
العيد الدولي للشغيلة بأي حال عدت ياعيد/ بقلم: اباي ولد اداعة
لاشك أن للأعياد في ذاكرة البشر و الشعوب فرحا و مسرات و بهاءا .
لا سيما ذاكرة الأعياد التي شكلت منعطفا و تأريخا إنسانيا ،
فتلك لها مكانة خاصة و كبيرة جدا من حيث الرمزية و الدلالة و الحدث .
هكذا كان شأن فاتح مايو عيد العمال العالمي .
الذي حول مسار الحركة العمالية من أقوال إلي أفعال حقيقية و ملموسة .
حيث تعود أصول المناسبة إلي تحركات عمالية بالولايات المتحدة الأمريكية أواخر القرن التاسع عشر .
كان أبرزها إحتجاجات شيكاغو عام 1886 م التي شهدت مواجهات قوية و عنيفة بين العمال المضربين و الشرطة .
كان شعارهم فيها 8 ساعات للعمل و 8 ساعات للراحة و 8 ساعات للنوم .
بعد ما كانوا مجبرين علي العمل 16 ساعة متواصلة يوميا في ظروف لا تخضع لمعايير السلامة أو الأمان .
فكان لهم ما أرادوا بعد ما قدموا تضحيات كبيرة و كبيرة جدا في الأنفس و الأرواح .
عرفت فيما بعد بقضية هايماركت Haymarket .
و أصبحت لاحقا رمزا عالميا لنضال الطبقة العاملة .
تم الإعتراف بشكل رسمي بعيد العمال عام 1889 م أثناء إقامة أول مؤتمر إشتراكي دولي بمدينة باريس لإحياء ذكري قضية هايماركت .
و منذ ذلك الحين بات الأول من مايو مناسبة للإحتفال بالعمال و مطالبة الحكومات و أرباب العمل بتحسين ظروف العمل و الأجور و الضمانات الإجتماعية .
خاصة في الدول التي لا تتوفر فيها بنية قانونية واضحة بشأن حماية حقوق العمال .
من هنا يأتي أهمية العيد الدولي للشغيلة إستذكارا و تقديرا لتلك التضحيات الجليلة و الجهود و المواقف النبيلة و تجديدا للمطالبة بكل حق غائب أو ضائع لأي شريحة أو طبقة من طبقات العمال في أنحاء العالم.
فما كانت الأحداث الدامية التي شهدتها و عرفتها مدينة ازويرات المنجمية في 29 مايو 1968م
رغم الفارق الكبير في التوقيت و الزمن مع ما حصل في آمريكا
إلا إمتداد لهذا الحراك العمالي الدولي يصب في نفس الإتجاه و مدعاة للإنتفاضة و المطالبة بالحقوق و الوقوف أنذاك في وجه المستعمر الظالم .
حيث انتفض العمال الموريتانيون حينها و دخلوا في إضراب شامل رافضين غطرسة و ظلم إدارة الشركة الفرنسية ميفرما لإستخراج الحديد من الشمال و التي نهبت ثروات و خيرات البلاد طيلة الحقبة الإستعمارية وبعيد الإستقلال ،
مطالبين بحقوقهم مما أدي إلي قمعهم بالرصاص الحي و بشكل وحشي ،
تسبب في سقوط عدد كبير من القتلي و الجرحي .
شكل ذلك الحدث إنتفاضة غضب داخل الوطن و مناسبة لمناصرة و تأييد العمال الموريتانيين . مما أحدث غليانا نقابيا شبابيا لدي العمال ضد الإستعمار الجديد و محاولات تجهيل العمال بحقوقهم مقابل تأمين المكاسب لأرباب العمل الجشعين .
أحداث مؤلمة ساهمت بشكل أو بآخر و بفضل تضحيات و نضالات هؤلاء العمال في التعجيل بتأميم شركة ميفرما 1974م .
لتحل مكانها الشركة الوطنية للصناعة و المناجم ( اسنيم ) .
من جهة أخري كانت قصائد و كلمات الشاعر الكبير و المخضرم احمدو ولد عبد القادر فيما بات يعرف بشعر النضال مؤثرة و حاضرة داخل المشهد و منسجمة مع سياق النضال رافضة لكل أشكال الظلم و محاربة للفساد .
فأنتشر بذلك شعره وسط العمال و خارج الديار مما أعطي لمجزرة عمال ميفرما و للقضية برمتها بعدا إنسانيا علي المستوي الإقليمي و الدولي و خاصة داخل محيطنا المغاربي .
حيث قال :
ضحايا الشقايا ضحايا الفساد
يعم الفساد عموم البلاد .
إلي أن يقول :
فماذا نقول و ماذا نريد
نريد حياة بلا ظالمين
إلي أن يتدرج في القول :
تعبنا سئمنا صرعنا الرمال
نبشنا المعادن عبر الجبال
و كل الجهود و كل الثمار
تعود مكاسبا للمترفين .
ثم يواصل فيقول :
نهوضا لنطعن حكم الفساد
و نقضي علي الظلم و العابثين .
فهل يحسبون بأنا نسينا
رفاق البطاح رفاق الجراح
حقوقا تضاع دماء تسال
جموع تثور علي المجرمين .
في حين شكل تخليد عيد العمال فاتح مايو طيلة الأربعة عقود من قيام الدولة المركزية ،
مناسبة سنوية هامة للإحتفال و التذكير بالعرائض المطلبية من خلال تسليط الضوء علي حقوق العمال و تاريخ نضالاتهم ،
كما يعد فرصة ثمينة لخروج مختلف طبقات العمال من كل القطاعات للتظاهر بأعداد كبيرة في مسيرات ضخمة مشيا علي الأقدام او بالسيارات أو الآليات و المركبات تجوب الشوارع طولا و عرضا .
حاملين و رافعين اللافتات التي تحمل الشعارات الممجدة لهذا اليوم و المطالبة بزيادة الأجور و تحسين ظروف العمال و تطوير بيئة العمل و الحد من غلاء الأسعار ،
يأتي ذلك علي وقع خطابات نضال مؤثرة تطالب بالعدالة الإجتماعية بتأطير و توجيه من النقابات و الإتحادات النقابية .
حيث تتعالي الأصوات و تجف الحناجر من ترديد شعارات نضال تطلب برفع الأجور و تحسين ظروف العمال .
قبل إستعراض المطالب و تسليمها إلي الجهات المعنية عن طريق ممثلي المركزيات النقابية كما جرت العادة .
فكان التجاوب معها يتم في السابق بشكل جاد و موضوعي،
أما اليوم فتختفي بإختفاء ملامح هذا اليوم .
دون رد رسمي علي العرائض المطلبية أو إستجابة لدعوات الحوار التي تطلقها النقابات أحيانا كشريك إجتماعي .
لكن في نهاية الثمانينات و بداية تسعينات القرن العشرين،
شهدت الدولة الموريتانية توجها ديمقراطيا ليبيراليا علي غرار الدول النامية .
أسس لعهد كان معتلا ديمقراطيا و وطنيا.
بضغوط فرضتها سياسات النظام الدولي الرأسمالي ،
فكانت لها التأثيرات و التداعيات المباشرة علي التغييرات التي حصلت لاحقا في مختلف مناحي الحياة السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية .
مما ساهم في طغيان المادة و ظهور قيم بديلة عززت من نفوذ القبيلة التي هي نقيض الدولة ،
بالإضافة إلي ظهور عولمة غزت البيوت و أستباحت الأعراض و الخصوصيات ،
فتراجعت معها القيم المجتمعية و الثوابت الدينية و الوطنية .
( ظهر الفساد في البر و البحري بما كسبت أيدي الناس ..) صدق الله العظيم .
فحينما تضيع القيم و تقتل المبادئ يطغي كل شر ،
يسود الكذب و يعم النفاق و تكثر الخيانات و ينتشر بالتالي الفساد .
لا شك أن مظاهر التراجع و الضعف في أداء الحركة النقابية هو نتيجة حتمية لتدني مستوي روح النضال لدي المسؤولين و تراجع شعبية النقابات مما أدي إلي تراجع ملحوظ في تأثيرها و قدرتها علي ممارسة الضغط السياسي و الإجتماعي مقارنة بما كان عليه الحال قبل التسعينات .
حيث كانت النقابات تشكل قوة ضاربة و وازنة و حاسمة في مواجهة سياسات الحكومة .
قبل أن تميل ميلا و تستكين للهدنة .
رغم حجم فساد وظلم و غطرسة الإدارة الموريتانية ،
مما جعل البعض يتهمها بالتخاذل و التراجع عن دورها الأساسي.
لدرجة أن كل شئ أصبح يقاس بمقاس التربح .
ففي الوقت الذي تراجعت فيه قيم النضال و تغيرت معه مستويات التعبئة و التحضير لعيد العمال ،
فإن ثمة نقابات داخل المشهد مازالت تحافظ إلي حد ما علي مواقفها و مبادئها الثابتة و تؤدي دورها في الحراك الإجتماعي دون المستوي المعهود لها في السابق ،
ربما من باب ( الطبه )
فدخول الشركات الوسيطة علي خط العمل و تشغيل عمال لفترات طويلة برواتب منقوصة و بأقل الأجور دون عقود تحمي حقوقهم أو الإستفادة من التغطية الصحية
يعد جريمة لا تغتفر بحق الإنسان.
أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها عبودية معاصرة مقيتة .
كالعمال المؤقتين أو الغير دائمين داخل كبريات الشركات الوطنية و القطاعات الوزارية.
فجميع التجارب السابقة تؤكد أن كل الزيادات التي تحصل من حين لآخر و التي تستهدف الرواتب و المعاشات و رفع الحد الأدنى للأجور تأتي ضمن حزمة الحماية الإجتماعية التي تتبناها الحكومة بتوجيه من فخامة رئيس الجمهورية،
لكن سرعان ما تصاحبها زيادة موازية و كبيرة لأسعار المواد و السلع ،
نتيجة جشع التجار و سيطرة أصحاب النفوذ من رجال المال و الأعمال علي الأسواق و علي مفاصل الدولة ،
فيلتهم الغلاء فرحة الزيادة .
لا شك أن الإدارة الموريتانية تعاني من إختلالات تراكمية عميقة لم يتم التغلب عليها بعد ،
مثل سوء التسيير و التدبير و التجاهل و التقليل من شأن العنصر البشري .
نتيجة تبعات التوظيف و التعيين الخاطئ و غير مستحق .
في ظل غياب تبني سياسات تشغيل ناجعة و إرساء عدالة إجتماعية .
مما كان له الأثر السلبي الكبير علي ضعف أداء الإدارة و تردي الأوضاع و تعطيل الخدمة و انتشار البطالة ،
و بالتالي إتساع الفساد في كل الإتجاهات .
لدرجة أن المواطن فقد الثقة في الإدارة .
مما دفع بآلاف الشباب الموريتانيين إلي ركوب المخاطر و الهجر نحو الولايات المتحدة الآمريكية بحثا عن غد أفضل.
صحيح أن ممارسات من قبيل المحسوبية و الزبونية و التحيز و المحاباة السياسية ما فتئت تخلق تضاربا في المصالح و تكافؤ الفرص داخل المجتمع و تقوض الديمقراطية و تقلص مجال دولة القانون و المؤسسات.
لكن الواقع الإداري لدينا يكشف أن الحسم في التعيين أو الترسيم أو رفع الأجور أو دفع العلوات يتم عادة و في أغلب الأحيان وفق الرغبة الذاتية للهرمية الإدارية ممثلة في شخص المسؤول الأول الذي له الصلاحية الكاملة. المطلقة لترسيم أو تعيين الشخص الذي يراه مناسبا للمنصب الشاغر أو المناصب التي يراد خلقها دون مراعاة مصلحة القطاع .
و هذه الرغبة عادة ما تحددها إعتبارات بدل معايير ترتبط بتقييمات ذاتية تستند إلي ولاءات شخصية أو فئوية .
بينما يجمع كل المراقبين للشأن الوطني أن الوضع الراهن للعمال غير دائمين في مختلف قطاعات الدولة و داخل كبريات الشركات و المؤسسات العمومية الخدمية و غيرها .
ماهو إلا مظهر من مظاهر الفشل الإداري و سوء التدبير و نتيجة حتمية لتداعيات سياسات التشغيل الخاطئة المتبعة في الإكتتاب و الترسيم و التوظيف .
بالإضافة إلي مآلات سوء التسيير .
فكيف لنا كعمال أن نطالب بالترسيم أو رفع الأجور و تحسين الظروف ،
و معظم إداراتنا تدار بالمزاج ؟!!!
حفظ الله موريتانيا
تحية إحترام و امتنان لكل يد عاملة مخلصة للوطن .

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ميادين
٠٢-٠٥-٢٠٢٥
- ميادين
العيد الدولي للشغيلة بأي حال عدت ياعيد/ بقلم: اباي ولد اداعة
لاشك أن للأعياد في ذاكرة البشر و الشعوب فرحا و مسرات و بهاءا . لا سيما ذاكرة الأعياد التي شكلت منعطفا و تأريخا إنسانيا ، فتلك لها مكانة خاصة و كبيرة جدا من حيث الرمزية و الدلالة و الحدث . هكذا كان شأن فاتح مايو عيد العمال العالمي . الذي حول مسار الحركة العمالية من أقوال إلي أفعال حقيقية و ملموسة . حيث تعود أصول المناسبة إلي تحركات عمالية بالولايات المتحدة الأمريكية أواخر القرن التاسع عشر . كان أبرزها إحتجاجات شيكاغو عام 1886 م التي شهدت مواجهات قوية و عنيفة بين العمال المضربين و الشرطة . كان شعارهم فيها 8 ساعات للعمل و 8 ساعات للراحة و 8 ساعات للنوم . بعد ما كانوا مجبرين علي العمل 16 ساعة متواصلة يوميا في ظروف لا تخضع لمعايير السلامة أو الأمان . فكان لهم ما أرادوا بعد ما قدموا تضحيات كبيرة و كبيرة جدا في الأنفس و الأرواح . عرفت فيما بعد بقضية هايماركت Haymarket . و أصبحت لاحقا رمزا عالميا لنضال الطبقة العاملة . تم الإعتراف بشكل رسمي بعيد العمال عام 1889 م أثناء إقامة أول مؤتمر إشتراكي دولي بمدينة باريس لإحياء ذكري قضية هايماركت . و منذ ذلك الحين بات الأول من مايو مناسبة للإحتفال بالعمال و مطالبة الحكومات و أرباب العمل بتحسين ظروف العمل و الأجور و الضمانات الإجتماعية . خاصة في الدول التي لا تتوفر فيها بنية قانونية واضحة بشأن حماية حقوق العمال . من هنا يأتي أهمية العيد الدولي للشغيلة إستذكارا و تقديرا لتلك التضحيات الجليلة و الجهود و المواقف النبيلة و تجديدا للمطالبة بكل حق غائب أو ضائع لأي شريحة أو طبقة من طبقات العمال في أنحاء العالم. فما كانت الأحداث الدامية التي شهدتها و عرفتها مدينة ازويرات المنجمية في 29 مايو 1968م رغم الفارق الكبير في التوقيت و الزمن مع ما حصل في آمريكا إلا إمتداد لهذا الحراك العمالي الدولي يصب في نفس الإتجاه و مدعاة للإنتفاضة و المطالبة بالحقوق و الوقوف أنذاك في وجه المستعمر الظالم . حيث انتفض العمال الموريتانيون حينها و دخلوا في إضراب شامل رافضين غطرسة و ظلم إدارة الشركة الفرنسية ميفرما لإستخراج الحديد من الشمال و التي نهبت ثروات و خيرات البلاد طيلة الحقبة الإستعمارية وبعيد الإستقلال ، مطالبين بحقوقهم مما أدي إلي قمعهم بالرصاص الحي و بشكل وحشي ، تسبب في سقوط عدد كبير من القتلي و الجرحي . شكل ذلك الحدث إنتفاضة غضب داخل الوطن و مناسبة لمناصرة و تأييد العمال الموريتانيين . مما أحدث غليانا نقابيا شبابيا لدي العمال ضد الإستعمار الجديد و محاولات تجهيل العمال بحقوقهم مقابل تأمين المكاسب لأرباب العمل الجشعين . أحداث مؤلمة ساهمت بشكل أو بآخر و بفضل تضحيات و نضالات هؤلاء العمال في التعجيل بتأميم شركة ميفرما 1974م . لتحل مكانها الشركة الوطنية للصناعة و المناجم ( اسنيم ) . من جهة أخري كانت قصائد و كلمات الشاعر الكبير و المخضرم احمدو ولد عبد القادر فيما بات يعرف بشعر النضال مؤثرة و حاضرة داخل المشهد و منسجمة مع سياق النضال رافضة لكل أشكال الظلم و محاربة للفساد . فأنتشر بذلك شعره وسط العمال و خارج الديار مما أعطي لمجزرة عمال ميفرما و للقضية برمتها بعدا إنسانيا علي المستوي الإقليمي و الدولي و خاصة داخل محيطنا المغاربي . حيث قال : ضحايا الشقايا ضحايا الفساد يعم الفساد عموم البلاد . إلي أن يقول : فماذا نقول و ماذا نريد نريد حياة بلا ظالمين إلي أن يتدرج في القول : تعبنا سئمنا صرعنا الرمال نبشنا المعادن عبر الجبال و كل الجهود و كل الثمار تعود مكاسبا للمترفين . ثم يواصل فيقول : نهوضا لنطعن حكم الفساد و نقضي علي الظلم و العابثين . فهل يحسبون بأنا نسينا رفاق البطاح رفاق الجراح حقوقا تضاع دماء تسال جموع تثور علي المجرمين . في حين شكل تخليد عيد العمال فاتح مايو طيلة الأربعة عقود من قيام الدولة المركزية ، مناسبة سنوية هامة للإحتفال و التذكير بالعرائض المطلبية من خلال تسليط الضوء علي حقوق العمال و تاريخ نضالاتهم ، كما يعد فرصة ثمينة لخروج مختلف طبقات العمال من كل القطاعات للتظاهر بأعداد كبيرة في مسيرات ضخمة مشيا علي الأقدام او بالسيارات أو الآليات و المركبات تجوب الشوارع طولا و عرضا . حاملين و رافعين اللافتات التي تحمل الشعارات الممجدة لهذا اليوم و المطالبة بزيادة الأجور و تحسين ظروف العمال و تطوير بيئة العمل و الحد من غلاء الأسعار ، يأتي ذلك علي وقع خطابات نضال مؤثرة تطالب بالعدالة الإجتماعية بتأطير و توجيه من النقابات و الإتحادات النقابية . حيث تتعالي الأصوات و تجف الحناجر من ترديد شعارات نضال تطلب برفع الأجور و تحسين ظروف العمال . قبل إستعراض المطالب و تسليمها إلي الجهات المعنية عن طريق ممثلي المركزيات النقابية كما جرت العادة . فكان التجاوب معها يتم في السابق بشكل جاد و موضوعي، أما اليوم فتختفي بإختفاء ملامح هذا اليوم . دون رد رسمي علي العرائض المطلبية أو إستجابة لدعوات الحوار التي تطلقها النقابات أحيانا كشريك إجتماعي . لكن في نهاية الثمانينات و بداية تسعينات القرن العشرين، شهدت الدولة الموريتانية توجها ديمقراطيا ليبيراليا علي غرار الدول النامية . أسس لعهد كان معتلا ديمقراطيا و وطنيا. بضغوط فرضتها سياسات النظام الدولي الرأسمالي ، فكانت لها التأثيرات و التداعيات المباشرة علي التغييرات التي حصلت لاحقا في مختلف مناحي الحياة السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية . مما ساهم في طغيان المادة و ظهور قيم بديلة عززت من نفوذ القبيلة التي هي نقيض الدولة ، بالإضافة إلي ظهور عولمة غزت البيوت و أستباحت الأعراض و الخصوصيات ، فتراجعت معها القيم المجتمعية و الثوابت الدينية و الوطنية . ( ظهر الفساد في البر و البحري بما كسبت أيدي الناس ..) صدق الله العظيم . فحينما تضيع القيم و تقتل المبادئ يطغي كل شر ، يسود الكذب و يعم النفاق و تكثر الخيانات و ينتشر بالتالي الفساد . لا شك أن مظاهر التراجع و الضعف في أداء الحركة النقابية هو نتيجة حتمية لتدني مستوي روح النضال لدي المسؤولين و تراجع شعبية النقابات مما أدي إلي تراجع ملحوظ في تأثيرها و قدرتها علي ممارسة الضغط السياسي و الإجتماعي مقارنة بما كان عليه الحال قبل التسعينات . حيث كانت النقابات تشكل قوة ضاربة و وازنة و حاسمة في مواجهة سياسات الحكومة . قبل أن تميل ميلا و تستكين للهدنة . رغم حجم فساد وظلم و غطرسة الإدارة الموريتانية ، مما جعل البعض يتهمها بالتخاذل و التراجع عن دورها الأساسي. لدرجة أن كل شئ أصبح يقاس بمقاس التربح . ففي الوقت الذي تراجعت فيه قيم النضال و تغيرت معه مستويات التعبئة و التحضير لعيد العمال ، فإن ثمة نقابات داخل المشهد مازالت تحافظ إلي حد ما علي مواقفها و مبادئها الثابتة و تؤدي دورها في الحراك الإجتماعي دون المستوي المعهود لها في السابق ، ربما من باب ( الطبه ) فدخول الشركات الوسيطة علي خط العمل و تشغيل عمال لفترات طويلة برواتب منقوصة و بأقل الأجور دون عقود تحمي حقوقهم أو الإستفادة من التغطية الصحية يعد جريمة لا تغتفر بحق الإنسان. أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها عبودية معاصرة مقيتة . كالعمال المؤقتين أو الغير دائمين داخل كبريات الشركات الوطنية و القطاعات الوزارية. فجميع التجارب السابقة تؤكد أن كل الزيادات التي تحصل من حين لآخر و التي تستهدف الرواتب و المعاشات و رفع الحد الأدنى للأجور تأتي ضمن حزمة الحماية الإجتماعية التي تتبناها الحكومة بتوجيه من فخامة رئيس الجمهورية، لكن سرعان ما تصاحبها زيادة موازية و كبيرة لأسعار المواد و السلع ، نتيجة جشع التجار و سيطرة أصحاب النفوذ من رجال المال و الأعمال علي الأسواق و علي مفاصل الدولة ، فيلتهم الغلاء فرحة الزيادة . لا شك أن الإدارة الموريتانية تعاني من إختلالات تراكمية عميقة لم يتم التغلب عليها بعد ، مثل سوء التسيير و التدبير و التجاهل و التقليل من شأن العنصر البشري . نتيجة تبعات التوظيف و التعيين الخاطئ و غير مستحق . في ظل غياب تبني سياسات تشغيل ناجعة و إرساء عدالة إجتماعية . مما كان له الأثر السلبي الكبير علي ضعف أداء الإدارة و تردي الأوضاع و تعطيل الخدمة و انتشار البطالة ، و بالتالي إتساع الفساد في كل الإتجاهات . لدرجة أن المواطن فقد الثقة في الإدارة . مما دفع بآلاف الشباب الموريتانيين إلي ركوب المخاطر و الهجر نحو الولايات المتحدة الآمريكية بحثا عن غد أفضل. صحيح أن ممارسات من قبيل المحسوبية و الزبونية و التحيز و المحاباة السياسية ما فتئت تخلق تضاربا في المصالح و تكافؤ الفرص داخل المجتمع و تقوض الديمقراطية و تقلص مجال دولة القانون و المؤسسات. لكن الواقع الإداري لدينا يكشف أن الحسم في التعيين أو الترسيم أو رفع الأجور أو دفع العلوات يتم عادة و في أغلب الأحيان وفق الرغبة الذاتية للهرمية الإدارية ممثلة في شخص المسؤول الأول الذي له الصلاحية الكاملة. المطلقة لترسيم أو تعيين الشخص الذي يراه مناسبا للمنصب الشاغر أو المناصب التي يراد خلقها دون مراعاة مصلحة القطاع . و هذه الرغبة عادة ما تحددها إعتبارات بدل معايير ترتبط بتقييمات ذاتية تستند إلي ولاءات شخصية أو فئوية . بينما يجمع كل المراقبين للشأن الوطني أن الوضع الراهن للعمال غير دائمين في مختلف قطاعات الدولة و داخل كبريات الشركات و المؤسسات العمومية الخدمية و غيرها . ماهو إلا مظهر من مظاهر الفشل الإداري و سوء التدبير و نتيجة حتمية لتداعيات سياسات التشغيل الخاطئة المتبعة في الإكتتاب و الترسيم و التوظيف . بالإضافة إلي مآلات سوء التسيير . فكيف لنا كعمال أن نطالب بالترسيم أو رفع الأجور و تحسين الظروف ، و معظم إداراتنا تدار بالمزاج ؟!!! حفظ الله موريتانيا تحية إحترام و امتنان لكل يد عاملة مخلصة للوطن .


ميادين
٠٦-٠٤-٢٠٢٥
- ميادين
ما يجمعنا أكثر وأكبر مما يفرقنا/ بقلم: اباي ولد اداعة
بالطبع ما يجمعنا هو دين واحد و نعم الدين الإسلام. و وطن واحد هو موريتانيا الحاضنة التي تزخر بكل الخيرات و الثروات و تتسع للجميع ، فمصدر قوتنا و ثرائنا هو تنوعنا العرقي و الثقافي . لا شك أن المجتمع الموريتاني بمختلف مكوناته الشرائحية و بحكم بعده العربي والإفريقي يتقاطع تاريخيا و صيروريا في جملة من العادات و التقاليد و الظواهر و الممارسات الإجتماعية و الثقافية . لا يمكن لأي كان نكرانها أو تجاهلها، و إن كانت تتفاوت في أبعادها الإجتماعية و حجم أشكالها و أنماطها في بعض الحالات بإختلاف و تنوع الموروث الثقافي لدي مكونة إجتماعية بعينها دون غيرها . فظاهرة العبودية علي سبيل المثال المقيتة و المدانة و المجرمة وطنيا و دوليا . والتي سادت و عمت مناطق و شعوب العالم دون إستثناء تم تجاوز مآسيها و مخلفاتها داخل بعض البلدان علي مراحل و بشكل نهائي عبر مصالحات و تفاهمات وطنية أيضا . ظهرت داخل مجتمعنا برمته كممارسة دنيئة و ظالمة في حق الإنسان أو بني آدم علي الأصح الذي كرمه و فضله الله تبارك وتعالي علي كثير من خلقه كما جاء في الآية الكريمة من سورة الإسراء ( و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا ) صدق الله العظيم . نجد بقايا رواسبها و مخلفاتها لدي مكونات بعض الزنوج الموريتانيين بأشكال و صور و أساليب بشعة و خطيرة مقارنة بما كان يحصل لدي البيظان وصلت لدرجة تجهيز مقابر خاصة للأسياد و عوائلهم و أخري للعبيد . الشئ الذي ظل في حالة وضع صامت لا ينبغي التحدث أو الكلام بشأنه دون أيما إثارة من دعاة مناهضة العبودية أو منظمات حقوق الإنسان التي تنشط بشكل مستمر في المجال الحقوقي و علي نحو واسع داخل الوطن ، في محاولة لطمس الحقيقة و توجيه اللوم و العتاب بدرجة أقل لمكونة الزنوج دون مكونة البيظان . و هو ما يؤكد عدم سلامة و شفافية و نزاهة و صدق عمل الجمعيات الحقوقية الناشطة في هذا المجال ، فمن شأن هذا أن يهيئ الأذهان و يمهد السبل لتسويغ و ترويج الشائعات و الأكاذيب المضللة و الإفتراءات المفتعلة بقصد الإضرار بسمعة مجتمع البيظان . في الوقت الذي يتم فيه رفع الشبهات عن مكونات الزنوج .. و إن كان ذلك لا يبرر إطلاقا ما موريس في السابق داخل أوساط البيظان من عبودية و ظلم و سطو و غبن و تهميش و تعذيب و إغتصاب..الخ و بشكل فظيع و فاضح ضد شريحة لحراطين . مما كان له الأثر الكبير في تجهيل و تفقير و تجويع أبناء هذه الشريحة ، و خاصة في ظل غياب المساواة قبيل قيام الدولة المركزية و تقاعس نخبنا الوطنية و حب التربح لديهم علي كاهل المواطن البسيط و علي حساب القضايا الوطنية العادلة . مما جعلنا اليوم نعيش هذا الواقع و الوضع الإنساني المر ، و نتناقض مع أنفسنا في كل الأحوال و الأوقات و المناسبات نتيجة إزدواحية المعايير في التعامل مع القضايا الإنسانية و الحقوقية، و التباين في الطرح و المقاربات و التعمد إلي الخلط بين العمل السياسي و الحقوقي . و كأننا نسينا أو تناسينا عن قصد أوغير قصد مقاصد الآية الكريمة من سورة الرعد ( إن الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم ) صدق الله العظيم . بالتأكيد لسنا مسؤولين عن ممارسات العبودية في الماضي ، بقدر ما نحن مسؤولون و مدعوون كل من موقعه للتخلص من رواسبها بشكل نهائي و مناهضتها و عدم التستر علي مرتكبيها و الوقوف إلي جانب ضحاياها و رفع الظلم عنهم و تمكينهم من تبوؤ مكانتهم المستحقة و اللائقة داخل المجتمع دون مزايدة . ولا يتأتي ذلك إلا عن طريق التمييز الإيجابي الهادف و المنصف من الدولة . في الوقت الذي ظهرت فيه أنماط و أشكال جديدة و معاصرة من العبودية أكثر خطورة من سابقاتها أستهدفت طبقات العمال الكادحة و أمتصت جهودهم و قوتهم الفكرية و البدنية و أضرت بعوائلهم و أرغمتهم علي العيش في البؤس نتيجة غطرسة و ظلم الإدارة و غياب العدالة الإجتماعية و جشع رجال المال و الأعمال و إكراهات الحياة حصل ذلك نهارا جهارا و بمسميات مختلفة عمال غير دائمين أو مؤقتين يتقاضون أقل الرواتب مقابل أعمال شاقة دون الحصول علي أبسط الحقوق في الترسيم أو التأمين الصحي أوالإستفادة من العلوات....الخ ما نحتاجه أكثر من أي وقت مضي هو سماع بعضنا البعض و إغتنام فرصة الحوار الوطني المرتقب الذي سبق و أن تعهد به فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني. ضمن برنامجه الإنتخابي . و الجلوس معا علي طاولة حوار وطني شامل وجامع جاد مبني علي المصارحة و المكاشفة و معالجة كل الإختلالات و الإشكالات و مواجهة القضايا الوطنية العالقة بالحلول لا بالتجاهل و النكران ، و تقديم التنازلات المؤلمة من أجل مصلحة الوطن و ذلك بتغليب منطق المواطنة الصالحة و المخلصة علي تراهات المصالح الضيقة . و ردم الهوة التي أنشأت بين مختلف مكونات المجتمع . كما نحتاج أيضا إلي تقريب التباعد و بث رسائل التقارب و التصدي بكل قوة و حزم لما نلاحظه من حين لآخر من داخل البرلمان وفي الشارع و عبر منصات و وسائل التواصل الإجتماعي من إنتشار غير مسبوق لخطاب الكراهية و التحريض العنصري و إثارة النعرات العرقية بشكل لا يخدم أمن و إستقرار البلد ، و لا التعايش الأهلي السلمي . و ضرورة تدارك الوضع قبل فوات الأوان . و العمل سويا بغية فرض هيبة الدولة بالعدل و القانون علي نحو يعزز قيم الولاء و الإنتماء للوطن ويقوي اللحمة الوطنية و يكرس دولة المواطنة و المساواة و يحقق العدالة الإجتماعية و يجسد التقسيم العادل للثروات بشكل تعم فيه الرفاهية و تذوب فيه كل الفوارق الإجتماعية. في الوقت الذي يجمع فيه كل المحللين و المراقبين للشأن الوطني علي ضرورة تهيئة الأرض المناسبة و الظروف الملائمة للتعايش المشترك بين مختلف مكونات المجتمع. إن لم يكن من أجلنا فمن أجل الأجيال القادمة . تأسيسا لما سبق فإن ما يجمعنا هو ثوابت و قيم وطنية و دينية و أصول ثابتة تندرج ضمن روابط و قواسم كبيرة مشتركة وجامعة . في حين يبقي ما يفرقنا هو حالات فرعية و خلافات آنية عابرة و قضايا تم تضخيمها و توظيفها بشكل سيئ و خاطئ أساء للوطن و خدم آجندات خارجية تتربص بوحدة و إستقرار البلد و النيل من ثوابته الوطنية . لكن هيهات!!! حفظ الله موريتانيا اباي ولد اداعة .


ميادين
٠٦-١٠-٢٠٢٤
- ميادين
المنظومة التعليمية بين زمنين/ بقلم: اباي ولد اداعة
إن التعليم هو قاطرة التنمية الحقيقية في العالم وهو المقياس الحقيقي لنهضة الأمم و الشعوب . كلام لم يعد من قبيل الشعارات التي يرددها البعض في إطار الإستهلاك السياسي أو الإعلامي. حيث أن عمليات إعادة تطوير وبناء منظومة تعليمية في ظل تحولات إجتماعية و سياسية كبيرة و أمام تأثيرات عولمة عارمة غزت البيوت و أختزلت المسافات بين العالم و تحول إقتصادي رقمي مهيمن يتطلب أكثر من أي وقت مضي الوقوف علي الإخفاقات و مكمن الإختلالات البنيوية داخل السياسات العامة و الإستراتجيات الخاصة و التجارب الماضية بغية تجاوزها و صياغة تصورات و مقاربات أكثر ملاءمة و واقعية. إنطلاقا من أن التعليم في أي مكان من العالم يقوم علي اربعة ركائز و عناصر أساسية : - ‐ المعلم . ‐ الطالب . ‐ المدرسة ‐ المنهج الدراسي . تشكل هذه العناصر مجتمعة و علي هذا النحو من الإهتمام و التدبير نواة إصلاح التعليم . إذ تشير المعطيات التاريخية لمراحل نشأة الدولة الموريتانية و ما تلاها أن المدرسة العمومية كانت واحدة من الأجهزة الإيديولوجية و السياسية المتاحة أمام النخب التي مسكت الحكم و الدولة في فترة ما بعد الإستعمار فقد تم تسخيرها لخدمة هدف عملي تمثل في الأساس في تزويد الدولة الناشئة بالعنصر و الكادر البشري المتعلم و المؤهل للإنخراط في النسيج الإداري و السياسي للدولة عززته وقوته عوامل و شعارات كشعار الوحدة الوطنية الذي عمل علي تجذير حالة من التجانس الثقافي والسياسي و ايجاد وضع شبه إجماعي حول مشروع دولة الإستقلال حينها. إلا أن من بين أكبر التحديات التي واجهتها أول نخبة وطنية حاكمة هي عزوف الأطفال عن الدراسة و التعلم بسبب رفض العوائل و الأسر إرسال أبنائهم إلي المدارس النظامية العمومية لما تكرسه في نظرهم من تبعية و إمتداد لدولة المستعمر . لعل هذا ما دفع بالأب المؤسس للبلاد الرئيس المرحوم المختار ولد داداه إلي جعل التعليم ضمن أولوياته و إهتماماته الخاصة من أجل بناء و قيام دولة مركزية ، لذا كان دائما يحرص أينما حل و أرتحل علي حث الجميع مخاطبا كل الموريتانيين في أكثر من مناسبة وطنية علي ضرورة تجاوز العقليات المجتمعية السلبية و مواكبة مشروع بناء الدولة العصرية من خلال إلحاق أبنائهم بالمدرسة العمومية إنطلاقا من أن المدرسة هي الوسيلة الوحيدة الأكثر فعالية لتغيير المجتمعات و تطوير عقليتها و النهوض بها نحو غد أفضل . ذلك ما عمل علي تحقيقه بكل وطنية و جدارة و إرادة صادقة و رؤية متبصرة . بدليل صرف خمسة ملايين دولار أرسلها إليه الرئيس الزائيري موبوتو سيسيكو كهدية خاصة تم توجيهها لبناء و تشييد صرح علمي كان له الأثر الكبير في مسيرتنا التعليمية و التربوية لاحقا . ألا و هو المدرسة العليا للأساتذة و المفتشين !!! لقد ساهمت التكوينات و التدريبات الخارجية لطلائع بعثات الطلبة الموريتانيين قبيل و بعيد الإستقلال في إتاحة الفرصة أمام الدولة الفتية للحصول علي أفواج من النخب مكنت من مرتنة الإدارة و تعويض إطارات الفرنسيين و الأجانب المغادرين و نجحت في ذلك من خلال بناء منظومة تعليمية قوية أسست لإصلاحات واسعة حققت إرساء الهوية الوطنية و أسست لمبادئ و قيم الجمهورية و مقومات دولة الإستقلال . كما أسهمت في تكوين أجيال وطنية ساهمت لاحقا في بناء الدولة الحديثة و تعصير المجتمع. ففي الماضي كان التعليم يخضع لنظام و قوانين صارمة . و كانت القيم السائدة حينها متأسسة علي ثقافة طورها الوعي الفطري للموريتانيين فكان المعلم يستشعر القيمة الكبيرة لمهنته بصفته صاحب رسالة و ليس موظفا بدوام جزئي مما أكسبه تقديرا و احتراما كبيرين داخل الوسط المدرسي و المجتمعي . في ظل التركيز علي صدق النوايا و حب الدراسة و الرغبة في التعلم و اكتساب المعرفة رغم ضعف الموارد و قلة الإمكانيات و صعوبة و سائل الإتصال و التواصل . فكانت فترة الدوام تنقسم إلي فترتين صباحية و مسائية مما أسهم في تعزيز الجد و النشاط العملي و الإكتساب العلمي و المعرفي . حيث تنشط فيها حركة الجميع معلمين و طلابا مشيا علي الأقدام لمسافات طويلة بغية الوصول إلي المدرسة دون ملل أو كلل ذهابا و إيابا . إضافة إلي ما تمليه ظروف الإقامة أنذاك داخل العاصمة انواكشوط و غيرها من مدن الداخل و أحياء الصفيح و في المناطق السكنية و داخل الأوساط الشعبية الهشة رغم إنعدام الكهرباء و الماء الشروب و بالتالي إجبارية المطالعة تحت ضوء الشموع أو مصابيح الزيوت ( اللمبة ) . مرحلة أسست للتعاطي الجاد مع المنظومة التعليمية القائمة انذاك و التقيد بمجموعة من القيم و الضوابط و الثوابت الوطنية و الإنفتاح و الإندماج داخل الوطن الواحد كان لها الأثر الكبير في خلق جيل متعلم و متخصص له القدرة و القابلية علي خدمة الوطن و المواطن من مواقع مختلفة. لكن في نهاية الثمانينات و بداية تسعينات القرن العشرين شهدت الدولة الموريتانية توجها ديمقراطيا ليبيراليا علي غرار الدول النامية أسس لعهد ديمقراطي بضغوط فرضتها سياسات النظام الدولي حينها كانت لها التأثيرات و التداعيات المباشرة علي التغييرات الحاصلة في مختلف مناحي الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية. حيث ترك خيار التخلي التدريجي عن الدور الإجتماعي للدولة ضمن رؤية ليبيرالية آثاره علي التعليم العمومي مسببا لمآزق متباينة ظهرت في الأساس في تآكل بناه التحتية و انعدام مقومات الجودة المعرفية البيداغوجية في ظل غياب سياسات إصلاح ناجعة من داخل قطاع التعليم تزامنا مع مرحلة من التعاطي الديمقراطي الخاطئ كرس لممارسات و مفاهيم شاذة ساهمت من جديد في عودة وتكريس البعد القبلي و الجهوي . تراجعت و تلاشت عبرها القيم المجتمعية و الثوابت الدينية و الوطنية . عززتها و دعمتها عوامل و تحولات إجتماعية كبري : - ‐ تغيير العقلية . ‐ النفاق و التملق . ‐ طغيان المادة والجشع المالي.. ‐ التخلي عن مبادى و قيم الجمهورية . - تغليب المصلحة الخاصة علي العامة ‐ تزايد الإقبال علي التعليم بحكم التوسع الحضري والإنفتاح في ظل تدني مستوي التعليم العمومي. ‐ تراجع الوسائل و البني المؤسساتي التحتية للتعليم. ‐ ضعف أجور و علاوات المعلمين والأساتذة . ‐ عدم ملاءمة و مسايرة المناهج التربوية المتاحة. ‐ تصاعد إستخدام و سائل التواصل الإجتماعي بشكل دائم و مفرط بين الأطفال و الشباب مما يؤثر سلبا علي أخلاقهم و أسلوب تفاعلهم . فعلي شاكلة هذا التراجع الملحوظ للدور الريادي للمدرسة العمومية شهد قطاع التعليم الخاص الحر إزدهارا كبيرا بدأ ينمو ببطء في أواخر الثمانينات و بداية التسعينات ليشهد حالة توسع و هيمنة مستمرة خلال السنوات الأخيرة . حيث أصبح هذا القطاع حاضنة لإستقطاب نزعة إجتماعية متطورة ضد واقع المدرسة العمومية للبحث عن مستقبل مدرسي ومهني أفضل للأبناء. إذ أن جيلا واسعا من الآباء المصنفين ضمن الشرائح المتوسطة لم يعد ينظر الي التعليم العمومي بوصفه أداة للصعود الإجتماعي و الإندماج ضمن الهياكل الإجتماعية و الإقتصادية القائمة و إنما أصبح علامة للفشل و التخلف المعرفي. لكن بعض المراقبين والمهتمين بشأن التعليم يرون أن القطاع الخاص لم يحقق هو الآخر التعليم المنشود و المرجو في هكذا حالات و اوضاع . و انه لم يعد بالأفضل و الأحسن من العمومي . حيث تحول التعليم الخصوصي إلي بديل فرضته وضعية التعليم العمومي و أملته ظروف مرحلة جديدة من الممارسات و التعاطي المادي ساهمت في تكريس الطبقية و إبراز ملامح الفوارق داخل المجتمع الواحد و امتصاص جيوب المواطنين من خلال الدفع المستمر لرسوم و تكاليف الدراسة و مصروفات الدروس الخصوصية داخل البيت إضافة إلي أعباء المواصلات و ما تتطلبه المرحلة من ضرورة إستخدام و سائل نقل خاصة أو غيرها من و إلي مؤسسات التعليم مهما قصرت أو بعدت المسافة ، دون ان ينعكس ذلك علي المستوي العلمي و المعرفي للتلاميذ او الطلاب أو يحدث إضافة نوعية في ظل أزمات صحية و إقتصادية حادة دولية متكررة و مستمرة. مما خلق ثقافة إستهلاكية غير محدودة و كرس لمفاهيم و ممارسات أصبحت تميز المجتمع و تثير الإلتباس بين مفهومي الكماليات و الضروريات لدرجة يصعب التخلص من تبعاتها . كما تشهد مدارس التعليم الخاص هذه الأيام في ظل غياب الرقابة و بالتزامن مع مع إفتتاح الموسم الدراسي الجديد تضاربا كبيرا و تلاعبا بالأسعار و الرسوم في سباق مع الزمن للتربح علي كاهل المواطن قبل سحب البساط من تحتها بالنسبة لمرحلة التعليم الأساسي. مما يستوجب تدخل الجهات المعنية علي جناح السرعة . بالإضافة الي ما سبق شكلت الإرادة الصادقة و الجادة لدي فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني ، توجها حقيقيا نحو إعادة بناء و إصلاح نظام تعليمي شامل قاعدي جسدته اللحظات الأولي من فعاليات يوم التعليم حينها تحت شعار المدرسة الجمهورية مشروع إصلاح تربوي للجميع وبالجميع برعاية من رئيس الجمهورية وبحضور واسع للأسرة التربوية ومنظمات آباء التلاميذ و هيئات التأطير و شركاء التنمية. حيث أكد رئيس الجمهورية أنذاك في خضم حديثه بالمناسبة و بالحرف الواحد : - ( أن بناء نظام تعليمي شامل ذي جودة عالية يفتح الآفاق أمام عبقرية شعبنا التي هي مورده الذي لا ينضب شرط ضروري في نجاح ما نعمل عليه جادين من مكافحة الفقر والبطالة و النهوض بالقطاعات الإنتاجية و محاربة الهشاشة و الغبن و العقليات الإجتماعية السلبية وغير ذلك. إن الغاية من إصلاح مدرستنا العمومية يضيف رئيس الجمهورية هي جعلها أكثر قدرة علي أن ترسخ لدي أبنائنا تعاليم ديننا الحنيف و قيم ثقافتنا العربية والإفريقية و قيم المواطنة و المساواة و التلاحم الإجتماعي وكذلك أن يتيح لهم جميعا خدمة تعليمية ذات جودة عالية منسجمة المخرجات مع متطلبات النهوض الشامل الذي تتوفر بلادنا اليوم علي مؤهلات معتبرة لتحقيقه ..) ...الخ . حديث حمل رؤية واسعة مستنيرة جسدت مضامن و مقاصد البرنامج الإنتخابي لفخامة رئيس الجمهورية طموحي للوطن . الذي تعمل حكومة معالي الوزير الأول السيد المختار ولد اجاي . بشكل جاد ممثلة في الوزارة الوصية علي قطاع التعليم علي إسقاطه و ترجمته علي أرض الواقع ضمن خطوات و إجراءات تم إتخاذها خلال تدابير المأمورية الأولي أسست لإنطلاق فعلي لتعليم جمهوري و تعزيز الوحدة الوطنية : - ‐ كحصر السنة أولي أساسية علي التعليم العمومي وهي خطوة هامة في الإتجاه الصحيح بدأت تأتي أكلها حيث مكنت من دمج و حصر الفصل الثالث إبتدائي هذا العام داخل منظومة التعليم العمومي و هكذا دواليك . ‐ تعميم الزي المدرسي الموحد داخل المدارس العمومية و الخصوصية لإذابة الفوارق الإجتماعية و غرس قيم المواطنة . و قد اعتمدت الوزارة أيضا ضمن الإصلاح الواسع المقام به خلال مأمورية الشباب خطة عمل تضمنت تدابير جديدة لتحسين نظام التعليم في البلاد : - ‐ زيادة عدد المدارس ‐ التعاقد مع جدد و تدريب المزيد من المعلمين . ‐ توسيع فرص الحصول علي التعليم للأطفال . ‐ دمج التكنولوجيا لأول مرة ضمن مناهج التعليم . ‐ توفير الأجهزة اللوحية و غيرها من الأدوات الرقمية للطلاب و المعلمين . ‐ العمل علي تحسين ظروف المعلمين و تشجيع الطلاب المتفوقين . كما سبق تلك التدابير قرارات هامة بشأن توحيد إفتتاح السنة الدراسية التي تصادف هذه المرة الذكري الأولي لعملية طوفان الأقصي 7 أكتوبر. و ما يحمله هذا التاريخ من رمزية ذات دلالات عميقة في مسار المقاومة الفلسطينية . علي أن تشمل كل المدارس العمومية والخصوصية التي تنشط بشكل رسمي داخل التراب الوطني ماعدي التي تسيرها إتفاقيات دولية أو قنصلية . في خطوة غير مسبوقة لفرض هيبة الدولة و إحترام السيادة . بالمقابل تتحدث أصوات عائلية عن عدم تمكنها من تسجيل أبنائها في الصف الأول أساسي في ظل رفض و عجز مؤسسات تعليمية عمومية من قبول و إستيعاب كل الوافدين الجدد داخل مختلف ولايات انواكشوط الثلاثة التي تعاني في الأصل من عدم توازن في التوزيعة الديمغرافية للسكان . مما فتح الباب أمام المحسوبية و الزبونية و أثار إستياء و غضب آباء التلاميذ. في الوقت الذي دعت فيه نقابات قطاع التعليم الخاص إلي وقفة يوم الإفتتاح إحتجاجا ضد تمكين مدارس معارف التركية من الإستفادة من مزايا خاصة دون غيرها . من جهة أخري يعد التعليم العالي أو الجامعي مرحلة محورية هامة في التطور المعرفي للطلاب ساهم بشكل كبير في النمو الإقتصادي و التنمية من خلال تعزيز الإبتكار و زيادة المهارات العالية للخرجين . كما يعتبر أيضا وسيلة لتحسين نوعية الحياة و معالجة التحديات الإجتماعية و العالمية الكيري . شهدت البلاد إنشاء أول جامعة للتعليم العالي 1981 م أطلق عليها جامعة انواكشوط ظلت في صراع مستمر من أجل البقاء نظرا لحجم التحديات و ضعف الإمكانيات و قلة الوسائل. إلا أنها رغم ذلك كله قامت بالدور المطلوب و المنوط بها من أجل تكوين و تأطير و بناء الأجيال في ضوء ما شهدته البلاد في السنوات الأخيرة من ورشات بناء و تشييد واسعة لمدارس و جامعات و منشآت تعليم عليا بمسميات مختلفة و مستويات متباينة لتعزيز البني التحتية . إلي جانب ما شهده قطاع التعليم العالي و البحث العلمي من تحول نوعي غير مسبوق في ظل الإهتمام الحكومي الكبير و الخاص بالقطاع . حيث تم توسيع قاعدة الجامعات و الكليات و إستحداث أخري و إنشاء مؤسسات تعليمية عليا جديدة و توسيع قدرتها الإستيعابية و تحسين الظروف الدراسية ( معاهد ، مدارس بمختلف التخصصات ..) داخل مناطق متباينة من البلاد . إلا أنه ضمن مواكبة الإصلاحات التربوية الجديدة لهذا الموسم فقد تقرر إنشاء عدة مؤسسات للتعليم العالي مدارس و معاهد و زيادة الطاقة الإستيعابية لأخري و إستحداث جامعات و تحويل معهد الترجمة بانواذيب إلي جامعة و الجامعة الإسلامية بالعيون إلي جامعة مفتوحة .. إضافة إلي إفتتاح مرحلة الماجستير و الدكتوراه و إستحداث تخصصات في مجالات الطب و الصيدلة و الهندسة كالذكاء الاصطناعي و غيرها . مما سيعمل علي تحسين ظروف الدراسة و يخلق فرص إكتتاب جديدة خاصة بالنسبة للأساتذة الجامعيين الذين ينتظرون وعود الإكتتاب منذ أمد طويل و يحدوهم أمل الإنصاف . في حين قررت وزارة التعليم العالي و البحث العلمي بشكل مفاجئ عدم منح أي مقعد دراسي أو منحة للطلاب الذين حصلوا علي شهادة الباكلوريا لهذا العام . مما أثار إستياءا واسعا داخل أوساط الطلاب و ذويهم . موضحة أن هذا القرار يأتي ضمن إستراتيجية جديدة تهدف إلي تعزيز إستقلالية التعليم العالي الوطني و قدرته علي إستيعاب جميع الناجحين في الباكلوريا . ليتم توجيه هذه المنح من جديد إلي طلاب مرحلتي الماجستير و الدكتوراه و إلي دعم البني التحتية للحياة الجامعية . بالإضافة الي إستحداث وزارتين ضمن التشكيلة الحكومية الجديدة ( وزراة التكوين المهني و وزارة تمكين الشباب ) فإن قطاع التعليم الفني سيشهد هو الآخر تطورا هاما و دعما مستمرا عبر إنشاء مدارس ومعاهد عليا ومتوسطة ستلبي متطلبات المرحلة والسوق في ظل إستثمارات هائلة و واعدة في مجال الطاقة و الغاز. ستمكن من الولوج إلي العمل . حيث أن التعليم الفني يعتبر من الأدوات الرئيسية لتحقيق برامج التنمية الشاملة للنهوض بالإقتصاد الوطني و توفير العمالة الفنية المؤهلة للقيام بكل المهام في مختلف التخصصات بدلا من الإستعانة بأخري فنية من خارج الوطن. فبتضافر جهود الجميع يبقي الأمل قائما بغية الوصول الي التعليم المنشود من خلال التطلع الي خطط وبرامج تناسب البيئة والمرحلة. وفق الله الجميع لما يخدم مصلحة البلاد. والعباد