
"جي بي يو-57" قنابل أميركية خارقة للتحصينات تتمناها إسرائيل
"القنابل الخارقة للتحصينات" مصطلح عام يُستخدم لوصف القنابل المصممة لاختراق أعماق الأرض قبل الانفجار. وتختص الولايات المتحدة الأميركية بصنع هذا النوع من القنابل، وخاصة قنابل "جي بي يو-57" (GBU-57)، وهو اسم يختصر عبارة "وحدة القنابل الموجهة".
تعرف هذه القنابل بكبر حجمها وبوزنها الثقيل وقدرتها على الاختراق ما يجعلها سلاحا فريدا وفتاكا في ترسانة الولايات المتحدة، وهي مخصصة للمواقف الحربية التي تتطلب تدمير منشآت تحت الأرض شديدة التحصين.
التسمية
تعرف "القنابل الخارقة للتحصينات" في الولايات المتحدة بالاسم الفني "جي بي يو -57″، وتعني "وحدة القنابل الموجهة"، لأنها تعتمد على أنظمة توجيه دقيقة، وباللغة العسكرية فهي "سلاح ضخم خارق للتحصينات" (Massive Ordnance Penetrator)، لأنها تخترق البنايات والأنفاق المحصنة تحت الأرض قبل أن تنفجر.
المواصفات الفنية
الوزن والحجم: تزن هذه القنبلة عموما 30 ألف رطل (13.6 طنا)، ويبلغ طولها 6.2 أمتار، مما يمكنها من اختراق المباني المحصنة صخريا أو بالفولاذ أو الخرسانة الإسمنتية.
اختراق عميق: صُممت هذه القنبلة لإحداث اختراق عميق في المواقع المستهدفة، يصل مداه عموما إلى 60 مترا قبل أن تنفجر، ويمكن أن يكون الاختراق أعمق من ذلك، وذلك حسب طبيعة المواد المستعملة في أسطح التحصين (فولاذ، خرسانة…) أو طبيعة المخبأ في حد ذاته (صخور جبلية، حجارة أو غيرها من المواد الصلبة).
توجيه دقيق: القنبلة موجهة بشكل دقيق اعتمادا على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وذلك لإصابة أهدافها بدقة.
ولإصابة الأهداف العميقة تحمل القنبلة رأسا حربية تقليدية، كما أنها مزودة بغلاف من السبائك الفولاذية عالية الأداء، وبشحنة متفجرة كبيرة لتدمير الأهداف المحصنة في الأعماق، سواء تحت الأرض أو تحت البنى الصخرية أو غيرها من المعاقل الصلبة.
طائرة (قاذفة) خاصة
نظريا يُمكن لأي طائرة أو قاذفة قادرة على حمل ما وزنه حوالي 30 ألف رطل أن تنقل تلك القنبلة، لكن الولايات المتحدة لم تجهز بعد لحمل هذه القنبلة سوى قاذفتها الشبح "بي-2″، التي يستعملها حصريا سلاح الجو الأميركي، وهي من إنتاج شركة نورثروب غرومان.
إعلان
وبحسب الشركة المصنعة، فإن الطائرة "بي-2" قادرة على حمل شحنة تصل إلى 40 ألف رطل (18 طنا)، لكن القوات الجوية الأميركية تقول إنها اختبرت بنجاح هذه الطائرة محملة بقنابل خارقة للتحصينات بوزن إجمالي يبلغ نحو 60 ألف رطل (27.2 طنا).
ويمكن للقاذفة "بي-2" أن تحلق إلى مسافة تقدر بنحو 7 آلاف ميل (11 ألف كيلومتر) دون التزود بالوقود و11500 ميل (18500 كيلومتر) مع التزود بالوقود لمرة واحدة، وهو ما يعني أنه بإمكانها الوصول لأي نقطة في العالم في غضون ساعات، بحسب شركة نورثروب غرومان.
التصنيع والأهداف
بدأت الولايات المتحدة تصنيع هذا النوع من القنابل الخارقة للتحصينات عام 2004 في فترة إدارة الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش (2001-2009)، وذلك في أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
وكان الهدف من تصنيع تلك القنبلة هو اختراق وتفجير النقاط الجبلية التي يُعتقد أنها تأوي بعضا من أعمق المنشآت النووية في إيران وكوريا الشمالية.
وقد بدأت الولايات المتحدة في تصنيع تلك القنابل بعد أن أظهرت تحليلات القنابل الخارقة للتحصينات المستخدمة آنذاك أنها تفتقر إلى قوة الاختراق اللازمة لبعض الأهداف المحصنة.
وحسب صحيفة نيويورك تايمز ، فقد تم اختبار هذا النوع من القنابل الخارقة للتحصينات لأول مرة في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب (2017-2021)، وذلك لغرض تدمير أي أسلحة دمار شامل مخبأة في منشآت محمية جدا أو مدفونة على عمق كبير.
الاستعمالات المحتملة
يعد هذا النوع من القنابل سلاحا فتاكا بالغ الفعالية والنجاعة لضرب المنشآت المدفونة على عمق كبير، مثل تلك الموجودة في بلدان يُعتقد أنها تطور أسلحة نووية أو قدرات عسكرية حساسة أخرى.
وفي بعض الأحيان لا يتم الاكتفاء بإسقاط قنبلة واحدة بل يمكن إسقاط القنابل واحدة تلو الأخرى، مما يؤدي إلى حفر أعمق مع توالي الانفجارات.
الكلفة والفعالية
تقدر كلفة تصنيع قنبلة واحدة من هذا النوع بحوالي 400 إلى 500 مليون دولار، ومن المرجح أن تكون الإصدارات المُطورة لاحقا أعلى تكلفة، وحسب صحيفة وول ستريت جورنال ، فإن الولايات المتحدة صنعت إلى حدود عام 2025 نحو 20 قنبلة خارقة للتحصينات.
وتثار تساؤلات حول التناسب بين الكلفة الإجمالية لهذه القنابل والغاية من صنعها، في ظل محدودية السيناريوهات الحربية والقتالية التي تتطلب استعمالها، إضافة إلى اعتمادها على نوع خاص من الطائرات لحملها وإلقائها.
استعمال محتمل ضد إيران
تزايد الحديث عن هذا النوع من القنابل منذ أن بدأت إسرائيل في 13 يونيو/حزيران 2025 هجوما جويا واسع النطاق على إيران قبل أن ترد طهران لاحقا ويدخل البلدان في مواجهات بالصواريخ والطائرات المسيرة.
ويعتقد المتابعون أن استعمال القنابل الخارقة للتحصينات بات من الخيارات المطروحة لدعم إسرائيل في إلحاق أضرار جسيمة بمحطة فوردو لتخصيب الوقود النووي، التي تم تشييدها في منطقة جبلية على بعد 95 كلم جنوب غرب العاصمة طهران .
وإذا قررت الولايات المتحدة علنا دعم إسرائيل بشكل مباشر وفعال في هجومها على إيران، فسيكون أحد الخيارات المتاحة لواشنطن هو توفير هذا النوع من القنابل.
ويطرح ذلك الدعم بعض الأسئلة بشأن طريقة الاستعمال لأن الولايات المتحدة هي التي تملك حصريا كل المعرفة التقنية واللوجستية المتصلة بالقنبلة وهو ما يعني أن استعمالها في تلك الحرب يجب أن يتم بطائرة أميركية وبطاقم أميركي.
كما يثير استعمال تلك القنابل في قصف محطة فوردو مخاوف سياسية وأخرى نووية، إذ أن القصف الأميركي المباشرة لتلك المحطة المحورية في البرنامج النووي الإيراني من شأنه أن يؤثر سلبا على المفاوضات ذات الصلة بين واشنطن وطهران.
من جهة أخرى فإن أكدت أن إيران تُنتج يورانيوم عالي التخصيب في فوردو، وهو ما يزيد من احتمال تسرب مواد نووية للمنطقة في حال استخدام هذا النوع من القنابل لضرب المنشأة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
الصورة الكبرى لتغير المناخ والذكاء الاصطناعي
في أحدث ت قرير للمخاطر العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، تصدّر تغير المناخ والمخاطر المتعلقة بالذكاء الاصطناعي قائمة أكبر 10 مخاطر عالمية في العقد المقبل. كما يُشير التقرير إلى الترابط بين المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية والمجتمعية، والمخاطر البيئية والتكنولوجية. وُجد الذكاء الاصطناعي بشكل ما منذ خمسينيات القرن الماضي، ولكن مع إطلاق "شات جي بي تي" (ChatGPT) في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، انتشر استخدامه على نطاق واسع. في غضون شهرين، جذب برنامج الدردشة الآلي أكثر من 100 مليون مستخدم نشط. وبينما سلّط "شات جي بي تي" -ولاحقا غيره من المنصات- الضوء على إمكانات الذكاء الاصطناعي في زيادة الوصول إلى المعرفة، وإعادة تشكيل صناعات بأكملها، إلا أن لهذه التقنية آثارا ضارة على البيئة والمناخ. تنبع الآثار البيئية للذكاء الاصطناعي من استهلاك الطاقة في تدريب نماذجه، والاستنتاجات من الاستخدام اليومي لأدواته، واستخدام المياه لتبريد مراكز البيانات التي تُشغّله، والبصمة الكربونية للأجهزة. بصمة كربونية هائلة وكشف سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة أوبن إيه آي" (OpenAI)، مؤخرا أن مجرد قول "من فضلك" و"شكرا لك" لـ "شات جي بي تي" يضيف عشرات الملايين من الدولارات إلى تكاليف الحوسبة بسبب ارتفاع استهلاك الطاقة، وأطنانا من الكربون. كما أفادت التقارير أن شركة "أوبن إيه آي" استهلكت حوالي 1287 ميغاواط/ساعة من الكهرباء لتدريب نموذج "GPT-3″ الخاص بها فقط، وهو ما يعادل الطاقة اللازمة لتشغيل أكثر من 120 منزلا أميركيا لمدة عام وفق التقديرات. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كشفت دراسة أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تؤدي إلى انبعاث أكثر من 102 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا. كما تشير تقديرات إلى أن مراكز البيانات على مستوى العالم تستهلك حاليا ما بين 1% و2% من إجمالي الكهرباء العالمية. و أظهرت دراسة حول البصمة المائية للذكاء الاصطناعي أنه بناء على وقت ومكان نشره، يستهلك نظام " شات جي بي تي 3″ زجاجة مياه سعة 500 مليلتر لما يتراوح بين 10و50 استجابة متوسطة. كما وجدت الدراسة نفسها أن من المتوقع أن يصل سحب المياه من الاستخدام العالمي للذكاء الاصطناعي إلى ما بين 4.2 و6.6 مليارات متر مكعب من المياه في عام 2027، متجاوزا إجمالي سحب المياه السنوي من الدانمارك بمقدار يتراوح بين 4 و6 مرات. وتؤدي صناعة الذكاء الاصطناعي أيضا إلى تأثيرات غير مباشرة على البيئة، إذ من الممكن أن يجعل الإنتاج في جميع القطاعات أكثر كفاءة وأقل تكلفة، مما قد يؤدي إلى زيادة الاستهلاك وبالتالي زيادة الطلب على الموارد الطبيعية واستنزافها. كما أن زيادة الاعتماد على التوصيل السريع والتجارة الإلكترونية التي ينظمها الذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى زيادة انبعاثات الكربون من وسائل النقل بجميع أنواعها. ويؤثر بناء مراكز البيانات والبنية التحتية اللازمة للذكاء الاصطناعي التي قد تتطلب مساحات كبيرة من الأراضي، على النظم البيئية الطبيعية والتنوع البيولوجي، كما يؤدي استخراج الموارد لتصنيع الأجهزة إلى إزالة الغابات وتدمير الموائل الطبيعية. مخاطر غياب الشفافية وعلى الرغم من هذه التأثيرات، لا توجد حتى الآن طريقة موحدة لقياس الانبعاثات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي بسبب الافتقار إلى الشفافية من جانب مقدمي الخدمات، والتباين في كثافة الكربون في شبكات الطاقة المحلية، وتنوع أدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة. ومع تزايد انخراط الذكاء الاصطناعي في العمليات التجارية، تبرز مخاوف أخلاقية أخرى. تشمل هذه المخاوف خصوصية البيانات، وغياب الشفافية والمساءلة عن القرارات التي يحركها الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى فقدان الوظائف. في استطلاع رأي أجرته كلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عام 2024، أعرب 52% من المشاركين عن اعتقادهم أن المؤسسات لا تُوسّع قدراتها على إدارة المخاطر بما يكفي لمعالجة المخاطر المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. كما تبرز قضايا الشفافية والمساءلة عندما تُعرف تقنيات الذكاء الاصطناعي بأنها تعمل كـ"صناديق سوداء"، مما لا يترك مجالًا للتدخلات البشرية عندما تُنتج مخرجات دون تفسيرات واضحة لأسبابها. ويُمثل التلاعب بالبيانات تحديًا آخر. ويتم تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي باستخدام مجموعات بيانات متحيزة أو مُتلاعب بها، مما يُنتج نتائج متحيزة أو مُتلاعبا بها. حتى في قضايا المناخ والبيئة، وهي تدخل ضمن ما يعرف بالتضليل المناخي الممنهج الذي تدعمه بعض الشركات والمؤسسات وأصحاب المصالح. وفي الوقت نفسه، لا تتحرك تدابير التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره بالسرعة اللازمة، ويرجع ذلك في الغالب إلى عوامل تشتيت جيوسياسية والتزامات سياسية غير متسقة، أو ضغوط ذات طابع تجاري واقتصادي لا تأبه لخطورة التغير المناخي. تدابير ضرورية بدأت أكبر الدول المُصدرة لغازات الاحتباس الحراري، بما في ذلك الصين والولايات المتحدة والهند والاتحاد الأوروبي والبرازيل، بدمج مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة لديها. ومع ذلك، تُظهر الأبحاث أن هذه المصادر قد لا تكون كافية لتجنب سيناريو الاحتباس الحراري العالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية، والذي يتطلب ما لا يقل عن 80% من مزيج الطاقة النظيفة بحلول عام 2030 و100% بحلول عام 2050. ولا تقترب سوى دول قليلة، منها أيسلندا والنرويج ونيوزيلندا والدانمارك، من تحقيق ذلك. تُقدّر دراسة أجراها صندوق النقد الدولي أن إزالة الكربون يمكن أن تُحقق مكاسب صافية تصل إلى 85 تريليون دولار. ويُظهر باحثون في جامعة ستانفورد أن الانتقال إلى الطاقة النظيفة بنسبة 100% يُمكن أن يُؤدي إلى زيادة صافية قدرها 24.3 مليون وظيفة جديدة. وهذه الزيادة تفوق بكثير الخسائر المتوقعة في قطاعات الوقود الأحفوري. ونحن نشهد هذا التحول بالفعل، مع تزايد الطلب على متخصصي الاستدامة ودمج التدريب في النظم التعليمية. تتطلب أزمة المناخ واقعية في تحديد الخطوات العملية اللازمة للانتقال المسؤول. وهذا يعني الاستثمار في البنية التحتية للطاقة النظيفة، ودعم برامج تطوير المهارات وإعادة التدريب، وتطبيق تسعير عادل للكربون، وتعزيز التعاون الدولي لحشد التمويل المناخي لبلدان الجنوب العالمي. يُظهر تطور جهود المناخ العالمية -من اتفاقية باريس للمناخ إلى أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة- أن العمل الجماعي للحكومات والشركات والتحالفات الدولية يُمكن أن يُسهّل إحراز تقدم ملموس. وقد مثّل اعتماد الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية مؤخرا لقانون الذكاء الاصطناعي والقانون الأساسي للذكاء الاصطناعي، على التوالي، نقطة تحول في الجهود العالمية لحوكمة التقنيات الناشئة. وتضع اللوائح الجديدة قواعد شاملة تُنظّم تطوير الذكاء الاصطناعي وتسويقه واستخدامه في الولايات القضائية المعنية. وفي إطار السعي لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي أكثر ذكاء وتحقيق أهداف إزالة الكربون العاجلة، يُطرح سؤالان رئيسيان: ماذا لو نجح الذكاء الاصطناعي في استبدال القرارات البشرية الرئيسية؟ ماذا لو فشلنا في الحد من تغير المناخ في الوقت المناسب؟ هذه ليست مجرد سيناريوهات افتراضية، بل هي آثار محتملة تتكشف بالفعل في أجزاء من العالم اليوم. بالنسبة للأفراد، يعني هذا زيادة الوعي بتكرار وضرورة ترشيد استخدام الذكاء الاصطناعي، واختيار نماذج أقل تأثيرا أو منصات مراعية للكربون كلما أمكن. وبالنسبة للمطورين، يعني ذلك إعطاء الأولوية لكفاءة النماذج واعتماد طاقة نظيفة، وتخضير البنية التحتية لمراكز البيانات، وتقديم تقارير كربونية شفافة. أما بالنسبة لصانعي السياسات، فينبغي -حسب الدراسة- معالجة مخاطر الذكاء الاصطناعي والمناخ بشكل أكثر شمولية، بدءا من خصوصية البيانات وحقوق الملكية الفكرية وصولا إلى استخدام الطاقة النظيفة، وتحولات القوى العاملة، والحوكمة.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
علماء ينتجون "حساء المادة" الذي نشأ بعد لحظة من الانفجار العظيم
في مصادم الأيونات الثقيلة النسبية في مختبر بروكهافن بالولايات المتحدة، يتم تسريع نوى الذهب إلى سرعات قريبة من سرعة الضوء، ثم تُصطدم ببعضها بعضا، مما يؤدي إلى "ذوبان" النوى وتحرير الكواركات والغلونات، وهي جسيمات دون ذرية من مكونات النواة. الحساء المكون من هذه الضربات يسمى "بلازما كوارك-غلون"، ويمثل حالة فائقة الحرارة والكثافة، تعود إلى اللحظات الأولى بعد الانفجار العظيم، حيث نشأت جسيمات المادة الأساسية قبل تكوّن البروتونات والنيوترونات. ولأن تلك الحالة تتكوّن وتفنى في زمن قصير جدا (تختفي بعد تريليون جزء من التريليون من الثانية)، فإنه تصعب مراقبتها مباشرة، وحسب دراسة نشرت مؤخرا في دورية فيزيكال ريفيو ليترز، فقد استخدم العلماء طرقا مبتكرة لدراسة هذه الحالة بدقة. نفاثات في البلازما أحد هذه الطرق هي أنه عند التصادم تنبعث جسيمات فردية عالية الطاقة تؤدي إلى تدفقات من الإشعاع تخبر العلماء بما يحدث داخل البلازما المتكونة. الدراسة أظهرت كذلك أن البلازما تتفاعل مع هذه التدفقات الإشعاعية، فتندفع جانبا على نحو يشبه الأمواج خلف زورق يتحرك في الماء. وخلال التجارب، تمكن للعلماء من عمل أول قياس مباشر يشرح كيفية توزيع الطاقة في البلازما، كما ظهر أن البلازما تستجيب للنفاثات كسائل فائق الميوعة وبشكل عام، يعرف السائل فائق الميوعة بأنه نوع غريب من السوائل يمتلك خصائص غير عادية جدا لا تحدث في السوائل العادية، حيث لا يملك مقاومة للحركة (لا يوجد فيه احتكاك داخلي تقريبا)، ويمكنه التدفق إلى الأبد في أنبوب مغلق دون أن يتوقف، ويمكنه التسلق على جدران الحاوية من تلقاء نفسه، ويتحرك من خلال فتحات صغيرة جدا لا تستطيع السوائل العادية المرور منها. إعادة بناء اللحظة الأولى يفيد هذا النوع من التجارب في "إعادة بناء" دقيقة لحساء الانفجار العظيم، إذ يُعتقد أن هذا النوع من البلازما كان موجودا بعد نحو 20 ميكروثانية من الانفجار العظيم، أما الآن فيمكن إنتاجه في داخل المختبر. كما أن هذه النتائج تفتح الباب لبيانات جديدة تتحدى النظريات الحالية في فيزياء الطاقة العالية وتدفع لتطوير نماذج أكثر دقة، بشكل يسهم في فهم تكوين المادة الأساسية التي نشأ منها الكون، وتفسير كيفية تحوُّل الكواركات والغلوونات الحرة إلى بروتونات ونيوترونات. كما أن هذا الكشف يحل لغز "تخميد النفاثات"، فعندما يحدث تصادم قوي بين نواتين ذريتين (مثل نوى الذهب أو الرصاص) في مسرّع جسيمات، تتولد جسيمات طاقة عالية جدا، هذه الجسيمات تندفع إلى الخارج على شكل "نفاثة"، وحينما تتحرك خلال حساء بلازما الكوارك جلوون فإنها تفقد الطاقة. ظل ذلك لغزا لفترة طويلة، حتى أثبتت الدراسة الجديدة أن الطاقة لا تختفي، بل تتحول إلى حركة جانبية تظهر في صورة موجات، مما يحل إشكالية ظاهرة إخماد النفاثات.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
البلاستيك يتغلغل في كل طبقات المحيطات وأعماقها
كشف مسح محيطي استمر عشر سنوات، وشمل 1885 نقطة بحرية، عن وجود طبقة من البلاستيك تنتشر عبر جميع طبقات المحيط الأطلسي الشمالي والأحواض المجاورة، ما يشير إلى مدى تغلغل التلوث البلاستيكي. وتشير النتائج التي نشرت في مجلة "نيتشر" إلى أن التلوث البلاستيكي يتغلغل في أعماق أكبر بكثير مما أشارت إليه الدراسات السابقة. ووصف علماء البحار بجامعة نورث إيسترن، الذين أعدوا الدراسة ما يُعرف بـ"ضباب دخاني خفيف" مكوّن من شظايا وألياف صناعية دقيقة، أرقّ بكثير من شعرة الإنسان. تتحرك هذه الجسيمات مع التيارات، وتختلط عموديا، ثم تستقر ببطء في قاع البحر. وركزت الدراسات السابقة على بقع النفايات السطحية، حيث تتجمع المواد البلاستيكية بسبب التيارات الدوارة. إلا أن المسح الجديد يظهر أن ديناميكيات هذه التيارات لا تقتصر على السطح فقط، بل تمتد إلى الأعماق. وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، آرون ستابينز، وعالم البحار في جامعة نورث إيسترن: "هناك تراكمات على السطح، لكن نفس العمليات تؤدي إلى تراكمات تحت الدوامات، في نوع من العدسات العمودية". واعتمدت الدراسة على دمج بيانات من شبكات العوالق، والترشيح المباشر، ومصايد الرواسب، جُمعت خلال الفترة من 2014 إلى 2024. وتمت معظم عمليات الرصد في ممرات الشحن البحرية المزدحمة، وعلى الهوامش الساحلية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وهي مناطق معروفة بسوء إدارة النفايات. وقال ستابينز: "إن البلاستيك موجود في كل مكان تقريبا. ونجده في القارة القطبية الجنوبية، وجبال هيمالايا، وحتى في أعماق المحيط". أخطر من التلوث في حين أن البوليمرات الطافية مثل "البولي إيثيلين" و"البولي بروبيلين" تبقى على السطح، فمن المفترض أن تغرق المواد البلاستيكية الأكثر كثافة بسرعة نحو القاع، مثل "البولي إيثيلين تيريفثالات" (PET) المستخدم في زجاجات المياه، لكن الدراسة وجدت هذا النوع من البلاستيك في أعماق متعددة. ويشير ستابينز إلى أنه عندما تصبح الجسيمات متناهية الصغر، فإن كثافتها تصبح أقل أهمية من مقاومة حركته، أي أن التآكل والتعرض للأشعة فوق البنفسجية والهجوم الميكروبي يؤدي إلى تفتيت الجزيئات إلى قطع يقل حجمها عن 100 ميكرون، مما يسمح للتيارات المضطربة بإبقائها عالقة في المياه فترات طويلة. وكشفت الدراسة أيضا، أن تركيز الجسيمات البلاستيكية الدقيقة بلغ ذروته عند أحجام تقل عن 20 ميكرونا، وهي جسيمات تتصرف تقريبا مثل الغبار المعدني في الهواء وتشتت الضوء، وتمتص الملوثات، وتُستهلَك بسهولة. وتشكّل العوالق الصغيرة قاعدة السلسلة الغذائية في المحيطات، وتُغذّي كل شيء من اليرقات السمكية إلى الحيتان. وتُظهر الدراسات أن القشريات والكريليات (تشبه الروبيان لا يتجاوز حجمها سنتيمترين)، تبتلع الجسيمات البلاستيكية ظنا منها أنها طحالب مغذية. وفي هذا السياق يقول ستابينز: "ربما تتغذى الكائنات البحرية على هذه الجسيمات، ومعها المواد السامة التي تلتصق بها، ما يؤدي إلى تراكمها في أنسجة الأسماك التي يستهلكها البشر لاحقا". وتفيد الدراسة -التي نقلها موقع المستقبل الأخضر- أن جزيئات البلاستيك تعمل كطوافات تحمل الملوثات العضوية والمعادن الثقيلة والميكروبات الضارة، ما يزيد من خطر انتقالها عبر السلسلة الغذائية. ولا يؤدي البلاستيك إلى التلوث فقط، بل قد يؤثر أيضا على قدرة المحيط على امتصاص الكربون. فالمحيطات تمتص نحو ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية الناتجة عن النشاط البشري، وقد يُقلل البلاستيك من قدرة المحيط على امتصاص ثاني أكسيد الكربون. وفي حين أن توثيق النفايات السطحية سهل نسبيا عبر الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة، فإن رصد الجسيمات الدقيقة في الأعماق يتطلب معدات متطورة وبروتوكولات دقيقة. ويدعو فريق الدراسة إلى جهد دولي لتوحيد طرق أخذ العينات وتحليل الجسيمات، مما يساعد على رسم خريطة عالمية دقيقة للتلوث البلاستيكي. ورغم المبادرات الدولية للحد من إنتاج البلاستيك وتحسين إدارة النفايات، فإن التريليونات من الجسيمات البلاستيكية المنتشرة حاليًا ستستمر في الدوران والغرق والتفتت عقودا قادمة، حتى لو توقف التصريف العالمي اليوم. وتشير بعض الدراسات إلى كتلة يتراوح حجمها بين 470 ألف طن من البلاستيك و540 ألف طن ينتهي بها المطاف في المحيطات كل عام، بينما لا يتم تدوير سوى 9% من الإنتاج العالمي من البلاستيك.