
د. نجيب غربال دور العمال كشركاء في بناء الاقتصاد وتعزيز التنمية المجتمعية... الأول من مايو الخميس 01 مايو 2025
يُعد العمل والعمال من أهم الركائز التي تقوم عليها أي منظمة أو دولة، حيث يساهم العمال في بناء الاقتصاد وتحقيق التقدم المجتمعي. ومنذُ القدم، ارتبط مفهوم العمل بالحضارات الإنسانية وتطورها عبر العصور ليصبح منظومة متكاملة تحفظ حقوق العمال وتضمن استدامة المؤسسات.
في هذا المقال، نسلط الضوء على نشأة مفهوم العمل، وتاريخ يوم العمال، وأهمية العمال للمنظمات، ودورهم في الاستدامة، مع استعراض جهود مملكة البحرين في دعمهم وتطوير كفاءاتهم.
مفهوم العمل عبر العصور
يعود مفهوم العمل إلى فجر التاريخ، حيث مارسه البشر في الزراعة، والبناء، والصناعات اليدوية. ومع تطور الحضارات القديمة، مثل الحضارتين المصرية والبابلية، أصبح العمل أكثر تنظيما، لاسيما في المشاريع الكبرى كالأهرامات والمدن العمرانية.
في العصر الصناعي، شهد العمل تحولا كبيرا مع ظهور المصانع والآلات، مما أدى إلى زيادة الطلب على الأيدي العاملة. ومع ذلك، واجه العمال ظروفا قاسية، مثل ساعات العمل الطويلة والأجور المتدنية، ما دفعهم إلى المطالبة بحقوقهم، وكانت تلك بداية الحركات العمالية المنظمة.
لمحة تاريخية عن يوم العمال
يرتبط يوم العمال العالمي بحركة 'الثماني ساعات' في الولايات المتحدة، وتحديدا بأحداث ميدان 'هاي ماركت' في شيكاغو العام 1886، حين خرج آلاف العمال للمطالبة بتحديد ساعات العمل اليومية بثماني ساعات، ورفعوا شعار: (8 ساعات للعمل، 8 ساعات للراحة، 8 ساعات للترفيه).
انفجار قنبلة خلال تظاهرة سلمية أدى إلى مقتل 11 شخصا، لتتحول الواقعة إلى رمز عالمي للنضال العمالي.
اعتمدت دول عديدة تاريخ الأول من مايو عطلة رسمية احتفاء بالعمال، فيما تحتفل الولايات المتحدة بعيد العمال في أول يوم اثنين من سبتمبر.
النقابات العمالية ودورها المؤسسي
تُعد النقابة العمالية كيانا قانونيا يمثل مجموعة من العاملين في مهنة أو قطاع معين، وتعمل على حماية حقوقهم وتحسين ظروف العمل، سواء من حيث الأجور أو الصحة والسلامة أو التوازن بين العمل والحياة.
وتُشكل النقابات أحد أركان التوازن في علاقات العمل، إذ تسهم في تسوية النزاعات وتعزيز الحوار الاجتماعي مع أصحاب العمل والحكومات، كما يمنح العمل النقابي الجماعي قوة تفاوضية أكبر للعامل مقارنة بالعمل الفردي، خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة، هذا ولم يكن العمل النقابي في العالم العربي بعيدا عن هذه التحولات، بل شهد تطورا لافتا في العقود الأخيرة، خاصة في دول الخليج العربي.
البحرين والعمل النقابي: نموذج ريادي
تُعد مملكة البحرين من الدول الرائدة في دعم الحريات النقابية، منذ إقرار قانون النقابات العمالية عام 2002، الذي وضع الإطار القانوني والمؤسسي للعمل النقابي.
وقد شكل تأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين محطة فارقة، حيث أصبح كيانا جامعا يمثل الحركة العمالية، ويعمل كحلقة وصل فاعلة بين العمال والحكومة وأصحاب العمل.
ومن أبرز أدواره هو: دعم برامج التأهيل المهني والتدريب، وتمكين المرأة العاملة، والمشاركة في رسم السياسات العمالية الوطنية وتعزيز ممارسات المسؤولية الاجتماعية لدى المؤسسات.
وتعكس العلاقة الاستراتيجية بين الاتحاد العام ووزارة العمل أهمية التوازن بين أطراف الإنتاج الثلاثة: الحكومة، وأرباب العمل، والعمال. ويعزز هذا التوازن من خلال اللجان الثلاثية التي تضم ممثلين عن كل طرف.
الهيئات الداعمة لسوق العمل في البحرين
تؤدي ثلاث مؤسسات دورا محوريا في إدارة سوق العمل هي: الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، صندوق العمل 'تمكين'، هيئة تنظيم سوق العمل.
وتعمل كل هذه المؤسسات بشكل منسق مع بعضها البعض بما فيها الاتحاد العام لنقابات العمال لتحقيق العدالة الاجتماعية واستدامة السياسات العمالية.
أهمية العمال في المنظمات واستدامتها
يمثل العمال العمود الفقري لأي منظمة، وتكمن أهميتها في المحاور التالية:
- الإنتاجية والابتكار: يُعد العامل الماهر عنصرا رئيسا في تحسين جودة الإنتاج وتطوير العمليات داخل المنظمة.
- الولاء التنظيمي: يساهم العمال الملتزمون في تقليل معدلات دوران الموظفين، ما يقلل التكاليف ويحسن الأداء.
- سمعة المنظمة: معاملة العمال بعدالة واحترام تعزز من صورة المؤسسة وجذب الكفاءات الجديدة.
- الاستدامة المؤسسية: القوى العاملة المدربة تضمن الكفاءة التشغيلية، والقدرة على التكيف مع التغيرات، والامتثال للقوانين، ما ينعكس إيجابا على أداء المنظمة على المدى الطويل.
جهود البحرين في صقل مهارات العمال
حققت البحرين مراتب متقدمة عالميا في مؤشرات تنمية القوى العاملة، حيث احتلت المرتبة الثانية عربيا و35 عالميا في مؤشر التنمية البشرية لعام 2022. وتبرز جهودها من خلال:
1. التعليم الفني والمهني: أنشأت البحرين إدارة التعليم الفني والمهني بالعام 1974، وأسست مؤسسات مثل كلية البحرين التقنية 'بوليتكنك البحرين' لدعم التعليم العملي وربطه بسوق العمل.
2. البرامج التدريبية: من خلال 'تمكين'، أُطلقت برامج تهدف إلى رفع كفاءة العمال في القطاعين العام والخاص، وتعزيز مهارات الابتكار وريادة الأعمال.
3. الحماية القانونية: يكفل قانون العمل في القطاع الأهلي (القانون رقم 36 لسنة 2012) حقوق العمال في الأجور، وساعات العمل، والإجازات، والسلامة المهنية، ومكافحة التمييز، والتعويض العادل.
4. الشراكة الاستراتيجية: تعمل البحرين على تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتطوير رأس المال البشري، ضمن أهداف التنمية المستدامة، لاسيما الهدف السابع عشر (عقد الشراكات لتحقيق الأهداف).
الخاتمة
لا يمكن لأي منظمة أو دولة أن تزدهر دون عمال أكفاء ومتفانين، فهم ليسوا مجرد أدوات للإنتاج، بل هم القلب النابض لكل عملية تنموية، وشركاء أساسيون في صناعة الازدهار. إن الاستثمار في تدريبهم وتحفيزهم هو استثمار في مستقبل أكثر إشراقا وعدالة. وفي هذا الإطار، تلعب النقابات العمالية في البحرين دورا محوريا في تمكين العامل، والدفاع عن حقوقه، وتعزيز مكانته في بيئة العمل، بما ينسجم مع رؤية البحرين الاقتصادية 2030 التي تضع الإنسان في صلب التنمية المستدامة.
لذا، فالعامل هو البطل الحقيقي لنمو للاقتصاد، وتقديره هو أساس كل نهضة اقتصادية واجتماعية مستدامة في الوطن.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شبكة النبأ
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- شبكة النبأ
عيد العمال: حكاية العرق والكرامة
عيد العمال ليس مجرد احتفال، إنه درس في الإنسانية. إنه دعوة لأن نحترم العمل أيا كان شكله أو ميدانه، وأن نرفع القبعة لكل من حمل مشقة التعب ليضيء دروب الآخرين. فكل يوم، هناك قصة خفية تكتبها أيادي العمال، قصة جديرة بأن تروى كل يوم، لا مرة في العام فقط... حينما تصحو المدن على وقع الأقدام المتسارعة، وحين تتنفس المصانع مع أول خيط للفجر، هناك من يقفون في الظل، ينسجون حكاية التقدم، حكاية لم تروَ بما يكفي. هم العمال: صناع الحياة الحقيقيون. ومع كل أول مايو، يقف العالم وقفة امتنان أمام من يحملون مشقة الأيام على أكتافهم، ليصنعوا لنا عالمًا نابضًا بالحركة. لكن، كيف وُلد هذا العيد، وكيف أصبح رمزًا للنضال والكبرياء؟ ترجع حكاية عيد العمال إلى أواخر القرن التاسع عشر، في قلب الثورة الصناعية التي حولت العالم إلى ورشة كبرى. آنذاك، كان العمل شاقًا، والأجور زهيدة، وساعات العمل تمتد إلى أكثر من 14 ساعة يوميًا في ظروف قاسية. ولدت من رحم الألم حركة تطالب بحقوق الإنسان العامل، وكان أول شرارة لها في مدينة شيكاغو الأمريكية عام 1886، حين خرج آلاف العمال في مظاهرات حاشدة مطالبين بتحديد يوم العمل بثماني ساعات. تلك التظاهرات لم تمر بسلام؛ اندلعت اشتباكات عنيفة بين العمال والشرطة، وسقط ضحايا من الجانبين. ومع ذلك، لم تنطفئ جذوة النضال، بل اشتعلت أكثر، وتحولت حادثة هايماركت الشهيرة إلى رمز عالمي للصمود العمالي. شيئًا فشيئًا، أدركت الحكومات والأنظمة أن تجاهل صوت العمال قد يكلفها الكثير. بدأ العالم يتحدث بلغة جديدة: لغة الحقوق، لا لغة الاستغلال. واعترفت دول عدة بعيد العمال كيوم للاحتفال بالعامل وجهوده، وتخليد تضحياته. في عالمنا العربي، دخل عيد العمال إلى الوجدان الشعبي تدريجيًا، حيث شهدت العواصم العربية الكبرى احتفالات وتكريمات، وتحول الأول من مايو إلى مناسبة وطنية رسمية. وغدا مشهد العمال وهم يرفعون لافتات الشكر والفرح مشهدًا مألوفًا، لا يخص مدينة دون أخرى. تتعدد وجوه العامل: هو الفلاح الذي يقف تحت الشمس ليزرع القمح، وهو المعلم الذي ينحت في عقول الأجيال، وهو المهندس الذي يصمم، والطبيب الذي يعالج، والنجار، والحداد، وعامل النظافة، وغيرهم كثيرون. عيد العمال لا يخص فئة دون أخرى، بل هو عيد لكل من يؤمن أن العرق شرف، وأن العمل رسالة. اليوم، تغيرت ساحات النضال، وتطورت أدوات العمل. ظهر العمل عن بعد، وانتشرت التكنولوجيا، لكن الجوهر بقي ثابتًا: الكرامة العمالية، والحق في بيئة عمل آمنة وعادلة. ومع كل تقدم تقني، تزداد أهمية أن نتذكر أن وراء كل جهاز، وكل مبنى، وكل منتج، أيادي بشرية ضحت بالكثير. في كل عام، حين يأتي الأول من مايو، يجب ألا يكون مجرد يوم إجازة نمرره كحدث عابر. بل علينا أن نتوقف للحظة، ونفكر في كل يد ساهمت في بناء عالمنا الحديث. لنجعل من هذا اليوم فرصة لإعادة الاعتبار لكل مجهود بسيط يمر بنا دون أن نشعر. عيد العمال ليس مجرد احتفال، إنه درس في الإنسانية. إنه دعوة لأن نحترم العمل أيا كان شكله أو ميدانه، وأن نرفع القبعة لكل من حمل مشقة التعب ليضيء دروب الآخرين. فكل يوم، هناك قصة خفية تكتبها أيادي العمال، قصة جديرة بأن تروى كل يوم، لا مرة في العام فقط.


ميادين
٠٢-٠٥-٢٠٢٥
- ميادين
العيد الدولي للشغيلة بأي حال عدت ياعيد/ بقلم: اباي ولد اداعة
لاشك أن للأعياد في ذاكرة البشر و الشعوب فرحا و مسرات و بهاءا . لا سيما ذاكرة الأعياد التي شكلت منعطفا و تأريخا إنسانيا ، فتلك لها مكانة خاصة و كبيرة جدا من حيث الرمزية و الدلالة و الحدث . هكذا كان شأن فاتح مايو عيد العمال العالمي . الذي حول مسار الحركة العمالية من أقوال إلي أفعال حقيقية و ملموسة . حيث تعود أصول المناسبة إلي تحركات عمالية بالولايات المتحدة الأمريكية أواخر القرن التاسع عشر . كان أبرزها إحتجاجات شيكاغو عام 1886 م التي شهدت مواجهات قوية و عنيفة بين العمال المضربين و الشرطة . كان شعارهم فيها 8 ساعات للعمل و 8 ساعات للراحة و 8 ساعات للنوم . بعد ما كانوا مجبرين علي العمل 16 ساعة متواصلة يوميا في ظروف لا تخضع لمعايير السلامة أو الأمان . فكان لهم ما أرادوا بعد ما قدموا تضحيات كبيرة و كبيرة جدا في الأنفس و الأرواح . عرفت فيما بعد بقضية هايماركت Haymarket . و أصبحت لاحقا رمزا عالميا لنضال الطبقة العاملة . تم الإعتراف بشكل رسمي بعيد العمال عام 1889 م أثناء إقامة أول مؤتمر إشتراكي دولي بمدينة باريس لإحياء ذكري قضية هايماركت . و منذ ذلك الحين بات الأول من مايو مناسبة للإحتفال بالعمال و مطالبة الحكومات و أرباب العمل بتحسين ظروف العمل و الأجور و الضمانات الإجتماعية . خاصة في الدول التي لا تتوفر فيها بنية قانونية واضحة بشأن حماية حقوق العمال . من هنا يأتي أهمية العيد الدولي للشغيلة إستذكارا و تقديرا لتلك التضحيات الجليلة و الجهود و المواقف النبيلة و تجديدا للمطالبة بكل حق غائب أو ضائع لأي شريحة أو طبقة من طبقات العمال في أنحاء العالم. فما كانت الأحداث الدامية التي شهدتها و عرفتها مدينة ازويرات المنجمية في 29 مايو 1968م رغم الفارق الكبير في التوقيت و الزمن مع ما حصل في آمريكا إلا إمتداد لهذا الحراك العمالي الدولي يصب في نفس الإتجاه و مدعاة للإنتفاضة و المطالبة بالحقوق و الوقوف أنذاك في وجه المستعمر الظالم . حيث انتفض العمال الموريتانيون حينها و دخلوا في إضراب شامل رافضين غطرسة و ظلم إدارة الشركة الفرنسية ميفرما لإستخراج الحديد من الشمال و التي نهبت ثروات و خيرات البلاد طيلة الحقبة الإستعمارية وبعيد الإستقلال ، مطالبين بحقوقهم مما أدي إلي قمعهم بالرصاص الحي و بشكل وحشي ، تسبب في سقوط عدد كبير من القتلي و الجرحي . شكل ذلك الحدث إنتفاضة غضب داخل الوطن و مناسبة لمناصرة و تأييد العمال الموريتانيين . مما أحدث غليانا نقابيا شبابيا لدي العمال ضد الإستعمار الجديد و محاولات تجهيل العمال بحقوقهم مقابل تأمين المكاسب لأرباب العمل الجشعين . أحداث مؤلمة ساهمت بشكل أو بآخر و بفضل تضحيات و نضالات هؤلاء العمال في التعجيل بتأميم شركة ميفرما 1974م . لتحل مكانها الشركة الوطنية للصناعة و المناجم ( اسنيم ) . من جهة أخري كانت قصائد و كلمات الشاعر الكبير و المخضرم احمدو ولد عبد القادر فيما بات يعرف بشعر النضال مؤثرة و حاضرة داخل المشهد و منسجمة مع سياق النضال رافضة لكل أشكال الظلم و محاربة للفساد . فأنتشر بذلك شعره وسط العمال و خارج الديار مما أعطي لمجزرة عمال ميفرما و للقضية برمتها بعدا إنسانيا علي المستوي الإقليمي و الدولي و خاصة داخل محيطنا المغاربي . حيث قال : ضحايا الشقايا ضحايا الفساد يعم الفساد عموم البلاد . إلي أن يقول : فماذا نقول و ماذا نريد نريد حياة بلا ظالمين إلي أن يتدرج في القول : تعبنا سئمنا صرعنا الرمال نبشنا المعادن عبر الجبال و كل الجهود و كل الثمار تعود مكاسبا للمترفين . ثم يواصل فيقول : نهوضا لنطعن حكم الفساد و نقضي علي الظلم و العابثين . فهل يحسبون بأنا نسينا رفاق البطاح رفاق الجراح حقوقا تضاع دماء تسال جموع تثور علي المجرمين . في حين شكل تخليد عيد العمال فاتح مايو طيلة الأربعة عقود من قيام الدولة المركزية ، مناسبة سنوية هامة للإحتفال و التذكير بالعرائض المطلبية من خلال تسليط الضوء علي حقوق العمال و تاريخ نضالاتهم ، كما يعد فرصة ثمينة لخروج مختلف طبقات العمال من كل القطاعات للتظاهر بأعداد كبيرة في مسيرات ضخمة مشيا علي الأقدام او بالسيارات أو الآليات و المركبات تجوب الشوارع طولا و عرضا . حاملين و رافعين اللافتات التي تحمل الشعارات الممجدة لهذا اليوم و المطالبة بزيادة الأجور و تحسين ظروف العمال و تطوير بيئة العمل و الحد من غلاء الأسعار ، يأتي ذلك علي وقع خطابات نضال مؤثرة تطالب بالعدالة الإجتماعية بتأطير و توجيه من النقابات و الإتحادات النقابية . حيث تتعالي الأصوات و تجف الحناجر من ترديد شعارات نضال تطلب برفع الأجور و تحسين ظروف العمال . قبل إستعراض المطالب و تسليمها إلي الجهات المعنية عن طريق ممثلي المركزيات النقابية كما جرت العادة . فكان التجاوب معها يتم في السابق بشكل جاد و موضوعي، أما اليوم فتختفي بإختفاء ملامح هذا اليوم . دون رد رسمي علي العرائض المطلبية أو إستجابة لدعوات الحوار التي تطلقها النقابات أحيانا كشريك إجتماعي . لكن في نهاية الثمانينات و بداية تسعينات القرن العشرين، شهدت الدولة الموريتانية توجها ديمقراطيا ليبيراليا علي غرار الدول النامية . أسس لعهد كان معتلا ديمقراطيا و وطنيا. بضغوط فرضتها سياسات النظام الدولي الرأسمالي ، فكانت لها التأثيرات و التداعيات المباشرة علي التغييرات التي حصلت لاحقا في مختلف مناحي الحياة السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية . مما ساهم في طغيان المادة و ظهور قيم بديلة عززت من نفوذ القبيلة التي هي نقيض الدولة ، بالإضافة إلي ظهور عولمة غزت البيوت و أستباحت الأعراض و الخصوصيات ، فتراجعت معها القيم المجتمعية و الثوابت الدينية و الوطنية . ( ظهر الفساد في البر و البحري بما كسبت أيدي الناس ..) صدق الله العظيم . فحينما تضيع القيم و تقتل المبادئ يطغي كل شر ، يسود الكذب و يعم النفاق و تكثر الخيانات و ينتشر بالتالي الفساد . لا شك أن مظاهر التراجع و الضعف في أداء الحركة النقابية هو نتيجة حتمية لتدني مستوي روح النضال لدي المسؤولين و تراجع شعبية النقابات مما أدي إلي تراجع ملحوظ في تأثيرها و قدرتها علي ممارسة الضغط السياسي و الإجتماعي مقارنة بما كان عليه الحال قبل التسعينات . حيث كانت النقابات تشكل قوة ضاربة و وازنة و حاسمة في مواجهة سياسات الحكومة . قبل أن تميل ميلا و تستكين للهدنة . رغم حجم فساد وظلم و غطرسة الإدارة الموريتانية ، مما جعل البعض يتهمها بالتخاذل و التراجع عن دورها الأساسي. لدرجة أن كل شئ أصبح يقاس بمقاس التربح . ففي الوقت الذي تراجعت فيه قيم النضال و تغيرت معه مستويات التعبئة و التحضير لعيد العمال ، فإن ثمة نقابات داخل المشهد مازالت تحافظ إلي حد ما علي مواقفها و مبادئها الثابتة و تؤدي دورها في الحراك الإجتماعي دون المستوي المعهود لها في السابق ، ربما من باب ( الطبه ) فدخول الشركات الوسيطة علي خط العمل و تشغيل عمال لفترات طويلة برواتب منقوصة و بأقل الأجور دون عقود تحمي حقوقهم أو الإستفادة من التغطية الصحية يعد جريمة لا تغتفر بحق الإنسان. أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها عبودية معاصرة مقيتة . كالعمال المؤقتين أو الغير دائمين داخل كبريات الشركات الوطنية و القطاعات الوزارية. فجميع التجارب السابقة تؤكد أن كل الزيادات التي تحصل من حين لآخر و التي تستهدف الرواتب و المعاشات و رفع الحد الأدنى للأجور تأتي ضمن حزمة الحماية الإجتماعية التي تتبناها الحكومة بتوجيه من فخامة رئيس الجمهورية، لكن سرعان ما تصاحبها زيادة موازية و كبيرة لأسعار المواد و السلع ، نتيجة جشع التجار و سيطرة أصحاب النفوذ من رجال المال و الأعمال علي الأسواق و علي مفاصل الدولة ، فيلتهم الغلاء فرحة الزيادة . لا شك أن الإدارة الموريتانية تعاني من إختلالات تراكمية عميقة لم يتم التغلب عليها بعد ، مثل سوء التسيير و التدبير و التجاهل و التقليل من شأن العنصر البشري . نتيجة تبعات التوظيف و التعيين الخاطئ و غير مستحق . في ظل غياب تبني سياسات تشغيل ناجعة و إرساء عدالة إجتماعية . مما كان له الأثر السلبي الكبير علي ضعف أداء الإدارة و تردي الأوضاع و تعطيل الخدمة و انتشار البطالة ، و بالتالي إتساع الفساد في كل الإتجاهات . لدرجة أن المواطن فقد الثقة في الإدارة . مما دفع بآلاف الشباب الموريتانيين إلي ركوب المخاطر و الهجر نحو الولايات المتحدة الآمريكية بحثا عن غد أفضل. صحيح أن ممارسات من قبيل المحسوبية و الزبونية و التحيز و المحاباة السياسية ما فتئت تخلق تضاربا في المصالح و تكافؤ الفرص داخل المجتمع و تقوض الديمقراطية و تقلص مجال دولة القانون و المؤسسات. لكن الواقع الإداري لدينا يكشف أن الحسم في التعيين أو الترسيم أو رفع الأجور أو دفع العلوات يتم عادة و في أغلب الأحيان وفق الرغبة الذاتية للهرمية الإدارية ممثلة في شخص المسؤول الأول الذي له الصلاحية الكاملة. المطلقة لترسيم أو تعيين الشخص الذي يراه مناسبا للمنصب الشاغر أو المناصب التي يراد خلقها دون مراعاة مصلحة القطاع . و هذه الرغبة عادة ما تحددها إعتبارات بدل معايير ترتبط بتقييمات ذاتية تستند إلي ولاءات شخصية أو فئوية . بينما يجمع كل المراقبين للشأن الوطني أن الوضع الراهن للعمال غير دائمين في مختلف قطاعات الدولة و داخل كبريات الشركات و المؤسسات العمومية الخدمية و غيرها . ماهو إلا مظهر من مظاهر الفشل الإداري و سوء التدبير و نتيجة حتمية لتداعيات سياسات التشغيل الخاطئة المتبعة في الإكتتاب و الترسيم و التوظيف . بالإضافة إلي مآلات سوء التسيير . فكيف لنا كعمال أن نطالب بالترسيم أو رفع الأجور و تحسين الظروف ، و معظم إداراتنا تدار بالمزاج ؟!!! حفظ الله موريتانيا تحية إحترام و امتنان لكل يد عاملة مخلصة للوطن .


٠١-٠٥-٢٠٢٥
عيد العمال رسالة للإنسانية واحتفاء بالكرامة
كتب / سارة طالب السهيل الإنسان أصبح في كثير من الأحيان مجرد رقم في تقارير الإنتاج، أو خانة في سجلات الرواتب وسط عالم سريع الخطوات رغم التقدم التكنولوجي. لكن في خضم هذا المشهد، يطلّ علينا عيد العمال ليعيد للإنسان مكانته الأولى، ويذكّرنا أن العمل لم يكن يومًا عبئًا، بل رسالة سامية وقيمة وجودية، وأن العامل هو المحرك الحقيقي للتنمية والبناء. واحتفاء بالعمل والمستقبل والكرامة يقف العالم دقيقة احترام للذين لا يتوقفون، يبنون ويزرعون ويصنعون وينظفون ويكتبون و…إلخ. لأولئك الذين لا تسلط عليهم الأضواء، لكنهم في الظل يرفعون أوطانا، ويصنعون حياة إنه اليوم الذين يكرم فيه الإنسان والإنسانية من خلال العمل بعيدا عن المنصب واللقب، بل من خلال عرقه وتعبه وقيمته الحقيقية بإنتاجيته. من الاحتجاج إلى الاحترام بدأت قصة عيد العمال في أواخر القرن التاسع عشر، وتحديدًا في عام 1886 في مدينة شيكاغو الأمريكية، وأوروبا حيث خرج آلاف العمال للمطالبة بحق أساسي بسيط وهو تحديد ساعات العمل وهي أن يعمل الإنسان 8 ساعات فقط في اليوم مع ظروف عمل إنسانية بدلا من العمل المتواصل الذي قد يصل إلى 14 أو 16 ساعة، في ظروف قاسية، دون حقوق أو تأمين صحي، أو حتى فترات راحة. كانت هذه المظاهرات بداية حركة واسعة عُرفت باسم 'حركة الثمان ساعات' واجه المتظاهرون قمعًا شديدًا، ووقع قتلى وجرحى في احتجاجات تعرف بـ ' أحداث هاي ماركت' التي أصبحت رمزاً لنضال العمال حول العالم. ومع أن هذه الأحداث كانت مأساوية، إلا أنها غيّرت مجرى التاريخ، فقد أصبحت شرارة لولادة عيد عالمي لتكريم العامل وحقوقه. وفي عام 1889، أعلنت المنظمة الأممية 'الدولية الثانية' إن الأول من مايو سيكون يومًا عالميًا للاحتفال بالعمال، ومنذ ذلك الحين أصبح هذا اليوم مناسبة سنوية في معظم دول العالم تعبر عن الاحترام والدعم لحقوق العمال وكرامتهم. عيد العمال أكثر من مجرد عطلة قد يبدو للبعض أن عيد العمال يوم راحة، بل فرصة لإعادة النظر في العلاقة بين أصحاب العمل والعامل، بين الدولة وشعوبها بين المال والأخلاق. عيد العمال في جوهره تعبير رمزي وإنساني عن مجموعة من القيم منها – أنه لا طريق للتنمية دون عمل، ولا اقتصاد بلا عمال، ولا مصانع بلا أيدٍ تصنع، ولا مستشفيات دون ممرضين، ولا مدارس بلا معلمين، العمل ليس فقط وسيلة للعيش، بل للمشاركة في بناء الوطن والمجتمع وتنميته. – عيد العمال هو تذكير دائم بأهمية التوازن بين العمل والراحة، الأجر والإنتاج، الجهد والتقدير، هو صوت ينادي بحقوق العمال في الأجر العادل، والتأمين والأمان في مختلف المجالات، من القطاع الزراعي إلى الصناعي إلى الرقمي. وهو دعوة دائمة لدعم العدالة الاجتماعية. – العمل هو وسيلة الإنسان لتحقيق ذاته والمساهمة في مجتمعه، وعيد العمال يعيد الاعتبار لكرامة اليد التي تبني، لا اليد التي تتحكم فقط. وتعزيز كرامة الإنسان. الاهتمام بالعمال وانعكاسه على الإنتاجية والتنمية إن الاهتمام بعيد العمال والاحتفاء بهم ليس تكريما فقط، ولا يُعد مجاملة أو ترفًا، بل هو ضرورة تنموية واقتصادية وأخلاقية، واستثمار في المستقبل كلما شعر العامل بالكرامة والتقدير زادت إنتاجيته، وساهم في دفع عجلة التنمية إلى الأمام، فالدول التي تستثمر في الإنسان هي الدول التي تحقق تقدمًا حقيقيًا ومستدامًا. ينعكس ذلك على التنمية من عدة وجوه. 1- العامل الذي يشعر بالعدالة والتقدير يعطي أكثر، ويبدع، ويحرص على الجودة. بيئة العمل الصحية تقلل من التغيب، وتحفّز على الإبداع والتطوير. وتحسين الإنتاجية وجودة الأداء. 2- الحقوق الوظيفية تقلل من الاحتقان المجتمعي، وتبني الثقة بين العامل وصاحب العمل، مما يؤدي إلى استقرار اقتصادي واجتماعي ينعكس على مستوى الدولة. 3-: من خلال تنظيم سوق العمل، وتوفير وظائف عادلة، والتشجيع على المشاريع الصغيرة، يمكن للمجتمع أن يحد من الفقر والبطالة، ويخلق فرصًا حقيقية للنمو. 4- عندما يرى الأطفال أن آباءهم وأمهاتهم يُكرَّمون، ويُحترمون لأجل عملهم، تتولد لديهم ثقافة احترام العمل، أيًا كان نوعه، وتتشكل فيهم قيم الاجتهاد والانتماء. مما يوجد في المستقبل جيل واعٍ وملتزم. التحديات والصعوبات والآمال تحتفل العديد من الدول بعيد العمال، لكن التحديات في العالم العربي لا تزال كبيرة. فهناك تفاوت في تطبيق قوانين العمل، وضعف في التأمينات الاجتماعية، إضافة إلى تفشي البطالة بين الشباب، وظروف عمل صعبة للعمالة الوافدة والمحلية على حد سواء. لكن الآمال لا تغيب، فهناك جهود حثيثة لتحسين بيئة العمل، وزيادة فرص التشغيل، ودعم المشاريع الصغيرة، خاصة مع ظهور الاقتصاد الرقمي وفرص العمل عن بعد، مما قد يشكل نقلة نوعية إذا ما وُجهت بشكل عادل ومنصف. كما أن عيد العمال فرصة لنعمل معا على تغيير نمط التفكير لدى الناس إزاء الوظائف خاصة في ظل تزايد البطالة، وفي ذات الوقت احتياج الوطن للعمال في شتى المجالات وخاصة الأعمال الحرفية والوظائف التقنية ووظائف أخرى مثل الكهرباء والسباكة وعمال الوطن والبناء وغيرها وهي وظائف هامة ومحترمة ومقدرة في البلدان المتقدمة التي تعرف قيمة هذه الأعمال، وتقدر مبدعيها الذين لا غنى عنهم، ولا تستمر الحياة بدونهم بالشكل الصحيح.