعد جان دارك، المعروفة أيضاً باسم "عذراء أورليان"، واحدة من أكثر الشخصيات شهرة في التاريخ العالمي، إذ زعمت فتاة مراهقة من عامة الشعب أنها تلقت إرشادات إلهية ثم قادت جيوشاً إلى النصر ثم أُعدمت حرقاً، وهو الأمر الذي أسر خيال الأجيال على مر العصور. وتُعتبر جان دارك شهيدة وقديسة، ولا تزال حياتها تلهم الأعمال الفنية والأدبية والحركات السياسية. البدايات وحرب المئة عام تقول دائرة المعارف البريطانية، إن جان دارك وُلدت في حوالي عام 1412 في قرية دومريمي الواقعة في شمال شرق فرنسا، على حدود دوقيتي بار ولورين، لأب مزارع يستأجر الأرض التي يفلحها. وتميزت منذ طفولتها بإيمانها العميق وقوة إرادتها، الأمر الذي جعلها مختلفة عن باقي الفتيات في قريتها. ورغم أنها كانت أمية، فإنها تمتعت بذاكرة قوية وبلاغة لافتة. وقد نشأت جان وسط أهوال حرب المئة عام، وهي نزاع طويل الأمد بين المملكتين الفرنسية والإنجليزية بسبب الخلاف حول من يملك الحق في العرش الفرنسي. فقد نصّت معاهدة تروا عام 1420 على حرمان شارل (لاحقاً شارل السابع) ، ابن ووريث ملك فالوا شارل السادس، من العرش لصالح ملك لانكستر الإنجليزي هنري السادس، وهو طفل حينها، فيما تحالفت دوقية بورغندي القوية مع الإنجليز. وكانت المعنويات في فرنسا في أدنى مستوياتها في ذلك الوقت حيث شكك كثيرون في شرعية شارل، كما كانت البلاد غارقة في الفقر والمجاعة والمرض والفوضى، فيما كانت باريس ومناطق واسعة من شمال فرنسا تحت سيطرة الإنجليز. وزاد من الوضع سوءاً بالنسبة لشارل أنه لم يُتوَّج حتى نهاية عام 1427 أي بعد 5 سنوات من وفاة والده، وكانت مدينة ريمس، المكان التقليدي لتنصيب ملوك فرنسا، تقع ضمن الأراضي التي يسيطر عليها أعداؤه. Getty Images النصر في أورليان وفي سن الـ 13، بدأت جان ترى رؤى وصفتها لاحقاً بأنها رسائل من السماء، وذكرت أن القديس ميخائيل، والقديسة كاترين من الإسكندرية، والقديسة مارغريت من أنطاكية ظهروا لها وأمروها بمساندة ولي العهد الفرنسي شارل، ومساعدته في طرد الإنجليز من من مملكة فالوا الفرنسية، وأصبحت هذه الرؤى جوهر رسالتها ومصدر قناعتها العميقة. وكانت قرية جان، دومريمي، تقع على الحدود بين فرنسا الأنجلو-بورغندية ومملكة فالوا الفرنسية. وكان سكان القرية قد اضطروا بالفعل إلى هجر منازلهم أمام تهديدات البورغند. وبتوجيه من أصوات قديسيها، سافرت جان في مايو/أيار من عام 1428، من دومريمي إلى فوكولور، أقرب معقل لا يزال موالياً لشارل، حيث طلبت من قائد الحامية روبرت دي بودريكورت مساعدتها لترتيب لقاء مع شارل. ولم يأخذ دي بودريكورت الفتاة البالغة من العمر حينئذ 16 عاماً ورؤاها على محمل الجد، فعادت أدراجها، لكنها رجعت إلى فوكولور مرة أخرى في يناير/كانون الثاني من عام 1429. وهذه المرة، أكسبها ثباتها الهادئ وتقواها، احترام الناس، وسمح لها القائد بودريكورت، مقتنعاً بأنها ليست ساحرة وليس لديها مشاكل عقلية، بالذهاب إلى شارل في شينون، فغادرت فوكولور حوالي 13 فبراير/شباط، مرتدية ملابس رجال، وبرفقتها 6 رجال مسلحين، وعبرت أراضي يسيطر عليها العدو، وسافرت لمدة 11 يوماً، حتى وصلت شينون. وتوجهت جان فوراً إلى قلعة شارل، الذي كان متردداً في البداية في استقبالها حيث قدّم له مستشاروه نصائح متضاربة، لكنه بعد يومين سمح لها بمقابلته. وفي لقائها الأول به، قيل إنها استطاعت التعرف عليه رغم أنه كان متنكراً بين الحاضرين، وهو ما أثار دهشة الجميع، وأخبرته أنها ترغب في خوض الحرب ضد الإنجليز، وأنها ستقوم بتتويجه في ريمس. وبعد سلسلة من التحقيقات اللاهوتية في بواتييه للتأكد من أنها ليست مهرطقة، أُعلن أنها سليمة العقيدة وجديرة بالثقة. Getty Images قادت جان دارك الجيش الفرنسي لفك الحصار عن أورليان وفي أبريل/ نيسان من عام 1429، حصلت على الموافقة لقيادة جيش لإنقاذ مدينة أورليان، ورغم افتقارها للتدريب العسكري، فإن شجاعتها وخطاباتها النارية لعبت دوراً كبيراً في تحفيز الجنود. وتم حشد قوات فرنسية قوامها عدة مئات من الرجال في بلوا، وفي 27 أبريل/نيسان من عام 1429، انطلقت نحو أورليان. وكانت المدينة، المحاصرة منذ 12 أكتوبر/تشرين الأول 1428، محاطة بشكل شبه كامل بقوات الإنجليز. ومساء 4 مايو/أيار، بينما كانت جان تستريح، نهضت فجأة، وأعلنت أنها يجب أن تذهب لمهاجمة الإنجليز على الفور، واندلع القتال الذي استمر ثلاثة أيام وانتهى بهزيمة الإنجليز وانسحابهم، وشكل هذا النصر نقطة تحول كبيرة في الحرب، ورفع من معنويات الفرنسيين. وغادرت جان أورليان في 9 مايو/أيار، والتقت بشارل في تور إذ حثّته على الإسراع بالتوجه إلى ريمس ليُتوج، ورغم تردده لأن بعض مستشاريه الأكثر حكمة نصحوه بغزو نورماندي، إلا أن إلحاح جان حسم الأمر في النهاية. وخلال المسير نحو ريمس، فتحت المدن أبوابها للجيش الواحدة تلو الأخرى. وفي 16 يوليو/تموز، وصل الجيش الفرنسي إلى ريمس، التي فتحت أبوابها. وفي 17 يوليو/تموز من عام 1429، تُوّج شارل ملكاً في كاتدرائية ريمس بحضور جان، التي وُصفت آنذاك بأنها بطلة الأمة الفرنسية. وكانت هذه لحظة تحقيق النبوءة بالنسبة لجان، وفي اليوم نفسه، كتبت إلى دوق بورغندي، تُناشده فيها إحلال السلام مع الملك. الأَسْر والمحاكمة والإعدام Getty Images رسم لإعدام جان دارك حرقاً بتهمة الهرطقة استمرت المعارك بين الفرنسيين والإنجليز، وفي عام 1430، أثناء مشاركتها في الدفاع عن مدينة كومبيين ضد قوات بورغوندية موالية للإنجليز، أُسرت جان وسُلمت إلى دوق بورغوندي، الذي بدوره سلمها للإنجليز الذين رأوا فيها تهديداً سياسياً ودينياً، وقرروا محاكمتها بتهمة الهرطقة بدلاً من معاملتها كأسيرة حرب. ونُقلت إلى روان حيث جرت محاكمتها تحت إشراف الأسقف بيير كوشون، أحد المؤيدين لبورغوندي. واستمرت المحاكمة عدة أشهر، وخضعت جان لاستجوابات مرهِقة من قبل رجال دين موالين للإنجليز. ورغم صغر سنها، أظهرت جان ثباتاً وقوة شخصية أثناء المحاكمة، وتدل سجلات المحكمة على قدرتها اللافتة على التفكير السريع والدفاع عن نفسها، وكانت التهم تشمل ارتداء ملابس الرجال، وادعاء تلقي وحْيٍ من الرب، وممارسة السلطة الدينية بشكل غير مشروع. وفي 30 مايو/أيار من عام 1431، أُدينت جان بتهمة الهرطقة وأُحرقت حيّة في ساحة بمدينة روان وهي في الـ 19 من عمرها. وروى الشهود أنها واجهت الموت بشجاعة، وقد جُمع رمادها وأُلقي في نهر السين. القداسة والإرث أثارت وفاتها صدمة واسعة، وبعد سنوات بدأت تظهر دعوات لإعادة الاعتبار لها. وفي عام 1456، أمر الملك شارل السابع بإعادة فتح القضية، وتمت محاكمة جديدة انتهت بإعلان براءتها واعتبارها شهيدة. وخلال القرون التالية، ارتفعت مكانة جان دارك، ففي عام 1803، أعلن نابليون بونابرت أنها رمز وطني لفرنسا، وجرى تطويبها في الكنيسة الكاثوليكية عام 1909، وتم إعلان قداستها في عام 1920، وتُعد اليوم إحدى شفيعات فرنسا، ويُحتفَل بذكراها سنوياً في 30 مايو/أيار من كل عام. وقد استخدمتها الحكومات الفرنسية لتعزيز الروح المعنوية سواء في الحرب العالمية الأولى أو الثانية، وتبنتها تيارات سياسية متباينة من الملكيين والجمهوريين إلى اليمين المتطرف واليسار، وكلٌ وفقاً لرؤيته. Getty Images وفي الأدب والفنون، كانت مصدر إلهام لكبار الكُتّاب مثل شكسبير وفولتير ومارك توين، الذي كتب عنها بإعجاب بالغ في روايته "مذكرات جان دارك الشخصية"، أما جورج برنارد شو، فقد قدمها كرمز مأساوي يواجه قوة المؤسسات باسم الضمير الفردي. وتُعتبر جان دارك من الناحية السياسية رمزاً للمقاومة الشعبية، ودليلاً على أن الشجاعة الفردية قادرة على تغيير مجرى التاريخ، وهي بالنسبة للعديد من الفرنسيين تُجسد أيقونة للوطنية النقية. ورغم أنها لم تقدم نفسها كمدافعة عن حقوق النساء، فإن جان دارك تُعد اليوم من رموز القوة النسائية، فقد تحدت الأعراف الاجتماعية، وارتدت زي الرجال، وقادت جيوشاً، وتحدثت باسم الرب إلى ملوك وقساوسة. لقد أدت شجاعتها واستقلاليتها إلى جعلها مصدر إلهام للنساء في مختلف العصور.


الوسط
منذ 2 أيام
- الوسط
الهيب هوب: من أزقة نيويورك إلى مدارس المغرب؟
Getty Images رياضة البريكينغ أصبحت رياضة أولمبية منذ عام 2018 من أزقة برونكس إلى حجرات الدراسة المغربية، رحلة غير متوقعة يخوضها فن "الهيب هوب"، وسط جدل واسع بين من يراها خطوة نحو مدرسة أكثر انفتاحاً، ومن يعتبرها مساساً بهوية تعليمية تتآكل بالفعل. أثار تسريب مستند من وزارة التربية الوطنية المغربية عن تنظيم دورة في "الهيب هوب" و"البريكينغ" لأساتذة التربية البدنية موجة نقاش عاصفة، لم تهدأ بعد. فبينما قدمت الوزارة المبادرة على أنها وسيلة لتنويع المنهج التروبي وتحديث الرياضة المدرسية، رأى آخرون أنها لا تعبّر إلا عن انقطاع إضافي عن السياق الثقافي المغربي. وثيقة مسرّبة Facebook وثيقة رسمية تدعو الأكاديميات لترشيح أساتذة لدورة تدريبية في الهيب هوب بإشراف خبير دولي بدأ كل شيء مع تداول رسالة رسمية من مديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية، تدعو مديري الأكاديميات في المناطق إلى ترشيح أساتذة لحضور دورة تدريبية يشرف عليها خبير دولي في الهيب هوب. وسرعان ما انتشرت المذكرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتتحول إلى قضية رأي عام. الوزارة، بحسب الوثيقة، تهدف إلى إعداد مدرّبين في المناطق بفنون الحركة واللياقة، في إطار اتفاقية شراكة مع "الجامعة الملكية المغربية للرياضات الوثيرية والرشاقة البدنية والهيب هوب". لكن كثيرين تساءلوا: هل أصبح الهيب هوب أولوية تربوية في بلد تعاني مدرسته العمومية من إشكالات هيكلية مزمنة؟ من بين أبرز الأصوات المعارضة، الباحث المغربي إدريس الكنبوري الذي وصف القرار بـ"الغريب"، لكونه، في رأيه، "يتجاهل المكونات الثقافية التي نصّ عليها دستور 2011، من عربية وأمازيغية وصحراوية وأندلسية وعبرية وإفريقية". وقال في حديثه لبي بي سي عربي: "الوزارة قفزت على كل هذه الهويات، وجلبت رقصة أمريكية غربية، وكأن الثقافات المحلية غير موجودة، أو كأن الدستور مجرد ديكور خارجي". الكنبوري يربط بين هذا القرار وما يراه من غياب لرؤية واضحة في السياسة التعليمية المغربية، بحسب تعبيره، مشيراً إلى أن "المدرسة المغربية تتخبط منذ الاستقلال في برامج إصلاحية متلاحقة، لم تفضِ سوى إلى تراجع المردودية وتزايد الارتباك". ويرى أن التعليم ليس مسألة "إرضاء لرغبات التلاميذ، بل وسيلة لصياغة تلك الرغبات وتهذيبها، محذراً من تحوّل المدرسة إلى امتداد للشارع إذا ما خضعت للموضات العابرة". في المقابل، يرى المؤيدون للمبادرة أنها تعكس انفتاحاً صحياً على ثقافات العالم، وتستهدف مخاطبة الجيل الرقمي بلغته، خاصة أن الهيب هوب بات جزءاً من المشهد الفني العالمي، بعد أن خرج من حواري نيويورك ليصبح مادة للمهرجانات والمسابقات الرياضية الدولية. لكن الكنبوري يرد بأن هذا الفن "لا علاقة له بمفهوم الثقافة بالمعنى الأنثروبولوجي"، واصفاً إياه بـ"الموضة" العابرة. ويقارن بينه وبين الفنون المغربية العريقة كـ"الملحون" و"العيطة" و"كناوة"، التي يعتبرها أحقّ بالتدريس لما تحمله من جذور وهوية ورسائل تربط الماضي بالحاضر. ويضيف: "الملحون شعر مغنّى يوثّق التحولات الاجتماعية، والعيطة صرخة شعبية في وجه الظلم، أما كناوة ففن روحي ممتد من أعماق إفريقيا. هذه الفنون لا تحتاج إلى استيراد، بل إلى تأطير وتحديث ضمن مناهجنا". إلى أين تتجه الوزارة؟ Getty Images فرقة الراب المغربية "ذا ديفل سكولز" تؤدي عرضًا ضمن مهرجان "موازين" الموسيقي في الرباط، 11 مايو/أيار 2007 من جانبه، أوضح عبد السلام ميلي، مدير الارتقاء بالرياضة المدرسية بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، في حديث لـ"بي بي سي عربي"، أن فكرة تنظيم الدورة انبثقت عن اتفاقية شراكة قائمة منذ عام 1996 بين الوزارة والجامعة الملكية المغربية للرياضات الوثيرية (التي تشمل الأنشطة الحركية ذات الإيقاع كالأيروبيك والرقص التعبيري) والرشاقة البدنية والهيب هوب، والتي اقترحت تنظيم هذا التدريب بالتعاون مع خبير دولي، كما هو الحال في رياضات أخرى شملت هذا الموسم كرة الطاولة، السباحة، البادمنتون وسباق التوجيه. وتضمّنت الدورة محاور تقنية وتربوية وتحكيمية، تتيح للأساتذة توجيه التلاميذ وفق معايير مهنية، خاصة بعد تنظيم بطولات وطنية في الهيب هوب والبريكينغ خلال الموسمين الماضيين. وأشار إلى "أن هذه المبادرة تأتي في سياق الانفتاح على رياضات حديثة تمارس في الواقع خارج المؤسسة التعليمية، لكنها تستقطب اهتمام التلاميذ، موضحاً أن الهدف هو إدماجها ضمن عرض رياضي مدرسي منظّم ومؤطر، دون أن يشكّل ذلك بديلاً عن التربية البدنية الرسمية". وأضاف ميلي أن هذه الأنشطة تدرج ضمن الجمعية الرياضية المدرسية، وهي أنشطة موازية واختيارية لا تدخل ضمن حصص التربية البدنية الإلزامية. وأكد أن رياضة البريكينغ أصبحت رياضة أولمبية منذ عام 2018، وستكون ضمن ألعاب باريس 2024 وأولمبياد الشباب بدكار 2026، ما يعزّز الحاجة إلى تدريب مشرفين مختصين واكتشاف مواهب قادرة على تمثيل المغرب. أما اختيار الأساتذة، فأوضح أنه استهدف ممثلين من كل أكاديمية ممن هم منخرطون فعلياً في الرياضة المدرسية، ويبدون اهتماماً بالرياضة المستهدفة، مع التزامهم بتعميم الخبرات المكتسبة على مختلف أنحاء المملكة المغربية. وبشأن التحفظات التي عبّر عنها بعض الفاعلين، اعتبر ميلي أن ذلك "رد فعل طبيعي"، موضحاً أن العديد من الرياضات الحديثة انطلقت من أنشطة أو سلوكيات يمارسها الشباب بشكل عفوي، خارج أي إطار مؤسساتي منظّم، ثم تطوّرت لتصبح أنشطة منظمة بقوانين وتقنيات تنقيط وتحكيم. وأضاف أن المدرسة لا تقصي هذه الظواهر، بل تعيد تأطيرها تربوياً ضمن ما يعرف في علوم التربية بـ"النقل الديداكتيكي"، الذي يحوّل سلوكاً اجتماعياً شائعاً إلى ممارسة تعليمية واضحة. وفي ما يخصّ الفنون المغربية التقليدية، أشار ميلي إلى أن الألعاب التراثية تشكل أحد مكونات التربية البدنية ويمكن إدماجها ضمن الخطة التعليمية المعتمدة، كما أُعدّت برامج لإحياء هذا الموروث عبر مهرجانات وبطولات مدرسية وطنية. واختتم ميلي تصريحاته بالتأكيد على أن "هذا النوع من التكوين لا يُعدّ انحرافاً عن أولويات المدرسة المغربية، بل وسيلة لتوسيع العرض الرياضي، وتحقيق الديمقراطية، واكتشاف المواهب في إطار اختياري لا يخضع للتعميم أو الإلزامية، بل يهدف إلى تمكين التلاميذ من ممارسة أنشطتهم في فضاء مؤطر وآمن". كيف وصل الهيب هوب إلى العالم العربي؟ Getty Images في المغرب، ظهرت أسماء بارزة مثل "مسلم" و"ديزي دروس"، وقدّمت أعمالاً تجمع بين إيقاع الهيب هوب وقضايا الشارع المغربي نشأ الهيب هوب في برونكس، نيويورك، في السبعينيات، وسط أجواء من التهميش والفقر والعنصرية. كان في جوهره حركة احتجاج ثقافي، تضمّ أربعة عناصر: موسيقى الراب، البريك دانس، فن الجرافيتي، وموسيقى الدي جي. ومع تطور وسائل الإعلام وانتشار الإنترنت، انتقل الهيب هوب إلى مختلف أنحاء العالم. في العالم العربي، بدأ ظهوره مطلع الألفية الجديدة، أولًا في المغرب وتونس ولبنان، حيث تبنته جماعات شبابية كأداة للتعبير عن الإقصاء والبطالة والرقابة الاجتماعية. في المغرب، ظهرت أسماء بارزة مثل "مسلم" و"ديزي دروس"، وقدّمت أعمالاً تجمع بين إيقاع الهيب هوب وقضايا الشارع المغربي. ومع الوقت، بدأت بعض المؤسسات الرسمية تواكب هذه الظاهرة من خلال دعم مهرجانات أو ورشات تأطير. ورغم أن هذا الفن بات يحظى بجمهور واسع، لا يزال ينظر إليه – خاصة في الفضاءات التربوية – بكثير من الحذر، لما يرتبط به من رموز تمرد وأحياناً محتوى غير منضبط. تظهر هذه القضية تصادماً أوسع بين رؤيتين لمستقبل المدرسة: الأولى ترى أن المدرسة يجب أن تواكب التحولات الاجتماعية والثقافية وتحدّث أدواتها، والثانية تحذّر من أن هذا التحديث يجب ألا يتم على حساب الهوية والخصوصية الثقافية. الكنبوري يقترح، بدل اللجوء إلى الهيب هوب، أن تنفتح المدرسة على تراثها أولاً، عبر دعم الأندية الثقافية، وتطوير برامج في الشعر والموسيقى المحلية، وتنظيم مسابقات في الفنون المغربية التي تعاني من التهميش.


الوسط
منذ 2 أيام
- الوسط
كيف فاز تشيلسي بدوري المؤتمر الأوروبي؟
Getty Images تشيلسي أول فريق يفوز بجميع بطولات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الخمس تساءل كثيرون عن مدى أهمية الفوز ببطولة دوري المؤتمر الأوروبي بالنسبة لنادي تشيلسي الإنجليزي، لكن الشكوك تبددت مع صفارة النهاية. وتغلب فريق "البلوز" على كل منافسيه تقريباً، في المسابقة الثالثة من بطولات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الخاصة بالأندية، خلال مسيرة الفريق إلى النهائي، لكنهم تعرضوا لاختبار حقيقي أمام ريال بيتيس في مدينة فروتسواف ببولندا، خصوصاً في الشوط الأول. وفي الشوط الثاني، احتفل اللاعبون بشدة خلال تسجيلهم أربعة أهداف مقابل هدف واحد، ثم احتفلوا مجدداً بعد الفوز كما لو أنهم لم يتوجوا بأي بطولة كبرى أخرى. وصنع كول بالمر، رجل المباراة، هدفين لكل من إنزو فرنانديز ونيكولاس جاكسون، فيما سجل جيدون سانشو ومويسيس كايسيدو الهدفين الآخرين. وقال حارس تشيلسي السابق، مارك شوارزر، لإذاعة بي بي سي 5، "الفوز بهذه الكأس إنجاز كبير"، وأضاف "يمكنك أن ترى ما يعنيه ذلك بالنسبة لهم ومدى أهمية الفوز به". وتابع "هذا هو جوهر الأمر. يتعلق الأمر ببناء تلك الرابطة، وتجربة الفوز بكأس". وهذه أول بطولة يحققها تشيلسي منذ كأس العالم للأندية في فبراير/شباط 2022، وأول لقب في مسابقة تعتبر كبرى منذ فوزه بدوري أبطال أوروبا عام 2021. وقال لاعب وسط تشيلسي السابق، جو كول، خلال تحليله للمباراة عبر قناة تي إن تي سبورت، "البعض يستخف بهذه البطولة، لكن انظر إلى وجوه اللاعبين، والجهاز الفني، والجماهير وهي تبتسم. هذا هو جوهر الأمر". وقالت المحللة، لوسي وورد: "يسخر الناس من هذه البطولة، لكنها تعني الكثير لهؤلاء اللاعبين في تشيلسي، لأنها تشكل منصة للانطلاق نحو دوري أبطال أوروبا هذا الموسم". تسلط بي بي سي الضوء على رحلة تشيلسي في بطولة دوري المؤتمر الأوروبي. كاد أن يُقصى مبكراً EPA في الحقيقة، كان مشوار تشيلسي الأوروبي على وشك الانتهاء في أغسطس/آب الماضي. ودوري المؤتمر الأوروبي هو المسابقة الأوروبية الوحيدة التي يتعين على الأندية الإنجليزية خوض جولة تصفيات فيها. في تلك الجولة، كان "البلوز" متقدماً على فريق سيرفيت السويسري 3-0 في مجموع المباراتين بعد مرور 14 دقيقة من مباراة الإياب، بعد فوزه 2-0 في ستامفورد بريدج وتقدمه المبكر في جنيف. لكن سيرفيت نجح في تقليص الفارق بهدفين، وبعد توقف المباراة بسبب إطلاق الألعاب النارية، كاد أصحاب الأرض أن يسجلوا هدفاً في الدقيقة 94 ليفرضوا وقتاً إضافياً. وقال المدير الفني لتشيلسي، إنزو ماريسكا، والذي كان يخوض رابع مباراة له فقط في المنصب، "في نهاية هذا النوع من المباريات، لديك الكثير لتخسره وليس الكثير لتفوز به". تغييرات بالجملة لكل مباراة ظاهرة تدوير اللاعبين وإراحتهم في البطولات الثانوية ليست جديدة، لكن تشيلسي أخذها إلى مستوى آخر في دوري المؤتمر هذا الموسم. فبلغ متوسط التغييرات في تشيلسي 8.5 في كل مباراة أوروبية، استناداً إلى التشكيلة السابقة التي لعب بها في الدوري الإنجليزي الممتاز. ووصل الأمر لوجود فريق يخوض مباريات الدوري الإنجليزي وآخر خاص بدوري المؤتمر الأوروبي، مع تداخل ضئيل بين التشكيلتين. كما شهدت تشكيلة الفريق تغييرات كبيرة في مسابقتي الكأسين المحليتين، رغم خروج النادي منهما من الدور الثاني. ولم يكن المهاجم الإنجليزي بالمر، نجم الفريق، مسجَّلاً في قائمة الفريق الأوروبية إلا مع بداية المباريات الإقصائية. ومع انطلاق لقاءات خروج المغلوب، بدأ تشيلسي في إشراك المزيد من لاعبي الفريق الأول، مثل بالمر، وكايسيدو، ومارك كوكوريلا. ورغم ذلك، لم يقل عدد التغييرات التي أُجريت على التشكيلة عن 5 تغييرات، مقارنة بمباراتهم الأخيرة في الدوري، بما في ذلك المباراة النهائية. وشارك 18 لاعباً من تشيلسي في مباريات دوري المؤتمر أكثر من مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم. ومن بين هؤلاء خمسة لاعبين غادروا النادي في يناير/كانون الثاني. لاعب خط الوسط، كيرنان ديوسبري هال، الذي شارك في جميع المباريات الأوروبية الـ15، لعب 13 مباراة بالدوري. أما مارك غويو، الذي سجل ستة أهداف في دوري المؤتمر وبفارق هدفين فقط عن هداف المسابقة، لم يبدأ أي مباراة في الدوري. ومع ذلك، شهدت المباراة النهائية تشكيلة أقوى، إذ أُجري أربعة تغييرات فقط مقارنةً بالفريق الذي فاز على نوتنغهام فورست في الدوري، الأحد الماضي، ليضمن النادي مقعداً في دوري أبطال أوروبا. وقال جناح تشيلسي السابق، بات نيفين، لإذاعة بي بي سي 5، "تشيلسي يملك أموالاً أكثر بكثير من أي نادٍ آخر يشارك في هذه البطولة". وأضاف "لكنهم أظهروا احتراماً للبطولة بقولهم: 'لن نُشرك أضعف تشكيلة ممكنة، بل سنُشرك ما يكفي لضمان التأهل'.". وتابع: "لا بد لي من القول، بالنظر إلى كل ما حدث، إن إنزو ماريسكا قام بعمل رائع". أصغر لاعب PA Media المدافع جوش أتشيمبونج أحد 18 لاعباً في تشيلسي شاركوا في دوري المؤتمر أكثر من الدوري الإنجليزي هذا الموسم منح تشيلسي الكثير من لاعبيه الشباب فرصة المشاركة في دوري المؤتمر الأوروبي هذا الموسم. شارك ستة لاعبين، لم يسبق لهم الظهور في الدوري الإنجليزي الممتاز، في مباريات الفريق الأوروبية هذا الموسم. ومن بين هؤلاء، ريغي والش (16 عاماً)، الذي بات أصغر لاعب في تشيلسي منذ عام 1967، عندما لعب مباراتي نصف النهائي ضد فريق يورغوردينس. شارك ثمانية لاعبين من الأكاديمية في أول مباراة لهم في البطولة، حيث ظهر المهاجم تيريك جورج البالغ 19 عاماً، 13 مرة في دوري المؤتمر مقارنة بـ 11 مشاركة في المسابقات المحلية. وبدأ المدافع جوش أتشيمبونج، البالغ 19 عاماً، سبع مباريات من أصل تسع مباريات مع تشيلسي كانت في دوري المؤتمر. كما شارك صموئيل راك ساكيي، 20 عاماً، أربع مرات في الدوري، لكن مشاركته المحلية الأكبر كانت في كأس الرابطة الإنجليزية مع فريق تشيلسي تحت 23 عاماً. لكن لم يشارك أي منهم في المباراة النهائية أمام بيتيس. أطول رحلة خاض تشيلسي هذا الموسم مواجهة أمام عدد من أسماء فرق غير مألوفة في البطولة الثالثة الأوروبية. وقبل مواجهة ريال بيتيس، كان هايدنهايم الفريق الوحيد من بين فرق الدوريات الخمسة الكبرى في أوروبا الذي التقى به تشيلسي، وهو الفريق الذي أنهى الموسم بالمشاركة في مباريات الملحق للبقاء أو الصعود في الدوري الألماني. قال مدرب هايدنهايم، فرانك شميت، الذي يشرف على الفريق منذ أن كان في الدرجة الخامسة عام 2007، "من الصعب تصديق أن فريقاً مثل تشيلسي بات يلاحقنا الآن، خاصة بعد فوزنا في أول ثلاث مباريات". لكنه قال "الحقيقة هي أنهم ليسوا هنا لمباراة ودية، ولسنا مضطرين لدفع أي أموال لهم. إنها مباراة تنافسية. هايدنهايم والمنطقة بأكملها متحمسة للغاية". واستضاف تشيلسي، الفريق الأرميني إف سي نوح، في ملعب ستامفورد بريدج. وقال روي موتا مدرب نادي نوح: "التواجد في دوري المؤتمر بمثابة نقطة جذب للنادي، لإظهار أنفسنا لكرة القدم الأوروبية، لأن الجميع الآن يعرفون من هو إف سي نوح". ثم جاءت أطول رحلة أوروبية على الإطلاق، لقطع مسافة 7000 ميل إلى كازاخستان لمواجهة أستانا. واستغرقت الرحلة ثماني ساعات، إذ اضطرت لتجنب مسار طيران مباشر فوق روسيا وأوكرانيا والشرق الأوسط، وسط صراعات متعددة مستمرة. وبقي العديد من لاعبي الفريق الأول في لندن. ولُعبت المباراة في درجة حرارة بلغت -11 مئوية. 45 هدفاً بينهم 8 في مباراة واحدة كانت اللحظات المرعبة أمام فريق سيرفيت في أغسطس/آب، أقرب نقطة كان يمكن أن يودع فيها تشيلسي البطولة طوال الموسم. لكن الفريق عبر بسهولة بقية المواجهات، إذ فاز في كل مباراة من دور المجموعات بفارق هدفين أو أكثر. كما فاز في جميع مواجهات الأدوار الإقصائية، وبينها النهائي، بفارق هدفين أو أكثر. وكان أكبر انتصار هو الفوز الساحق 8-0 على نادي إف سي نوح الأرمني في نوفمبر/تشرين الثاني، وهو ثاني أكبر فوز في تاريخ تشيلسي، والأكبر في دوري المؤتمر حتى الآن. ورفع ذلك، رصيد الفريق إلى 16 هدفاً في أول ثلاث مباريات في البطولة، وأنهوا دور المجموعات مع 26 هدفاً في ست مباريات، وسجل الفريق 45 هدفاً في 15 مباراة. ودفع نجاح فريق نوح، لاعب خط وسط تشيلسي والمنتخب الإنجليزي السابق جو كول، إلى القول لشبكة تي إن تي سبورت، "لا ينبغي أن يكون تشيلسي في هذه المسابقة، ولكن هذا هو المكان الذي هو فيه". وأضاف "لن تبدأ هذه البطولة بالنسبة لتشيلسي إلا في ربع النهائي أو نصف النهائي. إنهم المرشحون الأوفر حظًا للفوز بها، وهذا ما ينبغي أن يكونوا عليه". ولم يتأخر الفريق في أي جولة من مراحل الأدوار الإقصائية، إذ تغلبوا على كوبنهاغن بمجموع 3-1، وليغيا وارسو 4-2، ويورغوردينس 5-1. إذن ... ما مدى أهمية هذا الأمر بالنسبة لتشيلسي؟ Getty Images تشيلسي فاز بدوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي ودوري المؤتمر وكأس السوبر وكأس العالم للأندية منذ آخر لقب محلي له (كأس الاتحاد الإنجليزي 2018) كان الاحتفال بالفوز البطولات السابقة في مسابقة دوري المؤتمر ضخماً. أنهى فريق روما، بقيادة جوزيه مورينيو، صيامه عن الألقاب لمدة 14 عاماً عندما تغلب على فينورد في عام 2022. ومنح هدف، جارود بوين، في اللحظة الأخيرة لفريق وست هام يونايتد، بقيادة ديفيد مويس، ضد فيورنتينا في عام 2023، اللندنيين أول كأس لهم منذ 43 عاماً. وبتغلبه على فيورنتينا العام الماضي، أصبح أوليمبياكوس أول فريق يوناني يفوز بكأس أوروبية للأندية. لكن بالنسبة لتشيلسي، الفريق الذي اعتاد على حصد الألقاب الأوروبية السابقة، لم يكن الشعور نفسه في التحضيرات، وحتى أنه لم يبع الفريق كامل تذاكره المخصصة للنهائي، والبالغة 12500 تذكرة. لكن لم تكن هناك احتفالات خافتة في النهاية، حيث بدا أن لاعبي تشيلسي، والجهاز الفني، والمشجعين داخل الملعب استمتعوا باللقب بقدر ما استمتعوا بأي بطولة أخرى فازوا بها. وقال المدافع ليفي كولويل (22 عاماً): "يمكنك أن ترى الطريقة التي يحتفل بها المشجعون الآن، وهذا يظهر مدى أهمية الأمر بالنسبة لهم". وأوضح جو كول الذي فاز بثلاثة ألقاب في الدوري الإنجليزي الممتاز مع البلوز، "جماهير تشيلسي متطلبة للغاية لأنها اعتادت على الفوز". وأضاف "الآن بعد أن شاهدوا هذا الفريق يفوز، أصبح لديهم المزيد من الثقة، وكذلك اللاعبون. أشعر أن هناك حقبة جيدة حقاً قادمة".